تحليل السياسة الخارجيةنظرية العلاقات الدولية

نماذج صنع السياسة الخارجية

بالرغم من اختلاف المدارس والمنظورات التي تناولت السياسة الخارجية إلا أنها تشير كاتجاه عام للتعريف إلى سلوك الدولة تجاه البيئة الخارجية وهذا السلوك يتبلور في أشكال عدة وهو موجه بالأساس نحو وحدات سياسية (الدول ) أو وحدات تنظيمية (الأمم المتحدة مثلا ) أو قضايا (استعمار أو احتلال )، ومن هذا المنطلق حاول دارسوا السياسة الخارجية محاولة بناء نماذج نظرية تملك القدرة المعرفية على تحليل وتفسير سلوكيات الدول الخارجية من خلال البحث في تساؤلات محددة ، فمنهم من اهتم بمن يصنع القرار سواء كان فرد أو جماعة أو جهاز ، ومنهم من انصرف إلى دراسة عوامل ومسببات صنع القرار أي كيف يصنع القرار من حيث هو عملية مركبة أو تلقائية .

وعموما فأيا كانت اتجاهات التحليل التي استندت إليها هذه النماذج النظرية وأيا كانت السياقات والقوالب التي جاءت فيها . فإنها جميعا واكبت نزعة التنظير في السياسة الخارجية في محاولة لتصميم أطر نظرية تفسيرية مرنة تحلل السلوكات الخارجية، لذلك ظهرت نماذج عديدة مثل نموذج سنايدر وروزنو وغراهام أليسون

من هنا يمكن طرح الإشكـالية التالية :

* كيف تنظر هذه النماذج النظرية للسياسة الخارجية من خلال مستوياتها التحليليــة ؟.

الفرضيــــات :

1- عدم التجانس بين النماذج النظرية في السياسة الخارجية يبعدها عن أداء الوظيفية التراكمية بالشكل الذي يعيق تطور عملية التنظير في السياسة الخارجية .

2- الاختلاف في متغيرات ومستويات التحليل يفسر حالة التباين بين هذه النماذج النظرية .

3- ارتباط هذه النماذج بطبيعة النظام الدولي أثناء الحرب الباردة صاغ بدرجة كبيرة اتجاه ومضمون كل نموذج .

المنهج:

نظرا لطبيعة الموضوع الذي يتضمن أكثر من متغير كونه يتقصى موقع المنظمات الدولية بالاستناد إلى حجم التحولات الدولية المتسارعة، أي دراسة علاقة التأثير والتأثر بين المتغيرين.وبالنظر إلى محتوى الإشكالية ومضمون الفروض المطروحة،ارتأينا ضرورة الاعتماد على المنهج المركب بالشكل التالي:

المنهج القانوني:وذلك لتناول جوانب التنظيم في المنظمات الدولية،أي فهم الأطر التي على ضوءها تحدث ديناميكية التفاعل داخل هذه المنظمات ) خاصة الأمم المتحدة( .

المنهج السياسي:ولزومه كون الدراسة تستدعي فهم محركات عمل المنظمات الدولية من جهة، وفحص اتجاهات العلاقة مع المتغيرات الدولية من جهة ثانية.

المنهج التاريخي:وقد تم اللجوء إليه عند عرض أهم تصنيفات المنظمات الدولية لأن ذلك يستلزم تتبع مراحل تطورها تاريخيا.

المقاربة المنهجية:

عرفت عملية تحليل السلوكات الخارجية بروز نزعتين :

النزعة الأولى : تركز على الجانب السياسي بعيدا عن أي أطر نظرية وتتعامل مع السياسة الخارجية للدول كأحداث خاصة ( لها حريتها وطبيعتها الخاصة أي يتعامل مع السياسة الخارجية كمادة للتحليل .

ولذلك كان الإعتماد على المنهج التاريخي بتفحص المسار الدبلوماسي لدولة ما خلال فترة محددة ثم تصنيف السياسة الخارجية لهذه الدولة على أساس ما اتسم به مسارها الدبلوماسي ( مثال : دولة عدوانية فاشلة )، أيضا تقوم هذه النزعة بدراسة التوجه العام لدولة معينة تجاه قضية تحليلية معينة .

النزعة الثانية : بروز مضامين نظرية في دراسة السياسة الخارجية تعنى ببناء نماذج خاصة في السياسة الخارجية .

*والنموذج النظري هو إطار تحليلي يستهدف تفسير وتحليل وتعريف وتصنيف السياسة الخارجية استنادا إلى مستويات معينة قد تتباين من نموذج إلى آخر .

خطة البحث

مقدمـــــــة :

فصل تمهيدي : الإطار العام للنماذج النظرية
الفصل الأول : نموذج صنع القرار الخارجي لسنايدر

المبحث الأول : البناء العام لصنع القرار في السياسة الخارجية .

المبحث الثاني : العوامل المؤثرة في صنع القرار الخارجي

الفصل الثاني : نموذج روزنو للدراسة المقارنة في السياسة الخارجية

المبحث الأول : متغيرات التأثير في السياسة الخارجية

المبحث الثاني : مفهومي : المجال والربط في تحليل السياسة الخارجية

الفصل الثالث : الإطار التحليلي لصنع القرار عند أليسون

المبحث الأول : نموذج الفاعل العقلاني

المبحث الثاني : نموذج العملية التنظيمية

المبحث الثالث : نموذج السياسة الحكومية
الخاتمـــــــة

الفصل الأول : نموذج صنع القرار الخارجي لسنايدر

المبحث الأول : البناء العام لصنع القرار في السياسة الخارجية
إن نموذج سنايدر هو أول نموذج تم تطويره في حقل السياسة الخارجية عام 1954 حيث كانت تلك الفترة قد شهدت انتقادات لاذعة وجهها سنايدر لمختلف الأطر النظرية في إطار السياسة الخارجية لأنها حسبه لا توفر الطريقة المنهجية المساعدة على فهم السياسة الخارجية وتفسيرها.

وقد انطلق سنايدر من تقديم نموذج نظري لفهم وتحليل علم السياسة الدولي مخالف لما قدمه دارسوا النظرية العامة للعلاقات الدولية ( نظريات ومدارس العلاقات الدولية ) حيث يعتمد هؤلاء على النشاطات السياسية للوحدات السياسية كمادة للتحليل فيحللون سلوك الدول تبعا لعوامل موضوعية ( جغرافية ، سياسية ، تاريخية …) وهذا دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير نشاط الأفراد المسؤولين عن اتخاذ القرار الخارجي، لذا ركز سنايدر على البحث في نشاطات صناع القرار الخارجي كمادة للتحليل (1) .

* والحقيقة أن سنايدر ولدى تعرضه للأطر النظرية السابقة عليه قد ميز بين نوعين من التحليل :

التحليل الساكن : يرتكز على طبيعة التغير بين نقطتين زمنيتين وظروف هذا التغير ولكنه لا يبحث في أسباب التغيير والكيفية التي يتم بها .

التحليل الديناميكي : يجمع بين الوقوف على طبيعة التغير بين نقطتين زمنيتين أو أكثر إلى جانب الوقوف على معرفة أسباب التغير بتتابع الأحداث السلوكية ولذلك فتحليل عمليات السياسة الدولية يقتضي دراسة التفاعل بين الدول من ثنايا القرارات الخارجية ( كمنتج نهائي لها ) حتى نقدر العلاقة بين موقفين .

كما أن تحليل العمليات السياسية الدولية يقتضي دراسة عملية صنع القرار لأنها تجعلنا نفسر لماذا ظهر موقف ما بشكل معين .

ـــــــــــــــــــــــ

(1) ناصف حتي يوسف ، النظرية في العلاقات الدولية ، بيروت : دار الكتاب العربي ،1985 ، ص

* الإطار النظري لنموذج سنايدر:

المسلمة المركزية: إن أفضل وسيلة لاستيعاب السياسة الدولية وعوامل التأثير في سلوك الدول تكمن في التحليل على مستوى الدولة ( سنلاحظ ذلك من خلال عملية البناء التحليلي)

وعليه ففهم السلوك الخارجي لدولة ما يؤدي إلى فهم سلوك كل الدول وهذا هو جوهر نموذج صنع القرار لريتشارد سنايدر الذي يرتكز على دراسة السلوك الخارجي وتعريفه والوقوف عليه لأنه يتمثل في مجموعة القرارات التي تصنعها وحدات معترف بها وأن الدول كذلك تتصرف على أساس أنها أطراف وفواعل في حالة أو موقف دولي معين ، والدول تحاول من خلال هذه القرارات الوصول لأهداف معينة والدفاع عن هذه الأهداف، وعليه فـ وحدة التحليل الأساسية هي “القرار الخارجي ” لأن نشاطات الدول في النهاية ليست إلا نشاطات صناع القرارالخارجي.

وفي دراسته لمسار التفاعل اعتبر سنايدر أن الفعل الصادر عن الدولة ( موقف سياسي ، الدخول في النزاع، غلق السفارة …) يقابله رد فعل من المحيط الخارجي يأخذ عدة أشكال وهنا تحدث العملية التفاعلية التي تؤدي إلى تشكل أنماط معينة ترسم أطر محددة للسياسة الدولية.

عملية صنع القرار : هي العملية التي ينتج عنها اختيار أو انتقاء بديل أو قرار من بين مجموعة من البدائل والقرارات، هذه البدائل يعتقد سنايدر أنها معرفة اجتماعيا بهدف التوصل لوضع معين ، هذا الوضع كما يتصوره صانعوا القرار أي هو الذي يرتسم في ذهن صانع القرار (1). ويركز سنايدر على مفهومين أساسيين في تقديمه لنموذجه:

1- الدوافـــع : يجب تحديد ومعرفة دوافع صناع القرار في السياسة الخارجية التي قد تكون متجانسة مع دوافع الوحدات السياسية ( الدول ) كما أنها قد تكون متعارضة، وهي تتنوع بين :

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عادل فتحي ثابت ، النظرية السياسية المعاصرة : دراسة في النماذج والنظريات ، الإسكندرية : الدار الجامعية ،2000 ،ص

الدوافع الشخصية: وهي المكتسبة من التوظيف الذي يشغله صانع القرار

الدوافع السيـاسية: المرتبطة بسياسة الدولة أوالحزب الذي يرتبط به صانع القرار.

2- الإدراك : إن فهم واستيعاب الفعل ( القرار ) يتطلب النظر إلى محيط صناعته من خلال إدراك صناع القرار لمحيطهم وليس من خلال موقع المراقب الموضوعي أو الحيادي(1)، أي في إدراك صناع القرار للعوامل والمتغيرات المؤثرة في هذا القرار.مثال : إدراك الدول لسقوط الاتحاد السوفياتي .

وهذا ما يقود إلى تحديد طبيعة المتغيرات المؤثرة في السلوك الخارجي ( وهنا تطرح إشكالية التصنيف ) .

لأجل ما تقدم يعتبر نموذج سنايدر نموذجا إرشاديا حيث قدمه بهدف اتخاذه من جانب صناع القرار مرشدا لعملية اتخاذ القرار الخارجي .

منهجيـــــا :

تحدث عن إمكانية خضوع هذه الدراسة للتقدير الكمي فاستخدم أساليب البحث الميداني والتحليل الرياضي والإحصائي لتحليل عملية صنع القرار الخارجي ومن ثم أخضع نشاط صناع القرار للتجريب .

فعندما ركز على البحث عن الدوافع التي تقف وراء سلوك صناع القرار قدم نموذجا إجرائيا يتقيد به صناع القرار قبل عملية اتخاذ قرار وركز على مصادر المعلومات وأساليب تمحيصها واحتمالات التشويه التي تتعرض لها هذه المعلومات حينما تنقل من الأجهزة البيروقراطية ( وزارة الخارجية مثلا أو وزارة الدفاع ….) إلى صناع القرار، هذا بالإضافة إلى جانب توضيح معايير الترجيح والمفاضلة بين البدائل المطروحة .

ـــــــــــــــــــــ

(1) فواز جرجس ، السياسة الأمريكية تجاه العرب : كيف تصنع ؟ ومن يصنعها ؟. بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، ط2 ،2000، ص

المبحث الثاني :العوامل المؤثرة في صنع القرار الخارجي

1/ البيئة الداخلية (البيئة الوطنية) :

تقع في إطار المجتمع الذي يتخذ صانعوا القرار قراراتهم من أجله وتشمل السياسات الداخلية ( الرأي العام ، الموقع الجغرافي ، طبيعة النظام السياسي القيم الرئيسية للمجتمع ، الأحزاب ، جماعات الضغط ..) ويمكن إضافة الخبرة الوطنية في التعامل مع القضايا السياسية الدولية، وهذه المتغيرات تكتسب أهمية كبرى لكن أهميتها القصوى يمنحها إياها صانع القرار أي إدراكه لها ، لأنه أحيانا برغم أهمية كل هذه المتغيرات فإن إدراك صانع القرار لبعض المواقف الدولية هو الذي يرجح ويطغى على السلوك الخارجي.

2/ البيئــة الخــارجيـــة :

تشير لكل تلك العوامل ( المتغيرات ) التي تتجاوز الحدود الإقليمية للدولة وتقع في إطار البيئة الدولية : مثل رد الفعل من قبل الدول الأخرى أي سلوك الوحدات الأخرى ،المحيط الجغرافي ، المجتمعات والثقافات …الخ

وقد ركز سنايدر على كيفية الربط بين هذه المحددات ( العوامل ) الخارجية وبين الأحكام التي يؤمن بها صانع القرار أي كيف يفسر صانع القرار هذه العوامل المؤثرة ؟

تتميز البئية الخارجية بالتغيير الدائم والمستمر وهو ما يدفع لبروز عوامل جديدة تتطلب ردات فعل (استجابة /حلول) سريعة(1) مثل حالة التحول في النظام الدولي ،وهنا يبرز دور العامل الشخصي الذي يحدد شكل الاستجابة والكيفية التي يجب التعامل بها .

أي أن الربط بين هذه العوامل المتغيرة وبين إدراك صانع القرار الخارجي يتشكل في (القيم ، المعتقدات ، التصورات الشخصية لصانع القرار ….الخ)

وهناك مجموعة من العوامل البيئية الخارجية التي تشكل ضوابط في أهداف وتوجهات صانع القرار بغض النظر عن إدراكه لها .

ــــــــــــــــــــ

(1) محمد نصر مهنا ، علم السياسة ، القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر ،1997،ص

مثل ( التطور التكنولوجي ، شبكة الاتصالات ، درجة الاندماج الاقتصادي …….الخ) وعموما هذه المتغيرات لا قيمة لها إلا من خلال إدراك صانع القرار .

3/ الوحدة التنظيمية لاتخاذ القرار ( الجهاز السياسي ) :

تفرز هذه الوحدة مجموعة من المتغيرات التي تؤثر في السياسة الخارجية لأن صناعة القرار تتم داخل الأجهزة البيروقراطية التي تكون مقيدة بمجموعة من الإجراءات والقوانين وقواعد السلوك السائدة داخل كل بيروقراطية، وفي حال تعدد هذه الأجهزة يتوقف الأمر على قنوات الاتصال بينها، وهل ستلجأ إلى التشاور والتنسيق أم إلى المنافسة والإقصاء والهيمنة .

وفي هذا الإطار يركز سنايدر على:

– توزع المسؤوليات بين البيروقراطيات

– العلاقة بين الأجهزة البيروقراطية

– طبيعة النزاعات التي تنشأ بينها

– المصادر ( الوقت، الخبرة، المعلومات …)

هناك ثلاث أنماط من التفاعل موضحة في الشكل )

1- التفاعل على مستوى الحكومات (3543)

2- التفاعل على المستوى غير الحكومي ( المستوى المجتمعي ) ( 521)

3- التفاعل داخل المجتمع الواحد على المستويين الحكومي والغير الحكومي (2432).

ولتوضيح هذه الأنماط يمكن تحديد أشكال التفاعل التالية:

( 2-3) التفاعل بين البيئة الاجتماعية وعملية صناعة القرار يظهر تأثير القوى الاجتماعية على صناعة القرار

(4-2) انعكاسات سياسة الخارجية للدولة على البنية الاجتماعية مثال : علاقة جيدة مع دولة جارة قد يكون له نفع مادي لهذه الدولة .

(1-2) تمثل العلاقات على المستوى المجتمعي ( الغير الرسمي ) ( علاقات تجارية ، إعلامية ، رياضية …..)

أي التفاعل بين المحيط الداخلي والمحيط الخارجي .

والحقيقة أنه في ظل العولمة والتحولات الجديدة زاد التشابك والتفاعل بين المجتمعات دون ضوابط

تقييــم نمــوذج سنايدر :

– افتراض عقلانية صناع القرار الخارجيين أمر مناف للطبيعة الإنسانية

– وضع نموذج إجرائي يتقيد به صناع القرار قبل عملية اتخاذ القرار وهذا أمر تحكمي ( مناقض للموضوعية ) .

– الربط النهائي بين نشاط صناع القرار الخارجي وبعض الظواهر مثل الصراع الدولي ، في حين أن هذا الأخير قد ينشأ لأسباب أخرى كالتناقض في القيم والمصالح بين الوحدات السياسية .

– لم يعط مسألة اختلاف طبيعة النظام السياسي أهمية كبرى حيث نجد الاختلاف بين نشاطات صانعي القرار الخارجي من نظام شمولي إلى آخر ليبرالي تبعا لاختلاف الإيديولوجيات وهو ما يصعب من إمكانية استخدام نموذج سنايدر(1) .

ـــــــــــــــــــــ

(1) عادل فتحي ثابت، مرجع سابق ، ص

يعتبر جيمس روزنو من الأوائل الذين قدموا مساهماتهم بداية ….. بوضع نموذج نظري للدراسة المقارنة للسياسة الخارجية يهدف إلى تقديم إطار نظري عام لترتيب وتصنيف عوامل التأثير في السياسة الخارجية للدول حسب درجة هذا التأثير ووزن هذه العوامل (1).

وقد انطلقنموذج روزنو من حالة الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة هذه الفترة لها صفات محددة تساعد دارسي السياسة الخارجية حسب روزنو، وعموما ميز روزنو في نموذجه المقارن بين ثلاثة أنماط من المقارنة وهي:

*مقارنة السياسة الخارجية لدولتين أو أكثر خلال فترة معينة ( حقبة زمنية محددة ) كتفسير السياسة الخارجية للدول الكبرى خلال مرحلة الحرب الباردة.

*مقارنة السياسة الخارجية لدولتين أو أكثر تجاه قضية معينة مثل السياسة الخارجية للولايات المتحدة والصين تجاه القضيةالتايوانيةأو دراسة الاتجاهات العامة في السياسة الخارجية لكل من أمريكا وروسيا نحو الشرق الأوسط. .

*مقارنة السياسة الخارجية لدولة معينة وواحدة بين فترتين مختلفتين مثل استيعاب السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر وبعده.

– ومن خلال هذه الدراسة عمل روزنو على زيادة الفهم والتعريف للسياسة الخارجية لدولة معينة بالشكل الذي ندرك معه حالات تأثير عامل معين وحالات انعدام تأثيره وأيضا تحديد القضايا التي ترتبط في تأثيرها عامل محدد وهذا برصد تفاعل العامل – القضية وإجمالا هدف روزنو عبر نموذجه إلىتصنيف وترتيب متغيرات التأثير حسب شدتها ووزنها في حالات متباينة حتى تتمكن من استشراف تأثير هذا العامل في قضايا مستقبلية أخرى .

ــــــــــــــــــ

(1) فريد زكريا ،من الثروة إلى القوة : الجذور الفريدة لدور أمريكا العالمي ، ترجمة : رضا خليفة ، القاهرة : مركز الأهرام للترجمة والنشر ، ط1، 1999، ص

الفصل الثاني : نموذج روزنو للدراسة المقارنة في السياسة الخارجية

المبحث الأول : متغيرات التأثير في السياسة الخارجية
السلوك الخارجي في النهاية هو متغير تابع لمجموعة من المتغيرات المستقلة مثل : الموقع الجغرافي للدولة ، حجمها ، طبيعة النظام السياسي ، درجة التنمية الاقتصادية ، منظومة القيم الاجتماعية …الخ

يتم الربط بين المتغيرات التابعة والمستقلة بواسطة المتغيرات الوسطية وهي :

1-متغيرات فردية : وهي المتعلقة بالصفات والخصائص الشخصية لصانع القرار ( الخبرة ، القيم ، الولاء ، الفكر ، الإيديولوجيا ….)

تعتبر هذه العوامل ذات أهمية كبرى في تحديد السلوك الخارجي لصانع القرار مثل تأثير : النشأة والتكوين الأسري وأيضا متابعة صانع القرار التاريخية لبعض القضايا والأحداث ومدى تأثره بها بالإضافة إلى إدراك صانع القرار للمسائل التي تم التعاطي معها من قبل ، كما أن المستوى الفكري ( الخلفية ) يؤثر في تعميق الفهم لدى صانع القرار لمختلف جوانب القضايا المطروحة، أما القيم والمعتقدات ( الدينية مثلا ) فهي تؤثر على استجابة وردة الفعل لدى صانع القرار، ونفس الأمر مع الكاريزما السياسية لصانع القرار التي تؤثر في التعامل مع القضايا الخارجية والكبرى .

2-متغيرات الدور : الدور هو السلوك الطبيعي المفترض أن ينتهجه صانع القرار في مركزه بعيدا عن الجوانب الشخصية ( آراءه وتوجهاته )أي أن الوظيفة ( المركز ) يلزم صانع القرار بسلوكات ومواقف وقررات معينة يحدد بمحصلتها الدور (1). أي أن صانع القرار مرتبط بمركزه ويريد المحافظة عليه ويحاول التصرف ضمن حدود الدور وحتى وإن كان مخالفا لآرائه وتوجهاته .

والحقيقة أن تأثير عامل الدور متباين من دولة إلى أخرى ففي الدول المتقدمة تكون الأدوار واضحة نتيجة التكرار وبالتالي يلعب هذا المتغير دورا كبيرا في رسم وتحديد السياسة الخارجية ،عكس ما هو شائع في الدول المتخلفة.

ـــــــــــــــــــــ

(1) بدوي محمد طه ، ليلى أمين مرسي ، مبادئ العلوم السياسية ، الإسكندرية : منشأة المعارف، ص

ويفسر هذا التباين بعامل الديمومة ( الاستمرارية ) لدى النظام السياسي في السياستين الداخلية والخارجية .

3-المتغيرات المجتمعية: هي تعبير عن العوامل غير الحكومية السائد ة في المجتمع وتتنوع بين قسمين :

مادية : مرتبطة بالطبيعة الغير الإنسانية ( الموقع الجغرافي ، التطور في ميدان الاتصالات ، الإمكانات الاقتصادية ،وجود الموارد الأولية ، التقدم التقني والتكنولوجي ، التنمية الاقتصادية ….)

الغير مادية : مرتبطة بالطبيعة غير الإنسانية كتركيبة المجتمع وثقافته السياسية وتشمل القيم والمعتقدات ، الولاءات ، التجانس داخل المجتمع، التراث والإسهام التاريخي والوطني ….

4-المتغيرات الحكومية : تعكس كل جوانب التنظيم السياسي في الدولة وهي تعبر عن هيكل السلطة القائمة وتنوع العلاقات بين مؤسساتها الرسمية

كما تشمل طبيعة صانع القرار وطبيعة المنظومة الحزبية والنظام الحكومي .

5-المتغيرات النسقية : وهي تلك العوامل والمؤثرات التي تفرزها البيئة الخارجية وتتنوع على ثلاث مستويات :

بنية النظام الدولي : التي تشملشكل العلاقات التفاعلية داخل النظام الدولي ( تعاون وتكامل أم تنافس وتنازع ) ومحتوى التحالفات السياسية و العسكرية وأيضا محاور القوى داخل النظام الدولي ( القطب الواحد أم الثنائية أم التعددية القطبية) (1) هذه العوامل تفرض جميعها تأثيرا خاصا على السلوك الخارجي للدول وإن تباين حجم هذا التأثير حسب طبيعة الدولة .

النظام الإقليمي : البحث في المقوم الذي يتشكل منه هذا النظام وعقيدته وخلفيات أعضاءه وطبيعة النظام السياسي لهم ، وقواعد عمل هذا النظام

ــــــــــــــــــ

(1) وليد عبد الحي وآخرون ، آفاق التحولات الدولية المعاصرة ، عمان : دار الشروق للنشر والتوزيع ،2002 ،ص

وتجاربه بغية استشراف محتوى السلوك الخارجي لدول هذا النظام .

الموقع الجيواستراتيجي للدولة : أي مدى تعرضها للتجاذب بين القوى الرئيسية في النظام الدولي أو الإقليمي. فنابليون يقول << إن السياسة الخارجية للدولة تكمن في جغرافيتها>>(1)وكمثال على ذلك نشهد كيف أن الإدراك الإيراني بالثقل الإقليمي يؤثر بشكل واضح على السياسة الخارجية وتوجهات صناع القرار في إيران(2) .

تبعا لهذه المتغيرات التي قدمها روزنو نلحظ كيف انه يركز على أن تأثيرها متباين بحسب نوع وطبيعة الدولة ، لذلك ينصرف إلى تقسيم الدول كما يلي : * حسب المعيار الجغرافـي:دول كبيرة وأخرى صغيرة

* حسب المعيار الاقتصادي:دول متقدمة وأخرى متخلفة

* حسب المعيار السياسـي:دول مفتوحةوأخرى مغلقة. ومن خلال هذه المتغيرات تحدث روزنو عن أشكال ( الشكل 02يوضح ذلك ) التكيف في السياسة الخارجية للدول .

ـــــــــــــــــــ

(1) محمد نصر مهنا ، مدخل إلى علم العلاقات الدولية في عالم متغير ، الاسكندرية : المكتبة الجامعية ،2002،ص

(2) أحمد نجيب زاده ، << البيئة المعرفية في سياسة ايران الخارجية >> ،شؤون الأوسط ، العدد 114 ، ربيع 2004 .

المبحث الثاني: مفهومي المجال والربط في تحليل السياسة الخارجية
1/ مفهوم الربط : ( LINKAGE )

يشير إلى ما ينشأ بين النظام الدولي والنظام الوطني من خلال مجموعة من السلوكات أي أن سلوكا معينا في نظام ما ( أيا كان نوعه ) يؤدي إلى ردة فعل في نظام آخر .

و قد اكتسب هذا المفهوم أهمية أكبر مع تزايد حجم الاندماج الدولي وحالة الانفتاح بين المجتمعات الدولية ( التداخل والتأثير ) (1)

أنماط الربط :يحدد جيمس روزنو ثلاثة أنواع من الربط وهي:

الاختراق ( PENETRATION ) :وهو النمط الذي يشارك فيه صناع القرار أو أطراف من وحدة سياسية معينة ( دولة ، منظمة ) في سلوك ( قرار أو فعل ) وحدة سياسية أخرى .

مثال : دخول قوات الاحتلال أو تشكيل لجان تقصي الحقائق وأيضا المساعدات الاقتصادية يحدد بشكل مباشر السلوك الخارجي للدول في صورة تدخل مباشر كما يحدث مع صانع القرار العراقي نتيجة لوجود قوات الاحتلال الأمريكي.

رد الفعــل : لا يحدث بالمشاركة المباشرة أي أن يكون سلوك أطراف في وحدة معينة هو بمثابة ردة فعل نتيجة لحالة التأثرمن سلوك الطرف الأول وهنا أفراد الوحدة صاحبة الفعل لا يشتركون في قرارات و سلوكات أطراف وحدة رد الفعل بصورة فعلية .

التقليد ( EMULATION) : في هذا النمط لا تكون ردود الفعل كمخرجات من البيئة الدولية أو المحيط الوطني إنما تأخذ نفس شكل المخرجات أي أن سلوك نهج معين هو تعبير عن ذات القرار والفعل والسلوك لوحدة أخرى وليس ردة فعل لها .

مثال1 : اتخاذ موقف بالتأثر بنفس الموقف لدولة مجاورة أو حليفة أو دولة

ـــــــــــــــــ

(1) ريتشارد هاس ، ميجان أو سوليفان ، العسل والخل : الحوافز والعقوبات في السياسية الخارجية ، ترجمة : إسماعيل عبد الكريم ، القاهرة : مركز الأهرام للترجمة والنشر ،2002،ص

نموذج لباقي الدول.

مثال2 : تأثر حركات التحرير الوطني ببعضها البعض .

2/ مفهوم المجال : إن سلوك الدولة الخارجي يتغير بين قضية وأخرى ومن مجال إلى مجال آخر لأن الإختلاف في الأهداف والمصالح والنتائج التي تجنيها دولة من قضية يؤدي بالضرورة إلى اختلاف في سلوكها الخارجي تجاه قضية وأخرى .

وبحسب تقسيم روزنو للنظام الدولي كما يلي:

-التقسـيم الأفقــي: ويضم الدول كأطراف جغرافية والمنظمات كأطراف وظيفية

– التقسـيم العمـودي: وفيه يعرف النظام الدولي بمجموعة من المجالات التي تحتوي عدد من القضايا والمواضيع المشتركة.

فانه عرف المجال باعتباره يشمل عدة قيم وقضايا يؤثر توزيعها في تباين المواقف عند الأطراف المعينة أي التأثير المباشرلهذهالقيم والقضايا في عملية صنع القرار الخارجي لتلك الأطراف(1) .

* وهناك أربـع مجـــالات :

المجال الإقليمي ( الأرضي ): ما تضمن موضوعات الخلاف على الحدود أو على جزء من الأراضي أو جزر أو تقسيم دولة أو حالة احتلال.

مجـال المركــز : وهي تحوي موضوعات كالخلاف الدبلوماسي والاعتراف بدولة والحفاظ على حقوق الإنسان .

مجال المصادر البشريـة : مرتبط بالمسائل الثقافية ، السكانية ، العمل ، الدين ( حرية المعتقد )

مجال المصادر الماديــة: المساعدات الاقتصادية ، التعاملات التجارية

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث : الإطار التحليلي لصنع القرار عند أليسون

جاء على خلفية أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 م وكنتيجة لها حيث قدم محاولة لتفسير سلوك الطرفين من الأزمة .

و باعتباره نموذجا مستقلا في السياسة الخارجية فهو يتضمن عدة نماذج فرعية مكملة لبعضها البعض: نموذج الفاعل العقلاني / نموذج المسار التنظيمي / نموذج السياسات الحكومية )

المبحث الأول:نموذج الفاعل العقلاني ( rational actor )

الفكرة المركزية لهذا النموذج هي تفسير سلوك الدولة( أ) تجاه موقف معين أو حدث مؤثر أو دولة أخرى أو هيئة معينة عبر تحليل عقلاني للأهداف التي تعمل الدولة لأجلهاأي الربط بين السلوك والأهداف بتفسير الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء قررات السياسة الخارجية للدول، لذلك ينطلق غراهام أليسون من وضع إطار عام للحسابات ( توزنات ، تنازلات ……) الذي على ضوءه تقوم دولة ما باختيار نهج سياسي أو اتخاذ قرار خارجي معين دونا عن باقي القرارات الأخرى الممكنة(1) .

وكمثال معين لذلكنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت الحرب العالمية الثانية نتيجة التهديد الذي قد يمثله اختلال ميزان القوى التقليدي في أوربا .

تفكيك المفاهيم : فاعل / عقلانية

1-الفاعل : الدولة ينظر لها على أنها الفاعل الوحيد في السياسة الخارجية وهي تهدف تحقيق مجموعة من الأهداف وكل هدف مرتبط بجملة من الوسائل والإمكانيات والدولة تحاول في النهاية اختيار الهدف بطريقة عقلانية .

2-مفهوم العقلانية:تتحدد بتوفير مجموعة من الخصائص :

– تحديد أهداف السياسة الخارجية والقيم المرتبطة

ــــــــــــــ

(1) ناصف حتي يوسف ، مرجع سابق ، ص

– تحديد الوسائل والإمكانيات المتوفرة لتحقيق الأهداف وتقييمها

– اختيار الوسيلة الأكثر عقلانية لتحقيق الهدف الأمثل .

مقاربة التحليل : ينطلق أليسون من أن سلوكيات الدولة تعبر عن أهداف تعمل الدول من أجلها وبالتالي فالسلوك هو خيار منطقي وعقلاني وتلك هي الوحدة الأساسية في البناء التحليليلي .

والسلوك لا يرتبط بهدف محدد إنما بمجموعة من الأهداف وعليه مجموعة من الاختيارات والبدائل لتحقيق هذه الأهداف ويملك صانع القرار الأفضلية لتقويم و اختيار سلوك واحد بالأخذ بعين الاعتبار نتائج كل خيار(1) .

*يرجع غراهام أليسون اعتبار السلوك اختيارا عقلانيا لخمس مبررات :

-ترتيب الأهداف حسب سلم أولويات الدولة

– وجود بدائل تعكس تعدد السلوكيات الممكنة إتباعها من قبل الدولة في قضية ما

-دراسة النتائج والاحتمالات المترتبة عن سلوك ما ( ايجابية أم سلبية )

-الخيار هو الحصول على أقصى ما يمكن تحقيقه بتكلفة مقبولة .

– ضبط معايير عقلانية هي أقرب إلى ثوابت أو عوامل موضوعية لتفسير وتقييم السلوك الخارجي لدولة ما تجاه قضية معينة وصناع القرار يأخذون في عين الاعتبار أن هذه العوامل قد تكون ( ايجابية أو سلبية ) في تأثيرها وينطلقون من هذا الأساس لتحديد السلوك السياسي المتبع .

منهجيا : بامكان صانع القرار التركيز على عنصر الاستمرارية في سياسة دولة معينة لتحديد توجهاتها ومن ثم رسم سلوكياته هو .

و كإسقاط فإن لهذا النموذج تطبيقات عديدة في نظريات الألعاب ، التفاوض والمساومةوالردع ….الخ

إسقاطــات النمــوذج :

قدم غراهام نموذجه هذا للبحث في خلفية القررات الثلاثة في أزمة الصواريخ

ـــــــــــــــــــ

(1) صبري مقلد إسماعيل ، نظريات السياسة الدولية : دراسة تحليلية مقارنة،الكويت : منشورات ذات السلاسل ، ط1، 1982،ص

الكوبيةبطرحه لثلاثة أسئلة محورية:

1-لماذا نصب الاتحاد السوفيتي الصواريخ في كوبا؟

2- لماذا ردت الولايات المتحدة على هذه العملية بفرض الحصار البحري على كوبا؟

3- لماذا سحب الاتحاد السوفيتي الصورايخ النووية من كوبا ؟

ويبحث غراهام عن الإطار الذي تمت فيه هذه القرارات وهل هو إطار عقلاني ؟

* عملية تنصيب الصواريخ جاءت لتحقيق أهداف استراتيجية فأمريكا كانت تنظر إلى الاتحاد السوفيتي بنظرة تفوق وبالتالي هدف هذا الأخير إلى تغيير وجهة النظر الأمريكية، أي أنه مرتبط أساسا بجيوبولتيك الحرب الباردة(1) .

* القرار الأمريكي بالحصار البحري هو البديل الأكثر عقلانية والذي يحقق الأهداف المرجوة -وهي ردع السوفيات- بأقل تكلفة.

* عملية السحب هو خيار عقلاني في السلوك السوفياتي فإبقاء الصواريخ في كوبا يصعد حالة التوتر والنزاع كما أن الاتحاد السوفيتيضمن أهدافه من العملية بتحقيق تنازلات أمريكية :

منها: سحب الصواريخ في تركيا واليونان وأيضا الدخول في اتصالات مباشرة بين الطرفين ( الخط الأحمر ). والأكثر من هذا وذاك بداية المفاوضات حول الأسلحة النووية والتي أدت إلى توازن القوى بين المعسكرين المتصارعين خلال الحرب الباردة.

وعموما فحسب أليسون فهذه الأزمة كل قراراتها جاءت في إطار الفعل العقلاني .

ـــــــــــــــــ

(1) فريد زكريا ، مرجع سابق ،ص

المبحث الثاني : نموذج المسار ( العملية ) التنظمي

يرى أليسون بأن البيروقراطيات تمكن من معرفة السلوك المتبع من الدولـة

( الاستقرار في الإجراءات يؤدي إلى استشراف السلوك في الحالات المشابهة )،ولذلك اهتم بالتركيز على الجانب البيروقراطي ( الإجراءات ) في عملية صناعة القرار .

الفكرة المركزية: نظام صناع القرار ليس موحدا بل يتكون من وحدات وأجهزة وإدارات مرتبطة ببعضها البعض ( هذه الأجهزة تملك هامش من الاستقلالية والمصالح الخاصة ). وهذا النظام من الناحية المؤسساتية ( خاصة في الدول المتقدمة ) هو تعبير عن عملية منافسة بين مختلف الأجهزة والدوائر حيث تستخدم عدة تقنيات في تلك العملية منها مثلا الصراع حول المعلومات فقد يتم تسريبها بغية إحراج جهاز معين أو وضعه في موقف يترك ردودا سلبية وبالتالي إفشال سياسته(1).

وعموما تملك الأجهزة مجالا واسعا للمناورة في الحصول على المعلومات ثم تصل المعلومات إلى مستوى القمة في نظام صنع القرار لاختيار وضع ونهج معين ( السلوك ).هذا السلوك يمر عبر عملية تأطيرية تراكمية تقوم وتتكامل فيها كل الوحدات .

الفـاعــل : ليس الدولة إنما شبكة الدوائر والأجهزة المترابطة،لان سلوك الدول يعرف بأنه محصلة للإجراءات المحددة مسبقا والتي تقوم بها الوحدات والأجهزة والإدارات والتي تشكل في مجموعها هيكل الدولة وهي ليست جامدة بل تتغير في سلوكياتها لاستيعاب المتغيرات الجديدة والأحداث الطارئة وضمن هذا التوصيف يتم تفسير سلوك دولة معينة .

وحدة التحليل الأساسية : إن سلوك الدولة هو نتاج لعملية تنافسية ( لعبة ) تتم في إطار بنية الدولة التنظيمية وهذا بسبب :

ـــــــــــــــــ

(1) السيد محمد سليم ، تحليل السياسة الخارجية ، بيروت : دار الجيل ، ط2 2000،ص

-أن الوقائع والتغيرات هي نتاج الهيكل التنظيمي للدولة

-أن مجال الاختيار تحدده الإمكانيات والقدرات التي تملكها البنية التنظيمية

-أن البنية التنظيمية تحدد الوضع الذي بدوره يؤثر في القرارات .

المبحث الثالث :نموذج السياسة الحكومية ( GOVERNEMENT POLITICS )

الفكرة المركزية : يتناول هذا النموذج عملية صناعة القرار على مستوى القيادة ( عكس النموذج الثاني) ويحاول تفسير العلاقات القائمة في إطار هذه القيادة والتي يصورها على شكل لعبة تتسم بالتنافس والتعاون بين أفراد القيادة الذين يختلفون في سلوكياتهم ومصالحهم وثقلهم السياسي وخلفيتهم الأيديولوجية وولائهم الحزبي، والقرار النهائي يتم التوصل له باعتماد مختلف أشكال التفاوض وتقديم التنازلات بين أطراف هذه القيادة

مقاربة التحليل : تعتمد على تفسير سلوكيات الدول الخارجية كنتاج لللعبة التفاوضية التي تتم في إطار القيادة .

حيث يرى غراهام أليسون أن قضايا السياسة الخارجية هي أقرب إلى لعبة بين أطراف تحتل مواقع متقدمة داخل سلمالهرم الحكومي وبناءا على عملية المساومة بين هذه الأطراف يصبح السلوك في السياسة الخارجية ليسنتاجا لسلوك عقلاني بالشكل المطروح في النموذج الأول،ولا نتاجا لروتين معين كما يقدمه النموذج الثاني، بل نتاجا لعملية التفاوض والمساومة

الفاعل : لا يعتبر وجود فاعل واحد هو الدولة مثل النموذج الأول بل مجموعة فواعل في إطار القيادة لكل فاعل مجموعة من الأهداف التي يدافع عنها ومجموعة من الاستراتيجيات ومجموعة من الخلفيات التي تحركه وتحدد سلوكياته.

وعليه فالقرار( السلوك الخارجي) ليس خيارا عقلانيا لأنه محصلة ونتيجة للعبة التنافس والتفاوض بين أطراف اللعبة التي قد تضع في نهاية الأمر صانع القرار الخارجي أمام موقف يخدم أطراف واتجاهات معينة دونا عن الأخرى .

وعادة ما تنتهي اللعبة باعتماد أهداف طرف معين لامتلاكه الوسائل المناسبة والمحددة لنتيجة التنافس .

وكمثال على ذلك ما حدث في الحرب على العراق حيث شهدنا حالة التنافس بين أطراف القيادة الأمريكية ( وكالة المخابرات المركزية وكتابة الدولة للشؤون الخارجية ووزارة الدفاع ).

تقييم نموذج غراهــام أليســون :

* حتى و إن تعامل النموذج الأول مع الدول كفاعل موحد وعقلاني وذهب النموذجان الثاني والثالث إلى محاولة البحث عن تفسير لصناع القرار داخل بنية السلطة ( التركيز على الجهاز ) فإن هذه النماذج كملت بعضها وحاولت الاجابة عن النفس السؤال : تفسير السلوك الخارجي ؟

النـــقد :

– الربط بين النماذج المختلفة والمتناقضة في حالة واحدة في السياسة الخارجية .

– التناقض الموجود في هذه النماذج حين تنظر إلى الدولة كفاعل وحيد وعقلاني في السياسة الخارجية ومن جهة أخرى هي مجزأة وتتكون من أجهزة متناقضة الأهداف والمصالح والخلفيات وتحكمها لعبة المساومة والمنافسة .

الخــاتمـــــة

في محصلة هذا العرض وكما رأينا أن عملية التنظير في ميدان السياسة الخارجية وكغيرها في باقي الميادين الأخرى تحاول الوصول لبناء نظري معين مبني على قواعد عامة بغية ايجاد أطر لتحليل السلوكات الخارجية للدول وتفسيرها، وعلى هذا الأساس برزت النماذج النظرية لكل من سنايدر وروزنو وأليسون التي عملت على وضع سياق عام من القواعد والنتائج والمقاربات لتقديم رؤية علمية عن صانع القرار في حقل الساسة الخارجية من خلال دراسة دوافع قراراته وأهم المتغيرات المؤثرة فيه، وكان يبدو من الناحية النظرية أن هذه النماذج قد قدمت اسهاما معرفيا لكنها قد أثارت جملة من التساؤلات فباعتبار أن من شروط البناء النظري التعميم والتجريد والموضوعية فقد قام كل نموذج على متغيرات جديدة ومستويات تحليلية محددة تختلف عن سابقاتها وتتوصل الى نتائج معينة بالشكل الذي يعيق التواصل والاستمرار بين هذه النماذج الامر الذي يفرض قطيعة معرفية في نوع من عدم التجانس مما يبعدها عن أداء الوظيفة العلمية التراكمية.

كما أنه من جهة أخرى أغلب هذه النماذج جاءت لاعتبارات معينة ارتبطت أساسا بظروف الصراع في الحرب الباردة ولذلك فمعظمها حاول تقديم تفسير للسلوكات الخارجية للدول الكبرى طوال مرحلة الصراع.

قائمــــــة المراجــــع :

الكتـــــب :

1- بدوي محمد طه ، ليلى أمين مرسي ، مبادئ العلوم السياسية ، الإسكندرية : منشأة المعارف.

2- ناصف حتي يوسف ، النظرية في العلاقات الدولية ، بيروت : دار الكتاب العربي ،1985.

3- السيد محمد سليم ، تحليل السياسة الخارجية ، بيروت : دار الجيل ، ط2 2000.

4- صبري مقلد إسماعيل ، نظريات السياسة الدولية : دراسة تحليلية مقارنة، الكويت : منشورات ذات السلاسل ، ط1، 1982 .

5- محمد نصر مهنا ، مدخل إلى علم العلاقات الدولية في عالم متغير ، الإسكندرية : المكتبة الجامعية ،2002 .

6- محمد نصر مهنا ، علم السياسة ، القاهرة : دار غريب للطباعة والنشر ،1997

7- وليد عبد الحي وآخرون ، آفاق التحولات الدولية المعاصرة ، عمان : دار الشروق للنشر والتوزيع ،2002 .

8- فريد زكريا من الثروة إلى القوة : الجذور الفريدة لدور أمريكا العالمي ، ترجمة : رضا خليفة ، القاهرة : مركز الأهرام للترجمة والنشر ، ط1، ..1999

9- عادل فتحي ثابت ، النظرية السياسية المعاصرة : دراسة في النماذج والنظريات ، الإسكندرية : الدار الجامعية ،2000

10-ريتشارد هاس ، ميجان أو سوليفان ، العسل والخل : الحوافز والعقوبات السياسية الخارجية ، ترجمة : إسماعيل عبد الكريم ، القاهرة : مركز الأهرام للترجمة والنشر ،2002

11-د. فواز جرجس ، السياسة الأمريكية تجاه العرب : كيف تصنع ؟ ومن يصنعها؟بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، ط2 ،2000

الدوريــــــات :

1- أحمد نجيب زاده ، << البيئة المعرفية في سياسة ايران الخارجية >> شؤون الأوسط ، العدد 114 ، ربيع 2004 .

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى