دراسات سياسية

مفاهيم سياسية: نظرية الدولة القومية

إن الدولة هي التنظيم المؤسسي للسلطة السياسية، فكل شخص اليوم، ينتمي إلى دولة من الدول فنادراً ما نجد إنساناً غير منضو في إطار دولة، كما أصبح الانتماء لا يحسب اعتماداً على رابطة القرابة أو العشيرة، بل على أساس الانتماء إلى دولة وجنسية، فالدولة استطاعت أن تستوعب كل الانتماءات القبلية السابقة عليها، وتخضعها لسيطرتها وتوجهها بما يخدم المصلحة العامة للمجتمع، من منطلق أن الانتماء الأوسع يستوعب الانتماءات الأضيق، والعلاقة بين الانتماءين علاقة عكسية، بمعنى، كلما قوي الانتماء الأول ضعفت الانتماءات الثانية، والعكس صحيح .

إن هيمنة مؤسسة الدولة اليوم على حساب البنى والانتماءات القبلية، لا يعني أن كل المجتمعات على درجة واحدة في وصولها لمرحلة المجتمع المدني Civil Social أو مأسسة المجتمع، ذلك أن بعض المجتمعات تمكنت بالفعل من تأسيس المجتمع المدني وتأصيل هوية قوية تذيب كل الانتماءات الأخرى وتجعلها أثراً من مخلفات الماضي، ولكن توجد مجتمعات أخرى ما زالت تتخبط في عملية تأسيس المجتمع المدني، وفي ترسيخ هوية وطنية (قومية) تستوعب الانتماءات القبلية التي لعبت دوراً معرقلاً لنموها وتطورها، هذه المجتمعات تنتشر بشكل أكبر في دول العالم الثالث، حيث تتغلب الانتماءات القبائلية والطائفية والعائلية على الانتماء للوطن والدولة، فتنشب الصراعات والحروب الأهلية الدامية، وتصبح معها الدولة بحد ذاتها في مهب الريح 

أصل الدولة 

اختلفت آراء الانتربولوجيين ومعهم علماء السياسة حول اصل الدولة، وما هي دوافع نشوئها ؟ وما هي أشكالها ؟ ، ذلك أن انتقال الإنسان من حياة الطبيعة، حيث لا سلطة تعلو فوق سلطة الأفراد، وحيث يحق للفرد أن يفعل ما يشاء ومتى شاء…إلى حياة منظمة يخضع فيها الأفراد لسلطة عليا تحد من حريتهم وتوجه نشاطهم وتحدد لهم ما هو مسموح وما هو غير مسموح، إن هذا الانتقال لابد وأن وراءه دافعاً أو سبباً قوياً، فليس من طبيعة الإنسان أن يخضع لسلطة ،وليس من الهين إقامة روابط اجتماعية منظمة بين كائنات بشرية كثيرة التباين والتقلب تعودت لسنوات على العيش تحت شعار القوة تصنع الحق وتحميه و الغلبة للأقوى، دون قوة قاهرة تجبرهم أو تقنعهم على ذلك.ومن جهة أخرى فقد عرفت الدولة خلال تاريخها الذي يقدره العلماء بعشرة آلاف سنة أشكال متعددة ، فالدولة اليوم غير الدولة قبل خمسة آلاف سنة مثلا .
ويتفق غالبية المؤرخين وعلماء السياسة على أن النظريات المفسرة لأصل الدولة هي:

أولا: نظرية القوة Theory of Power
تحظى نظرية القوة بتأييد عدد كبير من العلماء، فهؤلاء يرجعون أصل ظهور الدولة إلى حالة الحرب والقوة التي كانت تسود المجتمعات القديمة، فمع استقرار الجماعات على أرض محددة وممارسة الزراعة والرعي، بدأت النزاعات حول الأرض والمرعى، وقامت الحروب التي أوجدت منتصر ومنهزم ،فيمارس المنتصر سلطته على المنهزم ويخضعه لهيمنته، وحتى يحافظ المنتصر على مكانته، فإنه يحيط نفسه بعدد من الحراس ويخلق أجهزة تساعده في استتباب الأمن وتسيير أمور الناس…فظهرت بذلك الدول.

لقد اعتبر “أوبنهايم Oppenhiemmer” أن الدولة هي النظام القضائي الذي تفرضه جماعة غالبة على جماعة مهزومة من أجل هدف أساسي هو إخضاع الجماعة المهزومة لنظام الجزية، ويستطرد قائلاً: “إنك لترى أينما وجهت البصر قبيلة مقاتلة تعتدي على حدود قبيلة أخرى أقل منها استعدادا للقتال ثم تستقر في أرضها مكونة جماعة الأشراف فيها ومؤسسة لها الدولة، أما “راتسنهوفر Ratzehniher” فيقول: “العنف هو الأداة التي خلقت الدولة”، وفي نفس السياق يرى جميلوفتش “1838-1909- Gumplawicz” إن الدولة هي نتيجة للغزو، حيث يشكل الظافرون طبقة حاكمة على المهزومين، ويربط لستر وورد ” 1841-1913- Lesterward” بين الدولة والغزو فيقول: “تبدأ الدولة – باعتبارها مختلفة عن النظام القبلي، بأن يغزو جنس من الناس جنساً آخر . أما لينتون R. Linton فإنه لا يستعبد العامل الطوعي في تأسيس الدولة فيمكن لقبيلتين، أو أكثر أن تتفقا على الاتحاد لتأسيس تجمع أكبر – دولة – ولكنه يرجح عامل القوة في هذا التجمع: “يمكن أن تولد الدول إما باتحاد طوعي لقبيلتين أو أكثر وإما بإخضاع جماعات ضعيفة من قبل جماعات أقوى، مما يفقد الأولى استقلاليتها السياسية…إن دول الغزو أكثر عدداً بكثير من الاتحادات”.

وفي مقدمته الشهيرة، تطرق ابن خلدون إلى تأسيس الدولة، حيث أقام الدولة على أساس العصبية، فالعصبية الأقوى تفرض هيمنتها على غيرها من العصبيات وتخضعها لها، وتبقى صاحبة الأمر والنهي إلى أن تزول عصبيتها، والعصبية لا تنفصل عن القوة بل هي مبرر وجودها لأن طبائع البشر عدوانية: “كل أمر يحمل الناس عليه من نبوة أو إقامة ملك أو دولة…إنما يتم بالقتال عليه لما في طباع البشر من الاستعصاء”، وفي موضع آخر يقول ابن خلدون: “الملك إنما يحصل بالتغلب والتغلب إنما بالعصبية و”الرئاسة إنما تكون بالغلب” و…”لابد في الرئاسة على القوم أن تكون من عصبية غالبة لعصبياتهم واحدة واحدة، لأن كل عصبية منهم إذا أحست بغلبة عصبية الرئيس لهم أقروا بالإذعان والإتباع” 

إن نظرية القوة في تفسير نشوء الدولة قد تكون صالحة لتفسير ظهور العديد من الدول في العالم الثالث، حيث يلاحظ أن عوامل خارجية عملت على إقامة هذه الدول ، فالغزو الاستعماري والتنافس بين المصالح الاستعمارية أمليا على هذه الأخيرة نقل المجتمعات الثالثة – وخصوصاً في إفريقيا – من مجتمعات بدائية قبلية لم تنضج بنايتها بعدد لتقبل جهاز الدولة ومؤسساتها المتعددة، إلى دول بحدود وبأجهزة أُقحِمت وفرضت فرضاً لتسهيل عملية السيطرة والنهب وتفتيت جذور المقاومة التي مثلتها التركيبات القبلية التقليدية القائمة على التمسك بالأرض وعدم التفريط بها ورفض السيطرة الأجنبية.

ثانيا: نظرية الحق الإلهي – النظرية التيوقراطية Theocracy 
من أقدم النظريات المفسرة لأصل السلطة والدولة، فإذا كنا اليوم نعرف ونتعامل مع السلطة أو الدولة باعتبارها مؤسسة سياسية اجتماعية، أي من خلق الأفراد ولمصلحتهم، فإن النظرية الدينية تذهب إلى القول إن السلطة والدولة أصلهما ديني وليس دنيوي، فالإله هو الذي منح السلطة أو فوضها للحاكم والدولة قامت بأوامر إلهية. وهكذا توحد هذه النظرية ما بين رموز السلطة والمقدس أو الإله، وتعتبر أن الدين أساس لجميع ميادين الحياة في الدولة، وحسب هذه النظرية فإن البشر لم يؤسسوا الدولة بمحض إرادتهم، وبالتالي ليست نتيجة تحولات اجتماعية وثقافية يمر بها المجتمع، بل هي ظهرت بأوامر الإله، ولقد دلت دراسات الانتربولوجيا السياسية على أن الدين كان له موضع الصدارة في المجتمعات القديمة، وأن الزعيم الأول كان هو الإله نفسه، ولكنه إله بشري يزعم أنه يتوفر على صفات خارقة للعادة ويعلم الغيب، يحي ويمت، ومن هذا المنطلق كان الناس يخضعون لأوامره ونواهيه، فأخضع هذا الزعيم ليس فقط أفراد أسرته، بل كل الناس الذين آمنوا به وصدقوا أقواله، كما أن عبادة الأسلاف لعبت دوراً في تأسيس الدولة الدينية الأولى، فيما أن الجماعات القديمة كانت تعبد أسلافها، فكان لزاماً عليها الحفاظ على قبورهم وحراستها والقيام عليها بما يبعدها عن أذى الغرباء ودنسهم، وبما يؤمن لهم الراحة في الحياة الآخرة، ومن كان يقوم بهذه المهمة كانت له مكانة رهيبة وبالتالي سلطة (سياسية) على الجماعة.

لقد لعب الدين دوراً أساسياً في قيام الدولة وهي دولة – المعبد – فحيث أن ممارسة الشعائر الدينية كانت تتم داخل المعبد فقد تجمعت الأسر والقبائل حول المعبد، وأصبح رجال الدين داخل المعبد بمثابة رجال الحكم، والأسر والقبائل التي تدين بديانة المعبد ورجاله هم الرعية، وكان يطلق على الدولة المكونة بهذه الطريقة اسم “دولة المعبد”.تعد إسرائيل من الدول التي قامت على أساس ديني مزعوم ، فإسرائيل هو اللفظ العبري لأسم يعقوب ، وهو احد الأنبياء ،كما أن إسرائيل تقوم على مقولتي ( شعب الله المختار ) و ( أرض الميعاد )، وهما مقولتان دينيتان . 

ويرى ديلابورت – في بحثه حول أصل الدولة في بلاد ما بين النهرين – أن تأسيس المدينة: “عمل ديني لا يستطاع القيام به إلا بناء على أوامر الآلهة العظام لأن المدينة هي قبل كل شيئ مركز للعبادة، وعلى هذا كان لاسم المدينة أحياناً واسم الإله الذي تنازل فرضي أن يستقر فيها مدلول واحد”.ولأن الدولة أسست لأغراض دينية، فإن من يقوم على أوامرها عليهم واجب القيام بالشعائر الدينية، فهم نواب الإله على الأرض ويستمدون سلطتهم منه مباشرة، وأحياناً كانوا هم الإله نفسه” 

مرت فكرة الأصل الديني للدولة بمرحلتين:
1- نظرية تاليه الحاكم: ومضمونها، الجمع بين شخص الحاكم والإله، فالحاكم هو الإله، وبالتالي له نفس قدسية الإله، وهذا ما كان سائداً في الهند وفي مصر الفرعونية.
2- نظرية الحق الإلهي – أو التفويض الإلهي – ومضمونها أن الحاكم ليس هو الإله، ولكنه يستمد سلطته مباشرة من الإله، فهو يحكم باسم الإله الذي فوض له السلطة، وقد ظهرت هذه النظرية في القرون الوسطى على يد ملوك أوروبا الإقطاعيين، وكان بعضهم يسمى أحياناً خليفة الله في الأرض أو ظل الله في الأرض، وبمقتضى هذه النظرية، كان للملك الحق في حكم رعيته حكماً مطلقاً استبدادياً، دون أن يجرؤ أحد من الشعب على معارضته، لأن معارضته معارضة لإرادة الله، وقد حدث صراع مرير بين رجال الدين المسيحيين من جهة وأنصار الدولة من جهة أخرى – السلطة الزمنية – فقد تمسكت الكنيسة بأن البابا أو رجال الدين وحدهم مصدر السلطات وأن الإمبراطور يستمد سلطته من البابا، أما أنصار الدولة فقد قالوا بأن الحاكم الدنيوي يستمد سلطته مباشرة من الله، وإن الملوك كانوا موجودين قبل أن توجد الكنيسة، وقد حسم الصراع بانتصار الرأي الثاني في مرحلة أولى، وبتفويض فكرة التفويض الإلهي بمجملها في مرحلة ثانية، حيث ظهرت العلمانية التي فصلت بين الأمور السياسية والأمور الدينية .

ثالثا: نظرية العقد الاجتماعي Theory of social contract
ومؤداها أن الأفراد اتفقوا اختيارياً على أن يتنازل كل منهم عن كل أو بعض حقوقه التي كان يتمتع بها في مرحلة الطبيعة – ما قبل الدولة – لمصلحة حاكم أو سلطة عليا، ويقبلوا العيش في ظل سلطة توفق بين مصالح الأفراد، ومفهوم العقد هنا مفهوم تخيلي ليس واقعياً، أي أنه لم يبرم عقد حقيقي بين الأفراد من جهة وبين الحاكم من جهة أخرى، بل حدث الاتفاق ضمنياً، فالدولة حسب هذه النظرية تقوم على تعاقد ما بين أفراد المجتمع وبالتالي فمصدرها المجتمع نفسه وليس قوة أو مصدر مفارق للمجتمع – مصدر الإلهي- وتعتبر هذه النظرية بمثابة ثورة فكرية لكونها أسقطت طابع القدسية عن الدولة والقائمين عليها، أو بشكل آخر أنزلت السلطة السياسية والدولة من السماء إلى الأرض ورهنتهما بإرادة البشر.

ومن أهم منظري العقد الاجتماعي:
أ- توماس هوبس Thomas Hobbes 1588 – 1679
يرى هوبس أنه قبل قيام الدولة كانت حياة الإنسان تسودها الفوضى وتتسم بالأنانية، ومحكومة بشريعة الغاب، ويبني هوبس نظريته من منطلق أن الإنسان بطبيعته عدواني، وإن الشر ميل طبيعي عنده “فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان” وهذه الحياة الفوضوية المحكومة بقانون البقاء للأقوى، لا يمكنها أن تؤسس دولة، وعليه فقد ارتأى بنو الإنسان أنه من الأفضل لهم أن يخرجوا من حياة الفوضى إلى حياة تسودها العدالة والنظام وذلك بأن يتخلوا عن كامل سيادتهم وحقوقهم التي كانوا يتمتعون بها في حالة الطبيعة لمصلحة حاكم عليهم ويتم هذا التنازل أو الانتقال “بعقد” يبرم بين الطرفين.
ومن رأي هوبس أن الأفراد تنازلوا عن كامل سيادتهم وحقوقهم وليس عن جزء منها، لأن بقاء جزء منها لدى الأفراد يعني احتمال عودتهم إلى حياة الفوضى والاقتتال، ومن ناحية أخرى، فإن الحاكم أو الشخص الذي تنازلوا له عن حقوقهم ليس طرفاً في العقد وبالتالي لا تقع عليه أي التزامات فهو يتمتع بسلطة مطلقة دون أن يلتزم بشيء تجاه الأفراد.
وبذلك يعد هوبس من أنصار الحكم المطلق والدولة الاستبدادية وكان يرمي من وراء نظريته، خلق حكم استبدادي يضع حداً للحرب الأهلية التي كانت تعصف ببريطانيا خلال عهده، بين آل ستيورات وحكم كرومويل.

ب -جون لوك John Locke 1632-1704
لا يتفق لوك مع هوبس في أن حياة الإنسان في حالة الطبيعة كانت كلها فوضى وحرب، بل يرى أنهم كانوا يتمتعون بالحرية والمساواة ويحكمهم القانون الفطري “الذي يتلخص في معرفة كل فرد أن له حقوقاً معينة في الحياة والحرية والملكية الخاصة وفي بلوغ السعادة. وإنه يجب ألا يتعدى أي إنسان على حقوق غيره من الناس أثناء ممارسته لحقوق الشخصية” بيد أن الأفراد كثيراً ما كانوا يميلون إلى انتهاك قواعد القانون الفطري، ويعتدون على حريات وحقوق بعضهم البعض مما يثير نزاعات وحروب بينهم، فمبدأي الحرية والمساواة ليسا مضمونين تماماً، وحتى يضمن الأفراد ذلك، ارتأوا وبمحض إرادتهم التحول من حالة الفطرة إلى حالة المجتمع السياسي، وتكوين دولة وذلك بقيام عقد بينهم وبين شخص يولونه عليهم.
والنقطة الثانية التي يتميز بها لوك عن هوبس في موضوع العقد الاجتماعي. هي أن لوك لا يرى أن الأفراد تخلوا عن كامل حقوقهم التي كانوا يتمتعون بها في حالة الطبيعة، بل تنازلوا عن جزء منها فقط ، وعليه فإن الحاكم ملزم باحترام حقوق الأفراد التي لم يتنازلوا عنها، وحقوقهم وحريتهم التي فوضوه حمايتها وتنظيمها، أما النقطة الثالثة التي أتى بها لوك، فهي أن الحاكم طرف في العقد وليس خارجاً عنه – كما قال بذلك هوبس – وحيث أنه طرف في العقد ، تقع عليه التزامات يجب أن ينفذها – حفظ الأمن والنظام وحماية حقوق الأفراد وسيادتهم – فإذا أخل بالتزاماته كان من حق الأفراد خلعه والتمرد عليه فلوك ضد الحكم المطلق الاستبدادي.

1- جان جاك روسو J. J. Rousseau (1778 – 1712)
طور روسو نظرية العقد الاجتماعي وجعلها أكثر تناسباً مع تطور الفكر الليبرالي ففي كتابه “العقد الاجتماعي social contract” يتفق روسو مع جون لوك بأن حياة الإنسان البدائية الأولى كانت تعرف حالة من الحرية والمساواة، وأن إبرام الأفراد للعقد الاجتماعي لإقامة المجتمع السياسي وتأسيس دولة، ما هو إلا رغبة حرة من الأفراد للحفاظ على حريتهم الفطرية، والعقد الاجتماعي كما يراه روسو يقوم على نوع من المشاركة والاتحاد بين الأفراد من جهة وبينهم وبين الطرف الثاني من جهة أخرى.إلا أن الجديد الذي أتى به روسو، هو أن الطرف الثاني في العقد ليس شخصاً محدداً، وإنما هو الدولة ذاتها، فالتنازل يتم للدولة التي تمثل الشعب وتجسد إرادته وسيادته، وعليه فإن “من يَهب نفسه للجميع لا يهب نفسه لأحد”، والدولة التي يتم التنازل لها، ليست متعالية على الأفراد بل موجودة لحمايتهم وتحقيق مطامحهم، كما يرجع الفضل لروسو في إبراز مفهوم سيادة الشعب، والإرادة العامة التي هي فوق إرادة الأفراد المتجزأة: – (السلطان إذا هو هذه الإرادة العامة التي هي إرادة المجموعة وليس إرادة الأعضاء الذين يؤلفون هذه المجموعة) 

رابعا-: النظرية الماركسية حول أصل الدولة
ترتبط النظرية الماركسية لأصل الدولة بأسس النظرية الماركسية القائمة على المادية التاريخية والمادية الجدلية . وعليه، فالدولة نتيجة لتطور المجتمع وتعبير عن النمط الاقتصادي السائد فيه. والنظرية الماركسية لا ترى إمكانية لوجود الدولة إلا مع وجود صراع طبقي أي وجود المجتمع الطبقي والملكية الخاصة، فتأتي الدولة لتجسد السلطة السياسية للطبقة المهيمنة. يقول انجلز: “ليس الدولة مجرد نتاج للمجتمع في مرحلة معينة من مراحل تطوره، إنها اعتراف بأن هذا المجتمع يتخبط مع نفسه في تناقضات لا حل لها ،بانقسامه إلى أطراف لا سبيل إلى التوفيق بينها، فيقف عاجزاً عن تلافيها، وحتى لا يفني المتصارعون أي الطبقات الاجتماعية، بعضها بعضاً ويفنى معها المجتمع فإن الحاجة تفرض نفسها إلى سلطة تضع نفسها في الظاهر فوق المجتمع لتطمس الصراع، وتبقيه في حدود “النظام” هذه السلطة التي نشأت من المجتمع والتي تضع نفسها مع ذلك فوقه وتتزايد غربتها عنه هذه السلطة هي الدولة” .

فالماركسية إذن ترفض القول بوجود الدولة قبل وجود الملكية الخاصة وقبل وجود الطبقية، ففي المجتمع البدائي سادت المشاعية في كل شيء، ولكن مع ظهور المجتمع الزراعي وكثافة الإنتاج بدأت الملكية الخاصة في الظهور، وبدا التمايز بين الأفراد يفرض نفسه ويقسم المجتمع إلى طبقات اجتماعية متصارعة، فعمل الأغنياء – الطبقة الرأسمالية وطبقة الملاك – على المحافظة على ثرواتهم وامتيازاتهم وذلك بخلق جهاز الدولة لتسخيره لهذا الغرضين ،وحسب هذا التصور فإن الدولة ستزول بعد القضاء على الطبقية والوصول إلى المجتمع الشيوعي، لأن مبرر وجودها ينتفي آنذاك. إلا أن الأحداث بينت أن الذي انهار في المعسكر الاشتراكي ليست الدولة بل النظرية الشيوعية ، وبقيت الدولة متحكمة وقوية. 

خامسا-: نظرية تطور الأسرة
القائلون بهذه النظرية يعتبرون أن الأسرة هي أصل الدولة، فهذه الأخيرة ما هي إلا الأولى بعد أن تكاثرت وازداد عدد أفرادها أو هي تجميع لعدد من الأسر. ويعد أرسطو أول من قال هذه الفكرة معتبراً أن تجمع عدد من الأسر شكل عشيرة وأن تجمع عدد من العشائر شكل قبيلة وأن المدينة ما هي إلا تحالف بين عدد من قبائل.
ومن المعلوم أن الشكل الأول للدولة كان دولة – المدينة أي أنها مكونة من مدينة واحدة وما يحيط بها من أراضي زراعية، وهذا الرأي يدعمه حقيقة أن دول المدن الأولى قامت من خلال تحالف عدة قبائل، تحالف طوعي أو قسري، فروما في بداية تشكلها تكونت تحالف ثلاث قبائل وهي اللاتين والسابين والأتروسك، ومن القائلين أيضاً بهذا الرأي أيضاً جان بودان Jean Bodin الذي اعتبر أن الأسرة هي المصدر الصحيح لكل دولة فضلاً عن أنها أهم عضو فيها.
مما سبق نستنتج أن القائلين بهذه النظرية يعتبرون أن الدولة تنشأ بشكل طبيعي، بفعل تطور الأسرة وتكاثر أفرادها، كما أنهم يعتبرون أن الأسرة هي أول تجمع أو هي الخلية الاجتماعية الأولى، سابقة بذلك للقبيلة والعشيرة ولا تعوز القائلين بهذا الرأي الحجج التي تدعم أقوالهم حيث يقارنون ما بين سلطة رب الأسرة – السلطة الأبوية – والسلطة السياسية أو سلطة الحاكم، فالسلطة الأبوية هي أصل كل سلطة والدولة ما هي إلا أسرة كبيرة والحاكم هو ربها. كما أنهم يقارنون ما بين الرابطة الأسرية التي تجمع أفراد الأسرة وتخلق حالة من التضامن والتلاحم بينهم والرابطة القومية التي تربط ما بين أفراد الدولة أو شعب الدولة.

أشكال الدولة عبر التاريخ أو مراحل تطورها
بالرغم من الجدل المشار إليه أعلاه حول تاريخ وجود الدولة ، إلا انه من المتفق عليه ، أن التأريخ للدولة أصبح يتجاوز منعطف عصر النهضة ، ويرجع بها على بداية انتقال المجتمعات من مرحلة التنقل والترحال إلى مرحلة المدنية – نسبة إلى المدينة- دون تجاهل الاختلافات العميقة ما بين الدولة القديمة والدولة الحديثة ثم المعاصرة .وهكذا يمكن القول إن الدولة عرفت خلال تطورها عدة أشكال إلى أن وصلت إلى ما هي عليه، وقد وضع علماء السياسة نظريات – وبالأدق فرضيات -حاولوا من خلالها تصور المراحل التي مرت بها الدولة خلال تاريخها الطويل وقد تصوروا عدة مراحل أو أشكال مرت بها الدولة وهي:

 المجتمع القبلي
حين اتسعت الأسرة وتكاثر أفرادها، اتحدت مجموعة من الأسر وكونت العشيرة وباتحاد مجموعة عشائر تكونت القبيلة، والقبيلة أول صور المجتمع الدائم أو المجتمعات الإجمالية . فالقبيلة إذن سابقة في وجودها على وجود الدولة بمفهومها الحديث وفي القبيلة تقوم العلاقات الاجتماعية على أساس القرابة، ويحكمها رئيس القبيلة الذي له سلطات قضائية ودينية وحربية، ويستمد رئيس القبيلة سلطته إما من قوته المادية كشجاعته وكثرة عدد أفراد أسرته أو من قوته المعنوية كحنكته ودهائه، أو من مكانته الدينية حيث كان للديانات مكانة مهمة ومرهوبة لدى الأفراد.

ويعرف موريس ديفرجيه القبيلة كأول شكل من أشكال الدولة، بالقول: “إن الشكل الأول للمجتمع الكلي هو القبيلة، والمقصود هنا جماعة صغيرة الحجم ذات سمات ريفية، والمدن لم تكن موجودة بعد، العلاقات العائلية مهمة جداً فيها، إذ أن القبيلة تضم عدداً صغيراً من العائلات، تقنيات الإنتاج فيها قديمة والمردود ضعيف، تقسيم العمل محدود والملكية جماعية، ليس ثمة طبقات اجتماعية، ويتحدثون في هذا الصدد عن شيوعية بدائية” .

ويرجع فوستيل دي كولانج أصل سلطة رئيس القبيلة وأصل كل سلطة أو تجمع اجتماعي إلى العامل الديني، فرئيس القبيلة هو الكاهن والقائد، وخضوع الأفراد لسلطته راجع إلى دوره ككاهن ومحافظ على عبادة الأسلاف wor-Aneestor ship وكما سبق فإن القبيلة سابقة في وجودها على اكتشاف الزراعة والمجتمع الزراعي الرعوي، إلا أن اكتشاف الزراعة ساعد أفراد القبيلة على الاستقرار وتأسيس الحواضر والمدن.

 الحاضرة أو دولة – المدينة state – City

وهي الطور الثاني في سيرورة تشكل الدولة، ومن أشهر نماذج الحواضر، بابل وسومر في بلاد الرافدين، ودول المدن في بلاد اليونان القديمة، وقد تشكلت المدن مع اكتشاف الزراعة واستقرار الإنسان على أرض محددة، حيث عملت الزراعة على تكوين فائض إنتاجي، وعلى توزيع للعمل أكثر تقدماً وفي هذه المرحلة بدأت البنى السياسية تنفصل عن البنى الاقتصادية وتبلورت الطبقية وتعززت الملكية الفردية، ويرى لويس ممفورد أن المدن كانت ثمرة زواج بين المجتمع الرعوي الفظ ومجتمع القرية من الفلاحين وإذا كان هذا الزواج زواج مصلحة فإنه أيضاً زواج إكراه، حيث مارس الرعاة سلطة القمع والسيطرة على الفلاحين .

وفي نفس الموضوع، ويرى فوستيل دي كولانج أن المدينة تكونت باتحاد عدة قبائل مع بعضها البعض، فالمدينة بهذا المعنى هي حلف بين عدة قبائل تتفق على احترام حقوق كل منها، وخصوصاً الديانة الخاصة لكل قبيلة، أما سبب اتحاد هذه القبائل، فأحياناً يكون اختيارياً وأحياناً يكون مفروضاً من طرف قبيلة مسيطرة أو رجل قوي.

يميل العديد من الكتاب الغربيين إلى القول بأن المدن اليونانية التي انتشرت حوالي القرن السادس قبل الميلاد، مثل أثينا وإسبرطة، هي أول المدن وأول الحواضر التي عرفتها البشرية، إلا أن التنقيبات التي أجراها الأثريون دلت على أن مدينة أريحا في فلسطين تعد من أقدم المدن، حيث ترجع إلى حوالي عشرة آلاف سنة، وكانت أريحا محاطة بسور مما يدلل على أنها مدينة، حيث أن السور هو ما يميز المدينة عن القرية، ومع ذلك فإن هناك من يرى أن المدينة أو الدولة – المدينة لم تتبلور إلا في العصر الحجري الحديث حوالي عام 3000 ق.م ففي هذه الفترة عرفت المدن: “تقدماً إنتاجياً زراعياً ساعد على خلق الفنانين وعمال التعدين والمهندسين والكتاب والمحاسبين والبيروقراطيين والأطباء والعلماء والمتخصصين وفي تنظيم مهاراتهم وإنجازاتهم” .

كانت المدن اليونانية تملك كل مواصفات الدولة من حيث توزيع السلط وحقوق الأفراد ونظام الحكم والقضاء. كما أن العلاقات الاجتماعية كانت تقوم على أساس الانتماء إلى الأرض وإلى طبقة اجتماعية، حيث سادت طبقية صارمة في دولة – المدينة. ويرى علماء السياسة أن دولة – المدينة هي مرحلة عابرة في تاريخ تطور المجتمعات نحو الشمولية والكلية، حيث تعرضت دولة – المدينة اليونانية لانتقادات صارمة وخصوصاً من طرف الرواقيين الذين دعوا إلى العالمية 

 الإمبراطورية Empire 

ظهرت الإمبراطورية بتجاوز حدود دولة-المدينة، حيث تُخضع الإمبراطورية لسيطرتها مجموعة من المدن، وهذا الإخضاع غالباً ما يتم بالقوة والفتح، فتتولى جيوش الإمبراطورية عملية الإخضاع لهذه المدن ولا يراعى في تشكيل الإمبراطورية أن تكون الشعوب الخاضعة لها من جنسية واحدة بل غالباً ما ينضوي تحت لوائها شعوب متعددة الجنسيات.

ولعل من أشهر الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، الإمبراطورية الرومانية التي قامت في القرن الثاني قبل الميلاد، واتسعت لتشمل حوض البحر المتوسط ولتدوم حوالي 1300 عام – إلا أن قيام الإمبراطوريات على الغزو والإخضاع واتساع رقعة الأرض التي تسيطر عليها وتعدد شعوبها، كل هذا ساعد على سقوط الإمبراطوريات، وظهور شكل جديد من الدول وهي الإمارة الإقطاعية 

الإمارة الإقطاعية Feudal Principality 

ظهر هذا النموذج بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، فحيث ان الإمبراطوريات ألغت الكيانات السياسية لدول المدن وأزالت الحدود وخلقت وضعا جديا على مر السنين ، فانه لم يعد من الممكن ، بعد سقوط الإمبراطوريات ،الرجوع إلى الوضع السابق لوجودها ، فمع انهيار الإمبراطورية أصبحت الأرض في ملكية الملاك الكبار، يستغلونها بتسخير الأرقاء التابعين لهم، وفي النظام الإقطاعي هذا يصبح الملاك هم أصحاب السلطة السياسية والعسكرية والقانونية، فالإقطاعي صاحب الأرض وما عليها.

ويرى هالفان بأن الإمارة الإقطاعية مرحلة تراجع بالنسبة لدولة المدينة، فالمجتمع الإقطاعي مجتمع يرفض كل تدخل في شؤونه من طرف سلطة خارجة عنه، وفكرة الدولة ومفهوم السلطة العامة التي تعمل باسم المصلحة العامة والتي تمارس نوعاً من الإكراه على الأفراد، هي فكرة بعيدة عنه، وفي نفس الاتجاه يذهب مارك بلوش Marc Bloch حيث يقول “تتطابق الإقطاعية مع الضعف العميق للدول وخصوصاً في وظيفتها الحمائية” 

ومما لا شك فيه أن غياب سلطة الدولة الإكراهية والحمائية تجعل العلاقة بين أفراد المجتمع علاقة سيد وتابع، وعلاقة تقوم على أساس القرابة أو الجوار، كما يصبح للعلاقات الشخصية دور أساسي في النظام الإقطاعي.

وقد سادت الإمارات الإقطاعية كل أوروبا تقريباً حوالي القرنين الحادي عشر والثاني عشر ولم ينهار هذا النظام إلا مع بداية ظهور النزعة القومية، وظهور فكرة سيادة الشعب والدولة القومية ابتداء من القرن السادس عشر.

 الدولة – الأمة nation – State

وهي آخر نموذج للمجتمع الإجمالي، وظهرت ابتداء من القرن السادس عشر على أثر تفكك الممالك الكبرى وانهيار النظام الإقطاعي ويرجع الفضل في التنظير للدولة الأمة لمجموعة من المفكرين أمثال مكيافلي، وروسو، ولوك ومونتيسكيو، وهيغل – الخ.

تقوم الدولة – الأمة على انضواء جميع الأفراد الذين ينتمون لقومية واحدة – وحدة لغة وتقاليد وعادات وتاريخ وإقامة على أرض مشتركة – تحت سلطة سياسية واحدة على أرض محددة. والدولة – الأمة مرتبطة بظهور الفكر القومي. ولكن هذا لا يعني أن كل الدول الحديثة والمعاصرة تأخذ شكلاً واحداً في وجودها. فهناك نموذج الدولة الليبرالية، ونماذج خاصة بدول العالم الثالث حيث أن تأسيس الدولة في العديد من دول العالم الثالث لم يحدث اعتماداً على التسلسل المشار إليه سابقاً، وبالتالي لم يحدث اعتماداً على تطور ونضج في البنى والمؤسسات الداخلية، بل غالباً كان تأسيساً نتيجة تدخل الاستعمار وفرضه قسراً على هذه المجتمعات، نظماً وهياكل ومؤسسات الدولة، دون أن تكون بنية المجتمع مهيأة للتعامل مع هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى انفصال ما بين المجتمع والدولة وبالتالي حالة الصراع والعداء بين الطرفين والتي تتمظهر في عدم الاستقرار والحروب الأهلية والانقلابات والثورات…الخ. بالإضافة إلى ذلك فليس جميع الدول تتكون من أفراد ينتمون لقومية واحدة، بل هناك دول تتكون من عدة قوميات كروسيا الاتحادية، إيران، الهند، وهناك قوميات موزعة على عدة دول، كالأمة العربية، بالإضافة إلى وجود قوميات لم تؤسس لنفسها دول خاصة بها. هذا ويبلغ عدد الجماعات العرقية في العالم حوالي 5350 جماعة.

وبغض النظر عن التطور التاريخي للدولة، تعرف الدولة عدة أشكال، فهناك دول بسيطة وأخرى مركبة.
– الدولة البسيطة: هي التي ينفرد بإدارة شؤونها الخارجية والداخلية هيئة واحدة. مثل: المغرب، فرنسا، وغالبية دول العالم.
– الدولة المركبة، وتتكون من اجتماع أكثر من دولة أو ولاية قائمة بذاتها تحت سلطة حكومية مشتركة أو تحت حكم رئيس أعلى واحد.

وهذه تشتمل ثلاث فئات:
1- دولة الاتحاد الشخصي: وتقوم باجتماع دولتين تحت عرش واحد مع احتفاظ كل منهما باستقلالها الداخلي والخارجي.
2- دولة الاتحاد الفعلي: وهي اتحاد دولتين اتحاداً دائماً تحت حكم رئيس وخضوعها لهيئة واحدة فيما يتعلق بشؤونها الخارجية مع احتفاظ كل منهما بإدارة شؤونها الداخلية وهذا الاتحاد وسابقه أصبحا في حكم التاريخ، فلا توجد نماذج معاصرة لهما.
3- دولة الاتحاد ألتفاهمي: تتكون من انضمام عدة دول بعضها إلى بعض بمقتضى معاهدة أو اتفاق في شكل اتحاد أو تعاهد ورعاية المصالح المشتركة بينهما. ومن أمثلتها الولاية المتحدة الأمريكية سويسرا، ومشروع أوروبا الموحدة.

أيضاً تتباين أنظمة حكم الدول، وقد عرفت المجتمعات أنماطاً مختلفة من أنظمة حكم الدول: ديمقراطية، اوليغارشية، أرستقراطية، عسكرية، فاشية، نازية، ملكية، جمهورية، الخ. 

نخلص إلى القول إن مراحل تطور الدولة المشار إليها هي تقسيم نموذجي أو مثالي، أي يقوم على أساس النموذج الغالب أو النمط السائد، حيث أن هذه الأشكال من الدول كانت تتداخل مع بعضها البعض وكانت تتعايش مع أنماط أخرى من المجتمعات الإنسانية قد تقترب، أو تبتعد عن مفهوم الدولة إلا أنها في جميع الحالات تشكل مرحلة في مسار تطور المجتمعات الإنسانية من شريعة الغاب إلى دول القانون.

إن كانت نظرية الدولة القومية هي النظرية الأكثر تفسيراً لواقع الدولة في النظام الدولي المعاصر، إلا أن هذا لا يعني أنها تشكل النهاية أو خاتمة المطاف بالنسبة للتنظير حول الدولة أو المجتمع الشمولي، حيث أن هذه الدولة القومية التي تعبر عنها النظرية السياسية المعاصرة تتعايش مع أشكال أخرى من المجتمعات الإنسانية قد تكون سابقة على مرحلة الدولة القومية، وقد تكون في مرحلة تخطي وتجاوز للدولة القومية، وخصوصاً أن التوجه الحالي في النظام الدولي يسعى إلى إقامة التكتلات الكبيرة التي تتجاوز المفهوم الضيق للسيادة القومية. ويبقى تطور نظرية الدولة كنظام سياسي أو كمجتمع بشري أو كمؤسسة اجتماعية مرتبط بالتطور العام للمجتمعات الإنسانية وللحضارة الإنسانية عموماً، ومرتبط بالظروف السياسية لكل بلد، حيث تكشف لنا التحولات الأخيرة في أوروبا الشرقية عن بداية تفكك دول وظهور دول جديدة لم يكن لها وجود سابقً أو كانت قد فقدت استقلالها خلال نزاعات سابقة، كما أن هناك شعوب مازالت تناضل من أجل حقها في إقامة دولتها التي فقدتها بفعل الغزو الاستيطاني ، وأهم حالة الشعب العربي الفلسطيني الذي يناضل ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في أرضه فلسطين. فهذا الاحتلال لم يلغ الدولة الفلسطينية كوجود تاريخي ولكنه أفقدها عنصر السيادة فتحولت إلى ارض محتلة، واليوم الشعب الفلسطيني يناضل من أجل إعادة بناء دولته .

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى