دراسات سياسية

إهمال التاريخ الاستراتيجي ورثاء الأسى السياسي

عامر مصباح جامعة الجزائر 3
24/01/2017
خلال المؤتمر الصحفي في العاصمة الكازخستانية، أستانا، قال رئيس وفد الحكومة السورية في محادثات السلام مع المعارضة السيد بشار الجعفري بأننا: “نشعر بالأسى على أننا نجلس مع مواطنين سوريين في غرفة واحدة للتفاوض، يمثلون أجندات أجنبية”. لكنه لم يتساءل لماذا اندفع المواطنون نحو الخارج، واستعانوا بالأجنبي ضد حكومتهم في حرب ضروس دمرت معظم البنية التحتية للبلاد، وتسببت في إحداث تمزقات سوسيولوجية، وآلام نفسية وانقسامات مجتمعية حادة وعميقة؟
إذا نظرنا إلى الخلف قبل تقريبا ثماني سنوات وفي دولة مجاورة لسوريا، نجد أن القوات الأمريكية حملت على دباباتها المعارضة العراقية التي عاشت طريدة في دول الجوار لأكثر من ثلاثين سنة، وكان التسويق السياسي لحزب البعث خلال هذه الفترة يروّج بأن هؤلاء خونة، عملاء، …، حتى انقلب على الحكومة العراقية حلفاؤها واستغلوا أفراد وجماعات المعارضة المطاردة في الخارج، وتعاونوا مع الاحتلال ودخلوا فوق الدبابات الأمريكية؛ وخربوا البلاد عبر حرب مذهبية بلا نهاية وقد مضى الآن على الحرب تقريبا 13 سنة ولازالت البلاد غارقة في حرب ضروس.
نفس الثقافة السياسية والمنهجية الأمنية اتبعت في سوريا، التي دفعت المعارضة وجماعات كبيرة داخل المجتمع لقتال القوات الحكومية في حرب مدن قاسية، وكلما يسيطر الجيش على منطقة يتفجر الوضع في منطقة أخرى؛ يظهر من خلال قسوة القتال والاستماتة في مواجهة القوات الحكومية، أن الأمر لا يتعلق بمرتزقة قادمين من الخارج أو جماعات تمت رشوتها بالمال الخليجي؛ وإنما تتعلق بحقائق الثقافة السياسية غير الوظيفية التي ولدت دائرة سياسية ضيقة لا تستطيع استيعاب كل الآراء، المواقف، الإيديولوجيات، السياسات؛ وعندما اشتدت الدائرة في صلابتها، تشظت إلى قطع تناثرت في كل مكان، محدثة آلام عميقة وجراح ثخينة.
المأساة الأعمق من ذلك، أن دولا عربية أخرى تشاهد ما يحدث حولها، ولكنها مستمرة في إهمال تجارب التاريخ الاستراتيجي الإقليمي، مثل ما فعلت الحكومة السورية عندما كانت تشاهد المسرح الاستراتيجي العراقي يتمزق بفعل الاحتلال والحرب المذهبية التي أقل ما يقال عنها، انها تشبه الحروب الصليبية في القرون الوسطى. لازالت لحد الآن بعض الدول العربية تطارد معارضيها بالقضاء وأحكام الإعدام الجزافية، السجن لمدى الحياة، تجريد الجنسية، ممارسة التعذيب، والقتل المتكرر خارج حكم القانون وبالشبهة. سوف تحوّل مثل هذه الأعمال الكثير من الناس إلى براميل للانتقام السياسي الشامل بواسطة دعم الاخرين وفي مقدمتهم إسرائيل.
عندئذ، لاينفع أسى بشار الجعفري، طالما أن هناك إهمال للتاريخ الاستراتيجي.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى