المكتبة الاقتصاديةالمكتبة السياسيةدراسات اقتصاديةدراسات جيوسياسيةكتب

كتاب إمبراطور الغاز – نتاليا غريب

صدر عن مكتبة مدبولي كتاب مترجم إلى اللغة العربية ، بعنوان إمبراطور الغاز ( 267 صفحة ) ، للصحفية الروسية المتخصصة بالشؤون الإقتصادية ناتاليا غريب – العاملة في واحدة من الصحف الروسية المهمة ” كومرسانت ديلي ” والتي تحظى بإهتمام صفوة المجتمع الروسي ، وبترجمة الصحفي والإعلامي الدكتور عمار قط ، الذي حاول بلمساته الفنية اللغوية إختيار المفردات التي تسهل فهم مضامين الرسائل التي حاولت المؤلفة إيصالها إلى قراء هذه الموسوعة التاريخية لأهم الصراعات التي قادتها روسيا للبقاء كإمبراطورة للغاز العالمي بقيادة ” الإمبراطور ” فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية الحالي ، في حين قام بتقديمه الدكتور أشرف الصباغ .

تحميل الكتاب من هنا

 

مراجعة للكتاب

يتحدث الكتاب عن التحول الكبير في جعل الغاز في ظل إدارة فلاديمير بوتين كرئيس روسي سابق ، ورئيس للوزراء حاليا ، من بضاعة إلى مصدر للسياسة الإستراتيجية الخارجية ، فمن المعروف أن أوربا تستخدم الغاز الروسي منذ عشرات السنين في الصناعة ، وفي مفردات الحياة المعيشية البسيطة ، وإن هذا الإستخدام في إزدياد مضطرد ، وهذا يعني أن إحتكار الغاز الروسي من قبل عملاقة الشركات الروسية ” غاز بروم ” سمح برفد ميزان البلاد بخمس الدخل القومي .

فصول الكتاب التسعة تكشف الكثير من أهداف وتحركات روسيا الإقتصادية والسياسية و الجيوسياسية إقليميا ودوليا ، وتفتح النافذة قليلا على التغييرات التي طرأت على توجهات روسيا ما بعد الإتحاد السوفيتي كدولة ” رأسمالية ” تسعى بشكل برغماتي تماما إلى تحقيق مصالحها في إطار الصراع الرأسمالي – الإحتكاري الدولي على مصادر الطاقة وتوسيع النفوذ الإقتصادي والعسكري .

أن الغاز في عهد بوتين تحول إلى كل شيء بالنسبة للإقتصاد والسياسة في البلاد ، ولم يعد هذا السائل الأزرق مجرد بضاعة ، بل أصبح معادلة للتعاون الإيجابي ، وبما أن القسم الأكبر من أوربا يستهلك الغاز الروسي فعليه أن يتحاور مع موسكو ويتفهمها ويتفق معها ، وكذلك الحديث بلغة مفهومة للطرفين ، لذلك أصبح الغاز هو لغة جديدة للحوار ، وأصبح بوتين المبادر الأول في صياغة لغة الغاز في شؤون السياسة الدولية ، وكذلك يشكل اليوم أداة حقيقية للتأثير على الموقف الدولي في العديد من دول أوربا وآسيا وعلى الأقل في روسيا .

أن روسيا تؤكد يوما بعد آخر بأن أحد المرتكزات الأساسية لسياستها الخارجية يتمحور حول عنصر الطاقة بكل روافده وأشكاله ، وليس مصادفة أن أعلن بوتين نفسه في عام 2005 ، أن عام قيادة روسيا لمجموعة الثماني الكبار سيكون ” عام الطاقة ” في العالم ، فموسكو التي فقدت السيطرة على دول حلف وارسو والإتحاد السوفيتي السابقين أكتشفت أنها مضطرة لإستخدام آليات جديدة في الحفاظ على ما تبقى بعد إنهيار الكتلة الشرقية بالكامل ، و إنضمام غالبية أعضائها إلى الإتحاد الأوربي وحلف الناتو ، بينما تفكر البقية الباقية في كيفية حصولها على عضوية هاتين المؤسستين الدوليتين المؤثرتين .

وفي واقع الأمر ، أصبحت شركة ” غاز بروم ” تشبه إحدى مؤسسات السلطة منذ أن أصبح ألكسي ميللر ، صديق بوتين منذ كان يعيش في مدينة سانت بطرسبورغ ( مسقط رأس فلاديمير بوتين ) ولديها قناة تلفزيونية وشركة نفطية ضخمة ، بل وأصبح لها جهاز دبلوماسي يجري محادثات مع قادة الدول الأخرى ، ويرى كثيرون من المراقبين إن الرئيس بوتين هو أول مسئول في حقيقة ألأمر يهتم بشركة ” غاز بروم ” ، ومن ثم أصبحت الشركة وسيلة سياسية كانت تستخدمها الإدارة الروسية في السابق في الضغط على الجيران السوفيت السابقين من أجل عدم الإنسحاب من ” رابطة الدول المستقلة ” وأصبحت تستخدم اليوم ضد من أرتكب من تصفهم ” بالخيانة ” وفقا لمصطلحات المحللين الروس .

بوتين يتخذ شخصيا القرارات المتعلقة ب ( غاز بروم ) ، ويمكن إدراك هذا الإهتمام الفائق من قبل الشخص الأول في الدولة بشركة واحدة ، هو بسبب حول الموازنة الفيدرالية الروسية على 20% من إيراداتها من ( غاز بروم ) ورأسمال هذه المؤسسة وحدها يشكل 35 % من قيمة السهم المتداولة في سوق المال الروسية حيث وصل حجم عائدات الشركة مثلا عام 2008 من التصدير 64 مليار دولار ، رغم أن ثلثي الغاز المستخرج لدى الشركة تبقى في روسيا وتعزز اقتصاد البلاد .

روسيا تدوس على أنف أوربا

تحاول الكاتبة في مفرداتها حول التعاون الروسي الأوربي في مجال الطاقة تسليط الضوء على الدور الكبير الذي لعبه ويلعبه فلاديمير بوتين الذي قام بمحاولة لإختراق أوربا المتحضرة ، إنطلاقا من إيمانه بأنه يجب على روسيا أن تحتل أخيرا مكانة مرموقة في النادي المغلق للدول العظمى بفضل مصادر الطاقة ، فبحث إستراتيجية الطاقة الروسية حتى عام 2020 وعملية تبادل الأصول في قطاع الطاقة بين روسيا وأوربا التي تقدر قيمتها ب ( 100 ) مليار دولار ، ولكن لو تم هذا التبادل لتمكنت روسيا من الإندماج الفعلي ، وبالنتيجة تحصل الشركات الأوربية على حصص في حقول النفط والغاز في سيبيريا ، فيما تحصل الشركات الروسية ( غاز بروم ولوك أويل و روس نفط ) على معامل تكرير ومحطات كهرباء في أوربا الغربية ، و لأرتفعت حصة ( غاز بروم ) في السوق الداخلية للإتحاد الأوربي من 23% إلى 33% مع حلول عام 2015 م .

لقد دعا فلاديمير بوتين مرارا وتكرار ومنذ عام 2000 إلى الإندماج في سياسة الطاقة ، لكنهم ( أي الأوربيين ) تعاملوا مع جميع المبادرات من طرف واحد ، أي أنهم أيدوا كل ما فيه مصلحة الإتحاد الأوربي ، أما ما كان يستوجب تنازلات متبادلة فكان يجري إرجاؤه إلى ما بعد ، فقد أقر الإتحاد الأوربي وبمبادرة من هولندا ( ميثاق الطاقة الأوربي ) عام 1991 ، وتم وضع المبادئ السياسية في إتفاقية ملحقة بالميثاق عرضت على التوقيع عام 1994 م بهدف توجيه أموال المستهلكين في أوربا الغربية للإستثمار في حقول البلدان المنتجة للغاز ، ووقعت روسيا إلى جانب 50 بلدا على الإتفاقية إلا أنها لم تصادق عليها حسب الأصول القانونية حتى الآن بسبب أن روسيا ومن وجهة نظر نائب وزير الطاقة أناتولي يانوفسكي وقعت على ميثاق الطاقة ” وعولت على إستثمارات ضخمة وتقنيات و تفعيل للطاقة ، لكننا لم نحصل على شيء ، وزيادة على ذلك ، إقترحوا علينا ، وفي إطار بروتوكول الترانزيت ” أن نخلع ونستعد ” وهذا يقضي بأن نفتح أنابيبنا لكل من يرغب بينما لم يسمحوا لنا بالدخول إلى أي مكان ” .

إن قادة أوربا القديمة لم يبدلوا مشاعر الإحترام والثقة بالصداقة اللآمبالية للروس ، ولم تتفق أوربا مع روسيا بشأن أمن الطاقة بحجة أن الأموال المتداولة في موسكو ، تفوق في لحظات معينة ، الإحتياطات المالية في أي عاصمة أوربية ، الأمر الذي أدى إلى نفاذ صبر المسئولين الروس ، الذين إنتقلوا إلى المجابهة ، وهدد نائب رئيس مجلس إدارة غاز بروم ألكسندر ميدفيديف على هامش أعمال المنتدى الإقتصادي الروسي في لندن عام 2006 ” بأن ميثاق الطاقة في صيغته الحالية هو وثيقة موجهة ضد روسيا ، وإن روسيا لن تصادق عليه قبل إجراء تعديلات حقيقية ” .

حاول بوتين الحديث مع الإتحاد الأوربي بلغة أمن الطاقة وأوضح ” أن مشاريع الطاقة تتطلب إستثمارات كبيرة وهي مربحة من وجهة النظر الإقتصادية وتحمل طابعا سياسيا لأن زيادة دور أية دولة في سياسة الطاقة الأوربية سيرفع من شأنها وكلمتها ” مشيرا إلى أن بلاده فتحت الطريق إلى مصادرها الطبيعية ولكن مقابل التقنيات الأوربية ” والمعدن المفكر ” إضافة إلى حصص في محطات الكهرباء وشبكت توزيع الغاز . أما الأوربيون فكانوا يبحثون باستمرار وبتفاؤل شراكة مع العديد من الشركات الروسية ( غاز بروم ولوك أويل وروس نفط ) في حصة معينة من الشركات الصناعية في أوربا الغربية ، ولكن عندما يصل الأمر إلى الموافقة السياسية على الصفقة يرمون بروسيا إلى الخارج ، فقد أجرت ( غاز بروم ) محادثات مثلا عام 2006 بشأن الحصول على حصة 20% في ( سينتريكا ) أضخم شركة طاقة بريطانية ، إلا أن مجلس اللوردات في البرلمان البريطاني أتخذ قرار خاصا بمنع هذه الصفقة .

ولعل مشروع خط أنابيب نقل الغاز ( السيل الشمالي ) من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، الذي اقترحه فلاديمير بوتين ، بات يعد خطة سياسية جريئة في مجال الطاقة ولم يتمكن الأوربيون من إستيعابها بعد ، ويخشى الإتحاد هذا المشروع ليس بمقدار اقل من خوفه من التهديد النووي السوفيتي ، كان يمكن أن تنضم إليه جميع بلدان حوض البلطيق والبلدان المجاورة ، إلا أنه لم يغامر بالانضمام له سوى المختارون ، حيث يتمتع المشروع بالتأييد المطلق من قبل ألمانيا وهولندا وبريطانيا وفرنسا ، ويوحد بينهم سعيهم لتأمين التوريدات خلال السنوات الثلاثين المقبلة وتجنب العجز في المصادر أو احتمال أزمة طاقة حيث سيزداد حجم الإستهلاك الأوربي للغاز الطبيعي من 336 مليار متر مكعب في عام 2005 إلى 536 مليار م3 في عام 2015 وستتمكن روسيا من توريد 170 مليار م3 سنويا إلى الإتحاد بعد تشغيل خط السيل الشمالي .

وتدرك السيدة غريب ولأول مرة ومنذ مؤتمر ( السيل الشمالي – التداعيات في منطقة بحر البلطيق ، فبراير 2007 ) إلى أي حد تخشى أوربا التهديدات المحتملة من قبل روسيا ، و أعتبرته داءا طفوليا لدى الأوربيين الذي يبتلع كل شيء ، وأصبح واضحا لها سبب المعارضة القاطعة بوجه مشروع خط أنابيب الغاز من قبل السويد و الدنمارك وبولونيا ولاتفيا و إستونيا ” كان هذا رعبا حقيقيا ” لأن هذه الدول لن تحصل من المشروع المذكور لا على الغاز ولا على رسوم للعبور ، حيث تبقى حصة السويد وبولونيا وليتوانيا و إستونيا ، هي مخاطر حصول كارثة بيئية في بحر البلطيق ، في وقت تمثل كل من الدنمارك وفنلندا دور المفاوض الحيادي .

الترهيب والترغيب

ويسرد الكتاب بإسهاب كبير ، سياسة الترهيب والترغيب التي سارت عليها روسيا في التعامل مع ( أبناء العمومة ) السابقين سواء في أوكرانيا أو بيلاروسيا وجورجيا وغيرها من بلدان رابطة الدول المستقلة وذلك في إستراتيجية روسية جديدة تهدف للسيطرة على غاز أو شبكات نقل الغاز أو الإثنين معا في أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة ، فإن موسكو لم تتوان عن إعتماد أقصى درجات القسوة مع ” الثوار البرتقاليين ” في أوكرانيا والدخول في مواجهة صارمة مع أوربا والولايات المتحدة ، وبالتالي كسبت جولتها بعد الإطاحة ( بالبرتقاليين ) مدشنة سيطرتها على شبكات نقل الغاز في الأراضي الأوكرانية ، في وقت تدور أحاديث على درجة عالية من الحساسية تدور حول نية موسكو للإطاحة بالرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ، لأن روسيا وببساطة ترغب في الإستيلاء على شركة الغاز البيلاروسية بتشكيل شركة متحدة تكون لروسيا السهم المسيطرة عليها ، و مينسك ترفض ذلك ، لأنها تعلم جيدا بأنها لن تستفيد أي شيء من هذه الصفقة .

في حين أن حروب الطاقة بين تبليسي وموسكو إمتدت طويلا قبل أن تتحول إلى نزاع مسلح مفتوح عام 2008 وكانت جورجيا تعاني وعلى مدى السنوات العشر الماضية بشكل منتظم من العجز في الطاقة الكهربائية حيث يرى بوتين أن على روسيا ” أن تتخلص من واقع أنها بقرة حلوب للجميع ، ولكل من هب ودب ، نحن نلبي شروط شركائنا آخذين بعين الإعتبار مصالحهم ، ولنا الحق بالمقابل في أن نطالبهم بإحترام مصالحنا ” .، .

إن أزمة الغاز في يناير 2006 بين روسيا وأوكرانيا مثلا ألقت بضلالها على منظومة العلاقات الهشة ، سواء السياسية أو الإقتصادية ، بين روسيا وأوربا من جهة ، وبين موسكو و كييف من جهة أخرى , وكشفت عن مساعي روسيا إلى إستخدام آليات جديدة – قديمة في التعامل مع جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق التي خرج كل منها عن ” الطوع الروسي ” بدرجات أو أخرى ، غير أن الأخطر هنا هو أن تسوية الأزمة كشفت عن جملة من المعضلات الأخرى التي تلخص الدرس العميق الذي أعطاه الروس لأوربا أو للرفاق السوفيت القدامى الذين يسعون إلى الإبتعاد عن موسكو مفضلين التكامل مع المؤسسات والهيئات الأورو أطلسية .

إن تحول ملكية خطوط نقل الغاز والتي يبلغ طولها نحو 4 ألاف كلم ، ومؤلفة من 24 أنبوبا مرصوصا جنب إلى جنب من روسيا إلى أوربا بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 أي إلى بلدان رابطة الدول المستقلة ودول البلطيق ، قسم صمامات شرايين الجسد الواحد إلى عدة أجزاء وتم تحديد عملية تبادل المعلومات بين إدارات المراقبة ، ومع نهاية التسعينات تمكنت ( غاز بروم ) من شق ممر وبهدوء في العديد من هذه الدول ، وأصبحت ضمن المساهمين في شركات نقل الغاز اللاتفية و الليتوانية و الأرمنية بحصولها على الحصة المتحكمة ، وبما أن حجم إستهلاك هذه الدول لا يزيد عن ملياري م3 من الغاز سنويا ، فإن الصراع على أسواق التصريف الكبيرة كان مؤجلا .، في حين تتمسك تركمنستان بتكتيك التصادم المباشر لمتنافسين على هدف واحد ، ألا وهو جني الأرباح من الغاز ، وتمكن الكريملين إلى هذا الحد أو ذاك من إقناع عشق آباد بأنه لا بديل عن الصداقة مع روسيا ، ما حدا بتركمانيا إلى التمسك بكلمتها وتحافظ على أولوية العلاقة مع روسيا ، خصوصا وأن الأخيرة وافقت على الإنتقال ومنذ يناير 2009 إلى ” الصيغة السعرية حسب مبادئ السوق ” ، ليحافظ الكريملين على رقابة حركة الطاقة في المنطقة حتى نهاية عام 2010 ورسميا حتى عام 2028 .

نابوكو – لغم عبر بحر قزوين

من وجهة نظر الكتاب فإنه ليس هناك أعداء في حروب الطاقة بل هناك متنافسون ، مادامت العقيدة العسكرية للقادة الدوليين تسمح على أقل تقدير بالحفاظ على العلاقات الدولية في إطار التمارين الدبلوماسية والإعلانات السياسية ، طالما أن خصوم الأمس في الطاقة يمكن أن تضمهم شركة واحدة غدا وتحولهم مرة واحدة إلى حلفاء ، لأن العلاقات بين المتنافسين ، كقاعدة تبنى على أساس المصالح التجارية .

ولعل مشروع خط أنابيب ( نابوكو ) الذي قامت خمس شركات ( أو إم في ) النمساوية و ( بوتاس ) التركية و ( بلغار غاز ) البلغارية و ( ترانس غاز ) الرومانية و ( مول ) الهنغارية بتأسيسه بحصص متساوية بطول 4 ألاف كلم وبطاقة 31 مليار م3 سنويا وبتكلفة تصل إلى 7.9 مليار يورو ، وأصبحت ( آر دبليو إي ) الألمانية الشريك السادس ما أدى إلى تخفيض حصص الآخرين بحجم غير كبير ، إلا أنها أبقت خارجا الشركة الفرنسية ( غاز دو فرانس ) ، تعتبره روسيا بأنه ذو خلفية واضحة ومعادية لها ، وإن كان من المفترض أن يبدأ المشروع في عام 2008 لكن عجز المساهمين في المشروع إيجاد مصادر كافية للضخ لذا تم تأجيل التنفيذ مرة أخرى ، على الرغم من أنه كان ( لنابوكو ) إمكانية أن يخفض إعتماد الإتحاد الأوربي على الغاز الروسي بشكل جدي ، ويسهم في تعطيله الحلفاء والخصوم ، في حين نعته الأمين العام لأمانة ميثاق الطاقة الأوربي أندريه مارنيه ب ” الطفل المولود ميتا ” .

واستغلت تركيا هذا المشروع لتحقيق مصالح وطنية ، حيث أنها أدركت أهميتها الجغرافية على طريق مصدر الخامات من الشرق الأوسط ووسط آسيا إلى أوربا واشترطت أن يكون مقر إدارة الغاز على أراضيها ودعا رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان أوربا إذا أرادت بناء الخط لإستئناف المفاوضات حول إنضمام بلاده إلى الإتحاد الأوربي ، وبعكسه فإن تركيا ترفض حتى الآن الإنضمام إلى إتحاد في مجال نقل الغاز كبلد عبور ، في حين قررت أوكرانيا إستثمار المتناقضات بين المشاركين في المشروع وتقدمت رئيسة حكومتها يوليا تيموشينكو عام 2007 بمشروع جديد للغاز عبر بحر قزوين والبحر الأسود بإسم ( السيل الأبيض ) إذ أنه يتجنب عبور تركيا ويختار أكثر الطرق أمانا ومنفعة إقتصادية .

بالإضافة إلى ذلك يشير خبراء إلى مشاكل قانونية تتعلق بمسألة عدم تقاسم الرصيف القاري في بحر قزوين وعدم توثيق ذلك قانونيا بين الدول المطلة على هذا الحوض ، ، وإن ذلك يرجح ألا يتم بناء مشروع ( نابوكو ) لحساسية وضع البنية التحتية للطاقة في المنطقة ، في حين تعتبر أذربيجان أن بناء الخط دون المرور بروسيا هو صراعات مجمدة في القفقاس ، بالإضافة إلى أن الإتحاد الأوربي مازال بعيدا عن الإتفاق بشأن المشروع ، وأعرب المفوض الخاص لشؤون آسيا في الإتحاد الأوربي بيير موريل في نهاية كانون الثاني / يناير عام 2009 عن شكوكه حول إطلاق المشروع مع حلول عام 2013 مشيرا إلى ضرورة ” توخي الحذر بشأن تعيين مواعيد محددة ، لأن الكثير من أمثال هذه المشاريع تصطدم بظروف معطلة ، ويتطلب إتمام بناء خط أنابيب مهم كهذا زمنا ليس بالقليل من 5-12 سنة ” .

تبقى أمريكا المنافس الحقيقي لروسيا حتى يومنا هذا في مشروع ( نابوكو ) بمصادر تركمانيا وأذربيجان مع الأخذ بعين الإعتبار إنضمام كازاخستان وأوزبكستان بإحتياطات تقدر ب ( 1.6 ) تريليون م3 من الغاز ، و أتفقت بلغاريا عام 2008 على توريدات مباشرة بحجم 2 مليار م3 من الغاز التركماني سنويا عبر خط ( نابوكو ) ، لذلك ترى الكاتبة أن المنافسة إحتدمت ما يترتب على موسكو إتخاذ حلول غير إعتيادية من أجل تعطيل برامج بناء نابوكو وخط أنابيب الغاز عبر قزوين مشيرة إلى أن الكريملين ممكن أن يلجأ إلى مختلف الألاعيب إبتداءا من الزيارات المتزامنة للقيادات الروسية إلى أوربا وآسيا الوسطى وحتى المناورات الجانبية .

تحت وصاية الأوبك

أثار إحتمال تأسيس إتحاد لمنتجي الغاز رد فعل سلبي حاد من قبل أمريكا ، وقبل أسبوع من إفتتاح منتدى الدول المصدرة للغاز في الدوحة طلبت نائب رئيس لجنة الكونغرس الأمريكي للشؤون الدولية إليانا ليتينن من وزيرة الخارجية كونداليزا رايس أن ” تعارض بفعالية تأسيس منظمة عالمية للإبتزاز و الإستغلال ، بما أن تأسيس إتحاد للغاز سيعتبر تهديدا عن سبق الإصرار والترصد لأمريكا ” بالنتيجة ، قدم للكونغرس الأمريكي مشروع قانون ، يعطي الحق لحكومة البلاد متابعة أية منظمة يجري تشكيلها على غرار الأوبك ، وصولا إلى الصراع المسلح ” .

لقد نبه خبراء سياسة الطاقة في وقت مبكر إلى أن الإعتبارات المتفاوتة بين الدول المختلفة المشاركة في المنتدى لن تسمح بخلق منظمة متضامنة للدفاع عن مصالحهم ، وأوضح رئيس معهد سياسة الطاقة ووزير الطاقة الروسية الأسبق فلاديمير ميلوف ” أن قطر ريادية في التوريدات إلى أمريكا وبريطانيا ، والجزائر إلى إسبانيا وإيطاليا ، وهما لا تستطيعان تعويض توريدات بعضهما البعض عندما تصل الموردين والمستهلكين خطوط أنابيب مباشرة وكقاعدة لا يتقاطعون ” . ، ولذلك فإن أمن الطاقة بالنسبة للذين يملكون المصادر يتمثل في الحفاظ على السيادة على إحتياطاتهم الوطنية من خامات الطاقة ، وإمكانية الحصول عليها بالكميات اللازمة وبشروط واقعية ، ولهذا السبب لا بد من الإتفاق في إطار نادي الغاز الكبير حيث الأمور المضمونة لن تتبدل في المستقبل المنظور .

وترى الكاتبة أن تشكيل آليات ( أوبك الغاز ) حسب مبادئ إتحاد النفط ليس له معنى ، لأن توريدات القسم الأكبر من الغاز تتم على أساس عقود طويلة الأجل ، وتنقل عبر خطوط الأنابيب التي تصل آبار الاستخراج بالسخانات في البيوت مباشرة ، ويختلف الغاز عن النفط بأنه صعب التخزين ، وتكاليف بناء الخزانات مرتفعة ، كما إن إمكانيات تخزين الغاز المسال محدودة ، لان سوق الغاز المسال ، رغم أنها تتوسع ، إلا أنها لا تزيد عن 30%من مجموع كميات المبيعات ، ولذلك فإن تنسيق الأعمال في خطوط الأنابيب الجديدة ومشاريع إسالة الغاز هي دعوة قابلة للتحقيق لدى المشاركين في المنتدى ، وهي تعطي روسيا وقطر وغيرهما من أعضاء نادي الغاز العالمي إمكانية ” الحصول ” على أسعار أعلى للغاز .

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى