هوية القدس والمسجد الأقصى في خطر!

احمد بابا اهل عبيد الله باحث في العلاقات الدولية والعلوم السياسية

مقدمة:

في ظل الصمت العربي والاسلامي، والتواطؤ الدولي، تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني مخططاتها في مدينة القدس المحتلة، وتجريدها من المعالم الإسلامية كافة، مستخدمة في ذلك كافة الوسائل التعسفية من أجل تهويد المدينة وطرد سكانها المقدسين الأصليين منها، ابتداء بالاستلاء على الأراضي وإقامة المستوطنات عليها، ومرورا بالتدمير الجزئي لأسوار وبوابات الأقصى واستمرار الحفريات تحت أقصانا المبارك.

وإلى جانب ذلك “تواصل المؤسسة الصهيونية المتطرفة ذاتها أعمال الحفر الواسعة التدميرية بواسطة سلطة الآثار الصهيونية تحت أساسات مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، بهدف تهويد المدينة وإفراغها من مضمونها العربي الإسلامي.”[1]

إن الخطر الذي يواجه مدينة القدس و المسجد الأقصى المبارك دق ناقوسه منذ أمد بعيد، و هو في استمرار و اضح و فاضح، و كلما تقاعس العرب و المسلمون عن كبح هذا الخطر الصهيوني و التصدي له، كثف المحتل من وتيرة تهويده للمدينة المقدسة علانية و وفق مخطط مبرمج و ممنهج و مرسوم بعناية فائقة، للنيل من هوية الأرض العربية و مقدساتها الإسلامية، و يصب ذلك كله في مصلحة بناء الهيكل المزعوم، و أصبح ذلك واضحا و ماثلا على مرأى و مسمع من العالم أجمع، و أمام أعين الجميع، و ممن تغاضوا عبر سنوات طويلة عن حقيقة ما يجري، متناسين أن التاريخ سجل و يسجل مواقف الصامدين، و سكوت الخائفين و تواطؤ المفرطين.

 أهمية البحث:

القدس من أقدم المدن في العالم، وهي الموقع الذي ترنو إليه جميع الحضارات والشعوب على اختلافها، والمطمع الذي حاول الجميع الفوز به، لأنها صمدت أمام جميع المحاولات الهادفة للنيل منها، وتغيير خصائصها التاريخية والثقافية.

ومن خلال هذا البحث نسلط الضوء على الخطر الصهيوني المستمر على مدينة القدس والمسجد الأقصى، ونضع بين أيديكم حقائق تاريخية تكشف حقيقة الاعتداءات الصهيونية التي طالت المقدسات الإسلامية في مدينة القدس الشريف، ولم يسلم منها البشر والحجر.

مشكلة البحث:

إن ما تقوم به الدولة الصهيونية من تهويد واستيطان واعتداءات وترحيل لسكان المدينة المقدسة والمسجد الأقصى منذ احتلال فلسطين 1948، لهو سياسة جديدة قديمة للكيان الصهيوني لإخفاء معالم هوية القدس والمسجد الأقصى العربية والإسلامية.

بذلك مشكلة البحث تتحدث في السؤال التالي:

ما هي السياسة المتبعة من قبل الصهاينة لطمس هوية القدس والمسجد الأقصى؟

  • ينبثق من هذا السؤال العديد من الأسئلة الفرعية التالية:

1 – كيف أثرت سياسة الاعتداءات والحفريات الصهيونية على المسجد الأقصى؟

2 – كيف أصبحت سياسة الاستيطان وجدار الفصل الصهيوني سلاح لطمس هوية القدس العربية والإسلامية وتهجير أبنائها؟

لذلك نطرح الفرضيات التالية للإجابة عليهم:

  • مؤامرة الحفريات على المسجد الأقصى.
  • جماعات صهيونية لهدم المسجد الأقصى.
  • الاستيطان وترحيل سكان المقدس.
  • جدار الفصل الصهيوني.

نعالج البحث من خلال محورين:

المحور الأول: المسجد الأقصى في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.

نتطرق داخل هذا المحور إلى التحدث عن الاستهداف المباشر من قبل الصهاينة إلى المسجد الأقصى من خلال الاعتداءات المتكررة ومؤامرة الحفريات تحت المسجد لطمس هويته ونسلط الضوء على الجمعيات والمنظمات اليهودية التي تعمل لهدم المسجد الأقصى.

المحور الثاني: مدينة القدس تحت وطأة العدوان الإسرائيلي.

نعالج في هذا المحور تهويد القدس وطمس هويتها الإسلامية، من خلال الاستيطان الممنهج والجدار الصهيوني الذي يقسم المدينة ويهجر أبناءها.

المناهج المتبعة في البحث:

  • المنهج التاريخي: من خلال عرض الوقائع والأرقام التاريخية.
  • المنهج الوصفي: من خلال وصف الآثار المترتب عن تهويد القدس والمسجد الأقصى.

المحور الأول: المسجد الأقصى في دائرة الاستهداف الإسرائيلي

المقصود بالمسجد الأقصى المبارك، “هو المساحة المستورة الواقعة داخل أسوار القدس في زاويتها الشرقية الجنوبية. فسوره الشرقي متحد مع سور القدس والجنوبي أكثر من الجهة الشرقية متحد كذلك، والباقي من الجهة الجنوبية الغربية بكاملها والشمالية بكاملها فهو سور خاص داخل المدينة المسورة نفسها. شكل المسجد مضلع، ذو أضلاع أربعة غير منتظمة، طول ضلعه الغربي 491م، والشرقي 462 م، وأقصرها الجنوبي 281 م والشمالي 330م”.[2]

لقد حفظ الله تعالى حدود المسجد الأقصى فلم يتعدها أحد، حيث قام المسلمون على مر التاريخ (أيوبيون ومماليك) على ترسيخ حدود المسجد. فأقاموا الأسوار في الجهتين الشمالية والغربية وشيدوا الأروقة العالية والمدارس الشامخة والمرافق العظيمة.

لكن الاحتلال الصهيوني منذ وطأت قدماه الأرض الفلسطينية بدأ مخططاته في البحث عن الهيك المزعوم من خلال الاعتداءات المتكررة على حرمة المسجد الأقصى المبارك وعلى المصلين فيه، وعمليات الحفر المنظمة حول المسجد الأقصى، وإنشاء الأنفاق ذات الأطوال المتعددة بغية إقامة متاحف صهيونية داخل المسجد الأقصى، يتم ذلك كله في إطار جمعيات ومنظمات، إن اختلفت أسماءها، فأهدافها واحدة، تصب جميعها في سبيل هدم المسجد الأقصى. وسوف نعرض هذه الأشكال كالآتي:

1 – الاعتداءات على المسجد الأقصى.

يعيش المسجد الأقصى اليوم أياما عصيبة نتيجة المخططات الصهيونية الرامية إلى تهويده، وتغيير معالمه وصولا إلى هدمه، ولم تتوقف هذه المخططات يوما واحدا، بل هي في تزايد مستمر، وفيما أبرز المحطات التي تمثل انتهاكات صارخة ضد المسجد الأقصى:

16/07/1948: أغار المستوطنون اليهود على الحرم القدسي، واسقطت طائراتهم في أرض الحرم ستين قنبلة، أصابت إحداها قبة الصخرة، وأخرى أصابت المسجد الأقصى.

07/06/1967: رفعت قوات الاحتلال الصهيوني علم الاحتلال فوق قبة الصخرة المشرفة، وصودر وقتها حائط البراق.

15/08/1967: الحاخام الأكبر للجيش الصهيوني شلومو غرون وخمسون من أتباعه يقيمون صلاتهم في ساحة الحرم الشريف.

21/08/1969: قيام صهيوني أسترالي بحرق منبر صلاح الدين، وقد بلغت مساحة الجزء المحترق من المسجد 1500 متر مربع.

22/07/1970: دخلت مجموعة يهودية إلى الحرم الشريف، وهي تنشد أناشيدها التي تدعو لتدمير المسجد الأقصى.

مايو 1980: العثور على مخزن للمتفجرات بالقرب من المسجد الأقصى كان قد أعده الحاخام مانيو كاهانا، وفيه أكثر من طن من مادة (تي.أن.تي) بهدف نسف المسجد الشريف.

24/02/1982: سمحت الشرطة الإسرائيلية لمجموعة من أعضاء الكنيست بالقيام بجولة داخل الحرم الشريف.

11/04/1984: اقتحم جندي صهيوني المسجد الأقصى، ثم أطلق النار على حراس المسجد فقتل اثنين منهم. تلا ذلك اشتباكات أدت إلى استشهاد تسعة فلسطينيين.

06/05/1982: إطلاق نار على قبة الصخرة. وفي العام نفسه قام أحد نشطاء حركة “كاخ” الصهيونية بمحاولة لنسف المسجد الأقصى، لكن المحاولة اكتشفت قبل تنفيذها.

11/03/1984: اكتشف حراس المسجد الأقصى46 مستوطنا يحملون المتفجرات استعدادا لمهاجمة الأقصى.

30/01/1984: اكتشاف ثلاث قنابل يدوية أمام أحد أبواب المسجد الأقصى.

أغسطس 1984: اكتشاف حراس الأقصى عددا من اليهود وهم يعدون لعملية نسف تامة للمسجد المبارك.

08/10/1990: نفذ جيش الاحتلال مجزرة في داخل الحرم القدسي الشريف أسفرت عن استشهاد 20 فلسطينيا، و جرح 115 آخرين.

23/09/1996: استيقظ سكان القدس على سلطات الاحتلال و هم يقيمون نفقا تحت السور الغربي للمسجد الأقصى، مما أحدث هبة فلسطينية تصدت للاحتلال، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ثمانين فلسطينيا.

28/09/2000: قام رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون بتدنيس المسجد الأقصى من خلال دخوله إلى ساحة الحرم برفقة الشرطة الصهيونية، ما أدى إلى اندلاع ما يعرف بانتفاضة الأقصى.

23/02/2005: الحكومة الصهيونية تطلب تمويلا لخطة أمنية لمراقبة المسجد الأقصى بالكاميرات، و هو ما باشرت العمل به بعد شهرين.

13/06/2006:رئيس وزراء الكيان الصهيوني إيهود أولمرت يؤكد على أن “جبل الهيكل” الذي يقوم عليه المسجد الأقصى ، غير قابل للتفاوض.

01/09/2006: بلدية القدس تعلن أن ساحات المسجد الأقصى هي ساحات عامة.

05/04/2009: صادرت سلطات الاحتلال حجرا من حجارة القصور الأموية الملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى، مدعية أنه من حجارة “الهيكل الثاني”.

14/04/2009: اقتحمت جماعات يهودية متطرفة، ساحات المسجد الأقصى المبارك من جهة بوابة المغاربة، قدر عددها بأكثر من 140 يهوديا متطرفا على شكل مجموعات صغيرة يتقدمها أحد الحاخامات الذي يطلق عليه تسمية “الريانيم” و ذلك وسط حراسات شرطية مشددة.

03/08/2009: أعلنت جمعية “إيش هاتوراة” عن افتتاح متحف للتاريخ اليهودي من الحي اليهودي قبالة حائط البراق، يضم أكبر مجسم متحرك للهيكل في العالم.[3]

2- الحفريات حول المسجد الأقصى.

تواصل السلطات الصهيونية حفرياتها تحت المسجد الأقصى منذ أمد بعيد، وعلى نسق متسارع مخطط له، وذلك عبر حفر الأنفاق الكثيرة ومن جهات عدة، حيث وصلت هذه الحفريات مع مرور الزمن إلى درجة متقدمة من الخطورة إلى أن اقتربت من (بئر الورقة) وهو (بئر الكأس) تحت الحرم القدسي الشريف.

واستمرت “المؤسسات الصهيونية المعنية بالتهويد والاستيطان في سياستها الثابتة الساعية إلى تزوير التاريخ من خلال الحفريات التي تقوم بها في مدينة القدس، وإلى تغيير واقع المدينة المقدسة لتحويلها إلى مدينة ذات طابع يهودي”[4].

“فالعديد من الحفريات تجري بهدف إضعاف البنية التحتية للأبنية والمساكن والمقدسات الإسلامية، حيث أصيب الكثير منها بتصدعات خطيرة، مثل المدرسة العثمانية، والمدرسة المزهرية والمدرسة الجوهرية في باب الحديد ورباط الكرد، والزاوية الرفاتية، والمدرسة التنكزية في باب السلسلة، هذا إضافة إلى مئات المنازل التي سقطت أرضيتها وتصدعت جدرانها وتمنع السلطات أي ترميم فيها”[5].

إن العصابة الصهيونية تخطط منذ احتلالها للمدينة المقدسة لتحقيق حلمها بإعادة العبادة إلى (الهيكل المزعوم) وإقامة ملكهم في مدينة القدس. إذ بادرت سلطات الاحتلال بالقيام بأعمال الحفر والتنقيب بدءاً من 1967 م تحت الجدارين الغربي والجنوبي للمسجد الأقصى، وتوالت هذه الحفريات التي غطت مساحات كبرى.

ومنذ ذلك الوقت، والحفريات تحت المسجد الأقصى لم تتوقف، بل تتسارع وثيرتها، وعلى الرغم من ذلك كله، فإن الصهاينة لم يعثروا على دليل مادي واحد على وجود هيكلهم، كما يزعمون. وما استمرارهم في عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى إلا مجرد تبرير ايديولوجي للادعاء بالحق في السيطرة على أرض فلسطين، والتمادي في ذلك من خلال العنجهية الصهيونية والدعم الأجنبي في ظل الصمت العربي والإسلامي.

وفي ظل هذه الأحداث” ساهمت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو من خلال إصدار قرار يسمح لسلطات الاحتلال في فلسطين بالإشراف على باب المغاربة و هو أحد أبواب المسجد الأقصى، و أباحت و أجازت منظمة اليونسكو بذلك لسلطات الاحتلال إجراء الترميمات – حسب زعمهم – في باب المغاربة، و أعطيت بذلك السلطات اليهودية الشرعية الدولية من أجل إجراء التغيرات الشاملة في ساحات حارة المغاربة و بابها و الذي هو جزء من المسجد الأقصى و أحد أبوابه. وهذا القرار يضع باب المغاربة على لائحة التراث العالمي كتراث “يهودي”!! والذي سيتيح لسلطات الاحتلال المضي قدما في تنفيذ مخططاتها الرامية لتهويد مدينة القدس وتغيير معالمها وطابعها الاسلامي والسيطرة النهائية على المسجد الأقصى، وفرض أمر واقع لا يمكن رجوع اليهود عنه في أي مفاوضات جارية أو قادمة” [6]!!.

وفيما يلي عرض تاريخي لمسلسل هذه الحفريات الصهيونية حول المسجد الأقصى:

بدأت “الحفريات الصهيونية حول المسجد الأقصى وتحته في 11/06/1967. وقد جرت على امتداد 70 مترا أسفل الحائط الجنوبي للحرم القدس الشريف، ووصل عمق هذه الحفريات إلى 14 مترا، وتم اكتشاف آثار إسلامية تحت المسجد الأقصى.”[7]

” سنة 1969 جرت حفريات على امتداد 80 مترا، مبتدئة من حيث انتهت المرحلة الأولى، ومتجهة إلى باب المغاربة، مارة تحت مجموعة الأبنية الإسلامية القديمة، وصدعتها، ثم جرفتها قوات الاحتلال في العام نفسه.”[8]

” سنة 1970 بوشر بحفريات توقفت سنة 1974، ثم استؤنفت سنة 1975 حتى أواخر عام 1988، وقد امتدت ل 400 متر، مارة بأسفل خمسة أبواب الحرم القدسي”[9]

15/02/2004: انهيار جزء من الطريق الواصل بين ساحة البراق وباب المغاربة بسبب الحفريات.

28/09/2005: سلطات الاحتلال تفتتح موقعا سياحيا في الأنفاق تحت المسجد الأقصى.

13/03/2006: تم افتتاح كنيس يهودي تحت المحكمة الإسلامية الملاصقة للمسجد برعاية رئيس الكيان الصهيوني الأسبق موشي كتساف.

12/10/2008: أقامت جمعية ” عطيرت كوهينيم” الاستيطانية حفل افتتاح رسمي لكنيس تتجاوز مساحته 300 متر مربع في منطقة حمام العين، على بعد مئة متر غربي باب المطهرة في سور الأقصى.[10]

3- جماعات صهيونية لهدم المسجد الأقصى

هناك العديد من الجماعات الصهيونية التي أسست بهدف هدم المسجد الأقصى، وهي تعد بالعشرات لكن أهمها:

  • جماعة جوش إيمونيم- كتلة الإيمان.
  • غوش إيمونيم.
  • منظمة يشيفان اتريت كوهاتين.
  • حي فاكيام.
  • منظمة سيونس شيون.
  • مجموعة (آل هارهاشم).
  • هيكل القدس.
  • أمناء الهيكل.
  • حشمو نائيم[11].

المحور الثاني: مدينة القدس تحت وطأة العدوان الإسرائيلي

  القدس التي تتعاظم الأخطار المحدقة بها هذه الفترة هي عاصمة فلسطين، و “قد احتل الصهاينة الجزء الغربي منها عام 1948 م، وأعلنوها عاصمة لدولتهم “إسرائيل” التي أقيمت ذلك العام، ثم احتلوا الجزء الشرقي منها في الخامس من حزيران/ يونيو1967، وسارعوا إلى ضمه لإسرائيل، فأصبحت القدس بكاملها تحت الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي، القديمة داخل السور، والمدينة الجديدة خارجه وقرى القدس ومأثرها.” [12]  سوف نعالج الأخطار و الاعتداءات المحدقة بها من خلال:

1 – الاستيطان والاعتداءات الصهيونية:

تحدق بمدينة القدس المحتلة اليوم أخطار كثيرة ومتعددة، ويعد خطر الاستيطان في المدينة أهم هذه الأخطار على الإطلاق. فهدفه النهائي هو جعل القدس عاصمة يهودية تقطنها أغلبية ساحقة من اليهود مع أقلية فلسطينية معزولة يمكن السيطرة عليها.

أ-   زيادة عدد سكان اليهود في المدينة:

وذلك من خلال “تسمين المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات وبؤر استيطانية جديدة في كل أنحاء المدينة وفي الجزء الشرقي منها خصوصا.”[13]

ب – تقليل عدد السكان الفلسطينيين:

ويقوم الاحتلال بذلك من خلال عدة وسائل أبرزها:

الاستيلاء على الأحياء: هناك “بعض الأحياء الفلسطينية الكبيرة التي توجد في مناطق حيوية و هامة من مدينة القدس لم يتمكن الاحتلال من التخلص منها عبر الجدار الفاصل كونها تقع في قلب المدينة. لذا فإن الاحتلال يلجأ لزرع بؤر استيطانية في هذه الاحياء عبر مصادرة أراضيها وإقامة مجمعات استيطانية عليها أو عبر هدم منازلها وتهجير سكانها أو حتى عبر السماح للمستوطنين باحتلال المنازل الفلسطينية فيها. وما تلبث هذه البؤر بعد ذلك أن تتوسع شيئا فشيئا عبر احتلال المستوطنين الجديد للأراضي المحيطة بهم وادعاء ملكيتها أو عبر الاعتداء المتكرر على السكان الفلسطينيين والتضييق عليهم ما يدفعهم في نهاية المطاف للهجرة وترك الحي.”[14]

وفيما يلي عرض لأبرز عمليات الاستيطان والاعتداءات الصهيونية:

“- 14/06/1969: قوات الاحتلال تهدم 14 مبنى تاريخيا في القدس.

– 1970 : بناء مستوطنة “كفار عفري”

– 22 /06/1998: الحكومة الصهيونية برئاسة نتانياهو، تقرر توسيع الحدود الإدارية لمدينة القدس و ضم المستوطنات المجاورة إلى المدينة.

  • 1998: وزارة الداخلية الصهيونية تسحب بطاقات هوية 788 مقدسيا، وهو إجراء دوري تقوم به قوات الاحتلال لطرد المقدسيين.
  • 06/02/2007: جرافات الاحتلال تبدأ بإزالة طريق باب المغاربة.
  • 2008: بلغ عدد الفلسطينيين في القدس حوالي مائتين ألفا، مقابل ستمائة وخمسين ألف مستوطن يهودي.

– 2010: الحكومة الصهيونية تصادق على بناء ألف وستمائة وحدة سكنية استيطانية في القدس والضفة الغربية.”[15]

2– المواطن المقدسي بين هدم بيته وترحيله:

وضعت سلطات الاحتلال الصهيونية سياسات متعددة لإسراع التغيير الديموغرافي للسكان في مدينة القدس، منها:

“أ – سحب هويات عدد كبير من المقدسيين لأسباب مختلفة وبحجج واهية وكذلك عزل عدد كبير من سكان القدس خارج المدينة المقدس بفعل إقامة جدار الضم والتوسع الصهيوني.

ب – التضييق على المقدسيين وإجبارهم على الهجرة وترحيلهم قسرا خارج المدينة المقدسة كما حدث مع نحو 17000 مقدسي هاجروا من القدس خارج فلسطين منذ احتلال اليهود للقدس عام 1967 م، ومع 1200 مقدسي هاجروا منها إلى خارجها داخل فلسطين ومع 8000 كانوا خارج فلسطين عند وقوع احتلال القدس.

ج – سياسة تجميد البناء الجديد للعرب الفلسطينيين وعدم السماح لهم بالتوسع الأفقي والرأسي في البناء وكذلك هدم الأبنية بحجة عدم الترخيص حيث تم هدم نحو 550 منزلا حتى الآن منذ احتلال القدس عام 1967. مما يسبب نقصا في مساكن الفلسطينيين مما يفرض على السكان البحث عن سكن لهم خارج القدس.

د – إصدار 25 قانونا وعدد من القرارات والأوامر لسلطات الاحتلال الصهيوني لمصادرة الأراضي والعقارات الفلسطينية في القدس ومن أخطر هذه القوانين قانون أملاك الغائبين وقانون الأرض الخضراء وقانون المصادرة من أجل المصلحة العامة وقانون الضرائب وخاصة ضريبة الأرنونا على هذه الأراضي والعقارات وقانون المحميات الطبيعية.

هـ – تجهيل الإنسان الفلسطيني في القدس، والعمل على إفساده أخلاقيا، بنشر المخدرات والمسكرات على نطاق واسع، وذلك لإيجاد جيل فلسطيني لا يهتم بقضاياه المصيرية ولا ينتمي لقيم الشعب الفلسطيني وأخلاقه. مما يؤدي إلى تهويد هذا الجيل من حيث اهتماماته.”[16]

ولمزيد من التفصيل لما يتعرض له المواطنون المقدسيون من تهجير قسري وتهويد لأحيائهم السكنية نعرض نموذجا على سبيل الذكر لا الحصر:

  • مشروع (الحوض المقدس)
  • في” تسعينيات القرن الماضي، طرحت بلدية الاحتلال في القدس مشروع تهويد المنطقة التي يسميها الاحتلال ” الحوض المقدس”، وهي تشمل البلدة القديمة بكاملها وأجزاء واسعة من الأحياء والنواحي المحيطة بها، حي الشيخ جواح ووداي الجوز في الشمال، ضاحية الطور في الشرق، وضاحية سلوان في الجنوب.”[17]

ويتضمن مشروع التهويد هذا:

إنشاء “مدينة أثرية مطابقة للحوض التوراتي “لأورشليم المقدسة” أسفل المسجد الأقصى وفي ضاحية سلوان وأجزاء من الحي الإسلامي في البلدة القديمة، وربط هذه المدينة بمجموعة من الحدائق والمتنزهات والمتاحف الأثرية القائمة فوق الأرض في محيط البلدة القديمة، وخصوصا في جنوبها حيث ضاحية سلوان وفي شرقها حيث جبل الزيتون وضاحية الطور.”[18]

ولهذا المشروع أهداف متعددة على مختلف الصعد الثقافية والديموغرافية والدينية، من أبرزها:

  •  محو الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس واستبدال هوية يهودية بها من الناحية التاريخية والدينية.
  • ترحيل عدد كبير من المقدسيين إلى مناطق أبعد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة أو حتى ترحيلهم خارج مدينة القدس.
  • عزل المسجد الأقصى عن الأحياء العربية الفلسطينية من مدينة القدس، مما يحرم المسجد من أحد أهم خطوط دفاعه، ويسهل على المحتل الاعتداء عليه كيف ومتى أراد.

3 – جدار الفصل الصهيوني

يسمي الاحتلال الصهيوني هذا الجدار بجدار الفصل، ويتخذ هذا الجدار مسارا يمكن الاحتلال من الحصول على أكبر مساحة أرض ممكنة، وأقل عدد من السكان الفلسطينيين وذلك من خلال الالتفاف على القرى والبلدات الفلسطينية وعزلها، ومنعها من الاتصال بمدينة القدس.

بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 “وفشل أرييل شارون بالقضاء عليها في مئة يوم كما توعد، بدأت فكرة الجدار العازل تلوح في فكرة الساسة الصهاينة. فتم إقراره في شهر نيسان/أبريل من عام 2000 خلال اجتماع للمجلس الوزاري المصغر، ثم تم البدء بتنفيذه في شهر حزيران/يونيو من العام نفسه.”[19]

ولأن القدس دائما في قلب الصراع، فإن أحد أهم إنشاء الجدار كان تهويد المدينة، عن طريق تهجير سكانها المقدسيين وإحلال مستوطنين يهود محلهم وضم المستوطنات إلى محافظة القدس. ” فالجدار سيترك قرى فلسطينية بأكملها خارجه، وسيجرف أراضيها الزراعية بهدف بناء الطرقات، عازلا بذلك مئات المنازل عن المدينة. وسيفقد المقدسيون خارج الجدار» هويتهم الزرقاء «في سنين قليلة. فهم سيعتبرون خارج حدود بلدية القدس، وسيسقط بالتالي حقهم في الإقامة، فيجدون أنفسهم غرباء عن مدينتهم ومعزولين عنها. فلا هم يستطيعون الاستفادة من الخدمات الطبية والتعليم ولا حتى الخدمات الاجتماعية، ناهيك عن دخول المدينة دون تصريح. وبالتالي سيكونون مجبرين إما لدخول القدس، ما يعني ترك بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم في الضواحي خارج جدار العزل، وهذا أمر صعب أو سيضطر للهجرة بعيداً عن القدس.”[20]

خاتمة

إن الصراع على القدس والمسجد الأقصى يبلغ أوجه، والخطر يلامس جدران الحرم الشريف وأسسه، ويهدد مصير فلسطينيي القدس. 

الأرقام متصلة بالتاريخ والقرارات التهويدية، التي ترعاها حكومة صهيونية متطرفة، يظهر أن الخطر على المسجد الأقصى لم يعد بعيدا، وخصوصا أن ردود الفعل لم ترتق إلى حجم الأحداث والمخاطر المحدقة بالقدس ومسجدها المبارك. مما يغري الاحتلال بتنفيذ مخططاته في بناء الهيكل المزعوم، وتهجير سكان القدس الأصليين. ولأن المسجد الأقصى ليس موقعا أثريا فحسب، بل يتعدى ذلك إلى موقعه وحضوره الروحي عند أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

وفي ظل واقع دولي صامت عن كل الخرقات التي يشهدها المسجد الأقصى  والقدس كل يوم وما يترتب عنها من تجاوزات يحرمها حتى القانون الدولي ،تبقى سلطات الاحتلال مستمرة في ممارساتها اتجاه القدس والاقصى ،و فرض وقائع جديد على الأرض ،وذلك استباقا منها لأي مفاوضات في المستقبل مع الفلسطينيين على المستوى السياسي ضمن جهود تسوية النزاع العربي_ الإسرائيلي.

المراجع والهوامش

  1. عيسى القدومي، الأثار… وتهويد تاريخ القدس، مركز الدراسات المعاصرة، بتاريخ 28/002/2010، على الرابط www.center-cs.net
  2. مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية على الشبكة العالمية على موقع الانترنيت. www.aqsaonline.info.
  3. جيروم شاهين، تهويد القدس: المرحلة النهائية إسقاط المسجد الأقصى!! الهيئة الإسلامية المسيحية-المستقبل، منشور الثلاثاء 2 نوفنبر/تشرين ثاني 2010 على الرابط الالكتروني              www.elquds.org
  4.  التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2008م، إصدار مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت، ص 265.
  5. انظر المسجد الأقصى المدينة التاريخ، إصدار مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، ص 110.
  6. انظر: بيان مركز بيت القدس بشأن قرار اليونسكو…الذي يساهم في تهويد القدس، موقع مركز بيت القدس للدراسات التوثيقية على الشبكة العالمية الأنترنيت، “www.aqsaonline.info”
  7. محمد إبراهيم ماضي، صراعنا مع اليهود بين الماضي والمستقبل، الطبعة الأولى مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1986، ص 73.
  8. نفس المصدر، وصفحته.
  9. نفس المصدر، وصفحته.
  10.  مقابلة في قناة الجزيرة، ضمن البرنامج بعنوان سرقة التاريخ في 18/09/2009 م وموقع الجزيرة الفضائية على الشبكة العالمية.
  11. محمد إبراهيم ماضي، صراعنا مع اليهود بين الماضي والمستقبل، مصدر سابق، ص 80.
  12. أحمد صدقي الدجاني، مراجعة المخططات الصهيونية الإسرائيلية لتهويد القدس، وطمس هويتها الحضارية العربية الإسلامية. “بحوث الندوة العلمية” حول القدس وتراثها الثقافي في إطار الحوار الإسلامي-المسيحي، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إسيسكو، الرباط، 19-21 أكتوبر 1993، ص 426.
  13.  انظر تقرير حال القدس، خلال الفترة من كانون الثاني / يناير حت اذار / مارس 2013، تصدره إدارة الإعلام والمعلومات، مؤسسة القدس الدولية.
  14. نفس المصدر.
  15. انظر عبد الكريم المدهون، تهويد القدس الشريف، دراسات فلسطينية عربية، جامعة فلسطين، 2010، ص3.
  16.  انظر نفس المصدر، ص 8.
  17. ابراهيم أبو جابر، قضية القدس ومستقبلها في القرن الحادي والعشرون، مركز دراسات الشرق الأوسط، عمان، 2002.
  18. نفس المصدر
  19. أحمد القرعي، توسيع بلدية القدس في مخطط تهويدها، صحيفة الأهرام، 2003، ص 5.
  20. جعفر حسن، جدار القدس يعزل ألاف الفلسطينيين عن مدينتهم: صحيفة الحياة اللندنية، 18/07/2005 عن موقع الأنترنيت www.palestine-info.info

SAKHRI Mohamed
SAKHRI Mohamed

أحمل شهادة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى شهادة الماستر في دراسات الأمنية الدولية من جامعة الجزائر و خلال دراستي، اكتسبت فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الرئيسية، ونظريات العلاقات الدولية، ودراسات الأمن والاستراتيجية، بالإضافة إلى الأدوات وأساليب البحث المستخدمة في هذا التخصص.

المقالات: 14653

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *