دراسات سوسيولوجية

واقع الطبقات الوسطى في البلدان العربية

  أختتمت في تونس في فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الندوة الدولية التي تناولت مسائل تهم دور وواقع الطبقات الوسطى في البلدان العربية، وعلاقتها بتجارب التحول الديمقراطي في عدد منها. والتحولات الديمقراطية التي هي رهينة حاضنة اجتماعية ودعم الطبقات الوسطى، الندوة الدولية للمركز انخرطت في جملة من السياقات، وأهمها الدراسات التي توصلت إليها المنظمات الدولية، كالبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي، والتي تشير إلى أن الطبقة الوسطى، وخلافاً لبعض القراءات، بصدد التوسع، وأن العالم العربي لا يشذ عن هذه القاعدة، كما تعوّل تلك المنظمات على مكافحة الفقر ودعم الطبقات الوسطى.

   بسبب ارتباط التحولات السياسية بوجود حاضنة لها في الطبقات الوسطى، ينبغي أن يتم العمل على تقليص الفقر والتهميش والحد من البطالة، لتكون مرفهة من حيث الإنفاق والقدرة الشرائية، إذ لا يمكن محاربة التهميش من دون النهوض بتلك الطبقة حتى تنخرط في الشأن العام،

  المركز اهتم بدراسة الطبقة الوسطى وأهمية الرهان الانتخابي عليها، وضرورة الانتباه إلى ما يمكن أن تقدّمه تلك الطبقات. وأن هناك قواسم مشتركة عدة بين البلدان العربية في اليمن والجزائر والمغرب في سلوك هذه الطبقات، وفي علاقاتها ببعضها، على الرغم من بعض الخصوصيات في تركيبة الطبقات الوسطى وفي علاقاتها فيما بينها،

  حضر الملتقى، 35 متدخلًا ونشطوا ضمن تسع جلسات عمل تناولت تحديد المفاهيم وتقديم التجارب. بعض الجلسات نظرت في موضوع السياسات العمومية، والسلوك الانتخابي، وعما إذا كان لدى الطبقات الوسطى منطق التصويت لمرشح دون غيره، أو لحزب معين دون غيره، معتبراٍ أن تجارب المقارنة مهمة، وأعطت صوراً مختلفة لواقع الطبقات الوسطى. توصلوا لا يمكن الحديث عن خيار موحد في الانتخاب، ولا أيضاً في ما يتعلق بالخيارات السياسية عندما يرتبط الأمر بالطبقة الوسطى، لأنها تضم طيفاً واسعاً من الشرائح الاجتماعية، وهي غير متجانسة اقتصاديّاً واجتماعيّاً، وهناك تشابهاً بين المجتمعات العربية.

   كان مهدي مبروك  مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس اشار قبل ذلك الى ان انعقاد هذه الندوة هو تتمة لمجموعة من الندوات عقدها المركز في وقت سابق على غرار  “الفقر والفقراء” والسكن الهامشي والتي انتهت الى جملة من النتائج العلمية لعل أهمها أن سياسات مكافحة الفقر والتهميش بقطع النظر عن المناهج والأساليب والأوليات تقتضي ضرورة توسيعًا  للطبقات الوسطى وتنشيط المصاعد الاجتماعية والمهنيةascenseurs sociaux  les    التي ترفع هذه الشرائح وتخرجها من تلك الفضاءات لتلحقها الى عالم الطبقات الوسطى. واضاف مبروك أن أهم الدراسات الاكاديمية المرموقة وتقارير المنظمات الدولية تكاد تجمع على هذا النزوع المتنامي عالميًا على وسطنة هيكلة الطبقات الاجتماعية وانه خلال السنوات القليلة القادمة ستكون لنا حسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية طبقة وسطة عالمية/ معولمة تقدر الإحصائيات  انها ستضم حوالي ملياري بشر. وبين الوزير السابق مبروك أن الرهان على هذه الطبقات فشل خلال العقود الأخيرة في  بعض الدول العربية وفي تونس تحديدًا، لسبيين رئسيين : تصور يختزلها في خزان لضخ المشروعية السياسية دون اشباع تطلعاتها نحو الديموقرطية والحرية  ومضايقتها وخنقها من قبل طبقات هجينة تمعشت من التهريب والفساد  وذلك ما افقد النظام السياسي حزامًا مهما وهو الذي سمنها منذ بداية التسعينات  لمساندته.

  لقد بات دور الطبقة الوسطى في التوازن الاجتماعي وفي الإستقرار المجتمعي والسياسي مطروحًا بقوة في النظريات السياسية المعاصرة، وعلى وجه الخصوص منذ انحسار دور الأيديولوجيات. حيث يُعتبر تجميع تلك الفئات من خلال هيئات رسمية وتشجيعها على الانخراط في العمل السياسي، الخطوة الأولى تجاه إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى التي يتحدث عنها كثيرون، لكنهم يعزفون عن تحديد ماهيتها. كذلك سيؤسس تأمين ظروف العمل اللائق والحماية الاجتماعية اللازمة لنمط جديد من العلاقات بين أصحاب العمل والعمال والدولة والمجتمع. وبهذه الطريقة يؤسَّس لإعادة بناء الفئات التي تشكل عماد المجتمع وتشكّل أساساً للاستقرار وتفتح نوافذ التغيير.

د.محمـد عبدالـرحمـن عريـف.. كاتب وباحــث في التاريخ الحديث والمعاصر وتاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى