دراسات سياسية

الجيوستراتيجية العالمية وأثرها في انماء هيكلية النظم الإقليمية والدولية “قراءة في عقائد الانتشار والانبثاق”

الكل يعلم ان الصيرورة التكوينية لهيكلة الترابط والتناغم الدولي هي بكل تأكيد وليدة الانبعاثات الشكلية لجيواستراتيجية العالمية (التركيبة الجغرافية السياسية الحدودية لمضامير التفاعل الدولي) على كافة اقاليم العالم سوء أكانت هذه الأقاليم ذات تفاعل دينامي خفاق بالحركة المضطربة، ام تعاني من كثافة تفاعلية دولية منسجمة بمشتركات متبادلة بين الوحدة الدولية.

فتأثر الجيوستراتيجية العالمية على شكل وأداء النظم الإقليمية والدولية المضطربة بشكل افتراضي هو نابع من مخرجات الفواعل المسيطرة والفاعلة (المحجمة) بمسلمات ومسارات السياسة الدولية، والتي بدأت هي الأخرى تتأثر بشكل كبير بمنعكسات دالة الجغرافية الاستراتيجية المسيطرة اساساً على تركيبات التنظيمات الاقليمية الاستراتيجية لبعض الأقاليم الجيودينامية في العالم مثل إقليم اسيا الباسفيك والذي بات يمثل مكامن الانبثاق والارتقاء لبعض القوى العالمية الطامحة للصعود والتنفذ الدولي في مضامير التفاعلات الدولية في القارة الاسيوية وصولاً الى حواف القارة الأوروبية والشرق الاوسط.

كما بدأت الجيواستراتيجية العالمية تفرز لنا حلقات ودوائر دولية (جغرافية) منضبطة بأقاليم واخذت هذه الأقاليم تبنى أساس استراتيجية لإدارة منطلقات التفاعل السياسي والاقتصادي والعسكري في اطار دائرة نظمية ضيقة قد تتنافر مع أسس وبنى النظام الدولي المضطرب التكوين، كما ان بعد هذه التكتلات قد تكون خصالة من خصال حيثيات النظام الدولي الجديد، والذي يمكن ان يطلق عليه نظام متعدد الدوائر والتي تعني بشكل ابسط أنظمة إقليمية فرعية لكل منها خصائص تختلف عن الأنظمة الأخرى فقد تأخذ البعض منها صفة هرمية القوى والسيطرة، والبعض الاخر يأخذ منها صفة التشظي والتبعثر في القوى والسيطرة لتجتمع كلها في بوتقة واحدة تسمى نظام دولي مركب التكوين والإدارة .

 فهناك افتراض اخر يدور حول ترابطية العلاقة ما بين النظام الدولي مفترض التكوين مع هندسية الجيواستراتيجية العالمية، خصوصاً ان الفكر الدولي الجيوستراتيجي بدا يتخذ من مقتربات الانكفاء والاحاطة الاستراتيجية منطلق أساسي له لأجل تعضيد تصوراته الإقليمية الضيقة، وبعكس هذا الافتراض هناك من ينطلق في تفكيره نحو تسخير منحنى الجيواستراتيجية العالمية من اجل صياغة فرصة الارتقاء العالمي والابتعاد عن منطلقات المشاغلات الإقليمية الضيقة بحدود جغرافية.

فأخذت الصين مثل هكذا اندفاع تكويني من اجل الابتعاد عن دوائر الاختناق الباسفيكي والصعود نحو المركزية الجيواستراتيجية العالمية، (اوراسيا)، والتي بالتأكيد تمثل بوابة من بوابات النضوج الدولي للقوى، فعقيدة طريق واحد حزام واحد، هي المسار البدائي لطموح الصين المكبل بعقد داخلية وإقليمية ودولية معروفة للجميع، مثل هكذا مشاريع عالمية يمكن ان تدفع بمنحى التشكل والاستقامة للنظام الدولي المضطرب نحو الاستدامة والانبثاق، من اجل الوصول الى هدف استراتيجي يدور في المحصلة حول تذليل فرص صعود نسق الفوضى الدولية القادمة، والتي بدأت تلوح في افق بعض تركيبات الأنظمة الإقليمية كالشرق الأوسط.

ومن هنا تأتي عقيدة الانتشار العسكري للولايات المتحدة الامريكية والتي تتكون دلاتها من مفاهيم جيواستراتيجية عسكرية تتمحور حول ترويض البعد الجيواستراتيجي بمرتكزات عسكرية برية وبحرية ومجوقله، من اجل تذليل وتقليل فرص التباعد الجيواستراتيجية لأقاليم العالم المضطربة وحصر تأثيراتها داخل حلقات الوجود الأمريكي، كما عمدت الولايات المتحدة الامريكية على توضيب حلقات الجيواستراتيجية العالمية مترامية الانتشار وحصرها في حزمة التأثير والتناغم الأمريكي من خلال توجيه الجهود الاستراتيجية العسكرية مع وسائل التأثير الأخرى كالعامل الاقتصادي.

ورغم ان الولايات المتحدة الامريكية تمارس سطوة القوة والتأثير على مسرح التفاعلات الجيواستراتيجية العالمية، الا انها تفتقد الى لجم بعض القوى الدولية الطموحة والتي تسعى هي ايضاً الى ترويض خصلات الجيواستراتيجية العالمية لأجل ممارسة دور فعال في هيكلة التفاعلات الريادية العالمية، وهو ما سينعكس بشكل جيوديناميكي على بلورة منحنى جديدة للسياسة الدولية والتي بدورها ستساهم بشكل كبيرة بصيرورة ملامح النظم الإقليمية والدولية المتمثلة بالنظام الدولي المركزي يجمع عدد من النظم الإقليمية في بوتقة تكوينية واحدة تحت مسمى مشهد المشاطرة المتعاقب.

بقلم علي زياد العلي

باحث متخصص في الشؤون الدولية والاستراتيجية

E-mail: ali_zyad@asia.com

 

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى