دراسات اقتصاديةدراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

هل تصمد السعودية في قرارها النفطي ؟

وليد عبد الحي
بعد قرار مجموعة ( أوبك +) بتخفيض الانتاج النفطي في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وأوروبا الى زيادة الانتاج لمواجهة الاعصار الروسي في اوكرانيا، توالت التصريحات الامريكية عقب هذا القرار تهدد بمراجعة العلاقات السعودية الامريكية، وحاولت السعودية تبرير القرار بانه قرار” اقتصادي” وليس انحيازا سياسيا لروسيا، وصوتت السعودية في الجمعية العامة للامم المتحدة على قرار ادانة العمليات الروسية في اوكرانيا.وفي ظل ذلك توترت العلاقات بين الطرفين ، فكيف يبدو المشهد الحالي؟
أولا: ما هي أدوات الضغط الامريكية الاكثر اهمية على السعودية؟
1- الوجود العسكري الامريكي في السعودية ، ورغم رمزيته بعد الحرب على العراق، لكنه قابل للحضور في اي وقت تبرز فيه ملامح تهديد للسعودية من اية جهة بخاصة من ايران وانصار الله في اليمن او غير ذلك، ويتوزع الوجود الامريكي العسكري باشكاله المختلفة في خمس مواقع (الرياض فيها قاعدة جوية ومدينة سكنية، وفي القاعدة الجوية في المنطقة الشرقية، وفي قاعدة الملك فهد الجوية في الدمام، وأخيرا قاعدة فهد الجوية في خميس مشيط ).
2- مبيعات السلاح :إذ يقدر معهد سيبري(SIPRI) المتخصص في مبيعات السلاح أن 60.6% من السلاح السعودي يأتي من امريكا و 33.2% من حلفاء امريكيا الاوروبيين، والاكثر ايلاما في هذا الجانب ان اتجاه الاعتماد السعودي على السلاح الامريكي يتزايد ، فما بين 2017 و 2021 ارتفع بنسبة 106%، وخلال فترة تولي الامير محمد بن سلمان ولاية العهد زاد الانفاق العسكري السعودي 27%.
3- توظيف قضايا حقوق الانسان في السعودية للابتزاز السياسي، ولعل موضوع المرأة وقضية الصحفي السعودي/الامريكي جمال خاشقجي ما تزال حاضرة في الاذهان، ولعل تسليم رئاسة الوزراء في السعودية لمحمد بن سلمان هي محاولة لتحصينه دبلوماسيا من المساءلة التي يمكن ان تسعى لها واشنطن حين الحاجة.
4- التغلغل الأمني والاستخباري الامريكي في السعودية، فاغلب ضباط الامن والجيش السعودي هم من خريجي الكليات العسكرية والامنية الامريكية، ويزداد دور هؤلاء في لحظات مرور العلاقة بين الطرفين بأزمة، ويكفي التذكير ان ملابسات قتل الملك فيصل بعد تصريحاته عن ربط الموضوع الفلسطيني بالنفط ما تزال حاضرة، غير ان هذه القناة للتاثير اصابها بعض الوهن بعد ان عزل محمد بن سلمان ابرز جسور العلاقة بين اجهزة الامن الامريكية والسعودية بخاصة ولي العهد السابق الامير محمد بن نايف وغيره ، وهو ما خلق توجسا داخل دوائر الامن الأمريكي، لكن ذلك لا يعني ان التغلغل الامريكي قد انتهى او اصبح عاجزا. غير ان التقارير الامريكية التي نشرت عن مضمون بعض جوانب اللقاء بين مدير السي أي ايه وليم بيرنز وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مايو الماضي من هذا العام كشف عن قدر من “التوتر” خلال المناقشات حول بعض الامور بخاصة موضوع احتمالات زيادة انتاج النفط وموضوع خاشقجي والموضوع الهام الخاص بتزايد التقارب الصيني السعودي لاسيما السعي السعودي لعقد صفقة صواريخ مع الصين، بل ان محمد بن سلمان كما ذكرت صحيفة وول ستريت صرخ في وجه مستشار الامن القومي الامريكي سوليفان بخصوص زيادة الانتاج النفطي.
5- امكانية الضغط الامريكي الاقتصادي على السعودية لا سيما ان الديمقراطيين هم الاقل ترابطا اقتصاديا مع السعودية قياسا للجمهوريين ، وقد تأخذ هذه المسالة الاشكال التالية:
أ‌- ايجاد آليات قانونية بطريقة او اخرى للتضيق او الحجز على الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة والتي تصل الى حوالي 800 مليار دولار.
ب‌- تمرير قرار قضائي من المحاكم الامريكية باتهام اوبك + بالتواطؤ لرفع الاسعار ،أي تجريد شركات النفط التابعة لدول اوبك + من الحصانة السيادية التي كانت تحميهم من الدعاوي القضائية ، وهو ما يعني أن الدول النفطية لن تتمتع بالحصانة من اختصاص المحاكم الامريكية أذا انتهكت القانون المقترح(التواطؤ لرفع الاسعار).
ت‌- احياء قضايا الارهاب والاتهام للسعودية فيها( احداث سيبتمبر وغيرها) والضغط على بعض المؤسسات وجماعات الضغط المساندة للسعودية في الولايات المتحدة وهو ما اتضح تاثيره في مرحلة حمى موضوع خاشقجي بخاصة في بعض المؤسسات والجامعات التي كانت تتلقى تمويلا سعوديا.
ث‌- التوظيف الاعلامي لتشويه الصورة السعودية في العالم ، والضغط الدبلوماسي على دول العالم من خلال اعذار سياسية او اخلاقية او قانونية …الخ، وتمتلك الولايات المتحدة قدرة هائلة في هذا المجال.
ولكن لا بد من التنبه لبعض المظاهر التي تستحق التأمل والتي تشير الى ان العلاقات الامريكية السعودية منذ وصول محمد بن سلمان لولاية العهد ليست بمستوى تناغمها المعهود، وهو ما تشير له المعطيات الواقعية التالية:
1- لو حسبنا معدل حجم التبادل التجاري بين البلدين سنجد انه خلال الفترة من 2015(صعود محمد بن سلمان) الى 2022 يساوي 50% فقط من حجمه خلال الفترة من 2010 الى 2015، فقد بلغ المعدل في الفترة الأولى(صعود بن سلمان) 30.75 مليار ماقبل 62.8 مليار للفترة السابقة على صعوده.
2- عندما صعد بن سلمان لولاية العهد عام 2015 كان عدد الطلاب السعوديين في المعاهد والجامعات الامريكية 61 الف و 287 طالبا، لكن العدد انخفض منذ صعوده الى 21 الف و 933 طالبا، اي حوالي ثلث المرحلة السابقة.
3- توظيف بعض ما تبقى من جماعات الضغط للتاثير على السياسة الامريكية تجاه السعودية مثل مؤسسة Qorvis التي تلقت مئات الملايين من الدولارات من السعودية لمساندتها في لحظات التوتر في علاقات الطرفين، او مؤسسة Larson Shannahan Slifka Group التي تتواصل مع جهات مختلفة في المجتمع الامريكي نيابة عن السفارة السعودية في واشنطن، حيث تتواصل مع افراد النخبة السياسية والصناعية، ومع المؤسسات الدينية، وهيئات المجتمع المدني ومع طلاب الجامعات، وهناك العديد من جماعات الضغط الامريكية المساندة للسعودية.
الخلاصة:
ان الهزات التي احدثها الامير محمد بن سلمان من خلال خلق شقوق واسعة في جدران الاسرة الحاكمة، والتضييق المتتالي على الحركة الدينية وما لذلك من تاثير على الوجدان الديني لمجتمع جد محافظ ، تشكل عوامل ضاغطة يمكن للولايات المتحدة وبالترافق مع تغلغلها في المؤسسات السعودية ان تجعل الدبلوماسية السعودية في وضع غير مريح، كما ان نقص التجربة والنزق السياسي لشاب تنقصه الخبرة وتنقصه فضيلة الاستماع لذوي الخبرة يجعل توقعاته لسلوكه مبالغ فيها الى حد كبير ، وهو ما كان جليا في توقعه بالتخلص من الحوثيين في اسبوعين او ثلاثة وتوقعه بنقلة عربية لمستوى اوروبا خلال سنوات خمس ، لكن توقعه الاول كان خائبا الى حد بعيد ، وتوقعه الثاني يكشف عن فقر في وعي عمق تعقيدات وشروط التطور.
لكن الأمير وجد قطاعات واسعة من شريحة الشباب السعودي يسانده في انفتاحه بخاصة ما كان منه ترفيهيا او يميل الى الاسترخاء الاجتماعي، لكن ذلك لا يشير الى قدرة على تطوير علاقات اقليمية راسخة، فمجلس التعاون الخليجي لا زال مساحة حقل الغامه كبيرة، وعداؤه المطلق لحركة الاخوان المسلمين والحركة الدينية بشكل عام تجعله هدفا لها، وربما تجد من الولايات المتحدة باذرعها الاستخبارية من يساند مثل هذه التوجهات إذا ذهب الموقف السعودي بعيدا.
والسؤال الآن هو: هل يشكل الاسراع في التحول السعودي بالاستدارة شرقا مخرجا أم ان المخرج ان تعود “حليمة لعادتها القديمة” ؟ اعتقد ان الامر يحتاج لتفكير عميق ، ويحتاج لادراك مستوى التعقيد الهائل في العلاقات الدولية المعاصرة، وهو امر يستوجب من الادارة السعودية تشكيل مجلس استشاري نزيه جدا ( لا زبائنية فيه) يقدم المشورة لصانع القرار في كيفية تعظيم عناصر المقاومة للأدوات الامريكية الضاغطة واضعاف عناصر المساندة للسياسة الامريكية تجاه السعودية …فهل هذا ممكن ؟ اظن ان للنجاح والفشل حظوظا متساوية في هذا الامر ولكن هل الاستدارة مطروحة في دوائر القرار السعودي ؟ هذا امر يستحق التأمل ، لكن ما أنا واثق منه هو أن القرار السعودي لا يوزن ببيض النمل، وهنا تكمن كل هواجسي…ربما.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى