دراسات استراتيجيةدراسات شرق أوسطية

استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط – الدوافع – الأثار و الأمال

تركز هذه الدراسة في الفصول الثلاثة الأولى على السياق المحلي الروسي ورد فعل الكرملين على الانتفاضات التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي، والربيع العربي، وروسيا نفسها، هذا السياق يشكل فكرة حاسمة في شرح طريقة عمل وتفكير الكرملين في الشرق الأوسط. وفي حين أن السياسة الداخلية تؤثر عمومًا في السياسة الخارجية لأية دولة، يتميز الكرملين في كثير من الأحيانبعدم توضيح الخطوط الفاصلة بين السياستين. وهذا التقييم ينطبق جزئيًا على بوتين أيضًا؛ لأنه بات مشهورًا بعدائه لأمريكا والغرب.

الفصول المتبقية من الدراسة تغطي تفاصيل علاقات روسيا مع أربعة من حلفائها في المنطقة، وخاصة الجهات الفاعلة منها: مصر وإيران والعراق وسوريا، وتشمل التحليلات كذلك علاقات روسيا مع الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وتركيا.

(1) يقدم الجزء الأول خلاصة ورقة نشرها معهد دراسات الحرب ISW بعنوان “سوريا بعد الانسحاب الروسي”، ثم يستعرض مقالًا كتبه آري هيستين في دورية ناشيونال إنتريست، تحت عنوان “هل ربحت روسيا في سوريا”، وآخر سطره دان دي بيرتس في أتلانتك كاونسل بعنوان “ما وراء الانسحاب الروسي”، وثالث معهد واشنطن لـ آنا بورشفسكايا بعنوان “هل يُنذر الانسحاب الروسي الوهمي بأزمة جديدة؟”.

(2) يركز الجزء الثاني على مستقبل الدعم الروسي للأسد، وذلك عبر استعراض مقالين أولاهما كتبه د. جيمس جاي كارافانو في مؤسسة التراث الأمريكية، والثاني نشرته فورين بوليسي لـ بول ماكليري وجون هدسون.

(3) الجزء الثالث يرصد تحليلا نشره مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية لـلخبيرة الروسية وأستاذة العلوم السياسية بجامعة بار-إيلان الإسرائيلية، آنا جيفمان، ويستعرض موجزًا للكلمة التي ألقاها كلا من آنا بورشفسكايا وفيليب غوردون تحت عنوان “سياسة بوتين الشرق أوسطية: الأسباب والنتائج”.

(4) الجزء الرابع يسلط الضوء على الزاوية الأوكرانيية من الاستراتيجية الروسية، عبر تحليلٍ للخبير الجيوسياسي جورج فريدمان، ومقال للصحفي الروسي مكسيم ترودوليوبوف في مركز وودرو ويلسون بعنوان ” وجهان للسياسة الخارجية الروسية”.

(5) الجزء الخامس والأخير يتناول الموقف الغربي، ويستهل بتحريضٍ للناتو أطلقه روبي جرامر عبر أتلانتك كاونسل” بـ شحذ قوة “رأس الحربة” ضد روسيا، وفي المقابل يتناول النصيحة التي قدمها كولن كلارك وويليام كورتني عبر مؤسسة راند للغرب باستيعاب المصالح الروسية، ثم يستعرض التقرير نقاط الضعف الروسية الداخلية حسبما رصدها آرييل كوهين، ويتطرق أيضا إلى تحليل العقيد (احتياط) الدكتور عيران ليرمان في مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية، ومقال الدكتورة فيونا هيل في بروكنجز عن “المغامرة الروسية واللعبة الأمريكية الطويلة”.

سوريا بعد الانسحاب الروسي

تحت عنوان “سوريا بعد الانسحاب الروسي” نشر معهد دراسات الحرب ISW ورقة خلُصَت إلى ما يلي:

– حوَّلت الضربات الجوية الروسية تيار الصراع لصالح نظام بشار الأسد. ورغم إعلانها تخفيض وجودها العسكري في سوريا، احتفظت موسكو ببنيتها التحتية في البلاد بموازاة استمرارها في تعزيز قوات الأسد.

– في حين قلل اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي توصلت إليه موسكو وواشنطن من عدد الهجمات ضد المدنيين، وكبَح جماح القتال، إلا أن مناطق المتمردين لا تزال تحت الحصار.

– في الوقت ذاته، تحرص روسيا على إظهار اهتمامها بالتوصل إلى حل دولي تعاوني. وبغض النظر عما إذا كانت نوايا موسكو صادقة أم أنها مجرد تصريحات تطلقها في الهواء، يمكن أن توفر محادثات جنيف لألمانيا والاتحاد الأوروبي وسائل لتعزيز وقف إطلاق النار.

– على القوى الغربية أن يضغطوا للتوصل إلى حل يحدّ من القطاع الأمني وغيره من أدوات القمع التي تهيمن عليها الأقلية العلوية، بدلا من الاكتفاء بتغيير المسئولين على مستوى القيادة.

– بدون حدوث مثل هذه التغييرات الجوهرية، يستبعد أن تتغير الديناميكيات التي تحفز تدفق اللاجئين بشكل جوهري”.

هل ربحت روسيا في سوريا؟

كتب آري هيستين مقالا في مجلة ناشيونال إنتريست، تحت عنوان “هل ربحت روسيا في سوريا”، خلُصَ إلى أن “التوغل الروسي في سوريا كان انتصارا دبلوماسيًا، لكنه لم يكن انتصارا عسكريا كاملا”، قائلا: “استمرار الغارات الجوية الروسية في سوريا يعد اعترافا مستترًا بأن الهدف العسكري لم يتحقق بعد. صحيح أن التدخل الروسي ساعد بوضوح في تحويل مسار الحرب لصالح نظام الأسد، لكن من المهم أيضًا تضخيم النجاح العسكري الأخير الذي أحرزته هذه القوات الموالية. لكن في مقابل المكاسب المتواضعة التي أحرزتها القوات الموالية للنظام في أرض المعركة، فعل التدخل الروسي الكثير لتقويض السياسة الخارجية الأمريكية في الساحة الدبلوماسية”.

ما وراء الانسحاب الروسي

تحت عنوان “ما وراء الانسحاب الروسي” كتب دان دي بيرتس في أتلانتك كاونسل: جاء إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه سيبدأ عتاده العسكري من سوريا مباغتًا لكافة مراقبي الصراع تقريبًا، بل وحتى المستشارين العسكريين المقربين في الكرملين.

وأضاف: “بعد ستة أشهر من القصف، وأكثر من 9000 طلعة هجومية، ونشر قرابة 4000 روسي، أعلن بوتين أن “المهمة أُنجِزَت، وهو ما يدل في الواقع على استراتيجيته وأهدافه الأوسع في سوريا”.

وأردف: “تجنب بوتين المستنقع الذي توقعه العديد من السياسيين والمحللين، وأبرزهم الرئيس باراك أوباما. وأثبتت استراتيجيته الحالية فعالية في إعادة تثبيت أقدام الأسد في السلطة، بعدما كان في موقف ضعف، دون تكبُّد خسائر روسية كبيرة سواء على المستوى البشري أو الطائرات”.

وختم بالقول: “وفَّرت روسيا أيضًا احتياجات إيران، إذا يدل هذا الانسحاب على أن موسكو وضعت طهران والنظام السوري مرة أخرى في موضع الهجوم، كما يشير إلى أن روسيا لا ترى مصلحة في البقاء لفترة أطول في سوريا. والتأكد من بقاء النظام سوف يضمن مشاركة روسيا في عملية التفاوض الدولية، بدعمٍ من إيران. وطالما حققت روسيا هذه الأهداف، فإنها قد تكون مستعدة للتفاوض بشأن بعض القضايا، مثل: مصير الأسد”.

ما بعد الانسحاب الوهميّ

نشر معهد واشنطن مقالا لـ آنا بورشفسكايا تحت عنوان “هل يُنذر الانسحاب الروسي الوهمي بأزمة جديدة؟” استهلته بالقول: “لم يكن هذا الإعلان سوى واجهة؛ إذ لم يتغير شيء يُذكر: فالمنشأة البحرية الروسية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية الروسية تعملان كالمعتاد، وقال بوتين: إنه من الممكن تعزيز وجود قواته في غضون ساعات”.

لكن الكاتبة في المقابل رأت “أن نظام بوتين أقل استقرارا مما قد يبدو للعيان، كما أن مستقبل روسيا لا يزال غير مؤكد. وفي الوقت ذاته، يطرح انسحاب بوتين الوهمي مسألة أكثر إلحاحا. فإذا لم تعد سوريا تتصدر الأخبار، ما هي القضية التي سيستخدمها الكرملين لإلهاء الرأي العام؟ هل سيشرع بوتين بمغامرة أخرى؟ وكما كتب فلاديسلاف ناغانوف، العضو في “المجلس المركزي لـ “حزب التقدم” الذي يترأسه أليكسي نافالني: “سننظر الآن إلى جميع الدعاة المهنيين وشبه الوطنيين، الذين أكدوا في الأمس بحماسة شديدة أن روسيا ستواصل محاربة الإرهاب الدولي في سوريا حتى النهاية … لا بأس بذلك، فهي لن تكون المرة الأولى التي يفعلون ذلك”.

استمرار دعم بوتين للأسد

نشرت مؤسسة التراث الأمريكية مقالا لـ د. جيمس جاي كارافانو خلُصَ إلى أن “روسيا قد تغادر سوريا لكن بوتين سيستمر في دعم الأسد لفترة طويلة.. طويلة جدا”، قائلا: هذا هو الخبر السر بالنسبة لبوتين. فبإمكانه ادعاء إنجاز المهمة وجلب أولاده إلى الوطن، بما يجعله أكثر شعبية على الجبهة الداخلية. كما أنه يمنح بوتين المزيد من المرونة في الخارج، ويسمح له بتحويل اهتمامه إلى مكان آخر”.

وأضاف: “مما لاشك فيه أن بوتين سيدعي أيضا أنه وجه ضربة للإرهاب، رغم أن داعش لا تزال قوية، واللاجئون يتوافدون على أوروبا. لكن لا شيء من ذلك هو مشكلته. فالشيء الوحيد الذي يعمل من أجله بوتين، هو بوتين شخصيًا. فحتى إذا خرج من سوريا، فهو لا يزال يبدو أقوى في المنطقة. في الوقت ذاته، لا تزال الولايات المتحدة تظهر كطفل تائه في غابة الشرق الأوسط”.

وختم بالقول: من المهم ملاحظة أن بوتين لا يتحدث عن الانسحاب الكامل. بل ستحتفظ روسيا بوجودها العسكري في سوريا. هذه القوة المتبقية يمكن أن تكون مفيدة لتحقيق أهداف زعزعة الاستقرار وكذلك تحقيق الاستقرار. وفي حين أن الانسحاب قد بدأ، إلا أن بوتين سيظل يدعم الأسد لوقت طويل. الأمر الذي من شأنه أن يترك بقية العالم العربي غارقا في الفوضى”.

تمهيد الطريق لخروج الأسد؟

لكن في المقابل، قال بول ماكليري وجون هدسون في تحليلهما الذي نشرته فورين بوليسي تحت عنوان “الانسحاب الروسي قد يمهد الطريق أمام خروج الأسد”: إن قرار موسكو يمكن أن يشير إلى أنها تبحث عن وسيلة للخروج من الصراع، وقد ينتهي بحكومة سورية يقودها شخص غير الأسد.

وتحدث الكاتبان عن شعورٍ متزايد بالثقة بدأ يتسلل إلى بشار الأسد بعد الإنجازات التي حققها على الأرض، لدرجة وضع خطوط حمراء بشأن المفاوضات، وهو ما أيّده أندرو تابلر، خبير الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، غير مستبعدٍ أن تكون الخطوة بمثابة “ضغطٍ على الأسد لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات”.

فيما لفت جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الاوسط جامعة اوكلاهوما، إلى أن بوتين بعث بهذا الإعلان برسالة إلى واشنطن التي أحبطت موسكو برفضها التعاون لمحاربة تنظيم الدولة.

وقال كريستوفر كوزاك، المحلل في معهد دراسات الحرب: “من المرجح أن بوتين يشعر بأنه في وضع يمكنه من استخلاص أقصى فائدة من المفاوضات الحالية بأقل تكلفة ممكنة. أما الموقف المتشدد من الأسد، والذي يشعل إمكانية العودة إلى الصراع، فإنه يهدد هذه المكاسب على المدى الطويل”.

غارات روسيا القاتلة

تحت عنوان “حملة روسيا الجوية القاتلة في سوريا” نشرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) تقريرًا أعدته آني سليمرود خلُصَ إلى ارتفاع عدد المدنيين السوريين الذين قُتلوا جراء الغارات الجوية إلى مستويات قياسية جديدة منذ أن بدأت روسيا قصفها في شهر سبتمبر الماضي.

وبحسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا (VDC): “في يناير 2016، كان 70% من القتلى المدنيين، الذين بلغ عددهم 1084 شخصا، قد لقوا مصرعهم جراء الغارات الجوية. لكن عدد القتلى بسبب القصف بالطائرات الحربية كان في ازدياد منذ أن بدأ الجيش التابع لنظام الرئيس بشار الأسد يستخدم الطائرات ذات الأجنحة الثابتة لقصف الأهداف في يوليو 2012، وبلغ ذروته عند نسبة 65% من القتلى المدنيين في مايو 2015”.

مهمة بوتين المقدسة في سوريا

نشر مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية تحليلا لـلخبيرة الروسية آنا جيفمان، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بار-إيلان الإسرائيلية، بعنوان “مهمة بوتين المقدسة في سوريا” خلُصَ إلى أن “التدخل الروسي في سوريا لا يمكن تفسيره بشكل كامل فقط عبر العوامل الاستراتيجية أو الاقتصادية، بل يمكن أن يكون له علاقة بالتطور التاريخي الروسي، وربما يكشف عن أنماط أكثر عمقا وتوغلا في الثقافة السياسية الروسية. هذه الأنماط قد تكون في الواقع جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية،

وأضافت: “في أعقاب الأزمة الاقتصادية عام 2008 والاحتجاجات الشعبية عام 2011 ضد تزوير الانتخابات، أدرك بوتين أنه لن يستطيع الحفاظ على شرعية نظامه أو الدعم الشعبي بدون وجود مهمة مسيحانية. لكنه لم يخترع عقيدة جديدة، بل أعاد ببساطة صياغة المفهوم الحيوي لعظمة روسيا، وأشاعه بين الناس. ومنذ عام 2012، أصر بوتين على أن المجتمعات الغربية “ابتعدت عن جذورها” وتخلت عن “قيمها المسيحية”؛ وهو ما أدى إلى “تدهور… وأزمة ديمجرافية وأخلاقية عميقة”. وخلافا لتلك المجتمعات، عادت روسيا إلى طريق الإيمان الحقيقي، وهو ما أثار عداء الغرب، على حد قول وزير الخارجية سيرجي لافروف. ويفترض أن السبب وراء ذلك هو الاختلاف بين الأهداف المسيحية الأرثوذكسية وأهداف المرتدين عنها. فيما أكد أنصار بوتين على التطلعات المقدسة التي من المفترض أن توجه سياسات موسكو في الأراضي البعيدة”.

وأردفت: “من الواضح أن بوتين يعوِّل على حقيقة أن الناس استوعبوا على مر القرون فكرة أن التوسع أمر مبرر روحيًا. ولكي تكون قائدا جيدًا (ومحبوبا) في عيونهم، يجب أن تكون زعيمًا مسيحانيّا ينتهج سياسة خارجية مسيحانيّة. هذا بدوره يعني الانخراط بنشاط في مشاريع مثيرة للقلاقل لديها القدرة على أن تؤدي إلى تطورات مذهلة تشبه نهاية العالم. ومما لاشك فيه أن الصراع السوري ينطوي على هذه الاحتمالية. وبالنظر إلى الشرق الأوسط من هذه الزاوية، تصبح المنطقة ذات جاذبية خاصة”. وهو ما أثبتته استطلاعات الرأي التي أجريت في روسيا قبل أيام من التدخل العسكري في سوريا.

سياسة بوتين الشرق أوسطية

تحت عنوان “سياسة بوتين الشرق أوسطية: الأسباب والنتائج” نشر معهد واشنطن موجزًا للكلمة التي ألقاها كلا من آنا بورشفسكايا وفيليب غوردون بمناسبة نشر المجهر السياسي الجديد باللغة الانكليزية، وجاء فيها:

– لم تعد روسيا “القوة العظمى” التي كانت في السابق، إلا أن منطقة الشرق الأوسط منطقة هشة، ولا تحتاج موسكو إلى بذل الكثير من الجهود لتأكيد نفوذها فيها والحصول على موطئ قدم عسكري هناك، خاصة ضد ما قد يُتصور بأنه تراجع غربي من المنطقة. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يختبر الغرب باستمرار، الأمر الذي يحوّل الأنظار عن المشاكل الداخلية في روسيا ويسمح له بمواصلة لعب دور الزعيم الضروري في هذا الإطار.

– تميل السياسات الروسية إلى رد الفعل، وبالتالي تنشأ استجابة للسياسات والإجراءات الغربية. ومن جهته ينظر بوتين إلى الدبلوماسية على أنها لعبة لا رابح فيها ولا خاسر، ويسعى للحد من النفوذ الغربي من خلال استغلال الفجوات التي يتركها الغرب.

– ترتبط مصالح روسيا في الشرق الأوسط بانعدام الثقة والعداء تجاه الغرب. فموسكو تتمتع بطموحات لتصبح “قوة عظمى” وتريد أن يتم التعامل معها على أنها كذلك. وفي هذا السياق، تمثل إيران وسوريا أهم عقدتين في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط.

– إذا تمكنت الولايات المتحدة من تقديم خطة لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا تشمل المصالح الروسية، سيوافق الكرملين عليها. فروسيا عازمة على تجنب الفوضى في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا ولكنها في الوقت نفسه لا تعتقد أنه يتعيّن على المجتمع الدولي أن يلعب دورا في تشكيل الحكومة السورية.

الخطوة المقبلة: أوكرانيا

قال الخبير الجيوسياسي جورج فريدمان: إن تراجع بوتين في سوريا كان في مصلحة الولايات المتحدة، وأن نشر القوات الروسية كان جزءا من المفاوضات مع واشنطن، فيما تكمن القضية الحقيقية في الشمال: أوكرانيا.

ووفقا لفريدمان فإن “الولايات المتحدة في مأزق؛ إنها تحتاج إلى حكومة سورية مستقرة لاحتواء تهديد تنظيم الدولة، لكن لا يمكنها دعم نظام الأسد الوحشي علنًا. وفي الوقت ذاته، تريد روسيا بشدة تحييد أوكرانيا خارج الناتو أو غيرها من الضمانات الأمنية الغربية. كما تريد موسكو تخفيف العقوبات الاقتصادية، رغم أن تأثيرها متواضع مقارنة بمشكلة النفط”.

وأضاف: “هذا الوضع صنع صفقة؛ حيث ألحقت الضربات الجوية الروسية أضرارا بتنظيم الدولة تكفي لاستقرار نظام الأسد مرة أخرى، لفترة مؤقتة على الأقل. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حصلت على ما أرادت دون أن تترك بصمات الأصابع الأمريكية على المشهد. وستكون الخطوة المقبلة هي مناقشات هادئة بين الولايات المتحدة وروسيا حول التوازن الجديد في أوكرانيا”.

أوكرانيا وسوريا.. وجهان للسياسة الخارجية الروسية

تحت عنوان “وجهان للسياسة الخارجية الروسية” كتب الصحفي الروسي مكسيم ترودوليوبوف في مركز وودرو ويلسون: يميل الكثيرون في الغرب إلى اعتبار المغامرة الروسية في سوريا باعتبارها مجرد مناورة جديدة لـ موسكو، كما يربط المعلقون بين روسيا وأكرانيا. لكن روسيا حريصة على إثبات أن كلا الوجهين يمكن أن يكونا لعملةٍ واحدة اسمها موسكو.

وأضاف: “على قدر حماس المسئولين الروس بشأن سوريا، فإنهم لا يشعرون بالتفاؤل حيال آفاق التسوية القاتمة مع أوكرانيا. وبقدر ما تدفع روسيا من أجل السلام في سوريا، فإنها تصر على إبقاء المنطقتين الأوكرانيتين المتنازع عليهما (دونيتسك ولوهانسك) في حالة من اللاسلم واللاحرب. وهكذا تقوض موسكو السيادة في أحد شطري العالم، بينما تعلن سيادتها المقدسة في الجانب الآخر. لكن لا جديد في انتهاج سياستين متعارضتين في مكانين مختلفين”.

وختم الكاتب بالقول: “حصة روسيا في صراع الشرق الأوسط أقل بكثير من حصتها في أوكرانيا. ففي أوكرانيا، الأقرب إلى الوطن من سوريا، حيث روسيا شريكًا أساسيًا في المواجهة مع خصم أضعف بكثير، والناس يتوقون للسلام والحياة الطبيعية، وكثيرون يعتمدون على روسيا ليس بالقدر ذاته على أي قوة أخرى، تجد موسكو صعوبة بالغة في التزحزح عن موقفها، والبحث عن حل وسط”.

“رأس حربة” الناتو ضد روسيا

تحت عنوان “حان الوقت لشحذ قوة “رأس حربة” الناتو نشر أتلانتك كاونسل مقالا لـ روبي جرامر طالب فيه بوضع هذه القوة، التي شكلت لمواجهة روسيا، على رأس جدول أعمال قمة وارسو المزمع انعقادها في يوليو.

مضيفًا: “أصبحت روسيا أكثر جرأة؛ استنادا إلى قواتها العسكرية في أوكرانيا وسوريا. وفي حال وضعت عينيها على أراضي حلف الناتو كخطوة مقبلة، وإن كان ذلك مستبعدًا، يجب على الحلف ضمان أن “رأس حربته” حادة بما فيه الكفاية للرد”.
وهو التشكُّك الذي يتلاقى مع ما ذهب إليه مارك تشامبيون في مقاله المنشور على موقع بلومبرج فيو والذي خلُص فيه إلى أن تطبيع العلاقات مع روسيا الآن سيكون سابقا لأوانه، ولا يمكن بناء مثل هذه القرارات الحاسمة بناء على حسن النية.

الكرملين أضعف مما تعتقد

ونشر أتلانتك كاونسل مقالا لـ آرييل كوهين بعنوان “تذكير لوزير الخارجية كيري: روسيا أضعف مما تعتقد”، استهله بالقول: “عندما يذهب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو هذا الأسبوع، يجب أن يضع في اعتباره أن التدخلات العسكرية الروسية الأخيرة في أوكرانيا وسوريا تمثل محاولة للتلاعب بالتصورات. يريد الكرملين أن يظهر نفسه كندّ لأمريكا، ففي مقابل انفتاحه للتعاون ضد تنظيم الدولة، فإنه قادر على أن يمثل تهديدا عسكريا لحلفاء الولايات المتحدة، مثل: أوكرانيا وتركيا والمعارضة السورية”.

وأضاف: ” ومع ذلك، فإن هذه الخطوات الجريئة لتحقيق مفهوم التكافؤ تخفي وراءها ضعفا روسيا، يزداد وَهَنًا. والسبب أن سياسة روسيا في أوكرانيا أصبحت سباقا نحو القاع. كما الصعوبات التي تواجه روسيا بادية للجميع: انخفضت قيمة الروبل بنسبة 24% ما بين عامي 2014 و2015، وتراجعت القوة الشرائية بنسبة 20%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.7%. وتراجعت الإيرادات الدولارية من صادرات الغاز بنسبة 29% خلال النصف الأول من عام 2015 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014. وفشلت روسيا في تنويع اقتصادها، وانخفض عدد الوافدين إلى البلاد من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بنسبة 34% ما بين يناير 2014 والشهر ذاته من عام 2015″.

المغامرة الروسية واللعبة الأمريكية الطويلة

وتحت عنوان “المغامرة الروسية واللعبة الأمريكية الطويلة” رأن الدكتورة فيونا هيل في بروكنجز أن روسيا اليوم تشكل تحديا للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على مستوى السياسة الخارجية والأمن أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ ذروة الحرب الباردة. ذلك أن ضمّ شبه جزيرة القرم، والحرب في منطقة دونباس الأوكرانية، والتدخل العسكري في سوريا، قلب الحسابات الغربية من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط.

استيعاب المصالح الروسية

لكن في مقابل ذلك، نصح كولن كلارك وويليام كورتني عبر مؤسسة راند الغرب بضرورة استيعاب الحد الأدنى من مصالح روسيا الاستراتيجية، إذا أوقفت موسكو هجماتها ضد المتمردين المعتدلين المدعومين غربيا، وضغطت على نظام الأسد للتفاوض على حل سياسي، ولم تنتهك وقف إطلاق النار.

وأضافا: “التسويات السياسية الفعالة والدائمة تنتج عن المصالح المتبادلة وليس السعي غير الرشيد لتحقيق المصالح الأحادية. والاعتراف بأن الأطراف المتنازعة لها مصالح مشروعة في الصراع السوري المعقد، يمكن أن يساعد في إنهاء الحرب المدمرة في المنطقة التي تعاني من الاضطراب لكنها حيوية في الوقت ذاته”.

الانسحاب الروسي.. رؤية إسرائيلية

نشر مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية تحليلا للعقيد (احتياط) الدكتور عيران ليرمان, أحد كبار الباحثين في المركز، بعنوان: ” الروس يغادرون سوريا. لماذا المفاجأة؟”.
يخلُص ليرمان إلى أن “الرحيل الجزئي للقوات الروسية من سوريا يعكس إنجاز فلاديمير بوتين لعدة أهداف واضحة المعالم، بما في ذلك استقرار بشار الأسد، وتوطيد وضع روسيا الدبلوماسي عالميًا”.
وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، يضيف النائب السابق للسياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي: “توازن السلطة الذي ينتج عن ذلك في سوريا يمنح إسرائيل وقتًا ومساحة لتعزيز دفاعاتها”.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى