دراسات سياسيةدراسات مغاربية

إشكالية العلاقة بين التحديث والاستقرار السياسي: الحالة الجزائرية نموذجًا

دأبت الأنظمة السياسية، في كل دول العالم، على فرض الاستقرار السياسي والحفاظ عليه كهدفٍ جوهريٍّ لابد من تحقيقه، باعتباره شرطًا ضروريًّا ومسبقًا لتحقيق باقي متطلبات الحياة الكريمة للشعوب. لكن، إلى جانب محورية الاستقرار السياسي، نجد أيضًا أن هناك هدفًا آخر يسعى أي نظام سياسي لتحقيقه إرضاءً للمواطنين، وحفاظًا على بقائه واستمراره بطرق سلمية وشرعية، وهو العمل باستمرار على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، ما يقود، في حالة المجتمعات التقليدية، إلى نقلها من مرحلة ما قبل الحداثة إلى الحداثة، وهذا ما يُعرف بعلمية التحديث (Modernization).

طبعًا، لا تشذُّ الجزائر عن هذه القاعدة ولا تُشكِّل استثناء لها؛ إذ عَمِل النظام السياسي في البلاد بجهدٍ حثيثٍ للحفاظ على الاستقرار السياسي الذي كان قد تم استرجاعه بعد عقدٍ من الصراع الداخلي المسلح، ما زالت أحداثه الدامية ماثلةً في الوعي الجمعي الجزائري. نتيجة لاسترجاع الاستقرار، ورغبةً من النظام في الحفاظ على ديمومته واستقراره، كان لابد من القيام بجملة من الإجراءات التي تصبُّ في خانة تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. وهو ما تم فعلًا، ما جعل الجزائر تعرف عملية تحديث متسارعة جدًّا. بيد أن هذا التحديث جرى على المستوى الاجتماعي والاقتصادي أكثر من جريانه على المستوى السياسي؛ كون أن النظام السياسي الجزائري انطلق، كما يفعل العديد من الأنظمة الاستبدادية، من فكرة أن إحداث تطورات اجتماعية واقتصادية كفيلة بأن تسهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي واستمراره بغضِّ النظر عن طبيعة الحكم ودرجة التطور المؤسساتي للدولة.

وفقًا لهذا المنظور، تغنَّى النظام السياسي الجزائري، كلما تعرض للنقد، بالإنجازات المحققة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، خاصة على المستوى الاجتماعي والأمني. ولأنه استطاع تجنُّب موجة الحراك العربي التي اجتاحت معظم دول المنطقة منذ أواخر عام 2010، اعتبر نظام بوتفليقة أن الحفاظ على ديمومته واستقراره يستلزم الاستمرار في التحديث الاجتماعي والاقتصادي دون الأخذ بعين الاعتبار الإصلاحات السياسية والمؤسساتية الواجب إدخالها. لكن باعتماده على هذه النظرة ورغم تحقيقه لمستوى لا بأس به من التحديث الاجتماعي إلا أن البلاد شهدت، في 22 فبراير/شباط 2019، حراكًا شعبيًّا كبيرًا رافضًا لنظام بوتفليقة ومطالبًا بتنحي كل رموزه.

1. الإجراءات المنهجية والإطار النظري للدراسة

أ- مشكلة الدراسة وتساؤلاتها

انطلاقًا مما سبق، تحاول الدراسة الإجابة على التساؤل المتعلق بتفسير علاقة التناقض بين التحديث الاجتماعي والاستقرار السياسي في الجزائر، فلماذا شهدت الجزائر حراكًا شعبيًّا كبيرًا رافضًا لنظام بوتفليقة رغم عملية التحديث الاجتماعي الكبير التي تشهدها البلاد؟ وهل يمكن أن يكون التحديث الاجتماعي قد أدى إلى تقويض استمرارية النظام السياسي بدلًا من أن يسهم في ديمومته؟

ب- فرضية الدراسة 

تنطلق الدراسة من فرضية مؤداها: أن التحديث لا يسهم دائمًا في تعزيز الاستقرار السياسي واستدامته؛ ففي حال اقتصر التحديث على الجانب الاجتماعي والاقتصادي دون السياسي فإن احتمالية أن يتحوَّل إلى عائقٍ يحول دون استقرار البلاد تكون مرتفعة جدًّا في حال فقدان النظام السياسي للشرعية التي يعتمدها، كالشرعية القائمة على تلبية المطالب الاجتماعية، ومحاربة العدو الخارجي أو على الشرعية الدينية. هذا ما ينطبق حاليًّا على الجزائر التي تشهد تحديثًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا يفوق بكثير التطور السياسي والمؤسساتي، الأمر الذي شكَّل تحديًّا جوهريًّا لاستقرار البلاد، وليس عاملًا معززًا له كما كان يفترض نظام بوتفليقة، لذلك فالحراك الاجتماعي الذي تشهده البلاد، منذ 22 فبراير/شباط 2019، والذي أدى إلى غاية اللحظة إلى تنحي بوتفليقة عن الحكم وعدد كبير من رموز النظام، كان نتيجة لهذه المفارقة بين التحديث الاجتماعي والاستقرار السياسي.

ج- أهداف الدراسة 

تسعى الدراسة إلى معالجة أثر التغيُّر الاجتماعي، المعبِّر عن عملية التحديث، في زعزعة الاستقرار السياسي بالجزائر، وذلك بالتركيز على تحديد أهم المؤشرات المعبِّرة عن التحديث المتسارع الذي عرفته الجزائر طيلة حكم بوتفليقة، خاصة على المستوى الاجتماعي، ومن ثمَّ تحاول ربط علاقة ذلك التحديث بالاضطراب السياسي الذي تشهده البلاد منذ بداية حراك 22 فبراير/شباط 2019.

د- منهج الدراسة

اعتمدت الدراسة بشكلٍ أساسيٍّ على المنهجين، الوصفي ودراسة الحالة؛ ويسمح المنهج الوصفي ببيان ظاهرة التخلف السياسي مقارنة بالتحديث الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته الجزائر، واستندت الدراسة في ذلك على معطيات نوعية وكمية دقيقة. أما منهج دراسة الحالة، فاستخدمه الباحث لإسقاط الإطار النظري للدراسة، المتضمِّن فكرة أن التحديث في حالات محدَّدة يكون سببًا في انعدام الاستقرار السياسي، على حالة حراك 22 فبراير/شباط 2019 الذي شهدته الجزائر، محاولين إثبات ما جاء فيه والخروج بنتائج على حالة الجزائر تكون قابلة للتعميم.

ه- مفاهيم إجرائية

– التحديث: عملية الانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حداثي؛ من مميزاتها اجتماعيًّا: ارتفاع مستويات التعليم والصحة والتمدن، وتطور وسائل الإعلام والاتصال، وزيادة نسبة التمدن والعمران. واقتصاديًّا: نمو النشاط الاقتصادي في الميدانين، الصناعي والتجاري، على حساب الميدان الزراعي. أما سياسيًّا، فتتميز هذه العملية أساسًا بتطور أسس الحكم الديمقراطي كاستقلال المؤسسات السياسية الدستورية، والفصل بين السلطات، والتعددية الحزبية وحرية الإعلام، واستبدال شرعية الانتخابات التي يقرها الدستور بالشرعية السياسية التقليدية، وكذلك التداول السلمي على السلطة، وقدرة المحكوم على مراقبة الحاكم ومحاسبته.

– الاستقرار السياسي: يعني أساسًا غياب العنف الداخلي المتمثِّل في انقلاب عسكري، أو حرب أهلية، أو عصيان مدني، أو ثورة شعبية. فالاستقرار السياسي هو تمكُّن النظام السياسي من الحفاظ على بقائه واستمراره من خلال قدرة مؤسساته السياسية على التكيُّف مع التغيرات الاجتماعية الحاصلة بشكل يجعلها تحافظ على شرعية وجودها واستقلاليتها، وتستجيب لمطالب الطبقات الاجتماعية الجديدة، ولكن أيضًا تستوعب اتساع المشاركة السياسية للأجيال الجديدة، بشكل يجعلها تصبح، أي تلك الأجيال، جزءًا من العملية السياسية من جهة، وتصبح احتجاجاتهم ومطالبهم تتم عبر تلك المؤسسات من جهة ثانية، الأمر الذي يؤدي إلى التغيير السياسي المستمر، المتكيف مع التغير الاجتماعي، بطريقة تدريجية سلمية، ويحول دون حدوث القطيعة بين النظام السياسي والمجتمع.

و- الإطار النظري للدراسة: عندما يصبح التحديث عائقًا للاستقرار السياسي

جرَت العادة أن تعمل أنظمة الحكم في كافة مناطق العالم على تبرير سياساتها من خلال تعداد الإنجازات التي حققتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي المعبِّرة عن عملية التحديث الاقتصادية والاجتماعية، لكن المشكل هو أن التحديث الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يرافقه تحديث سياسي على مستوى المؤسسات السياسية يؤدي إلى انعدام الاستقرار السياسي وليس إلى الاستقرار كما هو شائعٌ أو كما يحسبه النظام السياسي. وبالتالي، تصبح المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي يتغنَّى بها أي نظام سياسي بمنزلة مؤشرات دالَّة، ليس فقط على إنجازات محقَّقة، ولكن أيضًا على إمكانية حدوث اضطرابات سياسية وأعمال عنف، وذلك في حال عدم قدرة المؤسسات السياسية على التطور والتكيُّف مع النتائج المترتبة عن التحديث الاجتماعي والاقتصادي.

انطلاقًا من الفرضية المعتمدة للإجابة عن إشكالية الدراسة، نحاول تبني مقاربة صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington) التي ضمَّنها في كتابه “النظام السياسي في مجتمعات متغيرة”، الصادر عام 1965، ومن ثم إسقاطها على الحالة الجزائرية التي هي موضوع دراستنا. انطلق هنتنغتون من واقع الدول الوطنية الناشئة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية الذي كان ماثلًا خلال فترة صدور كتابه؛ حيث شهدت معظم الدول الناشئة في تلك الفترة بروز مجموعة من أعمال العنف المعبِّرة عن عدم الاستقرار السياسي، كالانقلابات العسكرية والنزاعات الداخلية والتمردات المسلحة والانتفاضات، وعن عدم قدرة النظام السياسي على الاستمرار والبقاء(1). أمام هذا الواقع، حاول هنتنغتون طرح مقاربته الهادفة للكشف عن سبب أعمال العنف وغياب الاستقرار في تلك الدول.

ينتقد هنتنغتون من خلال مقاربته تلك النظريات التي كانت مهيمنة آنذاك على مستوى دراسات التنمية السياسية، وفي مقدمتها نظرية التحديث التي جادل روادها، على غرار سيمور مارتن ليبست (Seymour Martin Lipset)، بأن التنمية الاقتصادية تؤدي لا محالة إلى مرحلة التحول الديمقراطي؛ إذ يقول ليبست في كتابه “الرجل السياسي: الأسس الاجتماعية للسياسة”، الصادر عام 1960، بأن “جميع جوانب التنمية الاقتصادية المختلفة -التصنيع، والتمدن، والثروة، والتعليم- مرتبطة ببعضها البعض بدرجة كبيرة؛ بحيث إنها تشكِّل عاملًا رئيسيًّا له علاقة سياسية بالديمقراطية”(2). هذا التصور الذي يرى أن التنمية الاقتصادية تسهم في الدفع نحو الديمقراطية هو التصور الذي تبنته الولايات المتحدة الأميركية في سياستها الخارجية تجاه الدول الناشئة؛ إذ اعتبرت أن إيجاد أنظمة حكم قادرة على أن تحكم، وتفرض الاستقرار السياسي في تلك الدول، لا يكون إلا بتطوير اقتصاداتها وتعزيز الإصلاحات الاجتماعية فيها. لكن ما لاحظه هنتنغتون، من خلال مجموعة من الإحصائيات، هو أن العديد من الدول الناشئة، التي دخلت مرحلة التحديث الاقتصادي والاجتماعي، تميَّزت بعدم قدرة أنظمتها السياسية على الحكم بفعالية في ظل انتشار العديد من الاضطرابات السياسية وأعمال العنف داخلها(3)؛ الأمر الذي جعل هنتنغتون يتوصل إلى نتيجة مفادها أن الدول الناشئة السائرة في طريق التحديث الاقتصادي والاجتماعي هي عرضة لعدم الاستقرار السياسي، في حال لم يصاحب ذلك التحديث تطور سياسي على مستوى المؤسسات السياسية، ما يجعلها قادرة على استيعاب النتائج المترتبة عن التحديث الحاصل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

ومن هنا، يركز هنتنغتون في مقاربته على التداعيات السلبية (اضطرابات سياسية، نزاعات داخلية، انقلابات عسكرية، انتفاضات، ثورات) التي قد تحدث نتيجة عملية التحديث، ساعيًا من خلال مقاربته إلى إيجاد نظام حكم في تلك الدول، التي هي في طور الانتقال إلى مرحلة التحديث، يكون قادرًا على أن يحكم بفعاليةٍ وشرعيةٍ من خلال مؤسسات سياسية قوية تعكس المصلحة المشتركة، بغض النظر عمَّا إذا كان ديمقراطيًّا أم لا(4). لكن السؤال المطروح هو: لماذا قد يؤدي التحديث الاقتصادي والاجتماعي إلى انعدام الاستقرار السياسي، حسب مقاربة صامويل هنتنغتون؟

إن التحديث الاقتصادي والاجتماعي يعني ارتفاع مستويات التعليم، والصحة، والتمدن، وتطور وسائل الإعلام والاتصال، وزيادة النشاط الاقتصادي في الميدانين الصناعي والتجاري على حساب الميدان الزراعي. وعليه يؤدي هذا التحديث، حسب مقاربة هنتنغتون، إلى ارتفاع توقعات المواطنين وطموحاتهم وقدراتهم، مثل فئة الجامعيين؛ حيث تتكون لديهم توقعات ومطالب اجتماعية واقتصادية جديدة تعبِّر عن قدرتهم ووضعهم الاجتماعي الجديد الناتج عن عملية التحديث، تفشل حكوماتهم في الاستجابة لها بسبب تخلف مؤسساتها السياسية، وعدم مواكبتها لعملية التحديث الاجتماعي والاقتصادي المتسارعة.

ونتيجة لذلك، يتحوَّل ذلك الطموح إلى خيبة أمل، الأمر الذي يدفع الفئات إلى المشاركة السياسية. لكن بسبب ضعف المؤسسات السياسية، تؤدي تلك الزيادة في المشاركة إلى اضطرابات سياسية وأعمال عنف. يُقدِّم هنتنغتون عدة أمثلة على ذلك، بما فيها مثال انتفاضة كوريا الجنوبية، عام 1960، التي قام بها الطلاب الجامعيون والعمال، مؤديةً إلى إسقاط نظام الحكم. أرجع هنتنغتون تلك الانتفاضة إلى انتشار الوعي الناتج عن تطور مؤسسات التعليم العالي؛ حيث أصبحت كوريا الجنوبية خلال خمسينات القرن الماضي أحد أكبر الأقطاب التعليمية في العالم(5). ضمن هذا السياق، يمكن اعتبار التحديث الاجتماعي في ليبيا أحد عوامل الانتفاضة في البلاد لعام 2011 (قبل عام فقط من الانتفاضة كانت ليبيا تحتل المرتبة الأولى إفريقيًّا والرابعة عربيًّا على مستوى مؤشر التنمية البشرية)(6)؛ حيث أدى إلى بروز توقعات وطموحات ومطالب لدى الشعب الليبي عجز النظام السياسي عن التكيف معها بسبب الغياب شبه التام لمؤسسات الدولة المتعارف عليها.

وفي إطار ربط الوعي السياسي الناتج عن عملية التحديث الاجتماعي والاقتصادي بانعدام الاستقرار السياسي، يمكن أيضًا دعم مقاربة صامويل هنتنغتون بنظرية الحرمان النسبي (Relative Deprivation Theory)؛ فتطور وسائل الإعلام، كمؤشر عن التحديث الاجتماعي، يُمكِّن مواطني دولة ما من مقارنة مستوى معيشتهم مع باقي شعوب العالم، ما قد يجعلهم يشعرون بالحرمان والنقص ليس مقارنةً بما كانت عليه حياتهم من قبل، بل مقارنة بما تمتلكه بقية شعوب العالم. وبالتالي، يتغذَّى لديهم الشعور بحق العيش مثل الآخر، وقد يترتب على ذلك، شعورهم بالإحباط في حال عدم امتلاك ما يمتلكه الآخر، خاصة في حال إدراكهم أن الإمكانات المادية للدولة التي يعيشون في كنفها هي نفسها الإمكانات المتوفرة لدى الآخر أو أقل منها(7).

حتى يزول الغموض حول مفهومي التحديث والحداثة وعلاقتهما بالاستقرار السياسي، يوضح صامويل هنتنغتون أن الحداثة (modernity) كالتمدُّنِ والتعليم والتطور الاقتصادي تقود إلى الاستقرار السياسي، لكن التحديث، أي عملية الانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حداثي، يسهم في أعمال العنف وانعدام الاستقرار؛ فصحيح أن الاستقرار السياسي يرتبط بالمجتمعات الحديثة المتطورة اقتصاديًّا واجتماعيًّا، لكن حسب الدراسات الإحصائية التي قدمها في كتابه، استنتج هنتنغتون أن انعدام الاستقرار السياسي لا يرتبط أيضًا بالمجتمعات الفقيرة والأمية، بل هو سمة تلك الدول التي تعرف عملية الانتقال من مجتمع تقليديٍّ فقيرٍ وأميٍّ إلى مجتمع حداثيٍّ متعلمٍ ومزدهرٍ اقتصاديًّا(8).

لكن، هل بالضرورة أن تنزلق الدول -التي هي في مرحلة انتقالية نحو الحداثة- إلى حالة الاضطراب والعنف؟ واضح -كما أسلفنا الذكر- أن الأمر يقتصر فقط على الدول التي لا تتمكن من تطوير مؤسساتها السياسية بالقدر الذي تصبح فيه قادرة على التكيف مع تداعيات المرحلة الانتقالية من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحداثي والاستجابة لها. وعليه، فإن الحفاظ على استقرار النظام السياسي واستمراره في مرحلة التحديث يتوقف، حسب هنتنغتون، على درجة المَأْسَسَة (Institutionalization) التي تتمتع بها مؤسساته وإجراءاته التي يمكن قياسها من خلال ما يلي(9):

أ- التكيُّف: ويعني قدرة المؤسسات السياسية على التكيف مع التغيرات من حيث الزمن؛ أي استدامة التنظيم من حيث عمره. وبالنسبة لعمر التنظيم، يمكن قياسه من خلال ثلاثة مقاييس: أولًا: مدة بقاء النظام؛ إذ كلما طال التنظيم أصبح مستوى المؤسسات أكبر، وكلما قدِم ازدادت احتمالية أن يستمر أكثر. ثانيًا: سِنُّ قادة التنظيم؛ فكلما استطاع التنظيم استبدال جيل آخر من القادة بالجيل الأول، ونجح في انتقال السلطة بطريقة سلمية، كان مستواه المؤسساتي كبيرًا. ثالثًا: التكيف الوظائفي؛ أي إن درجة مَأْسَسَة التنظيم تتوقف على مدى قدرته على تغيير وظائفه الأصلية استجابة للتغيرات الحاصلة؛ فالتنظيم وُجد لتأدية وظائف محددة، وبالتالي انتهاء تلك الوظائف يعني انتهاءه في حال عدم قدرته على تغيير وظائفه وفق ما تمليه المتغيرات الحاصلة.

ب- التعقيد المؤسساتي: يقصد به ازدياد الوحدات التنظيمية الفرعية وتنوعها من الناحية الهرمية والوظيفية، وكذا التمييز بين تلك الوحدات من ناحية الشكل؛ فكلما كان التنظيم يضم مجموعة من المؤسسات السياسية المتعددة والمختلفة من حيث الهرمية والوظيفة كانت درجة مَأْسَسَتِه أقوى، وهو ما يسهم في استقراره وتكيُّفه مع المتغيرات. على سبيل المثال، يتم تجاوز أي عجز أو انقسام سياسي داخل إحدى المؤسسات السياسية بواسطة مؤسسة أخرى.

ج- الاستقلالية: كلما كان التنظيم أكثر استقلالية كان على مستوى عال من المؤسساتية. وتجري استقلالية التنظيم على مستويين؛ استقلاليته عن باقي التنظيمات -الفصل بين السلطات-، واستقلاليته عن القوى الاجتماعية كالعائلة، والقبيلة والطبقة، بأن لا يكون أداة في يدها.

د- التماسك: ويعني إيجاد إجماع فعلي على الحدود الوظيفية للجماعة المشاركة في التنظيم، وعلى الإجراءات التي من شأنها أن تحلَّ الخلافات التي تجري ضمن تلك الحدود. وهنا، يكون الإجماع أساسًا بين المشاركين المباشرين في النظام السياسي، الذين هم النخبة الحاكمة. والإجماع الذي هو مؤشر من مؤشرات الطابع المؤسساتي داخل أي تنظيم، هو أيضًا عامل ضروري لتحقيق التماسك داخل أي تنظيم.

2. الربيع العربي والاستثناء الجزائري: كيف تجنَّب النظام السياسي الحراك العربي؟

كانت الجزائر من بين أوائل البلدان العربية التي شملتها عدوى الانتفاضة الشعبية التونسية في أواخر عام 2010، حيث ظهرت في شكل احتجاجات عارمة شملت حوالي عشرين ولاية. لكن الملاحظ هو أن مطالب المحتجين آنذاك، لم تكن راديكالية ولا سياسية، عكس ما كانت عليه الحال في تونس أو ليبيا، بل كانت اجتماعية معبِّرة أساسًا عن رفض المواطنين للبطالة والغلاء المعيشي، ما جعلها تُعرفُ فيما بعد بـ”انتفاضة “الخبز والسكر والزيت”؛ حيث في ديسمبر/كانون الأول 2010، ارتفعت أسعار الزيت والسكر بـ 30%، علمًا بأن نفقات المواد الغذائية تمثِّل حوالي 50% من إجمالي ما تنفقه العائلات الجزائرية(10). تلك الاحتجاجات لم تكن منظمة ولم تتطور إلى مطالب سياسية من قبيل تغيير النظام(11).

استطاع النظام السياسي إخماد تلك الاحتجاجات العارمة بعد أن خلَّفت خمسة قتلى وحوالي ثمانمئة جريح. وبذلك، تجنب النظام تحوُّل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية راديكالية تهدد بقاءه واستمراره. بعد مرور حوالي عام من تلك الأحداث، اتضح أن النظام السياسي تمكَّن فعلًا من اجتياز موجة التغيير الجذري ومآلاته الدموية في معظم الدول العربية. وعلى إثر ذلك، شرع الأكاديميون والسياسيون في طرح التساؤل التالي: لماذا وكيف تمكَّنت الجزائر من تجنب موجة الحراك العربي؟

يمكن تحديد العوامل التي ساعدت النظام السياسي الجزائري على تجنب الحراك العربي في النقاط التالية:

أ- ارتفاع أسعار النفط: حيث فاقت المئة دولار للبرميل الواحد عام 2011، ما جعل احتياطي النقد الجزائري من العملات الأجنبية يبلغ 178 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلاث سنوات من الواردات(12)؛ الأمر الذي مكَّن النظام السياسي من امتصاص الغضب الشعبي، من خلال إطلاق مجموعة من البرامج التي تستهدف دعم الأسعار الاستهلاكية الأساسية، وتوفير مساكن أكثر، وفتح أكبر قدر ممكن من الوظائف على مستوى القطاع العمومي، ورفع أجور موظفي القطاع العام، والعمل على دعم الشباب من خلال مجموعة من الهيئات على غرار الوكالة الوطنية لدعم الشباب المكلفة بدعمهم بقروض مالية دون فوائد من أجل القيام بمشاريع استثمارية خاصة بهم. ونتيجةً لانتهاج هذه السياسة، ارتفع الإنفاق الحكومي عام 2011 بنسبة 50%. كما لاحظ الباحث الحسن عاشي، بناء على أرقام صندوق النقد الدولي، أن نسبة النفقات العمومية من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2009-2012 بلغت 40.8%، وهي أعلى بكثير مما هي عليه في دول المنطقة بما فيها دول الخليج الغنية(13). كان لهذه السياسة المنتهجة من قبل الحكومة الأثر الكبير في إخماد الاحتجاجات واحتوائها. لكن هذه السياسة كما تراها المعارضة والكثير من الجزائريين هي بمثابة “شراء للسلم الاجتماعي” أو “رشوة عامة” يُقدِّمها النظام السياسي لأكبر قدر ممكن من الأفراد مقابل سكوتهم عن سياسات النظام الفاسدة، وذلك على حساب تطوير الاقتصاد وازدهار البلاد على المدى البعيد، كما أن انتهاج هذه السياسات المؤقتة وغير المدروسة التي تدخل في إطار الزبونية، تعني أن النظام السياسي قد رهن استقرار البلاد واستمراره بمدى توافر الموارد المالية المتأتية أساسًا من قطاع المحروقات الذي تبقى أسعاره عرضة للتغير وللانهيار في أية لحظة (حسب تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2012، أي قبل الهبوط الحاد لأسعار النفط، شكَّلت الطاقة من النفط والغاز ثلثي عائدات الميزانية و95% من عائدات التصدير)(14).

ب- أحداث العشرية السوداء: إذ مازالت تلك الأحداث الدموية، التي خلَّفت الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين، تسيطر على الذاكرة الجمعية للمجتمع الجزائري؛ الذي أصبح يعتبر أن أية محاولة للتغيير الجذري من شأنها أن تؤدي إلى استحضار تلك الأحداث المأساوية، وبذلك يفضِّل المواطنون الجزائريون، خاصة الذين عايشوا أحداث العشرية السوداء (المولودون قبل عام 1980)، أن ينعموا بالاستقرار السياسي والأمن، حتى وإن كانت هناك مظالم اجتماعية واقتصادية، على أن يخاطروا بأي احتجاج يحتمل أن يزعزع الاستقرار ويسهم في استحضار تلك الأحداث المدمرة.

ج- شخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: كانت تحظى آنذاك باحترام كبير من قبل شريحة واسعة من قبل الجزائريين، وحتى المعارضين للأوضاع القائمة في الجزائر كانوا يتجنبون نقده شخصيًّا، ومرد ذلك يكمن في المسار السياسي لبوتفليقة والدعاية الإعلامية التي كانت سائدة آنذاك؛ فهو أسهم في ثورة التحرير الجزائرية، وكان من المقربين للرئيس الراحل، هواري بومدين، المعروف بشعبيته الكبيرة، حيث تقلَّد منصب وزير الخارجية في كل حكوماته المتعاقبة، وآنذاك كانت الدبلوماسية الجزائرية في أوج عطائها على المستويين العربي والعالمي(15). أما العامل الثاني، فهو نابع من قدرة بوتفليقة على إخراج البلاد من العنف الدامي في الفترة المعروفة بالعشرية السوداء. وفي الحقيقة، أصبح هذا العامل الأساس الذي اعتمد عليه نظام بوتفليقة وأنصاره لكسب نوع من الشرعية، ولتبرير الفساد السياسي والمالي المنتشر في البلاد بشكل رهيب.

د- إعلان جملة من الإصلاحات السياسية: مع السرعة الكبيرة لانتشار الاحتجاجات في عدة ولايات، وجد النظام السياسي نفسه مضطرًّا للقيام بجملة من الإصلاحات السياسية إلى جانب البرامج الاجتماعية التي أطلقها، المذكورة سلفًا؛ ففي 23 فبراير/شباط 2011، صدر الأمر رسميًّا برفع حالة الطوارئ التي كانت سارية المفعول منذ عام 1992، لأن جماعات المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني غالبًا ما انتقدت حالة الطوارئ المفروضة، باعتبارها آلية يستعملها النظام السياسي لتبرير قمعه أو تقييده للحريات المدنية(16). وفي سياق احتجاجات 2011، جعلت المعارضة السياسية من مطلب رفع حالة الطوارئ أحد المداخل الأساسية لمحاولة حشد وكسب تأييد المحتجين في نقدها للنظام. وهذا قد يكون أحد الأسباب التي دفعت النظام السياسي لإقرار رفع حالة الطوارئ.

وفي 15 أبريل/نيسان 2011، توجه الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، بخطاب للشعب الجزائري تضمن جملة من الإصلاحات السياسية التي تصبُّ في خانة تعميق المسار الديمقراطي وتعزيز دولة الحق والقانون كتعديل الدستور، ومراجعة القانون الانتخابي، وضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ودعم تعددية القنوات الإعلامية. وللشروع في هذه الإصلاحات، تم إنشاء “اللجنة الوطنية للتشاور حول الإصلاحات السياسية”، وهي عبارة عن هيئة استشارية تتكون من الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات، والشخصيات الوطنية، مهمتها تقديم اقتراحاتها بشأن الخطوط العريضة للإصلاحات التي نادى بها رئيس الجمهورية في خطابه. مضت اللجنة قدمًا في عملها، لكن الملاحظ هو أن شخصيات وطنية معروفة على الساحة السياسية تراجعت عن المشاركة في أعمال اللجنة، على غرار الرؤساء السابقين للجزائر (الشاذلي بن جديد، وعلي كافي، واليمين زروال)، وهناك شخصيات وطنية انتقدت علنًا مبادرة الإصلاح كرئيس حزب جبهة القوى الاشتراكية، حسين آيت أحمد، الذي اعتبرها مجرد مناورة سياسية لامتصاص غضب الشارع وربح بعض الوقت(17).

ه- فعالية جهاز الشرطة وحرفيته: حيث أثبت درجة قوته واحترافيته في تعامله مع المحتجين؛ إذ استطاع أن يفرق الاحتجاجات دون أن يلجأ إلى استخدام القوة العنيفة، التي قد ينتج عنها عنف متبادل من الطرفين يؤدي إلى انفلات الأمور، كما حدث في العديد من الدول العربية، على غرار تونس. والملاحظ أن النظام السياسي في عهد بوتفليقة أعطى لهذا الجهاز أولوية كبرى من حيث حرفيته، ولكن أيضًا من حيث تضخيمه؛ إذ ارتفع عدد أفراد الشرطة من 35 ألف فرد لعام 1990 إلى أكثر من 188 ألفًا عام 2012(18).

و- فشل الحراك العربي في المنطقة، وانزلاق بعض دول الحراك إلى أتون الحرب الأهلية الممزوجة بتنافس القوى الإقليمية والدولية: ففي حين كادت موجة الحراك العربي أن تسهم في تحريك الشعب الجزائري وزعزعة استقرار النظام السياسي الجزائري، أدت تداعياته المدمرة في بعض الدول العربية إلى تأكيد أطروحة النظام الجزائري القائمة على اعتبار أن ما يحدث في المنطقة ما هو إلا تنفيذ لمخططات خارجية تستهدف تفتيت المجتمعات والدول. قد تكون تلك الأطروحة فيها الكثير من المغالطات ولا تدخل إلا في إطار تخويف الشعب، لكن تحوُّل بلدان، مثل: سوريا، وليبيا، واليمن، منذ انطلاق الحراك العربي، إلى ميدان للحروب الأهلية الدامية وتنافس القوى الإقليمية والدولية، كان بمنزلة الدليل الذي اعتمد عليه النظام الجزائري لتأكيد أطروحته. وحتى المجتمع الجزائري في سياق اضطرابات المنطقة، بات يتخوف من أن يكون مصيره مثل مصير ليبيا أو سوريا في حال زعزعة استقرار النظام. في هذا السياق، يُلاحظ حسب المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لعام 2014، أن 75% من المستجيبين الجزائريين اعتبروا أن ثورات الربيع العربي أخذت منحى سلبيًّا(19).

ز- عدم ثقة الشعب الجزائري في الأحزاب السياسية المعارضة: يمكن ملاحظة هذا عمليًّا من خلال عدم قدرة الأحزاب السياسية المعارضة مجتمعةً على حشد المواطنين حتى عندما كانوا في ذروة احتجاجهم وسخطهم على الأوضاع الاجتماعية، كما لاحظنا في عام 2011. أما من حيث استطلاعات الرأي، فإنه حسب تقرير البارومتر العربي لعام 2011، فإن نسبة 87% من المواطنين الجزائريين المستجوَبين اعتبرت أنه لا يوجد حزب سياسي يمثِّل طموحاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، و2% من المستجوبين فقط قالوا إنهم أعضاء في حزب سياسي(20). أما من حيث ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية، فأظهرت نتائج استطلاعات الرأي لعام 2017، الصادرة عن البارومتر العربي، أن نسبة 14% فقط من المستجوبين تثق في الأحزاب السياسية(21). هذا الشرخ الكبير بين الأحزاب السياسية والمواطنين الجزائريين دائمًا ما يحول دون أن تتحول مطالب المحتجين الاجتماعية إلى مطالب سياسية.

من بين العوامل السبع المذكورة أعلاه، يمكن اعتبار العوامل الثلاثة الأولى، أي: ارتفاع أسعار النفط، وأحداث العشرية السوداء، وشخصية الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، أنها كانت حاسمة في تجنب الجزائر الحراك العربي المعبِّر عن سخط المواطنين للوضع الاجتماعي.

3. التطورات الاجتماعية والاقتصادية في عهد عبد العزيز بوتفليقة

مرحلة الاستقرار الاجتماعي والسياسي التي باتت تعيشها الجزائر في عهد نظام بوتفليقة نتج عنها انطلاق عملية تحديث واسعة النطاق أدت إلى تغيرات كبيرة على مستوى المجتمع. تلك التغييرات نحو التحديث تدل عليها مجموعة من المؤشرات التي يمكن حصرها أساسًا في ارتفاع مستويات التعليم، والصحة، والتغذية، والتمدن، وانتشار وسائل الإعلام، وزيادة نصيب دخل الفرد من إجمالي الناتج القومي؛ فعلى المستوى الصحي والديمغرافي انخفضت نسبة وفيات الرضع من 36.9% عام 2000 إلى 21% عام 2017، وارتفع العمر المتوقع عند الولادة إلى 77.6 عامًا عام 2017، بعد أن كان 72.5 عامًا في 2001(22)، وعرفت البنية التحتية الخاصة بالصحة تطورًا مهمًّا؛ ففي عام 2013 ارتفع عدد المستشفيات إلى 291 وحدة وعدد العيادات إلى 1588 وحدة، بعد أن كان العدد في حدود 230 مستشفى و497 عيادة عام 2013(23). ووفق مؤشر الجوع العالمي، أحرزت الجزائر تطورًا مهمًّا في مجال تخفيض نسبة الجوع في السنوات الأخيرة؛ فبعد أن كانت درجة مؤشر الجوع تبلغ 15.6%، عام 2000، انخفضت إلى 9.4% عام 2018(24)، كما ارتفعت نسبة سكان المدن من 60% عام 2000 إلى أكثر من 70% عام 2017(25).

على المستوى التعليمي، عرفت الجزائر تطورًا ملحوظًا في هذا المجال؛ إذ ارتفعت سنوات التعليم المتوقعة من حوالي أحد عشر عامًا في سنة 2000 إلى أكثر من أربعة عشر عامًا في سنة 2017، وانخفضت نسبة الأمية إلى 12.33% عام 2017 بعد أن كانت في حدود 22.3% عام 2008، وارتفعت نسبة الملتحقين بالمدارس الابتدائية من إجمالي عدد السكان في سن الدراسة الابتدائية من 104.91% عام 2000 إلى 114% عام 2018، كما ارتفعت نسبة الالتحاق بالتعليم العالي من إجمالي عدد السكان في سنِّ الدراسة الثانوية من 65% عام 2000 إلى 100% عام 2018. أما نسبة الالتحاق بالتعليم العالي فقد ارتفعت من 20% من إجمالي عدد السكان عام 2000 إلى 43% عام 2018(26). هذا في ظل استمرار ارتفاع عدد الطلبة المسجلين على مستوى مؤسسات التعليم العالي؛ فبعد أن كان العدد لا يتجاوز 428 ألف طالب في الموسم الجامعي 1999-2000 ارتفع العدد إلى أكثر من مليون طالب في الموسم الجامعي 2010-2011(27). وكان وزير التعليم العالي الجزائري السابق قد صرح بأنه من المرتقب أن يصل العدد إلى مليوني طالب في الموسم الجامعي 2018-2019(28).

على مستوى تطور وسائل الإعلام والاتصال، يُلاحَظ أن المجتمع الجزائري عرف موجة تغيير كبيرة في هذا المجال؛ حيث ارتفعت نسبة مستعملي الإنترنت من إجمالي عدد السكان من 0.55% عام 2000 إلى 42%عام 2017، وارتفعت نسبة المشتركين في الهاتف النقال لكل 100 فرد من 0.3% عام 2000 إلى 115.8% عام 2016(29). وازداد عدد الصحف اليومية من 78 صحيفة عام 2009 إلى 142 صحيفة عام 2013(30). وعرفت الساحة الإعلامية في الجزائر موجة هائلة من القنوات الخاصة الناشطة في مختلف الميادين بعد أن كان المجال السمعي والبصري مقتصرًا فقط على القنوات العمومية. تزامنت تلك الموجة مع إقرار الانفتاح في المجال السمعي والبصري عام 2012.

في الشق الاقتصادي، ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الدخل الوطني (وفقًا لتعادل القوة الشرائية بأسعار الدولار الجارية) في عام 2018 إلى ما فوق 13 ألف دولار بعد أن كان لا يتعدى عشرة آلاف دولار عام 2000(31). كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 54 مليار دولار عام 2000 إلى 188 مليار دولار عام 2018. تبعًا لذلك، ازداد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من أربعة آلاف دولار لعام 2018 بعد أن كان لا يتعدى الدولارين لعام 2000(32).

إن المؤشرات سالفة الذكر الدالَّة على التغير الاجتماعي المتسارع للمجتمع الجزائري نحو التحديث، كانت بالنسبة لنظام عبد العزيز بوتفليقة وأنصاره بمنزلة إنجازات ودلائل على نجاح النظام في أداء وظائفه بفعالية وكفاءة. لكن التكلفة المترتبة على هذا التحديث الاجتماعي أثارت الكثير من الجدل والانتقادات؛ حيث تعتبر المعارضة السياسية أن ما اعتبرته الحكومة إنجازًا، لا يعكس أبدًا تلك الأموال الضخمة التي صُرفت طيلة فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة والمقدَّرة بحوالي تريليون دولار، وهي بذلك تتهم الحكومات المتعاقبة في ظل نظام بوتفليقة بطريقة مباشرة بسوء التسيير والفساد. وفي الحقيقة، فإن فساد النظام لم يكن ليختلف حوله الجزائريون. والمسألة الأساسية الواجب طرحها في سياق الدراسة، تتمثَّل في أن النظام السياسي كان عليه أن يعمل على تطوير قدراته بأن يشرع في عملية تحديث سياسي جدية من أجل استيعاب ما ينجم عن هذا التغير الاجتماعي الكبير نحو التحديث؛ وإلا يصبح ذلك التحديث الاجتماعي مصدرًا لعدم الاستقرار.

4. حراك 22 فبراير/شباط 2019: عندما يصبح التحديث الاجتماعي تحديًا للاستقرار السياسي

كان التحديث الاجتماعي الكبير الذي عرفته الجزائر خلال عهد عبد العزيز بوتفليقة، بغضِّ النظر عن التكلفة المترتبة عليه وعلى الفساد الكبير وسوء التسيير، بمنزلة إنجازات كبيرة يستطيع النظام السياسي الارتكاز عليها لتبرير سياساته. لكن الملاحظ، هو أن ضعف المؤسسات السياسية وعدم قدرتها على مواكبة عملية التحديث الاجتماعي المتسارعة التي تشهدها البلاد، حوَّل ذلك التحديث الاجتماعي إلى عامل مُقَوِّض لديمومة النظام السياسي؛ الأمر الذي مهَّد لجملة من الاضطرابات، ويُعَدُّ الحراك الشعبي -منذ 22 فبراير/شباط 2019- أحد أبرز الدلائل على ذلك؛ إذ خرج الشعب الجزائري مُطَالِبًا بتغيير النظام من أساسه، ولغاية اللحظة، تمكن الحراك من إزاحة بوتفليقة والعديد من رموز النظام السابق، وما زال الحراكيون يطالبون بإحداث قطيعة تامة مع كل مؤسسات النظام السابق التي فشلت فشلًا ذريعًا في التكيف مع التطورات الاجتماعية الكبيرة التي تشهدها الجزائر.

يُلاحظ أن أسباب انطلاق الحراك وتقويض استمرارية نظام بوتفليقة، تكمن في عدم قدرة النظام السياسي على التطور بنفس وتيرة تطور المجتمع الجزائري؛ إذ واجهت النظام السياسي مجموعة من التحديات المرتبطة بمعادلة ضعف التحديث السياسي مقابل التحديث الاجتماعي المتسارع، والتي يمكن ذكرها في النقاط التالية:

1.4. ضعف القدرة على استيعاب العدد الكبير من المتعلمين الآخذ في الازدياد

أحد التحديات الأساسية التي واجهت نظام بوتفليقة تمثَّل في بروز طبقة متعلِّمة من الشباب تطمح لحياة أفضل، نسبة معتبرة من هؤلاء، وهي آخذة في الازدياد، لم تتسنَّ لها حتى فرصة الحصول على العمل رغم تعلُّمهم، وهذا ما مثَّل، لا محالة، حملًا ثقيلًا على الدولة؛ فحسب الإحصائيات الرسمية قُدِّرت نسبة البطالة بـ11.1% في عام 2018، و25.7% من إجمالي عدد العاطلين هم من أصحاب شهادات التكوين المهني، و24.9% هم من أصحاب شهادات التعليم العالي(33).

أما من حيث الفئة، فقد بلغت نسبة البطالة في أوساط الشباب (ما بين سن 20 إلى 34 سنة) 26.4%(34). الملاحظ من هذه الأرقام، هو أن المتعلمين من أصحاب شهادات التكوين المهني، وشهادات التعليم العالي، ومن الشباب عامةً، شكلوا ضغطًا حقيقيًّا على النظام السياسي من أجل توفير مناصب عمل لهم في المقام الأول، لكن أيضًا من أجل الاستجابة لمطالبهم وتوقعاتهم التي تفوق المطالب والتوقعات التي كانت تبديها الأجيال التقليدية غير المتعلمة التي سبقتهم؛ بحكم أنهم طبقة متعلمة وعايشوا عصر الإنترنت ما مكَّنهم من معرفة حياة الازدهار التي تعيشها شعوب الدول المتطورة، وبالتالي يرغبون في عيش تلك الحياة الكريمة التي لا تقتصر فقط على الأكل والشرب مقابل الإذعان.

2.4. عدم تكييف شرعية النظام مع التغيرات الاجتماعية

تحد آخر واجهه النظام السياسي تمثَّل في عدم القدرة على المحافظة على شرعيته أمام أجيال جديدة، من حيث السن، ولكن أيضًا من حيث مستواها التعليمي ودرجة وعيها؛ بحيث لم تعد تعترف بركائز الشرعية التقليدية المعتمدة من قبل النظام، والمتمثِّلة أساسًا في: ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وإعادة الاستقرار والأمن بعد العشرية السوداء، ورمزية عبد العزيز بوتفليقة؛ فبخصوص ثورة التحرير وإعادة الاستقرار والأمن، يُلاحظ أن معظم المواطنين الجزائريين لم يعايشوا حدثي الثورة الجزائرية، 1954، والعشرية السوداء 1991-2001؛ إذ إن أكثر من 62% من إجمالي عدد السكان عام 2017 لم يكونوا قد وُلدوا عند انطلاق أحداث العشرية السوداء، أو كان عمرهم حينها (1991) لا يفوق سن الرابعة. وبالتالي لا يمكن بناء الشرعية على هذا الحدث الأليم وغالبية السكان الحاليين لم تعايشه من أساسه. أما فيما يتعلق برمزية عبد العزيز بوتفليقة، فإنه بسبب مرضه، وسوء تسيير البلاد، وفساد العديد من المسؤولين المقربين له لم يعد ركيزة يعُتمد عليها لإضفاء الشرعية على النظام، بدليل أن ترشحه للانتخابات من أجل عهدة خامسة كان بمنزلة شرارة انطلاق حراك يوم 22 فبراير/شباط الرافض لشخصه ولنظامه.

3.4. هشاشة مؤسسات الدولة وتراجع ثقة المواطنين فيها

كان هذا التحديث أيضًا سببًا أساسيًّا في تراجع شرعية نظام بوتفليقة؛ إذ بعد عشرين سنة بات واضحًا أن نظام بوتفليقة فشل فشلًا ذريعًا في بناء مؤسسات سياسية قوية بشكلٍ يجعلها قادرة على الاستجابة للمطالب الاجتماعية المتغيرة، واستيعاب توسع المشاركة السياسية للموطنين نتيجة للتحديث الاجتماعي، واكتساب ثقة المواطنين للتعبير عن انشغالاتهم واحتجاجاتهم من خلالها. فباستثناء مؤسسة الجيش والأمن التي تبقى تتمتع بشرعية ومصداقية لدى الموطنين، فإن درجة ثقة المواطنين في باقي مؤسسات الدولة ضعيفة جدًّا. وهذا ما أظهرته نتائج استطلاعات البارومتر العربي عام 2017؛ إذ إن أكثر من 75% من المستجوَبين الجزائريين يثقون في مؤسسة الجيش، و60% منهم يثقون في مؤسسة الشرطة. لكن أقل من 40% فقط من المستجوبين يثقون في الحكومة، والمحاكم، والنظام القضائي. أما البرلمان والأحزاب السياسية فهي المؤسسات الأقل ثقة؛ إذ أظهرت نتائج الاستطلاعات أن 17% فقط من المستجوبين تثق في الأحزاب السياسية، و14% فقط تثق في مؤسسة البرلمان(35). هذا التراجع في ثقة المواطنين بالمؤسسات السياسية يمكن ردُّه إلى:

أ- الضعف النسبي في أداء تلك المؤسسات: فحسب مؤشر الحوكمة العالمي (Worldwide Governance Indicators)، لم تحصل الجزائر سوى على رتبة مئوية تساوي 30 من 100 على مستوى مؤشر فعالية الحَوْكَمَة(36)، وجاءت بذلك في المرتبة الثانية عشرة على مستوى الدول العربية، متفوقةً فقط على دول عربية إما مستوردة للنفط كدولة جيبوتي وجزر القمر، أو واقعة تحت نزاعات مسلحة وتدخلات خارجية كسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن. هذا المعطى كفيل بأن يفسر سبب عدم رضا المواطنين الجزائريين على أداء حكومتهم؛ فحسب نتائج استطلاعات البارومتر العربي لعام 2017، فإن أقل من 50% فقط من المستجوبين الجزائريين راضون عن أداء الحكومة في توفير خدمات الصحة والتعليم، وأقل من 30% فقط راضون عن أدائها في مجالات تسيير الاقتصاد، وتوفير الوظائف، وتقليص الفوارق، والحفاظ على الأسعار منخفضة(37).

ب- انتشار ظاهرة الفساد على نطاق واسع: حيث جاءت الجزائر في المرتبة 112 من أصل 180 برصيد 30 نقطة فقط على مستوى مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية العالمية عام 2017(38). وما يجعل للفساد دورًا محوريًّا في زعزعة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة، هو أن العديد من قضايا الفساد، على غرار قضية سوناطراك والطريق السيار شرق-غرب، كان وراءها مسؤولون رفيعو المستوى.

4.4. الفجوة الجيلية بين الحاكم والمحكوم أو في ضعف التكيف المؤسساتي

تحد آخر واجه النظام السياسي الجزائري تمثَّل في عدم قدرته على تغيير قادته الأوائل بجيل آخر؛ حيث استمر عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر 82 سنة في رئاسة الجمهورية منذ عام 1999، وهو الذي كان مجاهدًا في فترة الاستعمار، وأصبح في فترة الاستقلال أحد أهم فاعلي النظام السياسي الجزائري. كما استمر الوزير الأول، أحمد أويحي، في منصبه كوزير أول أو رئيس حكومة منذ عام 1995، وحتى عندما لم يتقلَّد هذا المنصب في الفترتين 1999-2003 و2012-2017 كان يكلَّف بمهام وزير الدولة، أو الممثِّل الشخصي للرئيس، أو رئيس الديوان لرئيس الدولة(39). وتقلَّد عبد القادر بن صالح، البالغ من العمر 78 سنة، منصب رئاسة مجلس الأمة منذ عام 2002، ثم أصبح الرئيس المؤقت بعد استقالة الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، بموجب الدستور. أما بالنسبة لمعدل عمر وزراء الحكومة الجزائرية التي كانت قائمة عند اندلاع الحراك الشعبي فقد فاق 60 سنة، وبالنسبة لمعدل عمر وزراء الحقائب السيادية في نفس الحكومة (وزارة الدفاع -نائب الوزير-، الداخلية، الشؤون الخارجية، العدل، وزارة المالية) فهو يصل إلى 67 سنة(40). الملاحظ أيضًا أن مسألة انتقال السلطة بطريقة سلمية من رئيس جمهورية إلى آخر هي بمنزلة مؤشر على عدم قدرة النظام السياسي الجزائري على تغيير أجياله؛ إذ غالبًا ما أسفر ذلك عن اضطرابات سياسية كبيرة في البلاد؛ فمنذ الاستقلال لم يسلِّم أي رئيس جمهورية السلطة لآخر بطريقة سلسة وسلمية، إلا في مرة واحدة، وكان ذلك حين انتقلت السلطة من الرئيس، اليمين زروال، إلى الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة. وفي الحقيقة، حتى تلك المرة كان اليمين زروال قد قدَّم استقالته تحت ضغوطات قبل نهاية عهدته. إضافةً إلى كون هذا المؤشر، الذي يعبِّر عن ضعف قدرة النظام على التكيف، يمكن اعتباره أيضًا، أحد العوامل الأساسية التي أسهمت في تقويض ثقة المواطنين الشباب بمؤسسات الدولة(41).

الملاحظ من خلال هذه النقاط الست هو أن ثنائية الفساد وسوء التسيير كانت المقوِّض الأساسي لشرعية مؤسسات الدولة السياسية بل أيضًا الدافع الأساسي لانطلاق الحراك الشعبي المطالب بتغيير تلك المؤسسات التي تحولت من إطارٍ شرعيٍّ ضامن لمحاسبة ومساءلة المسؤولين إلى أداة للممارسة وشَرْعَنَة الفساد.

في وقت سابق كان النظام السياسي قادرًا على إضفاء نوع من الشرعية على سياساته واستمراره رغم ثنائية الفساد وسوء التسيير التي يتميز بها؛ وذلك بسبب اتكائه على شرعية استرجاع السلم والاستقرار للبلاد بعد أحداث ما يُعرف بالعشرية السوداء، والتي كانت أيضًا بمنزلة فزاعة يستعملها النظام كلما شعر بأن بقاءه بات مهدَّدًا من قِبَل الشعب الممتعض من الفساد وسوء التسيير، والمُتَطَلِّع لدولة المحاسبة والمساءلة. لكن، بسبب عدم قدرة النظام على تجديد شرعيته وتكييفها مع واقع المجتمع المتغير لم تعد تلك الشرعية تفي بالغرض أمام مجتمع يتغير ويتطور بشكل متسارع جدًّا؛ إذ ظهرت أجيال جديدة لم تعايش أحداث ما يسمى بالعشرية السوداء بسبب أعمارهم من جهة، ووعيها الناتج عن تعلمها وانتشار وسائل الإعلام والتكنولوجيا مما جعل تفكيرها براغماتيًّا لا تؤمن إلا بشرعية الإنجاز من جهة ثانية، فكان هذا كفيلًا بأن يؤدي إلى تقويض شرعية النظام، وبالتالي أصبحت مسألة الانتفاضة عليه والمطالبة بإسقاطه، بسبب فساده الكبير وسوء تسييره، مسألة محتملة جدًّا.

خاتمة 

إن التحديث الاجتماعي الكبير الذي شهدته الجزائر طيلة حكم بوتفليقة ونتائجه البارزة، رغم أنه لم يعكس أبدًا تلك التكلفة المالية الهائلة التي صُرِفَت من قبل الحكومات المتعاقبة خلال حكم بوتفليقة، إلا أن النظام السياسي الجزائري، في سبيل الحفاظ على استمراره، اعتبره إنجازًا تحقق بفضل سياسته، وأداة يواجه بها انتقادات معارضيه المطالبين بالانفتاح السياسي وإعلاء دولة القانون والمحاسبة؛ فراهن بذلك على تحقيق بعض الإنجازات على المستوى الاجتماعي، بغض النظر عن التكلفة التي كان يستهلكها في ذلك دون محاسبته، متجاهلًا تمامًا ضرورة تطوير وتقوية المؤسسات السياسية وتعزيز قيم الديمقراطية والقانون.

لكن المفارقة التي وقع فيها نظام بوتفليقة هو أن التحديث الاجتماعي، سواء كان بفضل سياسات النظام أو لا، وبغضِّ النظر عن حجم الفساد المرافق لعملية التحديث، باتت نتائجه بمنزلة عوامل مُهَدِّدة لاستمرار النظام السياسي ومُمَهِّدَة لمرحلة عدم استقرار سياسي في البلاد؛ والعلَّة في ذلك، عدم قدرة النظام السياسي على الاستجابة لتلك التغيرات التي يفرضها ذلك التحديث؛ حيث مثَّل عدم التطور المؤسساتي -التحديث السياسي- بقدر التحديث الاجتماعي الذي تشهده الجزائر تحديًا حقيقيًّا للنظام السياسي الجزائري، خاصة مع تنامي الطبقة المتعلمة من جهة، وعدم استمرار فعالية الآليات التي اعتاد النظام السياسي الاعتماد عليها للاستجابة للمطالب الاجتماعية من جهة ثانية.

فقد دفع عدم الاستجابة للمطالب الاجتماعية الفئات الجديدة للمشاركة السياسية بغية التعبير عن مطالبها، ولأن مؤسسات الدولة لا تحظى بثقة المواطنين وليست لديها القدرة على التكيف مع مطالب الفئات الجديدة، سواء من حيث الاستجابة لمطالبها أو استيعاب اتساع مشاركتها السياسية للتعبير عن آمالها وطموحاتها، لجأت تلك الفئات إلى طرق خارجة عن أطر الدولة للتعبير عن مطالبها، تجسد ذلك فعليًّا منذ 22 فبراير/شباط 2019 في حراك شعبي سلميٍ قلَّ مثيله؛ إذ نزل ملايين المواطنين الجزائريين إلى الشارع مطالبين بتغيير النظام السياسي تغييرًا جذريًّا، بعد أن سئموا من مؤسسات سياسية أصبحت أداة لشرعنة الفساد وسوء التسيير، عوض أن تكون منبرًا للتعبير عن طموحات وانشغالات الأجيال الجديدة وأطرًا لتمكين المحكوم من محاسبة الحاكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. صادق حجال، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3.

مراجع

(1) Samuel Huntington, Political order in changing societies (USA: Yale University press, 1968), 3.

(2) Lipset Seymour Martin, Political Man: The Social Bases of Politics (New York: Doubleday, 1960), 58

(3) Ibid, 35.

(4) ريتشارد هيجوت، نظرية التنمية السياسية، ترجمة حمدي عبد الرحمن ومحمد عبد الحميد، (الأردن، المركز العلمي للدراسات السياسية، 2001)، ص 48.

(5) Huntington, Political order in changing societies, 47-48.

(6) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، “تقرير التنمية البشرية 2010: الثروة الحقيقية للأمم”، (الولايات المتحدة الأميركية، 2010)، ص 147-151.

(7) للمزيد حول مضامين نظرية الحرمان النسبي، خاصة على مستوى داخل الدولة الواحدة، انظر:

Iain Walker and Heather J. Smith, eds., Relative deprivation: Specification, development, and integration (UK: Cambridge University Press, 2002).

(8) Huntington, Political order in changing societies, 39-46.

(9) Ibid, 12-23.

(10) Clement Henry and Jang Ji-Hyang, eds., The Arab spring: Will it lead to democratic transitions (USA: Palgrave Macmillan, 2013), 108.

(11) يوسف محمد الصواني، ريكاردوا رينيه لا ريمونت، الربيع العربي: الانتفاضة والإصلاح والثورة، ترجمة لطفي زكراوي، (لبنان، منتدى المعارف، 2013)، ص 173-174.

(12) International Monetary Fund, “Algeria: 2011 Article IV Consultation—Staff Report,” (Public Information Notice. IMF Country Report No. 12/20, (January 2012), 1.

(13) Lahcen Achy, “The price of stability in Algeria,” The Carnegie, April 2013, 10-11, “accessed October 4, 2018”. https://bit.ly/2TnHPEp.

(14) International Monetary Fund, “Algeria: 2011 Article IV Consultation—Staff Report,” 3.

(15) “الرئيس عبد العزيز: نبذة عامة”، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية: رئاسة الجمهورية، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018)، https://bit.ly/2SwpnK3.

(16) Yahia H. Zoubir and Ahmed Aghrout, “Algeria’s Path to Reform: Authentic Change?,” Middle East Policy, Vol 19, no. 2, (Summer 2012): 70-71.

(17) Ibid, 72.

(18) “La DGSN triple ses effectifs en cinq ans,” Le Matin d’Algérie, Octobre 23, 2014, “accessed October 20, 2018”. https://bit.ly/2CICYZ3.

(19) “المؤشر العربي 2014: التقرير الكامل”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 26 سبتمبر/أيلول 2014، ص 247، (تاريخ الدخول: 21 أكتوبر/كانون الثاني 2018)، https://bit.ly/2m8nabH.

(20) مايكل روبينز، “هل تفادت الجزائر الربيع العربي: البارومتر العربي يستقصي تغيرات بلد وشعب”، البارومتر العربي، أبريل/نيسان 2014، (تاريخ الدخول: 21 أكتوبر/تشرين الأول 2018)، https://bit.ly/2Ruczqe.

(21) Arab Barometer, “Algeria five years after the Arab uprising,” April 15, 2017, “accessed October 21, 2018”. https://bit.ly/2VlTXaR.

(22) Office National de statistique, “Démographie Algérienne 2017,” no. 816, “accessed October 22, 2018”. https://bit.ly/2Rv1kxu.

(23) Direction de la communication, “compagne présidentielle Bilan (1999-2014),” Avril 17, 2014, “accessed October 22, 2010” https://bit.ly/2SyCSZq.

(24) Global Hunger index, “The inequalities of hunger,” October 2017, International Food Policy Research Institute, “accessed January 2, 2019”. https://bit.ly/2R1oI6u

(25) United nations development programme, “Human development Data (1990-2017),” “accessed January 2, 2019”. http://hdr.undp.org/en/data.

(26) Ibid.

(27) وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر، خمسون سنة في خدمة التنمية 1962-2012، (الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية)، ص 32.

(28) إلهام بوثلجي، “2 مليون طالب بالجامعات الجزائرية في 2019″، الشروق، 26 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2019)، https://tinyurl.com/y8ch7nk4.

(29) United nations Development programme, “Human Development Data (1990-2017),” “accessed August 9, 2019”. http://hdr.undp.org/en/data.

(30) عبد السلام سكية وحسان حويشة، “هذه حصيلة بوتفليقة خلال 15 سنة من الحكم”، الشروق، 21 مارس/آذار 2014، (تاريخ الدخول: 9 أغسطس/آب 2019)، http://bit.do/e35g7

(31) Human development reports, “2018 Statistical update,” “accessed January 2, 2019”. http://hdr.undp.org/en/2018-update.

(32) International Monetary Fund, “World Economic Outlook,” October 2018, “accessed January 2, 2019”. https://bit.ly/2TiiL1y.

(33) Office National de statistique, “Activité, Emploi & Chômage en Avril 2018,” “accessed January 2, 2019”. https://bit.ly/2TlptE4.

(34) بناءً على آخر إحصاء للسكان قام به الديوان الوطني الجزائري للإحصاء في يوليو/تموز 2017.

(35) Arab Barometer, “Algeria five years after the Arab uprising,” 8.

(36) World Bank, “Worldwide Governance Indicators,” “accessed December 28, 2018”. https://bit.ly/1e7qLWK.

(37) Arab Barometer, “Algeria five years after the Arab uprising,” 8-9.

(38) Transparency International, “Corruption Perceptions Index 2017,” “accessed December 28, 2018”. https://bit.ly/2BJaDBF.

(39) “السيرة الذاتية: أحمد أويحي”، بوابة الوزارة الأولى، تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2018)، https://bit.ly/2Qf0SPq.

(40) بناءً على تواريخ مولد الوزراء الحاليين الواردة في سيرهم الذاتية على الموقع الإلكتروني للوزارة الأولى، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2018)، https://bit.ly/2F56omP.

(41) Dalia Ghanem-Yazbeck, “Algeria: Reform before demands turn revolutionary,” 28 April 2017, Elcano Royal Institute, “accessed January 1, 2019”. https://bit.ly/2TkMnLS.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى