دراسات افريقية

الأبعاد السياسية والقانونية لموقف إيران تجاه قضايا الأمن الإقليمي في القرن الإفريقي

رحاب سيد كامل
بقلم رحاب سيد كامل –   المركز العربي للبحوث والدراسات

تعد منطقة القرن الإفريقي من المناطق الإستراتيجية في إفريقيا والعالم بسبب موقعها الجغرافي الحيوي، المسيطر على مدخل البحر الأحمر الجنوبي في مضيق باب المندب، والمؤثر أيضاً في مدخله الشمالي، ممثلاً في قناة السويس والبحر الأحمر هو الشريان الواصل بين أرجاء العالم، والحامل لحركة البشر والغذاء والنفط والسلاح العالمي.

 

 ولا شك في أن الأمن في القرن الإفريقي يواجه إشكاليات متعددة، وتحديات متشابكة، سواء كانت محلية أو إقليمية، أو دولية قد تؤثر في واقع ومستقبل الأمن في القرن الإفريقي، في ظل غياب أية منظومة إقليمية قادرة على ضمان الأمن في هذه البقعة الحيوية من العالم.

 تتمثل التحديات الدولية في الوجود العسكري الدائم في شكل قواعد عسكرية، أو عبر صراع الموانئ التجارية، أو غيرها من محاولات كسب النفوذ الذي تمارسه قوى مختلفة التوجهات والأهداف، وهي (فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، واليابان، وإسرائيل، وتركيا، والإمارات، والسعودية، وبطبيعة الحال “إيران”). ويعكس هذا التنافس الدولي المتزايد قلقاً كبيراً، وإدراكاً حقيقياً لطبيعة هذه المنطقة الأكثر خطورة، والتي يمكن أن تهدد مصالحها، فضلاً عن أنها مصدر محتمل لتهديد الأمن والسلم الدوليين.

وتتعدد التحديات الإقليمية داخل القرن الإفريقي، أيضاً، ومنها صراعات الحدود القائمة بين بعض دول الإقليم (إريتريا – إثيوبيا ، إريتريا – جيبوتي)، التي تثار بسبب الخلافات السياسية وتضارب المصالح، أو بسبب التقسيم الحدودي غير الملائم، حيث إن الإستعمار في تقسيمه للحدود الإفريقية عامة لم يراع الإمتدادات الإقليمية الطبيعية للقبائل الإفريقية، الأمر الذي تسبب في إشعال الصراع بين هذه الدول، مما أسهم  في تعميق حالة عدم الإستقرار السائدة في الإقليم، كما شهدت المنطقة العديد من الأزمات المعقدة ذات البعد الدولي منها على سبيل المثال لا الحصر ” القرصنة البحرية، تزايد ظاهرة التنظيمات المسلحة ضمن إمتداد ظاهرة الإرهاب الدولي، الفقر والمجاعات وإنتشار الأوبئة، مشكلة اللاجئين والنازحين بالمنطقة…. وغيرها). وقد كان لإيران أدواراً مباشرة وغير مباشرة في هذه القضايا كغيرها من الفواعل الإقليمية والدولية الأخرى، سوف تكون هذه الأدوار محل التحليل في الدراسة.

المحور الأول : دور إيران في إطار التعاون الدولي لمكافحة القرصنة البحرية في القرن الإفريقي

تعددت الوسائل والأسااليب التي لجأ إليها المجتمع الدولي لمواجهة تهديدات وتداعيات القرصنة سواء على المستوى الجماعي أو المستوى الإنفرادي للدول، وذلك على النحو التالي:

أولاَ- قرارات مجلس الأمن

أصدر مجلس الأمن الدولي، وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أربعة قرارات لمكافحة القرصنة البحرية في الصومال، وهي القرار رقم 1814 في 15 مايو 2008، والقرار رقم 1816 في 2 يونيو 2008، والقرار رقم 1838 في 7 أكتوبر 2008، والقرار  رقم 1851 في 16 ديسمبر 2008، والتي أصبغت بمقتضاها الشرعية على التدخل العسكري البحري الدولي من قبل الدول المتضررة من تلك الظاهرة على سواحل الصومال وخليج عدن.

 وفقاً لهذه القرارات فإنه ينبغي على الدول المتشاطئة في البحر الأحمر، لا سيما الدول المجاورة للصومال، التعاون مع القوات الدولية المتعدد الجنسيات التي تؤدي نشاطات عسكرية لمحاربة القرصنة البحرية، وذلك بحكم عضويتها في الأمم المتحدة، وكذلك إلتزامها بالسماح للسفن الحربية الأجنبية بالمرور عبر مياهها الإقليمية ومضايقها وفقاً لحق حرية المرور البري، وحق المرور العابر (الترانزيت) المنصوص عليهما في إتفاقية قانون البحار الموقعة في جامايكا عام 1982، وهي ملزمة أيضاً بالتعاون مع القوات المتعددة الجنسيات إذا كانت تحركاتها في مناطق أعالي البحار لمكافحة القرصنة، وفقاً للمواد (100- 107) من هذه الإتفاقية، التي تتضمن تعريفاً للقرصنة، وحق الدول في ضبط أية سفينة أو طائرة تمارس أعمال القرصنة(1).

1.      قرار مجلس الأمن رقم 1814، الصادر في 15 مايو 2008( 2):

قد برزت في هذا القرار النقاط التالية:

أ‌. أن يواصل الأمين العام جهوده بالتعاون مع المجتمع الدولي لمساعدة المؤسسات الإنتقالية في الصومال في وضع سياسة تعمل على تحقيق الأمن والإستقرار وتقديم الخدمات للشعب الصومالي.

ب‌. إتخاذ التدابير اللازمة ضد من يحاولون منع أو إعاقة العملية السلمية في الصومال.

ج‌. تعزيز فعالية حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الصومال.

د‌. دعم المساهمة التي تقدمها بعض الدول لحماية القوافل التجارية لبرنامج الأغذية العالمي. مع طلب من الحكومة الانتقالية في الصومال بحماية سفن نقل المساعدات الإنسانية للصومال.

ه‌. تشجيع جهود الإغاثة الجارية في الصومال.

و‌. تعزيز حقوق الإنسان في الصومال.

ز‌. تأييد الجهود الجارية التي تبذلها الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي بالتعاون مع الحكومة الإتحادية الإنتقالية لتطوير مؤسسات قطاع الأمن في الصومال.

2.      قرار مجلس الأمن رقم 1816 الصادر في 2 يونيه 2008(3 ):

كان مجلس الأمن الدولي قد أصدر بناءً على طلب كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبنما، القرار رقم 1816 في 2 يونيه 2008، والذي يسمح للدول بعد حصولها على موافقة الحكومة الإنتقالية الصومالية، ولفترة ستة أشهر، بدخول المياه الإقليمية لمكافحة أعمال القرصنة والسطو المسلح في البحار، وكانت فرنسا ترغب في أن يشمل القرار أعمال القرصنة في مناطق أخرى من العالم كغرب أفريقيا، وهو ما قوبل بإعتراض كل من الصين وفيتنام وليبيا، التي هددت بعدم التصويت لصالح القرار، إلا إذا كان يتعلق بالحالة الصومالية حصراً، ولا ينتهك سيادة أية دولة أخرى. ورغم ذلك فإن أهمية القرار تنبع من كونه يستخدم قوة القانون في السماح للقوى البحرية بمطاردة القراصنة.

وجدير بالذكر أن القرار رقم 1816، له قوة تنفيذية ملزمة على جميع الدول، حيث يسمح بمكافحة القرصنة وإتخاذ تدابير بحق من يقومون بها في المياه الإقليمية للدول، وخاصة فيما يتعلق بالقرصنة في خليج عدن والمناطق المقابلة لسواحل الصومال، وهو يقتصر على مكافحة القرصنة البحرية في الصومال فقط، رغم وجود عمليات قرصنة أيضاً في مناطق أخر.

 

3.      قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1838 الصادر في 7 أكتوبر 2008( 4):

 أشار القرار رقم 1838 الصادر في 7 أكتوبر 2008، إلى القلق الشديد من أعمال القرصنة البحرية والسطو المسلح في البحر ضد السفن في الصومال في الآونة الأخيرة، وما تمثله من خطر على إيصال المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان وفعالية إلى الصومال.

ومن أبرز ما إحتوى عليه القرار رقم 1838:

أ‌. شجب عمليات القرصنة والسطو المسلح علي السفن في الصومال.

ب‌. دعوة الدول المهتمة بأمن الأنشطة البحرية أن تشارك في مكافحة عمليات القرصنة في الصومال من طريق القيام وعلى وجه الخصوص بنشر سفن حربية وطائرات عسكرية وفقاً للقانون الدولي.

ج‌. حث الدول التي لديها القدرة علي مكافحة عمليات القرصنة والسطو المسلح في أعالي البحار إلى التعاون مع الحكومة الإتحادية الإنتقالية في الصومال، وفقاً لأحكام القرار رقم 1816.

د‌. حث الدول والمنظمات الإقليمية على أن تتواصل وفقاً للقرار رقم 1814 في إتخاذ إجراءات لحماية القوافل البحرية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي.

4.      قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1851 الصادر في 16 ديسمبر 2008( 5):

                يجيز القرار رقم 1851، الذي إعتمده المجلس بالإجماع، في 16 ديسمبر 2008، للدول التي تشارك في مكافحة القرصنة البحرية إتخاذ كل الإجراءات اللازمة في الصومال لمنع الذين يستخدمون أراضيها في القيام بعمليات قرصنة في عرض البحر أو تسهيلها أو القيام بها من التحرك، وتبلغ صلاحية القرار عاماً واحداً. وقد صدر القرار بناءً على طلب كل من فرنسا واليونان وليبريا وبلجيكا وكوريا الجنوبية، وهو رابع وثيقة يعتمدها المجلس منذ يونيو 2008، لمكافحة القرصنة البحرية في الصومال.

                كما يجيز القرار إنشاء شرطة دولية بحرية ويسمح لسفن الأساطيل الغربية الحربية بدخول المياه الإقليمية للصومال، بعد موافقة الحكومة الإنتقالية في مقديشو من أجل قمع أعمال القرصنة والسلب المسلح في عرض البحر.

                وعلى الرغم من أن هذا القرار يقع ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز للمنظمات الإقليمية والدولية المتعاونة في الحرب على القرصنة والسطو المسلح في الصومال، إتخاذ كافة الإجراءات الضرورية المناسبة في الصومال، بما في ذلك نشر سفن حربية وطائرات عسكرية، والتدخل على الأرض طوال عام 2009، لوقف هذه الأعمال، فإن القرار لم يكبح جماح القراصنة الذين ضربوا به عرض الحائط بقيامهم بأربع عمليات خطف ناجحة، قبل أن يمضي على صدور القرار 24 ساعة، ودون إكتراث لقيام الأساطيل البحرية بتعزيز وجودها في الصومال لمواجهتهم.

                وهو ما يمكن إرجاعه إلى الشروط التي يحتوي عليها القرار المذكور بشأن حق القوات الأجنبية في التدخل العسكري البري، خصوصاً لمواجهة خطر القراصنة، والمتمثلة في ثلاثة شروط رئيسية:

الأول: التنسيق مع الحكومة الصومالية الإنتقالية.

الثاني: أن حق التدخل مقيد بحيز محدد وهو 12 شهراً من صدور هذا القرار.

الثالث: هو المكان بتخصيص الصومال حالة مفردة، وعدم إتخاذ هذا العرف عرفاً دولياً.

ورغم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بصياغة ورقة تدعو لقرار دولي ينص على السماح للدول التي تحصل على إذن من الحكومة الصومالية بإتخاذ كل الإجراءات الضرورية على بحر الصومال، بما في ذلك مجاله الجوي للقبض على الذين يستخدمون الأراضي الصومالية في أعمال القرصنة، إلا أن القرار رقم 1851 تحاشى الإشارة الصريحة إلى إمكان إستخدام الدول المختلفة لقواتها الجوية لمهاجمة القراصنة داخل الأراضي الصومالية.

ويشير القرار رقم 1851 إلي دلالات عدة، هي( 6):

أ‌. أن تحرك القوى الكبرى ضد القراصنة جاء نتيجة إستشعار تلك القوى لوجود تهديد لمصالحها، وليس إهتمامها بتسوية الأزمة السياسية الصومالية في إطارها العام.

ب‌. أن القرار  ينص على ثلاثة أبعاد مهمة:

1) حق تتبع القراصنة براً وبحراً، حتى داخل الأراضي الصومالية.

2) إنشاء آلية دولية للتنسيق والتعاون الدولي لمكافحة القرصنة.

3)إنشاء مركز إقليمي للتعاون الإستخباراتي والمعلوماتي أيضاً، بهدف محاربة القراصنة.

5. قرار مجلس الأمن رقم 1846 الصادر في 2 ديسمبر 2008(7 ):

إضافةً إلى القرارات سالفة الذكر، فقد إعتمد مجلس الأمن الدولي، في 2 ديسمبر 2008، قراراً آخر، وهو القرار رقم 1846، والذي أعرب فيه عن دعمه الرسمي للعملية البحرية التي أطلقها الإتحاد الأوروبي في 8 ديسمبر 2008 لمكافحة أعمال القرصنة في الصومال، معرباً عن إرتياحه الكبير للقرار الذي إتخذه الإتحاد الأوروبي في 10 نوفمبر 1982 بإطلاق العملية “يناف فور أطلانطا” التي هي أول مهمة بحرية يضطلع بها لمكافحة القرصنة في الصومال. وكذلك رحب المجلس بقرار حلف شمال الأطلسي التصدي للقرصنة في هذه المنطقة.

                ومن خلال مراجعة القرارت السابقة الذكر نجد أن هناك بعض الملاحظات حولها، وذلك بسبب تسييس القرارات داخل مجلس الأمن بالإضافة إلى المعالجة السريعة لهذه الظاهرة التي لم تعطي الوقت الكافي لمعالجتها. وتبرز هذه الملاحظات من خلال النقاط الآتية(8):

1. أشار مجلس الأمن في قراراته إلى عبارات غامضة تحتمل التأويل مثل (يحث الدول التي لديها القدرة على مكافحة أعمال القرصنة) ولم يبين المعايير القانونية التي يمكن من خلالها معرفة مدى توافر قدرة الدولة على مكافحة القرصنة.

2. أشار إلى أن مكافحة القرصنة تكون على وجه الخصوص (بنشر سفن حربية وطائرات عسكرية ووفقاً للقانون الدولي، مما يعني تأكيد إستعمال القوة الهجومية).

3. أشارت القرارات إلى تعزيز فكرة القوات الدولية العاملة هناك من خلال نص صريح يخولها إستخدام سفنها وطائراتها العسكرية في القيام بأعمال ضد القرصنة، وهذا يمثل إعترافاً من مجلس الأمن ضمنياً بحق تدخل هذه القوات في المياه الإقليمية وإستخدامها أي وسيلة ممكنة.

4. دعت القرارات الدول والمنظمات إلى التعاون مع الحكومة الإتحادية الإنتقالية في الصومال دون أي نص أخر يعطي الحق لهذه الدولة أو غيرها من الدول المطلة على البحر الأحمر حقاً أولياً أو الأولوية في التحرك العسكري ضد القرصنة.

5. لقد أكد مجلس الأمن أن جميع القرارات الصادرة منه تعالج موضوع خاص وهو حالة القرصنة في الصومال ولا تمس حقوق أي دولة أخرى، وأكد أن هذه القرارات لا تنشأ قانوناً عرفياً. وعلى ضوء ذلك فإذا ما تكررت حالات مشابهة للقرصنة البحرية في دولة أخرى مشابهة لحالة الصومال فإن مجلس الأمن سوف يتخذ قرارات أخرى قد لا تتشابه مع القرارات الصادرة بحالة الصومال، مما يشكل نقطة إستفهام كبيرة حول هذه المسألة، وهل أن مجلس الأمن له سلطة بمنع نشوء قانون عرفي جديد.

أخيراً: الإتفاقيات الدولية التي جرمت القرصنة البحرية:

أ‌. إتفاقية جنيف لعام 1958.

ب‌. إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، وكما ذكرت الباحثة سلفاً إنها أبرمت لمعالجة القصور في إتفاقية جنيف، وتعد هي الإتفاقية الإطارية أو بمعنى أخر القانون الدولي للبحار، وقد صدقت العديد من الدول على هذه الإتفاقية، إلا أن إيران قامت بالتوقيع فقط على الإتفاقية دون تصديق حتى الآن، شأنها في ذلك شأن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهو ما يعني عدم إلزامية هذه الإتفاقية لها.

ج‌. إتفاقية روما لقمع الجرائم ضد الملاحة البحرية 1988م والبروتوكولات الملحقة به.

ثانياً-  دور إيران في إطار الجهود الدولية

                بدايةً بذلت العديد من المنظمات الدولية المعنية جهوداً مضنية لمواجهة هذه الظاهرة، ومن هذه المنظمات ما يلي(9 ):

1): المنظمة البحرية الدولية IMO: تعتبر مكافحة القرصنة البحرية أحد الأدوار الرئيسية للمنظمة وخاصة في شقها الفني، وفي هذا الإطار يمكن القول بأن، إيران هي واحدة من ستة دول نامية أعضاء بالمنظمة، وفي تصريح خاص بالأمين العام الحالي للمنظمة ” كيتاك ليم” قد أشاد بإنجازات إيران في مكافحة القرصنة البحرية ومشاركتها ودورها في توفير إمكانيات مواجهة القراصنة الصوماليين.

وقد وصف كيتاك ليم إيران بأنها أحد أعضاء منظمة الملاحة الدولية المتميزين والتي كانت لها مشاركات واسعة في تحقيق أهداف هذه المنظمة. كما أنها أوفت بجميع تعهداتها في مشاريع تعزيز دور المنظمة.

2): المكتب البحري الدولي IMB(10 ).

3): غرفة الملاحة الدولية ISC(11 ).

4): مراكز مكافحة القرصنة (مركز مكافحة القرصنة في كوالالمبور- مركز عمليات التجارة البحرية المملكة المتحدة- مركز الأمن البحري للقرن الإفريقي- المكتب البحري لحلف الناتو – مكتب الإتصال البحري التابع لقيادة القوات البحرية الأمريكية بالبحرين). 

المحور الثاني

التدخل الدولي لمكافحة القرصنة البحرية

                قد انقمست هذه التدخلات إلى تدخلات سياسية من خلال المؤتمرات الدولية، وتدخلات عسكرية من خلال إرسال قوات بحرية تابعة للدول على النحو الذي سيشار إليه.

أولاً- أهم المؤتمرات الدولية( 12)

                في سياق الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة القرصنة في الصومال، عقدت الأطراف المعنية العديد من اللقاءات لمناقشة تلك الظاهرة، من أبرزها ما عقدته المنظمة البحرية الدولية من إجتماعات في هذا الصدد، منها إجتماعها الإقليمي الأول في دار السلام بتنزانيا، خلال الفترة من 14- 18 إبريل 2008، وقد سبقه الإجتماع الخامس والعشرون للجمعية العمومية لها في لندن، في 29 نوفمبر 2007، وما صدر عنه من قرارات قضت بضرورة تنسيق دول الإقليم فيما بينها وتعاونها لكبح القرصنة والسطو المسلح ومنعهما.

                وتمثلت أهم هذه الإجتماعات، في الإجتماع الذي عقدته المنظمة في جيبوتي، في الفترة من 26- 28 يناير 2009، لبحث المشكلة، وقد ناقشت الإجتماعات مذكرة تفاهم “مدونة سلوك” التي أعدتها المنظمة بشأن مكافحة القرصنة في الصومال، من خلال وضع الإطار القانوني للقبض على القراصنة ومحاكمتهم أمام القضاء. وقد شارك في هذا الإجتماع وفود من 17 دولة منها (إثيوبيا والأردن ، كينيا و السودان…)، ومراقبون من 11 دولة منهم (إيران، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، الهند، إيطاليا….)، وكذلك ممثلون للأمم المتحدة وهيئاتها، وعدد من المنظمات الحكومة وغير الحكومية.

                إلا أن المنظمة قد عقدت إجتماع بناءاً على طلب من الدول الموقعة على مدونة السلوك المتعلقة بقمع أعمال القرصنة والسطو المسلح التي تستهدف السفن في غربي المحيط الهندي وخليج عدن المعروف إختصارا ً” مدونة جيبوتي”، لتحديث المدونة وتحسينها وذلك في الفترة من 10-12 يناير 2017 بمدينة جدة، وقد تغيب عن هذا الإجتماع إيران وذلك بطبيعة الحال نظراً لطبيعة  العلاقات الصراعية  بين إيران والمملكة السعودية في السنوات الأخيرة(13).

                كما شهدت العاصمة الكينية نيروبي في 10 ديسمبر 2008، إنطلاق أعمال أول مؤتمر دولي حول القرصنة البحرية على سواحل الصومال بمشاركة 40 دولة على مستوى الخبراء والوزراء، وتحت رعاية الأمم المتحدة والحكومة الكينية، وذلك بهدف التوصل إلى خارطة طريق لكبح جماح القراصنة في منطقة المحيط الهندي وخليج عدن.

                وفي 15 يناير 2009، عقدت مجموعة الإتصال المعنية بالقرصنة في السواحل الصومالية أول إجتماعاتها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بمشاركة ممثلين من 24 دولة، و5 منظمات دولية لبحث القرصنة في الصومال، ولتنسيق الجهود الدولية لمكافحة هذا التحدي الدولي، وذلك من خلال تبادل المعلومات لتعطيل هجمات القراصنة وإقامة آلية مضادة للقرصنة، وفقاً لما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1851، علاوة على تقوية إطار قضائي بهدف القبض على وملاحقة وإحتجاز القراصنة، وتدعيم الأنشطة التي تقوم بها الهيئات الملاحية بهدف زيادة الوعي وتحديد أفضل الممارسات، إضافة إلى مواصلة الجهود الدبلوماسية والمعلوماتية وتحديد أنسب الأساليب لتعطيل العمليات المالية للقراصنة. 

ثانياً- القوات العسكرية البحرية قبالة السواحل الصومالية( 14)

                إن القوات البحرية الدولية توجد في خليج عدن والبحر الأحمر بأربعة تشكيلات بحرية من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة والدول الكبرى ودول الإتحاد الأوروبي (حلف الناتو)، تقوم بنشر سفنها في المنطقة لمجابهة أعمال القرصنة تجميع السفن التي تخرج من مضيق باب المندب أو تعود إليه في قوافل تحميها السفن الحربية عند إبحارها في منطقة القرصنة بخليج عدن وأمام السواحل الصومالية.

1.      قوة المهام المشتركة 150 ومقرها الجفير (البحرين) Combined Task Force -150:

أنشأت منذ عام 2002  وبدأ العمل في مكافحة القرصنة من عام 2006إلى عام 2008 يعمل تحت تحالف 25 دولة هي قوة بحرية قوامها نحو 30 سفينة عسكرية متعددة الجنسيات تعمل تحت قيادة الأسطول البحري الخامس تماشياً مع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومقرها البحرين وذلك في إطار مهمة ترتكز على أمر رسمي لردع وعرقلة وقمع القراصنة بشكل فعال وبهدف حماية أمن الملاحة البحرية العالمية وتأمين حرية الملاحة لصالح جميع الدول وتسير دوريات في المياه الدولية للمنطقة على الساحل الشرقي للصومال ومنطقة بحر العرب.

2.      قوات التحالف المشتركة ومقرها جيبوتي EU NAVFOR:

هي قوة بحرية قوامها نحو 30 سفينة عسكرية متعددة الجنسيات تم إنشاؤها منذ يناير 2009 تحت قيادة قوات التحالف البحري Combined Maritime Forces (CMF) تدير عمليات مكافة القرصنة تعمل في منطقة خليج عدن والساحل الشرقي للصومال وتبلغ مساحة هذه المنطقة 101 مليون ميل مربع تتولى تسيير دوريات أمنية بحرية بالمنطقة لمرافقة السفن التجارية العابرة للمنطقة في ممر بحري آمن وتضم فرقة العمل عادة ما بين 14 أو 15 سفينة للقيام بعمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وأمام ساحل الصومال دعماً لقرارات المنظمة البحرية الدولية IMO .

3.      القوة البحرية للإتحاد الأوروبي عمليات أطلانطا EUANVFO- Operation Atlanta:

                تم إطلاقها لتدعيم القرارات الصادرة من مجلس الأمن أرقام 1814و 1816و 1838و 1846 التي صدرت في 2008.

                ويشارك في هذه العملية ثماني دول هي: ألمانيا وبلجيكا و إسبانيا وفرنسا واليونان وهولندا وبريطانيا والسويد. وتتخذ قيادتها من “نورث وود” شمال لندن مقراً لها. وقد حلت هذه العملية التي أطلق عليها إسم “يوناف فود أطلانطا” منذ 8 ديسمبر 2008 محل العملية التي قام بها حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ نهاية شهر أكتوبر 2008 والتي تمت بناء على طلب الأمم المتحدة وبمقتضاها قام الحلف بإرسال أربع قطع حربية إيطالية ويونانية وبريطانية وتركية لتسيير دوريات في خليج عدن وقبالة سواحل الصومال وتتمثل مهمتها الرئيسية في حماية سفن برنامج الأغذية العالمي التي تنقل مساعدات إلى نحو ثلاثة ملايين صومالي إضافةً إلى مواكبة السفن التجارية مراقبة المنطقة وتتألف القوة الأوروبية التي ستعمل بتفويض من الأمم المتحدة بموجب القرار رقم 1816 من سبع سفن على الأقل معززة بطائرات تسير دوريات تقودها بريطانيا.

4.      القوات البحرية الدولية المنفردة ومن ضمنها ( القوات الإيرانية): ( 15)

                القوات البحرية الدولية التي تعمل بشكل إنفرادي لحماية أساطيلها التجارية والمساهمة في عملية مكافحة القرصنة، ومن هذه الدول ( روسيا، إيران، اليابان، الصين، وماليزيا، كوريا الجنوبية، إندونيسيا، الهند، تركيا، والسعودية).

ثالثاً- مدى نجاح الجهود الدولية في مكافحة القرصنة البحرية في الصومال

                نجحت الجهود الدولية التي بذلها المجتمع الدولي في الحد من ظاهرة القرصنة البحرية في الصومال بشكل تدريجي، حيث أخذت عدد العمليات الفعلية والهجوم في السواحل الصومالية في التراجع تدريجياً، إلى أن إنتهت الظاهرة بشكل شبه كامل في عام 2013، فوفقاً لتقرير الأمين العام المتعلق بالقرصنة والسطو المسلح في عرض البحر قبالة سواحل الصومال المؤرخ في 21 نوفمبر 2013، فقد إنخفضت بشدة عدد حوادث القرصنة المبلغ عن وقوعها قبالة سواحل الصومال، حيث وصل عند أدنى مستوياته منذ عام 2006. فقد أظهرت التقارير الصادرة عن المنظمة البحرية الدولية دوث إنخفاض كبير في عدد هجمات القراصنة وعمليات الإختطاف في عام 2013 مقارنة بعامي 2012 و2011. فخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، حدث 99 هجوماً، في حين حدث 17 هجوماً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2013ضد سفن في المياه قبالة سواحل الصومال(16 ).

                إلا أن الأمر لم يستمر على هذا المنوال حيث تشير العديد من التقارير والأخبار العالمية عن عودة القرصنة البحرية في سواحل الصومال مرة أخرى، ففي التقرير الأخير للأمين العام والمؤرخ في 7 نوفمبر 2017، أعرب عن قلقه حيال حوادث القرصنة الحديثة التي وقعت خلال عام 2017، وإزاء ما يشكله تجدد ظهور أعمال القرصنة والسطو المسلح التي تمارس في البحر من تهديد لعمليات إيصال المعونة الإنسانية إلى الصومال والمنطقة بسرعة وأمان وفعالية، ولسلامة البحارة وغيرهم من الأشخاص وللملاحة الدولية وسلامة الطرق البحرية التجارية، وللسفن الأخرى، بما في ذلك سفن الصيد العاملة وفقاً للقانون الدولي(17 ). 

المحور الثالث

تداعيات النزاعات الحدودية علي دور إيران في منطقة القرن الإفريقي

                مثلت النزاعات الحدودية في القرن الإفريقي، أحد أهم محددات الدور الإيراني في المنطقة، حيث استغلت إيران بعض هذه النزاعات لتوطيد مكانتها وعلاقاتها بدول المنطقة، إلا أن الآونة الأخيرة قد شهدت صعود ملحوظاً في أدوار الدول الخليجية والولايات المتحدة في إيجاد حلول لهذه النزاعات، مما سيؤثر على الدور الإيراني، وهو ما تتناوله الباحثة في هذا من الدراسة.

أولاً- مرحلة توطيد العلاقات الإيرانية في منطقة القرن الإفريقي

بالنسبة لإريتريا:

                 نتج عن الصراعات الإريترية مع جاراتها في القرن الإفريقي (إثيوبيا وجيبوتي) فرض عزلة سياسية عليها بجانب الحظر الذي فرضه مجلس الأمن عليها في 2009.

                كما قام النظام الإريتري ذاته بتجميد علاقاته مع إسرائيل بعد إتهامها بمساندة إثيوبيا في الصراع الذي اندلع بينهما،وحاول الإستعاضة عنها بإيران وإرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن هناك من يملأ الفراغ الأمني في جنوب البحر الأحمر وهي إيران عدوة إسرائيل والعرب. ومن ثم فبحجة عدم تعاونها في مكافحة الإرهاب توترت العلاقات الأميركية- الإريترية ووضعت الولايات المتحدة إريتريا في معسكر ووضعت إريتريا في معكسر إيران وسوريا وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا. وكان هذا الإجراء ” يهدف إلى إسترضاء إثيوبيا، وهي حليف للولايات المتحدة، في حربها بالوكالة في الصومال، وليس معاقبة إريتريا لدعم الارهاب( 18). وعلى هذا الأساس قام التقارب بين الدولتين على أساس شعور كلا النظامين بخطورة التواجد الغربي في جيبوتي (أميركا وفرنسا) على أمنهما القومي مما دفعهما إلى التقارب أكثر لمواجهة أية تحديات تنجم عن الوجود الغربي. وهذا أتاح فرصة للتغلغل الإيراني للمجال الإريتري، ومكن إيران من توظيف أدواتها وآلياتها في تحقيق هذا التغلغل.

                سعت إيران لتطوير التعاون الإستراتيجي مع إريتريا ومد نفوذها السياسي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي ضمن إستراتيجية تطويق إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وقد ظلت المملكة العربية السعودية، منزعجة من التعاون الإستراتيجي المتنامي بين إريتريا وإيران. ومن ثم فقد إتهمت الرياض إيران بنقل الأسلحة من إريتريا عبر البحر الأحمر إلى المتمردين الحوثيين، ودعمهم ضد الحكومة اليمنية منذ عام 2004، وفي بعض الأحيان إشتبكوا مع قوات الأمن السعودية في شمال اليمن قرب الحدود السعودية. وفي يناير 2009، أرسلت إيران مدمرتين إلى ميناء عصب بحجة محاربة القرصنة. وكانت تراقب تنامي الوجود البحري الإيراني في خليج عدن والأنشطة العسكرية في إريتريا. ونظرت الرياض لنشر طهران السفن الحربية في خليج عدن في منتصف نوفمبر عام 2009 على أنه تهديد لمصالحها، فبإمكان السفن الإيرانية الرسو في ميناء عصب ومن ثم تهريب السلاح عبر البحر الأحمر إلى الشيعة المتمردين (الزيدية) الحوثيين في  صعدة في اليمن، بالقرب من الحدود السعودية. ولذلك أرسلت المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2009 ثلاث سفن حربية للقيام بدوريات في الساحل اليمني الشمالي لمنع مرور الأسلحة التي يتم تهريبها إلى شمال اليمن. ومن ناحية أخرى، يتوقع بعض المحللين أن تصبح إريتريا ساحة معارك بين إيران وإسرائيل، حيث إتهمت إسرائيل إيران بإستخدام ميناء عصب، لإرسال الأسلحة إلى حركة حماس في قطاع غزة والمتمردين الحوثيين في اليمن، وفي فبراير 2009، شنت إسرائيل هجوما بطائرات بدون طيار، مما أسفر عن مقتل عدد من أفراد الحرس الثوري الإيراني مع قافلة في السودان كانت تحاول تهريب الأسلحة إلى غزة.. ( 19) وقد أكدت تقارير أمنية غربية أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت في تحويل ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة إيرانية، وأن الفرع الأفريقي في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري قد تولى هذه المهمة بالتعاون مع بحرية الحرس الثوري… حيث قامت السفن الإيرانية في البداية بنقل المعدات العسكرية والأسلحة الإيرانية إلى ميناء عصب وشاركت في هذه المهمة حسب آخر التقارير ثلاث غواصات كيلو إيرانية، وبحسب التقارير ذاتها هناك معلومات تفيد بأن طهران لجأت إلى الغواصات لنقل الأسلحة والصواريخ إلى إريتريا بعدما تزايدت حشود السفن البحرية الدولية في المنطقة لمطاردة القراصنة ومخافة أن تقع سفنها التجارية المحملة بالسلاح في أيدي القراصنة ويفتضح أمرها، ويؤكد أحد التقارير الأمنية أن قرار إستخدام الغواصات قد جاء بعد تزايد عمليات خطف السفن الإيرانية وتحديداً بعدما نجح القراصنة في خطف السفينة الإيرانية ماى إيران ديانات التي كانت متوجهة إلى إريتريا والتي يقال إنها شكلت بداية الشكوك الدولية في التغلغل العسكري الإيراني لإريتريا وقادت إلى حملة تنديد إريترية مشبوهة بدور القوات الغربية في مكافحة القرصنة، علما أن إيران قد أعلنت عن استعدادها لمحاربة القراصنة وبالفعل أرسلت سفينة إلى هناك بمهمة عسكرية وخلال أشهر قليلة تحول هذا الموقع الإستراتيجي عند باب المندب وخليج عدن إلى أكبر قاعدة بحرية إيرانية خارج مضيق هرمز( 20). و كشفت المصادر الإستخبارية الغربية أن إيران قد إنتقلت بهذه الخطوة من تهديد الخليج والعالم بإغلاق مضيق هرمز إلى توسيع دائرة تهديداتها إلى خارج الخليج، ولاحظت أن إقامة القاعدة البحرية الإيرانية في عصب قد جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان إيران عن إقامة قواعد بحرية إضافية في بحر عمان وهي تدخل في إطار إستمرار الإستعدادات الإيرانية لمواجهة عسكرية على ضوء تطورات صراعها مع العالم حول البرنامج النووي، والتسلل الإيراني إلى القرن الأفريقي يعني في الوقت ذاته أن طهران تهدف إلى توسيع دائرة الحرب والتسلل مجددا إلى هذه المنطقة التي تشهد حشودا عسكرية مثيرة للشبهات تحت ذريعة محاربة القرصنة، وفي وقت عادت التقارير تحذر من إنفجار جديد وكبير للأوضاع في الصومال لينعكس على سائر القرن الأفريقي ويهدد حتى منطقة شمال أفريقيا( 21). ومن ثم فقد فرضت إيران نفسها لاعبا وبطريقة استباقية، وهذا يدل بأن الملف المتعلق بمحاربة القراصنة لابد أن تشترك به طهران، وكذلك ستجد واشنطن نفسها مراقبة من قبل الإيرانيين في البحر الأحمر والشواطئ الأفريقية، ويلفت المراقبون إلى أن التغلغل الإيراني الجديد لإريتريا قد تزامن مع تفعيل نشاطات الفرع الأفريقي لفيلق القدس في أكثر من دولة. لكن أخطر التقارير عن تزايد التهديد الإيراني لخليج عدن وباب المندب هي التي ربطت مؤخرا بين القاعدة البحرية الإيرانية في ميناء عصب وبين خطة سرية أعدتها طهران للتغلغل في الجهة المقابلة، أي اليمن، وتكشف هذه التقارير أن شهدت تحركات إيرانية مشبوهة في جنوب اليمن مشيرة إلى أن المخابرات الإيرانية التي كانت نشاطاتها في دعم الحوثيين في منطقة صعدة في الشمال تثير اهتمام الأجهزة الاستخبارية الدولية باتت حاليا موضع رصد ومراقبة بسبب ما يعتبر محاولات تغلغل بجنوب اليمن، ويؤكد أحد التقارير أن الحرس الثوري الإيراني قام مؤخراً بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران ودعمها للاستقرار في جنوب اليمن ويكشف أن فيلق القدس قام بنقل عناصر يمنية من القاعدة من أفغانستان وتسهيل تسللها مجدداً إلى جنوب اليمن وقد فر هؤلاء عبر إيران وبحماية قوات القدس، ويبدو أن المساهمة الإيرانية في نقل متطرفين من أفغانستان إلى جنوب اليمن إضافة إلى إحياء خلايا نائمة في منطقة عدن لحساب إيران قد قادت إلى تعزيز مخاوف الجهات الاستخبارية الدولية المراقبة للنشاطات الإيرانية في إريتريا من وجود مخطط إيراني يستهدف خليج عدن وباب المندب وفتح جبهة جديدة في القرن الأفريقي وعند أطراف الخليج( 22).

بالنسبة لجيبوتي:

                تحتل جيبوتي موقعا إستراتيجيا هاما جعلها تتمتع بمكانة إستراتيجية هامة بالنسبة لإيران، حيث يعتبر مضيق باب المندب إحدى قنوات الملاحة الأبرز والأكثر اكتظاظاً بحركة الملاحة في العالم، ويتوسط ميناؤها خطوط الملاحة الممتدة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا والمحيط الهندي. كما تمتد أهمية جيبوتي إلى كونها قطراً عربياً كامل العضوية في جامعة الدول العربية، ومنفذاً هاماً تجاه البحر الأحمر، حيث يمر عبر مياهها خطوط نقل النفط البحرية المتجهة من الخليج العربي عبر باب المندب، مروراً بقناة السويس إلى أوروبا. وكذلك تطل على أحد أكثر المسارات البحرية ازدحاماً في العالم في خليج عدن في الجهة المقابلة لليمن، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في أفريقيا إلى جانب قاعدة أميركية هامة. إضافة إلى أن قوات بحرية أجنبية تستخدم ميناء جيبوتي في حراسة ممرات الشحن قبالة الصومال لمحاربة القرصنة. ولذلك اهتمت إيران بإقامة علاقات وثيقة مع جيبوتي بسبب موقعها الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، فضلاً عن العلاقات بين كل من اليمن وجيبوتي، وهذا يساعد على وجود استراتيجي على جانبي مدخل البحر الأحمر(23 ).

                ومنذ تولي الرئيس إسماعيل عمر جيله السلطة في عام 1999م، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة شهدت فيها تطوراً متسارعاً يشمل كافة مجالات التعاون. وجاء ذلك نتيجة للإهتمام البالغ الذي أعطاه رئيس الجمهورية لترسيخ هذه العلاقات وإرساء دعائمها، وتطورت العلاقات وازدادت تماسكاً ورسوخاً بعد التفاهم السياسي الذي حدث بين الجانبين في أوآخر عام 2008، وذلك بعد حصول جيبوتي ضمانات رسمية من الجانب الإيراني بعدم وجود تعاون عسكري إيراني مع أسمرة يهدد مصالحها وأمنها. وخلال الفترة الماضية، برزت تقارير صحفية واستخباراتية عديدة تتحدث بوجود تعاون عسكري بين البلدين وهو ما تنفيه الحكومة الجيبوتية وبشكل متكرر. ومع أنه لم يرد في بنود (مذكرة التعاون المشترك) ما يشير إلى وجود أي تعاون عسكري بين الجانبين. إلا أن كثيراً من المراقبين يؤكدون أن ذلك لا يمنع على الإطلاق إمكانية وجود تعاون عسكري غير معلن علماً أنه في عام 2011، قام وفد عسكري إيراني رفيع برئاسة الأميرال حبيب الله سياري، بزيارة عمل غير معلنة إلى جيبوتي. وخلال الزيارة عقد الوفد الإيراني اجتماعا مغلقا مع قيادة هيئة الأركان العامة للقوات الجيبوتية، وقع فيه الجانبان اتفاقية تعاون عسكري، تقدم بموجبها طهران مساعدات لقوات البحرية الجيبوتية في عديد من المجالات من بينها التدريب وتطوير المعدات العسكرية( 24).

ثانياً- تأثير الوساطة الخليجية لحل النزاعات الحدودية في علاقات إيران بدول المنطقة

                كانت بداية تراجع الدور الإيراني في منطقة القرن الإفريقي، مع بداية حرب التحالف العربي “عاصفة الحزم” في اليمن والتي أثارت تساؤلات عديدة عن تداعياتها على العلاقات الإيرانية – بدول المنطقة، فمنذ تشكيل التحالف العربي وإطلاق عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، تباينت القراءات والتحليلات حول مستقبل علاقات جيبوتي مع إيران، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الجيبوتية عن دعمها الكامل لعاصفة الحزم وعن فتح أجوائها أمام عمليات التحالف العربي في اليمن. وأكد الرئيس إسماعيل عمر جيله بأن علاقة جيبوتي مع إيران تمر بمرحلة سيئة وصعبة مضيفاً أن بلاده تحاول أن تتجنب شرها، استبعد المراقبون أن يكون لهذه التصريحات المرتبكة أثر كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين كما استبعد البعض أن تقدم الحكومة الجيبوتية على قطع علاقاتها مع إيران، وبحسب المراقبين لم تنجح إيران بترسيخ علاقاتها السياسية والاقتصادية مع جيبوتي فقط وإنما استطاعت أيضاً خلق علاقات شعبية أكثر متانة ورسوخا. لكن الواقع أن الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية في طهران، قد دفع الحكومة الجيبوتية إلى إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، واستدعت سفيرها من إيران، وأمهلت الوفد الدبلوماسي الإيراني 48 ساعة لمغادرة البلاد… وخلافاً لما حاول تصويره وزير الخارجية الإيراني السابق ومستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، عبر ما نشره على حسابه الشخصي بموقع “إنستغرام” يظهر فيها واقفاً إلى جانب خريطة العالم، مشيراً إلى دولة جيبوتي بإصبعه، مستهزئاً بصغر مساحتها بأبيات شعر. إلا أن ذلك أظهر مدى حجم الاستياء الإيراني من قرار جيبوتي قطع العلاقات مع طهران تضامناً مع السعودية، وخسارتها منفذاً بحرياً هاماً في مضيق باب المندب والقرن الأفريقي. في الوقت الذي تشهد فيه علاقات البلدين السعودية – جيبوتي تعاوناً متميزاً في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، كما من المنتظر توقيع البلدين إتفاقية أمنية تتلخص بتأمين الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب ومنع عمليات التهريب باتجاه الأراضي اليمنية عبر إنشاء قاعدة بحرية سعودية( 25).

                ساعد هذا التقارب الجيبوتي السعودي، في لعب المملكة العربية دوراً هاماً في تسوية النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي، إستضافتها لاجتماعات حوارية لحل النزاع، كما أشرت الباحثة سلفاً للإجتماع الذي جمع بين الرئيس الجيبوتي ونظيره الإريتري في جدة في 17 سبتمبر 2018.

                ثانياً، أصبح ميناء عصب الإريتري أحد مجالات النفوذ الإماراتي منذ أن بدأت أبوظبي بالفعل توسيع نفوذها على الساحل الجنوبي اليمني ومضيق باب المندب؛ ذلك أن السيطرة على هذه المواقع اليمنية الاستراتيجية لن تكون ذات معنى إلا إذا تمت السيطرة على الموانئ والمعابر الحدودية في إريتريا والصومال وجيبوتي. ومنذ انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، في عام 2015، لتغيير مجرى الأمور في اليمن، فإنها (الإمارات) ظلت تسعى جاهدة لتوسيع نفوذها على سواحل البحر الأحمر والموانئ والممرات المائية وبشكل خاص المضيق الاستراتيجي: باب المندب. وقد حاول الإماراتيون أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك فبسطوا نفوذهم نحو بلدان القرن الإفريقي وخصوصًا أرض الصومال وإريتريا. وتُظهِر صور الأقمار الصناعية بالفعل أن للسفن العسكرية الإماراتية وجودًا كبيرًا على الساحل الإريتري؛ إذ من المعلوم أن ميناء عصب هو أول وأفضل منطقة لمرور السفن المنطلقة من الموانئ اليمنية.إن السيطرة على مضيق باب المندب وعلى ميناء عصب تعني التحكم في ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف برميل من النفط يوميًّا عبر هذه المنافذ المائية، فضلًا عن الإشراف على إحدى وعشرين ألف سفينة تعبر سنويًّا من هناك.

                أصبحت إريتريا، بحكم موقعها الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر والقريب من باب المندب باليمن، عنصرًا فاعلًا في لعبة التحالفات الإقليمية في المنطقة(26 ).

                ولقد أصبح من الواضح أن إيجاد بديل عن مضيق هرمز، في حال وجود تهديد محتمل من إيران، يمكِّن من بسط النفوذ في القرن الإفريقي تلك المنطقة التي تضم الصومال وإثيوبيا وكينيا وجنوب السودان واليمن وإريتريا وجيبوتي والسودان. وعلى هذا الأساس، يمكن فهم مطامع دولة الإمارات العربية المتحدة في إريتريا وصوماليلاند. وعلى خلفية الخلاف بين جيبوتي والإمارات حول استغلال ميناء جيبوتي.رحَّبت إريتريا بإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في ميناء عصب. ويبدو أن الإمارات تعتزم استخدام هذه القاعدة في العمليات الجوية والبحرية واللوجستية. وبناء قاعدة في ميناء بربرة في صوماليلاند. أما المملكة العربية السعودية فلها علاقات وثيقة بجيبوتي.

                وقد أظهرت إريتريا مؤخرًا تفاعلًا مع هذا الإهتمام الإقليمي بالقرن الإفريقي وأظهرت اصطفافها العلني إلى جانب الإمارات والسعودية ومهاجمتها للدول الأخري مثل (تركيا، إيران). 

                ليس من المستبعد أن نشاهد في المستقبل المنظور توجهًا إماراتيًّا/سعوديًّا يسعى لتعزيز التعاون مع دول منطقة القرن الإفريقي وخصوصًا إريتريا، فمن المحتمل أن يركز هذان البلدان الخليجيان على سياسة القوة الناعمة لضمان مصالحهما، أي على سياسة الاستثمارات الإقتصادية والتعاون البيني( 27). ولا شك أن هاجس الأمن في اليمن، وترسيخ النفوذ فيه هو الدافع وراء توجه الرياض وأبوظبي إلى منطقة البحر الأحمر وتوسيع النفوذ فيها وإنشاء قواعدها العسكرية فيها وإيجاد حلفاء سياسيين في منطقة القرن الإفريقي.

                ونظرًا للطموحات العسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن أبوظبي ستكون واحدة من أكثر الأنظمة الخليجية حضورًا في منطقة القرن الإفريقي من حيث تعزيز نفوذها العسكري. ومن الواضح أن السعودية والإمارات تريدان أن يكون لهما وجود عسكري أوسع في إفريقيا للتنافس مع بلدان مثل إيران والصين وتركيا.

                إن الإحساس بتهديد إيران لأمن حركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز منذ فترة شكَّل الذريعة والسبب للتوجه المتزايد لدول الخليج وخصوصًا الإمارات والسعودية نحو منطقة القرن الإفريقي، مع أن إيران ما فتئت تؤكد أنها لا تعتزم تعطيل الملاحة عبر مضيق هرمز ما لم يكن أمنها مستهدفًا بشكل مباشر.

                إن منطقة القرن الإفريقي، بوصفها منطقة إتصال مع شبه الجزيرة العربية باتت منطقة إستراتيجية؛ فالموانئ وحاملات النفط والغاز والإتجار بالبضائع والأسلحة وعبور الأشخاص تجعل من هذه المنطقة نقطة جذب دولية. ولا يتعلق الأمر بدول الخليج فقط بل إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وكذلك الصين والهند واليابان وتركيا وإيران وإسرائيل تسعى كلها لتقوية نفوذها في هذه المنطقة.

                داخليًّا، يعتمد الإريتريون غذائيًّا، وبنسبة كبيرة على السودان، سواء بالطرق المشروعة التي تحتكرها شركة البحر الأحمر المملوكة لحزب أسياس أفورقي الحاكم، أو عبر التهريب، فضلًا عن تصاعد التوتر في الداخل الإريتري وخروج مظاهرات حاشدة في أسمرا وغيرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

                إقليميًّا، كل تصعيد بين إريتريا والسودان، حتى وإن كان بتشجيع وتحريض من طرف الإمارات ومصر يضع المملكة العربية السعودية في موقف حرج بين مساندة حلفائها في المنطقة ضد السودان، أو المحافظة على علاقات إيجابية مع السودان الذي يسهم في عمليات التحالف في اليمن بآلاف من جنوده. لهذا، من المحتمل أن تدفع السعودية نحو التهدئة بين إريتريا والسودان.

على المستوى الدولي

                 يُعتبر أي صراع في القرن الإفريقي تهديدًا لمصالح الصين الإقتصادية خاصة في إثيوبيا وإريتريا والسودان. كما أن المصالح الأوروبية والأميركية الإقتصادية والأمنية في المنطقة ستصبح مهددة؛ وهو ما يعني أن هذه الدول ذات النفوذ القوي في الإقليم لن تقبل بتصعيد التوتر الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب.

                يبقى من المحتمل أن تقوم أبوظبي والقاهرة وأسمرا بتشجيع عمليات نوعية في شرق السودان لعرقلة مساعي الخرطوم الرامية لإستضافة القاعدة التركية، وضرب التحالف الإستراتيجي بين السودان وإثيوبيا. كما يراهن هذا المحور على حدوث صراع عرقي بين القوميات الإثيوبية، خصوصًا أوروميا وأمهرا ما يعني زعزعة الأمن داخل إثيوبيا. وفضلًا عن ذلك، فمن المحتمل أن تسعى الرياض وأبوظبي لتعزيز التعاون مع دول القرن الإفريقي لضمان مصالحهما وخصوصًا إريتريا والصومال وجيبوتي( 28).

المحور الرابع

دور إيران في دعم التنظيمات الإرهابية في القرن الإفريقي

                باتت إيران مولعة بالنجاح الذي حققته بعد سقوط الشاه وقيام الثورة الإسلامية عام 1979، وواثقة من قدرتها على تشكيل العالم وفق الصورة التي ترتئيها. في السياق ذاته، رفضت الدبلوماسية التقليدية، الاقتصاد التقليدي، انطلاقاً من السعي وراء رؤيتها الخاصة للحكم الإسلامي العالمي؛ حيث دعمت الجماعات الإرهابية، استولت على الرهائن الأمريكيين، رفضت أيإشارة تبعية للشرق أو الغرب واكتسبت سمعة دولية باعتبارها دولةمستقلة( 29).

                لقد استفادت إيران من الجماعات الإسلامية أكثر من استفادة تلك الجماعات من إيران، فقد اعتبرتها إيران ورقة ضغط إقليمية ودولية، ولعبت بوجودها على الأراضي الإيرانية، في حين أنّ تلك الجماعات لم تستفد شيئا يُذكر من إيران سوى مزايا قليلة.

                ومصطلح الإرهاب في السياسة الإيرانية فضفاض ولا يوجد تعريف منضبط له، فالإرهابي ليس هو الذي يمارس العنف ويرهب المدنيين والعزل، بل هو في نظر السياسة الإيرانية “كل من يحيد عن السياسة الإيرانية فهو إرهابي أو عميل للصهيو-أمريكي”، حتى ولو كان مدعوماً من إيران نفسها بالأمس القريب! ( 30). وفي هذه الدراسة نحاول أن نقف عند معالم العلاقة بين إيران والجماعات المتشددة وتحديداً (حركة الشباب المجاهدين).

الدعم الإيراني لحركة الشباب المجاهدين

                تعد حركة الشباب المجاهدين أحد أهم التنظيمات الإرهابية المتواجدة بالقرن الإفريقي وأخطرها، وقد مثلت هذه الحركة امتداد لتنظيم القاعدة الإرهابي، ذلك التنظيم الذي طالما ساندته إيران( 31)، وعليه فإن جزء من دعم إيران لحركة الشباب هو بالأساس دعم لتنظيم القاعدة الأم.

                يعود اهتمام طهران بالصومال إلى التعاون مع منظمة إتحاد المحاكم الإسلامية التي انبثقت عنها فيما بعد ما يعرف باسم “حركة شباب المجاهدين” الصومالية؛ حيث رصدت تقارير الأمم المتحدة في عام 2006  ثلاثة شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى هذه الحركات، وكانت واحدة منهم تحمل مدافع رشاشة، قاذفات قنابل و صواريخ أرض –جو( 32).

                ومن هنا، يرتكز النشاط الإيراني في الصومال على دعم الجماعات الإسلامية المسلحة بغرض الاستفادة منها في خدمة المصالح الإيرانية في المنطقة. وفي هذا السياق، تستخدم إيران طرقاً كثيرة للتهرب من الكشف عن تسليحها لمثل هذه الجماعات، وتعد إريتريا التي تتمتع فيها الجمهورية الإسلامية بنفوذ كبير هي إحدى هذه الوسائل.

                فكلما ازدادت الفوضى في مقديشو، ازدادت قدرة طهران على استغلال الوضع و كسب النفوذ. مما يؤدى لتمتع حلفاء “حزب الله” اللبناني بنفوذ كبير في الصومال، فضلاً عن أنها وسيلة جيدة لنقل الأسلحة إلى الحليف الشيعي في اليمن (الحوثيون) نظراً لقرب الحدود الجغرافية. وذكرت تقارير الأمم المتحدة أنه عُرض على المقاتلين الصوماليين حوافز مختلفة للانضمام لقوات “حزب الله”، حوالى 2000 دولار للمقاتل،  و ما بين 25.000 و 30.000  دولار لعائلة المقاتل إذا  ما قُتل في الحرب(33 ).

                وكما تمت الإشارة سلفاً فقد تأسست هذه الحركة في العام 2004، بعد إنفصالها عن إتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت ناشطة في الساحة الصومالية، ونظراً للجذور السلفية لهذه الحركة، وبشكل أدق “السلفية الجهادية”، فإنها إعتمدت سياسة متطرفة مع معارضيها سواء داخل الصومال أو خارجها، ومن خلال تتبع مسار علاقاتها مع الحكومة الصومالية، سوف تتضح دموية هذه العلاقات.

                ولعل التقارب الفكري الذي جمع بين مؤسس السلفية الجهادية المتمثل بسيد قطب أولاُ وعبدالله عزام فيما بعد من جهة، والثورية الخمينية التي مثلها الخميني والحرس الثوري من جهة أخرى، هي ما أباحت لإيران في الوقت الحاضر إلى توظيف هذه الحركة ضمن أدوات إستراتيجيتها الإقليمية، نظراً للمشتركات السياسية الكثير التي تربط بينهما( 34).

                حظيت منطقة القرن الأفريقي بأهمية كبيرة في المدرك الإستراتيجي الإيراني، وذلك لأسباب كثيرة، -كما ذكرت الباحثة سلفاً- وهو ماجعل إيران توجه بوصلتها باتجاه الحركة ومنها:

1 – إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة وتحديداً في إريتريا وجيبوتي، من أجل التأثير على الدور السعودي والإسرائيلي هناك، هذا إلى جانب دول أخرى مثل جزر القمر وتنزانيا، التي بدأت تشهد نشاطاً إيرانياً متصاعداً.

2 – فتح طرق جديدة لإستثمار وغسيل الأموال الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، هذا فضلاً عن تحويلها إلى ممرات لوجستية لتهريب السلاح والمعدات الحربية إلى الحوثين في اليمن عبر جانبي البحر الأحمر وخليج عدن.

3- خلق حالة من التوازن الإستراتيجي مع إسرائيل التي تدعم إثيوبيا، من خلال تقديم الدعم لأرتيريا من جهة، ومن جهة أخرى إستغلال ميناء عصب الأرتيري للأغراض الأمنية والإستخبارية من جهة أخرى.

4 – وجدت البحرية الإيرانية في منطقة البحر الأحمر منطقة مهمة لابد من إستغلالها، من أجل تقديم الدعم اللوجستي للحوثيين في الحرب الدائرة باليمن من جهة، ومن جهة أخرى ضرب وتهديد المصالح الدولية في المنطقة من جهة أخرى.

                وانطلاقاً من هذه الضرورات الأمنية وجدت إيران في حركة الشباب المجاهدين الصومالية الحصان الذي يمكن أن تمتطيه لتحقيق أغراضها الإستراتيجية، حيث صدرت العديد من التقارير الأممية الخاصة بفرض عقوبات على الحركة منذ العام 2012، والتي أشارت بمجملها بأن إيران تستغل الحركة في أنشطتها الإرهابية التي تضر بأمن البحر الأحمر، ومن هذه الأنشطة قيام إيران بتوظيف الحركة في تهديد الملاحة البحرية الدولية بصورة عامة، والأمريكية بصورة خاصة، من أجل إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على نقل جزء من أسطولها البحري المرابط في مضيق هرمز إلى هناك( 35).

                فضلاً عن تقديم إيران الدعم لعمليات القرصنة التي تقوم بها الحركة، إلى جانب إستخدام الحركة في نقل الأسلحة عبر مهربين إلى داخل الأراضي الفلسطينية، لحركة الجهاد الإسلامي وحركة الصابرين، بعد قيام مصر بغلق إغلب المعابر الحدودية مع قطاع غزة.

                إذ يجد الحرس الثوري الإيراني وإنطلاقاً من “عقيدة الجهاد البحري المقدس”، في الحركة الأداة التي تضرب بها النفوذ الدولي في منطقة باب المندب، فبعد فرض عقوبات دولية على تجارة الفحم الصومالي في العام 2012، والذي تستخدمه الحركة في دعم عملياتها المسلحة، قامت إيران بتسخير الكثير من سفنها لتصدير الفحم الصومالي إلى الأسواق العالمية، مستخدمةً العلم الإيراني عليها( 36)، وفي مقابل هذا تقوم الحركة بتوريد مادة اليورانيوم إلى إيران، والذي تستخدمه بدورها في دعم أنشطتها النووية.

                إذ تعد الحركة من أكبر موردي اليورانيوم إلى إيران( 37)، وذلك بعد سيطرتها على الكثير من مناجم اليورانيوم في الصومال، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الصومالي يوسف عمر برسالة بعث بها إلى السفير الأمريكي في مقديشو “ستيفن شولترز”، والذي أشار بها بوضوح إلى أن الحركة تورد ما نسبته 10% من إحتياجات إيران من مادة اليورانيوم الذي تستخدمه في برنامجه النووي.

                بل والأكثر من ذلك كله يجد الحرس الثوري الإيراني في الحركة عنصراً مؤثراً حيال النفوذ التركي والأمريكي في العاصمة مقديشو، من خلال توظيفها في ضرب مصالحهما هناك.

                لا شك في أن إيران تدرك جيداً القيمة الإستراتيجية التي تمثلها هذه الحركة، في تغيير مسار العمليات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا تحديداً، فقد شهدت الأونة الأخيرة توجهاً سعودياً وإماراتياً نحو هذه المنطقة( 38)، وهو ماقد يزيد بالمقابل من القيمة العملية لهذه الحركة في النسق العقيدي الإيراني.

                فالتوجه الإيراني نحو القارة الأفريقية إكتسب زخماً كبيراً منذ تسعينات القرن الماضي، وهو ماسهل لها إنشاء روابط أمنية مع العديد من الجماعات المسلحة في هذه المنطقة، ولنا بالدور الذي تلعبه إيران في توظيف جماعة الزكزاكي في نيجيريا أبرز مثال على ذلك، هذا إلى جانب دورها في السنغال ومالي وغيرها من الدول الأفريقية.

                إذ تتميز إيران برعايتها للعشرات من المليشيات والجماعات المسلحة(39 )، والتي تنتشر في ساحات مختلفة من منطقة الشرق الأوسط، دون أن يكون هناك أدنى إعتراف رسمي بها، وهو ماجعل الدور الإيراني يتمتع بحيوية كبيرة، رغم الضغوط الدولية المتصاعدة ضده، فالذي يميز النموذج الإيراني اليوم، وإنطلاقاً من قاعدة العلاقات الهجينة التي تربطه مع العديد من التيارات والجماعات التي تتشابه وتختلف معه مذهبياً وفكرياً وأيديولوجياً، هو أنه قادر على تحريك أي جبهة يواجه فيها نسقاً ضغطياً متصاعداً، وهو مالا تتمتع به أية قوة أخرى على المسرح الإقليمي.

قائمة المراجع

1-      القوانين الدولية حيال القرصنة، متاح علي الرابط التالي:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/QrsnaBhria/sec10.doc_cvt.htm

 

2-      قرارمجلس الأمن رقم 1814،الصادر في 15 مايو 2008،متاح علي الرابط التالي:

https://undocs.org/ar/S/RES/1814(2008)

 

3-      قرارمجلس الأمن رقم 1816 الصادر في 2 يونيه 2008،متاح علي الرابط التالي:

 (https://undocs.org/ar/S/RES/1816(2008

4-      قرارمجلسالأمنالدوليرقم 1838 الصادرفي 7 أكتوبر 2008،متاحعليالرابطالتالي:

                 (https://undocs.org/ar/S/RES/1838(2008

 

5-       قرارمجلس الأمن الدولي رقم 1851 الصادر في 16 ديسمبر 2008،متاح علي الرابط التالي:

https://undocs.org/ar/S/RES/1851(2008)

 

6-       حسام حميد شهاب،القرصنة البحرية في الصومال وأثرها علي الملاحة الدولية ، متاح علي الرابط التالي:

https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=116568

 

7-       قرارمجلس الأمن رقم 1846 الصادر في 2 ديسمبر 2008،متاح علي الرابط التالي:

https://undocs.org/ar/S/RES/1846(2008)

8-      القوانين الدولية حيال القرصنة ، متاح علي الرابط التالي:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/QrsnaBhria/sec10.doc_cvt.htm

9-       الجهودالدولية والإقليمية لمكافحة القرصنة الدولية ، متاح علي الرابط التالي:

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/QrsnaBhria/sec11.doc_cvt.htm

10-   المكتب البحري الدولي: تأسس هذا المكتب عام 1981 ، وهو يتبع غرفة التجارة الدولية ،ومن أهم أهداف المكتب الآتي:

أ‌. مكافة الإحتيال في مجال النقل البحري الدولي وتلقي المعلومات من الهيئات الحكومية وغير الحكومية ، عن حوادث الإحتيال ، وتجميع هذه المعلومات لتقديم المشورة إلي أعضاء المكتب. 

ب‌. تقديم المشورة إلي المنظمات والهيئات بشأن إنشاء أوتعيين نظم التجارة لتفادي الوقوع في الإحتيال ، وبحث أي صفقات لأي من الأعضاء لإبداء الرأي قبل إبرام الصفقة في حالة وقوع شك في تلك الصفقات.

ج. إجراء تحريات عن السفن أو سوء السلوك التجاري ، ومساعدة المجني عليهم في عمليات الإحتيال التجاري.

د‌. تقديم خدمات تدريبية وثقافية لمكافحة الإحتيال البحري وإصدار نشرة شهرية بحالات القرصنة.

11-   غرفة الملاحة الدولية: تهتم هذه الغرفة بالأمور القانونية والتشغيلية الخاصة بالسفن التجارية، كما تعني بحماية البيئة، وتسهم كونها جهة إستشارية مع الحكومات والمنظمات الدولية، وقد أصدرت دليلاً عن أماكن حدوث القرصنة وكيفية منعها ومكافحتها، وشاركت في عدد من المهام والمؤتمرات المتعلقة بمكافحة القرصنة.

 

12-   المرجع السابق.

13-    الإطلاع علي أهم الإجراءات الدولية المتخذة لمواجهة أعمال القرصنة البحرية، متاح علي الرابط التالي:

https://repository.nauss.edu.sa/bitstream/handle/123456789/55668

14-  القرصنة تعود إلي حكم البحار من جديد، مجلة الرؤية، قضايا سياسية، العدد 312، 2008،ص27

15-  المرجع السابق.

16-  تقريرالأمين العام عن الحالة في ما يتعلق بالقرصنة والسطو المسلح في عرض البحر قبالة سواحل الصومال، المؤرخ في 21 أكتوبر 2013، متاح علي الرابط التالي:

https://undocs.org/ar/S/2013/623

17-  تقريرالأمين العام عن الحالة فيما يتعلق بالقرصنة والسطو المسلح في عرض البحر قبالة سواحل الصومال، المؤرخ في 7 نوفمبر 2017 ،متاح علي الرابط التالي: 

https://undocs.org/ar/S/RES/2383(2017)

Jeffrey A. Lefebvre, Iran in the Horn of Africa: Outflanking U.S. Allies, Middle East, -18

Policy Council, Volume XIX 2, summer 2012, p127. ،Number

Ibid, p.128.– 19

20-  _______،التغلغل الإيراني في منطقة القرن الإفريقي، متاح علي الرابط التالي:

http://almezmaah.com/2017/02/16/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1

 21- المرجع السابق.

22- المرجع السابق.

23- عبدالله الفاتح ، النفوذ الإيراني في جيبوتي… الأهداف والدوافع، 7سبتمبر 2015،متاح علي الرابط التالي:

http://mogadishucenter.com/2015/09/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D9%88%D8%A7/

24- المرجع السابق.

25- ____________،التغلغل الإيراني في منطقة القرن الإفريقي ، مرجع سابق.

26-  سيدي أحمد ، أي دور لإريتريا في ظل التحالفات الإقليمية بالقرن الإفريقي، 6 فبراير 2018 ـمتاح علي الرابط التالي:

                                    http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/02/180206115830108.html

27-  المرجع السابق.

28- ___________،كيف قفزت إريتريا من سفينة إيران لتلحق بالركب الخليجي؟ ، متاح علي الرابطالتالي:

https://www.ida2at.com/learn-about-eritrea-the-relationship-with-iran-and-its-role-in-determination-storm/

 29- مرفت زكريا ، تصدير الثورة .. الدعم الإيراني للجماعات الإسلامية في الصومال، (القاهرة: المركز العربي للأبحاث والدراسات ، 21 أكتوبر 2018)،متاح علي الرابط التالي:

http://www.acrseg.org/40975

30-  محمد السيد الصياد ، علاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية – دراسة فيسيكولوجية العنف الإيرانية منذ قيام الثورة وحتى الآن ، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 29 مايو 2016،متاح علي الرابط التالي:

https://rasanah-iiis.org/%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%af%d8%b1%d8%a7

 31- شكل معظم قيادات الجماعة الإسلامية الهاربة من مصر الذين ذهبوا إلى أفغانستان في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات مع آخرين ، تنظيم القاعدة أثناء الحرب السوفيتية ، وهؤلاء القادة ارتبطوا بشكل أو بآخر مع النظام الإيراني. وما إن حدث الغزو الأمريكي لأفغانستان انتقلت قيادات كثيرة (قُدّرت ب 500 من أعضاء التنظيم وعائلاتهم) من أفغانستان إلى إيران ، مما يؤكد تلك الصلة الوثيقة بين الجانبين ، والتعاون الإستراتيجي بينهما ، مع وجود التباين الأيدلوجي وبقائه. ويبدو أن السياسة الإيرانية هدفت إلي استغلال تلك الجماعات في الضغط على خصومها السياسيين إقليمياً ودولياً، فقد شملت قائمة أعضاء التنظيم الهاربين إلي إيران مطلوبين لدى المملكة العربية السعودية ، ومطلوبين لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية. ولكن يبدو أن إيران فضلت الإحتفاظ بهؤلاء القادة كجزء من إستراتيجيتها في المنطقة. وقد أثبتت الوثائق الأمريكية وجود تلك العلاقة من خلال وثائق سرية متبادلة بين أسامة بن لادن وإيران ، حصلت عليه الولايات المتحدة بعد غزوها لأفغانستان. ويمكن حصر إستفادة إيران من وجود مثل تلك القيادات في الآتي:

– دعمهم وإقامة التحالفات معهم حال وقوع أي خطر أمريكي على الحدود الإيرانية في العراق أو أفغانستان وهو ما حصل بالفعل.

– دعم تلك الجماعات الإرهابية ضد المملكة العربية السعودية ،لإنهاك المملكة العربية السعودية في قضايا داخلية ، وصراعات أيدلوجية.

– تشويه صورةا لإسلام السنّي ، في مقابل المشروع الفارسي الإيراني الذي يصدّر خطاب الإستضعاف والمظلومية.

32-  مرفت زكريا ، مرجع سابق.

33-  المرجع السابق.

34-  فراس إلياس ، إيران وحركة الشباب المجاهدين الصومالية تبادل الأدوار والمصالح ، متاح علي الرابط التالي:

https://www.newiraqcenter.com/archives/4356

35-  المرجع السابق.

36-  أحمد محمود ، الفحم الصومالي.. إيران وحركة “الشباب” تشعلان الإرهاب بأفريقيا ، 17 أكتوبر 2018،متاح علي الرابط التالي:

https://al-ain.com/article/iran-somalia-youth-movement-terrorism-coal

37-   محمد الدابولي ، حركة الشباب الصومالية.. إرهاب إيران يدمر القارة الأفريقية ، 23 نوفمبر 2018،متاح علي الرابط التالي:

http://www.almarjie-paris.com/5250

38- ________،الحسابات الخليجية في القرن الإفريقي ، 23 مارس 2017 ، متاح علي الرابط التالي،

http://mogadishucenter.com/2017/03/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8% %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A

39-   محمد السيد الصياد ، مرجع سابق.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى