دراسات سياسية

أبعاد اتهام رئيس جزر القمر السابق بالخيانة العظمى

صدر حكم قضائي نهائي على أحمد عبد الله سامبي رئيس جزر القمر السابق، في 28 نوفمبر 2022 من قبل محكمة أمن الدولة بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة العظمى فيما يتعلق بقضية برنامج المواطنة الاقتصادية، بتهمة الفساد والرشوة وغسل الأموال واختلاس الأموال العامة، بالإضافة إلى تجريده من حقوقه السياسية والمدنية، بمعنى حرمانه من حقه في التصويت وتقلد مناصب عامة، إلى جانب مصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الخزينة العامة. وقد بدأت محاكمة سامبي وعدد من المتهمين في 21 نوفمبر 2022، قبل أن يقاطع الرئيس السابق المحاكمة بحجة أن المحكمة غير عادلة وتفقد الشرعية، وهو ما قد يعكس حرص النظام الحاكم على إخلاء الساحة السياسية من أي منافس محتمل للرئيس الحالي، وربما يفضي ذلك إلى تصاعد حالة الاستقطاب السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة.

أبعاد الاتهام   

انطوى الاتهام الموجه لرئيس جزر القمر السابق على عدد من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- إثارة قضية برنامج المواطنة الاقتصادية: فقد أصدر سامبي قانوناً في عام 2008 يتيح بيع جوازات السفر بسعر مرتفع للساعين للحصول على جنسية جزر القمر؛ وذلك بهدف توريد الأموال لخزينة الدولة. وفي يونيو 2018 خلص تحقيق لوكالة رويترز إلى أن بعض الجوازات قد اشتراها إيرانيون بهدف الالتفاف على العقوبات الدولية ضد إيران في عدد من القطاعات المهمة. وقد أجرى البرلمان في جزر القمر تحقيقاً صدر في عام 2018 توصل إلى بيع الآلاف من جوازات السفر القمرية خارج القنوات الرسمية من خلال بعض شبكات المافيا مقابل الحصول على عائد لا يقل عن 100 مليون دولار لم يُستدل على دخوله خزينة الدولة القمرية.

2- الاستيلاء على العائدات المالية من برنامج المواطنة الاقتصادية: وُجه اتهام للرئيس السابق سامبي باختلاس أموال برنامج المواطنة الاقتصادية وتكوين ثروة بطريقة غير شرعية. وقد قُدرت الخسائر التي لحقت بالحكومة القمرية نتيجة عمليات السرقة لعائدات البرنامج أكثر من 1.8 مليار يورو، وفقاً للمدعي العام القمري.

إذ تشير تقارير إلى أن الاتفاق الأولي بين نظام سامبي وبعض الحكومات كان يشير إلى حصول نحو 4000 عائلة على الجنسية القمرية في مقابل ضخ نحو 200 مليون دولار من الاستثمارات الأجنبية في جزر القمر. وقد تم إصدار ما يقرب من 48 ألف جواز سفر من جزر القمر وفقاً لتقرير برلماني صدر في أبريل 2018، بينما لم تصل العائدات التي بلغت قيمتها 971 مليون دولار إلى الخزينة العامة للدولة.

3- ملاحقة المتورطين في القضية: تم فتح تحقيق أولي بعد انتهاء التحقيق البرلماني بملاحقة 15 شخصاً قانونياً وإجراء تحقيق استمر لمدة أربع سنوات؛ وذلك قبل أن يتم تبرئة 3 أفراد لعدم إثبات التهم الموجهة إليهم، بينما تمت إحالة الآخرين إلى محكمة أمن الدولة التي صنفتهم إلى ثلاث فئات.

تضم الفئة الأولى محمد بكر دوساري مدير مكتب رئيس الجمهورية السابق، ونور الدين برهان الأمين العام للحكومة السابق، وعبد الله سيد صالح المستشار السابق المكلف للعالم العربي لدى نائب الرئيس محمد علي صالح، في ظل حكم إكليل ظنين. وقضت المحكمة بمعاقبتهم بالسجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ.

بينما تكونت الفئة الثانية من خمسة متهمين بزعامة رجل أعمال سوري الأصل فرنسي الجنسية يدعى بشار كيوان وشركائه وهم محمد جارودي وعلي كازما ومجد سليمان ومحمد سيد عبد القادر الكاظمين، وطالب مفوض الحكومة بسجن هؤلاء لمدة 10 سنوات مع تغريمهم مالياً غرامة قدرها 10 ملايين فرنك قمري، كما تمت مصادرة الأصول غير المشروعة لهم.

فيما ضمت الفئة الثالثة أحمد عبد الله سامبي، وزبير أحمد سفيان، والنائب السابق في البرلمان إبراهيم حومادي. وقد طالب مفوض الحكومة المحكمة بسجنهم لمدة 9 سنوات، كما طالب بتوقيع السجن المؤبد لكل من الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي، ونائب الرئيس محمد علي صالح.

4- إعادة تصنيف التهمة الموجهة لسامبي لتصبح الخيانة العظمى: يقبع سامبي في الحبس الاحتياطي منذ أكثر من 4 سنوات، وهي فترة تتجاوز المدة القانونية التي تبلغ ثمانية أشهر وفقاً لقوانين الدولة؛ وذلك بتهمة الفساد، قبل أن يعاد تصنيفها باعتبارها خيانة عظمى في سبتمبر 2022. وإن كانت هذه الجريمة غير موجودة في قانون الدولة، أشار البعض إلى أن ذلك يتطلب تحديد مفهوم قانوني جديد لها من قبل المحكمة المختصة؛ إذ صرح المدعي العام في جزر القمر علي محمد جنيد، بأن الرئيس السابق قد خان المهمة التي كلفه بها شعب جزر القمر؛ وبذلك يصبح الرئيس سامبي أول رئيس في البلاد يمثل أمام المحاكم الوطنية في تهم محددة. وهو ما اعتبره البعض انتقاماً من الرئيس سامبي وسط شكوك من رغبة النظام الحاكم الحالي في بقاء سامبي داخل السجون، ربما خوفاً من حشد المعارضة السياسية خلفه ضد نظام “غزالي عثماني” الحاكم خلال الفترة المقبلة.

5- الصدام بين النظام الحاكم والرئيس السابق سامبي: يرى البعض أن سامبي يعد المعارض الرئيسي للرئيس الحالي غزالي عثماني، وأن عملية اعتقاله التي تمت في عام 2018 كانت بسبب معارضته إصلاحات وتعديلات دستورية في البلاد أُجريت بالفعل في العام نفسه لكي تمكن الرئيس عثماني من الاستمرار في الحكم حتى عام 2029، خاصة أنها تسمح له بالترشح لفترتين رئاسيتين لمدة خمس سنوات للفترة الواحدة، فضلًا عن معارضة سامبي قرار الرئيس غزالي عثماني حل المحكمة الدستورية وانتهاك حقوق الإنسان والمعارضة السياسية.

لذلك رفض سامبي حضور جلسات المحاكمة بحجة عدم وجود ضمانات بشأن محاكمته بشكل عادل، كما شكك في تشكيل المحكمة ووصفها بأنها غير قانونية، وأنها تخدم السلطة الحاكمة، وأكد رفضه محاكمته في هذه المحكمة الخاصة، لا سيما أن هناك تصريحات قد نُسبت إلى رجل الأعمال بشار كيوان، الذي ادعى أن حكومة جزر القمر قد اتصلت به للإدلاء بشهادة زور ضد سامبي، وهو ما قد يعكس إصرار النظام الحاكم في البلاد على تفريغ الساحة السياسية من أي منافسة سياسية للرئيس الحالي خلال الانتخابات المقبلة.

وفي سياق ذي صلة، يصف محامو الرئيس السابق سامبي هذه التهم بالكاذبة؛ فقد ادعى محامي سامبي الفرنسي جان جيل حليمي أنه لم يتم العثور على أي أثر للأموال ولم يتم اكتشاف أي حساب خاص بالرئيس سامبي، بينما تصف عائلة سامبي أن هذه العقوبة تعتبر مسرحية قانونية قادها بعض أعضاء الحكومة الحالية للتخلص من أكبر معارض سياسي للنظام الحالي.

6- الترويج لضغط النظام الحاكم على المعارضة: يفترض البعض أن محاكمة الرئيس السابق سامبي قد تكون بمنزلة رسالة شديدة اللهجة من النظام القمري الحاكم إلى صفوف المعارضة السياسية من أجل تحجيم تحركاتها في البلاد خلال الفترة المقبلة، بما يضمن للنظام الحاكم احتواء زعماء المعارضة لفرض حالة من الاستقرار، ولو شكلياً، على الساحة السياسية في جزر القمر خلال المرحلة القادمة.

تداعيات محتملة

تحمل هذه الخطوة عدداً من التداعيات المحتملة على الصعيدين المحلي والدولي، يأتي أبرزها فيما يلي:

1- تصاعد حالة الاستقطاب السياسي في البلاد: لا سيما أن البلاد تعاني خلال السنوات الأخيرة من تراكمات سياسية ذات طابع إقصائي من جانب الأنظمة الحاكمة التي سرعان ما تقوم بإقصاء الآخر للاستئثار بالسلطة، وهو ما قد يدفع المعارضة السياسية إلى التحالف ضد السلطة، خاصة أنه لا توجد رؤية واضحة لدى النظام الحاكم بشأن مستقبل البلاد ومستقبل التنمية والديمقراطية هناك، فضلًا عن ملاحقة المعارضة وفرض العديد من القيود على تحركاتها.

2- تعطيل الحوار الوطني في البلاد: وهو الحوار الذي أطلقه الرئيس غزالي عثماني في فبراير 2022 من أجل بناء توافق وطني حول الإصلاحات السياسية منذ مراجعة الدستور في عام 2018؛ الأمر الذي قد يدفع الأطراف السياسية إلى مقاطعته في سبيل الضغط على النظام الحاكم من أجل فك الحصار عن المعارضة السياسية وربما إعادة النظر في محاكمة الرئيس السابق سامبي.

3- تهديدات بتدويل قضية “سامبي”: أشار محامو سامبي إلى احتمالية نقل القضية إلى الساحة الدولية للبحث عن العدالة لسامبي، وأوضحوا أنه ليس هناك خيار آخر سوى محاولة لفت الانتباه الدولي إلى هذه القضية مع هيئات الأمم المتحدة في جنيف، وربما أيضاً يتم اللجوء إلى نظام العدالة الفرنسي.

4- ممارسة المزيد من الضغوط الدولية: ربما تتدخل بعض القوى الدولية، مثل فرنسا، من أجل الضغط على النظام الحاكم من أجل المزيد من الديمقراطية ومراعاة ملف حقوق الإنسان، والمطالبة بإعادة محاكمة الرئيس السابق سامبي أمام القضاء القمري وفق درجات التقاضي دون اللجوء لأي محاكمة خاصة، وهو ما يهدد بتزايد التوتر بين نظام جزر القمر وباريس.

5- دعم إيراني محتمل للرئيس السابق سامبي: قد تضغط إيران بعدة وسائل على النظام الحاكم في جزر القمر من أجل إعادة النظر في محاكمة الرئيس السابق سامبي المعروف بقربه من طهران خلال سنوات حكمه، وقبل ذلك خلال فترة شبابه ودراسته، خاصة أنه يطلق عليه آية الله أحمد عبد الله سامبي. وهو ما قد يدفع بعض الأطراف الإقليمية الأخرى للتدخل من أجل تحجيم التحركات الإيرانية في جزر القمر والمنطقة بشكل عام.

وإجمالًا، قد يكون الحكم بالسجن مدى الحياة على الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي سلاحاً ذا حدين بالنسبة للنظام الحاكم في جزر القمر؛ فمن ناحية، قد يستغلها النظام في الترويج لنفسه على الصعيد الداخلي بأنه يحارب الفساد ويسترد الأموال المنهوبة خلال العهود السابقة، أملاً في تحسين صورته في الداخل، التي ربما تنعكس بالإيجاب خارجياً فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية. ومن ناحية أخرى، قد يتعرض النظام الحاكم لحملة انتقادات وضغوط إقليمية ودولية بشأن حقوق الإنسان والتضييق على المعارضة السياسية؛ ما قد يدفعه إلى اتخاذ بعض القرارات لتخفيف حدة تلك الضغوط.

بقلم أحمد عسكر –  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى