القاموس السياسيدراسات سياسية
قراءة في مفهوم العلمانية
أ. بسام أبو عليان محاضر بقسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى |
مفاهيم كثيرة يتداولها الناس في حديثهم، إلا أن كثيرًا من العوام لا يعلمون حقيقة هذه المفاهيم، ولا معناها الدقيق. في هذه الحالة لا يعدو الفرد كونه كالببغاء يردد مفاهيم لا يعرف معناها ولا يدرك كنهها. من هذه المفاهيم مفهوم (العلمانية) الذي كثر استخدامه في الفضائيات، والكتابات، ومجالس العامة والخاصة. أحيانًا عندما تختلف مع شخص صاحب ثقافة دينية سطحية في رأي من الآراء ينعتك بأنك (علماني)، أو أي جماعة دينية لا تتورع عن رمي الآخرين الذين لا ينضوون تحتها ولا يتفقون معها في الرأي بالعلمانية. فما هي العلمانية؟
تعريف العلمانية Secularism:
اختلف بعض الباحثين في تشكيل ولفظ الكلمة العلمانية، ففريق فتح العين فلفظها (العَلمانية)، فالكلمة مشتقة من كلمة (العالم). فريق آخر كسر العين، فلفظها (العِلمانية)، فالكلمة مشتقة من كلمة (العِلم).
إذا أُخِذَ بظاهر اللفظ الثاني (العِلم)، فليس ثمة خلاف بين العلمانية والإسلام؛ لأن الإسلام اهتم بالعلم والعلماء وأكرم نزلهم، وحث على طلب العلم، فأول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾} [العلق:1-5]، وفي الحديث، قال رسول الله ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. [السيوطي، الجامع الصغير، 5266].
إلا أن “العلمانية” مصطلح غربي خالص، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية (Seculum)، وتعني: عصر أو جيل، وفي العصور الوسطى أشارت إلى: “علمنة ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية، ونقلها إلى سلطة غير دينية، أي نقلها إلى الدولة”.
وعليه، فإن المعنى اللغوي لكلمة علمانية، هو: (اللادينية). أما المعنى الإصطلاحي للعلمانية، فقد عرفتها دائرة المعارف البريطانية: “هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا فقط”. وعرفها معجم “ويبستر”: “هي رؤية للحياة أو أي أمر محدد يعتمد أساسًا على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها”.
بالنظر لهذين التعريفين نستنبط أن العلمانية تهدف إلى تجريد الإنسان من دينه في كل منحى من مناحي الحياة، سواء كانت (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، أخلاقية، سلوكية، علمية، تربوية). لكن الذي اعتدنا على قراءته في كتابات المثقفين العرب في تعريفهم للعلمانية: “هي فصل الدين عن الدولة”. وبحسب ما ورد في التعريفين السابقين فإن تعريف الكتَّاب العرب لا يعطي المعنى الكامل والوصف الدقيق للعلمانية. لكن لو قيل بأن العلمانية تعني: “فصل الدين عن الحياة”، لكان التعبير أدق وأصوب وأبلغ؛ لأن جوهر ومضمون العلمانية هو: “إقامة الحياة على غير الدين”.
أسباب ظهور العلمانية في بلاد الغرب:
لا يمكن إرجاع ظهور العلمانية إلى سبب واحد، بل هي نتيجة تفاعل عدة أسباب معها بعضها، ويمكن إيجازها في النقاط الآتية:
• استبداد رجال الدين الكاثوليك في العصور الوسطى: كانت تعيش أوربا تحت سطوتهم وسيطرتهم، وقد استغلوا مكانتهم الدينية في ظلم الناس، وتحقيق شهواتهم باسم الدين والقداسة.
• الفساد الاقتصادي: وقد أخذ صورًا عديدة، منها:
(أ) الإقطاع: حيث كان رجال الدين هم أكثر الناس امتلاكًا للأراضي.
(ب) الأوقاف: حيث كانت تدعي الكنيسة أن أراضي الوقف ينفق عائدها على بناء الأديرة والكنائس، وتجهيز جيوش الحروب الصليبية؛ لغزو بلاد المسلمين.
(جـ) العشور: حيث كانت تحصل الكنيسة على عُشْر ما تنتجه الأراضي من محاصيل وثمار.
(د) الهدايا والهبات: حيث كان يقدمها البعض إلى رجال الكنسية من باب التملق والرياء، والبعض الآخر يقدمها من باب الصدقة والإحسان.
(هـ) العمل المجاني (السخرة): حيث سخَّرت الكنيسة الكثير من الناس للعمل في أراضيها دون مقابل.
• الفساد السياسي: حيث وصلت سلطة البابا إلى الحد الذي جعل له دورًا في تتويج الملوك والأباطرة أو خلعهم إن خالفوه أو نازعوه في الأمر.
• الخلاف بين رجال الكنيسة والعلم: في فترة الحروب الصليبية حينما اختلط الصليبيون بالمسلمين، انبهر الصليبيون بالتقدم العلمي الذي كانت تشهده بلاد المسلمين في كافة العلوم والفنون وقتئذ. وعلموا أن الكنيسة تمارس عليهم الكذب والدجل، على إثر ذلك احتدم الصراع بين رجال الكنيسة والعلماء، فقامت الأولى بتنظيم محاكم تفتيش؛ لملاحقة كل من خالفها، فضلًا عن قتل علماء جاءوا بنظريات وقوانين تدحض الدعاوى الكنيسة.
دور اليهود في الدعوة إلى العلمانية:
ما من مظهر من مظاهر الفساد في العالم إلا ولليهود يد فيه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. تجلى دور اليهود في الدعوة إلى العلمانية من خلال دورهم الخبيث في تأجيج نيران الثورة الفرنسية. فالذي رفع شعار الثورة الفرنسية: (الحرية.. المساواة.. الإخاء) جماعة من حاخامات يهود، وقد ذكروا ذلك في بروتوكولات حكماء صهيون. “كنا قديمًا أول من صاح في الناس الحرية، والمساواة، والإخاء”. جاء في موضع آخر: “إن صيحتنا الحرية، والمساواة، والإخاء قد جلبت إلى صفوفنا فرقًا كاملة… عن طريق وكلائنا المغفلين، وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة، بينما كانت هذه الكلمات تلتهم سعادة المسيحيين، وتحطم سلامهم واستقرارهم ووحدنهم، مدمرة بذلك أسس الدول”.
وقد قامت الثورة الفرنسية بحل الجمعيات الدينية، وسرحت الرهبان والراهبات، وصادرت أموال الكنيسة، وألغت كل امتيازاتها، وحوربت العقائد الدينية. وقد سرت مبادئ الثورة الفرنسية على كل بلاد الغرب.
عوامل انتشار العلمانية في المجتمع الإسلامي:
تنوعت عوامل انتشار العلمانية في المجتمع الإسلامي، ويمكن حصرها في العوامل الآتية:
(1) انحراف المسلمين عن أسس ومبادئ الشريعة الإسلامية الصحيحة.
(2) استعمار غالية الدول الإسلامية من قبل الدول الإمبريالية؛ لتحقيق أطماعها التبشيرية من جهة، والسيطرة على ثرواتها من جهة اخرى.
(3) ممارسة الغزو الفكري والثقافي؛ لسلخ المسلمين عن ثقافتهم ودينهم.
(4) المستشـرقون هم أداة التبشير في المجتمعات الإسلامية، لاسيما المجتمعات الفقيرة والمهمشة.
(5) البعثات العلمية إلى الخارج، حيث يعود المبتعثين وقد تشربوا الفكر الغربي، ثم يقوموا بنشره في المجتمع الإسلامي، دون إدراك حقيقي لاختلاف الظروف التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والتعلمية، والدينية بين المجتمعين.
(6) المنصّرون.
(7) الأقليات غير المسلمة داخل المجتمعات الإسلامية.
(8) تقدم الغرب في العلم المادي.
من أشهر دعاة العلمانية في الوطن الإسلامي والعربي:
• أحمد لطفي السيد.
• قاسم أمين.
• طه حسين.
• ميشيل عفلق.
• مصطفى كمال أتاتورك.
• الرئيس المصري السابق أنور السادات صاحب شعار: “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”.
آثار العلمانية على الوطن الإسلامي والعربي:
قد نجح العلمانيون إلى حد كبير في تحقيق أهدافهم في نشر العلمانية وثقافة العلمنة في المجتمع المسلم، ويمكن رصد ذلك من خلال النواحي الآتية:
1- رفض التحاكم إلى أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مجالات الحياة.
2- جعل التعليم أداة لنشر الفكر العلماني من خلال بث أفكار علمانية في ثنايا المواد الدراسية، وتقليص الوقت المتاح لتدريس المقررات الدينية في المدارس، حيث يكون تدريسها في آخر اليوم الدراسي، حيث يكون كلًا من المدرس والطالب منهك، ولا يعطى الدرس حقه، ومنع تدريس نصوص قرآنية ونبوية محددة كالتي توضح عداوة اليهود والنصارى للمسلمين، والولاء والبراء من المشركين، أو آيات الجهاد، أو آيات الحجاب… إلخ.
3- إذابة الفوارق بين المسلمين وأهل التحريف والتبديل والإلحاد. من خلال الكذبة الكبرى التي تقف وراءها الماسونية العالمية (حوار الأديان).
4- نشر الإباحية والرذيلة والفوضى الأخلاقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والإلكترونية).
5- الدعوة إلى القومية أو الوطنية، تحت شعار (الجنس، اللغة، التاريخ، المكان، المصالح، العيش المشترك)، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل الاجتماع. اقرأ كتابات القوميين العرب في هذا المجال.
6- الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب، وأخذ حضارته على علاتها دون وعي أو تمييز.
7- الزعم بأن الشريعة الإسلامية لا تتوافق مع الحضارة الغربية الحديثة.
خلاصة القول:
العلمانية مصطلح غربي بحت؛ نتيجة معايشة المجتمع الغربي ظروف القهر والظلم والاستبداد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني من جانب الكنيسة الكثاوليكية، والجهل الذي طغى على كل مظاهر الحياة الأوربية في العصور الوسطى. في ظل تلك الظروف المقيتة والسوداوية فإن للعلمانية ما يبررها ويدعو إلى وجودها في المجتمع الغربي؛ للتخلص من هذا الظلم والجهل والفقر. إلا أنه ليس للعلمانية ما يبررها أو يسمح للدعوة لها والتبشير بها والتنظير إليها في بلاد المسلمين؛ لأنه لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي أن تعارضت الشريعة الإسلامية مع العلم أو أي شأن من شؤون الحياة في المجتمع الإسلامي هذا من جهة، من جهة ثانية يجب التأكيد على أن العلمانية تتعارض جملة وتفصيلًا مع جوهر ومضمون الإسلام ، لذلك لا مجال لمحاولات التضليل الفكري التي يحاول أن يقوم بها ويمررها بعض الكتّاب العرب والمسلمين للبحث عن مدخل للمقارنة بين الإسلام والعلمانية، أو المقارنة بين الإسلام والنظريات الوضعية، كقولهم (الاشتراكية الإسلامية)، و(الرأسمالية الإسلامية).
اختلف بعض الباحثين في تشكيل ولفظ الكلمة العلمانية، ففريق فتح العين فلفظها (العَلمانية)، فالكلمة مشتقة من كلمة (العالم). فريق آخر كسر العين، فلفظها (العِلمانية)، فالكلمة مشتقة من كلمة (العِلم).
إذا أُخِذَ بظاهر اللفظ الثاني (العِلم)، فليس ثمة خلاف بين العلمانية والإسلام؛ لأن الإسلام اهتم بالعلم والعلماء وأكرم نزلهم، وحث على طلب العلم، فأول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾} [العلق:1-5]، وفي الحديث، قال رسول الله ﷺ: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”. [السيوطي، الجامع الصغير، 5266].
إلا أن “العلمانية” مصطلح غربي خالص، وهي مشتقة من الكلمة اللاتينية (Seculum)، وتعني: عصر أو جيل، وفي العصور الوسطى أشارت إلى: “علمنة ممتلكات الكنيسة الكاثوليكية، ونقلها إلى سلطة غير دينية، أي نقلها إلى الدولة”.
وعليه، فإن المعنى اللغوي لكلمة علمانية، هو: (اللادينية). أما المعنى الإصطلاحي للعلمانية، فقد عرفتها دائرة المعارف البريطانية: “هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا فقط”. وعرفها معجم “ويبستر”: “هي رؤية للحياة أو أي أمر محدد يعتمد أساسًا على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها”.
بالنظر لهذين التعريفين نستنبط أن العلمانية تهدف إلى تجريد الإنسان من دينه في كل منحى من مناحي الحياة، سواء كانت (سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، أخلاقية، سلوكية، علمية، تربوية). لكن الذي اعتدنا على قراءته في كتابات المثقفين العرب في تعريفهم للعلمانية: “هي فصل الدين عن الدولة”. وبحسب ما ورد في التعريفين السابقين فإن تعريف الكتَّاب العرب لا يعطي المعنى الكامل والوصف الدقيق للعلمانية. لكن لو قيل بأن العلمانية تعني: “فصل الدين عن الحياة”، لكان التعبير أدق وأصوب وأبلغ؛ لأن جوهر ومضمون العلمانية هو: “إقامة الحياة على غير الدين”.
أسباب ظهور العلمانية في بلاد الغرب:
لا يمكن إرجاع ظهور العلمانية إلى سبب واحد، بل هي نتيجة تفاعل عدة أسباب معها بعضها، ويمكن إيجازها في النقاط الآتية:
• استبداد رجال الدين الكاثوليك في العصور الوسطى: كانت تعيش أوربا تحت سطوتهم وسيطرتهم، وقد استغلوا مكانتهم الدينية في ظلم الناس، وتحقيق شهواتهم باسم الدين والقداسة.
• الفساد الاقتصادي: وقد أخذ صورًا عديدة، منها:
(أ) الإقطاع: حيث كان رجال الدين هم أكثر الناس امتلاكًا للأراضي.
(ب) الأوقاف: حيث كانت تدعي الكنيسة أن أراضي الوقف ينفق عائدها على بناء الأديرة والكنائس، وتجهيز جيوش الحروب الصليبية؛ لغزو بلاد المسلمين.
(جـ) العشور: حيث كانت تحصل الكنيسة على عُشْر ما تنتجه الأراضي من محاصيل وثمار.
(د) الهدايا والهبات: حيث كان يقدمها البعض إلى رجال الكنسية من باب التملق والرياء، والبعض الآخر يقدمها من باب الصدقة والإحسان.
(هـ) العمل المجاني (السخرة): حيث سخَّرت الكنيسة الكثير من الناس للعمل في أراضيها دون مقابل.
• الفساد السياسي: حيث وصلت سلطة البابا إلى الحد الذي جعل له دورًا في تتويج الملوك والأباطرة أو خلعهم إن خالفوه أو نازعوه في الأمر.
• الخلاف بين رجال الكنيسة والعلم: في فترة الحروب الصليبية حينما اختلط الصليبيون بالمسلمين، انبهر الصليبيون بالتقدم العلمي الذي كانت تشهده بلاد المسلمين في كافة العلوم والفنون وقتئذ. وعلموا أن الكنيسة تمارس عليهم الكذب والدجل، على إثر ذلك احتدم الصراع بين رجال الكنيسة والعلماء، فقامت الأولى بتنظيم محاكم تفتيش؛ لملاحقة كل من خالفها، فضلًا عن قتل علماء جاءوا بنظريات وقوانين تدحض الدعاوى الكنيسة.
دور اليهود في الدعوة إلى العلمانية:
ما من مظهر من مظاهر الفساد في العالم إلا ولليهود يد فيه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. تجلى دور اليهود في الدعوة إلى العلمانية من خلال دورهم الخبيث في تأجيج نيران الثورة الفرنسية. فالذي رفع شعار الثورة الفرنسية: (الحرية.. المساواة.. الإخاء) جماعة من حاخامات يهود، وقد ذكروا ذلك في بروتوكولات حكماء صهيون. “كنا قديمًا أول من صاح في الناس الحرية، والمساواة، والإخاء”. جاء في موضع آخر: “إن صيحتنا الحرية، والمساواة، والإخاء قد جلبت إلى صفوفنا فرقًا كاملة… عن طريق وكلائنا المغفلين، وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة، بينما كانت هذه الكلمات تلتهم سعادة المسيحيين، وتحطم سلامهم واستقرارهم ووحدنهم، مدمرة بذلك أسس الدول”.
وقد قامت الثورة الفرنسية بحل الجمعيات الدينية، وسرحت الرهبان والراهبات، وصادرت أموال الكنيسة، وألغت كل امتيازاتها، وحوربت العقائد الدينية. وقد سرت مبادئ الثورة الفرنسية على كل بلاد الغرب.
عوامل انتشار العلمانية في المجتمع الإسلامي:
تنوعت عوامل انتشار العلمانية في المجتمع الإسلامي، ويمكن حصرها في العوامل الآتية:
(1) انحراف المسلمين عن أسس ومبادئ الشريعة الإسلامية الصحيحة.
(2) استعمار غالية الدول الإسلامية من قبل الدول الإمبريالية؛ لتحقيق أطماعها التبشيرية من جهة، والسيطرة على ثرواتها من جهة اخرى.
(3) ممارسة الغزو الفكري والثقافي؛ لسلخ المسلمين عن ثقافتهم ودينهم.
(4) المستشـرقون هم أداة التبشير في المجتمعات الإسلامية، لاسيما المجتمعات الفقيرة والمهمشة.
(5) البعثات العلمية إلى الخارج، حيث يعود المبتعثين وقد تشربوا الفكر الغربي، ثم يقوموا بنشره في المجتمع الإسلامي، دون إدراك حقيقي لاختلاف الظروف التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، والتعلمية، والدينية بين المجتمعين.
(6) المنصّرون.
(7) الأقليات غير المسلمة داخل المجتمعات الإسلامية.
(8) تقدم الغرب في العلم المادي.
من أشهر دعاة العلمانية في الوطن الإسلامي والعربي:
• أحمد لطفي السيد.
• قاسم أمين.
• طه حسين.
• ميشيل عفلق.
• مصطفى كمال أتاتورك.
• الرئيس المصري السابق أنور السادات صاحب شعار: “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”.
آثار العلمانية على الوطن الإسلامي والعربي:
قد نجح العلمانيون إلى حد كبير في تحقيق أهدافهم في نشر العلمانية وثقافة العلمنة في المجتمع المسلم، ويمكن رصد ذلك من خلال النواحي الآتية:
1- رفض التحاكم إلى أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مجالات الحياة.
2- جعل التعليم أداة لنشر الفكر العلماني من خلال بث أفكار علمانية في ثنايا المواد الدراسية، وتقليص الوقت المتاح لتدريس المقررات الدينية في المدارس، حيث يكون تدريسها في آخر اليوم الدراسي، حيث يكون كلًا من المدرس والطالب منهك، ولا يعطى الدرس حقه، ومنع تدريس نصوص قرآنية ونبوية محددة كالتي توضح عداوة اليهود والنصارى للمسلمين، والولاء والبراء من المشركين، أو آيات الجهاد، أو آيات الحجاب… إلخ.
3- إذابة الفوارق بين المسلمين وأهل التحريف والتبديل والإلحاد. من خلال الكذبة الكبرى التي تقف وراءها الماسونية العالمية (حوار الأديان).
4- نشر الإباحية والرذيلة والفوضى الأخلاقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والإلكترونية).
5- الدعوة إلى القومية أو الوطنية، تحت شعار (الجنس، اللغة، التاريخ، المكان، المصالح، العيش المشترك)، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل الاجتماع. اقرأ كتابات القوميين العرب في هذا المجال.
6- الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب، وأخذ حضارته على علاتها دون وعي أو تمييز.
7- الزعم بأن الشريعة الإسلامية لا تتوافق مع الحضارة الغربية الحديثة.
خلاصة القول:
العلمانية مصطلح غربي بحت؛ نتيجة معايشة المجتمع الغربي ظروف القهر والظلم والاستبداد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني من جانب الكنيسة الكثاوليكية، والجهل الذي طغى على كل مظاهر الحياة الأوربية في العصور الوسطى. في ظل تلك الظروف المقيتة والسوداوية فإن للعلمانية ما يبررها ويدعو إلى وجودها في المجتمع الغربي؛ للتخلص من هذا الظلم والجهل والفقر. إلا أنه ليس للعلمانية ما يبررها أو يسمح للدعوة لها والتبشير بها والتنظير إليها في بلاد المسلمين؛ لأنه لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي أن تعارضت الشريعة الإسلامية مع العلم أو أي شأن من شؤون الحياة في المجتمع الإسلامي هذا من جهة، من جهة ثانية يجب التأكيد على أن العلمانية تتعارض جملة وتفصيلًا مع جوهر ومضمون الإسلام ، لذلك لا مجال لمحاولات التضليل الفكري التي يحاول أن يقوم بها ويمررها بعض الكتّاب العرب والمسلمين للبحث عن مدخل للمقارنة بين الإسلام والعلمانية، أو المقارنة بين الإسلام والنظريات الوضعية، كقولهم (الاشتراكية الإسلامية)، و(الرأسمالية الإسلامية).