دراسات افريقيةدراسات مغاربيةكتب

أطالس افريقيا:أطلس المغرب

تقديم الكتاب عرف المغرب، منذ بداية القرن العشرين، إنجاز خرائط تبرز تنوعه الطبوغرافي والطبيعي والبيئي، وتبرز معالم تطوره البشري والاقتصادي. لم توضع هذه الخرائط من أجل المعرفة العلمية فحسب، بل كانت قبل كل شئ بمثابة وثائق موجهة للاستعمال ضمن المشروع الاستعماري للسيطرة على البلاد والتحكم في سكانه. لذا بقي تداولها حكرا على دوائر جد مغلقة من الإدارة الكولونيالية المستفيد الوحيد منها، لاسيما في فترة لم يكن لانتشار اللغة الفرنسية أثر يذكر. وقد دام الأمر على هذا الوضع لغاية أواسط القرن العشرين عندما أنجز، بعد الاستقلال، أول أطلس للمغرب في لوحات منفردة، من طرف اللجنة الوطنية للجغرافيا. وقد وضعت فيما بعد أطالس أخرى ك «أطلس مشروع سبو» و«أطلس الموارد الطبيعية التي كانت لها توجهات تنموية، لكنها ساهمت علميا في التعريف بمجموعة من الظواهر المتعلقة بتعدد أوجه تطور المغرب، مبرزة تنوع مظاهره الطبيعية وتحولاته العمرانية والبشرية.

لقد ظلت هذه الأطالس هي أيضا محصورة التناول وذلك لقلة أعدادها ومحدودية توزيعها رغم غزارة المادة العلمية التي تختزنها مما يبين بوضوح المفارقة القائمة بين دينامية البحث العلمي في الميدان الجغرافي و قصور وسائل نشر إنتاجه على نطاق واسع. إلا أن العشريات الأخيرة عرفت إقبالا متزايدا على استعمال الخريطة مما أدى إلى شيوع تداولها خاصة في البحث الجغرافي على المستوى الأكاديمي. وقد أخذ هذا الاستعمال يتعزز ويشمل أنشطة أخرى ذات صبغة تنموية كالخرائط المعدة من طرف مصالح إعداد التراب الوطني والتي وزعت على أوسع نطاق. إن هذه الطفرة في حضور الخريطة على مستوى التداول العام لا ينفي ضعف استعمالها في التكوين الدراسي كأداة بيداغوجية تساعد التلاميذ والطلبة على اكتساب المعرفة وتعينهم على الإدراك السريع للبعد المجالي للظواهر الطبيعية والبشرية.
لذا جاء هذا الأطلس الجديد، الذي أخرج في حلة قشيبة، ليسد العجز الحاصل في نشر هذا النوع من وسائل التبليغ للمعرفة الجغرافية حول المغرب في مختلف تجلياتها. والملفت للانتباه في هذا العمل كونه تجاوز حدود التخصص ليعرض لنا لوحات معبرة حول تاريخ البلاد وثراء تراثها الطبيعي والثقافي ومدى تطورها الاقتصادي، عبر خرائط تبرز تعدد المناطق الرائدة في مجال التنمية الجهوية . لقد انفرد هذا الأطلس بعرض ما يصطلح عليه الآن بالجيوتاريخ أي الاهتمام بالتطور التاريخي لتفسير التحولات المجالية، فهو يبين بوضوح تكون التراب الوطني الذي تقلص منذ القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين، والذي استعاد، بعد تراجع امتداده تحت وطأة الاستعمار، بعض مقومات وحدته الترابية، خاصة بعد استرداد المناطق الجنوبية التي كانت خاضعة للنفوذ الإسباني. إلا أن هذا الاهتمام بالصيرورة التاريخية لتراب البلاد لم يحد من الاهتمام بمواضيع متعددة تخص تطور المجتمع في مظاهرة الديموغرافية والصحية والتعليمية لما لها من دور أساسي في تحديد مستقبل البلاد. يضاف إلى هذا اهتمامه بتطور البيئة وانعكاساته على الموارد المتوفرة في وضعية تتميز بتعاظم الدرة خاصة فيما يتعلق بالمياه. إن استعراض مجمل مشاكل البلاد في الشروح الرصينة التي ترافق الخرائط لا تسعى فقط إلى إبراز الجوانب القاتمة للحقائق القائمة، ولكن كذلك تود أن تبين الديناميات الواعدة خاصة فيما يتعلق بالتحولات الجهوية التي تبرز ظهور أقطاب للتنمية في مناطق كانت تعتبر «هامشية» وهي اليوم بصدد إعادة التكافؤ النسبي مع الدور المهيمن الذي تلعبه المنطقة الساحلية المتروبولية، بطاقاتها الاقتصادية ومدنها الضخمة وأهمية أنشطتها مقارنة مع باقي أرجاء التراب الوطني.
إن إنجاز هذا الأطلس هو ثمرة تعاون بين جغرافيين من جامعة محمد الخامس وباحثين من جامعة السوريون – باريزه، ومشاركة فعاليات أخرى في ميدان البحث. ويجدر هنا التنويه بإشراك طلبة سلك الدكتوراة بوحدات البحث والتكوين التابعة لشعبة الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. إن تضافر إرادة هذه المجموعة مع إرادة الناشر تمكننا اليوم من تناول وتداول هذا الإنجاز العلمي والتقني الذي استقى موارده من تراكمات البحث الجغرافي واستفاد من التحكم في الإخراج والطباعة. إذ لا تفوتني الإشادة بالعناية المتميزة التي حضي بها الجانب الفني حيث تم إخراج هذا العمل في حلة مشوقة تحفز على تصفحه بداية وتبنيه لتملكه في نهاية المطاف.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى