الأمن البيئي العالمي والدمار الشامل للحروب

بقلم حمدي هاشم – خبير دراسات بيئية – عمران بيئي ، دراسة منشورة في موقع فيدو 

تأثرت مناعة البيئة بتوالي فقدان خطوطها الدفاعية وانعدام فاعلية دروعها داخل مسرح العمليات (بين القشرة الأرضية والغلاف الجوى)، الذي يشهد تدخلات النشاط البشرى ومشكلات ابتعادها عن القواعد الجغرافية ومسئوليتها الدائمة والمستمرة في توازن وتوافق ذلك الحيز الحيوي. وسرعان ما تسرب الخلل البيئي وظهرت مشكلة ضعف وتباطؤ قدرة وفعالية البيئة في هضمها لمخلفاتها، نتيجة استقبالها كميات مروعة من المخلفات الصناعية والبشرية الأخرى. ولعل ذلك يعود لضياع فرصة البيئة في التخلص الذاتي من مخلفاتها وقصور التحكم في مصادر التلوث وعلاج العجز البيئي على المستوى الدولي. وتسوء حالة الأرض مع استمرار وتزايد الضغط السكاني وتغير الأنماط الاقتصادية عبر مساحات شاسعة، بالإضافة إلى تداعيات تغير السياسة العالمية وانتشار التجارب النووية وتفشى جرائم العمليات العسكرية، بالإضافة إلى ظهور حروب الهيمنة على مواقع الثروات المعدنية بالدول الصغرى (ومنها حقول البترول) بالتدخل العسكري واحتلال الأرض. ومن ناحية أخرى استغلال الدول الكبرى فرصة تلك الحروب (خارج أراضيها) لتنفيذ التجارب الحية وملاحظة النتائج على الموانع البيئية والبشر أمام مختلف أنواع الأسلحة ومنها أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي أخرج البيئة عن صمتها بعد اختلال سلامتها الوظيفية، فهددت الأمن البيئي بمناطق الحروب والكوارث الطبيعية والبشرية التي تتجاوز حدودها الجغرافية وتؤدى غالباً إلى حدوث كثير من أشكال التغيرات البيئية.

* الاهتمام الدولي بالبيئة:
الأمن البيئي العالمي والدمار الشامل للحروب

ظل الإنسان يلهث وراء تعظيم احتياجاته من البيئة وينشد سبل الراحة فيها بشتى الوسائل المتطورة، بل تعاظمت جميع ثرواته المادية في مقابل استغلاله الجائر للموارد الطبيعية، واستخداماته المكثفة للمواد الكيماوية في سبيل التغلب على ضعف مقاومة التربة للآفات الزراعية، ورغم ذلك لم يلتفت إلى البيئة بالاهتمام إلا بعد النصف الأول من القرن الماضي، حيث عقدت لقاءات واتفاقيات دولية ذات علاقة بالثروات الطبيعية وحسن استغلالها، غير أن هذه الجهود المتفرقة ظلت نسبية، ولكن مع النمو السكاني المتزايد والتوسع الاقتصادي المفرط والتطور التكنولوجي الرهيب سجلت منظمة الأمم المتحدة أول خطوة دولية مهمة في هذا الشأن، بانعقاد مؤتمر ستوكهولم حول الإنسان والبيئة (1972). وقد جاء هذا المؤتمر بعد مرور عشر سنوات من نبوءة راحيل كارلسون، الكاتبة والناقدة الأمريكية المتخصصة في التاريخ الطبيعي لمملكتي الحيوان والنبات، في كتابها (الربيع الصامت)(1) الذي يعد أخطر وثيقة تاريخية بالنسبة للجنس البشري ظهرت في القرن العشرين، والتي أثارت فيه لأول مرة قضايا التسمم بالكيماويات والتدمير البيئي واسع النطاق بالمناطق الريفية والحياة البرية في أمريكا، نتيجة الاعتماد غير المحدود على مبيدات الآفات والفطريات والأعشاب، وكذلك مسألة التلوث والانتباه إلى البيئة.(2) وقد انبثقت عن ذلك المؤتمر اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التي عقدت اجتماعها بعد عشر سنوات (1982) لإطلاق وثيقة العمل السياسي المشترك بين حكومات دول العالم للحيلولة دون تزايد الخراب البيئي ووضع الأسس العلمية لصيانة المستقبل المشترك لشعوب. ثم جاء مؤتمر ريو دى جانيرو حول البيئة والتنمية (1992) لتكريس نوع من التنسيق الدولي لمواجهة مشكلات التلوث، ونقل الاهتم بها من المختبرات العلمية إلى أروقة السياسة الدولية. وقد انتهى هذا المؤتمر إلى ضرورة توجيه وتهذيب التنمية باتجاه خدمة البشرية في الحاضر والمستقبل، أي عدم ترك شئون إداراتها بيد زمرة يحكمها تحالفات اقتصادية تهدف إلى الربح السريع، حتى ولو كان ذلك على حساب دمار البيئة والإنسان.(3)

وهكذا حتى بدأت منظمة الأمم المتحدة مشروع الألفية الجديدة(4) لتحديد الرؤية المستقبلية لدول العالم، بمشاركة العلماء ورجال الأعمال والمخططين وواضعي السياسات بالمنظمات الدولية والحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية وكذلك الجامعات، وذلك لتوفير معطيات الإطار الفكري والبحثي لكيفية تحسين الوضع البشرى، ومنها دراسات الأمن البيئي التي تسعى لتقييم القضايا البيئية الدولية،من أجل تحديد الأسباب وتحليل الأحداث وتوثيق النتائج التي قد تؤدى في المستقبل إلى ضرورة إدخال تعديلات على المعاهدات والاتفاقيات والسياسات البيئية الدولية. والتي داومت الأمم المتحدة على إصدار تقريرها السنوي (منذ عام 1997) تحت عنوان “دولة المستقبل”، لعرض الأفكار والاتجاهات والسيناريوهات على كافة المستويات العالمية والإقليمية والوطنية. ومن هنا صار مفهوم الأمن البيئي بمثابة المذهب في إدارة القضايا البيئية المتعلقة بالعمليات العسكرية، وكذلك في المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات البيئية التي تتناول القضايا ذات الصلة فيما يخص الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. وطال مذهب الأمن البيئي الجرائم البيئية في العمليات العسكرية وواجبات المحكمة الجنائية الدولية بشأنها، حتى تناولت تقارير دولة المستقبل (الصادرة بعد عام 2003) الرؤية المستقبلية للوضع البيئي المتوقع خلال المدة من 2010 – 2025 بمختلف دول العالم من منطلق الموقف الدولي الراهن للقوات العسكرية الأمريكية.(5)

* ميلاد الأمن البيئي:
ميلاد الأمن البيئيإن إشكالية البيئة وأخواتها الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية ومكافحة الإرهاب، قد راجت بضاعتها واستوطنت دول كثيرة من العالم بعد انتشار مذهب الحداثة الأمريكية الرأسمالية مع نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي، حيث تضمها أجندة فكرية واحدة متسلطة على قائمة اهتمامات كل من العلم والسياسة والرأي العام الدولي. ومن ثم جاء اهتمام هؤلاء الناشطين السياسيين كما الباحثين الأكاديميين بذلك الأثر البيئي المروع والمستمر، الذي يفوق كل تقدير أو توقع، نتيجة ما تخلفه الحروب الحديثة في البيئة من دمار شامل وتدهور طبيعي وتخلف اقتصادي. هكذا تزامن مفهوم الأمن البيئي مع ضراوة الحروب الحديثة وتكرار حدوث الكوارث الطبيعية والبشرية، ولا يوجد للأمن البيئي تعريف متفق عليه عالمياً، ولكنه قد تفرق بين عدد من البلدان، هي: روسيا الاتحادية ودول الكومنولث المستقلة والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الصين واستراليا والمجر والأرجنتين. ومن المتناقضات خلو سياسات المنظمات الدولية من صياغة واضحة للأمن البيئي، برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وذلك حتى نهاية القرن العشرين. أي أن رغم الجهود الضخمة المبذولة على مستوى العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فقد غاب الإجماع العام على تعريف للأمن البيئي، الذي لم يتعدى وجهات النظر في التصريحات الرسمية والسياسات والاتفاقيات الدولية. (6) وفى حقيقة الأمر، يعد الأمن البيئي وليد مخاوف الأمن القومي من تناقص الموارد الطبيعية وتدهور البيئة العالمية، ومن ناحية أخرى فقد لعب دور النموذج النقيض للحرب الباردة والنزعة العسكرية في مسرح عمليات الأمن العالمي، وذلك كما ورد بتقرير إعادة تعريف الأمن لمعهد الرصد العالمي بواشنطن ( ليستر براون، 1977).(7) وذلك حتى رصد مشروع الألفية الجديدة مجموعة العناصر والأسباب المتصلة بتعريف الأمن البيئي وهى:(8)
• الأمن البيئي صمام آمان الأمن العام، في تلافى المخاطر البيئية الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو البشرية بسبب العمليات والجهل والحوادث وسوء الإدارة والأخطاء الناتجة عن تصميم وتنفيذ المشروعات والتي تنشأ داخل الدولة أو عبر الحدود الوطنية.

الأمن البيئى(الزلازل)• الأمن البيئي وسيلة هامة وحاكمة في مسألة حقوق البيئة المستديمة، التي تشمل استعادة البيئة المتضررة من جراء العمليات العسكرية والتخفيف من ندرة الموارد والتدهور البيئي والتهديدات البيولوجية التي يمكن أن تؤدى إلى الاضطراب الاجتماعي والصراعات الإقليمية.

• الأمن البيئي دليل لأساليب إدارة الموارد الطبيعية وتدوير المنتجات والنفايات بطرق تعزز الاستقرار الاجتماعي.

• الأمن البيئي وثيقة ملزمة للحفاظ على عناصر المحيط الحيوي من التلوث وتأمين احتياجات المجتمع لتمكينه من تنفيذ خطط التنمية البشرية، مع مراعاة كفاية المخزون الطبيعي بمختلف أشكاله لدوام واستمرار عملية التنمية.

• الأمن البيئي فنار ودليل للتحرر من حالة عدم الاستقرار الاجتماعي بسبب التدهور البيئي.

هكذا تبلورت الاتجاهات لمصطلح الأمن البيئي، من وجهة نظر لجنة مشرع الألفية الجديدة لتحسين الوضع البشرى، على النحو التالي:
• الأمن البيئي يكمن في ميزة السبق بإمكانيات التكنولوجيا المتطورة للوصول بالمخاطر البيئية التي تهدد السلامة الوظيفية للمحيط الحيوي إلى حدودها الدنيا، وبالتالي التقليل من انعكاساتها الضارة على سلامة المعيشة بالمجتمعات البشرية. مع الأخذ في الاعتبار أن التهديد قد يأتي من البيئة الطبيعية بالمناطق الجغرافية المعرضة دون غيرها لظاهرة استقبال كميات مفرطة من انبعاثات غاز الرادون الصخري، أو يحدث من تغيرات البيئة الطبيعية مثل: الزلازل والفيضانات الجبلية والتدفقات الطينية، وإن كان الكثير منها يحدث بسبب تدخلات الإنسان غير المسئولة في الأنظمة البيئية.

• الأمن البيئي كمصطلح يستخدمه العلماء والأفراد الممارسين يدعو في المقام الأول للحفاظ على الروابط الصحيحة بين الظروف البيئية والأمنية. ويتطلب ذلك قيام الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بالتحذير من أسباب تدهور البيئة الطبيعية جنباً إلى جنب مع التهديدات من جماعات العنف المنظم والتوعية بأضرار كل منهما على ترابط واستقرار المجتمع البشرى. أما على الصعيد المحلى والإقليمي فيما يخص التدهور البيئي أو ندرة الموارد، نتيجة تفاقم مشكلة النمو السكاني وعدم العدالة في توزيع الثروة بالإضافة إلى التغيرات البيئية العالمية، فيعد من العوامل الهامة للاستقرار السياسي ومكافحة اندلاع الصراعات العنيفة، وذلك على مستوى الدولة وكذلك الدول في الجوار. أما المؤسسات العسكرية والأمنية وأجهزة المخابرات فمطلوب منها أن تضطلع بدور أكبر في حماية البيئة من كل ما يضر بها. وبالتالي يجب أن ترتفع شعبية الأمن البيئي بشتى الأساليب ليحل محل الحرب الباردة والمفاهيم المرتبطة بها والمتأصلة بين الشعوب.

• يشير مصطلح الأمن البيئي إلى مجموعة من المخاوف التي تندرج تحت ثلاث فئات عامة: الأولى، مخاوف الآثار الضارة للأنشطة البشرية على البيئة بالتركيز على جودة الأمن البيئي من أجل الأجيال القادمة وكسياق لحياة الإنسان. والثانية، مخاوف الآثار المباشرة وغير المباشرة من مختلف أشكال التغيرات البيئية (من ناحية الندرة والتدهور) على الأمن الوطني والإقليمي، والتي قد تكون طبيعية أو من صنع الإنسان، مما يؤدى إلى تكثيف أو توليد الصراع وعدم استقرار الأمن الإنساني. أما مخاوف الفئة الثالثة، فمن انعدام الأمن للأفراد والجماعات على مستوى أصغر المحلات البشرية بسبب التغيرات البيئية، ندرة المياه وتلوث الهواء وارتفاع درجة حرارة الأرض، وهى بذلك ليست مسألة أمنية تقليدية. وتجتمع تلك المخاوف على أن الأمن البيئي صمام الأمان في التفاعل بين أي من النظم الاجتماعية مع النظم الايكولوجية، بطرق مستديمة تكفل حصول كافة الأفراد على السلع البيئية بطريقة معقولة وعادلة، أي ضبط الإفراط والتفريط في ظل الآليات المتبعة لمعالجة الأزمات والنزاعات البيئية.

دمار الحروبأما الحكومات والمنظمات الإقليمية فقد أكدت تعريف ونطاق الأمن البيئي فيما يلي:
• اعتمدت اللجنة المشتركة للأمن البيئي في روسيا، السياسة القاضية بعدم انفصال الأمن البيئي بصورة أو بأخرى عن الأمن القومي، وذلك في اجتماعها المنعقد في 13 أكتوبر 1994، والذي أقره مجلس الأمن الروسي بموسكو في عام 1996. وعليه تؤكد دولة روسيا الاتحادية، أن الأمن البيئي هو حماية الطبيعة والبيئة والمصالح الحيوية للمواطنين والمجتمع والدولة من التأثيرات الداخلية والخارجية وكذلك الاتجاهات السلبية في عمليات التنمية التي تهدد صحة الإنسان والتنوع البيولوجي وأداء النظم الايكولوجية المستديمة والتي قد تؤثر على استمرارية الحضور البشرى.

• يندمج الأمن البيئي في برنامج عام وزارة الدفاع الأمريكية (منذ عام 1996)، ذلك البرنامج الذي يتسم بالطابع المؤسسي وقدرته الفائقة في دعم إدارة الدفاع والبيئة والتوعية بالصحة والسلامة المهنية، وتفعيل الدور المستمر لأمن الأنشطة البيئية، باستخدام وسائل العلاج المبكر والالتزام بالمعايير البيئية والحفاظ على البيئة ومنع التلوث من المنبع ونشر تقنيات الأمن البيئي بالإضافة إلى مراقبة الأنشطة الدولية. ويؤكد برنامج وزارة الدفاع الأمريكية هوية الأمن البيئي، من خلال ما يلي:

– مداومة التشخيص والتقييم والسيطرة العاج لإزالة آثار التلوث في مرحلة مبكرة قبل أن تؤثر في صحة البيئة والسكان.

– الالتزام بكافة التشريعات والقونن والمعايير المنظمة للأمن البيئي داخل حدود الوطن وكذلك فيما وراء البحار.

– منع الاستغلال الجائر ومظاهر الإهمال لكافة الموارد الطبيعية والثقافية، من خلال تنفيذ خطط التنمية المستديمة لصالح الأجيال في الحاضر والمستقبل.

– تبنى استراتيجية للحد من مصادر التلوث ومنع التلوث من المصدر، وكافة إجراءات خفض أو منع الملوثات عن طريق زيادة كفاءة الاستخدام للمواد الخام والطاقة والمياه والموارد الأخرى.

– من أهداف برنامج الأمان البيئي بعيد المدى تجنب الخسائر في الموارد البشرية والمادية، والحماية من الحوادث المحتملة لوزارة الدفاع وأضرارها البيئية.

– يشمل مجال الصحة المهنية، الطب المهني وأبحاث الأمراض والإصابات وعلم الأوبئة ورعاية بيئة العمل في الصناعة والأنشطة التي تستخدم المواد المشعة.

– تستخدم حالات الطوارئ والحرائق للتدريب وتعزيز القدرات القتالية للجيوش من أجل الحفاظ على الأرواح والممتلكات، وتقوم وزارة الدفاع بتقديم خدمات المكافحة والوقاية من الحريق باستخدام هندسة مكافحة الحرائق.

– كثيراً ما تؤدى عملية تخزين الذخائر والمتفجرات إلى مخاطر متعددة، ومن واجبات وزارة الدفاع حماية وسلامة الأفراد والممتلكات والمعدات العسكرية، وكذلك حماية البيئة المحيطة من أخطارها المحتملة.

– تستخدم وسائل مكافحة الحشرات للوقاية والسيطرة على ناقلات الأمراض والحشرات التي قد تؤثر سلباً على المهام الاعتيادية أو العسكرية، بما في ذلك حماية صحة المواطنين ورفاهيتهم والمنشآت والمواد والممتلكات.

– تشمل تقنيات الأمن البيئي، البحث والتطوير والاختبارات والتقييم وكذلك تنظيم إصدار شهادات للتقنيات المبتكرة والمتوافقة مع احتياجات المستخدمين.

– تدعم السياسات الدولية الأنشطة البيئية بالاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، وتبادل المعلومات واتفاقيات التعاون بما في ذلك تلافى المخاطر البيئية الناتجة عن استخدام الموارد العسكرية على المستوى الدولي والوطني.

• اعتمدت مستشارية دول الكومنولث المستقلة قانوناً تشريعياً للأمن البيئي في عام 1996، باعتبار أن الأمن البيئي للدولة يمثل حماية المصالح الحيوية للفرد والمجتمع والبيئة الطبيعية من التهديدات سواء كانت من صنع الطبيعة أو نتيجة الحضور الإنساني والآثار البيئية المترتبة على ذلك. وكان قبل ذلك قد أقر المجلس التشريعي مشروع مبادئ الأمن البيئي في دول الكومنولث (في 29 نوفمبر 1992)، ومنذ تاريخ 4 ديسمبر 1997 يتم تطوير اتفاقية الأمن البيئي لدول الكومنولث المستقلة.

• أطلق حلف شمال الأطلسي في عام 1997، برنامجاً علمياً لحل مشاكل الأمن البيئي، بما في ذلك إعادة المواقع العسكرية الملوثة لسيرتها الأولى، والتصدي للمشاكل البيئية الإقليمية والكوارث الطبيعية والبشرية، باستخدام التقنيات النظيفة.

• لم تستقر وزارة الخارجية الأمريكية على تعريف محدد أو سياسة معلنة للرد على تهديدات الأمن البيئي. ومع ذلك فهناك توافق في الآراء لفاعلية الاستجابة تجاه السياسات العامة التي تخص الشئون البيئية والدبلوماسية لتأكيد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها مصايد سمك السلمون بمياه المحيط الهادي والحد من التلوث عبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة. والاهتمام بقضايا المياه العذبة وحفظ الغابات على المستوى الإقليمي، وكذلك قضايا تغير المناخ وحفظ البيئة البحرية وحماية التنوع البيولوجي والحد من الموارد الكيميائية السامة وإدارتها على المستوى العالمي.

• وبعيداً عن التعريف العسكري الرسمي، قدمت كلية الدراسات العليا والأكاديمية العسكرية الأمريكية بالاشتراك مع بعض منظمات المجتمع المدني ورقة عمل لجمعية التعليم الهندسي الأمريكية بشأن الرد على تلك التهديدات البيئية داخل نطاق الدولة أو العابرة لحدودها ودرجة تأثيرها على نوعية وجودة الحياة في المجال والمكان وكيفية التعامل معها بالخيارات المتاحة للسياسات الحكومية أو المنظمات غير الحكومية.

الحروب ودمارها الشامل* الأمن البيئي وفروع المعرفة:
تواجه التخصصات العلمية بمختلف حقولها البحثية كثيراً من التداخلات المعرفية، ولا سيما في تحديد المفاهيم والمصطلحات، التي سرعان ما تتلاقى فيما بينها بحكم الضرورة والحاجة، فالأمن البيئي للدولة يرتبط بالضرورة بالأمن القومي وكذلك الإنساني والاجتماعي، وذلك رغم اختلاف المعالجة العملية للموضوع محل البحث بين فرع الجغرافيا البيئية والعلوم الاجتماعية والسياسية، التي لا محالة من تماسها مع الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية لارتباطها جميعا من ناحية المجال الموضوعي بحياة الإنسان وتعدد احتياجاته في السلم والحرب. ويتطلب تحقيق الأمن الإنساني الحماية من خطر الجوع والمرض والجريمة والبطالة والتلوث وكافة انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الحروب وآثارها المدمرة للبنية التحتية والطبيعية والثقافية بأراضي الدولة المعرضة للعمليات العسكرية. وقد ظهر مصطلح الأمن الإنساني Human security بالأدبيات في منتصف تسعينيات القرن العشرين، مواكباً للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدها العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، والذي ركز على الفرد وليس الدولة كوحدة سياسية، وأكد على أن أية سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف منها تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة. وقد سبق مصطلح الأمن البيئي Environmental security الأمن الإنساني، وذلك منذ عام 1977، حيث ورد استخدامه على المستوى العالمي بالتقارير العسكرية والأمنية والدراسات السياسية والاستراتيجية، لتلافى الآثار البيئية المدمرة للحروب وكذلك الكوارث الطبيعية. ويعتني فرع الجغرافيا البيئية التي ينتمي له هذا البحث بدراسة عناصر المحيط الحيوي (بما في ذلك الإنسان وممتلكاته) وسبل الحماية من التلوث في الماء والهواء واليابس، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على ذلك في الحياة النباتية والحيوانية والنهرية والبحرية. ذلك المحيط الحيوي شديد التأثر بهذا الحضور الإنساني بوجهيه الإيجابي والسلبي، أي دراسة الآثار البيئية للنشاط الاقتصادي وكذلك الحروب. ومن الثابت بمختلف فروع المعرفة أن للأمن البيئي مردوداً مباشراً وغير مباشر على الاقتصاد القومي للدولة في وقت السلم وعند تعرضها للهجوم العسكري.

* الحروب بين الماضي والحاضر:
لا شك أن للحروب في الماضي والحاضر آثاراً واضحة على فكر وثقافة وحضارة الشعوب في مختلف أرجاء العالم. وقد ألف المجتمع العربي الحرب منذ أقدم العصور فكانت المحرك الرئيسي لأفراده والمصنف لها، حيث تمكنت الحرب من التأثير في كافة أوجه الحياة ولم تترك في طريقها حتى اللغة والأدب، لكونها رافداً مهماً من روافد الخيال العربي (شديد الارتباط بالبيئة الطبيعية) الذي يقف وراء تشكيل الصورة الأدبية والأمثال والشعر العربي، وقد استلهم الشعراء من صور الحرب صوراً خيالية راجت وانتشرت في أبواب الشعر المختلفة، غزلاً ومدحاً وفخراً ورثاءً وشكوى، ومن ثم كان التراث العربي أقرب ما يكون إلى نحت الحرب. ولكن الفرق شاسع بين حرب الباسوس التي دارت في الجاهلية بين قبيلتي بكر وتغلب، وكذلك حرب داحس والغبراء التي دارت بين قبيلة عبس من جهة وقبيلتي فزارة وذبيان من جهة أخرى(9) وعلى سبيل المثال، بين الحرب الإسرائيلية في عملية الرصاص المصبوب في قطاع غزة (2009)، ومن قبلها حرب لبنان الثانية (2006) التي قامت فيها إسرائيل بالتدمير الشامل لمعظم المحلات العمرانية في لبنان. من ناحية أصول الحرب والتقارب في القوة والأخلاقيات العامة وسائل الإغارة ونوعية الأسلحة الفتاكة المستخدمة كالقنابل القذرة (ما هى القنبلة القذرة؟) والفسفور الأبيض وغيرها التي يحرمها المجتمع الدولي. وفوق هذا، اختلاف هدف إسرائيل الذي في اعتقادي أنه إبادة علنية بعد العزل الإستراتيجي لبقايا شعب فلسطين الأصلي داخل قطاع غزة جراء رفضه الاندماج السلمي في نسيج الدولة العبرية، ليصير بذلك إلى متحف التاريخ الحي وموسيقى الصدى للشعوب المختزلة، ولا يغيب في هذا الصدد حالة سكان القارة الأمريكية الأصليين من الهنود الحمر قبل تعرضهم للإبادة والانسحاب الجبري من الجغرافيا البشرية للمكان.

الأمن البيئي العالمي والدمار الشامل للحروب* الحروب والدمار البيئي:(10)
لا تخلو حروب العصر الحديث من أشكال الدمار التي تهدد الأمن البيئي على نطاق جغرافي واسع، حيث لا تعرف الآثار البيئية المدمرة التي تخلفها الحروب الحدود الجغرافية أو السياسية بين الدول، والتي غالباً ما تتعدى دول ومناطق تبعد عن مواقع العمليات العسكرية بمسافات بعيدة، وذلك لاختلاف نوعية الأسلحة الحديثة وشدة درجتها التدميرية ونتائجها وما يتخلف عنها في الطبيعة. وتعد الحرب العالمية الثانية في نطاقها الأوروبي (1939-1945) حرباً شاملة بعيدة المدى بما خلفته من أوجه الدمار والخراب على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفوق ذلك أنها شهدت قبل نهايتها بأسابيع قليلة أول تجربة حية للسلاح النووي ضد اليابان، بإلقاء سلاح الطيران الأمريكي قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناجازاكى على التوالي، وذلك كرد فعل وعقاب مؤخر بعد تقدمها على الأسطولين الأمريكي والبريطاني في المحيط الهادي. وستبقى أثار تلك التفجيرات النووية لقرون قادمة في المحيط الحيوي، ليس في اليابان وحدها بل في منطق متفرقة من العالم والتي قد أصابها وابل من سحابة التلوث النووي التي تحركها وتؤثر فيها العوامل الجوية، ولا سيما لرياح السطحية والعلوية وتساقط المطر.

ومن فداحة الحرب العالمية الثانية خسائرها البشرية التي تقدر بنحو 73 مليوناً من القتلى، ثلثيهما من المدنيين والثلث الآخر من العسكريين، إلى جانب ملايين اللاجئين والمشردين في ظل ما شهده الاقتصاد الأوروبي من انهيار وتدمير لنحو 70% من بنيته التحتية الصناعية. وفى هذا الصدد لا ننسى الإشارة إلى الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) المعروفة بحرب الخليج الأولى، والتي قدرت ضحاياها بنحو مليون قتيل وتكلفتها بحوالي 1.2 تريليون دولار أمريكي كخسائر مالية، وتلتها حرب الخليج الثانية (1990-1991) المعروفة بعملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت، والتي وقعت بين العراق وقوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الحرب التي شهدت حملة جوية مكثفة وواسعة النطاق، شملت كافة الأراضي العراقية، واستخدمت خلالها حوالي 61 ألف طن من القنابل الذكية والعنقودية. وجاءت حرب الخليج الثانية في أعقاب اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت (أغسطس 1990) واستيلائه عليها لمدة سبعة شهور، ذلك الغزو التاريخي الذي شهد في نهايته تفجير أكثر من ألف بئر منتجة للبترول، نتج عنها احتراق أكثر من ثلثيها وتسببت في تكوين سحابة من الدخان الكثيف غطت سماء الكويت ودول الجوار بالخليج العربي والمحيط الهندي، وامتدت لتصل إلى اليونان غرباً والصين شرقاً، بل طالت أثارها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.

القنابل والحروبوقد حصدت حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في البوسنة والهرسك (1992-1995) أكثر من 300 ألف مسلم، باعتراف منظمة الأمم المتحدة. وعلى صعيد آخر الحرب الروسية الأولى في الشيشان (1994-1996) التي قدرت خسائرها البشرية ما بين 50-100 ألف قتيل من المدنيين وأكثر من 200 ألف مصاب، وما يقرب من نصف مليون نسمة هجروا ديارهم بسبب الصراع وتعرض القرى والمدن الحدودية للتدمير الشامل. وما لبثت أن اندلعت الحرب الشيشانية الثانية (أغسطس 1999) واستمرت آثارها حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. وهكذا كانت الحرب العالمية الثانية آخر الحروب العسكرية الشاملة في الألفية الثانية، وظهرت حروب الألفية الثالثة بأسلحتها الاستراتيجية المتطورة فائقة التدمير والتحكم في بلوغ أهدافها، غير أنها فاقت كل التهديدات للأمن البيئي، وهى على حسب الترتيب كالتالي:
– الحرب الأمريكية على أفغانستان (منذ أكتوبر 2001).

– الحرب الأمريكية على العراق (منذ مارس 2003).

– الحرب الإسرائيلية على لبنان (خلال يوليه 2006 ـ أغسطس 2006).

– الحرب الإسرائيلية على غزة (خلال ديسمبر 2008 ـ يناير 2009).

* بعض تهديدات الأمن البيئي:
بعيداً عن الخسائر البيئية التي تسببها الحروب في العصر الحديث، فإن درجات الحرارة المتصاعدة وأنماط المناخ المتطرفة تؤثر بصورة واضحة على الأمن الإنساني، والتي يعانى منها كثير من سكان العالم ولا سيما الفقراء منهم في بعض المناطق الأكثر كثافة وازدحاماً والتي تعانى من الفاقة والتدهور الاقتصادي، ويمكن حصرها فيما يلي:(11)
– شح الماء في مقابل الاحتياجات المتزايدة من مياه الشرب والري.

– تدهور الإنتاج الزراعي.

– تزايد ندرة الموارد الطبيعية.

– خسائر الحياة البرية وما يتبعها من خطورة نقص المناعة البيئية.

– الأمراض واسعة الانتشار بسبب البعوض والحشرات الأخرى.

– تدهور الصحة العامة.

– الخسائر الاقتصادية المترتبة على الأعاصير والعواصف المدمرة.

– تذبذب الناتج الاقتصادي والتجارة.

– الفقر المتزايد

هذا وقد عرض مشروع الأمم المتحدة للألفية الثالثة بعض الأخطار التي تهدد الأمن البيئي داخل الدولة أو عبر حدودها الوطنية، سواء حدثت نتيجة الجهل أو سوء الإدارة أو الاثنين معاً، أو نتيجة التلوث عن عمد، أو من الكوارث الطبيعية والبشرية. ومن أمثلة الأخطار التي هددت الأمن البيئي نتيجة التلوث عن عمد، ما يلي:

• داخل الدولة: الهجوم على مترو طوكيو بغاز السارين القاتل، تجفيف منطقة الأهوار في العراق والهجمات الكيماوية، سوء استخدام المياه أو فقدها أو تسممها، الموارد الطبيعية.
• عبر الحدود الوطنية: إحراق حقول البترول في الكويت، تسمم المياه، تحويل المياه وبناء السدود، الأسلحة البيولوجية.

حرائق آبار النفط الكويتية وانسكاب خام البترول بمياه الخليج العربي:(12)

الأمن البيئىقامت القوات العراقية قبل أن تنسحب من الكويت (فبراير 1991) بإشعال أغلب الآبار المنتجة والاحتياطية ومعها مراكز تخزين وتكرير البترول في الكويت، وقد قدر الفاقد اليومي من البترول الخام بمعدل 6 ملايين برميل. كانت الصورة أن هناك آباراً قد اشتعلت وطوى دخانها الكثيف صفحة السماء، وآبار أخرى تعرضت للتفجير واختلت ضغوطها ولم تشتعل فانطلقت منها نافورات الزيت الخام بمتوسط 40 ألف برميل في اليوم، والتي سالت على السطح مكونة أكثر من 240 بحيرة نفطية بعمق يزيد عن المتر والتي افترشت مساحات واسعة من الأرض قدرت بنحو 50 كم2، تلك البحيرات الخطرة التي زادت من معوقات وصعوبة عمليات الإطفاء بتلك الآبار المشتعلة. وقد سبق عملية إشعال النيران في الآبار قيام قوات العراق بضخ البترول من الناقلات والموانئ داخل مياه الخليج العربي، مما أدى إلى تكوين ما يقرب من 128 بقعة زيتية قبالة السواحل الكويتية والسعودية، والتي يقدر طول البقعة الواحدة منها بنحو 130 كم وعرضها 25 كم. أضف إلى ذلك الكثير من الخنادق الساحلية التي حفرها الجيش العراقي وملئت بالبترول الخام لاستخدامها كخطوط دفاعية أمام قوات التحالف، والتي فقدت محتواها في نهاية المطاف بالتسرب إلى أفاق التربة أو بحرقها أو اختلاطها بمياه الخليج العربي.

تعد حرائق آبار النفط الكويتية وانسكاب خام البترول بمياه الخليج العربي من أكبر الكوارث البشرية في العالم، والتي هددت الأمن البيئي على مستوى جغرافي واسع، بصورة يصعب معها حصر آثارها البيئية المدمرة في المدى الزمني البعيد. وزيادة في إيضاح حجم المشكلة البيئية، معرفة أن الكويت فقدت من بترولها على أقصى تقدير ما يقرب من بليوني برميل، أي ما يوازي 2% من الاحتياطي النفطي، والتي أشعلتها النيران نتيجة التفجير المتعمد للآبار فانبعثت منها أحجام مروعة من الغازات السامة والقاتلة لمختلف أنواع الكائنات الحية، وتراكمت معها سحب كثيفة من الدخان المسرطن التي احتلت طبقات جو سطح الأرض لمدة تجاوزت الثمانية شهور. ناهيك عن انسكاب كميات ضخمة من ذلك الفاقد البترولي قد تبادلت في حركتها وانتشارها تغطية سطح مياه الخليج العربي. ويكفى الكميات المروعة من الدخان الكثيف التي حجبت وصول أشعة الشمس بمناطق عمرانية واسعة، كما حجبت بقع الزيت بانتشارها الواسع الأشعة الشمسية عن الكائنات البحرية في الخليج، بينما ابتلعت آفاق التربة ملايين البراميل من الزيت الخام. وتوجد كثير من سيناريوهات الآثار البيئية خارج حدود مواقع حرق آبار البترول، على سبيل المثال: تعرضت درجة الحرارة نتيجة حجب أشعة الشمس للانخفاض بمقدار 10 درجات مئوية بطبقة الجو السفلي، في مساحة دائرة يبلغ نصف قطرها مئات الكيلو مترات ومركزها الكويت، بالإضافة إلى انخفاض قدره درجتان مئويتان لمسافة ألف كيلو متر. وتؤدى هذه الحالة الجوية غير المستقرة إلى تغيرات مناخية متوقعة، لدرجة أنها قد تكون وراء حدوث فيضانات بنجلاديش في مايو 1991والتى أدت إلي مقتل 100 ألف نسمة، حيث تسببت تلك السحب الهائلة من دخان الآبار المشتعلة بالكويت إلى ارتفاع كميات تساقط المطر الملوث فوق بنجلاديش.

* إشكالية تقدير خسائر الحروب:
يخسائر الحروبتطلب تقدير خسائر الحروب الاطلاع على مسرح العمليات الحربية والمدة الزمنية والتكتيك المعتمد والأسلحة المستخدمة ونوعية الذخائر والمواد، وذلك للتعامل مع مصادر الخطورة المباشرة وغير المباشرة على البيئة والإنسان. ولا توجد في الواقع معلومات مؤكدة، لاختلاف البيانات والتقديرات بين الأطراف المشتركة في الحرب، التي قد تصل إلى حد المبالغة في واقع الأمر، وذلك كما يظهر من القراءة في مصادر المؤسسات المحلية والدولية والتقارير. وعلى سبيل المثال، قدرت إسرائيل خسائرها نتيجة حربها الأخيرة في غزة بما يربو على 1.3 بليون دولار أمريكي (قابلة للزيادة المتصاعدة)، منها فقط حوالي 20% للتكلفة العسكرية وما تبقى عبارة عن خسائر وتكاليف اقتصادية وتجارية أخرى سببتها سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية.(13) تضمن التقدير المالي لخسائر إسرائيل تكلفة التعويضات عن المنازل والسيارات والأملاك التي تضررت، وخسائر المصانع ورجال الأعمال نتيجة توقف الإنتاج وتعطل مئات الآلاف من العمال عن العمل، بما في ذلك خسائر الاقتصاد الزراعي والسياحي. ومن ناحية أخرى، جرت العادة أن تقديرات عدد القتلى والجرحى تعانى من تضارب حاد، حيث لا توجد منهجية أو معايير موضوعية تعتمد بدرجة أساسية على مصادر محايدة ومستقلة. ويرى أحد الخبراء في هذا المجال،(14) أنه يمكن اعتماد طريقة لتحديد حجم الخسائر تقوم على أساس تصنيف أنواع الخدمة العسكرية وآليات إعلان الخسائر وكذلك تصنيف الخسائر إلى خسائر منظورة مادية وبشرية وخسائر غير منظورة (المكانة، المعنويات، الهيبة، التأثيرات النفسية والرعاية الاجتماعية). وأضيف إلى ذلك، حجم تلك الخسائر البيئية نتيجة الدمار الشامل للحروب والتي من الصعب حصرها أو تقدير أبعادها المكانية والزمنية.

* بعض أنواع الدمار الشام لحروب الألفية الثالثة:
شهدت الحرب الأمريكية على العراق (بدأت منذ مارس 2003 ولم تنتهى بعد)، إطلاق أعداد غير مسبوقة ن الصواريخ البالستية، حيث أطلق فيها ما يزيد عن 800 صاروخ باليستي مقارنة مع 288 صاروخاً فقط خلال حرب 1991، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل من قذائف اليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية، بالإضافة إلى القنابل ذات القوة التدميرية الجبارة. وقد ساهمت هذه الحرب بشكل واضح في تلويث المياه الطبيعية وزيادة التلوث الكيميائي والإشعاعي، إضافة إلى أنواع أخرى من التلوث لم تحدد بعد. وسيظل التلوث البيئي بذلك العنصر السام من اليورانيوم المنضب لحقب جيولوجية قادمة،(15) وتبقى الأجزاء غير المتفجرة من القنابل العنقودية ألغاماً موقوتة تحصد الأرواح وتعطل التنمية (القنابل العنقودية عبارة عن عبوة ناسفة تحتوى على العديد من القنابل الصغيرة وتدمر الهدف التى تُقذف عليه، وإن لم تنفجر تصبح ألغاماً تهدد الحياة فى المنطقة المستقرة بها). ويواكب تتابع الهزات الأرضية المصاحبة لإلقاء القنابل فائقة القدرة التدميرية حدوث تشوهات في التركيب الجيولوجي لطبقات سطح الأرض، وبشكل خاص مكامن المياه الجوفية التي يزيد تعرضها لتسرب الملوثات من سطح الأرض. ولن تفلت منظومة الحياة البرية، النباتية والحيوانية ومعها البحرية، من التعرض لتغيرات بيئية حادة تؤدى إلى خسائر بيئية ـ اقتصادية مروعة. أضف إلى ذلك، انتشار الفوضى المدنية وانهيار البنية التحتية والمرافق الحيوية، من محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها، وأيضاً تلوث المسطحات المائية بالمخلفات السائلة والصلبة، وما يترتب على ذلك من تفشى الأمراض والأوبئة وتزايد احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية، ولا سيما سرطان الدم عند الأطفال، بالإضافة إلى تزايد حدوث التشوهات الخلقية في الأجنة وتزايد معدلات العقم عند البشر والحيوانات، كما أن هناك أنواع جديدة غير معروفة بعد من الأمراض والأوبئة.

الأمن البيئى ودمار الحروبما حدث في العراق لا يقل عن أشكال الدمار البيئي الشامل للحرب الأمريكية على أفغانستان (بدأت منذ أكتوبر 2001 ولم تنتهي بعد)، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف بينهما في ظروف الاستراتيجية والجغرافيا العسكرية. وقد كشفت حكومة العراق عن وجود ما يقرب من 20 مليون لغم أرضى وحوالي 6 ملايين قنبلة عنقودية تنتشر بمناطق حقول البترول والأراضي الزراعية، حيث تقدر مساحة الأراضي الملوثة بالألغام في العراق بأكثر من 1730 كيلومتراً مربعاً، مما يؤثر سلباً على أكثر من مليون ونصف مليون عراقي.(16) بينما أكدت وزيرة البيئة العراقية، أن استعادة بيئة العراق الطبيعية وتطهيرها من آثار الحرب قد يحتاج إلى قرون، وأنه رغم توقف القصف بمختلف أنواع القنابل غير التقليدية سيظل سكان العراق يموتون بسبب آثار الحرب. وأن المصانع مازالت مدمرة بل تحولت مواقعها إلى بؤر للنفايات الخطرة نتيجة تسرب السموم إلى الماء والتربة. وقد طالت العمليات العسكرية إزالة الغابات في شمال العراق ومعها أشجار النخيل في الجنوب حتى لا تكون أماكن لاختباء المسلحين المعارضين للحكومة، بل توسعت قوات التحالف في تجفيف أهوار دلتا نهري دجلة والفرات لأسباب أمنية.(17) وجدير بالإشارة أن عملية التجفيف قد بدأت في وقت سابق وعليها قامت مؤسسات دولية، داخل العراق وفى المهجر، لمناهضة تدمير النظام الايكولوجى في الأهوار (1993).(18) بالإضافة إلى زيادة ملوحة مياه الأنهار لتلوثها بالصرف الصحي، والتي قد تطول بيئة مكامن المياه الجوفية وأفاق التربة، ناهيك عن التلوث الأرضي بالنفايات الكيماوية ومخلفات الألغام التي مازالت عرضة للانفجار.

وما يصاحب الحروب من الدمار البيئي الشامل لا يفرق بين البيئة الطبيعية والسكان، وأن النتائج المترتبة على تلك الحروب تؤدى لا محالة إلى تغيرات حادة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعوب، أضف إلى ذلك زيادة معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض المعدية.(19) وينسحب ذلك الدمار الشامل لحرب العراق على حرب لبنان (2006)، حيث لم تفلت البيئة البحرية للبحر المتوسط بطول الساحل اللبناني من التلوث بالنفط، كما حدث بسواحل العراق والكويت والسعودية في الخليج العربي من قبل. فقد ساعدت الحرب الإسرائيلية في لبنان على تسرب أكثر من 15 ألف طن من زيت الوقود بمحطة كهرباء جنوب لبنان، وانتشارها بطول 150 كيلو متراً قبالة السواحل اللبنانية والسورية، مما أدى إلى تلوث الشواطئ والمياه الساحلية التي أفسدت فيها عمليات الصيد والسياحة.(20) ومن غرائب الحروب قيام دولة إسرائيل في حربها الأخيرة على قطاع غزة (2009) بإلقاء ما يعادل 3 ملايين كيلو جرام من المتفجرات على مساحة صغيرة لا تزيد عن 400 كيلو متر مربع وأحدثت تدميراً غير مبرر على الإطلاق. بل تكرر إطلاق إسرائيل قذائف الفسفور الأبيض للاستفادة من جدار دخانها السميك في إخفاء تحركات جنود العمليات البرية، ولكن الفسفور الأبيض قد يستخدم كسلاح حارق. وقد شوهدت تلك الآثار المدمرة والمنتشرة في أرجاء قطاع غزة نتيجة الاستخدام العشوائي لهذا السلاح المحرم دولياً، وأن كثرة وجوده يعد دليلاً على ارتكاب إسرائيل لجرائم الحرب في غزة.

وعلى صعيد آخر، فقد خلفت حرب إسرائيل على غزة ما يزيد عن 20 ألف طفل من الذين فقدوا أهاليهم، هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون إلى من يرعاهم بشكل كامل لمدد زمنية طويلة وتوفير برامج تأهيل اجتماعي ونفسي لهم والعناية بجميع جوانب حياتهم الصحية والتعليمية. وقد أعلن صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي في البصرة والنجف وكربلاء وبغداد سيكونون بحاجة إلى علاج نفسي بسبب تلك الحرب الدائرة في العراق، ويدخل أيضاً تلك الدائرة الأطفال الذين تعرضوا لأهوال الحرب في لبنان. ومن وجهة نظر علم النفس البيئي، تعد إصابة الأطفال بالمشاكل النفسية العميقة من المخاطر الجسيمة للعمليات الحربية، حيث يظل الطفل المعرض لويلات الحرب أسيراً لنوبات من الهلع والخوف مصحوبة بصعوبات بالغة في التفكير وحالات من القلق والاضطرابات. وقد صرحت مؤسسات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، أن الأطفال في فلسطين والعراق الأكثر تعرضاً لمخاطر الضغط النفسي من جراء العمليات الحربية لإسرائيل والولايات المتحدة، وأن نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال تحتاج لعلاج نفسي طويل الأمد. ومن ناحية أخرى، يختلف الأثر البيئي ـ النفسي للحرب عند أطفال العمليات الحربية من قرب وهؤلاء الأطفال الذين يتأثرون من البعد، ودليل ذلك اهتمام الدول المتقدمة بالتوازن النفسي لدى الأطفال لإزالة الآثار واستيعاب تلك الحروب التي تدور خارج حدودها في دول أخرى، وذلك نتيجة تعرض هؤلاء الأطفال لمشاهدة بعض المناظر المؤلمة للمجازر البشرية، التي تبثها الفضائيات عبر شاشات التليفزيون.

* خلاصة:
من مراجعة سعى الدول الصناعية الكبرى في الدفاع عن مبادئ الأمن الإنساني وترسيخ مفهوم الأمن البيئي العالمي، وجد أن تلك الدول لا تطبق هذه المبادئ وذلك المفهوم إلا شكلياً وبما يحقق مصالحها ولا يتعارض مع أهدافها الاستراتيجية داخلياً وخارجياً.(21) ودليل ذلك قيام قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا بالغزو العسكري الشامل لأراضى دولة أفغانستان ومن بعدها دولة العراق وصاحب ذلك قيام إسرائيل بتنفيذ حربها الشاملة على دولة لبنان ومن بعدها قطاع غزة. وهناك من يفسر تعاظم التواجد العسكري الأجنبي في المنطقة وهذه الحروب الأربعة في بداية الألفية الثالثة، بتأكيد رغبة الولايات المتحدة في تغيير البيئة الاستراتيجية للإقليم وربما الجغرافية لتعظيم وضع إسرائيل كقوة مركزية داخل تلك المنطقة المفرغة من القوة، وذلك تمهيداً لميلاد مشروع الشرق الأوسط الجديد بوحداته الميكروسكوبية الدائرة حول مركزه في إسرائيل، ذلك الإقليم الإستراتيجي الحيوي الذي تتحكم أمريكا في موارده البترولية من واقع تحكمها في الاقتصاد العالمي. وبرهان هذا المخطط الأمريكي لتنصيب دولة إسرائيل والمدعوم من الدول الصناعية الكبرى، يدل بصورة قاطعة على هلامية مذهب الأمن البيئي الذي تتبناه منظمة الأمم المتحدة في إدارة القضايا البيئية والجرائم المتعلقة بالعمليات العسكرية وواجبات المحكمة الجنائية الدولية بشأنها وكذلك في المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات البيئية بين الدول، بالإضافة إلى تقرير الأمم المتحدة لرصد الوضع البيئي المستقبلي المتوقع بمختلف دول العالم، حتى عام 2025، من منطلق تداعيات الموقف الدولي الراهن للقوات العسكرية الأمريكية.

ومن ناحية تكلفة خسائر الإدارة الأمريكية في حربي أفغانستان والعراق، تشير بعض التقديرات أن التكلفة المالية بلغت خمسة تريليونات دولار أمريكي، بالإضافة إلى حرب إسرائيل في لبنان وغزة التي تقدر بأكثر من خمسة بلايين دولار أمريكي. والسؤال: هل تكافئ تلك الخسائر المالية المكاسب الاستراتيجية والاقتصادية للحملة العسكرية الأمريكية لتغطية الأمن البيئي الإسرائيلي وتحقيق الهيمنة على الثروات الطبيعية بالمنطقة ومنها البترول؟. أما تكلفة حجم الخسائر المادية والبشرية والبيئية التي تكبدتها كل من أفغانستان والعراق ولبنان وقطاع غزة فتقدر بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية. وتبقى إشكالية حسابات وتقدير تلك التكاليف الباهظة للدمار البيئي الشامل نتيجة هذه الحروب، والتي تتطلب لإزالة آثارها في المحيط الحيوي داخل حيز معيشة الإنسان خطط عالمية طويلة المدى ومستمرة عبر القرون القادمة. والسؤال: أي تكنولوجيا وأي قتصاد يستطيع إعادة المناخ المحلى والإقليمي بالمناطق المتضررة لحالته قبل الحرب، وكذلك إعادة ما فقدته منظومة الحياة البرية (النباتية والحيوانية والبحرية) التي تعرضت كثير من الأنواع فيها للانقراض، أو رتق التشوهات الجيولوجية بالقشرة الأرضية نتيجة التفجيرات العميقة؟. فليس المطلوب إعادة التعمير المحلى بمناطق الحروب دون النظر بعين الاعتبار لتلك الآثار البيئية الحادة والمستمرة داخل مساربها في المعمور العالمي، بل مطلوب من المجتمع الدولي تفعيل مبادئ الأمن البيئي والعدالة بين الشعوب ونشر ثقافة السلام بين الدول، والبحث من سبيل اشتراك الدول المتسببة في الحروب نحو تخفيض آثار ذلك الدمار البيئي الشامل.

* قائمة المصطلحات:
– غاز الرادون الصخرى:
الرادون هو غاز خامل مشع عديم اللون والطعم والرائحة، ويتواجد فى مواد البناء وباطن الأرض الذى يتصاعد منها ويتخلل الهواء الذى يتنفسه الإنسان.
والخطورة تأتى من هذا الغاز بعد تحلله إلى حبيبات صلبة تنطلق فى الهواء الذى يتنفسه الإنسان، حيث تلتصق بالرئة التى تتحلل فيها مؤثرة على الخلايا وتتحول إلى أورام سرطانية خبيثة.

– القنابل الذكية:
القنبلة الذكية ما هى إلا قنبلة عادية والاختلاف يأتى فى إمكانية التحكم فى إسقاطها على هدف بعينه، وهى تستخدم كسلاح جوى يتم إسقاطها بواسطة الطائرات الحربية.
ونجد أن محتوي القنبلة الذكية من المواد المتفجرة هو نفسه محتوى القنبلة العادية ويزيد عليها:
– نظام تحكم إلكترونى بالكمبيوتر.
– زعانف للطيران قابلة للتحكم، وهى ما تعتمد عليه فى انزلاقها من الطائرة حيث لا يوجد لديها نظام دفع ذاتى.
– نظام مجس إلكترونى.

– غاز السارين:
السارين يتواجد فى شكل سائل أو بخار عديم اللون، وعند التعرض لهذا الغاز يسبب الأعراض التالية:
– ضيق فى التنفس.
– عديم الرؤية بوضوح.
– قىء.
– إسهال.
– إفراز العرق.
– تشنجات.
– أو الموت فى حالة التعرض له لفترة طويلة.

– الصواريخ البالستية:
الصاروخ البالستى هو صاروخ يبحر فى الجو عابراً حدود الدول، وهو خاضع لقوانين الجاذبية الأرضية.
يمكن إطلاق هذا النوع من الصاروخ بعدة وسائل (منصات) عربات، طائرات او سفن حربية أو حتى غواصات.
تصنف هذه الصواريخ على حسب المدى التى تصل إليه:
1- صواريخ قصيرة المدى لا تتعدى 1000 كم.
2- صواريخ متوسطة المدى تتراوح ما بين 1000 – 2500 كم.
3- صواريخ بعيدة المدى تصل إلى 3500 كم.
4- صواريخ عابرة للقارات تصل إلى 5500 كم.
وتختلف أنواع الصواريخ حسب كتلة المادة المتفجرة وحسب نوعها التى تحملها رءووس الصواريخ.

– الفوسفور الأبيض:
هى مادة مصنعة من الفوسفات لونها أبيض شفاف مائل إلى الإصفرار وشمعية القوام وله رائحة مثل رائحة الثوم، عندما يتفاعل الأكسجين مع الفوسفور الأبيض تنتج غازات حارقة منه تسبب تكون سحابة بيضاء كما أنها تسبب حروق بالغة بجسم الإنسان. كان أول استخدام للفوسفور الأبيض على يد الإيرلنديين فى القرن التاسع عشر .. وهو سلاح محرم دولياً للاستخدام.

* الهوامش والمراجع:
(*) نشرت مقالتي بعنوان “الحروب والدمار البيئي الشامل” في أعقاب اجتياح القوات الإسرائيلية لقطاع غزة (جريدة الأهرام، ع 44606، الأربعاء 21 يناير 2009)، وتوقعت قبول موقع فيدو إعادة نشرها، إلا أن هيئة التحرير اقترحت التطوير والتوسعة والإضافة لتحقيق أهدافها في تعظيم إفادة رواد الموقع، حتى ظهرت في صورتها الحالية. وزاد من إثراء الموضوع ورقتي بعنوان “الأمن البيئي ودور الخدمة الاجتماعية في مصر” لمؤتمر الأمن الإنساني بين المفهوم والتطبيق (المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، القاهرة، 4ـ 5 أبريل 2009). وخلال مرحلة الكتابة حررت مقالة بعنوان “الأمن البيئي .. ضرورة أم ترف؟” (جريدة الأهرام، ع 44716، الأربعاء 11 مايو 2009). وبذلك تكون قد انكشفت أركان اختيار العنوان الجديد: الأمن البيئي العالمي والدمار الشامل للحروب.
(1) سجل كتاب الربيع الصامت (الصادر عام 1962) المرتبة الخامسة بين أحسن مائة كتاب غير قصصي صدرت في القرن العشرين، بل جاء بين قائمة كتب العصر الحديث قاطبة في المرتبة الخامسة والعشرين، وذلك حسب تصنيف مجلة ديسكفري الأمريكية. وقد تعرض ذلك الكتاب الرائد (حسب تقرير مجلة تايم الأمريكية في عام 1999) لكثير من المعارضة القذرة منذ صدوره، بينما واجهت مؤلفته عديد من التهديدات بالاغتيال، بل وصفتها جبهة المعارضة بـالمرأة المستهترة غير المؤهلة لتحرير مثل هذا الكتاب. أما الهجوم الأكبر فمن شركات الكيماويات الأمريكية العملاقة (مونساتو، فلسيكول، السياناميد) المهيمنة على سوق المبيدات الكيماوية والتي كانت تساندها وزارة الزراعة الأمريكية، بالإضافة إلى تواطؤ الصحافة للمحافظة على دخلها مقابل تلقيها المزيد من إعلانات تلك الشركات. وبعد سنوات قليلة من صدور الكتاب، علق الكيميائي روبرت ستيف الناطق باسم الصناعات الكيماوية قائلا: في حالة أن يتبع الإنسان خطي راحيل كارلسون فانه سيعود إلى العصور المظلمة ومعها تعود الحشرات والأمراض لترث الأرض. ولم تتوقف الضغوط التي تحافظ على مصالح شركات الكيماويات، بل قام سياسي بريطاني (عام 2005) بهجمة واسعة قائلا: أن كارلسون تنذرنا بخطر دون أن تعي الحقائق. وفى حقيقة الأمر، أن كل هذه الهجمات الشرسة على الكتاب ومؤلفته قد تجاهلت بل لم تعي قط بأن المقاومة التي اكتسبتها الحشرات خلال تلك المحاولات المستمرة لإبادتها، كانت وراء فشل الكثير من البرامج الصحية. وظهرت مؤخراً الجبهة المؤيدة (عام 2002)، منذ مساهمة الاقتصادي رونالد بيلي ببحث لحث المؤسسات الصناعية للأخذ بكتاب الربيع الصامت، في مناسبة الاحتفال بمرور 40 عاما على صدوره ، مع التوصية بضرورة تبنى برامج متكاملة لتفعيل الحد من استخدام المبيدات لأضرارها الجسيمة بالحياة البرية وخاصة الطيور، بما في ذلك آثارها التراكمية على صحة الإنسان والبيئة.
(2) محمود حافظ. كلمة وتعقيب. ندوة الجغرافيا ومشكلات تلوث البيئة. الجمعية الجغرافية المصرية، القاهرة، 28-29 أبريل 1992، ص 56.
(3) إدريس لكرينى. الهاجس البيئي من العلم إلى السياسة. المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية.
(4) من مراجعة قائمة الدول التي لها تمثيل في هذا المشروع، لم يوجد من مجموعة الدول العربية سوى مصر (القاهرة) ودولة الإمارات العربية المتحدة (دبي).
(5) AC/UNU Millennium Project : Environmental Security Studies.
(6) op. cit.
(7) Michele Zebich-Knos, Global Environmental Conflicting the Post-Cold War Era: Linkage to an Extended Security Paradigm. .
(8) AC/UNU Millennium Project. op. cit.
(9) حمد النيل محمد الحسن إبراهيم. أثر الحرب في تشكيل الصورة الأدبية. مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها، ج19، ع31، رمضان 1425هـ.
(10) تم الرجوع إلى المعلومات المتاحة عن الحروب المذكورة بمختلف مواقع شبكة الإنترنت.
(11) الحسن بن طلال. الكرامة والعدالة لنا جميعاً: الأمن الإنساني في القواسم العالمية. نص الخطاب في جلسة نقاشية حول الأمن الإنساني، الجمعية العامة للأمم المتحدة، نيويورك، 22 مايو 2008.
(12) تم مراجعة ما كتب عن حرائق نفط الكويت في بعض مواقع شبكة الإنترنت.
(13) مروة سالم. خسائر العدوان على غزة. مجلة السياسة الدولية، ع 176، أبريل 2009.
(14) خالد المعينى. الحصاد المر: الخسائر الأمريكية الحقيقية في العراق.
(15) محمد زكى عويس. أسلحة الدمار الشامل. القاهرة، مطبوعات مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003. ص 88.
(16) جريدة الأهرام. الخميس 9 أبريل 2009، ص4.
(17) رسالة منظمة الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة. الخميس، 6 نوفمبر 2008.
(18) رشيد الخيون. بلاد النهرين والطوفان تتصحر.
(19) وزيرة البيئة العراقية: تطهير بيئة العراق من آثار الحرب يحتاج إلى قرون.
(20) رسالة منظمة الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة. الاثنين، 6 نوفمبر 2008.
(21) خديجة عرفة محمد. مفهوم الأمن الإنساني والاستخدامات المتناقضة للمفاهيم.

https://www.feedo.net/Environment/EnvironmentalProblems/Problems/EnvironmentalSecurity.htm

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button