نظرية العلاقات الدولية

ورشة المنامة المخاوف والمخرجات والتداعيات المستقبلية – د. هبة جمال الدين

بقلم : د. هبة جمال الدين – مدرس العلوم السياسية- بمعهد التخطيط القومي- وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية

المركز الديمقراطي العربي

اصبحنا على مشارف انعقاد ورشة المنامة بالبحرين التي من المخطط عقدها في 25 و26 يونيه، وفي ظل المخاوف والرفض والاستهجان العربي والدولي، ستعقد الورشة. وما سأقدمه هنا يعد قراءة لمخرجات الورشة المتوقعة وتداعياتها محاولة لوضع خطوط عامة للجهود المفترض علينا القيام بها لحماية قضيتنا بل وأوطننا، لأنني اؤمن أن هذه الورشة قد لا تكون الأخطر ولكنها البداية المعلنة لمشروع خطير يسعى لتغير قواعد اللعبة والتوازنات في المنطقة هذا حال كنت متفائلة على أقل تقدير، لكن ما اخشاه بالفعل من أننا سنشهد محاولات مستميته لفرض مشروع استعماري جديد.

وقبل الخوض في التفاصيل سأبدء بالحديث عن سياق انعقاد الورشة محاولة لرسم ملامح اولية للتحرك العربي. في الواقع يحمل سياق انعقاد الورشة ملامح سلبية وأخرى ايجابية يغلب عليها الممانعة والرفض، وسأبدأ بالسياق السلبي ليعلم القارئ بعد قراءة السياق الإيجابي أننا يمكننا التغير مهما كان الواقع مظلم.

  1. السياق السلبي لانعقاد الورشة:
  • الورشة بدعوة أمريكية وتأتي في اطار قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية للقدس وما يحمله ذلك من تعنت وتكالب على الحق العربي والفلسطيني.
  • اصدار الكيان الصهيوني لقانون القومية الذي يعترف بالقدس كاملة عاصمة لإسرائيل، مما يعكس انتهاك للقانون والمواثق الدولية وخروج عن المقبول عربيا. مع اهمية ايضاح ان القدس الكاملة وفقا للادعاءات الصهيونية هى عاصمة ما يسمى بمخطط أرض اسرائيل الكبرى
  • زيارات عدد من المسئولين والوزراء بالكيان الصهيوني لعدد من الدول العربية الامر غير المسبوق أو المعهود. مما يؤكد على دخول مرحلة جديدة في العلاقات مع إسرائيل وهذا ما اعلنه نتنياهو في اول لقاء رسمي له بعد تولي الرئيس الأمريكي ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
  • مشاركة عدد من الوزراء والمتحدثين الاسرائيلين في مؤتمرات بعدد من الدول العربية أمام الرأي العام العربي دون اكتراث من السلطة لرفض الشارع العربي للتواجد الصهيوني على أراضيه رسميا.
  • التكنولوجيا الاسرائيلية المستخدمة والمتعاقد عليها في المشروعات السياحية والثقافية وفي البنية التحتية بعدد من الدول العربية

وهناك ضغوط غير مباشرة تستغل لصالح إسرائيل والمشروع الجديد:

  • أزمة خاشقجي واستغلال الدول الغربية للقضية للضغط على المملكة العربية السعودية. فالملف مازال مفتوحا حتى الآن.
  • وفاة مرسي والدور التركي المتامر للتهديد بتوريط مصر وتدويل الوفاة للضغط على مصر في هذا التوقيت.
  • تقرير هيومن رايتس واتش الذائف ضد مصر وتناوله سيناء للاعطاء انطباع سيء عن السلطات المصرية ووضع سيناء
  • العمل الارهابي يوم 5 يونيه 2019 اول ايام العيد ضد الجيش المصري بسيناء لمحاولة اثبات ان سيناء غير محكومة وفقا لتعبير مراكز الابحاث الاسرائيلية منذ عام 2011 ، واظهار الجيش المصري بمظهر غير مقبول لشحذ الراي العام خاصة ان التوقيت بأول ايام عيد الفطر المبارك
  • استغلال ضرب الحوثين لمطار أبها واعترافهم بالضربة وذلك لتأجيج السعودية ضد ايران
  • ضرب ناقلتي بترول بالخليج وتوجيه الاتهامات نحو ايران لتأجيج المشاعر ضدها في هذا التوقيت. رغم أنني اعتقد بدرجة كبيرة ان صاحب المصلحة في هذه الضربة هي اسرائيل حيث استغلت فعلت الحوثين لتوجيه العداء نحو ايران للظهور أن البترول غير آمن ويحتاج لإعادة نظر وتكنولوجيا جديدة لحمايته او تصنيعه ومن يمتلك هذه التقنيات هى إسرائيل.
  • الانتخابات الامريكية والوعد الرئاسي لترامب بتقديم صفقة القرن وحل ازمة الشرق الاوسط قبيل الانتخابات مما يمثل ضغطا على الادارة الامريكية.
  • الحرب التجارية الامريكية ضد الصين هي سلاح ذو حدين علينا حسن ادارته، كي لا تستغله اسرائيل للتقارب من الصين لتخفيف العقوبات من الجانب الامريكي بحجة الدعم الصيني للمخطط الجديد، خاصة مع زيارة نائب الرئيس الصيني لاسرائيل في ديسمبر 2018 للطلب من الايباك التوسط لدي امريكا لتخفيف القيود الامريكية ضد الصين.
  • مبادرة الحزام والطريق ايضا سلاح ذو حدين علينا ان نعي ان ربط خطوط السكك الحديد بين دول الخليج واسرائيل سيصب في مصلحة اسرائيل بالاساس داخل المبادرة وستتحول كمركز مالي اقليمي (مخطط شيمون بيريز الشرق الاوسط الجديد) بل وسيضعف مكانة مصر (وقناة السويس) بصورة او اخرى داخل المبادرة وحركة التجارة الدولية. وسيساعد في تحقيق مخطط اسرائيل المستقبلي (الاستيلاء على الدول العربية لحكمها عبر مخطط ارض اسرائيل الكبرى الذي تمتد حدوده لتشمل كل المنطقة العربية خاصة مع وجود البترول داخل شبه الجزيرة العربية).

ورغم هذا البعد السلبي لكن هناك ملامح ايجابية مهمة توضح وجود إرادة جادة لمواجهة اية ضغوط خارجية.

  1. السياق الايجابي لانعقاد الورشة:
  • فشل مؤتمر وارسو خاصة ان بعض الدول المهمة كان تمثيلها متواضع جدا خلال المؤتمر كمصر مما قدم رسالة لعدم التعاطي مع الطرح الامريكي
  • فشل مبادرة الناتو العربي الذي كان مخطط له ان يتضمن اسرائيل ضد ايران ولكن تجدر الاشارة ان الرفض المصري للمشروع كان عامل حاسم ومهم في فشل الناتو العربي.
  • التوجه الاسيوي للعديد من الدول العربية فجميعها تقريبا اعضاء في مبادرة الحزام والطريق ولها علاقات جيدة مع الصين وروسيا والدول الاسيوية الكبيرة والدول الاوروبية (خاصة دول اوروبا الشرقية كبيلاروسيا). وزيارة الرئيس السيسي للصين وروسيا ورومانيا وكازخستان وبيلاروسيا .. هذا يزيد من امكانية الممانعة للإرادة الأمريكية ونقل وجهة النظر المصرية للقوى الشرقية بالعالم.
  • موقف الشعوب العربية الرافض للتطبيع مع اسرائيل، ويحضرني هنا موقف الشعب البحريني ذاته –رغم ان ورشة المنامة ستعقد في البحرين- رفض من حوالي شهر تقريبا (في ابريل 2019) مشاركة وفد اسرائيلي في مؤتمر حول ريادة الاعمال مما ادي لافشال المؤتمر.
  1. ورشة المنامة والمخرجات المتوقعة:

مع الاعلان عن المسودة الأولي للورشة ورغم تواضع المتحدثين بالورشة فأعلاهم وزير مالية (وزير مالية البحرين الوزير الوحيد المؤكد حضوره) وعدد من اعضاء الكونجرس والبرلمان الانجليزيعلاوة على رجال اعمال عرب وامريكان وانجليز ومراسلين وعسكرين اسرائيلين سابقين مثل يؤاف مردخاي (لواء سابق بالجيش الاسرائيلي). إلا أننا يمكننا التكهن بمخرجات الورشة تمهيدا للحديث عن تداعيات الورشة بعد ذلك:

  • تحويل شعار الارض مقابل السلام إلى الازدهار مقابل السلام سيؤدي لتفريغ مضمون الصراع ومداخل الحل والتسوية من الابعاد الهيكلية للصراع
  • مشروعات اقتصادي اقليمية للربط مع اسرائيل خاصة ان رجال الاعمال الاسرائيلين المزمع مشاركتهم في الورشة لهم خلفيات في البنية التحتية، والتكنولوجيا Hi Tech، وخطوط السكك الحديد، والسياحة.
    • من المتوقع الاتفاق على انشاء خط سكة حديد يربط دول الخليج بإسرائيل (هل سيعيد للاذهان “قطار الشرق”؟)
    • الاتفاق على استخدام التكنولوجيا الاسرائيلية في المشروعات السياحية بدول الخليج
    • مشروعات تكنولوجية اسرائيلية لتأمين ناقلات البترول
    • اقامة استثمارات اسرائيلية عربية مشتركة لتصنيع خام النفط
    • الاعلان عن مشروعات السياحة الدينية الابراهيمية بدول المنطقة التي ترسخ للاخوة الانسانية والسلام الديني العالمي في ظل التسامح الديني ونبذ خطاب الكراهية ومن ابرز هذه المشروعات المتوقع الاعلان عن مسارها بالمنطقة ككل “مشروع مسار إبراهيم” (مسار المشي السياحي للمقدسات الدينية بالدول العربية يبلغ طوله 2000 كم بهدف ترسيخ مفهوم الاسرة الابراهيمية وحل النزاعات وخطورته الحديث عن ملكية ارض المسار كنقطة مؤجلة للحسم لاحقا علاوة على التطبيع مع اسرائيل وتغير حقيقة وواقع الصراع القائم)
  • حوافز اقتصادية كمشروعات استثمارية تهدف لربط الاقتصاد الاسرائيلي بالاقتصاد العربي كل على حدى لتتحول إسرائيل كمركز مالي تحقيقا لمخطط شيمون بيريز عن الشرق الاوسط الجديد
  • تقديم حوافز اقتصادية للبنان ومصر وفلسطين والاردن على غرار مشروع الكويز للتشجيع على التعاون الاقتصادي بشكل اكبر مع اسرائيل (هذه الدول هي حدود مملكة داود المزعومة تمهيدا لاستخدام مبررات دينية تترجم سياسيا لصالح اسرائيل). ملحوطة تم في الاجندة الحديث عن رعاية الصحة العامة للفلسطيتين وأن اهم مداخلها تنظيم النسل وذلك بهدف القضاء على السلاج الديموغرافي الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني
  • انشاء مشروعات على غرار بيت العائلة الابراهيمية الذي تم انشاؤه عقب مؤتمر التسامح العالمي والاخوة الانسانية بالامارات
  1. التداعيات المستقبلية للورشة:
  • الربط الجغرافي عن طريق السكة الحديد وغيرها من مشروعات يترجم مشروع مقترح من مراكز الفكر الامريكية يسمى بالولايات المتحدة الابراهيمية الذي يقضي بإنشاء اتحاد فيدرالي ابراهيمي للحفاظ على الموراد خاصة البترول وتصنيعه بالتكنولوجيا الحديثه التي تمتلكها اسرائيل ثم تركيا ويتحكمان في الموارد تحكم مركزي والدافع لتمويل الخليج لمشروعات الربط هي التوتر في العلاقات مع إيران.
  • ربط الاقتصاد الاسرائيلي بالاقتصادات العربية سيقضي على سلاح الشعوب العربية (المقاطعة) وسيحول إسرائيل لمركز مالي إقليمي وفقا لمخطط الشرق الاوسط الجديد لشيمون بيريز
  • تغير شكل العلاقة مع اسرائيل سيخلق حالة من التطبيع مع الرأي العام العربي والشعوب العربية بشكل تدريجي وقد يكون المستهدف الاجيال القادمة، لكن سيسبق ذلك حملة انتقادات واسعة ستقلل من شعبية هؤلاء القادة داخل مجتمعاتهم
  • زيادة حدة التوتر السني الشيعي والتصعيد مع ايران، وفي المقابل زيادة التقارب العربي مع اسرائيل بسبب الفزاعة الايرانية. هنا اتذكر تقرير مركز راند عام 2017 حول مستقبل الصراع السني الشيعي الذي سيؤدي إلى زيادة النزعة المحلية التي تقضي بمطالبة القرى الصغيرة بالانفصال لتعلن نهاية الدول القومية العربية وحدد التقرير عام 2027 لاكتمال الدائرة
  • الورشة هى بداية لمخطط اكبر وجهد دولي اوسع سيؤدي إلى تغير شكل المنطقة ككل لصالح الكيان الصهيوني
  • المؤتمر سيتبعه ورشة اخرى حول مستقبل التوترات في المنطقة وسينادي بانشاء دولة فيدرالية في سوريا في اقليم شمال وشرق سوريا للاكراد واخرى للدروز من السويداء لجبل العرب. كبداية للاعلان عن نهاية الدولة القومية السورية. كذلك الحال بالنسبة لليبيا واحتمال تقسيمها لثلاثة دول يتبعها السودان والحديث عن انفصال كردفان ودارفور.
  1. البدائل الممكنة للتحرك العربي:
  • خفض مستوى التمثل عربيا للمشاركة في ورشة المنامة لافشالها
  • نقل الموقف العربي والمصلحة العربية لروسيا والصين والدول الافريقية التي يشارك منها ثلاثة رجال اعمال ولكن لضممان انها مواقف شخصية ليس اكثر
  • اهمية تحرك الشعوب العربية لرفض التطبيع عن طريق مؤسسات المجتمع المدني العربية والاحزاب العربية والنقابات والاتحادات فالقبول بالوجود الاسرائيلي داخل المنطقة كأمر طبيعي امر مرهون شريطة اقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967
  • التمسك العربي بمبادرة الملك عبدالله للتسوية
  • اهمية تحرك الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي لشجب تغير جوهر الصراع فدعم الاقتصاد الفلسطيني ليس اساس الحل وانما اقامة الدولة كما أن دعم الاقتصاد الفلسطيني لن يتأتي إلا برفع يد الاحتلال عنه .
  • لابد أن نعي ان الصراع مع ايران ليس صراع ديني وأنما هو خلاف سياسي بالاساس حان الوقت لحله بالاساس عبر جهود عربية وسيطه دون تدخل امريكي صهيوني
  • ربط الاقتصاد الاسرائيلي بالعربي امر جد خطير وسيضعف الدول العربية مستقبلا حتى وإن كانت نتائجه على المدى القصير ايجابية، فهو اقتصاد دولة استيطانية توسعية ترفض ترسيم حدودها وتعلي من مطالبها وتسمح باحزاب تنادي بارض اسرائيل الكبرى بل والعودة الي مكة والاستيلاء على الكعبة انظر الحزب اليهودي المسيحي Bible Bloc Party

ورشة المنامة هي بداية خطيرة تصب لصالح اسرائيل وتأصيل لمشروع استعماري اكبر علينا إلا نغض الطرف عنه والتضامن عربيا سويا لإفشاله بالاساس على غرار الموقف المصري من مؤتمر وارسو. فنحن اصحاب ارادة وسيادة على أراضينا مهما اختلفت الأراء الغربية والمطامع الصهيونية. فالتحيا الامة العربية وتحيا مصر.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى