افشاء سرية التحقيق

– قالت العرب “لسان العاقل في قلبه و قلب الجاهل في لسانه” و عملا بالحكمة القائلة “السر والحذر أساسا الأمان “فعن النبي صلى الله عليه و سلم قال “استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان فاءن لكل ذي نعمة محسود “. – أو كما قيل –
كان رجال الدين المسيحيين أول من عرفوا تجريم إفشاء الأسرار وإذاعتها مند القدم، خاصة أنهم يؤتمنون على الأسرار فيما يعرف سر “الاعتراف” ثم شمل بعد ذلك الأطباء والصيادلة والمحامين.

– ترعرع السر بوجود الصراعات و النزاعات و كذا الحروب، فمنذ القدم اعتنى الحكام “من سلاطين وملوك ” على التكتم عن السر إلى حين وقت الضرورة، يقينا منهم إذا أفشيت الأسرار صاغ للخصم الانقضاض على المتنافس بسهولة وإحباط كل خططه (حربية كانت أم اقتصادية، أو في المجال الاستراتيجي على وجه الخصوص).

– و في اليوم الحاضر وبعد التقدم العلمي في الميدان المعلوماتي والتكنولوجي توسعت ميادين ومجالات الحياة وتشعبت إلى ابعد الحدود، فهرولت الدول العظمى إلى التسابق نحو التسلح لفرض الهيمنة على العالم. ولكي تحافظ على مكانتها لابد من حماية أسرارها وجعلها حصنا حصينا يتصدى لكل من يريد إفشال خططها.

– وبالنسبة إلى التشريع الجزائري فقد أشار إلى إفشاء الأسرار في مواضيع عديدة نظرا لأهميتها في استقرار العمل والمعاملات داخل المجتمع، فحفاظا على أسرار قيام الدولة أشار إلى أهمية السرية في عمل أجهزة الدولة. شدد على الجانب الاقتصادي لها من الحفاظ على السياسة المنتهجة هذا من جهة ومن جهة أخرى أصر على كتمان السر في بعض المعاملات بين الأشخاص لما لها من خصوصية كونها تمس الاعتبارات الشخصية، كعمل الطبيب والمحامي، وغيرها من التعاملات مع الأشخاص. ونظرا لهذا التنوع في كتمان السر بين المواطن والشخص العادي اتجاه المؤسسات الرسمية والأفراد العاديين حيث أشار صراحة إلى جريمة إفشاء الأسرار في القسم الخامس من الفصل الأول الخاص بالجنايات والجنح ضد الأشخاص تحت عنوان ” الاعتداء على الشرف و اعتبار الأشخاص و إفشاء الأسرار”.

الفـــــصل الأول

ماهية السر و أساسه
المبحث الأول: مفــهوم السر و أساس الالتزام.
المطلب الأول: المقصود بالسر
المطلب الثاني: أساس الالتزام بسر المهنة و اختلاف الأسرار
المبحث الثاني: أركان الجريمة
المطلب الأول: إفشاء الأسرار
المطلب الثاني: صفة الجانـي
المطلب الثالث: القصد الجنائي
المطلب الرابع : العقوبـــة

الفصل الأول: ماهية السر و أساسه

المبحث الأول: مفــهوم السر و أساس الالتزام.
أ / المقصود بالسر
– يعرف السر لغة أنه “ما يكتمه الإنسان في نفسه”
ورأى البعض أنه “كل ما يضر إفشاءه بالسمعة أو بالكرامة”
على حين رأى البعض الآخر “إن النبأ يصح أن يعد سرا ولو كان ليس مشينا بمن يريد كتمانه”.

– وإنما يلزم على كل حال أن يكون من شأن البوح به أن يلحق ضررا بشخص ما بالنظر إلى طبيعة النبأ أو إلى ظروف الحال.
– و في رأي أن السر هو ما يسبب إفشاءه ضررا لمودع السر وذلك بحجة أن هذه الجريمة قد وردت في باب جرائم الاعتبار، فيشترط أن يكون في كشف السر ما يمس صاحب السر.

– وقد انتقد هذا الرأي بأن كشف السر قد يكون فيه تمجيد لصاحبه، ومع ذلك فانه كان يجب أن يبقى سرا.
– ورأى البعض أن السر هو ما يطلب من المودع له أن يحافظ عليه، فإرادة صاحب السر هي تحدد صفته.
و لكن لوحظ على هذا الرأي أن هناك وقائع تعتبر من الأسرار بحكم طبيعتها أو بحكم الظروف المحيطة بها فلا يشملها هذا التعريف.

ب / أساس الالتزام بسر المهنة و اختلاف الأسرار:
– اختلف الرأي حول أساس الالتزام بسر المهنة. فرأى البعض أنه ينتج عن عقود وديعة ورأى البعض الآخر أنه يقوم على أساس تعاقدي بمعنى أوسع من الوديعة.

– والرأي السليم أن أساس هذا الالتزام هو تحقيق مصلحة المجتمع وهذه المصلحة يحققها ما يؤدي إليه الالتزام بالكتمان من إشاعة الثقة بين الناس الذين يضطرون إلى أن يأتمنوا على أسرارهم أشخاصا يباشرون مهنا تقتضي أن يعلموا بهذه الأسرار، أو تجعل ذلك في وسعهم.

والاتجاه الحديث أن هذه المصلحة تختلف باختلاف الوظيفة أو المهنة.
ففي بعضها تزداد غلبة عنصر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وفي بعضها الآخر يبدو عنصر المصلحة الخاصة لصاحب السر واضحا.

اختلاف الأسرار:
تختلف الأسرار باختلاف الأشخاص والظروف، فيما يعتبر سرا بالنسبة لشخص قد لا يعتبر سرا بالنسبة لآخر وما يعتبر سرا في ظروف معينة قد لا يعتبر كذلك في ظروف أخرى.

– كما تختلف الأسرار أيضا من حيث طبيعتها فهناك طائفة من الأسرار ذات طابع شخصي محض كالأسرار المعهودة إلى الأطباء والمحامين ورجال الدين، فهو يتضمن مصالح أدبية أو اجتماعية أو دينية بينما هناك طائفة أخرى تتضمن علاوة على هذا الجانب الشخصي المحض جانبا ماليا كالسر المعهود إلى السير بحكم مهنته.

– ويترتب على اختلاف الأسرار من حيث طبيعتها اختلاف من حيث قوتها ومدى القيود التي ترد عليها سواء في مواجهة الأشخاص الخاصة أو السلطات العامة، فالأسرار غير المالية تعتبر أسرارا مطلقة أو شبه مطلقة تتعلق بالنظام العام المطلق أو شبه المطلق. لا يجوز إفشاؤها بصفة عامة سواء في مواجهة الأشخاص الخاصة أو السلطات الهامة.

– أما السر المعهود إلى السير فهو سر مالي قد يتعلق به مصالح لذوي الشأن من أشخاص الفانون الخاص أو السلطات العامة، لذلك كان أمرا منطقيا أن يستقل كتمان هذا السر بأحكام تختلف عن تلك التي تحكم الأسرار غير المالية.

-وقوع الفعل المادي و هو إفشاء السر
– الفعل المادي هنا هو إفشاء الأسرار أي إفشاء نبأ يعد لدى صاحبه سرا، أي يهمه كتمانه والإفشاء هو الإفشاء بالسر إلى الغير بالقول أو الكتابة أو الإشارة وقد يتحقق ذلك بإذاعته علنا في جريدة. ولو كان النشر لغرض علمي أو بالتحدث به في محاضرة أو بين الناس أو بالتصريح به أو بجزء منه فقط ولو إلى شخص واحد فحسب. ولو كان وطيد الصلة بالأمين عليه فلذا يعد إفشاء أن يبوح هذا الأخير به إلى زوجته مثلا حتى ولو طلب منها كتمانه.

– كما يعد إفشاء للسر الشهادة به أمام السلطات القضائية والإدارية أو التبليغ عنه إليها حتى ولو كان السر عن جريمة وقعت ولا تزال محل بحث السلطات، وقد غلب القانون هنا واجب كتمان السر على واجب الشهادة أو التبليغ لمعاونة السلطات العامة على كشف الحقيقة إلا في الأحوال الخاصة التي نص عليها القانون والتي ستكون محل موضوع الفصل الثالث.

– وقد أخذت بعض الشرائع على تخفيف مدة التقيد بكتمان الأسرار المهنية في أحوال معينة، معاونة للقضاء على أداء رسالته، ومن ذلك فان الشارع الفرنسي أضاف فقرة ثانية إلى المادة (387 عقوبات) بمرسوم صدر في 29 جويلية1939، حيث أجاز فيها للأطباء وغيرهم من أصحاب المهن إذا دعوا للشهادة أن يبوحوا بما لديهم من أسرار عن حوادث الإجهاض دون أن يتعرضوا للعقاب.

– وقد جرى القضاء الفرنسي على أن يعد جريمة معاقبا عليها: إفشاء السر ولو انصب على واقعة معروفة ولو كانت غير مؤكدة إذ أن محيط العامة لا يعتمد عليه كثيرا ومن الناس من لا يصدق ما يبدو فيه فإذا تقدم من أؤتمن على السر وأفشاه فانه يؤكدا لرواية و يحمل المترددين على تصديقها و متى أصبحت الواقعة مؤكدة زالت عنها صفة السرية.

* ركن السر
– يجب أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه مما يصح اعتباره سرا ولكن القانون لم يبين معنى السر ولا هو بمستطيع ذلك إن أراد لأن التحديد غير مستطاع ويجب أن يرجع في ذلك إلى العرف. وإلى ظروف كل حادثة على انفرادها.
– ويرى بعض العلماء أن السر هنا هو ما يضر إفشاءه بسمعة مودعة أو كرامته. وفي بعض القوانين الأجنبية: كالقانون الايطالي (المادة 163 عقوبات) لا عقاب إلا حيث يكون السر مما يترتب على إفشاؤه ضرر ولكن بعض الشراح لا يرى هذا الرأي.

كذلك لا يشترط أن يكون السر قد أفضى به إلى من ائتمن عليه ولا أن يكون قد ألقى إليه على أن السر وطلب منه كتمانه، بل يعد في حكم السر الواجب كتمانه كل أمر يكون بطبيعته سرا ولو لم يفض به إليه إفضاء كما لو كان قد حصل عليه من طريق المباغتة أو من طريق الحدس والتنبؤ أو من طريق الخبرة الفنية.

– فالطبيب الذي يدرك من الكشف على مريض أنه مصاب بأمراض زهرية مطالب بكتمان السر ولو أن المريض نفسه لم يكن عالما به. والمحامي الذي يدرك من سباق حديث موكله أنه ارتكب جريمة مكلف بالاحتفاظ بهذا السر ولو لم يفض الموكل إليه بصراحة.

– ولا يلزم أن يكون العميل قد أفضى بالسر إلى البنك طالبا إليه كتمانه بل يكفي لقيام الجريمة أن يكون السر قد وصل إلى علم البنك مباعة أثناء مباشرة مهنته بطريقة الحدس والتنبؤ أو بطريق الخبرة الفنية.

– ويدل على أن المحافظة على سر المهنة يبدأ واجبا أخلاقيا، فقد اعتادت الطوائف المهنية منذ القدم على العمل بمقتضى قواعد يرتبط بها أفراد الطائفة والمهنة في مباشرتهم حرفتهم. ومعظم هذه القواعد ذات طبيعة أخلاقية.

– وعلى هذا الأساس ارتبط كل نشاط مهني بما يسمى بالقانون الأخلاقي للمهنة الذي يحكم السلوك المهني للأفراد المرتبطين بمهنة ما. وقد فرض الواجب الأخلاقي المحافظة على السر المهني واعتبره من أهم الالتزامات المهنية المفروضة على بعض الطوائف التي تطلع نتيجة ممارسة أعمالها على أسرار ، ومن ثم وجوب الائتمان عليها وكانت مهنة الطب والمحاماة في مقدمة هذه المهن حيث قيل أن السر المهني جوهرها.

– وقد قضت محكمة أن الدولة العليا بأن السر هو أمر يتعلق بشيء أو بشخص وخاصيته أن يظل محجوبا أو مختفيا عن كل أحد غير من هو مكلف قانونا بحفظه. أما استخدامه بحيث يكون العلم به غير متجاوز عددا محدودا من الأفراد الذين يرخص لهم دون سواهم أن يعلموه أو تناقلوه فيما بينهم فلا يؤثر على كونه سرا.

– ولم يستخدم المشرع في قانون السرية الحسابات بالبنوك عبارة “السر الخصوصي” التي جاءت بالمادة (310 عقوبات ) وحسنا فعل لأن السر في طبيعته معنى الخصوصية، فليس هنا سر عمومي وسر خصوصي يكفي أن يقال أنه سر.

– لا يعاقب القانون على إفشاء السر إلا إذا كان قد أودع إلى شخص بمقتضى صناعته أو وظيفته (par état ou par profession) أو مهنته، أو فنه، أو طبيعة عمله. فيجب إذن أن يكون الشخص الذي أتمن على السر قد تلقى ذل السر بحكم الضرورة وبسبب صناعته أو وظيفته. و لم يحاول القانون حصر الأشخاص الذين توجب عليهم صناعتهم أو وظائفهم كتمان ما يؤتمنون عليه من أسرار تلك الصناعات أو الوظائف بل ذكر على سبيل المثال: الأطباء، الجراحين، الصيادلة، القوابل، ثم أردف ذلك بقوله ( أو غيرهم )

– وعليه يدخل تحت حكم المادة (310 ع)الالتزام بحفظ سر المهنة المصرفي قبل صدور القانون رقم 205 لسنة 1990 في شأن سرية حسابات البنوك. ومن المتفق عليه أنها تسري على كل من يعد أمينا على السر بحكم الضرورة ( confession nécessaire)، أو بحكم ممارسته مهنته أو صناعته إذا كانت هذه أو تلك عامة لخدمة الجمهور وهذا ما يقتضي منا أن نحدد الطوائف التي تلتزم والتي تخرج عن نطاق هذا الالتزام.

المبحث الثاني: أركان جريمة إفشاء الأسرار
أ / وقوع فعل إفشاء السر (الركن المادي)
– إفشاء السر هو الكشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى وظيفته أو مهنته عن قصد وبالتالي فلا جريمة إذا لم يتوافر لدى المتهم بها القصد ولو توفر لديه إهمال أو خطأ في أيهم صورة، فالطبيب الذي يدون أسرار مريضه في ورقة ثم يتركها إهمالا منه في مكان تتعرض فيه أنظار الغير فيطلع عليها شخص هذا الطبيب لا يرتكب جريمة إفشاء الأسرار حيث لم يرد في القانون تعريف لسر المهنة. ذلك أن تحديد السر مسألة تختلف باختلاف الظروف وما يعتبر سرا بالنسبة لشخص قد لا يعتبر كذلك بالنسبة لآخر وما يعتبر سرا في ظروف معينة قد لا يعتبر سرا في أخرى. و يمكن القول بأن الوصف لواقعة ما يتضمن انحصار نطاق العلم بها في عدد محدود من الأشخاص إذا كانت ثمة مصلحة لشخص أو آخر في أن يظل العلم بها محصورا في ذلك النطاق. ويعتبر العلم بالواقعة محصورا في أشخاص محدودين إذا كان هؤلاء الأشخاص معنيين أما إذا كانت معلومة لعدد من الناس بغير تمييز فقد انتقلت عنها بالضرورة صفة السر، و يعني ذلك أنه إذا كان عدد من يعلمون بالواقعة كبيرا ولكنهم معنيون فإن ذلك لا ينفي عنها صفة السر، وفي اللحظة التي تصير فيها الواقعة معلومة على سبيل التأكيد لعدد غير محدود من الناس بحيث لا يضيف الإفضاء بها مزيدا إلى نطاق العلم تنتفي عنها صفة السر، فكل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة مهنته وكان في إفشاءه ضرر لشخص أو لعائلة إما لطبيعته أو بحكم الظروف التي تحيط به يعتبر سرا.

و لا يشترط أن يكون السر قد أفضى به إلى الأمين أو ألقى إليه على أنه سر وطلب منه كتمانه بل يعد في حكم السر الواجب كتمانه، كل أمر يكون سرا ولو لم يشترط كتمانه صراحة.

– كما أن الإفشاء يقصد به اطلاع الغير على السر والشخص الذي يتعلق به هذا السر بأية طريقة كانت: المكاتبة، أو المشافهة ، أو الإشارة وما إلى ذلك ويتوافر هذا الشرط ولو كان الإفشاء بجزء من السر ولا يشترط أن يكون الإفشاء علنيا بل يكفي أن يكون إلى شخص واحد، فالمؤتمن على السر يفشيه لزوجته يقع تحت طائلة العقاب ولو طلب من الزوجة كتمان السر ولا يباح الإفشاء ولو من أمين، ولا يكفي مجرد إفشاء سر مجردا عن صاحبه ولا يتطلب القانون ذكر اسم المجني عليه، وإنما يكتفي بذكر بعض معالم شخصيته على النحو الذي يكفي التعرف عليه، أي يكفي أن يكون تعيينه نسبيا، ويعتبر من هذا القبيل نشر صورته ويتعين أن يكون الإفشاء بالسر إلى الغير أي إلى شخص لا ينتمي إلى هذه الفئة من الناس الذين ينحصر فيهم نطاق العلم بالواقعة التي توصف بالسر ويعني ذلك أنه إذا كان الإفصاح بالسر إلى شخص ينتمي إلى هذه الفئة بحيث لم يتعد العلم النطاق الذي ينبغي أن يظل محصورا فيه فلا يعد إفشاء.

الشروع في الإفشاء:
– الشروع في الإفشاء متصور ولكنه غير معاقب عليه وفي حالة إفشاء المتهم بسر المجني عليه إلى شخص كان يعتقد أنه لا يعلم به والحقيقة أنه يعلم به على سبيل اليقين، فالجريمة غير قائمة ولا عقاب عليها.

ب / صفة الجاني( المؤتمن على السر ).
– لا تقوم جريمة إفشاء الأسرار إلا في حق شخص ذي صفة معينة، وهذه الصفة مستمدة من نوع المهنة التي يمارسها أي أنها صفة مهنية والعلة في تطلب هذا الركن أن جوهر الجريمة هو إخلال بالتزام ناشئ عن المهنة. وما يتفرع عنها من واجبات فضلا عن أن علة التجريم هي الحرص على المباشرة السليمة المنتظمة لمهن معينة ذات أهمية اجتماعية.

– وهذه الصفة متطلبة في فاعل الجريمة، ومن ثمة يجوز أن يكون الشريك فيها غير حائز لهذه الصفة وهي متطلبة وقت إيداع السر والعلم به دون وقت إفشائه، فالطبيب أو المحامي الذي يفشي بعد اعتزاله المهنة سرا أودع لديه حينما كان يمارس مهنته يرتكب هذه الجريمة. وتنص المادة 301 من القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13-02-1982، أنه تسري هذه الجريمة على أمناء الأسرار وهم الأمناء بحكم الضرورة أو من تقتضي نشاطاتهم تلقي أسرار الغير و لم يتم حصرهم حيث تنص المادة أعلاه أنه ” يعاقب الأطباء والجراحون والصيادلة والقابلات وجميع المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم وافشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم القانون إفشاؤها ويصرح لهم بذلك “. كما يسري نص هذه المادة أيضا على رجال الأمن وموظفو البريد والقضاة وأعضاء النيابة وموظفو الضرائب والبنوك ويعتبر الطب أهم المهن التي يلتزم ممارسوها بكتمان السر الخاص بعملائهم لأنها أكثرها اعتمادا على هذه الأسرار، وهي أسرار قد تتصل بأدق تفاصيل الحياة الشخصية للمريض وتنعكس على عائلته وقد تتصل بسمعته. ولقد أردف المشرع إشارته إلى الأطباء بذكر الجراحين مع أنهم نوع من الأطباء، وأشار المشرع كذلك إلى القابلات والصيادلة وجرم بذلك إفشاءهم للسر الذي يعلمون به بسبب ممارستهم مهنتهم. فالتذكرة الطبية بطبيعتها سرية وقد يستخلص من الاطلاع عليها نوع المرض الذي اقتضته، كما قد يستشير بعض الناس الصيدلي في علاج أمراضهم فيفضون إليه بأسرارهم فيلتزم بكتمانها، وغنى عن البيان أنه إذا أطلع الصيدلي مفتش الصيدلية على ما لديه من وصفات طبية فهو لا يرتكب جريمة إذ ينفذ أمر القانون، ولكن يلتزم هذا المفتش بكتمان السر.

كذلك فان المحامي يلتزم بكتمان أسرار عمله التي أفضيت إليه أو علم بها أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها، وذلك بعلم المحامي بجميع وقائع الدعوة التي يطلب منه الدفاع فيها وأتيح له الاطلاع على جميع المستندات التي يحوزها موكله وخاصة في الحالات التي يتطلب علمه بماضي موكله وظروف حياته وقد يكون منها ما له طابع شخصي بحت، وقد يكون بعض ما يعلم به المحامي متصل بالشرف على نحو وثيق كالوضع في دعوى الطلاق للزنا أو إثبات بنوة. و يقيد الالتزام بالكتمان إلى جميع مساعدي المحامي إذا علموا بسبب عملهم أو بمناسبته بسر الموكل ولكن لا يرتكب المحامي هذه الجريمة إذا أفضى بأسرار موكله أمام مجالس القضاء في شأن الدعوى التي يدافع فيها وفي الحدود التي يقتضيها الدفاع عن مصلحة موكله ويتضح بذلك أن ثمة فارقا جوهريا بين السر الطبي وسر الدفاع الذي يلتزم المحامي بكتمانه فبينما يخطر على الطبيب أن يفضي إلى شخص ما بسر مريضه، فإن المحامي يجب عليه أن يبلغ القضاء عن أسرار موكله ما يقتضيه الدفاع عن مصلحته في خصوص الدعوى التي وكله عنه فيها، كما أن القضاة تودع لديهم بمقتضى وظائفهم أسرار فيلتزمون بكتمانها، و يمتد الالتزام بالكتمان إلى كل واقعة تتوافر لها صفة السر وعلم بها القاضي بسبب وظيفته أو بمناسبتها، ويتسع نطاق الالتزام بالكتمان لجميع القضاة أيا كان اختصاصهم ودرجاتهم وألقابهم القضائية، فيتسع لرجال القضاء العادي والإداري والعسكري، ويمتد هذا الالتزام إلى رجال النيابة العامة، وإلى أعوان القضاة كالمحضرين وأمناء السر والكتاب والمترجمين، كذلك فإن الموظف العام يرتكب جريمة إفشاء الأسرار إذا أفضى إلى الغير السر الوظيفي أي السر الذي يكون قد علم به بسبب وظيفته أو بمناسبتها.

– و يتعين لنشوء المسؤولية الجنائية أن تتوافر لاختصاص الموظف الخصائص السابقة التي تجعل منه أهل ثقة وظيفية اضطرارية من جانب الدولة ويتعين أن يكون الإفشاء عمديا. أما المهن التي لا تتوافر لأفرادها الخصائص التي تجعل منهم أهل ثقة مهنية اضطرارية وأهم هذه المهن الصحافة: فالصحفي مهنته نشر الأخبار والآراء في أوسع النطاق، ولذلك لا يتصور أن يتفرع عن مهنته الالتزام بالكتمان إذ يناقض طبيعة مهنته ورسالتها الاجتماعية. كذلك يخرج من حكم النص السكرتيرين الخصوصيين والسماسرة، فهؤلاء لا يؤدون صناعة عامة لخدمة الجمهور ومن ثمة لا يتحقق بعملهم الضرر الذي قصد المشرع أن يتلقاه من إحجام الجمهور عن الالتجاء إلى الأمناء بحكم الضرورة.

ج / القصد الجنائي
– لا تقوم الجريمة إلا إذا تعمد الفاعل الإفشاء ، فلا يجوز إذا حصل إفشاء عن إهمال أو عدم احتياط وبمجرد الإفشاء مع العلم بموضوعه كاف لتوافر القصد الجنائي، فلا يشترط القانون هنا نية خاصة أو نية الإضرار بالغير ذلك أن الفعل في حد ذاته من الأفعال الشائنة التي لا تحتاج إلى قصد خاص يؤديها.

– ويقوم القصد في هذه الجريمة على عنصريه العلم والإرادة، فيتعين أن يعلم المتهم بان للواقعة صفة السر و أن لهذا السر الطابع المهني وأن يعلم أن له المهنة التي تجعل منه مستودعا للأسرار. وأن يعلم إن المجني عليه غير راض بإفشاء السر وإذا اعتقد المتهم أنه ليست للسر صلة بمهنته، أو جعل مهنته كما لو كان الموظف لم يخطر بعد بقرار تعيين في المنصب الذي يلتزم شاغله بكتمان السر الوظيفي الذي يعلم به، أو اعتقد أن المجني عليه راض بإفشاء السر إلى شخص معين. ويتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى فعل الإفشاء و إلى النتيجة التي تترتب عليه وهي علم الغير بالواقعة التي لها صفة السر، وبتعبير آخر فإنه يتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى الفعل الذي يمكن به الغير من أن يعلم بالواقعة وأن تتجه كذلك إلى توفير هذا العلم لديه.

د /عقوبة إفشاء الأسرار
– طبقا للمادة 301 / قانون 82/04 المؤرخ في 13/02/1982 التي تنص على ما يلي:
” يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 500 إلى 5000 دج الأطباء والجراحون و الصيادلة والقابلات وجميع المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم وأفشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها ويصرح لهم بذلك.

ومع ذلك فلا يعاقب الأشخاص المبينون أعلاه رغم التزامهم بالإبلاغ عن حالات الإجهاض التي تصل إلى علمهم بمناسبة ممارسة مهنتهم، بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا أبلغوا بها فإذا رفع دعوى للمثول أمام القضاء في قضية إجهاض يجب عليهم الإدلاء بشهادتهم دون التقيد بالسر المهني “

– المادة 302 من نفس القانون:
” كل من يعمل بأية صفة كانت في مؤسسة وأدلى أو شرع في الإدلاء إلى أجانب أو إلى جزائريين يقيمون في بلاد أجنبية بأسرار المؤسسة التي يعمل فيها دون أن يكون مخولا له يعاقب من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000 دج، وإذا أدلى بهذه الأسرار إلى جزائريين يقيمون في الجزائر فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 1500 دج “

– ويجب الحكم بالحد الأقصى المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين إذا تعلقت الأسرار بصناعة أسلحة أو ذخائر حربية مملوكة للدولة.

– وفي جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 من هذا القانون لمدة سنة

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button