...
الجامعة و البحث العلميدراسات سياسية

اقسام العلوم السياسية العربية وقفص النظريات الغربية

وليد عبد الحي

لا أحد يستطيع انكار دور الفكر الغربي (الامريكي والأوروبي) في التنظير للعلاقات الدولية، فإذا استثنينا نظرية التبعية( التي ساهم فيها مفكرون عرب وأمريكيون لاتينيون) فان كل نظريات العلاقات الدولية هي في مجملها ذات اصول غربية، لكن اطلاع الجامعات والباحثين العرب على النظريات في العلاقات الدولية بشكل خاص والعلوم السياسية بشكل عام خارج نطاق الأدبيات الغربية محدود للغاية بخاصة الاطلاع على التنظير الآسيوي للعلاقات الدولية ، رغم مؤشرات عديدة تستحق التأمل :
أ‌- الصعود الآسيوي الحالي حيث ان اجمالي الناتج المحلي(PPP ) لأربع دول آسيوية(الصين والهند واليابان وروسيا) هو 31% من اجمالي الناتج العالمي وهي نسبة تعادل اجمالي الناتج المحلي لجميع دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة معا.
ب‌- ان اجمالي الفائض التجاري للدول الآسيوية يجعلها تحتل المرتبة الاولى في العالم بينما اغلب الدول الغربية هي في حالة عجز 
ت‌- ان في آسيا أكبر عدد من الدول النووية( كوريا الشمالية والصين والهند وباكستان وروسيا واسرائيل)
ث‌- ان آسيا هي الاكبر في عدد السكان وبفارق كبير عن القارات الاخرى.
ج‌- ان البنيات الثقافية والمجتمعية في هذه المجتمعات هي اقرب نسبيا للمجتمعات العربية.
كل ذلك يستدعي ايلاء الاهتمام لادبيات التنظير للعلاقات الدولية في هذه الدول بخاصة الصين واليابان والهند وروسيا من ناحيتين :
أولا: في تأصيل النظريات في العلاقات الدولية بخاصة ان الباحثين الغربيين يشيرون لهذه النظريات في اغلب بحوثهم. وهو ما يتضح في نظريات:

1- كوتيليا الهندي(Kautilya) آرثاشاسترا : يربط أغلب الغربيين بين كوتيليا (300 قبل الميلاد) وميكافيلي ، ،فقد تناول كوتيليا قواعد الحكم السياسي، اسس التنظيم السياسي، الجوانب المالية في السلوك الحكومي،السياسة الخارجية، إدارة الدفاع الوطني والحرب.كما انه يعد من ابرز الواقعيين البراغماتيين، وتناول موضوعات التحالف والعلاقة بين الدول وجوارها القريب والبعيد 
2- كونفوشيوس(Confucius) ((551–479 BCE بخاصة التركيز على البعد الاخلاقي في إدارة العمل السياسي، ويمكن القول بأن كونفوشيوس هو الفيلسوف الاول لحقوق الانسان
3- صن تسو Sun Tzu) ) القرن السادس قبل الميلاد حول استراتيجات التخطيط للحرب
ثانيا: في الفترتين الحديثة والمعاصرة: وهي الفترة التي تحظى بنصيب لا يذكر من اهتمام اقسام العلوم السياسية العربية ، وتتضح الجهود الآسيوية في جهود عدد من المنظرين الآسيويين والذي يحظى بعضهم بدور مركزي في تأثير نظرياتهم على قرارات دولهم مثل : 
1- النظريات الحديثة:
أ‌- نيشيدا كيتارو(Nishida Kitarō) (1870-1945)
الأكثر تأثيرا في التنظير الحديث للعلاقات الدولية في المدرسة اليابانية من زوايا دور الدين والثقافة والتطرف والاخلاق والقومية في العلاقات الدولية وفي سلوك نظم الحكم. ويمكن اعتباره الفيلسوف السياسي الأكثر اهمية في اليابان في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ويضعه الباحثون الغربيون ضمن مؤسسي المنظور البنائي (constructivism) في نظريات العلاقات الدولية المعاصرة.
ب‌- أكاماتسو كانيم (Akamatsu Kaname ) ( اليابان) (1896-1974)
دوره في تقسيم العمل في النظم الاقليمية من خلال نظريته ( Flying Geese Paradigm)(نموذج الأوز الطائر) التي نشرها في عام 1960 واخذت صدى واسعا ، ويركز فيها على دور القائد في اعادة هيكلة الانتاج نظرا للتباين بين الاقتصاديات العالمية، ويرتب مراحل التطور الاقليمي السياسي والاقتصادي استنادا لمؤشرات التحول في قواعد الانتاج الاقتصادي ، وهو معتمد في جانب من نظريته على العالم الروسي كوندراتيف(الذي اعدمه ستالين).
2- النظريات المعاصرة:
يساهم الآىسيويون بشكل خاص في هذا المجال ، بل ولهم طروحات هامة وفي كثير من الاحيان تتناقض مع المضمون الجوهري للنظريات الغربية :
1- Qin Yaqing: A Relational Theory in World Politics “
وهو استاذ بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، وهو ابرز نقاد النظريات الغربية في العلاقات الدولية المعاصرة ويركز في نظريته على دور الابعاد الثقافية بخاصة الصور التي يختزنها المتفاعلون عن بعضهم البعض في تشكيل طبيعة العلاقات الدولية.
2- Zheng Bijian: (تم تصنيفه في المرتبة 44 بين اهم مائة مفكر في العالم في الوقت الحالي)

نظريته peaceful rise والتي دعمها بنظرية The Global Convergence of Interests 
نظرية الصعود السلمي والتي طورها الزعيم الصيني جينتاو في مرحلة لاحقة الى نظرية التنمية السلمية على المستوى الدولي، تقوم على تحليل العلاقة بين “القوة الناعمة والسلام الدولي” من خلال التقارب في المصالح العالمية وليس من خلال النظريات التقليدية كتوازن القوى او الردع ..الخ.
3- Aleksandr Dugin: (الكسندر دوغين) ويصفه الغربيون بأنه المفكر الاكثر تأثيرا على بوتين
( وروسيا دولة آسيوية جغرافيا، ف76.5% من اراضيها تقع في القارة الآسيوية)، له نظريتان: 
أ‌- النظرية السياسية الرابعة(2009)
The Fourth Political Theory 
وهي نظرية يحاول فيها دمج وتجاوز النظريات الماركسية(وحدة التحليل الطبقة) والليبرالية( الفرد) والفاشية (الدولة) وهو يركز هنا على بديل المجتمع المدني الذي يتجاوز الانتماء الطبقي والقومي وفرديته بسبب العولمة ويقترح تصورات بهذا الخصوص .
ب‌- النظرية الأوراسية( 1997) : The Foundations of Geopolitics: The Geopolitical Future of Russia وتركيزه فيها على الدور الروسي في بناء تحالفات حول روسيا مثل ايران والدول الاسلامية والعمل على توظيف البترول والغاز في تكييف السياسات الأوروبية وصولا الى جنوب ووسط امريكا اللاتينية.
4- Kenichi Ohmae:كينيش أوهمي 
نظرية نهاية الدولة القومية (العولمة), The End of the Nation-State صاحب نظرية نهاية الدولة القومية: وهي النظرية التي اثرت كثيرا في اغلب منظري العولمة بدءا من أنتوني جيدنز وروبيرتسون وصولا الى توماس فريدمان. ونظريته هذه عن تآكل مفهوم السيادة هو امتداد لنظريته عن عالم بلا حدود عام 1990Borderless World)).
5- Akio Morita and Shintaro Ishihara اليابانيان (ايشيهارا كان وزيرا للنقل)
– THE JAPAN THAT CAN SAY NO(1989)- والدراسة تقوم على النقد الشديد للسياسة الامريكية، لكن الاهم فيها هو :
توظيف القوة الناعمة اليابانية مثل التفوق التكنولوجي- المستوى التعليمي- المستوى الاخلاقي في العلاقات الدولية- في التفاوض السياسي مع القوة المركزية وهي الولايات المتحدة. وتتناغم هذه الدراسة مع دراسة صينية لاحقة بعنوان The China That Can Say No: Political and Emotional Choices in the post Cold-War era. 
لعدد من الباحثين الصينيين ابرزهم تشانغ هيسابو(Zhang Xiaobo) .
6-Hung jen Wang:
واشتهر بدراسته
Being Uniquely Universal: Building Chinese 
International Relations Theory

يحاول فيها تقديم نظرية للتوفيق بين القيم العالمية والقيم المحلية في التنظير للعلاقات الدولية،ويطبق ذلك على الصين.
7- Navnita Chadha Behera وهي مفكرة هندية قدمت نظرية حول العلاقة بين العنف والهوية في العلاقات 
الدولية ، وعنوان دراستها:
( International Relations in South Asia: Search for an Alternative Paradigm 
ويبدو من العرض السابق ان نظريات العلاقات الدولية الآسيوية تتسم بما يلي:
أ‌- التركيز بنسبة أكبر كثيرا على الأبعاد الثقافية(الدين،القومية، الاخلاق،الفنون) في تفسير العلاقات الدولية
ب‌- محاولة توظيف القوة الناعمة خلافا للمنظور الغربي الذي يغلب عليه منظور القوة الخشنة، والملاحظ ان فكرة القوة الناعمة تم تداولها في الأدبيات الآسيوية التقليدية قبل طرح نظرية جوزيف ناي(1990-Bound to Lead) ، وتبين ان اكثر مصطلح في 4 آلاف مجلة علمية صينية تردد فيها هو مصطلح “القوة الناعمة ” وبشكل متصاعد بدءا من منتصف الثمانينات وحتى عام 2006 بخاصة كتابات Hongying Wang مثل:
The Conception of Soft Power and its Policy Implications: a comparative study of China and Taiwan،
ويركز الصينيون على “دور التراث الفكري” لهم كقوة ناعمة بخاصة الشرعية والاخلاق الدولية..الخ.

ولما كان أحد اتجاهات العلاقات الدولية المعاصرة ذلك الذي يتبنى فكرة ان القرن الحادي والعشرين هو ” القرن الآسيوي” فإن من الضروري تنبه الباحثين العرب لجانبين هما : البعد النظري لمفكري آسيا بخاصة الصين واليابان والهند وروسيا، والبعد التطبيقي أي دراسة سلوك هذه الدول بخاصة تجاه المنطقة العربية، ولا بد من الخروج من القفص الغربي.

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى