حزب الله: حسابات الرد على اسرائيل: كيف ومتى وأين ؟

وليد عبد الحي

تركزت أغلب المناقشات الخاصة بالهجمات الاسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت والذي تم الترويج لها في الاعلام الاسرائيلي على موضوعين هما أنها اولا استهدفت موقعا لحزب الله فمنيه الخلاطات الكوكبية الصناعية(industrial planetary mixer) والتي لها صلة بتصنيع وتجهيز الصواريخ عالية الدقة والثاني هو طبيعة واحتمالات رد حزب الله بخاصة انه بعد الهجوم ، اوضح زعيم حزب الله ان هذا الهجوم يشكل خرقا خطرا ” جدا جدا جدا” ولن يمر دون رد.
وعند محاولة استشراف آفاق هذه الازمة ، لا بد من اخذ الجوانب التالية في الحساب:
1- ثمن مصداقية نصر الله: تكشف رسائل جامعية اسرائيلية حول توجهات الرأي العام الاسرائيلي، ومقالات لا حصر لها لكتاب من أبرز افراد النخب الاسرائيلية ان هناك مصداقية عالية جدا لنصر الله في العقل والوجدان الاسرائيلي والعربي والدولي، وهو ما يضع نصر الله تحت وطأة هذا البعد، فعدم الرد ينقص من رصيد مصداقيته وهو امر ليس هينا وهو حريص على عدم حدوثه من ناحية ، ولكنه من ناحية ثانية ، يخشى من عدم القدرة على ضبط تداعيات وايقاع رد الفعل الاسرائيلي على رد حزب الله..فكيف يوفق حزب الله بين البعدين؟ كما ان اقتناع الاسرائيليين بانه سيرد بكل تاكيد (بفعل قوة المصداقية) يفقد حزب الله عنصر المفاجأة لان الطرف الآخر ينتظر الرد ومتأهب لمواجهته ولجم آثاره بحكم فكرة المصداقية وثقلها في عقل الاستراتيجيين الاسرائيليين.
2- كيف يكون رد حزب الله شريطة عدم فتح المجال لحرب شاملة، ان مناقشة هذا التساؤل الصعب يستدعي ملاحظة ان الرد سيؤدي الى :
أ- اضعاف مساهمات الحزب في الأزمة السورية التي تقف على عتبة مراحلها الأخيرة
ب- القلق من عدم السيطرة على الوضع وفتح المجال لتداعيات تقود لحرب اقليمية شامله ، وهو الامر الذي لا تريده ايران ولا سوريا ولا العراق ولا روسيا ولا امريكا ولا اليابان او اوروبا.
ج- القلق من الوضع الاقتصادي اللبناني ومدى قدرة لبنان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على تحمل عبء حرب جديدة، وهو ما يتضح من محاولات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من اتصالاته الامريكية والروسية لتضييق احتمالات هذا السيناريو لا سيما في ظل تهديدات نيتنياهو بذلك.
3- الضغط على حزب الله لضرورة الرد على اسرائيل في ظل انتفاخ نيتنياهو على اعتاب الانتخابات الاسرائيلية بخاصة بعد ان توالت مؤخرا الهجمات الاسرائيلية على سوريا( واسشهاد عنصرين من حزب الله) وفي العراق( الهجمات على قوات الحشد الشعبي المؤيد لحزب الله) ولبنان( الضاحية الجنوبية).
4- تشير السوابق التاريخية لردود فعل حزب الله على العمليات الاسرائيلية المحدودة انه كان يرد ولكن بقدر من الحساب الدقيق – غالبا- وان الرد لم ينتظر فترة طويلة كما جرى في الثالث عشر والثامن عشر من يوليو عام 2014 وفي اكتوبر 2018 وفي يناير 2015 وفي يناير 2016 ، والمسألة بقيت من حيث الزمن في حدود الاسابيع، فهل يتكرر المشهد ام هناك خصوصية للوضع الحالي؟
5- من الملاحظ ان طبيعة الاهداف التي ضربها حزب الله في الرد على العمليات المحدودة سابقة الذكر كانت كلها ” اهدافا عسكرية”، وهو ما يعني ان احتمال الرد سيبقى ضمن هذه الاستراتيجية، لأن الهدف العسكري يحصر نطاق رد الفعل الاسرائيلي لحساسية اسرائيل لضرب المدنيين، كما ان فشل العملية الاسرائيلية في الضاحية وعدم سقوط مدنيين لبنانيين لا يشكل ضاغطا على حزب الله بالرد على اساس” مدنيون بمدنيين”.
6- ورد في خطاب السيد نصر الله عبارة ” اسقاط الطائرات الاسرائيلية المسيرة” وشدد عليها، وهو ما يوحي بان اسقاط طائرة اسرائيلية مسيرة قد ينظر له على انه رد (أولا) وانه ” تأكيد لمصداقية نصر الله بوعد اسقاط هذه الطائرات” ثانيا، وكلاهما نتائج قد تبدو كافية لا سيما انه لم يكن هناك خسائر بشرية في صفوف حزب الله او في المدنيين اللبنانيين، وقد يكون هذا الاسقاط –اذا تم النجاح فيه- ذا دلالة رمزية تطفئ عطش جمهور حزب الله بالرد ولا يشكل ضاغطا على القيادة الاسرائيلية للرد بشكل اكبر، ولعل سابقة اسقاط ايران لطائرة تجسس امريكية قبل بضعة اسابيع يعزز هذه الاستراتيجية لكل من حزب الله واسرائيل.
7- ان كل رد من حزب الله يجب ان ينطوي على نسبة نجاح عالية جدا جدا جدا، لان الفشل فيه او احباطه من جانب اسرائيل سيكون له تداعيات معنوية سلبية جدا على صورة وجمهور حزب الله مقابل قدر من تعزيز الثقة لدى الجمهور الاسرائيلي وبالتالي حكومة نيتنياهو.
8- يلاحظ ان اسرائيل قامت بعد ساعات من تهديد نصر الله بالرد بغارات جوية على مواقع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة- ، وهو محاولة اسرائيلية لتكريس فكرة ” حرية الحركة ” للقوة العسكرية الاستراتيجية لمواجهة التهديدات واضعاف مفعول أي تهديد من خصومها بالرد، بل تبدو وكأن اسرائيل تريد استفزاز حزب الله للرد المتعجل والذي يزيد احتمال الخطأ في الرد.
9- يبدو ان اسرائيل تحاول العمل على حرمان كل تكتيكات حزب الله من الفاعلية ، مثل التضييق على استراتيجة الأنفاق في جنوب لبنان، وارسال الطائرات المسيرة الاسرائيلية لتجنب المخاطر البشرية، والضغط لابعاد عناصر حزب الله من قرب الحدود مع الجولان المحتل(وهو ما يتضح في العملية التي اشرنا لها في هذه الجبهة) ثم اجبار القيادة الايرانية على نقل مقرها – كما تقول مصادر مختلفة – من قرب العاصمة السورية الى ضواحي حمص ، وهو ما يجعلها اقل عرضة للهجمات الاسرائيلية ولكنه قد يؤثر على استراتيجية ايران العامة للتموضع في سوريا.
10- استراتيجية عدم الرد ، ورغم ان هذا الاحتمال لا يجد مؤيدين له في اغلب جمهور محور المقاومة، بل والكثير من الاسرائيليين والغربيين، فان بعض المؤشرات تعززه:
أ- ان الظروف الدولية والظروف الخاصة قد تسمح أحيانا بعدم الالتزام بقواعد معينة (ضرورة الرد) اذا توفرت معطيات تعطل الرد او تقدم اغراءات فيها مكاسب اعلى من مكاسب الرد.
ب- ربما يرى حزب الله في موقف الحريري الجديد من العدوان الاسرائيلي عامل تقارب في السياسات الخارجية بين قطبي التنافس السياسي في لبنان، وعليه قد يضحي حزب الله بالرد مقابل الحصول على مكاسب داخلية بخاصة سد اكبر قدر من الفجوات بين الجيش والحريري من ناحية وبين حزب الله من ناحية ثانية، الى جانب تقديم صورة عقلانية ومتفهمة لحزب الله في وجه خصومه الآخرين، وعليه فان توسيع قاعدة التأييد في الجبهة الداخلية اللبنانية قد يفوق في الحساب الاستراتيجي المكاسب المعنوية لرد محدود على اسرائيل.
ج- قد تستثمر الولايات المتحدة الجهود الدولية والفرنسية خاصة لتهدئة الجو مع ايران وابعاد شبح الحرب الاقليمية، وعليه قد تجد ايران ان الموقف يستدعي الطلب من حزب الله بعدم الرد لكي لا يؤدي هذا الرد لافساد الجو بخاصة مع تاكيدات ترامب عدم رغبته في الحرب مع ايران والذي تعزز خلال المحادثات في بيارتس في فرنسا مع مجموعة السبعة قبل ايام قليلة.
11—قد ينتظر حزب الله فترة اطول من المعتاد بهدف:
أ- ارهاق الجبهة الداخلية الاسرائيلية بجعلها تعيش حالة استنزاف وشلل في قطاعات معينة، ولعل صورة ما يجري في شمال فلسطين يعزز هذه الاستراتيجية، وهو امر قد ينطبق على الحكومة الاسرائيلية بشغلها في موضوع كيفية الاستعداد لتلقي الرد من حزب الله وتعطيل جهودها في ميادين اخرى
ب- قد يرد حزب الله بارسال طائرة مسيرة، فإن نجحت في ضرب هدف معين فهو امر جيد، واذا فشلت سنكون امام فشل سابق ومماثل لما حصل مع الطائرات المسيرة الاسرائيلية في الضاحية الجنوبية.
الخلاصة: توحي المعطيات السابقة وتفاعلاتها ببعضها البعض بالاحتمالات التالية:
1- ما تزال احتمالات الرد اقوى من احتمال عدم الرد دون نفي البديل الثاني كليا .
2- ان احتمال استهداف هدف عسكري اسرائيلي أقوى من احتمال استهداف اهداف مدنية.
3- ان احتمال الرد بعد الانتخابات الاسرائيلية قد يكون أقوى من الرد قبل الانتخابات، لحرمان نيتنياهو من أي تعاطف معه اذا تم رد حزب الله قبل الانتخابات.
4- قد يكون رد حزب الله داخل فلسطين اعلى من الرد خارج فلسطين الا إذا توفرت في الخارج فرصة لضرب هدف دسم (اغتيال شخصية كبيرة او ما شابه)
5- قد يكون الرد لحزب الله بعيدا عن الحدود اللبنانية لا سيما في ظل اليقظة الاسرائيلية في هذه الجبهة، فقد تكون في العمق، او من البحر ، او من غزة (بكيفية او اخرى يصعب حصرها) او في الخارج..
6- الف ربما….

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button