أفول وهج أردوغان ومسألة العمق الاستراتيجي

الدكتور عامر مصباح (جامعة الجزائر 3)

أحد أكثر إنجازات أردوغان بعد تخطيه بامتياز اختبار الانقلاب الفاشل، هو دفع الجماعات المسلحة السورية إلى التوصل إلى وقف الأعمال العدائية عبر البلاد، ووضع آليات مراقبة وقف إطلاق النار، ثم التحضير لمؤتمر جنيف 4؛ ولم يرضخ لضغوط دول الخليج ولا إدارة أوباما في الانخراط مع المنافسين الرئيسيين (روسيا وإيران) على المشهد الاستراتيجي السوري، في عمليات تنسيق أمني واسعة لتثبيت وقف إطلاق النار. ولا شك في أن ذلك إنجاز نوعي في السياسة الخارجية التركية.


في مقابل ذلك، لم تتخلص القيادة التركية من مظاهر التخبط، التقدم والنكوص، التضارب في المواقف، إلى درجة أصبحنا نشكك حتى في وجود رؤية استراتيجية متكاملة ومتماسكة للحكومة التركية في التعامل مع الملفات الأمنية في المنطقة، والتي لطالما تحدث عنها صناع القرار أمام وسائل الإعلام. أكثر الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الصدد، تصريحات أحد المسئولين الأتراك قبل يومين أن إيران تتسبب في خلق عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، التصريح الذي قوبل من قبل إيران بالاحتجاج الرسمي عن طريق استدعاء السفير التركي لديها.


المشكلة الأعمق من ذلك، أن تصريح المسئول التركي كان عشية استضافة طهران لمؤتمر المقاومة ضد اسرائيل من أجل نشر الوعي حول عدم نسيان قضية تسمى فلسطين المغصوبة من قبل العدو الاسرائيلي. يحمل التصريح التركي معنى تقويض الجهد الإيراني في مناهضة الاحتلال الاسرائيلي بعيدا عن الميول المذهبية أو الاثنية؛ في الوقت الذي يشيد فيه نتنياهو بعلاقته الجيدة مع العرب.


من الخطأ الجسيم أن ترتكب السياسة الخارجية التركية أخطاءً تقوض التحالف الثلاثي لتطويق الأزمة الأمنية في سوريا واحتواء الآثار المأساوية للحرب ضد داعش؛ خاصة وان أصدقاء تركيا (بتحفظ) تمنوا نجاج الانقلاب ضد أردغان، إن لم نقل أنهم دبروه كعقاب على فتح بوابات المهاجرين على أوربا في 2015.


الآثار المأساوية العميقة لمثل هذه التنقاضات محددة في تآكل ثقة القوى الإقليمية والدولية في النظام السياسي القائم في أنقرة، طالما أن الحكومة تتفق وتنسق مع غيرها وفي نفس الوقت توجه لهم طعنات في الظهر. وحتى إذا افترضنا أن أردوغان يبحث عن ترميم علاقاته مع الإدارة الجديدة في واشنطن تمهيد للقاء المرتقب بين أردوغان وترامب قبل قمة الناتو في مايو القادم، وأن ذلك يتطلب تبني السياسات التي ترضي الولايات المتحدة، فإن عوائد هذه السياسة محتملة ومتهلهلة بحيث لا يمكن الوثوق بها، خاصة وأن الولايات المتحدة لا تبحث الان عن مزيد من التورط في الملف السوري أو العراقي أو حتى الفلسطيني.


تفاقم الأزمات على الحدود، زيادة السيطرة الأحادية على السياسة الداخلية، التخبط في المواقف مع الشركاء الاستراتيجيين، كلها عوامل تلاحمت على تعزيز أفول وهج أردوغان والتآكل الشديد لمبدأ العمق الاستراتيجي.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button