دراسات شرق أوسطية

سوريا بين الحربين العالميتين

سوريا بين الحربين العالميتين

وقعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي عام 1920 وفقا لقرارات مؤتمر سان ريمو الذي عُقد بين بريطانيا وفرنسا.

الظروف التي هيأت فرض الانتداب الفرنسي على سوريا

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كانت سوريا تقع تحت السيطرة العسكرية البريطانية تشاركها القوات العربية بقيادة فيصل اين الشريف حسين فبعد فضح اتفاقية سايكس بيكو وتنكر بريطانيا للوطنيين العرب قام السوريون بتعيين فيصل ابن الشريف حسين ملكا عليهم. لم توافق فرنسا على ذلك لأنها رغبت في بسط سيطرتها على سوريا فبعد انتهاء الحرب عقدت بريطانيا وفرنسا مؤتمر سان ريمو والذي نص على فرض الانتداب الفرنسي على سوريا فعلى اثر ذلك قامت بريطانيا بسحب قواتها من سوريا فوجهت فرنسا انذارا الى فيصل طالبت فيه سحب قواته من سوريا والاعتراف بالانتداب الفرنسي على سوريا رفض فيصل الانذار فالتقت قوات فيصل مع القوات الفرنسية في معركة ميسلون والتي انتهت بهزيمة فيصل فهكذا تم فرض الانتداب الفرنسي على سوريا بصورة فعلية .

السياسة التي اتبعها الفرنسيون خلال انتدابهم لسوريا :

بعد هزيمة فيصل بمعركة ميسلون وسيطرة فرنسا على سوريا قام الفرنسيون باتباع سياسة عُرفت باسم “فرق تسد” فقامت فرنسا بعدة اجراءات اقليمية وادارية لتفكيك وحدة الشعب السوري واضعاف الحركة الوطنية في سوريا واحكام سيطرتها على سوريا فمن أهم هذه الخطوات والاجراءات ما يلي :

1.تقسيم سوريا الى أربعة مناطق وهي دولة سوريا وعاصمتها دمشق دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية ، دولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء ،دولة لبنان الكبير وعاصمتها بيروت.

2.استعملت سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا أساليب ادارية مشددة مثل:

ا- مقاومة القوميين العرب.

ب – فرض رقابة شديدة على الصحف الوطنية وتمويل الصحف الموالية لها.

ج- عينت فرنسا أعوانها في الوظائف الادارية المختلفة.

د- اثارة النزعة الطائفية في سوريا .

* علل الفرنسيون هذا التقسيم والسياسة بأنهما يراعيان رغبات وحقوق هذه الشعوب في تقرير مصيرها الا أن الحقيقة كانت عكس ذلك لأن الغاية الرئيسية من هذه السياسة كانت تتلخص في عزل سوريا عن الساحل وزرع النزعات الطائفية وإثارة الفتنة وإضعاف الحركة الوطنية السورية لإحكام السيطرة الفرنسية .

رد فعل السوريين على السياسة الفرنسية :

لم تهدأ المقومة الوطنية ضد الفرنسيين منذ هزيمة فيصل في معركة ميسلون ولكن هذه المقاومة أخذت تشتد وتتسع حتى تحولت عام 1925 الى ثورة عامة في سوريا عُرفت باسم الثورة السورية الكبرى أو ثورة سلطان باشا الأطرش أو ثورة جبل الدروز.

أسباب الثورة :

1. رفض السوريون الاحتلال الفرنسي لبلادهم وتحقيق الاستقلال التام.

2. تقسيم سوريا الى دويلات واقامة الحواجز بين هذه الدويلات الأمر الذي أدى الى نقمة السوريين على سلطات الانتداب الفرنسي.

3. الضرر الاقتصادي الكبير الذي لحق بالتجار السوريين نتيجة للسياسة التي اتبعها الفرنسيون في سوريا.

4. الدكتاتورية العسكرية التي مارسها الجنرالات الفرنسيون ابان انتدابهم.

5. سيطرة فرنسا والفرنسيين على جميع المناصب في سوريا .

6. الغاء الحريات في سوريا وملاحقة الوطنيين واثارة النزعة الطائفية الأمر الذي أدى الى تذمر السوريين.

7. معاداة فرنسا لعائلة الأطرش التي كانت صاحبة النفوذ والقوة في جبل الدروز.

8. فشل اللقاء الذي عُقد بين زعماء جبل الدروز والمندوب السامي الفرنسي في سوريا بحيث عبر زعماء الدروز عن استيائهم من سياسة الجنرال الفرنسي كاربييه وطالبوا بتبديله بحاكم آخر الا أن المندوب السامي أهانهم وهددهم بالعقوبة القاسية اذا تمسكوا بموقفهم فعلى اثر ذلك أعلن سلطان باشا الأطرش أنه لا بد من الثورة لنيل الاستقلال.

سير واحداث الثورة :

نتيجة لفشل اللقاء بين الزعماء الدروز والمندوب السامي الفرنسي في سوريا أعلن سلطان باشا الأطرش عن الثورة ضد الفرنسيين بدأت أجداث الثورة السورية الكبرى بالمظاهرات والمناوشات بحيث حاصر سلطان باشا الأطرش القاعد العام لثورة مدينة السويداء التي كانت مقرا للحاكم الفرنسي وقد فشلت فرنسا في فك حصار السويداء وأبيد معظم جنودها فأرسلت فرنسا قوة أخرى كان عددها 3000 جندي فتمكن الثوار من ابادة ثلث القوة الفرنسية والاستيلاء على أسلحتها بعد معركة الكفر والمزرعة فنتيجة لهذا النصر تقدم الثوار نحو دمشق وساندتهم القوة الوطنية في سوريا ولبنان فاتسعت بذلك الثورة بحيث شملت جميع الأراضي السورية وبعض المناطق اللبنانية وانضم الدكتور عبد الرحمن شهبند زعيم حزب الشعب لثورة رد الفرنسيون على الثورة بعنف وقاموا بتدمير المدن والقرى السورية وقتل الأبرياء من المدنيين وصادروا الأراضي وفي تشرين الأول عام 1925 دخل الثوار دمشق وبعد معارك ضارية مع الفرنسيين انسحب الفرنسيون من دمشق الا أنهم عادوا اليها بقصف جوي عنيف دمروا فيه البلدة القديمة فهرب الكثير من السكان الى خارج المدينة بقيت الثورة نشطة وفعالة حتى أواخر 1926 حاول الفرنسيون أثناءها اثارة النزعة الطائفية اذ قدموا الأسلحة للنصارى والشركس في سوريا لكنهم فشلوا في ذلك عاد الفرنسيون عام 1926 الى مهاجمة السويداء ونجحوا في احتلالها فتحولت الثورة الى حرب عصابات متقطعة حتى أخمدت عام 1927 عندما استسلموا زعماء الدروز بعد أن فقدوا الامل في نجاح هذه الثورة وألقت سلطات الانتداب الفرنسي القبض على عدد من رجال الحركة الفرنسية السورية في حين هرب السلطان باشا الأطرش الى بادية الشام ثم الى الأردن والى السعودية .

نتائج الثورة :

1. ساهمت الثورة في تغيير سياسة فرنسا تجاه سوريا فبعد عام 1928 لجأت فرنسا الى استعمال سياسة اللين لأنها أدركت أن استعمال قوة يؤدي الى خسائر كبيرة في الممتلكات والأرواح.

2. وافقت فرنسا على اجراء انتخابات حرة واقامة جمهورية بدستور جديد.

3.نجحت فرنسا في القضاء على الحركة الوطنية السورية بحيث تم اعتقال زعمائها وهرب زعيمها.

4. ساهمت الثورة في توقيع اتفاقية بين فرنسا وسوريا عُرفت باسم الاتفاقية الفرنسية السورية عام 1936 والتي اعترفت فرنسا باستقلال سوريا المشروط .

معاهدة 1936 بين فرنسا وسوريا :

نجحت فرنسا في اخماد الثوره عام 1927 الا انها توصلت الى قناعه ان استعمال القوه لا يجدي نفعا ففي عام 1932 وافقت فرنسا على اجراء انتخابات في سوريا الا انها الغت الدستور المقترح لانها رات انه يحد من السلطه فرنسا في سوريا فتجددت الاضطرابات من جديد في مختلف المدن السورية مما أجبر فرنسا التراجع عن موقفها وطلبت فرنسا من هاشم الأتاسي رئيس الكتلة الوطنية ارسال وفد سوري الى فرنسا لاجراء مفاوضات من الطرفين وقد اسفرت هذه المفاوضات عن توقيع اتفاقية بين الطرفين عام 1936 اعترفت فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان حسب الشروط الآتية :

1. بقاء فرنسا في سوريا ولبنان لفترة انتقالية فترتها 3 سنوات .

2. تحتفظ فرنسا بلقب حامية في جبل الدروز وبأخرى في منطقة اللاذقية وبقاعدتين جوتين في سوريا وبقواعد في لينان لمدة 5 سنوات .

3. وافق السوريون على هذه المعاهدة الا أن البرلمان الفرنسي رفضها فعاد الانتداب الفرنسي الى سوريا وظلت فرنسا تحكم سوريا بالقوة والعنف حتى نشوب الحرب العالمية الثانية 1939 فبعد نشوب الحرب العالمية الثانية واشتراك فرنسا مع الحلفاء في هذه الحرب ضد ألمانيا التي تمكنت خلال شهر من احتلال فرنسا في حزيران 1940 فشكلت حكومة جديدة في فرنسا موالية لألمانيا عُرفت باسم حكومة فيشي وشكلت حكومة فرنسية في المنفى عملت على تحرير فرنسا من الحكم النازي عُرفت هذه الحكومة باسم حكومة فرنسا الحرة بقيادة الجنرال الفرنسي شارل ديغول فهكذا ظهرت مشكلة مناطق النفوذ التي كانت تابعة لفرنسا ومن بين هذه المناطق كانت سوريا التي شكل فيها نظام موالي لألمانيا الا أن بريطانيا نجحت في طرد ألمانيا من سوريا ففي عام 1941 أعلن الجنرال شارل ديغول عن استقلال سوريا وفقا للشروط التالية :

1. تكون سوريا دولة مستقلة ذات سيادة.

2. يحق لسوريا تعيين دبلوماسيين في الخارج ويحق لها اقامة جيش خاص بها تستبدل هذه التسوية بمعاهدة بين فرنسا وسوريا تمنح فرنسا تسهيلات خاصة في سوريا وتمنح سوريا الاستقلال التام وعلى اثر ذلك أجريت انتخابات في سوريا 1943 أسفرت عن فوز الكتلة الوطنية بزعامة شكري القوتلي الذي أصبح رئيسا للجمهورية العربية السورية.

2.2/5 - (4 أصوات)

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى