دراسات قانونيةنظرية العلاقات الدولية

المعاهدة الدولية – International Treaty

لعبت المعاهدات الدولية دورا هاما في العلاقات الدولية، فهي تعتبر المصـدر الرئيسـي الأول للقانون الدولي العام، كما كانت منذ القدم وسيلة اتصال دولية وأصبحت أداة لتنظيم العلاقات الدولية في عهد مبكر، وأول معاهدة تم توقيعها في التاريخ هي معاهدة “قادش” التي أبرمت بين إمبراطوريتي الفراعنة والحيثيين، حيث تضمنت بنودا قانونية وعسكرية ودبلوماسية نظمت العلاقات بينهما، وبعد ذلك توالت وازداد استعمال المعاهدات الدولية بشكل مستمر حتى كادت أن تصبح الوسيلة الوحيدة في التنظيم الدولي، ولكن كانت المعاهدات في تلك الفترة عبارة عن معاهدات تحالف أو صلح بحيث كان يحكم عملية إبرام المعاهدات الدولية قواعد العرف الدولي، الذي سعى بدوره إلى وضع قواعد منظمة للإجراءات المتعلقة بالمعاهدات والتي كانت كلها إجراءات عرفية، بحيث تم تدوين جميع هذه الإجراءات عن طريق لجنة القانون الدولي المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بوضع مشروع لقانون المعاهدات الدولية عام 1969م، والتي سميت بـ”اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات” ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ في 27 يناير 1980م، وتعتبر اليوم هي المرجع الأساسي والقاعدة العامة فيما يتعلق بالمعاهدات بين الدول المختلفة من حيث أطرافها وموضوعاتها ومن حيث الإجراءات المتبعة بشأنها.

أولا: مفهوم المعاهدات الدولية:

– تعريف المعاهدات الدولیة:

عرفتها المادة الثانیة من اتفاقیة فيينا لقانون المعاهدات على أنها ” اتفاق دولي یعقد بشكل كتابي بین دولتین أو أكثر ویخضع للقانون الدولي سواء تم في وثیقة واحدة أو أكثر وأیا كانت التسمیة التي تطلق عليها “.

كما يمكن تعريفها أيضا على أنها: توافق إرادة شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي على إحداث أثر قانوني معين طبقا لقواعد القانون الدولي”.

2- خصائص وعناصر المعاهدات الدولية:

– إنها عبارة عن اتفاق بين شخصـين أو أكثـر مـن أشخاص القانون الدولي العام.

– إن هذا الاتفاق لا بد أن يكون مكتوبا.

– أن يتم إبرامه وفقا لأحكام القانون الدولي.

– أن يكـون الهـدف مـن إبرامـه إحـداث أو ترتيـب أثار قانونية.(ونقصد هنا بترتيب أثار قانونية، أي حقوق والتزامات بين أطرافها في حدود الاتفاقية ومحكمة بقواعد القانون الدولي).

3- أنواع المعاهدات الدولية:

أ- المعاهدات من حيث أطرافها: تصنف المعاهدات من حيث أطرافها إلى معاهدات ثنائية ومعاهدات جماعية أو متعددة الأطراف وتعقد بين عدة دول.

– معاهدات ثنائية: وهي معاهدة يتم إبرامها بين طرفين من الدول ذات السيادة وهذين الطرفين يكونان إما دولتين أو منظمتان دوليتان أو دولة ومنظمة دولية واحدة، وإذا كانت المعاهدة ثنائية كانت المشكلة الناجمة عن التحفظات قليلة بحيث إن الطرف الأخر إما أن يبرم الاتفاقية مع التحفظات المضافة إليها وإما أن يرفض إبرامها وبالتالي يقضي عليها. والراجح فقهيا أن التحفظ على المعاهدات الثنائية من الأمور الجائزة سواء سمحت به المعاهدة موضوع التحفظ أم لم تسمح وانه يعتبر في جميع الأحوال بمثابة إيجاب جديد أو اقتراح بالتعديل ومن ثمة يتوقف مصيره بل ومصير المعاهدة بكاملها على موقف الطرف الأخر إن شاء قبلها بصورتها الجديدة وان شاء رفضها مع التحفظ عليها، ومن المتفق عليه في هذا المجال أن قبول التحفظ كما يتم صراحة قد يتم أيضا بطريقة ضمنية وأن السكوت عن رفض التحفظ صراحة يعتبر بعد مضي اثنا عشر شهرا من تاريخ استشارة الدولة بالتحفظ أو التاريخ الذي أعلن لبدء نفاد الإلزام بمثابة القبول الضمني له . 

– معاهدات متعددة الأطراف (جماعية): المعاهدات الجماعية تشترك في أن عدد أطرافها يزيد عن دولتين، وهي قد تكون من حيث المدى الجغرافي إقليمية وقد تكون ذات اتجاه عالمي، وتنشأ المنظمات الدولية من هذا النوع من المعاهدات الذي تطبق عليه اتفاقية فيينا (المادة 5 من اتفاقية فينا ) .

وتعد معاهدة باريس التي وضعت نهاية لحرب القرم والمعقودة في 30 مارس 1856 كأول اتفاقية جماعية تم التفاوض عليها مباشرة وبهده الصفة، وقد وقع على الاتفاقية الدول المتحاربة ودولتان محايدتان هما بروسيا والنمسا.

ب- من حيث طبيعتها: وتقسم إلى معاهدات شارعة ومعاهدات عقدية.

– معاهدات شارعة: وهي التي يهدف أطرافها من خلال إبرامها إلى سن قواعد دولية جديدة تنظم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي ولما كانت القاعدة القانونية قاعدة عامة بطبيعتها فمن غير الممكن اعتبارها معاهدة شارعة في إبرامها عدد كبير من الدول. بمعنى آخر؛ المعاهدة الشارعة هي وثيقة تعلن الدول بمقتضاها عن ارتضائها بحكم معين من الأحكام القانونية فهذه المعاهدات في حقيقتها تشريع اكتسى ثوب المعاهدة لأنها لا تستمد قوتها من اتفاق المخاطبين بها، وإنما من صدورها عن مجموعة الدول الكبرى الممارسة للسلطة العليا في المجتمع الدولي نيابة عن الجماعات الدولية، ومن أمثلة المعاهدات الشارعة نجد: اتفاقية فيينا سنة 1815م، اتفاق لاهاي 1899م، اتفاق البريد العالمي 1874م.

– معاهدات عقدية: وهي تلك التي تبرم بين أشخاص القانون الدولي في أمر خاص بهم، أي بين دولتين أو عدد محدد من الدول أو بين شخص دولي فرد أو هيئة خاصة، كما أن هذه الاتفاقيات تحكمها في مظاهرها الأحكام والقوانين الخاصة، بمعنى أخر أن أشخاص القانون الدولي لا يستطيعون إبرام هذه الاتفاقيات الخاصة ما لم تكن متفقة في جوهرها مع أحكام القانون الدولي وإلا تعرضت للمسؤولية الدولية.

ت- من حيث مدتها: تقسم إلى معاهدات محددة المدة أو مؤقتة ومعاهدات غير محددة المدة أو مستديمة.

ث- من حيث موضوعاتها: وتقسم إلى معاهدات سياسية ومعاهدات اجتماعية آو اقتصادية.

4- الشروط الشكلية لإبرام المعاهدات الدولية (مراحل):

أ- مرحلة الاتصالات: وهي اتصال الدولتين للاتفاق مبدئياً على موضوع المعاهدة والإجراءات اللازمة لانعقادها.

ب- مرحلة المفاوضات: وهي المرحلة التي يتم فيها تبادل وجهات النظر بين الدول المشتركة في المعاهدة بقصد التوصل إلى عقد اتفاق دولي بينهما، وليس للمفاوضات نطاق معين فقط تتناول تنظيم العلاقات السياسية أو الاقتصادية وقد يكون موضوعها تبادل وجهات النظر بشأن موضوع معين، وقد يتم التفاوض شفاهة أو عن طريق تبادل المذكرات، كما قد تتم المفاوضات بطريقة سرية( كإتفاقية كامب دايفد 1979م بين مصر وإسرائيل، واتفاق أوسلو 1993م بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل) أو علنية خاصة من خلال مؤتمر دولي. وحسب المادة 7 من قانون فيينا لقانون المعاهدات، فان الفئات المختصة بإبرام المعاهدات الدولية هي كالتالي: رؤساء الدول والحكومات، وزراء الخارجية،رؤساء البعثات الدبلوماسية، المندوبون المعتمدون لدى منظمة دولية أو مؤتمر دولي، أما خارج هذه الفئات فعلى العضو المفاوض أن يبرز أوراق التفويض.

ت- تحرير المعاهدات: من المستقر عليه أن المعاهدة يجب إبرامها كتابة، غير أنه ليس هناك قانون ما يمنع من إبرام المعاهدة شفاهة حيث تكون ملزمة ما دامت صدرت من ممثلي الدول الذين لهم سلطة إبرام المعاهدات، ونادراً ما تلجأ الدول إلى ذلك نظراً لما تحتويه المعاهدة الشفهية من صعوبات في التنفيذ وفي الإثبات.

واعترفت اتفاقية فيينا بالقوة الإلزامية للمعاهدات غير المحررة، ولكن تحرير المعاهدة في شكل وثيقة كتابية أصبح من الأمور الضرورية لتحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية.

ولا يشترط شكلاً خاصاً للكتابة ولا لغة معينة أو واحدة فإذا كانت هناك لغة سائدة بين الدول المتعاقدة حررت المعاهدة بهذه اللغة، أما إذا كانت لغة الدول المتعاقدة مختلفة فيمكن في هذه الحالة تحرير المعاهدة من عدة صور تكتب كل منها بلغة كل دولة من دول الأطراف مع النص صراحة على تساوي جميع الصور في القوة من حيث التفسير والقوة الملزمة، وأن هذه القوة ثابتة لإحداها فقط في حالة اختلاف التفسير بسبب اختلاف اللغة.

وهناك إجراءات شكلية قبل تحرير المعاهدة بصيغتها النهائية مثل تبادل التفويضات للتأكد من أن المعاهدة 

ضمن حدودها ولكي لا تتعرض لعدم التصديق عليها.

وعلى الرغم من أنه ليس هناك قاعدة محددة في كيفية تحرير المعاهدة فقد جرى العمل على أن تتخذ المعاهدة فيما يتعلق بكيفية صياغتها الشكل التالي:

– محتوى المعاهدة ( الديباجة): وهي المقدمة حيث يذكر فيها أسباب المعاهدة وأسماء الدول الأطراف.

– صلب المعاهدة (الأحكام): ويطلق عليها طلب المعاهدة ويتضمن موضوع المعاهدة وتاريخ نفاذها وكيفية الانضمام إليها من الدول التي لم تشترك في إعدادها أو إبرامها، وغالباً ما تصحب الصيغة النهائية للمعاهدة ملاحق يطلق عليها عدة مسميات كتصريح أو بروتوكول يكون غرضها تفسير بعض نصوص المعاهدة أو إبداء تحفظات بعض الدول على نصوص معينة من المعاهدة وتخضع هذه الملاحق لنفس شروط المعاهدة ويكون لها نفس القيمة القانونية والقوة الملزمة وتعد جزءاً لا يتجزأ من المعاهدة الأصلية.

– خاتمة المعاهدة: وتشتمل على توقيعات الدول المشتركة في إبرام المعاهدة ويكون التوقيع عادة بأسماء المندوبين كاملة، ولكن أحيانا يكون بالأحرف الأولى من أسمائهم، ويكون الغرض منه التشاور مع حكوماتهم بشأن ما تم الاتفاق عليه في المعاهدة، فإذا وافقت حكوماتهم يتم التوقيع الكامل أما إذا رفضت لا يتم التوقيع النهائي عليها، وبالتالي لا يعتبر التوقيع بالأحرف الأولى ملزما اتجاه الدولة ولا يلزم المندوبين بالتوقيع النهائي على المعاهدة ولكن اتفاقية فيينا جعلته كالتوقيع النهائي إذا اتفقت الدول المتعاقدة على ذلك أو إذا أجازت الدولة التي يتبعها المندوب ذلك وذكرت اتفاقية فيينا عدة حالات يعتبر توقيع ممثل الدولة على المعاهدة تعبيرا عن رضاها بالالتزام بأحكام المعاهدة وهي:

– إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا الأثر.

– إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يترتب على التوقيع هذا الأثر.

– إذا تضمنت وثيقة التفويض التي يحملها ممثل الدول إعطاء التوقيع هذا الأثر أو عبرت الدولة عن ذلك أثناء المفاوضات.

ث- التصديق على المعاهدة: لا يكفي لالتزام الدولة بالمعاهدة مجرد التوقيع، بل لابد من قبولها النهائي للالتزامات الواردة في المعاهدة ويتخذ التعبير عن القبول عدة صور منها الموافقة أو بتبادل الوثائق المكونة لها ولكن الوسيلة الشائعة للتعبير عن القبول هي التصديق، وهو إجراء يقصد به الحصول على إقرار السلطات المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم التوقيع عليها وهو إجراء جوهري بدونه لا تتقيد الدولة أساساً بالمعاهدة التي وقعها ممثلها بل تسقط المعاهدة إذا كانت ثنائية بعدم تصديق الدولتين الطرف عليها أو إذا كانت جماعية واشترطت لنفاذها عدد معين من التصديقات ولم يتوفر ذلك، والتصديق هو الذي يحدد اللحظة التي تصبح عندها المعادلة ملزمة، فهو الإعلان الحقيقي لإرادة الدولة في الالتزام، والأصل أن وسلطة التصديق على المعاهدة إما أن تكون لرئيس الدولة منفرداً وإما تكون لرئيس الدولة كل معاهدة لابد أن يتم التصديق عليها إلا إذا تنازلت الدولة عن حقها في التصديق صراحة أو ضمناً بالاشتراك مع الهيئات السياسية لدولته حسب اختلاف الدول والنظم الدستورية التي تسودها.

وتنص اتفاقية فيينا أن الدولة تعبر عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة ما بالتصديق عليها وذلك في الحالات التالية:

– إذا نصت المعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة التعبير على الارتضاء.

– إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق.

– إذا عبرت نية الدولة المعنية في أن يكون التوقيع بشرط التصديق اللاحق من وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن

ذلك أثناء المفاوضة.

وقد يكون التصديق صريحاً وقد يكون ضمنياً كأن تبدأ الدولة في تنفيذ المعاهدة التي تم التوقيع عليها، ولكن العرف والعمل الدولي جرى على أن يثبت التصديق في وثيقة مكتوبة تحوي نص المعاهدة أو الإشارة إليها وتوقع من رئيس الدولة ومن وزير خارجيتها وليحدث التصديق أثره لابد من علم الدول الأخرى الأطراف به ويكون ذلك عبر تبادل التصديقات.

والتصديق إجراء دولي يثبت بتمامه التزام الدولة بأحكام المعاهدة قبل الدول الأخرى الموقعة ليها وهو ما يختلف عن الإصدار الذي يعتبر إجراءاً داخلياً الغرض منه إضفاء صفة القانون على المعاهدة التي تم التصديق عليها حتى تتقيد بها سلطات الدولة المختلفة وأفرادها وتصبح نافذة في النطاق الداخلي للدولة.

ج- تسجيل المعاهدات ونشرها: نصت على هذا الإجراء كل من عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا، وجزاء عدم التسجيل وفقاً  لميثاق الأمم المتحدة هو عدم جواز التمسك بها أمام الأمم المتحدة أو أي من فروعها ولكن ذلك لا يؤثر على صحة ونفاذ المعاهدة غير المسجلة.

والغرض المباشر من التسجيل يرجع إلى إنكار الاتفاقيات السرية التي تتضمن مؤامرات ضد سلامة وأمن دولة ما مما يهدد السلم والأمن الدوليين ومن جهة أخرى يهدف التسجيل إلى تحقيق فني وهو تدوين المعاهدات الدولية في مجموعة كاملة يسهل الرجوع غليها عند اللزوم، ويتم التسجيل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة في سجل خاص يحرر باللغات الرسمية للأمم المتحدة، ومن ثم يحصل نشر المعاهدة في أقرب وقت ممكن في مجموعة واحدة باللغة أو اللغات التي حررت بها المعاهدة مع ترجمتها إلى الفرنسية أو الإنجليزية.

– شروط صحة المعاهدات الدولية: حتى يكون انعقاد المعاهدة صحيحاً لابد من توافر الشروط التالية: الأهلية، الرضا، مشروعية موضوع التعاقد.

أ- الأهلية: بغية اعتبار المعاهدة صحيحة يجب أن يكون جميع الأطراف فيها متمتعين بالأهلية لإبرامها وبالتالي فإنه يكون للدولة كاملة السيادة الأهلية الكاملة لسلطة إبرام المعاهدات بكافة أنواعها، أما الدول ناقصة السيادة فتعتبر أهليتها ناقصة أو معدومة وفقاً لما تتركه لها علاقة التبعية من الحقوق لذا يجب الرجوع إلى الوثيقة التي تحدد هذه العلاقة لمعرفة ما إذا كانت الدولة ناقصة السيادة تملك إبرام معاهدة معينة.

ب- الرضا: يقصد به اتجاه الإرادة نحو إحداث أثر قانوني يسمى التعبير عن الإرادة سواء كان هذا المظهر قولاً أم كتابة أم عملاً، والقاعدة أن المعاهدة لا تعقد إلا برضا الدول وذلك لأنها تتضمن التزامات متقابلة وهذه الالتزامات لا يمكن أن تنفذ بحسن نية إلا إذا كانت المعاهدة قد عبرت عن رغبة صادقة للدول المتعاقدة ومحققة لمصالحها، ويتحقق الرضا إذا كان سليم من العيوب التي تؤثر فيه أي نقصد هنا عيوب الإرادة، و هي (الغلط ، التدليس، الغبن، الإكراه).

ت- مشروعية موضوع التعاقد: يجب أخيرا لصحة انعقاد المعاهدة أن يكون موضوعها مشروعاً وجائزا بحيث يكون الأمر الذي تم الاتفاق عليه فيها يتماشى مع ما يبيحه القانون وتقره مبادئ الأخلاق ولا يتعارض مع تعهدات أو الالتزامات السابقة إذ من شأن قيام مثل هذا التعارض أن يضم المعاهدة بالبطلان ومن الأمثلة على عدم مشروعية المعاهدة ما يلي:

– مخالفة ميثاق الأمم المتحدة: نصت المادة 130 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لميثاقها مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به، فتكون العبرة بالتزاماتهم المترتبة على الميثاق.

– المعاهدة التي يكون موضوعها منافياً لقاعدة من قواعد القانون الدولي الآمرة كما لو اتفقت دولتان على منع

 السفن التابعة لدولة ثالثة من الملاحة في أعالي البحار أو على تنظيم الاتجار بالرقيق.

– المعاهدات التي يكون موضوعها منافياً لحسن الأخلاق أو المبادئ الإنسانية العامة كما لو اتفقت دولتان على اتخاذ تدابر اضطهادية لا مبرر لها ضد جنس معين.

6- العناصر التبعية للمعاهدات:

أ- الأجل: غالباً ما يحدد في المعاهدة أجل بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو ببعض أحكامها، كأن تنص المعاهدة على سريان أحكامها بعد مضي فترة من الزمن من إيداع التصديقات، أو على انتهاء العمل بها بعد زمن معين من دخولها في  دور التنفيذ، فإن لم تحو المعاهدة مثل ذلك أصبحت نافذة المفعول بمجرد ارتضاء جميع الدول الأطراف الالتزام بأحكامها بأي من الطرق التي ذكرناها سابقاً والتي تدل على الارتضاء، ولقد قررت اتفاقية فيينا أنه إذا تم ارتضاء الدولة الالتزام بالمعاهدة في تاريخ لاحق لدخولها دور النفاذ فإن المعاهدة تعتبر نافذة في مواجهة هذه الدولة منذ هذا التاريخ ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك.

ب- الشرط: الشرط هو عبارة عن حادثة مستقلة وغير مؤكدة تحدد بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو بعض أحكامها وتحتوي بعض المعاهدات على شروط.

ت- التحفظ: لقد ذهب بعض الفقه الأجنبي إلى تعريف التحفظ على المعاهدة بأنه: تصريح رسمي صادر عن دولة أو منظمة دولية عند توقيعها على معاهدة أو التصديق عليها، أو الانضمام إليها، ويكون من أثره الحد من نطاق الآثار القانونية التي تنتجها المعاهدة في مواجهة الدولة أو المنظمة في علاقاتها مع غيرها من الأطراف في المعاهدة، أو أولئك اللذين يمكن أن يصبحوا أطرافا فيها، كما يمكن تعريفه أيضا بأنه: إعلان كتابي تفصح به الدولة عن رغبتها في عدم الالتزام بحكم من أحكام المعاهدة، ويمثل التحفظ استثناء من الأصل وهو: القبول

الجماعي لكافة أحكام المعاهدة وهو مشروط بعدم مخالفة موضوع وغرض المعاهدة، حتى لا يكون التحفظ وسيلة للتملص من الأحكام الجوهرية التي تم التفاوض حولها لتحقيقها.

ويمكننا استخلاص إجراءات التحفظ كالآتي:

طبقا للمادة (23) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تتم إجراءات التحفظ عند التوقيع أو التصديق على المعاهدة، فإذا تم عند التوقيع لا تثار أي إشكالية، أما إذا تم عند التصديق على المعاهدة خاصة إذا كان البرلمان مكلف بالتصديق، يشكل التحفظ هنا مفاجأة بالنسبة للدول التي صادقت على المعاهدة فيصبح اخطر وأسوء على الغير مما يضطرهم إلى إصدار مذكرات بشأن تلك الدولة.

سحب التحفظات والاعتراضات عليها:

يتم سحب التحفظ والاعتراض عليها وفقا لما جاء في المادة 22 من اتفاقية فيينا للمعاهدات، كالآتي:

– ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك، يجوز سحب التحفظ في أي وقت كان ولا يشترط من أجل ذلك رضا الدولة التي كانت قد قبلت التحفظ.

– ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك، يجوز سحب الاعتراض على التحفظ في أي وقت كان.

– ما لم تنص المعاهدة أو يتفق على خلاف ذلك:

أ- لا يصبح سحب التحفظ سارياً بالنسبة لدولة متعاقدة أخرى ما لم تتلق الدولة إشعارا بذلك؛

ب- لا يصبح سحب الاعتراض على التحفظ سارياً ما لم تتلق الدولة المتحفظة إشعارا بذلك.

7- انقضاء المعاهدات الدولية:

أسباب انقضاء المعاهدات الدولية:

أ- الأسباب الاتفاقية لإنهاء المعاهدة: نصت المادة(54) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن انقضاء المعاهدة يتم إما وفقا لأحكام المعاهدة، و إما باتفاق جميع الأطراف، في كل وقت، بعد التشاور مع بقية الدول المتعاقدة كما يلي:

۱- انقضاء المعاهدة وفقا لأحكامها: تتضمـــن المعاهــدات أحيانــاً نصوصـــاً صريحـــــة تتعلق بأسباب انقضائها مثل:

  • النص على أجل محدد تنقضي بحلوله، فالمعاهدات عادة تبرم لآجال محددة، و هذا هو وضع معاهدات التحالف، والتحكيم الإجباري، ومعاهدات القواعد العسكرية، أما المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية، فتكون غالبا.
  • النص على شرط فاسخ. ويقصد بهذا الشرط تعليق انقضاء المعاهدة على تحقق بعض الوقائع أو الأحداث أو الاحتمالات التي سبق للأطراف المتعاقدة أن توقعت إمكان حدوثها.
  • التخلي عن المعاهدة أو الانسحاب منها، ويتم ذلك بإرادة طرف واحد أو إرادة جميع الأطراف، ويشترط أن تنص المعاهدة صراحةً على ذلك، ويسفر التخلي أو الانسحاب عن وضع حد لكل التزام نابع من أحكام المعاهدة، وقد تشترط المعاهدة على الطرف الراغب في التخلي أو الانسحاب إخطار الأطراف الأخرى بذلك قبل مدة معينة، أو الحصول على موافقة معينة, أو انتظار فترة زمنية معينة.

وفي حال خلو المعاهدة من أي نص صريح يحدد أسباب الانقضاء فإن قاعدة ( الاتفاق ملزم ) تقضي باستمرار الالتزام بأحكام المعاهدة.

المعاهدة التي لا تتضمن أحكاماً خاصة بانقضائها، والتي لا تنص على إمكان إلغائها أو الانسحاب منها، لا يمكن أن تكون موضعاً للإلغاء أو الانسحاب إلا إذا ثبت في نية الأطراف فيها إمكان إنهائها أو الانسحاب منها, أو إذا أمكن استنباط حق الإلغاء أو الانسحاب من طبيعة المعاهدة. فهناك معاهدات لا تقبل فكرة التخلي أو الانسحاب بالإرادة المنفردة في بعض المعاهدات ( كمعاهدات الحدود والصلح مثلاً) ولكنها تسمح بها في حالات أخرى (كمعاهدات التحالف).

  • تنفيذ أحكام المعاهدة تنفيذاً كاملا، أي تحقيق الغرض الكامل من إبرامها، وهذا يؤدي إلى انقضائها وانتهاء العمل بها بشكل طبيعي مثل ) إتمام التنازل عن إقليم، أو دفع مبلغ أو دين مطلوب.
  • تنازل أحد الأطراف عن حقوقه المقررة في المعاهدة، بشرط ألا تكون المعاهدة قد فرضت عليه التزامات لصالح طرف آخر، ومن الأفضل أن يتم ذلك بموافقة الطرف أو الأطراف الأخرى.

۲- انقضاء المعاهدة باتفاق لاحق: انقضاء المعاهدة يمكن أن يتم بموجب اتفاق لاحق بين الأطراف على إلغائها، والاتفاق قد يرمي إلى الاكتفاء بإلغاء المعاهدة الراهنة، وهنا يكون الإلغاء صريح، وقد يطمح إلى إبرام معاهدة جديدة تتضمن إلغاء القديمة، وإذا أبرمت معاهدة جديدة تتضمن أحكاماً مخالفة لأحكام المعاهدة السابقة استنتجنا ضمناً أن هناك رغبة في إلغاء هذه الأخيرة، عملاً بالقاعدة القائلة بأن ( اللاحق ينسخ السابق)، وهذا ما يمكن أن نسميه الإلغاء الضمني، غير أن المادة(54) السابق ذكرها اشترطت لتحقيق الإلغاء اتفاق جميع الأطراف على ذلك صراحة، لأن إنهاء أية معاهدة دولية يؤدي إلى حرمان جميع أطرافها من بعض الحقوق 

التي وفرتها لهم، ومن هنا ضرورة موافقة كل منهم على انقضاء المعاهدة أو استبدالها بغيرها.

كما ويجوز للأطراف إنهاء المعاهدة يجوز لطرفين أو أكثر، وفقاً للمادة( 58) من اتفاقية فيينا، إبرام اتفاق يهدف بصورة مؤقتة وفيما بينهم فقط إلى إيقاف العمل بأحكام المعاهدة. والفرق هنا بين الإنهاء والإيقاف أن الأول لا يتم إلا بموافقة الجميع، في حين أن الثاني يمكن أن يتم بين بعض الأطراف فقط، والسماح بالاتفاق على الإيقاف يتم في حالتين وهما: 

  • إذا نصت المعاهدة على إمكان الإيقاف.
  • إذا لم تمنع المعاهدة مثل هذا الإيقاف، وبشرط ألا يعود بالضرر على حق الأطراف الأخرى بالتمتع بالحقوق التي توفرها لهم المعاهدة، ولا على تنفيذ التزاماتهم، وبشرط ألا يتناقض مع غرض المعاهدة كذلك.

ب- الأسباب الخارجية (غير الإرادية) لإنهاء المعاهدة: هذه الأسباب لا تستند إلى إرادة الأطراف في المعاهدة، وإنما إلى أحداث طارئة، أشهرها: الإخلال بأحكام المعاهدة، وتغير الظروف، واندلاع الحرب، وظهور قواعد دولية آمرة.

۱- الإخلال بأحكام المعاهدة: عندما يخل أحد أطراف المعاهدة بالتزاماته المقررة فيها, عندها يحق للطرف الآخر أن يعتبر المعاهدة مفسوخة وأن يعلن الطرف المخل بذلك، إنما يلاحظ أنه لا يجوز أن يتخذ الإخلال ذريعة لإنهاء المعاهدة إلا إذا كان يتناول التزاماً أساسياً فيها وبعد إثبات حدوثه حقاً، ويلاحظ كذلك أن فسخ المعاهدة بحجة الإخلال بها يجب أن يتم أو يطالب به على أثر حدوث الإخلال، فإن تباطأت الدولة التي حصل الإخلال إضرارًا بها في الفسخ أو سكتت عن الإخلال وقتاً من الزمن استمرت فيه بالرغم منه بالقيام بتعهداتها، عد ذلك بمثابة تسامح منها ولا يجوز لها أن تعود فيما بعد إلى المطالبة في الفسخ استناداً إلى الإخلال السابق، ما لم يستمر هذا الإخلال أو يتكرر.

ووفقا لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (60) من اتفاقية فيينا فإن: “الإخلال الجوهري بالمعاهدة الثنائية من قبل أحد أطرافها يخول الطرف الآخر الاحتجاج به كسبب لانقضائها أو لإيقاف العمل بها كلياً أو جزئياً”، كما وحددت المادة نفسها في فقرتها الثالثة معنى الإخلال الجوهري حيث نصت على أنه: ” التنصل من المعاهدة بما لا تجيزه هذه الاتفاقية، أو مخالفة نص أساسي لتحقيق موضوع المعاهدة والغرض منها “.

كما وقررت المادة أيضاً في فقرتها الأخيرة أن هناك أحكاماً لا يمكن التحلل منها أو التهرب من تطبيقها إذا أخل بها أحد الأطراف أو بعضهم، وهي الأحكام الخاصة بحماية الإنسان, الواردة في معاهدات ذات طابع إنساني، وخصوصاً الأحكام المتعلقة بحظر أي شكل من أشكال الأعمال الانتقامية ضد الأشخاص الذين يتمتعون بحماية هذه المعاهدات. فهذه المعاهدات لا تقبل فكرة التخلي عنها والانسحاب منها بناءً على إخلال أحد أطرافها بأحكامها، وذلك نظرا لتعلقها بحقوق الإنسان وحرياته التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية والأديان السماوية.

۲- تغير الظروف: إن المعاهدات الدولية قد تبرم في ظل ظروف واقعية معينة قد تتغير أثناء تنفيذ المعاهدة نفسها، ووفقاً لأحد مبادئ القانون الدولي تبقى المعاهدة ملزمة ما بقيت الظروف الواقعية التي أبرمت في ظلها على حالها، فإذا حصل تغير جوهري في الأحوال كان للدولة المعنية أن تطالب مطالبة مشروعة بإبطال المعاهدة أو تعديلها، فلا يمكن للطرف المتضرر الاستمرار في تنفيذ أحكام المعاهدة والالتزام بمضمونها إذا ما حدث تغير في ظروف إبرامها.     

وقد نصت المادة(62) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969م على أثر تغير الظروف على المعاهدات، بأن:

  • لا يجوز الاحتجاج بالتغيير الجوهري غير المتوقع في الظروف التي كانت سائدة عند عقد المعاهدة كأساس لانقضائها أو الانسحاب منها إلا بتحقق الشرطين الآتيين:

– أن يكون وجود هذه الظروف مثل سبباً رئيسياً لرضا الأطراف الالتزام بالمعاهدة، أي أن يكون وجود الظروف التي كانت سائدة زمن إبرام المعاهدة قد شكل سبباً رئيسياً لإقدام الأطراف على إبرام المعاهدة، فإذا تغيرت هذه الظروف تغيرًا جوهرياً، فإن الاستمرار في تنفيذ الاتفاقية يؤثر بشكل كبير على مراكز الأطراف فيها.

– أن يكون من شأن التغيير أن يبدل بصورة جذرية في مدى الالتزامات التي مازال من الواجب القيام بها بموجب المعاهدة، أي أن يصبح الالتزام بتنفيذ المعاهدة بعد حدوث التغير الجوهري في الظروف مرهقاً وشاقاً على الأطراف المتأثرة من حدوث هذه الظروف، بحيث أثرت الظروف المستجدة جذرياً في مدى الالتزامات الملقاة على عاتقها.

  • لا يجوز الاحتجاج بالتغيير الجوهري في الظروف كأساس لانقضاء المعاهدة أو الانسحاب منها في إحدى الحالتين الآتيتين:

– إذا كانت المعاهدة تنشئ حدوداً، ففي مثل هذه المعاهدات لا يجوز الاحتجاج بتغير الظروف لتبرير الانسحاب من الاتفاقية، والسبب في ذلك هو أن معاهدات الحدود تعمل على استقرار وثبات العلاقات الدولية, وترتب حقوقاً راسخة بين الدول يصعب التحلل منها وتغييرها.

– إذا كان التغيير الجوهري في الظروف ناتجاً عن إخلال الطرف الذي يتمسك به إما بالتزام يقع عليه في ظل المعاهدة أو بأي التزام دولي آخر مستحق لطرف آخر في المعاهدة, ففي هذه الحالة لا يجوز الاحتجاج  بالانسحاب من المعاهدة بناءًا على التغير في الظروف، وذلك لأن الدولة المحتجة تقوم بالإخلال بأحكام المعاهدة قاصدةً بذلك خلق تلك الظروف للتهرب من التزاماتها المترتبة عليها في المعاهدة.

– إذا كان للطرف، طبقاً للفقرات السابقة، أن يتمسك بالتغيير الجوهري في الظروف كأساس لانقضاء المعاهدة

أو الانسحاب منها فيجوز له أيضاً التمسك بالتغيير كأساس لإيقاف العمل بالمعاهدة، فكما أن الأحكام السابقة تنطبق على الاحتجاج بالتغير في الظروف للانسحاب من المعاهدة، فإنها كذلك تنطبق على الاحتجاج بالتغير في الظروف لوقف العمل بالمعاهدة، فالدول قد تتعرض لظروف طارئة واستثنائية، تجبرها على إيقاف التزامها بالمعاهدة لفترة مؤقتة، وتعود لاستئناف العمل بالمعاهدة بعد زوال هذه الظروف.

۳- أثر الحرب: تؤدي الحرب إلى قطع العلاقات السلمية بين الدول المتحاربة، بحيث نجد بأن الفقه الدولي التقليدي قد اتفق على أن الحرب تستتبع انقضاء جميع المعاهدات المعقودة بين الدول الإطراف في الحرب أيا كان موضوعها، ولكن هذا الرأي حقيقة أصبح في ذمة التاريخ لأن الفقه الدولي الحديث في هذا الشأن قد ميز بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات متعددة الأطراف، مثلما فصلنا آنفا في أنواع المعاهدات الدولية. 

وهنالك أربعة استثناءات في حالة الحرب لا يترتب عليها انقضاء المعاهدة، وهي: 

– لا يترتب على قيام الحرب – باتفاق – انقضاء المعاهدات المنظمة للحرب نفسها, مثل المعاهدات التي تحظر استخدام أسلحة معينة، وتلك المنظمة لكيفية معاملة أسرى الحرب, فهذه المعاهدات وضعت خصيصاً لمعالجة أوضاع الحرب، كما أن هذه المعاهدات تمثل قواعد دولية آمرة لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على استبعاد تطبيقها.

– لا يترتب على قيام الحرب انقضاء المعاهدات المنصوص فيها صراحةً على أن قيام الحرب لا يؤدي إلى انقضائها، وذلك لأن القاعدة القائلة بأن من شأن قيام الحرب إنهاء المبرم بين الدول المتحاربة من اتفاقيات دولية ليست بالقاعدة الآمرة، ولكنها قاعدة مقررة يجوز الاتفاق على خلافها. فإذا اتفق الأطراف على أن المعاهدة المبرمة بينهم لا تنتهي بقيام الحرب بينهم، ففي هذه الحالة لا تؤثر الحرب عند قيامها على استمرار تلك المعاهدات.

– لا يترتب على قيام الحرب – في الرأي الراجح – انقضاء المعاهدات المنشئة لمراكز موضوعية دائمة مثل المعاهدات المبينة للحدود الدولية، وتلك التي تم بمقتضاها التنازل عن إقليم معين، وتبرير ذلك يرجع كما بينا سابقاً إلى أن هذه المعاهدات توضع لترسخ مراكز قانونية ثابتة ودائمة، كما وتعمل على استقرار وثبات العلاقات الدولية.

– لا يترتب على قيام الحرب بين البعض فقط من الدول الأطراف في معاهدة جماعية انقضاء هذه المعاهدة، بل تظل سارية بين الدول الغير متحاربة، وبينها وبين كل من الدول المتحاربة. ولا يترتب على قيام الحرب – في مثل هذه الحالة – سوى وقف العمل بالمعاهدة الجماعية فيما يتعلق بالعلاقات فيما بين الدول المتحاربة, وذلك إلى أن تنتهي حالة الحرب بإبرام معاهدة للصلح بين الدول المتحاربة, فالعلاقة في المعاهدات الجماعية تبقى قائمة بين الدول المحايدة فيما بينها، وبين الدول المتحاربة والدول المحايدة، ولا يتأثر تطبيق المعاهدة بينهم, وإنما يتم وقف تطبيق المعاهدة بين الدول المتحاربة فيما بينها, فلا تؤدي الحرب في هذه الحالة لإنهاء المعاهدة، وإنما يتوقف تنفيذها بين الدول المتحاربة فقط إلى حين انتهاء الحرب وإبرام معاهدات الصلح بينهم، هذا ومن المتفق عليه أن قطع العلاقات الدبلوماسية فيما بين الدول المتعاقدة لا يترتب عليه انقضاء المعاهدة، ولا وقف العمل بأحكامها، بل تظل سارية ونافذة بين أطرافها دون أن يؤثر عليها قطع العلاقات الدبلوماسية بأي وجه من الوجوه، وقد تبنت اتفاقية فيينا هذه القاعدة المسلم بها في المادة الثالثة والستين التي تنص على أنه “لا يؤثر قطع العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية بين أطراف المعاهدة على العلاقات القانونية القائمة بينهم بموجب المعاهدة، إلا إذا كان قيام العلاقات الدبلوماسية أو القنصلية ضرورياً لتطبيق المعاهدة”.

٤- ظهور قواعد دولية آمرة: وذلك نتيجة لمبدأ تدرج القواعد القانونية وقد استحدثته المادة (64) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فيمكن أن تنتهي المعاهدة في حالة ظهور قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي تتعارض معها.

ولقد عرفت المادة (53) من المعاهدة القواعد الآمرة للقانون الدولي العام، ” كل قاعدة قبلتها الجماعة الدولية في مجموعها ويعترف بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من قواعد القانون الدولي العام لها ذات الصفة”.

٥- سقوط المعاهدة بالتقادم:  هذا السبب نادرا عملا، ولكن من الممكن وجوده، والمعاهدة تسقط بالتقادم بسكوت أطرافها عن عدم تنفيذها أحكامها فترة من الزمن، رغم أن هذه الفكرة-لاسيما بالنسبة للتشريع لها محل قبول في التشريعات الداخلية، إلا أن هناك شبه إجماع على الأخذ بها في القانون الدولي العام، وأن كان هناك خلاف في المدة التي يمكن بعدها الدفع بتقادم المعاهدة ونحن نعتقد أن هذا السبب شبه مستحيل في العلاقات الدولية التي تتسم بالتفاعل والتطور السريع.

ب- آثار بطلان المعاهدة أو انقضائها:

وفقا للفصل الخامس من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات الدولية، وطبقا لما جاءت به المادة (69) فإن آثار بطلان المعاهدة، تتمثل في:

  • المعاهدة التي تأسس بطلانها بموجب هذه الاتفاقية تعتبر لاغيه. ليس لنصوص المعاهدة الملغية قوة قانونية.
  • على أنه إذا تمت تصرفات استناداً إلى هذه المعاهدة:

– فلكل طرف أن يطلب من الطرف الآخر أن ينشئ بقدر الإمكان في علاقاتهما المتبادلة الوضع الذي سيوجد لو لم تكن التصرفات قد تمت؛- لا تعتبر التصرفات التي تمت بحسن نية قبل الدفع بالبطلان غير مشروعة لمجرد بطلان المعاهدة.

– في الحالات المنصوص عليها في المواد 49، أو 50، أو 51، أو 52، لا تطبق الفقرة (2) بالنسبة إلى الطرف الذي يمكن أن ينسب إليه التدليس أو الإفساد أو ممارسة الإكراه.

– في حالة بطلان رضا دولة ما الالتزام بالمعاهدة الجماعية تسري القواعد السابقة في العلاقات بين تلك الدولة والأطراف الأخرى في المعاهدة.

وفي حالة تعارض المعاهدة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي، فطبقا لما جاءت به المادة (71) فترتب الآثار التالية:

  • في حالة المعاهدة التي تعتبر باطلة بموجب المادة 53 يكون على الأطراف:

– أن تزيل بقدر الإمكان أثار أي تصرف تم الاستناد فيه إلى أي نص يتعارض مـع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي؛

– أن تجعل علاقاتها المتبادلة متفقة مع القاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي.

  • في حالة المعاهدة التي تصبح باطلة ومنقضية وفقاً للمادة 64 يترتب على انقضاء المعاهدة:

– تحلل الأطراف من أي التزام باستمرار تنفيذ المعاهدة؛

– عدم التأثير في أي حق أو التزام أو مركز قانوني للأطراف نشأ من تنفيذ المعاهدة قبل انقضائها، ويكون من الممكن الاستمرار في صيانـة هـذه الحقوق والالتزامات والمراكـز وذلك بالقدر الذي لا يتعارض مع قاعدة آمرة أو القواعد العامة للقانون الدولي.

أما بالنسبة لآثار انقضاء المعاهدة الدولية: فطبقا للمادة (70) من الفصل الخامس من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية، فتتمثل في الأتي:

  • ما لم تنص المعاهدة أو يتفق الأطراف على خلاف ذلك فان انقضاء المعاهدة وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية:

– يحل الأطراف من أي التزام بالاستمرار في تنفيذ المعاهدة.

– لا يؤثر على أي حق أو التزام أو مركز قانوني للأطراف نشأ نتيجة تنفيذ المعاهدة قبل انقضائها.

إذا نقضت دولة معاهدة جماعية أو انسحبت منها تنطبق الفقرة (1) على العلاقات بين هذه الدولة والدول الأخرى الأطراف في المعاهدة من تاريخ نفاذ ذلك النقض أو الانسحاب.

آثار إيقاف العمل بالمعاهدة: وطبقا لما جاءت به المادة (72)، من الفصل الخامس من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية، فتتمثل في ما يلي:  

  • ما لم تنص المعاهدة أو يتفق الأطراف على خلاف ذلك فان إيقاف العمل بالمعاهدة بموجب نصوصها أو وفقا لهذه الاتفاقية ينتج الآثار الآتية:

– يحل الأطراف التي تم إيقاف العمل بالمعاهدة فيما بينها من الالتزام بتنفيذها في علاقاتها خلال فترة الإيقاف؛

– لا يؤثر بخلاف ذلك على العلاقات القانونية التي أنشأتها المعاهدة بين الأطراف.

يمتنع الأطراف خلال فترة الإيقاف عن التصرفات التي من شأنها إعاقة استئناف العمل بالمعاهدة.

ملاحظة: نبرز هوية المعاهدة من خلال مرحلة التوقيع، وبالنسبة لمن يلزم المعاهدة فهنا الرئيس هو الذي يلزم المعاهدة، أو الرئيس+ البرلمان هما من يلزمان المعاهدة= أي يتم تحديد الإلزام حسب الدستور وطبيعة النظام، فمثلا لكي تكون المعاهدة ملزمة في الولايات المتحدة الأمريكية يجب موافقة الرئيس+البرلمان، واتفاقية فرساي خير دليل فعندما وقع الرئيس ولم يوقع البرلمان فهنا أصبحت الاتفاقية غير ملزمة.

وفي ختام ما عرضناه في دراستنا هذه يتلخص لنا بأنه لا تزال المعاهدات الدولية تلعب دورا كاملا في صياغة قواعده والكشف عنها، في الوقت الذي لم يعد فيه حديث يذكر عن دور ملموس للعرف الدولي إلا من خلال المعاهدات، بل إن دور الأخيرة ينتظر أن يتوسع ويزداد خاصة في ظل التطور الهائل في مجالات العلاقات الدولية.

المصادر والمراجع:

ماهر ملندي، وماجد الحموي، جزء من كتاب القانون الدولي العام (الدراسات القانونية).

محمد سيد المصري، التحفظ على المعاهدات الدولية: رؤية تحليلية، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي

مصطفى أبو الخير، القانون الدولي المعاصر، دار الجنان للنشر والتوزيع، (د.ط)، 01/01/2017

عبد العزيز موسى شهاب، أطروحة مقدمة لنيل درجة ماجستير بعنوان: إنهاء المعاهدات الدولية بالإرادة المنفردة، (دراسة حالة على اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و إسرائيل)، كلية الحقوق، جامعة الأزهر- غزة، 2017م.

فارس وسمي الظفيري، أطروحة مقدمة لنيل درجة ماجستير بعنوان: إبرام المعاهدات الدولية وتطبيقها في النظام القانوني الكويتي، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، 2012م.

صلاح البصيصي، المعاهدة الدولية والرقابة عليها في ظل الدستور العراقي الجديد، الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، كلية القانون، جامعة كربلاء.

د.إ، الاتفاقيات والمعاهدات، مطبوعة مقدمة للسنة الثالثة ليسانس علوم سياسية، تخصص دبلوماسية وتعاون دولي، جامعة سعد دحلب البليدة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسة، 2012-2013م.

مقبولة حمديس، القانون الدولي العام، مطبوعة مقدمة للسنة أولى ماستر علوم سياسية، تخصص علاقات دولية وقانون دولي، جامعة علي لونيسي البليدة 2، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2018م.

مقبولة حمديس، المعاهدات الدولية، مطبوعة مقدمة للسنة الثانية ماستر علوم سياسية، تخصص علاقات دولية وقانون دولي، جامعة علي لونيسي البليدة 2، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2019م.

الطبيعة القانونية للمعاهدات الدولية، 2018م 

إياد عويكة، ثقافة قانونية… المعاهدات الدولية… آلية التحفظ.

جامعة مانيسوتا، اتفاقية فينا لقانون المعاهدات، مكتبة حقوق الإنسان.

ستار تايمز،  شروط صحة انعقاد المعاهدات وعناصرها، أرشيف: شؤون قانونية. 

عيسى حنا، المعاهدات الدولية، منشور عبر منصة أمد للإعلام، 28/07/2016، 15:46. 

مقالة خاصة: “معاهدة قادش”.. أول معاهدة سلام مكتوبة في التاريخ بين الفراعنة والحيثيين، 07/10/2017، 04:51:25. 

UNIVERSITYLIFESTYLE.NET، أنواع و خصائص المعاهدات، 2019م. 

المساهمون في إعداد هذا المقال:

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى