دراسات عسكرية

(الأدبية والزيتية) فِيّ ذِكرَىّ نَصر اكتُوبَر… نموذجًا للتعاون العسكري الجزائري المصري

د.محمـد عبدالـرحمـن عريـف عضو الاتحاد الدولي للمؤرخين.
كاتب وباحــث في تاريخ العرب الحديث والمعاصر وتاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.

في الذكرى الثالثة والأربعين لنصر اكتوبر نتذكر الجندي الجزائري بجوار شقيقه المصري، طبقًا للشهادة النادرة لمدير الحرب الالكترونية عام 1973، اللواء جمال مظلوم للشروق الجزائرية حول دور الجزائر في الحروب العربية-الإسرائيلية، ويثني مظلوم على الجندي الجزائري، ويصفه بـ”الشجاع والقدام” ويزيد أن القوة الجزائرية كانت في الخطوط الأمامية في مواجهة العدو الصهيوني وأنها غطت باقتدام الخطوط الخلفية للجيش المصري عقب نجاح قوات إسرائيلي في عبور قناة السويس ومحاصرة “الجيش الثالث” وهو ما يعرف بـ”الثغرة”. لقد كان الدعم والمشاركة الجزائرية يفوق ما توقعه المصريون.
شاركت الجزائر مصر ضمن مشاركة 9 دول عربية في الحرب بخلاف كل من مصر وسوريا بكل من: القوات البرية: اللواء الثامن مدرع وصل مصر في 17 كتوبر 1967 مونة من حوالي 2000 مقاتل، 800 عربة 50 شاحنة وقود قطعت حوالي 3000 كم من الأراضي الجزائرية إلى مصر. القوات الجوية: 3 أسراب مقاتلة:

سرب طائرة سوخوي قاذفة، سرب ميغ – 17.، سرب ميغ – 21 بإجمالي حوالي 50 طائرة والمشاركة من القوات الجوية كانت كبيرة بالنسبة للقوات التي دخلت الحرب ووصلت في الأيام من 9-11 أكتوبر.

خلال زيارة الرئيس الجزائري هواري بمدين للاتحاد السوفيتي عقب نشوب حرب أكتوبر 1973 قدّم الرئيس الجزائري مبلغ 200 مليون دولار مقدمًا لحساب مصر وسوريا بواقع 100 مليون دولار لكل بلد ثمنًا لأي قطع ذخيرة أو أسلحة يحتاج لها البلدان، حيث استشرط الاتحاد السوفيتي آنذاك السداد نقدًا ثمنًا لأي أسلحة ترسل للبلدين.
في الحقيقة جاء وصول القوات الجزائرية إلى مصر في توقيت حرج للغاية، فالقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية كانت في هذا الوقت قد دفعت باحتياطياتها إلى الجبهة ولم يكن لدى القيادة العامة قوات للتعامل مع القوات الاسرائيلية التي نجحت في العبور إلى غرب القناة في الخامس والعشرون أكتوبر 1973 ثم دفع القوات الجزائرية إلى قطاع الجيش الثلاثة للدفاع عن الجيش الثالث الميداني ودفعت لقتال القوات الاسرائيلية في منطقة سيناء ومنطقة الزيتية وأبلت القوات الجزائرية بلاء حسنا في قتال المباشر مع القوات الاسرائيلية التي عبرت إلى غرب قناة السويس.

فى مذكراته – على الجبهه المصريه – شاهد على الاحداث – يروى الجنرال خالد نزار قائد القوات الجزائريه فى حرب 73 ووزير الدفاع الاسبق يوميات ابطال الجيش الجزائرى مع اخوانهم المصريين فى السويس خلال ايام الحرب العصيبه ويكشف عن اسرار اذهلت العالم واعادت النظر فى المفاهيم والنظريات العسكرية الحديثة بعد معارك كانت سببًا فى التهديد باستخدام الاسلحة النوويه والكيمياوية.
دافيد اليعازر، رئيس الأركان الصهيوني، الذى شاهد أول هزيمة لكيانه، ما حدث لقواتنا فى ميناء الأدبية كان نتيجة للاستهانة والاستهتار بعدد وعتاد الوحدات الجزائرية. لقد توقع شارون المغرور أن الجزائريين بأسلحتهم البدائية سيفرون بمجرد رؤية دباباته. لكنهم نصبوا له الفخ، فخسرنا فى يوم واحد 900 قتيل من أفضل رجالنا وفقدنا 172 دبابة.
وحينما سئل ديان عن قراره وخطة الهجوم على الأدبية أجاب قائلا: مثلما حدث فى بقية مجريات الحرب. المصريون خدعونا وجعلونا نعتقد أن ميناء الأدبية غير محصن. كلفوا القوات الجزائرية بمهمة حمايته. فبينما خططنا على أساس معلومات تؤكد لنا أن تلك النقطة الاستراتيجية فى متناولنا، فحاولنا الاستيلاء عليه فى الأيام الأولى للحرب، وصلتنى رسالة تفيد بإطلاق بطاريات الصواريخ والمدفعية الثقيلة للقوات الجزائرية النيران بكثافة على المواقع التى انطلق منها القصف الإسرائيلى على الأدبية، هنا شعرت أننا وقعنا فى فخ خطير، وأن العدو نجح فى استدراجنا بخبث لم نعهده فى حروبنا السابقة معه، وأن كارثة على وشك الحدوث، فحاولت الاتصال بالجنرال شارون ليوقف الهجوم ولكنه كان مجنونا.

«توماس مورير»، عضو هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أثناء حرب أكتوبر، والذى يقول فى مذكراته: اندفعنا بقوة صوب الأدبية تسبقنا قذائف دباباتنا. وما أن توغلنا فى عمق المنطقة حتى وجدنا أنفسنا محاصرين من كل الجهات. كانت دباباتنا تنفجر بمعدل ثلاث إلى أربع دبابات فى الثانية، فظننت أننا سقطنا فى حقل ألغام. لكن أصوات الأعداء كانت تأتى من كل الاتجاهات، يقولون قولتهم الشهيرة «الله أكبر» وهم يمطروننا بالصواريخ المحمولة كتفا «آر.بي.جي»، المفاجأة شلت أيدينا وعقولنا. لم نتمكن من إطلاق قذيفة واحدة عليهم. لقد كانوا قريبين جدًا. ولم تمر دقائق حتى دمر اللواء المدرع بأكمله، فى حين لم تصمد قوات المظليين لأكثر من 30 دقيقة. وأبيدت عن آخرها. فقفزنا من دبابتنا المحترقة تسترنا النيران المشتعلة فى كل مكان، حتى قفزنا فى مستنقع عشبي، أخذنا نسبح والنيران تلاحقنا.

قبل التعمق فى البحث عما جرى فى معركة “الزيتية” أو الثغرة الثانية، نتوقف مع المؤرخ “شفتاى تيبت” الذى يروى تفاصيل فرار شارون من القوات الجزائرية بعد هزيمته فى «الأدبية»، تيبت أدلى بشهادته تلك أمام لجنة التحقيق «أجرانات»، فقال: أعترف أننى انسحبت من ميدان القتال فى أشد اللحظات حرجًا فى تاريخ دولة «إسرائيل». لم تكن مبررات انسحابى بالهينة. فى الواقع لم أكن أريد أن أسجل اسمى فى قائمة صانعى هزائم “إسرائيل”، لكننى أيضًا لم أكن أريد أن تسير “إسرائيل” إلى حتفها على يد شارون.
كان فى تصور اليهود وهم يعلنون عن سقوط السويس أن إنجاز هذا الهدف بات قريبًا, لكنه لم يكن سوى الثمرة المحرمة، فقد انقض عليهم أهالى مدينة السويس، ولم يكتفوا بصد محاولات اقتحامها، بل وطاردوا العدو على مشارف المدينة ومن حولها، فدمروا للعدو 103 دبابات وكبدوه 280 قتيلا، فى الوقت ذاته تقدمت المجموعة رقم 39 صاعقة بقيادة الشهيد العقيد «إبراهيم الرفاعي» لتكسر الحصار المفروض على القوات الجزائرية، فتصدى 50 رجلا لمدرعات العدو وقاتلوا ببسالة حتى استشهدوا جميعًا بعد أن نجحوا فى فتح ثغرة كبيرة فى صفوف اليهود مكنت المقاومة الشعبية الباسلة من التدفق من خلالها لتنجح فى تشتيت قوات العدو، وإيصال المؤن والذخيرة للقوات الجزائرية وتدعيمها بأعداد أكبر للذود عن مواقعهم وللحيلولة دون انسحابهم وترك الباب مفتوحا لليهود من جهة الجنوب.

خلال أربعة أيام من أعظم الأيام المشرفة فى تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، باتت الزيتية ساحة إلتأم فيها شمل الأمة لقتال عدوها الأبدي، فشارك الجميع فى القتال، قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية، ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية المصرية. وفوق كل هذا وذاك تبقى شاهدة على تعاون عسكري جزائري مصري في جبهة واحدة، إنها حقًا معركة الأدبية والزيتية فِيّ ذِكرَىّ نَصر اكتُوبَر… ستبقى نموذجًا للتعاون العسكري الجزائري المصري
————
د.محمـد عبدالـرحمـن عريـف عضو الاتحاد الدولي للمؤرخين.
كاتب وباحــث في تاريخ العرب الحديث والمعاصر وتاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية.

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى