دراسات سياسية

أخطاء أردوغانية محتملة في بغداد: الإرباك في ترتيب الأولويات الإستراتيجية

عامر مصباح
جامعة الجزائر 3
خلال جولته الشرق أوسطية هذا الأسبوع، صّرح وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من بغداد بأن الولايات المتحدة تدعم وحدة وسلامة الأراضي العراقية، وتبقى أولوياتنا الإستراتيجية مركزة على هزيمة داعش في المنطقة، كرر نفس الموقف في أنقرة للمسئولين الأتراك؛ وهي التصريحات الإعلامية المألوفة التي تحمل حجما كبيرا من التضليل الإستراتيجي.
السؤال المهم الذي يجب أن تطرحه القيادة العراقية: ماذا تعني –في ذهن المسئول الأمريكي- جغرافيا العراق وأين تنتهي حدود الدولة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي؟ يشتق هذا التساؤل أهميته التحليلية من الحقائق الإستراتيجية والبيانات العسكرية الفعلية على الأرض، والمحددة أساسا في برامج التسليح العسكري والتدريب القتالي الأمريكي للبيشمركة وقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى قدرات الدعم القتالي في شمال سوريا والاستشارات العسكرية.
من الناحية العملياتية، يعمل تدفق الأسلحة ودعم القدرات القتالية والاستشارات العسكرية باتجاه إحداث ما يصطلح عليه عادة “بالفرق الإستراتيجيStrategic Different “، والذي يعني تغيير المعادلة الإستراتيجية وخلق حقائق ووضع إستراتيجي موضوعي جديد؛ الذي بالنهاية سوف يخلق بيئة إستراتيجية جديدة تمثل الأمر الواقع والمفروض على أطراف الصراع.
المفارقة الإستراتيجية المثيرة للاهتمام أن إحداث الفرق الإستراتيجي وتغيير الحقائق الإستراتيجية على الأرض، يجري بعيدا عن مضمون الخطاب السياسي، الوعود، التعهدات، ومستلزمات علاقات التعاون أو التحالف في المنطقة. لقد تعاون أردوغان مع إدارة أوباما حول إدارة الأزمة الأمنية في سوريا ومشاكل المنطقة بشكل عام ما بين عامي 2011-13؛ لكن الأخير انقلب عن تعهداته لأنقرة من الناحية الفعلية بأن قام بتسليح وتدريب الأكراد في شمال سوريا وبناء قاعدة للقوات الخاصة الأمريكية في الحسكة شمال سوريا، وهي الأفعال الأمريكية التي عززت الميول الانفصالية للأكراد بواسطة استغلال التحالف مع أمريكا من أجل الحرب ضد داعش؛ مع استمرار المسئولين الأمريكيين (وزير الخارجية والدفاع) إطلاق تصريحات من واشنطن وأنقرة حول دعمهم لأمن تركيا. المخرجة الإستراتيجية لسلوك إدارة أوباما هي الدعم الخفي لمحاولة التخلص من أردوغان (الكثير من قادة الانقلاب كانوا في قاعدة أنجرليك التي هي الخط المتقدم للقوات الأمريكية في الحرب ضد داعش في سوريا)؛ والمخرجة الثانية تشكيل طابور خامس في شمال سوريا مجهز عسكريا ومدربا قتاليا يهدد الوحدة الترابية لكل من سوريا وتركيا.
نفس التصريحات أطلقها قبل أمس وزير الدفاع الأمريكي من بغداد بأن أمريكا ملتزمة بوحدة وسلامة أراضي العراقية، لكن بعيدا عن التصريحات الإعلامية، تجري عمليات نشطة لتسليح وتدريب وتجهيز قوات البيشمركة وتدفق المساعدات العسكرية بشكل منتظم. لا أدري هل القيادة العراقية واعية بسلّم ترتيب الأولويات الإستراتيجية أم لا، لكن من خلال تصريحات حيدر العبادي عقب لقائه وزير خارجية تركيا في بغداد امس، كان مركزا على مشكلة ثانوية (مطالبة تركيا بسحب قواتها من بعشيقة) وليس التركيز على أولوية معالجة مشكلة تفكك الدولة العراقية. يقضي الافتراض الإستراتيجي هنا أن الوثوق في التصريحات الأمريكية سوف لا يؤدي فقط إلى فقدان شمال العراق، وإنما سوف تمتد النزعة الانفصالية إلى المحافظات الغربية؛ وبالتالي يكون العبادي قد كرّر أخطاء أردوغان.
إنه مجرد احتمال وقوع أخطاء أردوغانية في بغداد.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى