نظرية العلاقات الدولية

استخدام القوه ودوره في العلاقات الدولية – الجزء الأول

خطة البحث :
على هذا النحو إذن وباعتماد مختلف هذه المناهج والوسائل سنتناول هذا الموضوع “حق استعمال القوة دوره في صناعة الفعل السياسي الدولي”، من خلال فصلين :
الفصل الأول : استعمال القوة في العلاقات الدولية
الفصل الثاني : انعكاسات استعمال القوة على واقع الفعل السياسي الدولي

الفصل الأول : استعمال القوة في العلاقات الدولية
إن القوة هي إحدى الوسائل والأدوات التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها فمفهوم القوة شامل يستند إلى مجموعة من العوامل ومنها العوامل الاقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية تؤثر في بعضها البعض وتعد عاملا لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدول وهناك جملة من المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية وأهمها : التدخل المباشر كالحرب العسكرية واستخدام القوة بشكل مباشر وغير مباشر عبر المؤامرات وحرب العصابات والتحالفات الجماعية وتحالفات سياسية وعسكرية كالحلف الأطلسي وتحالفات سياسية واقتصادية كالاتحاد الأوروبي.
ثم هناك التدخلات غير المباشرة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة.

ومن أبرز الصفات الأساسية المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة والتي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكيل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف تنظيم ظاهرة القوة وأن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت بذلك المنظمات العسكرية والسياسية والاقتصادية.

كما أن هذه القوة فإنها أصبحت تشكل دورا هاما في السياسة الدولية بحيث أصبحت تتحلى بوضوح في التفاعل الحاصل بين الدول وبذلك تحولت مواضيع القوة في العلاقات الدولية من بين المواضيع إثارة للخلاف حول مدى فعاليات ومقتضيات القانون الدولي وأحيانا حول حقيقة وجوده ذلك أن الهدف من وراء ذلك هو محاولة الوقوف وتقنين استخدام القوة العسكرية واللجوء إليها وذلك عن طريق ضبط مثل هذا الاستعمال ومع ذلك لازال هناك نصوص ونقص يعتري الاتفاقيات والإعلانات إزاء بعض الموضوعات المتعلقة باستخدام القوة والمؤدية إلى مجموعة من الاختلافات والانقسامات الحادة في هذا المجال ولعلها ساهمت بصورة كبيرة في استخدام القوة في حالات عديدة وبصورة متعسفة وغير مبررة كما أن هذه التفسيرات لاستعمال القوة فإنها تحتاج إلى دراسة مع مدى انسجامها مع القانون الدولي قصد الإلمام باستخدام القوة في العلاقات الدولية ومعرفة حدود هذا الاستعمال بكل أشكاله وتناقضاته حتى يتسنى لنا الوصول إلى حقيقة بأن العلاقات الدولية هي علاقة أو علاقات بين الأعداء لايحكمها إلا منطق القوة وأن السلام بمفهومه الأخلاقي ليس من عالم العلاقات الدولية كما أن الاعتماد على القوة العسكرية دون غيرها لن يجعل العالم إمبراطورية واحدة كما أن المفاهيم والنظريات نجدها توصى بالأعداد وامتلاك القوة لأنها ضرورة لإحقاق الحق وإزالة العوائق وجميع حروب الهيمنة والحروب التوسعية ثم الحروب غير العادلة فهي حروب استعمارية عدوانية وغير مشروعة وغير عادلة ذلك أن الحرب والمجابهة من صميم العلاقات الدولية لذلك يقتضي الأمر امتلاك القوة واستعمالها لرد العدوان.

وبهذا فإنه لا يجوز لأطراف المجتمع الدولي استخدام السلطان والاستعمال غير القانوني للقوة العسكرية في العلاقات الدولية، مما يضع السلام والأمن الدوليين في خطر حقيقي وخصوصا أن هناك من يقف فوق القانون وفوق البشرية وينتهكون حقوق الإنسان ويتصرفون على هذا الأساس، وذلك من أجل فرض الهيمنة والتحكم في السياسة الدولية بدون منازع ومن خلال هذا كله من ضروري والحكمة تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين استعمال القوة في العلاقات الدولية المبحث الأول، واقع استعمال القوة في العلاقات الدولية.

المبحث الأول : اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية
من المعلوم أن الحرب وسيلة من وسائل العنف تلجأ إليها الدول لفض المنازعات وخلافاتها أو سعيا وراء تحقيق غاية أو مطمع سياسي أو إقليمي، ولما كانت هذه الظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني والقواعد القانونية التي تحكمها وتنظم سير عملياتها كانت محل اهتمام القانون الدولي وموضوعا لاتفاقاته وقد تأصل قانون الحرب بعد أن أعلنت الدول استعدادها للحد من اللجوء إلى القوة عن طريق إخضاع الأعمال العسكرية لبعض قواعد الأطراف وفرض الالتزامات بإصدار تصريح سابق عن نشوبها.

وقد توجت هذه الصيرورة بعد الإعلان عن حظر القوة في العلاقات الدولية وإن كان هذا الحظر غير مطلق زد على ذلك أن الدول لا تتقيد به بشكل تام.[1]
وعليه ومن خلال هذا البحث سنعمل على دراسة ظاهرة استخدام القوة في المطلب الأول، ثم الواقع الدولي لاستخدام القوة في المطلب الثاني.
المطلب الأول : مظاهر استخدام القوة في العلاقات الدولية
في العلاقات الدولية تتوزع مجموعة من الممارسات سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، ومن خلالها يمكن تحديد مظاهر هذا الاستخدام ولكن هذه المظاهر تختلف وتتنوع حسب ما تقتضيه الأحداث الدولية ومن المفيد بين هذه المظاهر وسوف نتطرق إلى التدخل في الفقرة الأولى والعدوان في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى : التدخل
1- تعريف التدخل :
لقد كان التدخل في الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها الدولية منذ القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي المقدس، ثم تطورت الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر استخدام القوة في العصر الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي من خلال تعريف عدم التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه التدخل.[2]
وأما كوست فيحاول تقديم تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف إرادتها عليها، سواء كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.
ويرى محمد طلعت الغنيمي أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.
وأما كوريفين فيرى أن التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر قانوني لا تستطيع دول أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت السلطة المحلية محاولات التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.
2- مفهوم التدخل :
ويرى الدكتور فرتز غروب أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى نفيه في محاولة لوضع تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع لابد من محاولة جادة في هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام لهذا التعريف ومناقشته، ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول من وضع أول معالم هذا الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة نظر التدخل على الأقل، على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو القانونية، وثانيا ميزان القوى بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن التدخل هو عمل محدود بالوقت وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.
وأخيرا فإن التدخل يقع سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير على البناء السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.

وهكذا فإن التدخل هو موقف أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من الدول بتجاوز أطراف العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة أو مجموعة من الدول في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء كان سياسيا أو معنويا أو قانونيا.

إن هذه التعاريف أعلاه تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه الحالة فرض للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح مساعدة أو تعاون أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.
هذا ويميل البعض إلى توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما يميل البعض الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول وليس بين الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو بين الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة بالتدخل ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري معرفة وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.[3]

3- أهداف وغايات التدخل :
غالبا ما تكون الغايات المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة، فقد يكون ذلك بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع القائم ضد الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف المقدس،[4] الذي عقد بالاستناد على الديانة المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح أوربا في بداية القرن التاسع عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة 1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في سبيل نشر هذه الديانة والحضارة والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة المناطق الأوربية التي كانت تحت سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس مساعدة سكانها المسيحيين.[5]

وقد كان التدخل أيضا يتم أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين الأجانب، كما حدث في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ على سفارتها هناك من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين، فقد أصبح لكل معسكر أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن أهداف التدخل المشروع هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف المعسكر الاشتراكي لذلك نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات التحررية ومكافحة الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من المعسكرين يحاول تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.

4- القانون الدولي لا يقر التدخل المنفرد :
إن الحجج والأسانيد القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة الممارسة الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة يضاف إلى ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ الدولية المعمول بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد لأغراض إنسانية لا يتم إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ وجوب تسوية النزاعات الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي.[6]

كما تتضمن أسانيد التيار المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة التي تحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة. يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة 1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على “ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان”.

تتنكر الأسانيد القانونية الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل الإنساني العكسري.[7]
لقد أوضحت المحكمة هذه القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الدول.[8]
فليس ثمة تناسب بين استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.[9]

إن حكم المحكمة قاطع في دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية كما يتعذر النظر إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر الغايات الإنسانية الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات العملية للدول الخاصة بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع الأساسي لهذه الممارسة كما أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا جزئيا وفي بداية الأمر دون أي سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا حجة لها ولا دريعة لها وحدها ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام القوة ترتكز له الدول في تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.

5- إعلان الأمم المتحدة لتحريم التدخل :
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.

إن جوهر هذا الإعلان تم تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة جوانبه وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة الأمم المتحدة محل التدخل الفردي.

وأخيرا لابد من الإشارة إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.[10]
وهي بذلك تتساوى في صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتمتع القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم المتحدة.

6- التدخل الجماعي والتدخل الفردي :
لاحظنا أن القانون الدولي التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل بصورة منفردة، لذا كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق القانون كما تشاء وأما الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة الأمم ومحكمة العدل الدولية الدائمة، فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق الدول الكبرى في التدخل وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية أصبح التدخل يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :

1- أن المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة ولها دور كبير تلعبه في المحافل الدولية.

2- إن وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد من الإمكانيات المتاحة لها من قبل الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها سابقا.
وهكذا أصبح التدخل من قبل دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع ولكن نظرا لأن التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.[11]

الفقرة الثانية : العدوان
رغم فظاعة الحرب ونتائجها على البشرية والطبيعة والحياة، مازالت الحرب مقبولة من حيث المبدأ في المنطق الدولي والمنظمات الدولية والحكومية وما زال تعريف جريمة العدوان ينتظر دخوله حرمة المحكمة الجنائية الدولية، ولقد أظهرت معطيات علم الأناسة أن الحرب ظاهرة منتشرة بكثرة وإن اختلف تواترها وتواجدها بين الشعوب وكان بعضها مثل الاسكيمو والاندمانيز فمن الصعب معرفة كم من الشعوب المسالمة التي أبيدت لأن خيار السلام لم يكن عالميا وبقي قانون الغاب يعطى الأقوى الحق في البقاء والهيمنة.
1- تعريف العدوان :
شغلت مشكلة تعريف العدوان الحكماء والفلاسفة على مدى القرون العديدة وقد انبثق مفهوم العدوان منذ أيام روما القديمة ويعيد مؤرخو القانون مصطلح العدوان إلى الكلمة اللاتينية Aggressio أي الاعتداء، وكان من أقدم التعاريف الظاهرة اعتداء من دولة أقوى على دولة أضعف لتحقيق مكاسب ومصالح والتوسع في حدود وثروات المعتدى شهد في قواميس علم الاناسة الانتروبولوجيا تعبير جماعة بدل دولة باعتبار العدوان قد سبق الدول.
كما إن قد يكون المبرر الأخلاقي الرئيسي للحرب هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد لقد ألف القديس أوغسطين كتابه مدينة الإله في القرن الخامس الميلادي وكان لعمله هذا بالغ الأثر في فكرة الحرب العادلة كما أكد على ضرورة بناء منظومة متكاملة للعلاقات السلمية بين البشر وعدم حصر الموضوع بالتعبير المسلح لا يكمن السلام الحقيقي وحسب في غياب الصراعات المسلحة وإنما في النظام السلمي على العكس من غياب الحرب لا يعني بالضرورة غياب الصراع.
ولقد أوجدت البشرية أشكالا متعددة لحماية نفسها من العدوان وفظائع الحرب أو على الأقل من أهوال الاعتداء على النفس والعرض والمعتقد والطبيعة والأرض في المجتمع العربي قبل الإسلام بحيث ابتكر العرب الأشهر الحرم وهي أشهر يحرم فيها وقوع الحرب لأي سبب كان ولأي مبرر كان حفاظا للنفوس وردا للعدوان وبحثا عن الوسائل السلمية في حل النزاعات.[12]
2- أعمال العدوان :
لقد جاء ميثاق الأمم المتحدة خاليا من أي تعريف للعدوان ويعود السبب في ذلك برأي البعض إلى الرغبة في تجنب تحديد المفهوم والاحتمال ألا يأتي التعريف دقيقا وشاملا مما يؤدي لاستفادة المعتدي من ذلك.[13]
هذا بالإضافة إلى أن مصطلح العدوان يشمل جوانب سياسية وقانونية وعسكرية ومنطقية يصعب إدراجها في تعريف واحد وجامع.[14]
ولقد ارتؤي أثناء الأعمال التحضيرية للأمم المتحدة ترك تحديد العدوان إلى مجلس الأمن، وفعلا فإن المجلس المذكور قد لجأ في كثير من المناسبات إلى تعريف العدوان كما أن الأمم المتحدة لم تنفك عن محاولاتها لتعريف العدوان، ولقد كانت أول محاولة جدية لذلك هو المقترح الذي تقدم به الاتحاد السوفيتي في الدورة الخامسة والذي بين فيه أنه من أي صراع ذو طبيعة دولية تعتبر الدولة معتدية إذا كانت البادئة بارتكاب أحد الأعمال التالية : إعلان الحرب، غزو إقليم دولة أخرى بقواتها المسلحة، قصف إقليم دولة أخرى، مهاجمة السفن والطائرات، إنزال أو قيادة قوات مسلحة داخل حدود دولة أخرى دون إذن منها، اللجوء إلى الحصار البحري.[15]
أحيل هذا المشروع إلى بعثة القانون الدولي والتي قررت أن تعالج الموضوع بإضافة ما يلي : المادة 2 من بروتوكول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المقترح (أي عمل من أعمال العدوان بما في ذلك استخدام القوات المسلحة بناء على سلطة الدولة ضد دولة أخرى لأي هدف خلاف الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي أو تنفيذا لقرار صادر عن إحدى أجهزة الأمم المتحدة المختصة.[16]
ولقد تم النظر في الموضوع مرة أخرى في الدورة السادسة للجمعية العامة حيث أحيل إلى اللجنة السادسة التي كلفت بدراسة العدوان وتعريفه ولقد طرح أمامها العديد من المشاريع والقرارات ومن بينها مشروع معدل لمشروع التعريف السوفيتي وإنقسمت الآراء داخل اللجنة فكان البعض يرى عدم إمكانية وضع تعريف شامل للعدوان لأنه سيغفل حتما ذكر بعض الأفعال التي يمكن تصنف كعدوان مما يجعل المعتدين يرتكبون أعمالا عدوانية دون إمكان إدانتهم.

ويرى البعض الآخر ضرورة وضع تعريف للعدوان بحيث يكون مرشدا للدول إضافة إلى أن ذلك يعتبر خطوة هامة في تقدم القانون الدولي، في ردع الدول التي تفكر في الاعتداء وإن وجود تعريف ناقص خير من عدم وجوده وإذا وجدت عيوب فيمكن تعديلها فيما بعد على أن الموافقة لم تحصل بهذه السهولة فقد استمرت اللجنة الخاصة في جهودها ومناقشتها وأخيرا تمكنت من وضع مسودة قرار بهذا الشأن تبنتها الجمعية العامة في نهاية عام 1974،[17] لقد عرف القرار العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي أسلوب يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة كما هو مبين في هذا التعريف.[18]

وبموجب هذا التعريف، يعتبر استخدام القوة من جانب إحدى الدول دليلا أوليا وإن لم يكن قاطعا على العدوان أي أن بإمكان مجلس الأمن أن يتوصل إلى قرار مخالف أو معاكس على ضوء الظروف الخاصة بالقضية.
وعلى هذا وبغض النظر عن وجود إعلان الحرب أم لا، فإن الأعمال التالية تعتبر أعمالا عدوانية :
أولا : غزو أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أرض دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتا ناجم عن هذا الغزو أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لأراضي دولة أخرى أو جزء منها.
ثانيا : قصف دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة من قبل دولة ضد أراضي دولة أخرى.
ثالثا : حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.
رابعا : أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية لدولة أخرى.
خامسا : استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل أراضي دولة أخرى بموافقة الدولة المستقلة على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق أو أي تحديد لبقائها في هذه الأراضي إلى ما بعد إنتهاء الاتفاق.
سادسا : سماح دولة باستخدام أراضيها التي وضعت تحت تصرف دولة أخرى.
سابعا : إرسال عصابات أو جنود غير نظاميين أو مرتزقة مسلحين من قبل دولة أو نيابة عنها يقومون بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة أخرى وعلى درجة من الخطورة بحيث ترقى إلى مصاف الأعمال المذكورة أو مشاركتها أي الدولة في ذلك بشكل كبير.[19]

3- أثار جرائم الحرب والعدوان:
إن الجرائم الدولية هي خرق لكل الأعراف والمواثيق كما أنها تشكل التزامات قانونية وإنسانية اتجاه الدول والمنظمات الدولية لذلك فإن منع ارتكاب الجرائم والحد منها هي من مسؤولية الجميع وخاصة المجتمع الدولي وخصوصا ما ورد في الباب السادس والباب السابع المواد 39 و50 والمتضمنة اتخاذ كافة الإجراءات ضد الجرائم الدولية وخاصة جريمة الحرب والعدوان المسلح التي ترتكب ضد دولة أخرى وخول مجلس الأمن الصلاحيات اللازمة لاتخاذ تدابير عسكرية أو غير عسكرية وفقا للمادتين 41 و42 المتضمنتين تصرف مجلس الأمن بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين باعتباره ومن الناحية القانونية لا يجوز للنائب أن يتصرف في نيابته إلا في حدود الصلاحية المخول بها في تلك النيابة وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات أدنت بموجبها استخدام القوة من بينها القرار الذي اتخذته في دورتها الرابعة والثلاثين لعام 1986 بشأن إدانة العدوان والناحية القانونية يلزم الدول أن تقتنع عن الاعتراف بشرعية الحرب والعدوان والآثار المترتبة عنها كما يجب على الدول وفقا للميثاق أن تمتنع عن تقديم المساعدات من شأنها الإبقاء على الحالة التي أوجدتها تلك الجرائم. أما المسؤولية الفردية عن ارتكاب الجرائم الدولية التي تترتب على الأشخاص بغض النظر عن صفاتهم أو الحصانات التي يتمتعون بها سواء كانوا رؤساء أم قادة عسكريين.
[20]

ويبقى من مهمات المجتمعات المدنية على الصعيد العالمي البقاء في حالة ترقب من أجل عزل كل أخطار جريمة العدوان على صعيد الرأي العام فليس سرا أن الدول التي تمارس العدوان اليوم إما تقاطع المحكمة الجنائية الدولية كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أو تقيد صلاحياتها غير ما يمكن تسميته امتياز الفيتو الذي يسمح لها بوقف التحقيق في أية مقاضاة خلال فترة عام، إن وجود مجموعات ضغط قوية لمحاسبة مرتكبي جريمة العدوان يسمح بوضع المحاسبة القانونية على أجندة أي قضاء مستقل في أي بلد ديمقراطي يعمل بفقه الاختصاص الجنائي العالمي ويحترم العرف القانوني الدولي الذي يعتبر جريمة العدوان من الجرائم الجسيمة الكبرى في المجتمعات البشرية.

المطلب الثاني : الإطار العام لتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية
يبدو أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة لم يجدوا ضرورة للنص على تحريم الحروب وإيجاد تعريف قانوني لها وذلك نتيجة لما استقر عليه العرف والقانون الدولي وعدم شرعية الحروب في حينه وكما جاء في ميثاق برايند-كيلوج بل إنهم ذهبوا أبعد من هذا حيث حرموا استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وعارضوا كل إجراء من شأنه تهديد السلم أو الإخلال به، واعتبروا تحريم استخدام القوة الوارد في الميثاق شاملا للحرب بمفهومها القانوني.[21]

وفي سبيل مناقشة ذلك فسوف نتناول تحريم استخدام القوة من خلال فقرتين الفقرة الأولى تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية، الفقرة الثانية الإستثناءات التي ترد على منع إستخدام القوة في العلاقات الدولية.

الفقرة الأولى : تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية
1- تحريم استخدام القوة :
تنص المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : “يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أوب استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أم على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.
فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة القانونية، فالنص حرم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال عبارة “صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أنه أثير نقاش حول دلالات مفهوم القوة الواردة في المادة 2 الفقرة 4، حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة هو القوة المسلحة التي تأكد شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدولة، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية تشجيع وإثارة الاضطرابات الداخلية فعلا من أفعال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.
كما أثير نقاش حول مجال استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية الأخرى من خلال لفظ علاقاتهم الدولية ولفظ الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة “الأرض، الشعب، السلطة السياسية” وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي لمستوى الدولة المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير. وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة 2 الفقرة 4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.[22]

كما أنه تفاقم الخلاف بين القائلين بمطابقة تحريم استخدام القوة الوارد في المادة 2/4 من الميثاق وبين القائلين باقتصاره على مظهر من مظاهر استخدام القوة فحسب بشأن فجوى حلف شمال الأطلس ناتو للقوة العسكرية ضد يوغوسلافيا لتسوية النزاع، استخدام القوة لغير هذه الغاية أمرا شرعيا ؟ فيجوز بالنتيجة استخدام القوة حيثما لم يكن الغرض الإحاطة بالحكومة أو احتلال الإقليم التابع للدولة أو تفتيته.[23]

2- تحريم الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية :
يكمن روح الميثاق لذلك ينبغي تفسيره وفقا لبنود الميثاق وأهدافه وقد عبرت الديباجة في فقرتها الأولى عن تصميم الدول الأعضاء على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ولقد عبرت الفقرة الرابعة عن عزم الدول الأعضاء ألا تستخدم القوة وروح الميثاق أهدافه هو إنقاذ البشرية من ويلات الحروب ولقد حدد الفصل السابع من الميثاق الأحكام التي في إطارها يمكن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة وأكد على أن لمجلس الأمن وحدة السلطة التقريرية إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان وقع عمل من أعمال العدوان وإذا ما قرر المجلس ذلك يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه في التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه المادة 39 من الميثاق كالمواد 42-51 من المواد الوحيدة التي تتعامل مع استخدام الفعلى للقوة، ولا يوجد من ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تخول لأي عضو من أعضائها استخدام القوة من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي.

وحتى لو اضطرت دولة على استخدام هذا الحق الطبيعي ينبغي عليها إبلاغ مجلس الأمن فورا وللمجلس عند ذلك بمقتضى سلطاته الخاص بإقليم كوسوفا عام 1999 فعبرت العديد من الدول وذلك الدارسون والمحللون عن مواقف قانونية مختلفة ومتباعدة ادعت طائفة من الدول والدارسون بنشوء حق جديد يجيز للدول التدخل لأغراض إنسانية بينما تبنت طائفة أخرى موقفا مخالفا فحواه عدم قانونية العملية الأطلسية وأنها تنطوي على خرق جسيم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة عموما وللمادة 2/4 معه على وجه الخصوص.[24]

وما أشبه اليوم بالأمس، كالخلاف المحتدم الآن حول المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة يشبه ذلك اليوم الذي نشب في الأيام الأولى التي أعقبت إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أما السبب الأكثر أهمية الكامن وراء احتدام الخلاف حول تفسير نص المادة 2/4 وحول نطاق الحكم الوارد فيها. فقد تمثل آنذاك بمدى شمول هذا النص سائر القواعد العرفية الناظمة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية عند وضع الميثاق ونفاذه فهل تعد المادة 2/4 انعكاسا على العرف النافذ آنذاك أم أنها تنطوي على قطيعة جدرية بين ما كان معمولا به حتى عام 1940.

إن الصيغة اللغوية التي ورد بها الحكم المقرر في المادة 2/4 يثير مجموعة من الأسئلة ومهمة فهل يستفاد من عبارة صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة أن الحكم القاضي بتحريم اللجوء إلى القوة يقتصر أثره على الحالات التي توجه فيها القوة ضد الاستقلال السياسي للدولة وضد وحدتها الإقليمية ؟ وهل يعد ومسؤولياته الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذ من الأعمال بحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه وما عدا هذا الحق المقيد فإن الميثاق يحرم اللجوء إلى استخدام القوة ويطلب من جميع أعضائها فض منازعاتها الدولية بالوسائل السلمية الفقرة 3 من المادة الثانية.

إن الإخلال بهذا المبدأ هو تقهقر إلى الوراء والعودة إلى سيادة قانون القوة في العلاقات الدولية.[25]

3- الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة :
لقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة العديد من القرارات الدولية التي أدانت العدوان وحرمت الاستيلاء على أراضي الغير وصفها بالقوة وكذلك بالنص صراحة على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة في مناسبات عديدة منها ما ورد في المادة الثامنة من مشروع وحقوق وواجبات الدول التي تقدمت بها إلى الجمعية العامة عام 1947 والذي أخذت فيه أنه يجب على كل دولة أن تمتنع عن الاعتراف باكتساب الأقاليم الناجم عن استعمال القوة أو التهديد بها وكذلك المادة 11 من مشروع حقوق وواجبات الدول التي أعدته لجنة القانون الدولي كما أصدر مجلس الأمن القرار قمن 3256 في 2 تشرين الثاني 1956 والقرار رقم 3257 في نوفمبر 1956 والقرار 242 في 22 تشرين الثاني 1967 والقرار 252 في 21 أيار 1968 وغيرها من القرارات التي أكدت على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وفي الوقت نفسه رأت محكمة العدل الدولية عدم مشروعية اكتساب أي أراضي عن طريق القوة أو التهديد باستعمالها.[26]

4- مفهوم القوة الوارد في الميثاق :
لم تحدد الفقرة 4 من المادة 2 ما إذا كانت القوة التي تشير إليها هي القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة.
ويرى البعض أن المقصود بالقوة هي القوة المسلحة فقط، باعتبار أن تطبيق هذه القوة أو استخدامها إنما يتم بواسطة حرب عدوانية أو هجوم مسلح أو عدوان ترتكبه الدول باستخدام قواتها المسلحة أو جماعة تابعة لها أو مسندة من قبلها.[27]

ويستند هؤلاء في ذلك بالرجوع إلى عبارة القوة المسلحة الواردة في ديباجة الميثاق، على الرغم من أن العدوان لم يكن قد عرف عند وضع الميثاق وسوف نتطرق لذلك فيما بعد إن هذا يعني أنه ليس هناك ما يمنع دولة ما من اللجوء إلى أعمال انتقامية أو غيرها لا تنطوي على استخدام القوة إذا ارتكبت دولة أخرى عملا يتنافى والقانون الدولي ويرى فريق آخر من الفقهاء أنه ما من سبب قانوني يدعو إلى اقتصار معنى القوة على القوة المسلحة فقط، بل أن ذلك يمكن أن يوسع ليشمل الضغط الاقتصادي، أو النفسي أو أعمال أخرى ويشفعون رأيهم بأن الإكراه السياسي والاقتصادي قد يكون تهديدا للاستقلال السياسي للدولة، يعادل في خطورة التهديد العسكري.[28]

ومن هذا الرأي كالسن وهناك فريق ثالث ومنهم براونلي وروزالين هجنز، يميلون إلى رأي كالسن مع القول بأن القوة لا تشمل الإكراه غير العسكري الذي يمارس على مستوى واطئ، ويقصدون بذلك استخدام الإكراه بدرجة تكفي لتقييد حرية تصرف الدولة الموجه ضدها، ولكن التأثير في أمنها القومي، ويعتقدون أن ذلك أمر تتطلبه الحياة الدولية العملية، لذا فهو عمل مشروع ولا يعتبر جريمة دولية بل أضرار دولي.[29]
وإذا أردنا تبني مفهوم القوة المسلحة فلابد من تحديد ما هو المقصود بالسلاح فهل يقصد به المتفجرات فقط ؟
أم الأسلحة الجارحة أم هو كل ما يسبب التدمير للكائنات الحية والممتلكات ؟
فإذا أخذنا بالمفهوم الأخير أفلا يعتبر السلاح الاقتصادي مدمرا أيضا ؟ فلا يؤدى إلى الموت جوعا ؟ وكذلك الحرب النفسية والإعلامية التي تسمم الأفكار وتزرع الخوف والفزع وهكذا يمكن اعتبار الضغط النفسي والإكراه والدعاية سلاحا لأنهما يدمران الروح والعقل ومن هنا يرى براونلي.[30]

إنه من الضروري أن نقر فيما إذا كان استخدام العوامل التي لا تتضمن انفجارا أو تدميرا أو حرارة، يشكل استخداما للقوة لا كالعوامل الجرثومية والإحيائية والكيماوية مثل غازات الأعصاب.[31]

وهو يرى أن استخدام هذه العوامل الأسلحة يمكن أن يعتبر استخداما للقوة بالاستناد على نقطتين الأولى، إلى أن العوامل المشار إليها توصف بأنها أسلحة وبأن استخدامها يكون نوعا من الحروب الحرب الجرتومية الحرب الكيماوية والنقطة الثانية هي الأهم أن هذه الأسلحة تستخدم لتدمير الحياة والممتلكات وغالبا ما تسمى أسلحة التدمير الشامل كذلك من الضروري التفكير في الوصف الذي يمكن أن يطلق على إجراءات مثل إغراق مساحة واسعة في الوديان المؤدية إلى أرض العدو أو إشعال الحرائق في الغابات وأماكن في الحدود فهل تعتبر مثل هذه الأفعال والإجراءات استخداما للقوة أم لا. وهل هي تؤدى إلى تدمير الحياة والممتلكات أم لا ؟
إن تبني أي من الفكرتين له أهمية كبرى في ترتيب نتائج وذلك لأن الأخذ بمفهوم القوة أي تفسير الضيق سيحرم الدول المعتدى عليها من اتحاد أي إجراء دفاعا عن نفسها تجاه أي اعتداء غير مسلح والعكس صحيح وعليه فإننا مع الرأي القائل بتوسيع مفهوم القوة بحيث يشمل كل الضغوطات السياسية والنفسية والاقتصادية، إضافة إلى استخدام كافة أشكال القوة الأخرى المشار إليها سابقا لما في ذلك من تجاوب مع مصلحة الدول النامية التي كثيرا ما تعرضت لضغوط مختلفة، وأن استخدام القوة قد يكون مباشرا، أو غير مباشر، ولكن الدولة تعد مسؤولة عن اللجوء إلى استعمال القوة المسلحة والمحرمة في الميثاق سواء تم القتال بواسطة قواتها النظامية أو غير النامية أو قوات الأمن والشرطة.[32]
يتبع….
********

محمد وليد اسكاف : حق استخدام القوه ودوره في العلاقات الدولية . مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية. دمشق سوريا. 2009.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى