التحضير لشهادة البكالورياقضايا فلسفية

مقالة فلسفية: اللغــة والفكر

 المشكلة  : اللغــة والفكر

مقدمة: طرح المشكلة

إننا إذا أردنا أن نبحث عن حقيقة الإنسان وعن طبيعة مدركاته  أو حاولنا البحث عن حقيقة المعرفة فإننا لا نستطيع أن نكشف عن كل ذلك إلا بواسطة اللغة، وهذا لأن اللغة الأداة التي تحدد علاقاتنا مع عالم الأشياء وتحقيق التواصل مع غيرنا ومن هذا الأساس المحوري لظاهرة اللغة كان لا بد على الباحث والمتعلم في آن واحد من البحث عن بيان طبيعة اللغة وفهم حقيقتها والكشف عن أهميتها.

     لقد ارتبطت اللغة دوما بطبيعة متميزة وأهمية خاصة ، وفي رحلة البحث عن بيان طبيعتها والكشف عن أهميتها وجب أن نتساءل : إذا لم تكن اللغة مجرد أصوات نحدثها ولا مجرد رسوم  نخطها فما عساها أن تكون ؟  أليست عبارة عن إشارات ورموز نبدعها لتساعدنا على تنظيم حياتنا الداخلية وعلى تحقيق التواصل مع غيرنا فضلا عن تحديد علاقاتنا مع عالم الأشياء ؟

  1. طبيعة اللغة كظاهرة إنسانية :

أولا: مفهوم اللغة:

اللغــة على العموم هي: ((  مجموعة من الرموز والإشارات والأصوات المفيدة )).

واللغة عند الجرجاني: (( هي ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم )).

وقد عرفها جمال الدين بوقلي حسن في كتابه ( قضايا فلسفية ) : (( الاستعداد في خلق الإشارات واستعمالها استعمالا قصديا)).

ثانيا: أشكال التعبير الانفعالي:

يعد التعبير من المهام الأساسية في اللغة لأنه ينقل انفعالاتنا وعواطفنا وأفكارنا من الداخل إلى الخارج باعتماد الكلمات أو بحركات اليد أو بهز الرأس أو بتغيير ملامح الوجه، وهذا التعبير لا يختص به الإنسان فقط لأن الحيوانات أيضا تعبر عن انفعالاتها و حاجاتها الضرورية بجملة من الأصوات و الحركات، لكن هل معنى هذا أن للحيوان لغة مثل لغة الإنسان ؟

إن الحديث عن لغة الحيوان والقول بلغة النمل ولغة النحل ولغة الطيور ولغة القردة… ما هو إلا استعمال مبالغ فيه لكلمة (( لغة)) لا يعدو أن يكون مجرد استعمال مجازي فقط وليس المقصود اللغة بالمفهوم الذي هو عند الإنسان، حتى وإن امتلأ عالم الحيوان بالإشارات لأنها ليست من اللغة في شيء:

       ـ فهي تنحصر في التعبير البيولوجي وإرضاء الحاجات الغريزية التي تمثل اللحظة الراهنة كما يعيشها الحيوان فهي تعبير فطري وراثي لا يعرف نموا ولا تطورا ولا يمكن للحيوان أن يغيره أبدا.

      ـ  إن لغة التعبير الحيواني محدودة ومغلقة فأفراد النوع الواحد لا يتمايزون فيما بينهم فيها فكل واحد منهم معد ومجهز فطريا للتعبير عن بعض الحالات الطبيعية المرتبطة بالحياة فقط، وهذا يدل على أنها لا تعبر عن أي وعي ولا يسبقها تفكير بل هي انعكاسات شرطية لبيئة معينة ( بحسب النوع ).

      ـ إن لغة الحيوان لا تخرج عن شكل التعبير الانفعالي المرتبط بضرورة الحياة وحفظ البقاء، و لا ترقى إلى مستوى اللغة الإرادية القصدية الواعية وهذا ليس بسبب نقص الأعضاء المادية بل بسبب غياب العقل والفكر.

مما يجعل من اللغة الحقة من نصيب الإنسان لأنها تتجاوز التعبير الانفعالي إلى مستوى لغة التفكير والوعي والعمليات العقلية المعقدة.

ثالثا: التعبير من التكيف إلى الوعي:

 إن التعبير بصورة عامة يتخذ شكلين:

  • إما أن يكون طبيعيا فطريا ( التعبير الانفعالي ): فاحمرار الوجه مثلا يدل على الخجل،  والتبسم والضحك يدل على الرضا، والصراخ والبكاء يدل على الألم والحزن…  إن هذا الشكل من التعبير يشترك فيه الإنسان مع الحيوان لأنه يعبر عن الانفعالات وضرورات الحياة.
  • إما أن يكون التعبير وضعية اصطلاحية : وهو مرتبط بالوعي والتفكير واستخدام العمليات العقلية المعقدة، وهو من اختصاص الإنسان وحده لكونه إراديا ومقصودا ويقوم على نسق من الرموز والإشارات التي اتفق عليها البشر وتواضعوا عليها قصد التفاهم بينهم وتكتسب بالتعلم والتجربة.

كل ذلك يجعلنا نستنتج أن الإنسان وحده يمتلك القدرة والإمكانية على استخدام شكلي التعبير سواء الانفعالي منه أو الاصطلاحي والمرتبط بالوعي، والقدرة على إنشاء وإبداع الإشارات واستعمالها مما يجعل من اللغة أداة تواصل إنسانية خالصة.

رابعا: اللغة خاصية إنسانية:

اللغة ظاهرة وخاصية إنسانية عامة لأن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على ترجمة أفكاره ونقلها إلى غيره عن طريق الألفاظ والعبارات أو عن طريق الرموز والإشارات مع وعي هذا الفعل وما يقصد إلية، وهذا ما يعطي الإنسان القدرة على اصطناع اللغة وابتكار رموزها وإشاراتها، وهذا ما صرح به غسدروف الذي اعتبر أن اللغة هي الرمز والمعبر الذي يدخل الطفل إلى العالم الإنساني، وقد حاول بعض علماء النفس معرفة هذا السر: فقاموا بوضع صبي وقرد صغيرين في شروط مماثلة حتى تكون نقطة الانطلاق واحدة، وقد لاحظوا أن الطفل والقرد يستعملان نفس الوسائل وتشابه الاستجابات،  وتساوي القدرة على المنافسة     ( فيما بين الشهر التاسع والشهر الثامن عشر ) لكن بعد هذا السن بدأ الفارق يظهر بينهما والهوة تتسع إلى درجة استحالة المقارنة ، إذ لوحظ أن القرد توقف تقدمه  بينما انطلق الطفل انطلاقة جديدة عندما تعلم اللغة فانتقل بها من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان، أم القرد فقد بقي حبيس التعبير الانفعالي الغريزي.

من هنا كانت اللغة الإنسانية لغة ذهنية بالغة التنوع يوجهها القصد والإرادة والتحكم في استعمالاتها بعيدا عن آلية المنعكس الشرطي، كما أن اللغة الإنسانية تحمل خاصية التراكم وقابلية الانتقال من جيل إلى جيل لأنها تنظيم كلامي مفتوح يمكن الإضافة إليه والتغيير والتعديل والإبداع  فيه وهذا ما يجعل منها ميراث ثقافي واجتماعي قابل للتغير والتطور بعكس لغة الحيوان كموروث بيولوجي معد مسبقا.

  1. ما هي أسس اللغة ؟

إن أي بحث عن طبيعة اللغة يقتضي بالضرورة البحث عن الأسس التي يقوم عليها فهم العناصر التي تشكلها وهذا لا يكون إلا من خلال :

أولا: كيف نميز بين مفهوم اللغة والكلام واللسان ؟

أ ـ اللغة : ينظر إليها كظاهرة أو مؤسسة اجتماعية عامة ، يتم بواسطتها التفاهم والتعبير عن الأغراض، فاللغة كيان عام  يضم كل عناصر النشاط اللغوي عند الإنسان إشارة أو رمزا ، انفعال أو اصطلاح ، منطوق أو مكتوب … فاللغة بهذا نمط من السلوك الاجتماعي .

ب ـ الكلام : ويتجلى فيما يصدر عن الفرد من أقوال ملفوظة أو مكتوبة ، فالكلام نشاط شخصي ونوع من السلوك الفردي ، من هنا كان الدارس للكلام ينظر إلى العوامل الشخصية المميزة لكل فرد .

من هنا كان الكلام واللغة متقابلين ، فالكلام يمثل الجانب الفردي من السلوك اللغوي ، أما اللغة فتمثل السلوك الاجتماعي المشترك .

ج ـ  اللسان : هو النموذج الاجتماعي الذي استقرت عليه  اللغة ، أو قل إنه النموذج السوي في السلوك اللغوي بالنسبة للأغلبية العظمى من أبناء الأمة الواحدة ، كمجموعة لغوية معينة ( بمفرادات ، وكلمات ، وقواعد نحوية وصرفية ، ضابطة لهذه اللغة وهذا اللسان ) .

من هنا يمكن القول أن الكلام واللغة كل منهما سابق للسان من حيث النشوء ، لأن اللسان لا يستقر إلا بعد مضي أجيال ، فهو محصلة كل ما يصدر عن الأفراد من أقوال ، وناتج مجموع السلوكات اللغوية .

ثانيا: طبيعة اللغة كدلالة رمزية :

إذا كانت اللغة من حيث مفهومها تمثل نسقا من الرموز والإشارات الاصطلاحية ، تشكل الأصوات أهم أنماطها ، مما يدفعنا التساؤل عن طبيعة اللغة كدلالة رمزية ، فما هو الرمز ؟ وما هي الدلالة ؟ وما طبيعة الارتباط بين الدال والمدلول أو بين الألفاظ والأشياء ؟

أ ـ الرمز والدلالة :

ما هو الرمز ؟

الرمز في اللغة : هو الإشارة والعلامة .

وفي الاصطلاح : (( الرمز هو ما دل على غيره )) أو هو (( شيء يدل على شيء آخر أو يعرف به )) وله وجهان :

ـ دلالة المعاني المجردة على الأمور الحسية كدلالة الأعداد على الأشياء ، الحروف على الكميات الجبرية .

ـ  دلالة الأمور الحسية على المعاني المتصورة كدلالة الثعلب على الخداع ، والكلب على الوفاء ، والميزان على العدالة .

ما هي  الدلالة ( أو العلامة اللغوية ) ؟

الدلالة هي : (( أن يلزم من العلم بشيء علم بشيء آخر )) .

أي أنها تعني : (( فهم أمر من أمر آخر ))

فالعلامة اللغوية(الدلالة ) إذا: ((هي كل ما يصح  اعتباره علامة قابلة للتأويل وتدل على شيء آخر غيرها)).

والدلالة تتألف من اتحاد صورة صوتية  ( سمعية ) تسمى  ( الدال ) بتصور ذهني للشيء المعني ويسمى       (المدلول ) وهذا يعني أن الدلالة هي العلاقة التي تربط بين  ( الدال ) كطابع مادي ( الصورة السمعية )   وبين المدلول كفكرة أو كمعنى ذهني .

ولا يفهم من هذا أن الدلالة لها صورة واحدة وشكل واحد بل هي تنقسم إلى أنواع:

ـ الدلالة العقلية: وهي أن يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة ذاتية، تنقله من أحدهما إلى الآخر مثال ذلك

دلالة المعلول على العلة .

ـ الدلالة الطبيعية : وهي أن يجد العقل بين الدال والمدلول علاقة طبيعية تنقله من أحدهما  إلى الآخر كدلالة احمرار الوجه على الخجل ، ودلالة الدخان على النار.

ـ الدلالة الوضعية : وهي أن يكون بين الدال والمدلول علاقة تواضعية  تم  اقتراحها والاتفاق حولها كدلالة     الألفاظ على المعاني  ، وهذه الدلالة الوضعية تنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام: دلالة المطابقة ، ودلالة       التضمن ، ودلالة الاستلزام .

لكن ما طبيعة العلاقة بين (الدال) و(المدلول) هل هي علاقة ضرورية  لازمة أم أنها مجرد علاقة وضعية اعتباطية ؟

ب ـ العلاقة بين الألفاظ والأشياء:

إن مناقشة مسألة الدلالة والعلاقة بين الألفاظ والأشياء قد تولد عنها موقفين أساسيين:

ـ الموقف الأول يرى أن العلاقة ضرورية بين الألفاظ والأشياء : لأنه يوجد ارتباط وثيق بين الدال والمدلول، واتحادهما في بنية واحدة تجعل من الألفاظ تطابق ما تدل عليه في العالم الخارجي ، وقد انبنى هذا على أساس تقليد ومحاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة  كقولنا المطرقة ، الخرير … كما أن الإنسان لا يمكنه أن يتقبل الأصوات التي لا تحمل ولا تدل على شيء  يمكن معرفته فتبقى بذلك مجهولة وغير مفهومة .

ـ لكن هذا الموقف نجده يصدم مع كثير من الدراسات الحديثة في علم اللسانيات التي تؤكد أنه لا توجد أي ضرورة بين الدال والمدلول ، والدليل على ذلك أن المعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بأصوات مختلفة : فكلمة أسد يمكن التعبير عنها بأصوات أخرى مثل : الليث … ومن هنا نجد تعدد المسميات لشيء واحد ، وهذا واضح جدا في تعدد  اللغات ، مما يعني أن العلاقة قد تكون ناتجة عن  التواضع البشري .

ـ الموقف الثاني يرى أن العلاقة اعتباطية بين الألفاظ والأشياء : لأنها قائمة على التواضع والاتفاق الإنساني الذي أقره الاستعمال والشيوع ، من هنا كانت لغة الإنسان نسق رمزي اصطلاحي ، ولهذا نجد العلامة اللسانية لا توجد بين اسم وشيء ، بل بين مفهوم وصورة سمعية ، وعلى هذا تختلف الأصوات وتتنوع اللغات وتتعدد ، وعليه فالعلاقة بين الألفاظ والأشياء غير ضرورية بل هي اصطلاح واتفاق اعتباطي أبدعه الإنسان بين المعاني والأشياء .

ثالثا: تبادلية اللغة والفكر :

الفكر عملية  عقلية  معقدة، تتشابك فيها كثير من القدرات العقلية والأفعال الذهنية المختلفة، أدواتها المفاهيم والمعاني، ويقابل هذه الأخيرة في اللغة الألفاظ والكلمات ورموز التعبير. فكيف يمكن تصور علاقة اللغة بالفكر ؟  هل الفكر مستقل عن اللغة وسابق عنها  أم أن اللغة والفكر متصلان؟

لقد اهتم كثير من الفلاسفة والعلماء بمشكلة العلاقة بين اللغة والفكر ، وانقسموا  في النظر إلى هذه العلاقة إلى اتجاهين أساسيين :

أ ـ الاتجاه الثنائي:  يرى هذا الاتجاه أن الفكر مستقل عن اللغة  ومنفصل عنها، ويجعلون من الفكر سابق عن اللغة وأوسع منها وأكثر أهمية، لأن الإنسان يفكر بعقله قبل أن يعبر بلسانه،  فقد تتزاحم الأفكار والخواطر والمعاني في الذهن ، لكن في كثير من الأحيان يعجز الإنسان في التعبير عنها. كما أن المفاهيم والمعاني تتطور أسرع من تطور الألفاظ  لأن المعاني متغيرة وحيوية وواسعة، بينما الألفاظ ثابتة جامدة، معدودة محدودة، زيادة على أن الفكرة أغنى وأخصب من اللفظ  لأنه يمكن التعبير عنها بألفاظ متعددة. وأبرز من يمثل هذا الاتجاه الفيلسوف الفرنسي  هنري برغسون  حيث قال: (( اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر))، كما ذهب  الشاعر الفرنسي فاليري: ((أجمل الأفكار تلك التي لا نستطيع التعبير عنها)).

وهذا يعني أن هناك تفاوت وعد تساوي  بين القدرة على الفهم ( الفكر ) والقدرة على التبليغ  ( اللغة ) ولعل هذا ما جعل الإنسان يخترع الموسيقى والمسرح والسينما للكشف والتعبير عما تعجز عنه اللغة بل إن الصينيون  قالوا : (( الصورة أفضل من ألف كلمة )) .

ـ غير أن هذا الاتجاه بالغ في التقليل من شأن اللغة ووصفها بالعجز والجمود ، وبالمقابل الرفع من قيمة الفكر وتمجيده ، ولكن هل يمكن أن يوجد فكر خالص عار من اللغة ؟ ثم كيف نميز بين الأفكار والمعاني إن لم تدرج في قوالب لغوية تعرف بها وترسم حدودها ؟ وفوق هذا ألم تكشف الدراسات في علم النفس أن تكوين المعاني لدى الأطفال يتم مع اكتساب وتعلم اللغة ؟

ب ـ الاتجاه الواحدي : يرى  هذا الاتجاه أن اللغة والفكر متصلان ومترابطان فلا فكر دون لغة ، ولا توجد لغة دون فكر وأنه من الاستحالة الفصل بينهما ، لأن اللغة ليست هي ثوب الفكر ووعاءه الخارجي كما يدعي البعض بل هي جسده وصميم وجوده ، فهي التي تبرز الفكر وتخرجه من حيز الكتمان والذاتية إلى حيز التصريح وتضفي عليه الصبغة الاجتماعية والموضوعية . وهذا ما يذهب إليه  أرسطو حين يقول: (( ليست ثمة تفكير بدون رموز لغوية))  كما يقول هيغل: (( الكلمة تعطي الفكر وجوده الأسمى ))، ويضيف أيضا حيث يقول: (( نحن نفكر داخل الكلمات ))،  وإلى نفس الاتجاه ذهب غوسدروف  حيث قال: (( التفكير ضاج بالكلمات)) ، كما يذهب الفيلسوف الفرنسي ميرلوبونتي إلى أن الفكر لا يوجد خارج العالم وبمعزل عن الكلمات  حيث يقول: ((الفكرة تؤخذ من العبارة والعبارة ما هي إلا الوجود الخارجي للفكرة)).

ـ لكن هذا الاتجاه الذي يعطي الاعتبار للغة ويساوي قيمتها مع الفكر لا يعني الخضوع للقوالب اللغوية الجامدة لأن قيمة أي لغة إنما تقاس بثروتها الفكرية وبدقتها في التعبير ، لذلك لا بد من الحذر من استعمالاتها وإخضاعها لتعديلات عميقة وشاملة ، لأن اللغة ينبغي أن تكون من السيولة والمرونة ما يجعلها قادرة على تتابع الفكر الحي في سيولته وحركته المستمرة .

في الحقيقة ينبغي القول أنه لا توجد لغة بدون فكر ولا فكر بدون لغة ، فالفكر متضمن داخل اللغة واللغة لباس الفكر كما يقول دولاكروا : (( إن الفكر يصنع اللغة ، وهي تصنعه )) ، كما أكدت الدراسات والأبحاث العلمية اللسانية هذه العلاقة التي تشبه العلاقة بين وجه الورقة النقدية وظهرها حيث يقول دو سوسير : (( إن الفكر هو وجه الصفحة ، بينما الصوت هو ظهر الصفحة ، ولا يمكن قطع الوجه دون أن يتم في الوقت نفسه قطع الظهر ، وبالتالي لا يمكن في مضمار اللغة فصل الصوت عن الفكر ، أو فصل الفكر عن الصوت )) .

III. التبليغ والتواصل الاجتماعي :

أ ـ مفهوم التواصل :  إن التواصل في اللغة مأخوذ من الصلة  ، والتواصل اصطلاحا : هو تبادل الحقائق والأفكار والمشاعر بين شخصين أو أكثر بمختلف وسائل الاتصال وأخصها الكلام .

ب ـ شروط التواصل : حتى يتم التواصل بين الأشخاص لابد من مقومات وعوامل أبرزها :

المرسل :  وهو الطرف المبلغ للرسالة (( يكون شخصا أو جماعة أو هيئة ))

المتلقي : وهو المرسل إليه أو المتلقي للرسالة (( يكون أيضا شخصا أو جماعة أو هيئة ))

الرسالة : وهي الخطاب الذي يوجهه المرسل إلى المتلقي

المرجع : وهو الموضوع الذي تتمحور حوله الرسالة وتسعى إلى تبليغه .

روابط الاتصال : أو ما يطلق عليه بقنوات الاتصال سواء كانت مادية أو نفسية

الشيفرة : أي النظام الرمزي المشترك بين المرسل والمتلقي ، فقد يكون كلاما أو إشارات يدوية أو إشارات بصرية أو لافتات .

وظيفة اللغة : إن وظيفة اللغة باعتبارها في الأساس وسيلة تعبير وتفاهم وتواصل فقط  لا يحل المشكلة، إذ ثمة تنوع في وظائفها لا يتوقف عند هذا الحد، ومن أهم هذه الوظائف:

ـ الوظيفة النفعية : اللغة تسمح للإنسان بإشباع حاجاته البيولوجية الغريزية أو النفسية الانفعالية .

ـ الوظيفة الشخصية : اللغة وسيلة يعبر بها الشخص عن ذاته وهذا ما يسمح للغير بمعرفته والتعرف على اهتماماته وتطلعاته .

ـ الوظيفة التفاعلية: للغة تستخدم للتفاعل مع الآخرين في المحيط الاجتماعي ومن ثمة يتم تبادل الآراء والأفكار.

 ـ الوظيفة الإخبارية :  اللغة تنقل المعلومات إلى الآخرين سواء كانت أحداثا سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية وهذا ما تضطلع به اليوم وسائل الإعلام .

الخاتمة: حل المشكلة

إن الحديث عن اللغة هو في الحقيقة حديث عن الإنسان فهي خاصته التي تميزه مما يبدو في عالم الحيوان من إرهاصات بدائية للتواصل ، ليس فقط لكون هذه الإرهاصات غريزية بيولوجية ، بل لخلوها من الطابع الفكري ، الذي هو عند الإنسان من التعقيد بحيث يصعب فصله عن اللغة ذاتها ويبقى التواصل فضلا عن الوظائف البيولوجية والنفسية والاجتماعية أبرز ما تحققه اللغة كغاية كبرى حفظت  ـ وما تزال تحفظ ـ للإنسانية تراثها الثقافي والحضاري على مر العصور.

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى