دراسات استراتيجيةدراسات جيوسياسيةدراسات سياسيةنظرية العلاقات الدولية

استقطاب الحليف: لماذا تتفاهم واشنطن مع موسكو في مفاوضات فيينا؟

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الوصول لصفقة مع إيران في مفاوضات فيينا التي تُعقد جولتها الثامنة في الوقت الحالي. إذ ترى أن ذلك سيعزز موقعها على الساحة الداخلية، باعتبار أنها تسجل أول إنجاز سياسي على الصعيد الخارجي. إلا أن هذه المساعي تصطدم بتشدد إيران التي تستند إلى مستوى التطور في برنامجها النووي ودعم حلفائها الدوليين، لا سيما روسيا، على نحو دفع واشنطن إلى محاولة استقطاب الأخيرة، وهو ما يعود لاعتبارات عديدة، تتمثل في محاولة عزل إيران في المفاوضات، والاستعداد مسبقاً لفشل المفاوضات، والتركيز على مخاطر تحول إيران لدولة نووية، بالإضافة إلى العمل على توسيع نطاق التشاور بين الطرفين ليشمل ملفات خلافية أخرى.

دوافع عديدة

يمكن تفسير حرص واشنطن على توسيع نطاق التنسيق مع موسكو حول تطورات المفاوضات التي تجري مع إيران في فيينا في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- احتواء انعكاسات سياسة ترامب: ترى إدارة الرئيس بايدن أن أحد أسباب الموقف الروسي المؤيد لإيران في المفاوضات التي تجري في فيينا يكمن في انعكاسات السياسة التي تبنّتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خاصة بعد انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، ثم فرضها عقوبات على إيران في 7 أغسطس من العام نفسه، حيث رأت القوى الدولية المعنية بالاتفاق النووي أن الأزمة التي يواجهها الاتفاق حالياً سببها تلك القرارات التصعيدية التي اتخذتها الإدارة السابقة، والتي دفعت إيران إلى تقليص مستوى التزاماتها في الاتفاق بشكل وصلت معه إلى درجة غير مسبوقة فيما يتعلق بإنتاج 17.7 كلجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.

2- تضييق مساحة المناورة أمام إيران: لم توافق إيران على استئناف المفاوضات مع القوى الدولية في فيينا إلا بعد رفع مستوى التطوير في برنامجها النووي إلى نسبة 60% من التخصيب، وبعد أن نجحت في توطيد علاقاتها مع حلفائها الدوليين، ولا سيما روسيا التي تستعد للتفاوض معها حول اتفاقية شراكة مدتها عشرون عاماً. وهنا، فإن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تقليص هامش المناورة الذي تستند إليه إيران في تعزيز موقعها التفاوضي، من خلال محاولة استقطاب الدعم الروسي من أجل فرض ضغوط أقوى على إيران وتوجيه رسالة مباشرة لها بأن استمرارها في تبني السياسة المتشددة الحالية كفيل بتقريب وجهات النظر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حول هذا الملف تحديداً.

3- استغلال الاستياء الروسي من سياسة “كسب الوقت”: يبدو أن الفريق الأمريكي المعني بالمفاوضات مع إيران حول الملف النووي قد لاحظ أن ثمة امتعاضاً روسياً من سياسة “كسب الوقت” التي اتبعتها حكومة الرئيس “إبراهيم رئيسي” قبل أن توافق على استئناف المفاوضات. إذ بررت إيران مماطلتها في الانخراط في المحادثات مجدداً بانشغالها في إكمال طاقمها الحكومي وفريق التفاوض النووي.

واستغرق ذلك نحو أربعة شهور منذ بداية تولِّي “إبراهيم رئيسي” مهام منصبه في 5 أغسطس وحتى 29 نوفمبر الماضي، وهو ما أثار استياء القوى الدولية التي اعتبرت أن إيران تحاول كسب مزيد من الوقت لتحقيق أكبر قدر من التقدم في برنامجها النووي قبل أن تستأنف المفاوضات. وقد عبّر أوليانوف عن ذلك في تغريدة على موقع “تويتر” في 24 أكتوبر الماضي، حيث رد على تصريحات وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” بأن المفاوضات ستعقد “قريباً”، وقال: “قريباً، هل يعرف أحد ما تعنيه تلك العبارة عملياً؟!”.

4- الاستعداد مسبقاً لاحتمال فشل المفاوضات: لم تعد واشنطن تستبعد إمكانية فشل المفاوضات في ظل الشروط التي تواصل إيران محاولة فرضها في المفاوضات، لا سيما ما يتعلق بالحصول على ضمانات بعدم انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً من الاتفاق، ورفع مجمل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. ومن هنا، فقد بدأت في دراسة الخيارات الأخرى التي يمكن أن تستند إليها في التعامل مع هذا الاحتمال، ومنها اللجوء إلى مجلس الأمن مجدداً لتفعيل آلية “سناب باك”.

وهنا، فإنها تتحسب لاحتمال اتجاه روسيا والصين إلى عرقلة تلك المحاولة، على غرار ما حدث عندما سعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، في 15 أغسطس 2020، لتمديد الحظر الأممي المفروض على إيران في مجال الأسلحة الثقيلة واصطدمت برفض معظم الدول الأعضاء بما فيها الدول الأوروبية. ولذا، فإنها تحاول تكثيف المشاورات مع روسيا بغية تجنب رفضها المحتمل لأي توجه أمريكي إلى مجلس الأمن في مرحلة ما بعد انتهاء المفاوضات الحالية التي تجري في فيينا.

5- التركيز على مخاطر “إيران النووية”: ربما تحاول الإدارة الأمريكية الترويج لأن فشل المفاوضات لن يكون في صالح روسيا نفسها، باعتبار أن ذلك قد يدفع إيران نحو تطوير برنامجها النووي، والوصول إلى المرحلة التي تمتلك فيها القدرة على إنتاج القنبلة النووية. وبمعنى آخر، فإن واشنطن تدرك صعوبة “تعايش” روسيا مع قنبلة نووية إيران، على نحو سوف يدفعها إلى استغلال ذلك في استقطاب دعم روسيا لمقاربتها في المفاوضات، باعتبار أن ذلك يمكن أن يساعد في الوصول إلى صفقة، وبالتالي يحول دون تجاوز إيران للخط الأحمر بالنسبة لواشنطن وموسكو في آن واحد.

6- توسيع نطاق المشاورات بين واشنطن وموسكو: قد تكون هذه المشاورات بمثابة تمهيد لتوسيع نطاق المباحثات والتفاهمات بين الطرفين، لتشمل إلى جانب الملف الأوكراني الذي أصبح المحور الأساسي في التفاعلات الروسية الغربية في الوقت الحالي، الملف الإيراني أيضاً. إذ اتفق الرئيسان الأمريكي “جو بايدن” والروسي “فلاديمير بوتين” على عقد قمة في جنيف في 10 يناير الجاري، تليها مباحثات بين روسيا ودول الناتو بعد ذلك بيومين، بما يعني أن هناك اتجاهاً لتقليص حدة التوتر مع موسكو، والوصول إلى تفاهمات معها ربما تشمل أيضاً الملف الإيراني.

إنضاج الخلافات

وختاماً؛ فإنه على الرغم من أن إيران تبدو حريصة على الترويج لعلاقاتها الاستراتيجية القوية مع روسيا، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات العالقة بين الطرفين لا تبدو هينة، ولا تُعتبر محاولة احتوائها مهمة سهلة، وهو ما تدركه إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، التي ربما تحاول التعويل على ذلك في تعزيز احتمالات الوصول إلى تفاهمات مع موسكو حول الملف النووي في المرحلة القادمة. وربما تستغل في هذا السياق أيضاً التفاهمات التي تتوصل إليها إسرائيل مع روسيا حول الوجود الإيراني في سوريا، حيث يحظى هذا الملف أيضاً باهتمام خاص من جانب موسكو.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى