دراسات سياسية

أصل وماهية نظرية الدور الإقليمي

نشأت نظرية الدور وتطورت في إطار علم الاجتماع الغربي وقد كان الاهتمام بموقع الفرد وتأثيره في السياسة العالمية والسياسة الداخلية ووازع تنمية وتطوير الأنساق السياسية هو الدافع الرئيسي لعلماء السياسة المعاصرين لوضع بنية نظرية لمفهوم الدور في إطار علم السياسة . وتمثلت محاولات استخدام نظرية الدور في علم السياسة المعاصر من خلال مستويين من التحليل : المستوى الأول : يتم فيه بحث الأدوار السياسية في إطار الأنساق السياسية من الداخل كل على حدة وبحث هيكل الأدوار وتوزيعاتها وتفاعلاتها بين الأنساق الفرعية أو الأبنية التي تشكل النسق السياسي ككل

أصل وماهية نظرية الدور الإقليمي
1- الــــدور :

يعرف الدور بأنه أحد مكونات السياسة الخارجية، وهو ينصرف الى الوظيفة او الوظائف الرئيسية التى تقوم بها الدولة فى الخارج عبر فترة زمنية طويلة، وذلك فى سعيها لتحقيق اهداف سياستها الخارجية. كذلك يعرف بأنه مفهوم صانعى السياسة الخارجية لماهية القرارات والالتزامات والقواعد والافعال المناسبة لدولتهم، والوظائف التى يجب عليهم القيام بها فى عدد من الأطر الجغرافية الموضوعية. ومن هذا المنطلق لا ينشأ الدور الاقليمى الا عندما تسعى الدولة الى القيام به وصياغته صياغة واعية .
ويقسم كلاً من : الدكتور على الدين هلال والدكتور بهجت قرنى الدور الى فرعين: أحدهما مرتبط بالتوجه أو التصور العام المُعبر عن المعتقدات والتصورات المجتمعية، والأغلب الأعم ان تكون مسبقة، مساهِمة فيها بعمق عمليات سياسية واقتصادية واجتماعية ودولية ونفسية معقدة ومتعددة المستويات، وثانيهما متصل بالسلوك المحدد بشأن قضايا بعينها فى إطار زمنى مقيد.
وبعبارة أخرى، يقسم الدور إلى، أولا، مفهوم الدور، ثانيا، أداء الدور، اى أن كل صانع قرار فى السياسة الخارجية لديه مفهوم للدور وأسلوب لأدائه.
ويعتبر هذا المفهوم أن السياسة الخارجية هى نظام مفتوح يعبر عن تطور مجتمعى فى لحظة تاريخية محددة، آخذا فى الاعتباره دروس الماضى وتصورات المستقبل، وان مفهوم الدور هو مفهوم وظيفى بامتياز سواء فى تصوره عند صانع القرار او فى تطبيقه او تنفيذه، وأن النظام الدولى يتغير فى اطار الاستمرار فى معالم القوة الدولية المعروفة، لهذا يعتقد هؤلاء أن صانع القرار يحتاج الى نفاذ رؤية لادراك الفرص الدولية، بينما يرى الدكتور جهاد عودة ان صانع القرار يحتاج الى معرفة ذات طبيعة مختلفة لتخليق هذه الفرص الدولية
2- خصائص الـدور :
كأحد مكونات السياسة الخارجية للدولة فان للدور أربع خصائص أساسية هى : –
أ) انه يتجاوز حدود التصور ليرتبط بالممارسة، اى ان مجرد تقديم تصور له لا يعنى بالضرورة تحققه، فأداء او تنفيذ الدور يرتبط بتخصيص الموارد المطلوبة لذلك .
ب) انه يتضمن تصورات صانع السياسة الخارجية للأدوار التى يؤديها أعداؤه، بمعنى ان دور الدولة لابد ان يأخذ فى اعتباره تصوره لأدوار الدولة أو الدول المعادية وأسلوب التعامل معها .
ج) ان أدوار الدولة تتعدد فى نفس الوقت، وهذا يعنى ان الدولة الواحدة ممكن ان تقوم بأدوار متعددة كدور مصر الاستقلالى خلال الستينيات، ودورها فى نفس الوقت فى تحقيق التكامل العربى .
د) من الممكن ان يتباين او يختلف دور الدولة الواحدة فى المستويات المختلفة(اقليميا ودوليا)، وهذا يتضح فى قيام الولايات المتحدة بمهام رجل شرطة العالم ، بينما اقليميا تلعب دوراً تكامليا فى امريكا الشمالية .
3- أهـداف الـدور
تتعدد أهداف الدور الخارجى للدولة، كما يلى : –
أ) قد يهدف الى تغيير الأوضاع الراهنة بشكل جذرى, ومن ثم يتضمن دورا تدخليا نشيطا فى الشئون الدولية مثل دور الدولة (قاعدة الثورة) وتصورها لمسئوليتها فى قيادة الحركات الثورية فى الخارج وامدادها بأشكال المعونة المتنوعة .
ب) قد يستهدف(تقديم نموذج) كأن تقوم الدولة ببناء نموذج تنموى داخلى يمكن ان يشكل نقطة جذب للقوى الدولية الأخرى .
ج) ممكن ان يسعى إلى تكريس استخدام القوة فى العلاقات الدولية .
د) قد يقتصر على مجرد الدفاع الاقليمى عن مجموعة من الدول فى مواجهة العدوان الخارجى .

هـ) قد يتخذ أهدافا ايديولوجية يدافع عنها ضد أهداف ايديولوجية أخرى منافسة أو معادية
يتضح من العرض السابق ان الخلاف حول مفهوم الدور مازال قائماً، لكنه فى واقع الأمر خلاف نظرى يمكن التعايش معه، إلا أن الأساس حول هذه النقطة أن الدور ليس حملة علاقات عامة أو إشعاع فى الفضاء، وإنما قدرة على التأثير بما يخلق مناخ إقليمى عام يدعم مصالح الدولة صاحبة الدور فى المنطقة خاصة فيما يتعلق بالتنمية والاستقرار والمكانة، أو تقليصه إلى أقصى حد من التهديدات الموجهة لهذه المصالح.
وتنسحب أهمية الدور – غالباً – على المصالح الأخرى بشكل يفيد الأمن والتنمية والاستقرار، وأحياناً يستخدم كأداة للمساومة مع القوة الخارجية والقوة الإقليمية لتحقيق مصالح محددة، وطالما ما يقود إلى مخاطر خارجية جمة وسلوكيات مرتبكة.
وفى ظل المتغيرات الإقليمية والمحلية الحادة التى شملت كل المجالات وثورة المعلومات والاتصالات الهائلة فإننا أمام عالم جديد تحكم علاقاته أسس وقواعد جديدة تحتاج إلى تصويب الكثير من المفاهيم التى كانت سائدة، ولازال بعضها سائداً، بما يساهم فى تطوير السياسات والاستراتيجيات للتعامل مع هذه المعطيات الجديدة وضعاً فى الاعتبار ما يلى :
أ) أن الحديث عن الأدوار الإقليمية للدول ليست حديثاً مطلقاً أو جامداً وإنما عملية تتسم بالمرونة، فالدور الإقليمى لبلد ما هو محصلة تفاعل عوامل خاصة بهذه الدولة مع الإطارين الإقليمى والدولى.
ب) عند الحديث عن أدوار الدول فإننا نتحدث عن مكونات أو مرتكزات ذاتية وأسس داخلية توظف إطاراً إقليميا ودولياً بشكل معين على النحو الذى يعظم من دور الدولة على المستويين الإقليمى والدولى، وتنقسم المكونات الوطنية التى تسمى (القدرات الشاملة للدولة) إلى مكونات موروثة أو شبه ثابتة، وأخرى تتسم بالمرونة والتغير، وفيما يخص المجموعة الأولى فتشمل: الموقع والمساحة والسكان والموارد الطبيعية، أما المجموعة الثانية فتشمل: القدرات الإقتصادية والعسكرية والمهارات البشرية والمستوى التكنولوجى ومعدلات النمو الإقتصادى والتطور الديمقراطى والاستقرار الداخلى والاندماج والاستقرار الوطنى.

نظرية الدور الاقليمى وفلسفة المجال الحيوى
1– ماهية النظام الاقليمى

يمثل النظام الاقليمى وحدة متوسطة بين الدولة القومية والنظام العالمى، ولهذا يعرف بأنه (نمطا منتظما من التفاعلات بين وحدات سياسية مستقلة داخل اقليم جغرافى معين). كما يوصف بأنه (اطار تفاعلى مميز بين مجموعة من الدول يفترض بأنه يتسم بنمطية وكثافة التفاعلات بما يجعل التغير فى جزء منه يؤثر على بقية الاجزاء، وبما يؤدى أو يحمل ضمنا إعترافا داخليا وخارجيا بهذا النظام كنمط مميز).
والتمييز بين النظم الاقليمية يستند الى اتجاهات ومدارس متعددة، من بينها من يذهب الى التمييز بين اتجاهات ثلاثة فى هذه النظم هى : –
الأول: اتجاه التقارب، ويقصد به التقارب الجغرافى .
والثانى: اتجاه التماثل أو التجانس، وهو يركز على أبعاد التماثل الثقافى والاجتماعى والاقتصادى .
أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه التفاعلى، الذى ينتقد الاتجاهين السابقين لعدم اشتراطهما ان تكون الدول المتجاورة على علاقات وثيقة فيما بينها، ومن ثم يصبح العامل الحيوى فى اى نظام اقليمى هو: مدى وجود تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية بين الدول وبعضها البعض.
وبصرف النظر عما تظهره هذه الاتجاهات من تنوع ، فان من بين المعايير المتفق علي توافرها فى تعريف النظم الاقليمية ما يلى : –
أ) وجود اكثر من ثلاث دول (او دولتين على الاقل عند البعض) تشارك فى عضوية النظام.
ب) وجود شبكة معقدة ومتداخلة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الخاصة بالنظام .
ج) وجود منطقة جغرافية معيتة كمحدد لهوية النظام ، اى توافر تقارب جغرافى ملحوظ بين وحدات النظام.
د) وجود درجة ملحوظة من التجانس الاجتماعى والاقتصادى والثقافى.

2- جذور نظرية الدور الاقليمى:
يرجع أصل وجذور نظرية الدور الاقليمى الى فلسفة السياسة النازية التى ترى ان لكل دولة مركزية (مجالا حيويا) تلعب فيه دورا بحكم تاريخها وجغرافيتها، وأن لهذه الدولة ان تسيطر عليه بالغزو المسلح للأقاليم إن لم يكن بممارسة النفوذ السياسى، وذلك حسب الفكر الألماني الذى أقر بعضوية الدولة وضرورة زحزحة حدودها لتشمل أراضي تتناسب مع متطلباتها الجغرافية.
وجاء ذلك في ظل تنامي أفكار القومية الشيفونية الممزوجة بأغراض التوسع العسكري للحزب النازي، ولم يتوان هتلر فى تلقف هذه الافكار لتكريس مفهوم المجال الحيوي لألمانيا، أي مساحتها الجغرافية اللائقة بها وبالجنس الآري، ولتمثل أبرز مقومات القومية الاشتراكية (النازية) التي تبناها.
وتبدو خطورة هذه النظرية في أن تعريف المجال الحيوي لقوة عظمي محددة يعتمد علي إدراك النخبة السياسية الحاكمة لحدود هذا المجال‏,‏ وقد تؤدي الأطماع الاستعمارية إلي توسيع هذا المجال من خلال غزو أقطار مجاورة‏,‏ وضمها إلي أراضي القوة العظمي.‏
وعلى الجانب الآخر ظهر على المسرح الجغرافي – مع خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية- مفهوم جديد للمجال الحيوى وهو “الحدود الشفافة”، التي يقصد بها الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية دون حدود خرائطية للدولة. أو ما يسميه تايلور- أشهر باحثي الجغرافيا السياسية في العقدين الأخيرين- بـ”جغرافية السيطرة من دون إمبراطورية”. وهذا المفهوم يسمح بأن يصبح العالم كله “المجال الحيوي” للولايات المتحدة، بعدما عاشت الأخيرة حتى الحرب العالمية الثانية في عزلة اختارتها لنفسها.
وأهم سمة في هذا المجال الحيوي هو “اللامواجهة”؛ استناداً إلى مزايا الحرب الإلكترونية، وتوظيف الخصوم المتناحرين في إدارة الحرب بالإنابة، أو التدخل في لحظة محددة باعتباره تدخلاً إنسانيا لصالح العدل والحرية، وفي نفس الوقت تدفع الولايات المتحدة في هذا المجال الحيوي – دون حاجة لتوسيع الحدود- بمبيعات أسلحتها وتحصل شركاتها على أفضل فرص “إعادة الإعمار” وحقوق التنقيب عن الثروات ويشهد علي ذلك أن الولايات المتحدة قسمت العالم إلي مناطق عسكرية لكل منها قيادة محددة‏ تعمل تحت إمرتها أساطيل وطائرات وقوات عسكرية‏.‏
وقد أرادت الولايات المتحدة أن تنتهز فرصة الضعف التي تمر بها روسيا فمدت مجالها الحيوي إلي حدودها من خلال استقطاب دول أوروبا الاشتراكية السابقة لتصبح تابعة لها سياسيا بضمها إلي حلف الأطلنطي‏,‏ واقتصاديا من خلال مدها بالمساعدات‏,‏ غير أنه أخطر من ذلك كله إقامة شبكة متكاملة من الصواريخ بعيدة المدي تحاصر بها روسيا‏ إستراتيجياً,‏ بزعم أنها موجهة ضد إيران‏,‏ رغم الاعتراض الروسى بأنه ذلك يهدد أمنها القومي ‏.‏
وهناك من يرى أن المجال الحيوى يتضمن كافة مجالات الأنشطة الإستراتيجية التي تقوم بها دولة ما، على البر، وفي البحر، وتحت الماء، وفي الجو، وفي الفضاء. ويتم تحديد أبعاد “المجال الحيوي” لأي دولة من خلال قدراتها الاقتصادية، والعلمية، والتقنية، والاجتماعية، والعسكرية ـ أو “قوتها الإجمالية”. وطبقاً للمنظـِّرِين الصينيين فإن “المجال الحيوي” للقوى العظمى يمتد إلى ما هو أبعد من حدود الدولة

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى