دراسات سياسيةدراسات شرق أوسطية

دول مجلس التعاون الخليجي بين اشكالية التحول من التعاون الى الاتحاد

تعد تجربة مجلس التعاون الخليجي التجربة العربية الوحيدة الناجحة على صعيد التعاون الإقليمي في المنطقة العربية، وهو نجاح كرسته قدرة هذا المجلس على الأستمرار من خلال تعزيز خطوات التقارب والتنسيق في المجالات الإقتصادية والثقافية والإجتماعية بين دوله وجيرانه العرب والإقليميين.
إن تأسيس النظام الإقليمي الخليجي أرتبط منذ البداية بتطورات رئيسة أكسبته خصائص وسمات ساهمت في إضفاء طابع الشخصية المستقلة عليه كنظام إقليمي فرعي لعل أهمها:
1-قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والتي دخلت في مواجهة سياسية مع دول الخليج تجلت أبرز مؤشراتها في إعلان قادة الثورة عن تمسكهم بالجزر الإماراتية الثلاثة التي أحتلتها إيران عام 1971، وبروز دعوات إحياء المطالب الإيرانية في البحرين والإصرار على تسمية الخليج بأسم (الخليج الفارسي)، فضلاً عن الإتجاه إلى تحريك بعض الجماعات الشيعية لتهديد أمن وأستقرار دول الخليج وفقاً لإدراك الدول الخليجية.
2-تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية عقب توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل في 26 آذار 1979 مما أدى إلى انقسام العالم العربي وخلق فراغاً أمنياً تطلب أطاراً جديداً من التعاون بين دول الخليج العربي.
3-بروز الأطماع الدولية في منطقة الخليج العربي لتصبح المنطقة أحد مراكز التنافس بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية خلال مرحلة الحرب الباردة، فضلاً عن تطورات الحرب العراقية ـ الإيرانية عام 1980 وتداعياتها الإقليمية والخليجية تحديداً.
لقد ساهمت هذه التطورات في تأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 آيار 1981 على أن يتحول في مرحلة لاحقة إلى كتلة سياسية وإقتصادية وإجتماعية موحدة، لذلك لم يكن غريباً أن تتوافق الدعوة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في نهاية عام 2011 بالأنتقال من صيغة التعاون إلى صيغة التكامل والإتحاد مع الأعتبارات والعوامل السابقة، لا سيما وأن النظام الأساسي للمجلس أشار في مادته الرابعة إلى: (إن أهداف المجلس الرئيسة تتمثل في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها). ومع ذلك فأن ثمة دوافع سياسية وأمنية وإقتصادية لهذه الدعوة ترتبط بمجموعة عوامل فرضتها التطورات الإقليمية والدولية وهي:
1-الإدراك المتزايد بأن بقاء المجلس على ما هو عليه لم يعد ملائماً للمستقبل فقد تعثرت مسيرة المجلس الطويلة في أداء أهم وظائفه وهي الوظيفة التكاملية طوال الثلاثين عاماً الماضية في ضوء تراكم التحديات الإقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية وفي وجود ميل للمجلس وبعض أعضائه للأنخراط في قضايا فوق إقليمية خليجية على حساب قضايا تطوير المجلس.
2- ثورات ما يسمى بالربيع العربي والتي خلقت واقعاَ جيوستراتيجياً جديدا في المنطقة ألقى بتداعياته على دول المجلس وتطلب أستدعاء فكرة التكامل الخليجي (الإتحاد) مجدداً لمواجهة ذلك الواقع، كما أن طرح صيغة الإتحاد يوفر لدول المجلس فرصة لإحداث تغيير سياسي متدرج يستكمل ما بدأته بالفعل في هذا الشأن ويجنبها الإنزلاق للفوضى على نحو ما حدث في بلدان الربيع العربي الأخرى.
3-الحاجة إلى صياغة منظور جديد للأمن الإقليمي بعد ثورات مايسمى بالربيع العربي إذ أصبحت مصادر التهديد الداخلية تفرض نفسها بما يعادل أو ربما يفوق مصادر التهديد الخارجية، إذ أحتلت الأخطار الأمنية الداخلية قمة أولويات دول المجلس منذ بدأ هذه الثورات وأخذت تبحث عن بدائل وضمانات أمنية جديدة تتعامل مع خطر الأحتجاجات الداخلية وذلك نتيجة شعور بالفراغ الأستراتجي إزاء التعامل مع هذا النوع من الأحتجاجات فعملت على أختبار الرأي العام في الداخل إزاء مشروعات لتحالفات أمنية من نوع جديد.
وفي هذا السياق طرحت مشروع ضم مملكتي الأردن والمغرب في صفقة عنوانها (الأمن مقابل الإقتصاد)، أي إسهام الأردن والمغرب في الأمن الداخلي بالخليج مقابل دعم المملكتين من قبل دول المجلس إقتصادياً لكن هذا المشروع تراجع لأسباب عديدة تعود في الأساس إلى أن الثقة فيما يتعلق بالعائد الأمني لضم المملكتين أهتزت بعدما بدأت التظاهرات تجوب شوارع الأردن والمغرب، ومن ثم ظلت المشكلة نفسها بالخوف من أن يودي طلب الأمن إلى استيراد عدم الأمن.
فضلاً عن ذلك فأن ظهور خلافات مع الولايات المتحدة من جانب بعض دول المجلس ولاسيما السعودية بسبب الموقف الأميركي الداعم لثورات بعض الربيع العربي شكل دافعاً آخر لمراجعة الترتيبات الأمنية.
4-إن دول الخليج وجدت نفسها لأول مرة من دون حماية من الخطر الداخلي فليس ثمة بنود في الإتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة تقرر دور القواعد العسكرية الأجنبية في حماية هذه الدول إزاء خطر إندلاع الأحتجاجات الداخلية وهذه الوضعية تترك دول المجلس عند حد القلق وتدفعها إلى مزيد من الإعتماد على الذات وإقامة شبكة تحالفات جديدة، لمواجهة التهديدات المحتملة.
5-إن مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981 وهو يسير على خطوات التكامل وصولا إلى الإندماج الإقتصادي إذ بدأ بالأتفاقية الإقتصادية الموحدة الأولى عام 1981 إلى منطقة التجارة الحرة 1983 ثم إلى الأتفاقية الإقتصادية الثانية عام 2001 ثم الإتحاد الجمركي عام 2003 والسوق المشتركة عام 2008 والإتحاد النقدي عام 2010 فضلا عن المشروعات المشتركة ومشروعات ربط البنى التحتية كالربط الكهربائي ومشروع سكة حديد الخليج إلا أن هذه المسيرة واجهت تحديات أستراتيجية وهي تسعى إلى تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل بالإعتماد على مصادر مستدامة وهذه التحديات أرتبط أستمرارها بتعدد السيادات ومن ثم لن تتمكن صيغة التعاون القائمة من تجاوزها وتمثل في ضيق حجم السوق الناتج عن قلة عدد السكان كل دولة على حدة ما يترتب عليه من ناحية ضعف جدوى المشروعات الإقتصادية الصناعية والخدمية في دول المجلس.
6- تعاني دول مجلس التعاون من مشكلة ديمغرافية خطيرة تتمثل في إن بعض مواطني هذه الدول أصبحوا يشكلون أقلية في بلدانهم إذ تمثل العمالة الوافدة ما لا يقل عن 50% من إجمالي السكان في السعودية، و70% في عمان، و70% في البحرين والكويت، فيما تصل 80% في بعض الدول مثل الإمارات، وقطر إلى 90%. وإذا لم تعالج هذه المشكلة فأن التركيبة السكانية سوف تتغير في بعض دول المجلس وهذا له محاذيره الأمنية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية.
مما تقدم نجد أن العوامل السابقة لا يمكنها الدفع بأتجاه الوصول إلى صيغة الإتحاد نظرا لوجود مجموعة من التحديات والظروف تحول دون تحقيق ذلك الهدف لعل أهمها:
1-التباين السياسي بين دول المجلس فرغم التماثل بين أنظمة الحكم الخليجية كونها ملكيات وراثية فأن هناك تباينات سياسية عديدة في مستوى الحريات المدنية والسياسية وحرية الرأي والتعبير ودور البرلمان في الحياة السياسية فيها وهذه المسألة تطرح إشكاليات لأي كيان إتحادي مستقبلي، وهذا التعدد في دوائر  الأنتماء يفرض قيودا على حرية الحركة لمجلس التعاون وكان من نتائجه إخفاق المجلس في بلورة مواقف خارجية موحدة أو منسقة تجاه بعض القضايا الإقليمية والدولية بل ووقوع خلافات وتباينات في وجهات النظر والمواقف بين بعض الدول والأعضاء بشأن قضايا ثنائية أو إقليمية أو دولية ومثل هذه الأوضاع ترجع إلى عدة أسباب أولها تغلب العلاقات الثنائية على العلاقات الجماعية داخل إطار المجلس كمنظمة، وعدم وجود قواعد محدد تلزم الدول الأعضاء بتنفيذ ما تم الإتفاق عليه في نطاق المجلس وثانيها سيطرة هاجس السيادة والخوف من بروز دور دول على حساب دول أخرى داخل المجلس، وثالثها أستمرار التأثير الواضح للعامل الخارجي على العلاقات الخليجية البينية وخاصة العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل حرص الأخيرة على التعامل مع دول المجلس بشكل فردي وغياب أستراتيجية خليجية موحدة في التعامل مع واشنطن ولاسيما في ظل تعدد الرؤى بشأن واقع ومستقبل الدور الأميركي في مسألة أمن الخليج.
2-التباين في الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأوزان بين دول المجلس إذ تبلغ مساحة دول المجلس الخمس (بأستثناء السعودية) 71,423 ألف كم2 وهو ما يقل عن خمس مساحة السعودية وحدودها البالغة 2,240,000 كم2، كما يقترب عدد سكان السعودية من 27 مليون نسمة مقارنة بإجمالي عدد سكان دول المجلس الخمس الأخرى البالغ 6,15 مليون نسمة وهو ما يشير إلى وجود خلل كبير بين دول الإتحاد.
فضلاً عن الإختلاف من حيث مستويات الدخل بين دول المجلس ففي قطر يصل نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 107 ألاف دولار للفرد سنوياً، وتأتي في مرتبة متوسطة الكويت والإمارات بنصيب 47 ألف دولار و50 ألف دولار سنوياً على التوالي، ودول تأتي بمرتبة أقل مثل البحرين والسعودية وعمان بنصيب 28 و23 و23 ألف دولار على التوالي كنصيب للفرد من الدخل القومي الإجمالي في عام 2011.
3- تباين الأولويات والأخطار فدول المجلس لا تمتلك جميعها نفس النظرة والرؤية للإحساس بالخطر فسلطنة عمان لا ترى إيران تهديدا أمنيا بالدرجة نفسها أو الكيفية التي تراها بها البحرين أو السعودية ولا بالصورة نفسها التي تراها الإمارات أو الكويت كما أن قطر تمتلك هي الأخرى رؤية مغايرة تجاه إيران.
وفي ضوء ما تقدم فأن الصيغة المطروحة التي يمكن الوصول إليها في المستقبل تتراوح بين عدة خيارات يأتي في مقدمتها بقاء المجلس بصيغته الحالية مع تغيير التسمية إلى الإتحاد والتوسع في عمل اللجان المتخصصة بين دوله، والخيار الثاني يتمثل بالتحول إلى الإتحاد ويمكن أن يأخذ مدة زمنية محددة لإكمال شروط التحقق أو تحقيق ما يمكن تسميته بأتحاد الراغبين، أي الدول التي ترغب في الدخول في الإتحاد مسبقاً، وثالث الخيارات يتمثل بالأخذ بالنظام الكونفدرالي على غرار تجربة الإتحاد الأوروبي وهو ما يحافظ على الخصوصية الوطنية لدول المجلس ويبدو هو الخيار الأقرب للتحقق بسبب حفاظه على سيادة كل دولة على أراضيها، هذا بلحاظ إن لم يحدث طارئ داخلي في أحدى تلك الدول مما سيغير تلك الأحتمالات بمشاهد أخرى.

مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى