نظرية العلاقات الدولية

الحداثة ومابعد الحداثة – التعريف، المميزات والخصائص

اطرح عليكم موضوع مهم يتكلم عن الحداثة ،كطريقة تفكير قائمة على الفلسفة الوضعية ،محتكمة للمنهج التجريبي وهي تبدأمن عصر التنوير وما احدثته الثورة الصناعية على كافة الاصعدة العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية …..وتأتي مابعد الحداثة كرد فعل على الحداثة كمعطى قائم على التشكيك في كل ما جاءت به حضارة الرجل الابيض ، منقدته منهجا ومعرفة وعلى هدم كل الحقائق العليمة ، ،وانه لاتوجد حقيقة علمية مطلقة ، وهدم للنظريات الشاملة في العلوم السياسة ، وزوال كل الحدود بين ماهو ثقافي وسياسي​

رضا دلاوري
ترجمة: حيدر حب الله

قبل البحث في ما بعد الحداثة، من الضروري الإشارة إلى الحداثة نفسها بوصفهاحقيقةً تاريخية ثقافية، وبعد ذلك ندخل في بحث ما بعد الحداثة، لنقارنبينها وبين الحداثة نفسها.
الحديث (Modern) كلمة مشتقة من أصل لاتيني (modernus)، وقد حظي التحديث بانتشار واسع في اوروبا عقيب عصر التنوير (Enlightement)،وفي تلك الحقبة نفسها، أظهر الإنسان الغربي اعتماداً أكبر على عقله، وقداتخذ هـذا الاعتماد على العقـل في مجمله طابـع العقلانية الشـكلية (Formalistnationality).
لعله يمكن – وبصورة إجمالية – تعداد الخصائص الأيديولوجية الرئيسية للحداثة، والتي تمثل بدورها خصائص التنوير على الشكل التالي:
1- الاتكاء على قدرات العلم والعقل الإنساني بهدف معالجة الأمراض الاجتماعية.
2- التأكيد على مفاهيم من قبيل التقدم (Progress)، والطبيعة (nature)، والتجارب المباشرة ( Direct experience).
3- المعارضة الواضحة للدين.
4- تعظيم الطبيعة، وعبادة الإله الطبيعي.
5-في المجال السياسي، كان هناك الدفاع عن الحقوق الطبيعية الإنسانية بواسطةحكومة القانون، ونظام الحيلولة دون سوء الاستفادة من السلطة.
6- أصالة الإنسان، أي أنسنة المجتمع، وكذلك أنسنة الطبيعة(Antropomorphism)
7- الاتكاء بشكل أساسي على المنهج التجريبي والحسي قبالَ المنهج القياسي والفلسفي.
8- الوضعية بوصفها البنية المنهجية للحداثة.
وبالإضافةإلى المميزات والخصائص المتقدمة، كانت للحداثة بوصفها حركةً تاريخيةتمظهرات مختلفة في مجال الفلسفة، والثقافة، والاقتصاد، والسياسة، وعلمالاجتماع … وكمثال، مثّلث الفوردية (Fordism)خصيصة من خصائص الحداثة في مجال الاقتصاد، أما في مجال علم الاجتماع فهناكتجاوز لمرحلة التقليد إلى مرحلة التجدد وإيجاد مجتمع صناعي، وفي الثقافةكان هناك ظـهور لنوع مـن النخبوية (Elitism)، وفي الفلسفة نزعة مادية ماتريالية (materialism) طبيعية (Naturalism) ودنيوية (Secularism)، وفي العلم برز المنحى الميكانيكي (Mechanistic)…
والآننشرع ببحث إجمالي لأهم الأسس الرئيسية للحداثة، وهي أصالة الإنسان،والعلمانية، والوضعية، وأصالة العقل، حيث تحوز هذه الخصائص على أكبر وأهمتأثير في تكوين وتكامل الحداثة أيديولوجياً.

1- الإنسيّة وارتباطها بالحداثة (humanism)
تعدالحداثة من الناحية التاريخية حصيلة عصر النهضة، ومن عصر النهضة أيضاًتنطلق الإنسيّة أو محورية الإنسان، وتطرح أصالة الإنسان فكرة محوريتهبصورة مستقلة عن الله والوحي الإلهي، ويمكن اعتبارها بمثابة الجوهر والروحالباطن للاتجاه الحداثوي.
ويكتبرينيه غنون فيما يرتبط بالجوهر البنيوي لأصالة الإنسان، فيقول: «برزتالإنسيّة في صورتها الأولى نفيٍاً للروح الدينية في العصر الجديد، وحيثكانوا يريدون بوتقة كل الأشياء في الميزان البشري، تلك البشرية التيتحوّلت إلى غاية وحدّ لذاتها، لكنها – الإنسيّة – في النهاية أسقطت الوجودالبشري وبشكل تدريجي إلى أحطّ الدرجات».

2- العلمانية الوليد الأبرز للحداثة
فيإطار الحداثة يفتقد الدين مركزيته التي كان يتمتع بها في مجال الحياةالاجتماعية والسياسية، وينعكس بصورة دساتير وتعاليم أخلاقية وشخصية. إنالنظرة الحداثوية للدين مجرد نظرة براغماتية نفعية، ولابد من اعتبارالاعتقاد بعلمنة الحياة الاجتماعية والسياسية بمثابة واحدة من مميزاتالحداثة والتفكير الليبرالي، أي الاعتقاد بأن الدين إما أنه لا يجوز أنيكون له وجود أساساً أو أنه إذا كان له وجود فلابد من جعله أمراً شخصياًمؤطراً في إطار العبادات والأحكام الفردية، فلا يسمح للدين أن يكون مركزثقل في الحياة السياسية والاجتماعية، بل لا بد له من التموضع في إطارالمشهورات والتصديقات الإنسانية.
لعلّه يمكن – وبصورة موجزة – بيان أهم مظاهر العلمانية على الشكل التالي:
1- الرؤية الدنيوية أو دنيوية الحياة البشرية.
2- أفول أو انحسار تأثير الميتافيزيقيا وما بعد الطبيعة.
3- النظرة المادية للأخلاق.
4- الهداية العقلية.
كما تمكن الإشارة إلى عدّة مدارس كان لها تأثير في تكوّن العلمانية وظهورها، وهي الإنسيّة (Humanism)، والقومية (nationalism)، والى حد معين المذهب العلمي (Scientism) والذي بلغ أوجه في المدرسة الوضعية (Positivism)، كما مثّلت الليبرالية (Liberalism) واحداً من الأعمدة التي انبنت عليها العلمانية.
وتجدر الإشارة إلى أن الجذور الفلسفية للعلمانية ترتبط بمذهب التداعي لجيمز ميل (James Mill)، ومذهب أصالة الفائدة (Utilitarianism) لجيرمي بنتام ( Jermy Bentham).

3- الوضعية منهجُ الحداثة
لابدمن الالتفات إلى وجود تداخل هام وأساسي بين الوضعية والحداثة، فالحداثةتؤخذ بوصفها أيديولوجيا الوضعية، فيما تمثل الوضعية المنهج لها، ويمكنأيضاً اعتبار البنية الأصـلية للعلوم المعاصرة، سيما النظريات الجديدة فيالعلوم الاجتماعية والسياسية بأنها بنية وضعية، تلك الوضعية التي كانت فيالواقع ثورةً على الفلسفة والميتافيزيقيا، وغضباً مناهضاً للاتجاهاتالدينية والأحكام الأخلاقية.
منوجهة نظر الوضعية، الدين جزء من التاريخ الذهني للإنسان لا غير، وليست لهأية واقعية خارجية، الله عبارة عن مفهوم يصنّف جزءاً من التاريخ الفكريللبشر، إن من أهم الوسائل التي استخدمتها الوضعية في حملتها ضدّ الدين كانالتشكيك في صدقية القضية الدينية وكونها ذات معنى بما لا نستطيع احتواءهضمن هذا المختصر.
إذن،يمكن لنا قراءة النظريات الجديدة التي طرحت في القرن العشرين من ناحيةمعرفية ومنهجية في السياق الوضعي، ومن ناحية مضمونية في إطار الحداثة.

4-المذهب العقلي والاعتقاد بالعقل أساساً للمعرفة
المذهبالعقلي – في الواقع – اتجاه فلسفي يرجع إلى القرنين السابع والثامن عشرالميلاديين، ومن وجهة نظر المؤيدين لأصالة العقل من غير المقبول أن تكونالمكاشفة والشهود مصدراً من مصادر المعرفة الواقعية، ويعتقد مناصروالاتجاه العقلي أن البراهين القياسية (Deductive) أو الاستقرائية (Inductive) يمكنها أن تمنحنا اطلاعاً دقيقاً وقابلاً للاطمئنان عن العالم.
لقدساد اعتقاد في علم الاجتماع بتلازم المذهب العقلي مع وضعية القرن التاسععشر، لقد كانوا يعتقدون بأن الهدف من الإرجاع إلى العقل الإنساني ليس هوالمعرفة فحسب، بل إن رفاهية الحياة الاجتماعية كانت هي الأخرى مأخوذةًبعين الاعتبار، بعبارة أخرى لم يجر فهم العقل بوصفه ظاهرةً مسقطة مسبقاًمن الأعلى، وإنما هو استعداد ينبغي أن يحظى بشمولية أكبر، وأن تخضع الحياةالاجتماعية والسياسية على أساسه لتحوّلات.
وهنا، لابـد من التمييز بين العقلانية (Rationality) ومذهب أصالة العقل (Rationalism) والعقلنة (Rationalization).
مفهومحصول العقلانية كان يعدّ أساس تحليل ماكس فيبر للرأسمالية الحديثة، إذيستبطن تحقيق العقلانية في السياسة – من وجهة نظره – أفول القيم التقليديةللشرعية، واتساع نطاق البيروقراطية.

5- تأثير الإسمية أو أصالة التسمية
في ظهور التفكير الحداثوي
يعني المذهب الإسمي (Nominalism)الاعتقاد بأن ما له وجود في هذا العالم إنما هو الأسماء لا غير، أماالتصورات المجرّدة والمجردات فليس لها من وجود ولا واقع، والشيء الذي لهارتباط وتعلّق بهذا العالم إنما هو الكلمة فحسب، والفرد والمنفردات هيالتي لها وجود واقعي تتعلق الأسماء به.
ويشتدّتوافق المدرسة الإسمية مع الفلسفة المادية والمذهب التجريبي، غيوم دوكامواحد من أشهر إسميي القرون الوسطى، وبلومن برغ في كتاب «شرعية العصرالجديد» وحول دور المدرسة الإسمية في تهيئة الأرضية للحداثة والتفكيرالحداثوي، لديه اعتقاد بأن الإسمية – وبشكل غير مباشر – كان لها تأثير فينمط التفكير الحداثوي، ومن وجهة نظره فإن المذهب الإسمي بجعله المفاهيمالإلهية المسيحية مطلقة ومن ثم جعلها بلا معنى ولا ربط، هيء الفرص لظهورالتفكير الحداثوي.

6- الحداثة والمنحى الميكانيكي للعلم
التمثيل الميكانيكي حصيلة القرن الخامس عشر وما بعد، وأهم خصوصيات الأنموذج الميكانيكي هي:
أ- الأنموذج الميكانيكي يقول بقابلية أي أمر يقع في مجال التمثيل للتجزئة،فرانسيس بيكون التجريبون كافّة يعتبرون أن الشرط الأول للعلم هو قابليةالتجزئة، ومن وجهة النظر هذه يعدّ المجتمع مجموعة أجزاء ذات استقلالية،يتمظهر المجتمع ويتبلور عبر تركيبها.
ب – الأجزاء لابد أن يكون لها حالة علاقات متقابلة (Interaction).
ج – الأنموذج الميكانيكي – على عكس الأنموذج العضوي – غير قابل للرشد.


ويرى مفهوم الأنموذج الميكانيزمي أن الظواهر الاجتماعية مثل المجتمع والدولةتعدّ ظواهر مصطنعة، إن فكرة العقد الاجتماعي والتي تأخذ حيزاً رئيسياً منتاريخ النظريات السياسية تبتني على مثل هذه النتائج.
وهنامن الضروري البحث عن الفرق الموجود بين الحداثة والتحديث بمعنى التجدد،لقد كانت نظرية التجدد واحدةً من النماذج المهيمنة لعلم الاجتماع والعلومالسياسية الأمريكية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، والتي ذهبت- وبهدف توضيح آثار ونتائج التغييرات الشاملة التي تتمكّن المجتمعاتالتقليدية عن طريقها من تحديث نفسها وإعادة بناء ذاتها من جديد – إلىالقول بأن التجديد يتطلب إحداث التنمية في مختلف البنى والمؤسسات من قبيلالأحزاب، والبرلمان… واتخاذ القرارات على أساس مشاركة الشعب، وخفض معدلات الأمية، وتشجيع ظاهرة استيطان المدن، وأمور أخرى أيضاً.

وقدتعرّضت هذه النظرية لسيل من اعتراضات، كان منها أن التجدد مبني علىالتنمية التي حدثت في الغرب، وهذا الأنموذج إنما حدث على أساس مجتمعاتوملل معينة.
وفيالحقيقة، لابد هنا من الإشارة إلى أنّ النظريات الجديدة في علم الاجتماعوالعلوم السياسية كافّة، والقاسم المشترك ونقطة الاتصال بين كل هذهالنظريات… ترجع إلى أيديولوجيا الحداثة والتحديث (Modernization)،ويمكننا هنا الإشارة إلى مجموعة أشخاص شكّلوا أبرز الشخصيات في مجالالنظريات الجديدة للعلوم السياسية في الخمسينات والستينات من أمثال تالكوتپارسوتز، وغابريل آلموند، وديفيد ايستون، وكارل دويج، وقد قام هؤلاء أيضاًبدراسة النظريات الحداثوية ونقدها.

وفي الستينات والسبعينات، وبصورة تدريجية وفي مجال العلوم السياسية، ظهر مايمكن تسميته بالجيل الثاني لمنظّري الحداثة أو الذين عرفوا بدعاة تجديدالنظر، وفي الحقيقة شكّل هذا الفريق جيلاً انتقالياً من النظرية الحداثويةإلى نظرية ما بعد الحداثوية، بمعنى أنهم كانوا يقبلون بمبدأ ضرورة انتقالالمجتمعات التقليدية إلى المجتمع الحديث، بيد أنهم – وفيما يتعلق بأسلوبالانتقال ومراحله ومفهوم التجدد والحداثة – قاموا بطرح مجموعة من الأبحاثمثيرين إشكاليّات مختلفة، ومسجّلين جملة انتقادات على الجيل الأوّلللمنظّرين الحداثويين.
ومنجملة الأشخاص الذين سجّلوا انتقاداتهم على النظريات الحداثوية والترابطيةالكاتب الأمريكي غاسفيلد، وآندره غوندر فرانك، ويعدّ آندره من المنظرينالمعروفين لنظريات الترابط، وقد سجّل انتقاده – وبصورة مباشرة – على نظريةالمقابلة التي تجعل المجتمع التقليدي قبال المجتمع الحديث.

وقدتعرّضت الحداثة – من ناحية معرفية ومنهجية – للانتقاد أيضاً، وتمكنالإشارة هنا إلى الاعتراضات التي سجّلت على المذهب الوضعي بوصفه منهجاًللحداثة. وإذا أردنا الرجوع ووضع اليد على الجذور الأولية للانتقادات التيطالت الحداثة فلا بد لنا من العودة إلى القرن التاسع عشر، حيث سنلاحظانتقادين رئيسيين وجّها إلى المذهب الوضعي.

المجموعةالأولى من الانتقادات طرحت من جانب ماركس والماركسيين، والتي انتهت إلىحدوث الانقسام بين الماركسيين أنفسهم، وفي هذا المجال، يمكن الإشارة إلىرايت (E.olinWright)واحداً من الناقدين الذين قاموا بتسجيل انتقاداتهم على المنهج الوضعي فينطاق المباحث الديالكتيكية، كما يمكننا ذكر نظريات مدرسة فرانكفورت فيالقرن العشرين، والتي تعد من جملة الماركسيين غير الوضعيين، ومدرسةفرانكفورت (Frankfurt school)تعبير يطلق على أولئك العلماء من اليهود المشتغلين بالعلوم الاجتماعية،والذين كانوا قد هاجروا من ألمانيا، ويمكن ذكر آدونو، ودبليو بنيامين،وإريك فروم، وفرانتس نويمان، وهوركهايمر، وماركوزه بوصهم أبرز رجالات هذهالمدرسة، ويعدّ بعض هؤلاء – من أمثال ماركوزه – أبرز المعارضين للمذهبالوضعي، ليس فقط في نطاق المسائل الماركسية فحسب، بل في مجمل العلومالاجتماعية في القرن العشرين، وأهمّ المسائل التي ركّز هؤلاء عليها هي:

1-نشر التحليل النقدي الاقتصادي في الماركسية الأورثوذكسية والرسمية وبسطه أيضاً.
2-وضع بناء معرفي لائق ومناسب، ونقد الرأسمالية الحديثة.
3-إقحام التحليل النفسي الفرويدي في النظريات الاجتماعية لماركس.
4-شنّ حملة على العقلانية الأداتية (Rationality Instrumental) بوصفها أصلاً أساسياً للمجتمع الرأسمالي.

ما بعد الحداثة
فيالوقت الراهن، وبعد سقوط المعسكر الشيوعي، هناك حركة جديدة ضدّ الحريةوالعقل، ولا تقف هذه الحركة عند حدود الأدب والفنّ المعماري، بل تتعدّاه -وما تزال – إلى علوم أخرى نظير الحقوق، والأخلاق، والسياسة، والاجتماع،والاقتصاد.
من ناحية لغوية (post) لها دلالة أكثر على استمرار أمر ما، وما بعد الحداثة لا تعني نهاية الحداثة، بل تعني نقدها واستمرارها أيضاً.


وقداستفيد من هذا المصطلح في تاريخ الأدب الأسپاني عقيب الحرب العالميةالأولى، وفي تاريخ الأدب الأمريكي اللاتيني في الفترة الفاصلة بين الحربينالعالميتين.
وفيالواقع، لا تتجلّى في ما بعد الحداثة سوى نفس تلك الأسئلة الأساسية التيحملتها الحداثة نفسها، مع فارق، وهو أن هذه الأسئلة قد طرحت هذه المرةبشكل واعٍ أكثر.
ووفقاً لما تقدم، من الضروري عدم الخلط بين مفهوم ما بعد الحداثة وبين المجتمع ما بعد الحداثوي أو ما بعد الصناعي.

فقد طرح المجتمع ما بعد الصناعي للمرة الأولى – ليلقى صدىً – من قبل دانيل بيل في كتابه ( The Comail of post-industrailsociety)، وذلك في سنة 1974م بهدف توصيف التغييرات الاقتصادية والاجتماعية في أواخر القرن العشرين.
وقبل البحث في خصائص المجتمع ما بعد الصناعي، نحاول تبيين مميزات المجتمع الصناعي في البداية بصورة موجزة، وهي:

1-وجود دول قومية ووطنية منسجمة مستفيدة من التجانس القومي والثقافي، تقوم بإحداث تشكيلات مبنية على ثقافة ولغة مشتركة.
2-التصنيع التجاري.
3-سيطرة الصناعة الآلية، ومأسسة الصناعة في المصانع.
4-تحويل المجتمع إلى مجتمع مدني، مقابل الريفي.
5-النموّ العام فيما يرتبط بمستوى التحصيلات العلمية، ومحو الأمية.
6-ربط العلم بمختلف ساحات الحياة، وعقلنة الحياة الاجتماعية تدريجياً.
7-استفادة الشعب من حقّ إبداء الرأي والمشاركة في الانتخابات، وموضعة مختلف الأمور والنشاطات السياسية حول الأحزاب.

أماالمجتمع ما بعد الصناعي، فهو يتشكّل في الاقتصاد على صورة زوال تصنيعالبضائع والصناعات واستبداله بنظام الخدمات، ومن مميزات هذا المجتمع أيضاًبناء الاقتصاد فيه على العلم وحملة الإجازات والأخصائيين، الذين يشكّلونالعنصر الأساسي للطاقة الإنسانية.

وكذلك،لابد من التنبّه أيضاً إلى الأبحاث التى طرحها آلوين تافلر فيما يرتبطبالتغيّرات التكنولوجية، حيث من الضروري أن لا نتلقّاها أبحاثاً متعلقةًبما بعد الحداثة، بل لا بد من التفتيش عن معنى ما بعد الحداثة بصورةأساسية في الاتجاهات الفكرية التي برزت في أواخر القرن العشرين، لا فيالتحولات التي ظهرت من الناحية التكنولوجية، كما هو التصوّر العام السطحيلما بعد الحداثة والذي يتناسب مع مثل ذلك.

يعتقدتافلر، بأن العالم قد مرّ بثلاث مراحل للتحديث، ونحن الآن على أعتابالمرحلة الثالثة، ويعالج كتابه «تداول السلطة» موضوع بناء الدولة فيالمرحلة الثالثة، وهو يعتقد أن حالة التضاد الموجودة اليوم في عالمناالمعاصر إنما تنجم عن حالة التضاد المستكنّة بين المراحل التحديثيةالثلاث، كما أن سعي البلدان والدول للتنمية ليس شيئاً – عنده – سوى العبورمن مرحلة إلى مرحلة أخرى، إذن قراءة تافلر قراءة حداثوية لا ما بعدالحداثوية.

ميزات وخصائص ما بعد الحداثة
ليسثمّة توافق حول المحدّدات والخصائص لما بعد الحداثة، وكمثال يعتقد ليوتارأن العصر ما بعد الحداثوي هو عصر التشكيك وموت التعاريف المنطقية، وهو -أي التشكيك – نتيجة حتمية للتطوّر الحاصل في العلوم، كما يطرح ليوتار مايمكن أن يقدّم بوصفه ثقافة معاصرة من قبيل موسيقى الروك، ومشاهدة البرامجالغربية، وتناول وجبات ماك دونالد، والجوارب اليابانية، واللباس الهونغكونغي والألعاب التلفزيونية، وبشكل مختصر، يمكن تلخيص النظريات والأفكارالسياسية لليوتار على الشكل التالي:
1-نهاية عصر ابتكار النظريات أو النظريات الشاملة في مجال السياسة والاجتماع.
2- فقدان نظرية مطلقة في مجال الأخلاق والقيم.
3-التشكيك الأخلاقي (morlskepticism) سوف يفضي في النهاية لا محالة إلى عالم اعتباري أو إلى الاعتبارية.
4-إعطاء أهمية استثنائية للمعنى، وإضفاء معنى على العالم، وجعل المعنى خاصّاً وشخصياً.
ويذهب جيمسون إلى أن عوامل ظهور ما بعد الحداثة عبارة عن:
1-فقدان العمق وضعف النظرة للتاريخ.
2-الخمود العاطفي الذي حصل في العصر ما بعد الحداثوي.
ويرىإبغلتون أن العصر ما بعد الحداثوي هو عصر فكّ الاستقلال الذاتي عن الفنونالأصلية، وهو – أيضاً – عصر زوال الحدود ما بين الثقافة والمجتمع السياسي.
لابدمن الالتفات، إلى أنّ مجال استخدام مفردة «ما بعد الحداثة» ونفوذها كانلافتاً للنظر، وجدير بالاهتمام الإشارة إلى الموارد التالية وهي:
1-الموسيقى (استكاك هازن – هالي وي – لوري آندرسون – وترديسي).
2-الفن (ماخ – راوشن برغ – وباسيلنز).
3-الرواية (بارث – بالارد – وداكترو).
4-الفيلم (أفلام (Wether by) و(Thewedding) و (Body Heat).
5-التصوير (شرمان – لوين – يرنيس).
6-المعمارية (خبغز – بولين).
7-الأدب (إسپانوس – حسن – فيلور).
8-الفلسفة (ليوتار – دريدا – بادريلارد – وريتشارد رورتي).
9-علم الإنسان (كليفورد – ماركوزه – تايلر).
10-علم الاجتماع (دنزين).
11-الجغرافيا (soja).


ولعله تمكن الإشارة لخصائص ومميزات ما بعد الحداثة بصورة مفهرسة على الشكل التالي:
1-في علم النفس، إنكار الفاعل العاقل والمنطقي.
2-نفي الدولة بوصفها أنموذجاً للهوية الوطنية.
3-إلغاء الأنظمة الحزبية وأنشطتها السياسية بوصفها منافذ حصرية وتصوّرات جمعية.
4-الترويج للنسبية الأخلاقية.
5-معارضة السلطة أو الدولة الحديثة المركزية.
6-معارضة النمو الاقتصادي المؤدي إلى تلويث البيئة.
7-معارضة إلغاء الثقافات المتعدّدة لصالح ثقافة مهيمنة.
8-مخالفة النـزعة العرقية.
9-معارضة المراقبة البيروقراطية للصناعة والإنتاج.
10-إخضاع الرؤى والأفكار كافّة التي تحظى بقبول المجتمع للتساؤل والاستفهام.
11-التشكيك بقدرات العقل الإنساني، ورفض العقلانية، وأيضاً رفض واسع وشامل للتنوير.
12-معارضة البرامج الموزونة والمتمركزة القائمة على جهود الأخصائيين.
13-الاعتراف بالمذهب النسبي (Relatirism).
14-الاعتقاد بنهاية صراع الطبقة العاملة، واستحالته إلى داخل قلب النظام الرأسمالي.
15-الإعلان عن الدخول في مرحلة جديدة هي: ما بعد التاريخ.

من زاوية ايبستمولوجية، النظرة ما بعد الحداثوية نظرة هرمنيوطيقية تفهّمية،هانس غادامر واحد من أبرز أنصار هذه الرؤية، وقد بيّن نظرياته في كتابه«الحقيقة والمنهج» (Warheit and Method)هادفاً – وبالاستعانة بالفلسفة الهايدغرية – إلى إعادة طرح أسئلة العلومالإنسانية، ويعتبر غادامر أنّ وضع الحد الفاصل بين الذات والآخر يعدّفرضية قبلية أساسية للعلوم الإنسانية، هذه الفاصلة تتبلور في رؤية جديدةتقوم على أساس التقابل بين الذهني والعيني، وقد فصّل غادامر هذه النقطةعلى مستوى محاور ثلاثة هي: علم الجمال، والتاريخ، واللغة.
وتمثّل فلسفة غادامر – بشكل عام – حصيلة تركيب اتجاهين أو حركتين نسمّي الأولـى بالحركـة مـن الهرمنيوطيقا الخاصة regional)) إلى الهرمنيوطيقا العامة (general)، والثانية بالحركة من علم المعرفة في العلوم الإنسانية إلى علم الوجود.
وإذاكنّا في بحث الحداثة قد جعلنا الوضعية منهجاً لها، فلعلّنا نتمكّن هنا مناعتبار الاتجاه الهرمنيوطيقي – على وزان الوضعية – بمثابة المنهج لما بعدالحداثة، ولا شك أن الهرمنيوطيقا لها تاريخ طويل وجذور ممتدّة في جملةمسائل كان لها ارتباط بالتفاسير الإنجيلية، ويمكننا مشاهدة هذا الأمر فيآثار البعض من أمثال دبليو ديلتاي وويندلباند (Windelband) وكارل مانهايم أو ريكرت (Rickert)، وبصورة عامة فإن البحث التفسيري أو التأويلي للنصوص يعدّ قسماً من الانتقادات التي تبلورت في علم الاجتماع من الوضعية.

نقد ما بعد الحداثة
نشرعام 1975م في إحدى الصحف الأمريكية بحث حمل عنوان «موت ما بعد الحداثة»،فيما كتبت صحيفة أخرى، أن ما بعد (ما بعد الحداثة) صار أمراً واقعياًوحقيقياً وأساسياً أيضاً. لقد سجلت – حتى الآن – الكثير من الانتقادات علىما بعد الحداثة، ويمكن الإشارة إلى ملاحظات بورغن هابرماس بوصفها أهمّ هذهالملاحظات.
فقد شرع هابرماس عام 1981م بحملات نقد شديدة ضدّ المناصرين لما بعد الحداثة، واعتبرهم محافظين جدد (Neo-conserratism)، كما اعتبر نظريتهم نظريةً ما قبل الحديثة (Premodern)،لقد وجه حملاته إلى أنصار ما بعد التحديث خصوصاً ليوتار وفوكو، ولم تكناعتراضاته عليهم فقط، بل كانت له مناظرات أيضاً مع كارل پوپر وهانس آلبرتحول الوضعية، ومع نيكولاس لوهمان حول نظرية الأنظمة، ومع هانس غؤرك غادامرحول الهرمنيوطيقا، ومع كارل آتوآپل حول الأخلاق.


ويعدّهابرماس من الأشخاص الذين تربطهم علاقة قوية بالمشروع والبرنامج الحداثوي،فلم يكن يريد تنحية هذا المشروع جانباً، وكذلك كانت له هجمات عنيفة علىالمثقّفين الفرنسيين. مقدّماً نفسه واحداًٍ من محافظي المشروع الحداثوي،واصفاً فوكو بالمناهض للعقلانيين، وبادريلارد أحد المحافظين الجدد.
وبالإضافة إلى انتقادات هابرماس لما بعد الحداثة، كانت هناك إجابات أخرى أيضاً من جانب المحافظين والكانطيين الجدد، من أمثال راولز (Rowls ) وأنصاره ضدّ انتقادات ما بعد الحداثويين على القيم الليبرالية.
ويعتقدراولز أن بإمكاننا – بل ويجب علينا – الدفاع عن قيمنا بشكل عقلاني، تلكالقيم التي تحوي حقوق الإنسان والديمقراطية، وقد رأى المحافظون أيضاً ذلك،وذهبوا إلى أنه يجب علينا الدفاع عن قيمنا، كما يجب علينا إلى أبعد حدّممكن الارتباط بالقيم التقليدية، والرجوع إلى التاريخ.

نقلاً عن مجلة نصوص معاصرة – العدد الأول.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى