الأبعاد اللينة لتأثيرات العولمة: بين مخاطر التفكك وضرورات الأقلمة

أثارت العولمة بمفاهيمها الناعمة والمتمحورة حول الثقافة والإعلام والمعلومات والإتصال والحضارة والأمركة نقاشات عديدة تستوحي تأثيرها الجيو-سياسي على دول العالم المستضعفة؛ فكثيراً ما يُثار النقاش حول أن هناك عولمات ناعمة عديدة تختلط فيها أوهام العولمة بحقائقها(عالمية– محلية معولمة _ أمركة _ إمبريالية ..).

     ولأن العولمة جوهر عقدي وقيمي أكثر مما هي غير ذلك تظهر التأثيرات الطرية والناعمة للعولمة بشكل جلي وواضح في الجانب الثقافي المعولم، خصوصاً حين تسعى إلى العزف على وتر الحساسيات الطائفية ممّا ينذر بتفكك الدول، لكي يعاد بنائها-بحسب بريجينسكي-على أساس ما يسمّيه بـ”أسس السوق وقيمه الديمقراطية”(التفكّك البنّاء)، وهنا الخطورة التي  تفرض على تلك الدول سواء خارج أو داخل عملية العولمة “تصميماً سياسياً” وإعادة تنظيم صفوفها في سياق ما بات يعرف “بالأقلمة” أو”الإقليمية الجديدة” لمحاولة ضبط إيقاع هذه العملية والتقليل من الإنفلات القسري والمستمرّ للأمور من أيديها(الوظائف)، هذا التزامن مابين التفكك(التشرذم) ومحاولات التكامل سماه روزينو في صيغة هجينة”تشرمل fragmegration“. وعليه تأتي هذه الدراسة لتطرح التساؤل حول:

ما التأثيرات التي يمكن أن تحدثها الأبعاد الناعمة والطرية للعولمة على وحدة الدول القومية المستضعفة ومستقبلها؟

وسنحاول الإجابة عن ذلك وفق الخطة التالية:

_ أولاً: المفاهيم الطرية والناعمة للعولمة _بين الوهم ومحاولة الفهم_

_ ثانياً: الدناميكيات اللينة للعولمة_ إختراق عميق جديد.

_ ثالثاً: مستقبل الدول القومية المستضعفة بين مخاطر التفكك “البنَاء” وضرورات الأقلمة _

_ أولاً: المفاهيم الطرية والناعمة للعولمة _بين الوهم ومحاولة الفهم_

     إذا كانت هناك من صعوبة في تحديد البواكير الأولى لولادة العولمة كواقع اقتصادي وربّما ثقافي وسياسي معيش فإنّ كل منOLIVER  REISER“و”B- DAVIS” هما أوّل من نحت فعل “يُعولمGLOBALIZE “TO منذ أربعينات القرن الماضي؛ بمعنى النظر إلى الكون كلّه كوحدة واحدة أو ككلّ مترابط([i])،ربّما النقاش هنا يرجع إلى منذ متى دخلت كلمة “عولمة” للتداول المكثّف؟ وقد رأى زيغلر أنّ كلمة “عولمة” بدأت في التداول منذ نهاية ستينات القرن المنصرم برعاية الكندي “مارشال ماكلوهان” والمتخصّص الأمريكي في قضايا الأمن زبيغنيو بريجينسكي، الأول ابتكر تعبير”القرية العالمية” قياساّ على العدوان على فيتنام باعتباره عدوان شوهدت وقائعه للمرّة الأولى على شاشات التليفزيون مباشرة، أمّا “بريجينسكي” فكان يرى في بزوغ “الثّورة التكنو-ترونية” ترسيخاً للقوة العظمى الأمريكية كأوّل مجتمع معولم في التاريخ([ii])، وقد فضّل”بريجينسكي”اصطلاح(المدينة الكونية) عوض(القرية)،لأنّ مفهوم العودة إلى الجماعة والألفة المرتبطة بالقرية لا يبدو-بحسبه- مناسباً للدّلالة على البيئة الدولية الجديدة وتشابك الشبكات التكنو-ترونية (كومبيوتر- انترنيت- تليفزيون- هوائيات -تليفون- تواصل إجتماعي…الخ) في علاقات عصبية متشابكة؛ ديناميكية ومؤثّرة. ومع هذا فكثيراً ما يعجز مفهوم العولمة –بحسب “جيمس روزينو”- عن احتواء التنوع الضخم للظواهر التي اكتسحت عالمنا الجديد من حيث هو”عملية مجتمعية شاملة” تقيم علاقة بين مستويات متعددة للتحليل: الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الإتصال؛ الإيديولوجيا..”([iii])، وهو ما عبر عنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي بقوله “ليست هناك عولمة واحدة بل هناك عولمات عديدة“([iv]).وإذا كانت العولمة “عولمات” فإن البحث يُفتح على اللاّمتناهي مما يُشتت التفكير؛ إلا أننا هنا سنركز التحليل على المفاهيم اللينة والناعمة للعولمة .

  • العولمــة المعلو-إتصالية

      يُشار بها أساساً إلى”المجموعة المترابطة من تكنولوجيا المعلومات والكومبيوتر والاتصالات وعمليات ربطها بالأقمار الصناعية مما نجم عنه انضغاط الزمان/ المكان والانتقال الفوري للمعلومات عبر العالم([v])، ففي وقت غير بعيد اكتسحت عالمنا ثورة غير مسبوقة في التاريخ البشري؛ ثورة مزدوجة عابرة للقارات تلغي الزمان ولا تهتم بالمكان؛ هي أولاً ثورة معلوماتية مبنية على”سلطة المعرفة”وهو ما يعبرعنه “ألڤن توڤلر” بأنَ “محورها ليس المال والطاقة وإنما “المعلومة” أي المعرفة“([vi])، ويطلق أحد الباحثين عليها”ثورة الإنفوميديا“”info media”([vii]) للتدليل على تعقيد الثورة المعرفية- التكنولوجية الجديدة.

     أما الشق الآخر فيتعلق بالثورة الإعلامية الجديدة في مجال الإعلان، لأن الإعلان أصبح اليوم “وسيطاً أساسياً بين الثقافة والاقتصاد؛ وهو يعدّ واحدًا من بين أشكال عدّة للإنتاج الإجمالي”([viii])، لذا عرّف “نعوم تشومسكي”عولمة الإعلام بأنها “الزّيادة الضّخمة في الإعلان عن السّلع الأجنبية والتركيز على ملكية وسائل الإعلام الدولية وبالتّالي انخفاض التنوّع في المعلومات مقابل الزّيادة في التوجه للمعلن”([ix]). متغيرات كهذه دفعت المفكر الفرنسي”ريجيس دوبريه” إلى التبشير بعلم جديد سمّاه “علم الميديولوجيا” وهو العلم الذي يدرس الوسائط المادية التي يتجسد عبرها الكلام، ومبعث الاهتمام بهذا العلم _كما ذكر دوبريه_ أنه يدرس الطفرة الإعلامية من حيث خلفيتها الرّمزية؛ باعتبار أن الوظيفة الأولى للإعلام ليست الأخبار والتغطية وإنما هي تحقيق الوسائط التي يتطلبها اللاشعور الجمعي من أجل تقنين الكلام من حيث هو رهان سلطة وتبادل علاقات مجتمعية، وهنا يميز “دوبريه” بين ثلاث محطات وسائطية كبرى عرفتها البشرية وهي: الكتابة، والطباعة، والسمعي البصري، تتلائم مع ثلاث دوائر هي :التعبد، والفن، والڤيديو ، ويخلص “دوبريه” إلى القول: إننا نعيش في حقبة “التوحيد الكوني للأنظار”حيث تحوّلت الصّورة إلى وضع مائع وغدت تدفقا مستمرّاً فاقدًا لأيّة مرجعية؛ وغير مرتبط بأيّة خلفية دينية ورمزية؛ فهي”الحاضر الأزليّ المهووس بالسّرعة” مقابل الكتابة المقدسة والفن البطيء([x])، إنها ببساطة ثقافة العولمة؛ ثقافة ما بعد المكتوب،_وإن شئت_ فهي “ثقافة الصورة“([xi]).

  • العولمة الثقافية

    يستسيغ عبد الخالق عبد الله اعتماد تعريف”رونالد روبيرستون” للعولمة الثقافية كونها “تركيز اهتمام ووعي الإنسان من المجال المحلّي إلى المجال العالمي؛ ومن المحيط الدّاخلي إلى المحيط الخارجي؛ ففي ظل العولمة الثقافية يزداد الوعي بعالمية العالم وبوحدة البشرية“([xii])، والعولمة وفق هذا الطرح تتكون من شقين: مادي وغير مادي؛ وإذا كان الشق المادي يشير إلى انكماش العالم فالأهم منه هو الشق غير المادي الذي يُشار به إلى وعي الإنسان بهذا الانكماش؛ هذا الوعي يعتبر البُعد الجديد والأهم في مراحل بروز وتطور العولمة([xiii]). من أجل هذا عرف الأمين العام السابق للأمم المتحدة “كوفي عنان” العولمة بأنها “تقاطع convergence عالمي للمواقف والقيم التي تساهم في إقامة أجواء نفسية روحية ووجدانية متداخلة للمجموعة البشرية العالمية بشكل غير مسبوق”([xiv]).

   فالعولمة _حسب برتراند بادي أيضاً_تسعى إلى “إقامة نظام دولي يتجه نحو التوحّد في القواعد والقيّم والأهداف مع ادّعاء إدماج مجموع الإنسانية ضمن إطاره”([xv])، هذه العملية يشار لها عادة بفكرة التنميط “uni formalisation” أو التوحيد “unification” الثقافي للعالم” وعلى حد التعبيرات التي استخدمتها لجنة اليونسكو العالمية 1998 فإن التنميط الثقافي يتم باستغلال ثورة وشبكة الاتصالات العالمية وهيكلها الاقتصادي الإنتاجي المتمثل في شبكات نقل المعلومات والسّلع وتحريك رؤوس الأموال([xvi]).

   من أجل هذا كله يمكن أن تكون العولمة الثقافية هي بالذات ما ذكره “بلقزيز”من أنها “فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات؛ إنها رديف الاختراق الذي يجري بالعنف _المسلّح بالتقانة_ فيهدر سيادة الثقافة في سائر المجتمعات التي تبلعها عملية العولمة”([xvii])، ويتعالى الحديث آنئذ عن ما يسميه الجابري”بـ “ثقافة الاختراق” التي تقوم على جملة أوهام هدفها “التطبيع” مع الهيمنة؛ وتكريس الاستتباع الحضاري([xviii])، والمحصّلة هي الانقياد إلى الثقافة الأحادية “mono culture”-على حد تعبير على شريعتي-، وآنئذ ستكون الحياة كلها شمندر””betterave” لا يقدم فيها إلا هذا الطبق([xix]) .

  • العولمة والإمبريالية والأمركة

    في قراءته لأطروحات برتراند بادي يرى محمود حيدر في العولمة “أنها قوة قاهرة وسالبة لقانون الجماعة الدولية؛ إنّها تنزع إلى الإعلاء من شأن التفرّد أي تفرّد القوة الأعظم بتسيير الوضع العالمي، وتدبير أمره وفقا لحاجاتها وملائمته بحسب اقتضاء استراتيجياتها العليا”([xx]). وهو ما أثار النقاش حول هل العولمة هي الامبريالية؟

     بداية في لغة السّياسة يشار بالإمبريالية إلى”علاقات قوة بين الجماعات والدول مبنية على عدم تساوي هذه الجماعات من حيث امتلاكها لمصادر القوة والمكانة”([xxi])، ويذكر المؤرخ “جوران توربون” أنّ “الكون ومنذ القرن 16م يسود فيه نظام عالمي واحد هو “نظام الاقتصاد الرأسمالي العالمي”([xxii])، وهذا يُعيد إلى الأذهان الاعتقادات المتنامية مؤخرا والمستلهمة للرؤية الماركسية التي لا ترى في العولمة سوى امتدادا للنظام الرأسمالي الشامل للكرة الأرضية([xxiii])، كما يذكرنا هذا بعبارة لينين الشهيرة أن”الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية”؛ ويستعير عبد الإله بلقزيز التوصيف اللّينيني ليعلن أن “العولمة هي أعلى مراحل الإمبريالية”([xxiv])؛ “إنّها الإمبريالية أيّها الأغبياء” يعلّق تشومسكي في إحدى مقالاته([xxv]). كل هذا جعل سمير أمين يتهم العولمة بأنها “هجوماً رأسمالياً شرساً على المجتمعات كلّها”([xxvi])؛ فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية1945عرف العالم صيغة إمبريالية جديدة سماها _سمير أمين_ بـ”الامبريالية الجماعية” التي تضم مجمل مراكز النظام الرأسمالي العالمي بديلاً عن الإمبرياليات المتنازعة دائماً”([xxvii])، ولا فرق- حسبه- بين الإمبرياليات التـّاريخية والصيغة الجديدة لها سوى أنّ الأخيرة أشدّ فتكاً وعنفاً بكثير؛ فهي تمتصّ الثروات دون أن تعطي شيئاً في المقابل([xxviii])، أما (الطيّب تيزيني) فيرى أنَ العولمة هي”الإمبريالية في مرحلة سقوط التعدّدية القطبية القائمة على التناقض والتضادّ في الأنماط الاقتصادية والاجتماعية أولاً، وهي ثانياً الامبريالية في عصر المعلوماتية والتقنية وما بعد المعلوماتية؛ أي في عصر نواجه فيه تحوّلات جديدة في أشكال الاستغلال والاغتراب الرأسماليين”الكوسموسوقية”([xxix]).ومع هذا هناك من لا يحبذ مصطلح “إمبريالية”، كـ”نيجرى” و”هاردت” مثلاً_فعوض إمبريالية_ يتحدثون عن “إمبراطورية تقتصر على الثالوث وتتجاهل بقية العالم”([xxx]) هذه”الإمبراطورية”_حسب جوهان_ تتسم بالهيمنة الفوقية للولايات المتّحدة على حساب منافسيها([xxxi]). وهو ما يفتح التساؤل:   هل العولمة هي “الأمركة؟

    في كتابه”رهانات فرنسا في زمن العولمة” يؤكد وزير الخارجية الفرنسي السابق (هوبير فيدرين) ترافق مصطلحي العولمة و”الأمركة”؛ ويشبّه الولايات المتحدة بالسّمكة الكبيرة التي تسبح في حرية وتسيطر على مياه العولمة([xxxii])، وقد كان هنري لويسHenry Luce ومنذ 1941 سبّاقاً في تنبّؤه “ببزوغ فجر القرن الأمريكي”([xxxiii])؛ وصولاً إلى العقد الأخير من القرن المنصرم حين حاجج فوكوياما على “نهاية التاريخ” وأن أمريكا تمثل اليوم المجتمع الأكثر تقدّما في العالم “ومؤسساتها تعبّر عن التطوّر المنطقي لقوى السوق، ولأن قوى السوق هي التي تقود العولمة فأمركة العالم سترافق العولمة في شكل حتمي”([xxxiv])، وهذا ما جعل سمير أمين يربط بين متغيّرات ثلاث: ما يسميه “الفيروس الليبرالي” من جهة والحرب الدائمة وأمركة العالم من جهة أخرى([xxxv])، أمّا برهان غليون فيربط بين “ثقافة العولمة”من جهة والسلعنة والأمركة من جهة أخرى([xxxvi]). وفي كل الأحوال لا تعدو العولمة إلا أن تكون “إيديولوجيا تريد الهيمنة على العالم وأمركته”([xxxvii])، وفي حالات عديدة يعيش عالمنا اليوم “اللحظة الأمريكية“([xxxviii])، كما أن كل من العولمة والنظام الدولي الجديد “من صنع أمريكا made in America”([xxxix])، حتى أنّ “هانتنغتون” نفسه لا يتردّد في أن يتحدث في مقال له عن “القوة العظمى الوحيدة “the lonely super power”([xl]) أو ما يسميه(هوبير فيدرين) “القوة الخارقة”Hyper puissance”([xli])._وإن شئت_فأمريكا هي”الدولة التي لا غنى عنها أو”الأمة الضرورة“”indispensable nation” بتعبير مادلين أولبرايت([xlii])، وقد أجاد المفكر الأمريكي المؤدلج (توماس فريدمان) في فكّ رموز هذه المعادلة عندما قال بأن “العولمة هي نحن في كثير من الوجوه ولكننا لسنا النمر، فالعولمة هي النمر ولكنّنا الشعب الأكثر مهارة في امتطاء النـّمر، ونحن نقول للآخرين جميعاً إمّا أن يركبواْ معنا وإمّا أن يبتعدوا عن الطريق، والسّبب أنّنا بهذه المهارة في امتطاء هذا النـّمر هو أننا ربّيناه منذ أن كان صغيراً…“([xliii])، والعولمة كما يقول فريدمان”لها وجه أمريكي مميّز، لها أذنا ميكي ماوس، وتأكل شطائر ماكدونالدز الكبيرة وتشرب الكوكا والبيبسي، وتقوم بعملياتها الحسابية بجهاز كومبيوتر محمول من طراز”IBM أو “آبل” وتستخدم ويندوز98/أو2010 مع بروسسور من طراز إنتل بينتيوم11، وشبكة اتصال من شركة سيسكوسيستمز”([xliv])؛ ولاحقاً وسائل التواصل الإجتماعي والحوسبة السحابية

     هذا التورّط الأمريكي المغرور في الوصاية على العالم وتنامي دور الولايات المتحدة في جميع المجالات عقـّد معادلة العولمة وولّد صعوبة كبيرة في التمييز بين”الحدّ الذي ينتهي عنده النفوذ الأمريكي والحدّ الذي تبدأ معه العولمة“([xlv])، وفي العموم هناك اتّجاه واسع في الربط مابين الشقّ الثقافي للعولمة والأمركة، حتى أصبح معروفاً أنّ العولمة تسعى فيما تسعى إليه إلى تشييد ما يسميه “نيل روزندروف”مملكة الثقافة الشعبية”([xlvi])، أمّا ملوك هذه المملكة فهم النّخب _وإن شئت_”النخبويين” الذين تراهن الهيمنة العولمية على بناء نمط متميّز لحياتهم وتفكيرهم وفصلهم التامّ عن الكتلة الرئيسية في المجتمع بل ودمجها مباشرة في ثقافة العولمة الاستهلاكية الكوسموبوليتانية([xlvii])، وتعدّ البرازيل “قدوة نموذجية للعالم” في هذا الصّدد فيما يسميه مارتين وشومان”خيانة النخب“و”برزلة العالم“([xlviii]).    لم يعُد خافياً إذاً على أحد لماذا اختار جورج بوش(الأب) البرازيل بالذات سنة 1992 في مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة ليعلن أمام العالم وبدون أي تردّد وبغرور:”إن نمط حياتنا غير قابل للتفاوض“([xlix]).

  • العولمـة والعـالمية_ محاولة ضبط الفهم_

     لعل المتتبع لحركية التداول الاصطلاحي لمفهومي”العولمة” و”العالمية” يلاحظ خلطاً مضلّلاً منظماً وغير بريء أحياناً؛ فجوران توربون يعتبر أنّ “عالمية الأديان” هي الموجة الأولى من موجات ستّ للعولمة([l])، كما يربط عدنان البخيت بين العولمة ونشأت الإمبراطوريات والدّيانات([li])، أما أولريش بيك فيساوي بين “العالمية” و”المذهبية الليبرالية الجديدة” لسيادة السوق العالمية(ونقدها)([lii])،وكذلك يفعل كوهين وناي الإبن عندما يرون أنّ “العولمة وعكسها تشير إلى زيادة العالمية أو تراجعها”([liii])، فالعالمية_بحسب جيمس روزينو أيضاً_ “تشير إلى الطموحات أو التطلّعات التي تستهدف الوصول إلى حالة تصبح فيها القيم مشتركة أو تكون متاحة لكافة أبناء الجنس البشري”([liv])؛ غير إن كونية هذه”القيم تتداعى أمام المنطق اللاّأخلاقي للعولمة؛ ويكون إذّ ذاك الحديث عن إعادة بناء الأخلاق نفسها”([lv])، لذلك يتساءل أحدهم مثلاً سؤالا مشروعاً “عولمة حقوق الإنسان أم عولمة الفهم الغربي لحقوق الإنسان؟”([lvi])، وفي ندوة “الإسلام والعولمة” المنعقدة في حزيران/يونيو1998خرج المؤتمرون بتوصية مفادها”إن ما يفرض اليوم باسم العولمة ليس عالمياً؛ إنـّما هو الرّؤية الغربية التي ينزع أصحابها للهيمنة على العالم“([lvii]). إجتماعياً يتحدث كوهين وناي(الإبن)عن الفوارق غير المسبوقة التي اكتسحت الواقع الاجتماعي لسكان المعمورة، إذ تصاحب العولمة فجوات متزايدة بين الأغنياء والفقراء فهي”لا تعني التجانس أو العدل”([lviii])، كما “لا يمكنها بحال أن تنتج أو تستحدث العالمية”([lix])،ومع كل ذلك فإن إمكانية تحقـّـق”العالمية” في مسار البشرية التاريخي أمر وارد للغاية، ولكن ذلك ليس بالضرورة في صيغة العولمة النيوليبيرالية([lx]).

 أما ثقافياً فقد تحدّث ابن خلدون عن الصّفة العالمية للحضارة وعن تراكم المكتسبات الصناعية والثقافية لدى الأمم؛ وجمع بين مفهومي الرّسوخ الحضاري والنّسخ الحضاري في بحثه عن”عمران الأمصار”([lxi])، وليس ابن خلدون وحده بل أبا الرّيحان البيروني ومن قبلهما ابن المقفع والجاحظ كلهم يرون أن التعاقب الحضاري هو تعاقب تراكمي وليس تعاقباً تعويضياً، ومعنى ذلك أن العرب أضافواْ إلى حضارتهم في فجر الإسلام الحضارات الوافدة(الفارسية والهندية واليونانية)، ومن هذه الحضارات جاء ميلاد”أول حضارة كونية في التاريخ”؛ إذ قبل ذلك كانت الحضارات لا تلتقي بل هي مطبوعة بطابع قومي صرف([lxii]) .

    إذن فالعالمية كما يعرفها الفكر الإسلامي أو كما يعرّفها “محمد عمارة” هي: “نزعة إنسانية وتوجّه نحو التفاعل بين الحضارات والتلاقح بين الثقافات والمقارنة يبن الأنساق الفكرية؛ والتعاون والتساند والتكامل والتعارف بين الأمم والشعوب والدول بحيث يصبح العالم منتدى حضارات بينها مساحات كبيرة من المشترك الإنساني العام؛ ولكلّ منها هويّة ثقافيّة تتميّز بها ومصالح وطنية وقومية وحضارية واقتصادية وأمنية لابد من مراعاتها في إطار توازن المصالح“([lxiii])، نفس الخطّ يسلكه المغربي”محمد عابد الجابري”عندما يقول أنّ “العولمة شيءْ والعالمية شيءٌ آخر؛ العالمية تفتّح على العالم وعلى الثقافات الأخرى واحتفاظ بالخلاف الإيديولوجي، أمّا العولمة فهي نفي للآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الإيديولوجي“([lxiv])، لذلك وجب التمييز بين كون التثاقف بين شعوب العالم هو من القضايا البديهية للوجود وبين الإكراه الثقافي المارّ عبر قنوات السّياسة، فالعولمة “globalisation” إرادة للهيمنة وبالتالي قمع وإقصاء الخصوصي؛ أمّا العالمية universalité- universalisme، فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي، العولمة احتواء العالم والعالمية تفتـّح على ما هو عالمي وكوني”([lxv]).

      ومن القراءتين الغربية والإسلامية لمفهومي العولمة والعالمية يتضح لنا أن “الإنسانية تعيش اليوم أمام مفترق طرق؛ طريق يدعو إلى الحوار والمثاقفة والاعتراف بالآخر وحوار الحضارات والتعايش وكونية الأخلاق والإنّية..، وطريق آخر يدعو إلى نهاية التاريخ ونهاية الإيديولوجيا والمتوسّطية والتطبيع وصدام الحضارات (أو الهمجيات)”([lxvi])، وفي الحالات جميعها وجب القول أن نُشدان العالمية في المجال الثقافي كما في غيره من المجالات طموح مشروع ورغبة في الأخذ والعطاء؛ في التعارف والحوار والتلاقح؛ إنها طريق “الأنا” للتعامل مع “الآخر” بوصفه “أنا ثانية” طريقها إلى جعل الإيثار يحل محل الأثرة، أما العولمة فهي ليست طموح بل إرادة لاختراق “الآخر” وسلبه خصوصيته وبالتّالي نفيه من”العالم”، العالمية إغناء للهوية الثقافية أما العولمة فهي اختراق لها وتمييع([lxvii]).

ثانياً: الدناميكيات اللينة للعولمة_ إختراق عميق جديد.

    يذكر (توماس فريدمان) أنّه”من الأجدى لك إذا أردت فهم العولمة ثم شرحها بعد ذلك أن تكون بدوياً مفكرًا؛ ففي عالم البدو الرّحل ليس هناك رقعة محددة بدقة من الأرض العشبية؛ ولذلك كان البدو الرحل هم الذين توصّلوا إلى الأديان التوحيدية اليهودية والإسلام، فإذا كان المرء مقيماً في مكان واحد فسوف يتوصل إلى جميع أنواع الأساطير عن هذه الصخرة أو تلك الشجرة وسيعتقد أن الله موجود في هذه الصخرة أو تلك الشجرة فقط، أما البدو الرحل فإنهم يرون المزيد من العالم؛ إنّهم يعرفون أن الله ليس في هذه الصخرة إنّه موجود في كلّ مكان، كما ينقل البدو الرحل هذه الحقيقة المركبة في قصص وأخبار بسيطة وذلك حينما يجلسون حول نيران مخيمهم..”([lxviii])؛ أمّا مارك هاينز دانيال فيؤكد بأن هناك شيء واحد مؤكـّد في هذا العالم المعاصر وهو “لابدّ للأمثولة المعمول بها من أن تتغير،والأنظمة النشطة كما هو واضح من تسميتها لا تبقى ساكنة وما هو مفهوم بالنسبة للمشاركين في المنظومة، شاؤاْ أم أبـوا هو فهم وتوقع الحركة والتغيـّر اللذين لابد منهما بأكبر قدر ممكن”([lxix])، فإذا كان نظام الحرب الباردة يتسم بالجُمود _كما يقول فريدمان_ فإن نظام العولمة”عملية دينامية مستمرة“([lxx])؛ على جميع الصُّعُد خصوصاً الثقافية والإعلامية الاتصالية…

  • الحركيـة الثقافية والعولمة الناعمة

   كثيراً ما يناقش أنّه حتى الدّيناميات الإقتصادية وما ينجرّ عنها من تنامي للسوق العالمية  تفرز نتائج عميقة بالنسبة إلى الثقافات والهويات وأساليب الحياة([lxxi])، ويتحول النقاش حينئذ من الهيمنة الاقتصادية إلى العواقب الثقافية المهدّدة بعالم خاضع لهذه الهيمنة شبيه بنوع من الدّيزني لاند المعمم أجاد باحث فرنسي عندما أطلق عليه” تشرنوبيل ثقافي“([lxxii]) أو _إن شئت_ “تصحّر ثقافي“([lxxiii]) معبر “سيادة نفاية الثقافات وثقافة النفايات” كما أشار المحرّر الثقافي لمجلة نيويورك تايمز([lxxiv])؛ وهذا ما يؤكده أحد أهم المختصين في هذا المجال وهو “هربرت شيللر” عندما يعتبر أن”أحد أهم مقاييس فقدان أمة ما لسيطرتها على وسائل إعلامها يتمثل في درجة اختراق وكالات الإعلان الأجنبية لميكانيزمات التسويق في تلك الدولة؛ ويطلق (شيللر) على هذه الظاهرة “تجارة الثقافة وثقافة التجارة“([lxxv])؛ وهو ما يسميه سمير أمين “التسليع” أو”الانحراف السلعي” ويعني به توسيع لا حدود له تحت شعار المنافسة ولكنـّه يعمل لمصلحة رأس المال المسيطر في المراكز الاحتكارية؛ وهنا يتحدث أمين عن تسليع الصحة؛ والتعليم؛ وصناديق المعاشات؛والبحث العلمي؛والملكية الفكرية في مجال الصناعة والثقافة والفنون؛ والموارد الطبيعية..([lxxvi]).

ولفهم الديناميكية الثقافية جيداً قام بيتر آل بيرغر بصياغة أربع سيرورات(حركيات) وظواهر متمايزة لعملية العولمة الثقافية؛ هذه السيرورات والظواهر تكون متزامنة الحدوث ومترابطة فيما بينها ودائبة على التفاعل مع جملة الثقافات المحلية الأصلية التي صارت على تماسّ معها وهي:

  1. ثقافة دافوس: أو ثقافة الأعمال الدولية
  2.  ثقافة الماكدونالد: أو الثقافة الشعبية الكوكبية
  3.  أممية نادي الكلية: أو ثقافة الفكر العالمي
  4. الحركات الدينية الجديدة: أو الثقافة الدينية الشعبية

ويضع بيرغر كذلك إطاراً منظومياً لأربع عواقب محتملة لتقاطع قوى العولمة مع الثقافة الأصلية:([lxxvii])

  • حلول ثقافة العولمة محل الثقافة المحلية؛
  • تعايش الثقافتين الكوكبية والمحلية دون أي اندماج ذي شأن بين الطرفين؛
  • تزاوج الثقافة الكوكبية الكونية مع الثقافة المحلية الأصلية الخاصة؛
  • رفض الثقافة الكوكبية برد فعل محلي قوي.

    إن الحركيتين الأوليتين (ثقافة دافوس؛وثقافة الماكدونالد) يتم بثّهما إمّا عبر القنوات النَُخبوية أو الشعبية أو على حد السواء، وقد كان صموئيل هانتنغتون أول من أطلق عبارة “ثقافة دافوس“(نسبة إلى اجتماع القمة الاقتصادية العالمية في ذلك المنتجع الجبلي السويسري المعروف)؛وهي ثقافة دولية تخصّ قادة الأعمال والسّياسة محرّكها الأساس هو مجال الأعمال الدولي وهو المحرّك نفسه الذي يحرّك عمليات العولمة الاقتصادية والتكنولوجية، ويسمي “بيرغر”هذه العملية بـ”التدجين الإستباقي“([lxxviii])، أما الحديث عن الحركية الموازية أو المصاحبة لثقافة دافوس “فهو حديث عن الثقافة الشعبية الكوكبية، “ثقافة الماكدونالد“، وهو ما يعتبره “جوزيف ناي” تأثير”القوة اللينة” أو” الناعمة”،أي القوة التي تـُقنع أو تضمّ؛ مقابل القوة الصلبة أو قوة الإرغام، وكما يقول ناي” القوة اللينة هي قدرتنا على الحصول على ما نريد عن طريق الجذب بدلاً من طريق الإرغام؛ فعندما تريد دول أخرى النتائج التي نريدها؛ فعندئذ نستطيع الحصول على ما نريد دون الاضطرار إلى الإنفاق بقدر الإنفاق على الإرغام”([lxxix])، ولقد كان بنجامين باربر أشدّ المنتقدين لهذه الشيفرة الثقافية وفي ذلك يحاجج على أنّ”كلّ ما تقدمه وسائل التسلية الأمريكية يقوم على الكذب والبهتان؛ فهذه الأسطورة تتناسى أمرين حاسمين: طريقة الاختيار وحرّية الإنسان في تحديد ما هو بحاجة إليه فعلا”([lxxx])، وقد أعزى باربر نجاح ما يسميه “استعمار والت ديزني للثقافة العالمية” إلى”ظاهرة قديمة قدم الحضارة: إنها المنافسة بين الشاق والسَهل؛ بين البطيء والسريع؛ بين المعقد والبسيط؛ فكل أول من هذه الأزواج يرتبط بنتاج ثقافي يدعو للإعجاب والإكبار، أما كل ثانٍ من هذه الأزواج فإنه يتلاءم مع لهـِونا وتعبنا وخمولنا، إن ديزني و ماكدونالدز وMTV تروّج لما هو سهل وسريع وبسيط”([lxxxi]).

  • المحلّيـة المعولمـة:

     “روبيرستون” و”أبادوري” وكثيرون من يعارضون بصفة قاطعة التصوّر المنتشر عن إعطاء الصبغة الماكدونالدية للعالم، فالعولمة الثقافية حسبهم لا تعني أنّ العالم سيصبح منسجم ثقافياً؛ بل العولمة تعني بالأحرى “المحلّية المعولمة“([lxxxii])، والعبارة هي ترجمة لــمصطلح “glocalisation” والذي يعتبر صيغة  جامعة بين فكـرتي العولمي”global” والمحلّي”local”، وقد كان”A-Morita”(القائم بأعمال شركة سونيSony)هو من أعطى المصطلح شهرته؛ ليشير به إلى نموذج جديد للتسيير، في شبكة مؤسسات تعمل ضمن سياق الإقتصاد المعولم([lxxxiii])، أما الشعار هاهنا فهو دائماً “فكّر كوكبياً وتصرف محليًا” ولذالك يقول نائب رئيس شركة كوكاكولا “إنّ عملنا محلّي أساسا أمّا مُدراؤنا فكوكبيون“([lxxxiv])، ويستعير”رونالد روبيرستون” هذا التوظيف ليشير إلى أن المحلّي والعالمي لا يتنافيان بل العكس إذ يجب أن يفهم المحلّي على أنّه وجه العالمي([lxxxv])، أمّا “توماس فريدمان” فتناول الظاهرة من منطلق ما يسميه “العوحلية” ليشير إلى أنه “في ظلّ العالم المعولم سيكون على الدول أن تتعلم كيفية تطوير مرشَحات متعدّدة لمنع ثقافاتها من الزوال بفعل ذلك الجذب والدّفع لرأس المال العالمي، وفي ضوء قوة العولمة وسرعتها اليوم سوف تنقرض تلك الثقافات التي لا تتمتـّع بالقوة الكافية لكي تفعل ذلك مثلها مثل أنواع الكائنات الأخرى التي لا تستطيع التكيّف الخلاّق مع التغييرات التي تحدث في بيئتها”([lxxxvi])، وهنا يكون التمييز بين ثقافات “قوية” وأخرى “ضعيفة” (هانتنغتون) مفيداً من هذه الناحية؛ فلقد كانت ثقافات آسيا الشرقية والجنوبية_حسب هانتنغتون_ ولاسيما ثقافات اليابان والصين والهند “قوية” بصورة ملحوظة؛ في حين كانت الثقافات الإفريقية وبعض ثقافات أوربا “ضعيفة” نسبياً([lxxxvii])، وفي هذا الصدد يُميّز فريدمان أيضاً بين ما يسمَيه”العوحلية الصحية” و”العوحلية غير الصحية“؛ الأولى يُعني بها قدرة ثقافة ما في مواجهتها لثقافات قوية أخرى على امتصاص التأثيرات التي تتوافق طبيعياً معها وأن تثري هذه الثقافة قدرتها على مقاومة الأشياء الدّخيلة بحقّ؛ وقدرتها على أن تحتوي تلك الأشياء التي يمكن رغم اختلافها الاستمتاع والاحتفاء بها لأنّها شيء مختلف؛ إنّ كل ما تهدف إليه “العوحلية” هنا هو قدرتك على أن تجعل بلادك وثقافتك تمتصّ مظاهر العولمة بطريقة تمثل إضافة لنموَها وتنوَعها بدون أن تطغى عليها([lxxxviii])؛ فالعوحلية الصحّية-حسب فريدمان- هي عملية تجربة وخطأ ولكنها عملية ضرورية بلا حدود؛ ففي عالم أزيلت فيه كثير من الجدران والخنادق وأسوار الحماية وسوف تستمر إزالتها ستكون للثقافات التي تُحسن عملية “العوحلية” ميزة حقيقية؛ أما تلك الثقافات التي لن تُحسنها فسوف تحتاج إلى أن تتعلّم ذلك،إذ أنَ “العوحلية غير الصحية” هي أن تمتص شيئاً ليس جزء من ثقافتك ولا يرتبط بأيّ شيء كامن فيها؛ مما يجعلك تفقد صلتك بثقافتك إلى درجة أنك تعتقد أن هذا الشيء جزء منها([lxxxix])، وبهذا المعنى يمكن أن يكون هدف “المحلية المعولمة” هو ما يسميه روبيرستون”كوننة الخصوصية وتخصيص الكونية” وهذا الشكل _حسب أحد الباحثين_ لا يحلّ التناقضات والصراعات؛ بل يكون هو نفسه سبب التوجّس والخوف من العولمة ثمّ معارضتها، فهي تحاول إن تجعل من الخاص عامّاً لرفع التناقض غير أنها في النهاية كرّسته([xc])؛ هذا ما جعل “ريجيس دوبريه” يرى في العولمة أنها “شبه تمويه الطابع المحلّي بطابع شمولي جامع وتغليف ثقافة معينة، وهي ثقافة الأشدّ يُسراً بطابع الحضارة الكونية([xci]).

 لكن.. هل يتحقق ذلك؟ إنّ الدّينامية المعلو- إتّصالية قد تجعل ذلك ممكنناً.

  • الحركية الإتّصـالية/الإعلامية

يذكر جيدنز أنه في أواسط القرن التاسع عشر استطاع “صامويل موريس” وهو رسّام من ولاية ماساتشوسش الأمريكية أن يرسل أول عبارة بالتـّلغراف كان مضمونها قوله:”ما الذي صنع الله؟” وقد بدأ موريس بفعله هذا مرحلة جديدة في التاريخ البشري؛ إذ لم يحدث قبل ذلك أن بُعثت رسالة دون أن يذهب شخص حاملاً إيّاها([xcii])، فما ستكون ردة فعل “موريس” لو عاش لزماننا هذا الذي ملأت فيه الأقمار الصناعية السماروات وثوّرت فيها حيوات الناس …

ولقد كانت سنة 1969م شهادة ميلاد جديدة للبشرية، فقد أطلق أوّل قمر صناعي في هذه السنة، أمّا في وقتنا الحاضر فقد فاقت 500 قمر صناعي تدور حول الأرض 200 منها للولايات المتحدة وحدها([xciii])، كما أنّ هذه الأقمار تربط عالم اليوم في مختلف الظروف ببُنية تحتية إلكترونية تنقل الأخبار والمال والبيانات إلى أي مكان على كوكبنا الأرضي بسرعة الضوء؛ وهو ما جعل الحدود قابلة للاختراق كلّياً أمام المعلومات؛ “فالأقمار الصناعية تبث الأخبار من فوق ستائر حديد أو خيزران متجاوزة المراقبين الحكوميين العنيدين إلى كلّ من لديه تِلفاز أو راديو ترانزستور يدوي”([xciv])، ولقد نجم عن هذه التطورات تثويرات في مجالات عدّة معلومات واتصالات، وحاسبات إلكترونية وإنترنت …الخ.

ويشار بالثورة في مجال المعلومات إلى “ذلك الانفجار المعرفي الضخم وتضاعف الإنتاج الفكري في مختلف المجالات؛ وظهور الحاجة إلى تحقيق أقصى سيطرة ممكنة على فيض المعلومات المتدفقة، أمّا في مجال الإتصالات فهي تشمل الإتصالات السّلكية واللاّسلكية؛ أي مجموعة التقنيات أو الأدوات والوسائل أو النـّظم المختلفة التي يتم توظيفها لمعالجة المضمون أو المحتوى الذي يُراد توصيله من خلال عملية الاتصال الجماهيري أو الشخصي أو التنظيمي أو الجمعي أو الوسطي”([xcv]). أما الثورة التكنو- تروينية فقد كان “ألڤن توڤلر” المختصّ في هذا المجال قد كتب عن تقنيات الموجة الثـّالثة؛ مشيراً إلى أنّها تتميز بالذكاء فهي تضم أجهزة استشعار تمتصّ المعلومات من المحيط وتكتشف التغيّرات وتعديل تشغيل الآلة وفقا لذلك كما أنّها تنظّم نفسها بنفسها؛ ويؤكّد أنّ لذلك فروقاً ثورية حقاً عن الموجة الثانية([xcvi])؛ ففي سنة 1965 نشر المهندس”غوردن مور Gordan Moore” مقالة من أربع صفحات تنبأ فيها أنّ باستطاعة معالجات المعلومات سوف تتضاعف كل ثمانية عشر شهرا بينما تتناقص كلفة وقوّة الاستهلاك بسعة مماثلة، وقد عُرف هذا بـ “قانون مور”Moores Law“، وهو يتعلّق بمعالجة المعطيات عبر تحويل أي نوع من المعلومات تقريبا إلى رمز ثنائي؛ وسهولة استخدامها وتخزينها وإرجاعها إلى نوع مماثل من تدفق المعلومات التي تستطيع حواس الإنسانية التقاطها؛ هذا القانون لا يزال التنبؤ به صحيحاً فاليوم أصبحت سرعة الكومبيوتر أكبر من سرعته في سنة 1965 بملايين المرات؛ وتنبّأ الخبراء بأن سرعة وقوة المعالجة سوف تستمر على الأقل كل ثمانية عشر شهراً حتى نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين وعندئذ سيحلّ محلّ معالجة المعلومات بمفاتيح من السليكون للتيار الكهربائي برمجيات بصرية أو حيوية([xcvii]).

وتوجد نكتة طريفة ذكرها “توماس فريدمان” للتدليل على تسارع الدينامية التكنوـ ترونية، ففي1995 أجرى فريدمان مقابلة صحفية مع الرجل الثاني في شركة مايكروسوفت “ستيفن پالمر”: سأله فريدمان عن الدول التي يجدها قوية ولماذا؟ كانت إجابة “پالمر” في أكتوبر1995م بسيطة”إننا نقيس القوة بنسبة واحدة وهي عدد أجهزة الكومبيوتر الشخصي لكل أسرة”، إلا أنّه وبعد مدة غير طويلة من الزمن قرّر فريدمان الذهاب إلى “وادي السليكون” ليسأل شركات أجهزة الكومبيوتر والبرمجيات بجامعة ستانفورد واستغرب “فريدمان”عن إجابتهم عن نفس السؤال الذي طرحه على “ستيفن پالمر”؛ فقد أوضحوا له “أنّ وادي السليكون لم يعدّ يقيس القوة في عام1998م بمجرد أجهزة الكومبيوتر الشخصي لكل أسرة، ولكن عن طريق”درجة الإتصال“؛ فالشيء المهم هو”مدى اتساع وعمق الاتصال بين أجهزة الكومبيوتر الشخصي في بلدك وبينها وبين شبكات الاتصال داخل الشركات والمدارس ومصادر الترفيه؛ثم ربط هذه الشبكات الداخلية بالإنترنت والشبكة العالمية([xcviii])world wide web؛ كما أن عرض موجة الشبكة   _ أي كمية المعلومات التي يمكن نقلها عبر الشبكة_ لا يتضاعف فحسب كل ثمانية عشر شهراٌ حسب نبوءة قانون مور لسرعة وقوة المعالجة لكنها ستصبح ثلاثة أمثال كل اثني عشر شهراً؛ أي تزداد سرعة المعالجة أربعة أضعاف كل ثلاث سنوات وتزداد سرعة البث(النقل) سبعاً وعشرين ضعفاً؛ ويتوقع الخبراء أن تستمر الزيادة السّنوية في عرض الموجة ثلاثة أمثال في السنة خلال25 سنة المقبلة على الأقل؛ وسمّي هذا التنبؤ بـ”قانون جيلدر” وأُعطي مركزا مساويا لقانون مور([xcix]) .

وفي مقارناته الطّريفة التي يسوقها فريدمان يذكر أنه “لئن كان المقياس الذي تعرف به الحرب الباردة هو الثـّقل ولاسيما ثقل قذف الصّواريخ؛ فأن المقياس الذي يعرف به نظام العولمة هو السرعة: سرعة التّجارة والسّفر والاتصال والابتكار..،فالحرب الباردة كانت تتعلّق بمعادلة الكتلة والطاقة لإنشتاين(e=mc2 الطاقة=مربع الكتلة) أما العولمة فتتعلق بقانون مور، وفي الحرب الباردة كان السؤال الأكثر ترديداً هو “ما مدى ضخامة صاروخك؟”؛  أمّا في العولمة في العولمة فالسؤال الأكثر تريدا هو “ما مدى سرعة المودم لديك؟”([c]).والتساؤل هنا إلى أين تتجه حيوات الناس في ظلّ هذه التطورات؟

 كثيرون هم من رأوا أنه بفضل هذه الطفرة التكنو-ترونية تحقـّق “المجتمع العالمي؛ مجتمع الحميمية والتواصل والاتصال؛ مجتمع عادل ومتساو” مادام كل فرد من المجتمع يستطيع أن يلتحق “بالشبكات وبنوك المعطيات وبنظام التعلّم عن بعد والتطبيب عن بعد والتجاور عن بعد والتبادل الثقافي عن بعد…وهلّم جرّاً([ci])، إنّنا أمام ما يسميه فريدمان “قبيلة السيبرcyber tribe أو”قبيلة المعلومات”([cii])، وحتّى “بيل چيتس” يبدو أنه متفائل كثيرا بشأن أثر تلك التكنولوجيا الجديدة فهذه الأخيرة “ستجمّل وقت الفراغ وتغني الثـّقافة من خلال توسيع نطاق توزيع المعلومات كما ستساعد على تخفيف الضّغوط على المناطق الحضرية من خلال تمكين الأفراد من العمل من المنزل أومن مكاتب في مواقع بعيدة، وستساعد كذلك على تخفيف الضّغوط على الموارد الطبيعية بالنظر إلى أن أعداد متزايدة من المنتجات سيمكنها من أن تتخذ شكل “البتـّات” بدلاً من شكل “السّلع المصنّعة”؛ وستوفر بدلاً من ذلك سيطرة أكبر على حيواتنا وتتيح لتجاربنا ومنتجاتنا أن تـُفصّل طبقاً لاهتماماتنا”([ciii]) .

ومع كل هذه الأشياء الجميلة يجب فتح النقاش نحو الوجهة الأخرى لمثالب هذه العولمة الإجتياحية .

ثالثاً: مستقبل الدول القومية المستضعفة بين مخاطر التفكك وضرورات الأقلمة

    يعتقد إيان كلارك أنّه لئن كانت الحرب الباردة بمثابة سيطرة بنيوية على الطموحات العرقية ودون القومية الموجودة سلفاً؛ فإنّ ما بعدها يُعدّ انفجاراً ضخماً لهذه الطموحات والتي أصبحت تحتلّ مقدّمة المسرح([civ])، وهو ما أدّى إلى ما يسمّيه”الانقسام الكبير” أو”التفكّك“([cv])، وكلمة “التفكك” يشرحها كلارك على أنها “كلمة مقتضبة” لها بعدين: فهي من ناحية توحي بالتفتت والسيادة المطلقة “autarchy” والأحادية “unilatéralisme” والانغلاق والانعزال؛ كما تعني من ناحية أخرى التوجّه نحو القومية “nationalisme” أو الإقليمية “Régionalisme” وتضخيم المسافات المكانية والإنفصالية والتمايز؛ وكلّها عمليات لا تحدث على نطاق دولي وإنّما على مستويات متعددة تؤثر في التزامات الدول حيال مفاهيم الدولية “internationalisme ” وأنماط الإقليمية، بل وفي تماسك الدول ذاتها”([cvi]).

ـ فوضى التفكك “البناء” أو(الفوضى الخلاّقة): 

    في كتاب شهير لــ”زبيغنيو بريجينسكي عنوانه”out of order “”الفوضى” يرى فيه أن التغيّرات الدّولية التي حدثت في النظام الدولي حفزت الولايات المتحدة لتوسيع قيّمها المتعلّقة باقتصاد السّوق والدّيمقراطية؛ كما حفّزتها لزيادة قدرتها على المناورة وإعادة تشكيل القوميات والهويات والإقتصادات لمصلحة التفكك وإعادة البناء على أسُس سيطرة السّوق وقواعد قيمها وتمجيد النزعة الفردية والديمقراطية على النمط الغربي([cvii])، هذه التدخلات “فوق الوطنية”_وإن شئت_ العولمية ساهمت حسب ما يذكر جان شولت “Sholt” في فكّ ثنائية الارتباط ما بين الهوية والإقليم من جهة؛ وما بين الهويّة والسّلطة السّياسية من جهةٍ أخرى([cviii]).

      والحالة الأخيرة _حالة الإنفصام ما بين الهوية والسلطة السّياسية_ تنطبق أساساً على الدول ذات المؤسسات الضعيفة؛ وحين يُضاف إلى ذلك إضعاف سلطة الدولة وشوكتها أو التخفيف من حضورها يكون الإتّجاه حتماً صوب  استيقاظ أطر الانتماء السّابقة على الدّولة كالقبيلة والطائفة؛ أوالجهة؛ أوالتعصب المذهبي..الخ([cix])، ويكون الموقف أشدّ خطورة عندما تسيّس قضيّة الأقلّيات والقبائل(الملل والعشائر) بقصد تعزيز النزعات الإنفصالية بناءً على عدم الثـّقة بالدّولة وبالنـّظام السياسي فيما يعنيه خلدون النقيب بـ”الشبكة الاجتماعية الجديدة” والتي في ظلّها “تقدّم القواعد التي تحكم توزيع الأنصبة والحصص(الكوطات) في الحياة السياسية كما توزع البطاطا أو كما يباع البطّيخ ويُشترى في السوق”([cx]) (حالة لبنان والعراق مؤخّراً؛ وسوريا وليبيا لاحقاً).

كما أن سعي تلك الجماعات لما يسميه”غسان العزي” بـ “التأرضن” لهو خطوة جريئة باتجاه نسف أساس الكيان الذي تقوم عليه الدولة القومية ذات السيادة([cxi])، فهذا التسابق التراجيدي للطوائف قد يفضي إلى تفكّك هذه الدول؛ وشبح هذا التفكك لا تعاني منه أفريقيا وآسيا لوحدهما؛ بل وحتى دولاً غربية كـ(كندا وبلجيكا وغيرهما..)، وهو ما حدا بالمفكر الفرنسي باسكال يونيفاس إلى وضع “الانتشار الدولي”_(أي تعدّد الدول وتزايدها)_ في أولوية المخاطر التي تهدّد العالم اليوم أكثر من “الانتشار النووي”([cxii]).

وفي عبارة بليغة للأمين العام السابق للأمم المتحدة المصري بطرس بطرس غالي فيها يقول”إنّ كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان: إنّهما”العولمة والتفكك“([cxiii])؛ إذ يبقى المواطنون _حسب “بيبانوريس”_ ذوي جذور عميقة في مجتمعاتهم التقليدية مع روابط قوية من الدّم والتراب على الرغم من_أو حتى بسبب_ كل التغيّرات البنيوية التي تنتجها قوى العولمة([cxiv])؛ لذا فعالمنا عالم القرن الواحد والعشرين سيكون بالتأكيد عالم التكتلات الاقتصادية العملاقة، لكن الأكيد أيضاً أنّه عالم كيانات سياسية وثقافية صغيرة، هذه الأخيرة تتجذّر وتتعمّق كلّما ازداد هذا العالم تعولماً؛ فالملاحظ أنه بقدر ما يتعملق الاقتصاد تتعمّق الخصوصيات، وتصدق عبارة المفكر الفرنسي _دوبريه_ عندما يناقش أن هذا العالم” يزداد تشرذما بازدياد توحيده؛ فكلما تعمقت الكوننة الاقتصادية تشرذمت الأبنية السياسيةfragmegratation تشرمل“([cxv])، والسّبب لا يتعدّى الأوضاع التي تفرضها قوى العولمة_بإرادتها أو بغير إرادتها_ من حشر حياة شعوب المعمورة بين ما يسميه باربر”أبديتي العرق والروح، أبديّة العرق العاكسة للماضي القبلي، وأبدية الروح الحالمة بالمستقبل الأممي(الكوزموبوليتي)([cxvi]) .

ومنه ففي الوقت الذي تُشدّد فيه نزعة العولمة على التوسّع في الأنشطة العملية المتكاملة وخاصة في الاقتصاد والاتصالات وأوجه الممارسة الاجتماعية باتجاه نظام عالمي حقيقي؛ تأتي نزعة التفكك كرد فعل جزئي ضد النزعة الأولى لتعزَز مجدّداً المطالب المتعلّقة بالهويّات العرقية والقومية والثقافات الفردية وأشكال أصغر من الترابط السياسي([cxvii])؛ لذلك ترفض أستاذة العلاقات الدولية والإستراتيجية “ماريسون ثورين” الاختيار ما بين التجزئة والعولمة فهما برأيها متشارطان ومتلازمان؛ إذ كلما اتّجه العالم نحو العولمة أفرز بالضرورة ردود فعل دفاعية تؤكد على الهوية والخصوصية وتعارض صيرورة الانفتاح بحلول انغلاقية([cxviii])؛ هذا التشارط “المتناقض”_حسب بريجينسكي_”ناجم عن تأثيرات الثورة التكنو-ترونية وهو بذلك يشكّل الحركة الدافعة الرئيسية للتغيّر المعاصر”([cxix]).

ـ  الإتجاه نحو الأقلمة كخيار إستراتيجي:

   يرى عدد غير قليل من المحلّلين إلى القرن الحادي والعشرين أنه قرن تتحكم فيه الاعتبارات “الجيو-إقتصادية” بمعنى أنّ التفاعلات الاقتصادية بين الدول _وبغض النظر عن مشكلة الحدود_ سيُصبح لها اليد العليا في رسم السياسات الخارجية للدول وتحديد مصالحها القومية؛ من ضمن هذه التكتلات الإقليمية العديدة يمكن أن نذكر على سبيل المثال: الإتحاد الأوربي والنافتاNAFTA والآسيان والأوبك وغيرها.. ([cxx]). فالعولمة_وكما يناقش جورج سوروس_ تؤدّي إلى “اختزال قدرة الدول المنفردة على تقرير مصائرها”([cxxi])، وتتشكّل هذه التكتلات الإقليمية(السّياسية والاقتصادية ..) فيما بات يعرف بـ”الإقليمية الجديدة“New Régionalisme”، وهي في تعريفها “تشكل حالة وسيطة بين المحلية Localisation التي تدفع الجماعات والمؤسّسات لتضييق نطاق اهتماماتها(السياسية؛ الاقتصادية..)، والعولمة Globalisation التي تستهدف تحطيم الحدود الجغرافية والجمركية وتسهيل نقل الرأسمالية سياسياً واقتصادياً وثقافياً عبر العالم كلّه([cxxii])، فيتم إيجاد هذه الحالة الوسيطة من التفاعلات الإقليمية سواءً على المستوى القارّي أو على مستوى الأقاليم الفرعية بهدف دفع التكامل والاندماج في مختلف المجالات بالدرجة التي تقلّل من التبعية للعالم الخارجي دون الانعزال عنه.

 وفي ظل غموض الرؤية_كما يعتقد بهجت قرني_ واتساع حيّز المساحة الرّمادية بفعل الدّيناميات المتسارعة والمتضادة للعولمة تسعى الدولة لإيجاد هذه الوسيلة (التكتلات الإقليمية)”لضبط إيقاع هذه العولمة ومحاولة لإدارة شؤونها” والتحكّم في الانفلات المستمر(a means of gouvernance) وتنظيم وتيرته بعض الشيء إذا صعب ضبطه كلياً([cxxiii])، كما أنّ هذه الإجراءات تعطي”مفهوما تكنوقراطياً” للإقليمية الجديدة يشار إليه عادة بـ”الأقلمةRégionalisation”([cxxiv])، وهنا تتعدّد وجهات النظر من قائل بأن الأقلمة هي مقاومة للعولمة أو حتى _كما عبر سنو والطراح_  بأنها “نكسة” للعولميين؛ مستشهدين بأنّه في التدخّل في كوسوفو عام 1999كانت تكتلات إقليمية كحلف شمال الأطلسي(NATO) والإتحاد الأوربي أكثر وأشدّ فعالية من منظمة عالمية كالأمم المتحدة([cxxv])،  إلى قائل بأن الأقلمة هي”عمل مكمّل لذيوع العولمة“؛ وكأنّها خطوة من خطوات الوصول إلى العولمة الكاملة([cxxvi])، إلاّ أنّه وفي جميع الحالات وكما عبّر هيجوت “تكون الأقلمة مظهر دالّ على العولمة بلا شك وهي تتشابك مع العولمة ولا يمكن فهم واحدة في غياب الأخرى“([cxxvii]) .

والأقلمة تشكّل”مستوى اندماج مؤسساتي؛ أي أنّها مشروع ثنائي المستوى وتتعلق بالمستوى القانوني في الدولة، وعلى المستوى الواقعي تكون الأقلمة–إقتصادياً مثلاً- تحرّك من خلال الشراكة في إطار شبكة داخل الأسواق المحلية”([cxxviii])، ويعبّر عن كلّ ذلك ريتشارد هيجوت فيقول أن” تنمية الأقاليم تمثّل بعداً مهمّاً في النّظام العالمي الناشئ في فترة العولمة؛ وينبغي أن نرى اتجاهاً نحو الأقلمة كمرحلة وسيطة ومهدّئة في العلاقة بين الدّول من جهة؛ وبين اقتصاد العولمة من جهة أخرى..”([cxxix]). فالدولة الأمة كما يذكر(هيرست وطومبسون) تحافظ على قوتها في العصر الحديث من خلال الإتجاه نحو تنمية مجموعات إقليمية حيث تبقى الدول القومية هي اللاعب الرئيسي وليس نشوء نظام عالمي جديد يسمو على الدول([cxxx]).

ويُنظر هنا للعولمة الثقافية على أنها “قضية عاصفة” يصعب التحكّم بها كثيراً إلاّ أن ذلك لم يمنع من بذل بعض المحاولات من طرف حكومات معيّنة “للتحكم بالعولمة”، ولعل”العولمة المدارة -حسب تعبير بونكسيانغ يان- والتي يعتمدها النظام الصيني هي النموذج الأهم، كما توجد محاولات مشابهة يمكن تحريها في أنظمة حكم تسلطية وأخرى ديمقراطية على حدّ سواء؛ وفرنسا مثال جيد على الثانية وكما في كيوبيك وكندا عموماً؛ وفي الهند تقترح “تولاسبي ستيغاس مشروع “تصميم العولمة“، كما نرى أن حكومة مبيكي في جنوب إفريقيا تتحدث عن “بعث إفريقي” مكوناته غامضة بعض الشيء غير أن الهدف متركز أيضا على”إدارة سيرورة العولمة من خلال أفعال الدولة”([cxxxi]).

وتعتبر فرنسا مثالا نموذجيا متميَزاً في المقاومة الثقافية للمد العولمي؛ وقد هاجم الفلاّحين الفرنسيين مطاعم ماكدونالدز في1999م حماسة “لسيادة المطبخ”([cxxxii])، وخلال مؤتمر نظمته اليونسكو (بالمكسيك) رفع وزير الثقافة الفرنسي”جاك لانج” شعاراً”يا ثقافات العالم اتحدي ضدّ الغزو الثقافي الأمريكي“([cxxxiii]). لذا فقد عملت فرنسا على فرض مبدأ”الاستثناء الثقافي” في منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، وقد لاقت نجاحاً نسبياً في فرض بعض شروط الحماية دفاعاً عن ثقافتها الذاتية، وخاصة فيما يتصلّ ببرامج التلفزيون والسينما…الخ ([cxxxiv]

لذا فعلى المدى الطويل _كما يذكر كلارك_ بدلاً من أن نتصور نهاية الدولة على أيدي العولمة (أوماهي) أو وقفة صلبة للدولة ينكسر عليها مدّ العولمة، علينا بالأحرى أن نعتمد منظوراً معتدلاً يمكّننا من رؤية العلاقات الدولية وهي تشجع إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والعولمة، ثمّ تعيد التوازن لهذه العلاقة والأمر الأكثر قرباً من الواقع على وجه التأكيد _بحسب كلارك_ أن نتوقع تكيّفا جديداً بين قوة الدولة وقوى العولمة بدلاً من نصر تام لأحد هاتين القوتين([cxxxv])، ويقصد بالتكيّف Adaptability” إحداث تعديلات في النظام والهيكل الإقتصادي والاجتماعي والسياسي بل وفي الثقافة المعنية بقصد التواؤم Adjustment مع الموقف الأساسي للقوى الدافعة إلى العولمة، وهو في هذا يمكن أن يكون إيجابياً كما يمكن أن يكون سلبياً([cxxxvi]).  ويمكن أن يتخذ التكيف أربعة أشكال:([cxxxvii])

1 ـ التكيّف المقاوم: حيث تبني الدولة سياستها على أساس مقاومة البيئة الخارجية (السياسة الداخلية/العسكرية/نظام السلطة )

2 ـ التكيّف الإذعاني: وفيه تستجيب الدولة لمطالب البيئة الخارجية (كما في القطاع الإقتصادي والجمركة والتنافس) .

3 ـ التكيّف الحرّ أو المتوازن: وفيه تتمتع الدولة بإمكانات تساعد على موازنة سلوكياتها بين المطالب الداخلية والخارجية (التعليم) .

4 ـ التكيّف الوقائي أو الإستباقي: وبموجبه تقوم الدولة بانتهاج سياسات مسبقة نتيجة توقعها لتغيرات قادمة في البيئة الدولية أو المحلية وهذا ما يدخل في نطاق الدراسات المستقبلية .

خاتمة الدراسة

    أثارت العولمة بأبعادها الطرية والناعمة تساؤلات عديدة حول ماهيتها وتشابكاتها وتأثيراتها، الإتصالية والإعلامية والثقافية خصوصاً، وفي جميع الحالات ستكون “العولمة” بهذا المفهوم ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك” وهو ما أكسبها غموضاً متزايدا تختلط فيه العولمة بالأمركة والمحلية بالعالمية؛ وقد وضحنا أن عولمة القسر والرّفض واللاّعدل الإجتماعي والاختراق الثقافي غير عالمية التبادل والحوار والمثاقفة والعدل الإجتماعي العالمي، وبالرغم من أنّ العولمة ليست بالضرورة هي الامبريالية والأمركة، إلا أن الحركيات الناعمة والمتسارعة للعولمة مثل “الثقافة الشعبية“و” ثقافة الفكر العالمي” و”الحركات الدينية الجديدة” و”المحلية المعولمة “glocalisation” أخلطت حقائق العولمة بأوهامها. وهو ما دفع البحث لاستقصاء تأثيرات العولمة المباشرة على المجال الثقافي للدول المستضعفة؛ وقد وجدنا أنّه بُعيد انتهاء الحرب الباردة أوقدت نزعات العولمة وقواهاأزمة كامنة عميقة في قدرة الدولة“، سعت من خلال ذلك إلى العزف على وتر الحساسيات الطائفية ممّا ينذر بتفكك الدول لكي يعاد بنائها-بحسب بريجينسكي- على أساس ما سمّاه “أسس السوق وقيمه الديمقراطية”(التفكّك البنّاء)، وهو ما دفع إلى نقاش متصاعد حول تراجع الدولة القومية خصوصاً المستضعفة وصل ذروته بطروحات (أوماهي) حول “نهاية الدولة القومية”، وهنا الخطورة التي  تفرض على تلك الدول سواء خارج أو داخل عملية العولمة تنظيم صفوفها في سياق ما بات يعرف بـ”الأقلمة” أو “الإقليمية الجديدة” لمحاولة ضبط إيقاع هذه العملية والتقليل_على الأقل_من الإنفلات القسري والمستمرّ للأمور من أيديها. فالعولمة لن تكون من دون الدولة سوى فاشلة: اقتصادياً (فشل السوق لحاجيته للدولة “كمنظم”_تجربة جنوب شرق آسيا_)؛  وثقافياً (“العولمة المدارة”تجربة الصين،و”تصميم العولمة” تجربة الهند، و”البعث الإفريقي”تجربة جنوب إفريقيا)،  كما تعتبر فرنسا باعتارها دولة غربية مثالاً نموذجياً حول مقاومة المد الثقافي المعولم.

 وكل هذا يعني أن الدّولة القومية عموماً “قد تصاب بجراح ولكنها لن تموت” بل إن هناك تغيّر تاريخي يطرأ عليها حيث باتت “أكبر من المشاكل الصغرى وأصغر من المشاكل الكبرى”(بيل)؛ والمؤكّد هنا أنه بات لزاماً على هذه الدولة أن “تكيّف” نفسها بالنظر إلى المستجدات المحلية والوطنية والدولية، وبدلاً من التنصّل من مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية عبر الترويج لـ”تقليص أدوارها” أو “تراجعها” أو حتى الإستسلام لتسييس قضية الأقليات يجب التأكيد على التوجه نحو الإقليمية الجديدة ” وإعادة تعريف لأدوار الدولة في ظل العولمة“_وإن شئت_”تكيف Adaptabilité الدولة” عبر إحداث تعديلات في النظام والهيكل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وحتى في الثقافة المعنية بقصد التواؤم (سلباً أو إيجاباً) مع المواقف الأساسية للقوى الدافعة إلى العولمة؛ وتعتبر الدول الآسيوية نموذجا يحتذى به في هذا المجال. 

[i]-ممدوح محمود منصور،العولمة دراسة في المفهوم والظاهرة والأبعاد،الإسكندرية:أليكس لتكنولوجيا المعلومات،الطبعة الثانية2004م ص14

[ii] -جان زيغلر، سـادة العالم الجدد– العولمة ؛النهّابون؛ المرتزقة؛ الفجّر، ترجمة محمّد زكريا إسماعيل،  بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثّانية،  أيلول/ سبتمبر 2004 م ص18  ص25

[iii]– السيد ياسين، في مفهوم العولمة، ورقة قدمت إلى ندوة العرب والعولمة، في أسامة أمين الخولي(محرر)،العرب العولمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، كانون الأول/ ديسمبر 1998م ص 26

[iv] ـ هانس بيتر مارتن وهارالد شومان، فخ العولمة  الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية ، ترجمة عدنان عباس علي ؛ الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد238،  ص328-

[v] ـ بيتر تايلور  وكولن فلنت، الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر: الاقتصاد العالمي الدولة القومية، المحليات، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة كتب عالم المعرفة، العدد282 -2002م ص20

[vi]-آلڤن توڤلر، تحوّل السلطة،ترجمة فتحي بن شتوان ونبيل عثمان، طرابلس، ليبيا:الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع1990 ص34

[vii]-فرانك كيلش، ثورة الإنفوميديا الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك، ترجمة حسام الدين زكريا، الكويت:  المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،العدد253  يناير 2000.

[viii]-فريدريك جيمسون،”العولمة والإستراتجية السياسية“ترجمة شوقي جلال،مجلة الثقافة العالمية، العدد 104يناير 2001  ص33

[ix]-محمد شومان،”عولمة الإعلام ومستقبل النظام الإعلامي العربي” مجلّة عالم الفكر،العدد الثاني أكتوبر/ديسمبر1999 ص 160

[x]-السيّد ولد أباه،اتجاهات العولمة،إشكالات الألفية الجديدة،الدار البيضاء/المغرب:المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى2001 ص15

[xi]-عبد الإله بلقزيز،العولمة والهوية الثقافية عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة،ورقة قدّمت لندوة العرب والعولمة مرجع سابق ص314

[xii]ـ عبد الخالق عبد الله،”العولمة جذورها فروعها وكيفية التعامل معها”مجلّة عالم الفكر، الكويت المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب المجلّد 28- العدد الثاني  أكتوبر/ديسمبر1999م ص77

[xiii]– عبد الخالق عبد الله،”عولمة السياسة والعولمة السياسية”، مجلة المستقبل العربي، العدد،278  أبريل 2002 السنة 24 ص27

[xiv]ـ  قاسم حجاج”العولمة والتنشئة السياسية”، مجلة السياسة الدولية، العدد 159 يناير 2005، المجلد 40 ص25

[xv]-فضيلة دليو(وآخ)، فعاليات اليوم الدراسي الوطني الأول لمخبر علم اجتماع الاتصال، قسنطينة:جامعة منتوري1422 هـ_2002م ص76

[xvi]-السيد أحمد مصطفى عمر،إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك في: أحمد ثابت (وآخ)العولمة وتداعياتها على الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الأولى، كانون الثاني/ يناير 2003  ص164

[xvii]-عبد الإله بلقزيز، العولمة والهوية الثقافية،عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة، مرجع سابق ص318

[xviii]-محمد عابد الجابري،العولمة والهوية الثقافية عشر أطروحات، ورقة قدمت إلى ندوة العرب والعولمة، مرجع سابق ص302

[xix]ـ فضيلة دليو(وآخ)، مرجع سابق  ص107

[xx] ـمحمود حيدر”السيادة في تحولات العولمة الدولة المغلولة” مجلّة شؤون الأوسط، العدد 100أكتوبر- نوفمبر 2000 ص 67

[xxi]-خلدون حسن النقيب،الدولة التسلطية في المشرق العربي، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية شباط/فبراير1996 ص49

[xxii]-جوران توربون،العولمات الأبعاد والموجات التاريخية والمؤثرات الإقليمية، ترجمة بدر الرفاعي” مجلة الثقافة العالمية، الكويت: المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، العدد 106 مايو 2001 ص 10

[xxiii]-هانس كونغ، أخلاق عالمية  أساسا لمجتمع عالمي،في:فرانك جي لتشز وجون بولي،العولمة- الطوفان أم الإنقاذ الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية، ترجمة فاضل جتكر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية؛المنظمة العربية للترجمة الطبعة الأولى،آذار/ مارس2004 ص98

[xxiv]ـ تعقيب عبد الإله بلقزيز، على ورقة السيد ياسين، في مفهوم العولمة، ندوة العرب والعولمة، مرجع سابق ص 69

[xxv]-Naomi Chomsky, its imperialism stupid!!. at website :http:// Khaleejtimes.Com/dip lag article asp? File

[xxvi]ـ  أحمد مفلح” أزمة الرأسمالية”مجلة شؤون الأوسط ،العدد 101 شتاء 2001 ، ص 258

[xxvii]ـ سمير أمين، جيو سياسية الامبريالية المعاصرة،في سمير أمين[وآخ] العولمة والنظام الدولي الجديد، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، كانون الأول /ديسمبر2004م ص 12

[xxviii]-سمير أمين،الفيروس الليبرالي، الفيروس الليبرالي الحرب الدائمة وأمركة العالم، ترجمة سعد الطويل،الجزائر، بيروت: منشورات آنيب ANEPدار الفارابي، الطبعة الأولى  2004  ص 25

[xxix]-بركات محمّد مراد”ثقافة المجتمعات في مواجهة العولمة الثقافة العربية والتطلّعات المستقبلية”مجلة شؤون الأوسط،العدد120 خريف2005 ص90

[xxx] -سمير أمين، الفيروس الليبرالي ، مرجع سابق ص 25

[xxxi] -كلود كاتز[وآخ]، إمبريالية القرن الواحد والعشرين، القاهرة: مركز البحوث العربية والإفريقية ،  ص31

[xxxii]– سعيد اللاوندي،  بدائل العولمة، طروحات جديدة لتجميل وجه العولمة القبيح، القاهرة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الثالثة، أكتوبر 2004م ص 127

[xxxiii]-كمال حماد،”العولمة الأمريكية العسكرية من أفغانستان إلى العراق” مجلة شؤون الأوسط، العدد120، خريف 2005 ص 51

[xxxiv]– سويم العزي، أواليات الهيمنة الأمريكية على العالم، مجلة شؤون الأوسط  العدد 107  صيف ،2002 ص 87

[xxxv]–  سمير أمين، الفيروس الليبرالي،مرجع سابق . ص 53

[xxxvi]– برهان غليون سمير أمين،ثقافة العولمة وعولمة الثقافة،دمشق دار الفكر الطبعة الأولى1420هـ 1999م ص 44

[xxxvii]– محمد عابد الجابري،  العولمة والهوية الثقافية؛ ندوة العرب والعولمة، مرجع سابق ص 300

[xxxviii]-أنظر تعقيب عبد الخالق عبد الله على ورقة پول سالم،الولايات المتحدة والعولمة، ندوة العرب والعولمة، مرجع سابق ص 273

[xxxix] -ينـّون مصطفى، مستقبل الدولة القومية في إطار الوضع الدولي الجديد، ورقة قدمت الملتقى الـدولي الذي نظّمته كلية العلوم السياسية والإعلام بعنوان“الدّولة الوطنية والتحولات الدّولية الراهنة”الجزائر1424هــ-2003م  منشورات كلية العلوم السياسية والإعلام.ص 485

[xl]-Samuel Huntington   the lonely super power foreign Affairs vol 78. ـ march-april 1999, pp35- 49

[xli]– غسان العزي،”11 أيلول2001 والنظام الدولي تغيرات مفهومية محتملة”مجلة شؤون الأوسط، العدد105 شتاء 2002 ص 41

[xlii]-حسن أبو طالب،”هل يتجه النظام الدولي نحو التعددية القطبية،”مجلة السياسة الدولية العدد161 يوليو2005 المجلد40 ص198

[xliii]– توماس فريدمان، السيارة ليكساس وشجرة الزيتون  محاولة لفهم العولمة، ترجمة ليلى زيدان ،القاهرة: الدار الدولية للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 2000 ص 480

[xliv]المرجع نفــــسه  ص 481

[xlv]-بول سالم،الولايات المتحدة والعولمة؛معالم الهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين؛ورقة قدمت لندوة العرب والعولمة،مرجع سابق ص209

[xlvi] – نيل م روزندروف، العولمة الاجتماعية والثقافية، في: جوزيف ناي وجون دوناهيو، مرجع سابق  ص 172

[xlvii]– برهان غليون  سمير أمين،  ثقافة العولمة وعولمة الثقافة  مرجع سابق ص 40

[xlviii] – هانس بيتر مارتن  وهارالد شومان،  مرجع سابق ص 306

[xlix]– ممدوح محمود منصور، مرجع السابق ص 15

[l] -جوران توربون، مرجع ســــابق  ص13

[li] -منذر الشرع، عولمة الإقتصادات الوطنية، في: أحمد صدقي الدّجاني[ وآخ] ندوة “العولمة وأثرها في المجتمع والدولة”(أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتجية، الطبعة الأولى،  2002م ص105

[lii] – أولريش بيك، ما هـي العولمة؟ ترجمة أبو العيد دودو، كولونيا(ألمانيا): منشورات الجمل، الطبعة الأولى1999م ص129

[liii]-جوزيف س ناي وجون دوناهيو،الحكم في عالم بتّـجه  نحو العولمة،الرّياض: مكتبة العبيكان، الطبعة العربية الأولى1423هـ 2002م ص18

[liv]– ممدوح محمود ، منصور  العولمة، مرجع سابق ص 18

[lv]ـ منصور بن لرنب، الإنسانية بين واقع صدام الهمجيات وآفاق التطلع إلى عالمية الحوار الحضاري، ورقة قدمت إلى ملتقى الدولة الوطنية والتحولات الدولية الراهنة، مرجع سابق  ص370

[lvi]-محمد فهيم يوسف”حقوق الإنسان في ضوء التجليات السياسية للعولمة، عولمة حقوق الإنسان أم عولمة الفهم الغربي لحقوق الإنسانمجلة المستقبل العربي، العدد 235 أيلول  سبتمبر1998 السنة 21 ص 66

[lvii]-أحمد صدقي الدجاني،  العولمة رؤية تحليلية، مرجع سابق ص 27

[lviii]-جوزيف ناي  وجون د دوناهيو، مرجع سابق  ص 19

[lix]– غسان سنو  وعلي الطراح ، العولمة والدولة- الوطن والمجتمع العالمي دراسات في التنمية والاجتماع المدني في ظلّ الهيمنة الإقتصادية العالمية، بيروت: دار النهضة العربية الطبعة الأولى،2002م 1422 هـ.ص 26

[lx]-عبد الأمير السعد،العولمة مقاربة في التفكير الاقتصادي، في سمير أمين[وآخ]العولمة والنظام الدولي الجديد، مرجع سابق ص88

[lxi]-أنظر مداخلة:أحمد صدقي الدجاني، تعقيباً على ورقة سمير أمين، في مفهوم العولمة، ندوة العرب والعولمة مرجع سابق ص 63

[lxii]-علي الشايب،”العولمة والثقافة الإسلامية” مجلة الهداية، تونس العدد1و2 السنة 25  1421- 2000ص 34

[lxiii]-ممدوح محمود منصور، العولمة ، مرجع سابق  ص 16

[lxiv]-محمد عابد الجابري، العولمة والهوية الثقافية عشر أطروحات، ورقة قدمت إلى ندوة العرب والعولمة، مرجع سابق ص 301

[lxv] ـ  المرجع نفسه  ص 301

[lxvi] ـ  منصور بن لرنب،  مرجع سابق ، ص 372

[lxvii] ـ محمد عابد الجابري،  العولمة والهوية الثقافية، مرجع سابق ص 301

[lxviii] – توماس فريدمان،  مرجع سابق  ص ص 52 – 53

[lxix]– مارك هاينز دانيال، عالم محفوف بالمخاطر ـ استراتيجيات الجيل القادم في عصر العولمة ، تعريب أدهم شاكر عضيمة، الرياض: مكتبة العبيكان، الطبعة العربية الأولى 1423 هـ ـ 2002 ص 102

[lxx]–  توماس فريدمان،  مرجع سابق  ص30

[lxxi] –  أولريش بيك، مرجع سابق ص 69

[lxxii]–  بيتر آل بيرغر،آليات العولمة الثقافية ،في:  بيتر آل بيرغر، صموئيل هانتنغتون، عولمات كثيرة  التنوع الثقافي في العالم المعاصر؛ ترجمة فاضل جتكر، الرياض: مكتبة العبيكان 2004م  ص 14

[lxxiii]–  سعيد اللاوندي، مرجع سابق ص 19

[lxxiv]-عبد الجليل كاظم الوالي،جدلية العولمة بين الاختيار والرفض”، مجلة المستقبل العربي ،العدد275 السنة24 جانفي/2002_ص  66

[lxxv]– هربرت شيللر،المتلاعبون بالعقول،ترجمة:عبد السلام رضوان، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الطبعة الأولى 1986م ص 152 – 159

[lxxvi]– لتفصيل أوضح حول هذه الأنماط من التسليع، الرجوع إلى : سمير أمين ، فرانسوا أوتار، مناهضة العولمة،حركة المنظمات الشعبية في العالم ـ القاهرة: مكتبة مدبولي الطبعة الأولى 2004 ص270

[lxxvii]– هسين هوانغ مايكل هسياو، التعايش والتركيب, العولمة والأقلمة الثقافيتان في تايوان المعاصرة، في بيتر آل بيرغر ؛ صموئيل هانتنغتون،  عولمات كثيرة  مرجع سابق ص 84

[lxxviii] – بيتر آل بيرغر ، آليات العولمة الثقافية،  مرجع سابق ص 16

[lxxix]– نيل روزندروف، العولمة الاجتماعية والثقافية، في  جوزيف ناي جون دوناهيو ، مرجع سابق ص185

[lxxx]–  هانس بيتر مارتن  هارالد شومان ، مرجع سابق ص 45

[lxxxi]–  المرجع نفسه  ص 46

[lxxxii]–  أولريش بيك ، مرجع سابق ص 54

[lxxxiii]-Djamel Bouadgimi,”Nouvelles technologies de L’information et de la communication: réflexions sur les Notions de mondialisation ‚état et  territoire A l’ère de la société de l’information” magazine algérien de science politique. Issue 2. 2002 p     113

[lxxxiv]-جيمس ديفيسون هنتر وجوشواييتس،في طليعة العولمة الأمريكية، في:بيتر آل بيرغر صموئيل هانتنغتون،عولمات كثيرة،مرجع سابق ص485

[lxxxv]– أولريش بيك ،مرجع سابق ص 78

[lxxxvi] –  توماس فريدمان،  مرجع سابق ص 374

[lxxxvii] –  بيتر آل بيرغر، آليات العولمة الثقافية، في:عولمات كثيرة،  مرجع سابق ص 28

[lxxxviii] – توماس  فريدمان، مرجع سابق   ص374

[lxxxix]–  المرجع نفسه  ص ص 376 -377

[xc]– حيدر إبراهيم،”العولمة وجدل الهوية الثقافية”،  مجلة عالم الفكر،  أكتوبر/ ديسمبر 1999 م ص 106

[xci]–  أحمد مجدي حجازي، ،” العولمة وتهميش الثقافة الوطنية”، مجلّة عالم الفكر، العدد الثاني، أكتوبر/ديسمبر 1998م ص 127

[xcii] – أنطوني جيدنز، عالم جامح – كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا  ترجمة عباس كاظم وحسن كاظم،  بيروت: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2003م ص 31

[xciii]–  وليد عبد الحي  [وآخ]، آفاق التحولات الدولية المعاصرة، عمّان الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع، مؤسّسة عبد الحميد شومان  الطبعة العربية الأولى 2002  ص 33

[xciv]– ولتر  ب رستون ، أفول السيادة كيف تحول ثورة المعلومات عالمنا، ترجمة سمير عزت نصار وجورج خوري،عمان: دار البشر للنشر والتوزيع 1994 ص24

[xcv]– ثامر ك محمد،”تكنولوجيا المعلومات والدولة الوطنية”،مجلة شؤون الأوسط ،العدد 100 أكتوبر- نوفمبر2000 ص36

[xcvi]– ألفن توفلر، تحوّل السلطة، ترجمة فتحي بن شتوان و نبيل عثمان، طرابلس- ليبيا: الدار الجماهيرية  للنشر والتوزيع  1990 ص34

[xcvii]– فيكتور ماير شوبيرغر، ودبيوراهيرلي،عولمة الاتصالات، في:جوزيف ناي وجون دوناهيو،مرجع سابق ص ص 199- 200

-[xcviii] توماس فريدمان، مرجع سابق، ص ص 271 إلى 273

[xcix]– فيكثور مايرديبوراهيرلي، عولمة الاتصالات،  في:  جوزيف ناي وجون دوناهيو،  مرجع سابق  ص 201

[c]– توماس فريدمان،  مرجع سابق  ص33

[ci]–  يحيى اليحياوي ، العولمة أية عولمة؟المغرب: إفريقيا الشرق 1999م  ص 125

[cii]–  توماس فريدمان،  مرجع سابق ص  282

[ciii]– بيل جيتس، المعلوماتية بعد الإنترنت – طريق المستقبل ترجمة عبد السلام رضوان، الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ،سلسلة عالم المعرفة ،العدد 231 مارس 1998م، ص 341

[civ]-إبان كلارك،العولمة والتفكّك، ترجمة ونشر أبو ظبي: مركز الإمارات للدّراسات والبحوث الإستراتيجية، الطبعة الأولى2003م ص291

[cv] –  جنز بارتلسون،  ثلاث مفاهيم للعولمة  مرجع سابق ص 34

[cvi]–  إبان كلارك ، مرجع سابق  ص 08

[cvii]– نقلاً عن: كمال حماد، العولمة الأمريكية العسكرية  مرجع سابق ص 47

[cviii]-جنز بارتلسون،ثلاث مفاهيم للعولمة”، ترجمة سعد زهران”مجلة الثقافة العالمية، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، العدد  106مايو 2001 ص 42

[cix]– محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر العولمه-صراع الحضارات -العوده الي الاخلاق-التسامح-الديمقراطيه و نظام القيم-الفلسفه و المدينه، بيروت:  مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الاولى، 1997  ص 149

[cx]– خلدون حسن النقيب، مرجع سابق ص 147

[cxi]– غسان العزي،”سوسيولوجيا القوى العظمى”، مجلة شؤون الأوسط، العدد 100، أكتوبر- نوفمبر 2000م ص 133

[cxii]–  السيد ولد أباه، مرجع سابق ص 59

[cxiii]–  هانس بيتر مارتن هارالد شومان، مرجع سابق ص 68

[cxiv]– بيبانوريس، حكم عالمي ومواطنون عالميون، في  جوزيف ناي وجون دوناهيو، مرجع سابق ص 230

[cxv]–  أحمد مجدي حجازي، مرجع سابق ص 127

[cxvi]– بنيامين باربر، الجهاد في عالم ماكدونالد، في: فرانك جي لتشز  وجون بولي،العولمة الطوفان أم الإنقاذ الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية، ترجمة فاضل جتكر،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية؛ المنظمة العربية للترجمة  الطبعة الأولى آذار/مارس2004 ص 48

[cxvii]– إبان كلارك، مرجع سابق ص 295

[cxviii]– كمال حماد،  مرجع سابق ص 46

[cxix]– محمود حيدر، مرجع سابق ص 57

[cxx]-محمد إبراهيم منصور،”العولمة ومستقبل الدولة القطرية في الوطن العربي”، مجلة المستقبل العربي، العدد282 أوت/2002 السنة25 ص146

[cxxi]–  فرانك جي لتشز  وجون بولي ،  مرجع سابق ص 22

[cxxii]– عاصم المشرف، “قراءة في مؤتمر الأبعاد الدولية للتنمية”، مجلة السياسة الدولية ، العدد 149  يوليو 2002  المجلد 37  ص 263

[cxxiii]– بهجت قرني، التكتلات الاقتصادية والعولمة حيلة الدولة للفكاك من المعصرة،  في أحمد صدقي الدجاني [وآخ]،  مرجع سابق ص 92

[cxxiv]– فرانك بيليي، معجم بلا كويل للعلوم السياسية، ترجمة ونشر مركز الخليج للأبحاث، الطبعة العربية الأولى 2004 ص 570

[cxxv]–  غسان سنو و علي الطراح،  مرجع سابق ص 54

[cxxvi]-السيد ياسين، الحوار الحضاري في عصر العولمة، مصر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع،الطبعة الثانية، أغسطس 2002 ص247

[cxxvii]-ريتشارد هيجوت، العولمة والأقلمة:اتجاهان جديدان في السياسة العالمية، سلسلة محاضرات الإمارات-25- أبو ظبي مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية 1998م ص 35

[cxxviii]-ونيسة الحمروني الورفلي،العــولمة والـــدولة- دراسة أثر العولمة على وظائف السلطة السّياسية، طرابلس (الجماهيرية اللّيبية العظمى)، منشورات أكاديمية الدّراسات العليا، الطبعة الأولى، 2004م ص 67

[cxxix]– ريتشارد هيجوت،  مرجع سابق ص 35

[cxxx]– بيبانوريس،حكم عالمي ومواطنون عالميون، في :جوزيف ناي جون دوناهيو مرجع سابق  ص 223

[cxxxi]– بيتر إل بيرغر، صموائيل هانتنغتون، عولمات كثيرة  مرجع سابق ص 34

[cxxxii]– روبرت كوهين  وجوزيف ناي، مرجع سابق ص ص 25_ 26

[cxxxiii]– ممدوح محمود  منصور، مرجع سابق ص 15

[cxxxiv]-جان زيغلر، سـادة العالم الجدد– العولمة ؛النهّابون؛ المرتزقة؛ الفجّر، ترجمة محمّد زكريا إسماعيل، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثّانية،  أيلول/ سبتمبر 2004 م ص 281

[cxxxv] – إيان كلارك، مرجع سابق ص 328

[cxxxvi]-لمزيد من التفصيل حول هذه النقطة: أحمد البرقاوي[وآخ]، الدولة الوطنية وتحديات العولمة في الوطن العربي، القاهرة: مكتبة مدبولي الطبعة الأولى2004م ص 307

[cxxxvii]-وليد عبد الحي، تحول المسلمات في نظرية العلاقات الدولية، الجزائر: دار الشروق للنشر 1994م  ص67

****************

الإسم واللقب: زبــيري رمضــان                            

التخصص:  تنظيمات سياسية وإدارية      

الوظيفة: أستاذ جامعي                                     _ الدرجة العلمية: أستاذ محاضر أ

المؤسسة: جامعة الدكتور مولاي الطاهر سعيـــدة

الهاتف: 81 07 28  661+213    _البريد الإليكتروني:  zebiri_ramdane@yahoo.fr

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button