الأمن والجغرافيا السياسية في أوراسيا ما بعد المرحلة السوفيتية

إعداد: عبير ياسين
أدت التغييرات التى شهدتها العلاقات الدولية منذ عام 1989 إلى تغيير الجغرافيا السياسية لأوروآسيا. حيث أثر الظهور المفاجئ لدول آسيا الوسطى والقوقاز على كل من الأوضاع المحلية والعالمية. هذا وقد اعتبر خبراء الاستراتيجية والجغرافيا السياسية هذه المناطق خلال معظم القرن العشرين كجزء من الأراضى الداخلية للاتحاد السوفيتى. أما الولايات المتحدة على الجانب الآخر فقد حاولت احتواء هذه المناطق ببساطة من خلال ربطها بنظم حليفة مختلفة. ولهذا أصبحت تركيا وإيران وباكستان مهمة فى هذه السياسة، بينما أصبحت كوريا وفيتنام أرضا للمعارك. أما الصين فكانت مفيدة فى هذه الحلقة إلى المدى الذى كانت فيه على خلاف مع الاتحاد السوفيتى.
ومع هذا فإن انهيار الاتحاد السوفيتى أدى إلى تغيير الموقف بشكل درامى واضعاً الدول المستقلة حديثاً وآسيا الوسطى والقوقاز بشكل ثابت فى حسابات الجغرافيا السياسية. وقد نتج ذلك لسببين الأول: اكتشاف أن بعض هذه الدول تقع على موارد طبيعية ضخمة خاصة البترول والغاز، والثانى أن بعض هذه الدول تم سريعاً إدخالها فيما وصف بصراعات عرقية. وحتى فى الدول المستقلة حديثاً التى تم فيها لدرجة كبيرة تجاوز عدم الاستقرار والصراع، فإن التنافس بين القوى الخارجية المتعددة على النفوذ فيها هدد ولدرجة كبيرة بعدم الاتفاق والعداء واحتمال التدخل العسكرى، ولهذا برزت قضايا الأمن الدولى والسياسى التى لم تكن قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفيتى.
وخلال الحرب الباردة فقد أدى الاهتمام الدولى الناتج من احتمالات المواجهة النووية بين القطبين ونتائجها إلى التركيز بشكل طبيعى على توازن القوى الدولى والاستقرار الاستراتيجى. أما الآن وعلى الجانب الآخر وبسبب عدم وجود قوى كبرى متنافسة فإن الاهتمام الدولى تحول إلى الصراعات الإقليمية شديدة التعقيد والقائمة على أسس إثنية.
وفى هذا السياق جاء الحديث عن بروز منطقة استراتيجية جديدة تضم معظم دول آسيا الوسطى وشمال وجنوب القوقاز والدول القريبة مثل تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان والصين. هذا فى حين تظل هذه المناطق مجالا للمصالح والاهتمام الحيوى الروسى حيث تشعر روسيا بحساسية فيما يتعلق بالنفوذ الخارجى فى جنوبها الخارج القريب أو إمكانية وجود تهديدات مادية له. ولسنوات فإن تعامل هذه المنطقة مع الخارج ظل فى إطار سيطرة موسكو. أما الآن فإن هناك الكثير من العوامل التى تسهم فى إعادة توجيه الدول المستقلة حديثا بعيداً عن روابطها التاريخية بروسيا فى اتجاه الجنوب استناداً لعوامل مثل الجوار الجغرافى والفرص الاقتصادية والروابط الإثنية والثقافية والدينية.
وقد أدت هذه التطورات إلى القلق الروسى على الأقل ضمن صانعى القرار الروسى الذين وصلوا مع نهاية عام 1992 إلى استنتاج أن استمرار استقلال دول القوقاز وآسيا الوسطى وإعادة توجيه استراتيجيات سياستها الخارجية والاقتصادية والتجارية نحو الجنوب سوف يقوض وضع القوة الروسية العظيمة. ومع فقد روسيا لهيمنتها على النقل والاتصالات الإقليمية نتيجة لمشاريع بناء أنابيب النفط والغاز والطرق السريعة نحو الجنوب فإن هذا يعنى فقد الاتصال المباشر مع موارد المنطقة الطبيعية الغنية والمعادن الاستراتيجية. وفى سعى روسيا لاتقاء ذلك قامت منذ عام 1992 وبشكل فعال بالدفع فى سياسة تهدف إلى إعادة تأسيس السيطرة الروسية الاقتصادية والسياسية والعسكرية على آسيا الوسطى والقوقاز.
ولأسباب متعددة فإن المنطقة تعتبر هامة أيضاً وبشكل متزايد بالنسبة تركيا وإيران والصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى. وتلا ذلك أن المصالح المتعارضة لعدد من القوى سواء داخل أو خارج الإقليم قد أدت إلى تزايد القيود الجديدة على السلام والاستقرار الإقليمى. وفى ظل احتمال نقل كمية كبيرة من النفط والغاز إلى أسواق العالم الخارجية فقد تصاعدت آمال التنمية الاقتصادية والرخاء الإقليمى. وفى نفس الوقت فإن الإيمان بأن من يحمى الجزء الأساسى من أنابيب نقل النفط سوف يحصل على نفوذ ليس فقط فى دول آسيا الوسطى والقوقاز ولكن أيضاً فى دائرة السياسة العالمية وهو أمر من شأنه إبراز الاعتبارات الخاصة بمستقبل الاستقرار فى المنطقة. وبمفاهيم الجغرافيا السياسية فإن التنافس للسيطرة على قزوين والتأثير على الدول الإقليمية التى تتفاعل مع الصراعات الإقليمية والجهود الدولية لتحقيق السلام فى هذه الصراعات أمر يقود المنطقة إلى حالة فريدة مليئة بالتهديدات المتعددة للسلام والاستقرار الإقليمى والعالمى.
هذا ولأهداف هذه الدراسة يشير الكاتب إلى المنطقة المتسعة الممتدة من البحر الأسود إلى غرب الصين ومنغوليا باسم أوروآسيا بالتأكيد على أنه رغم المشاكل الإقليمية الداخلية، إلا أن هناك الكثير الذى يربط المنطقة بشكل متماسك خاصة بالنظر إلى الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية. ومع هذا فإنه لا يوجد شك فى أن كلا من آسيا الوسطى والقوقاز منطقتان منفصلتان فى هامش مجال الجغرافيا السياسية لما بعد الاتحاد السوفيتى، ومع الآليات السياسية المختلفة واتساع التنوع والصراعات الداخلية فإن المفاهيم المستخدمة فى هذه الورقة لأوروآسيا وآسيا الوسطى والقوقاز تسعى إلى رسم الصورة الخارجية للمصالح الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية للفاعلين المختلفين عبر هذه المناطق مما يساعد بشكل واضح كإطار لوصف وتفسير الجغرافيا السياسية المعقدة لهذه المنطقة الهامة والحيوية.
فالمنطقة ذات طبيعة متعددة الإثنيات مع حدود تسبب النزاع باعتبارها تفصل بين مجموعات عرقية متداخلة. وتشهد تغييرات ومشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية أدى إليها انتهاء فترة السيطرة السوفيتية الشمولية. كما تواجه قوى تدميرية جديدة استطاعت السلطوية السوفيتية احتواءها سابقاً: الاستقلال المفاجئ والاعتراف بالهويات الاثنية واجتياح المعاناة الإثنية والهجرة والحرمان الاقتصادى والبطالة المتسعة. لذلك فليس من المستغرب أن الانتقال من الحكم السوفيتى إلى الاستقلال قد أدى إلى مشاكل وصراعات فى إنجازيا وأوسيتيا الجنوبية وناجورنو كاراباخ وطاجيكستان التى تطالب بالفعل بما يقارب مائة ألف شخص وأدت لوجود أكثر من خمسة ملايين لاجئ عبر أوروآسيا. وفى هذا السياق فإن الهدف من هذه الورقة كما حدده الكاتب هو التعرف على مصادر عدم الاستقرار والتهديدات المحتملة لمستقبل الاستقرار فى آسيا الوسطى والقوقاز.
المصادر الداخلية للتهديد:
مع قرب حدوث التفكك السوفيتى أعادت الأقليات القومية اكتشاف هوياتها التى ظلت مقهورة لفترة طويلة وفكرت فى حقوق جديدة. وفى حين مرت عملية إعادة بناء الأمة والدولة فى الجمهوريات الغربية للاتحاد السوفيتى السابق بشكل هادئ وبثبات وسلاسة، فإنها كانت تجربة بطيئة وتتسم بالاحتكار فى آسيا الوسطى والقوقاز، وبتضمين كل من المنافسات الداخلية والإقليمية سوياً مع النفوذ والضغوط الدولية. وبشكل عام، فإن المنطقتين قد تعاملتا مع تحولات ما بعد الاتحاد السوفيتى بطرق مختلفة، وقد أدت هذه الطرق المختلفة إلى مستويات مختلفة من الصراع.
وقد سعت دول آسيا الوسطى وبدرجة كبيرة إلى تجنب وجود ثورات ضخمة عنيفة باستثناء طاجيكستان. ويمكن إرجاع المستوى المنخفض من الصراع، باستثناء طاجيكستان، إلى حقيقة أن كل رؤساء الدول الحاليين فى المنطقة لديهم درجة من الاستمرارية من الحقبة السوفيتية، كما أنهم يحتكرون القوة وحافظوا على العديد من المؤسسات الأساسية. مع هذا فإن نجاحهم فى التعبير عن التغيرات الانتقالية لمرحلة ما بعد السوفيتية وضمان الاستقرار قصير الأجل قد اعتمد دوماً على قدراتهم وقوتهم الشخصية والتى لا تمثل أساساً كافيا للاستقرار طويل الأجل. وفى الحقيقة فإن ظهور بعض النظم السلطوية فى آسيا الوسطى باعتبار أنها مساعدة للاستقرار الإقليمى أمر من شأنه أن يؤدى إلى مشاكل حقيقية ويسمح لبذور الصراعات المستقبلية بالنمو.
وبالتناقض مع هذا، فإن القادة الجدد الذين ظهروا فى القوقاز نبذوا التقاليد السياسية السوفيتية وشرعية النظام القديم، وبدلاً من ذلك سعوا إلى إنشاء أسس القوة والمؤسسات الخاصة بهم. ومع هذا فإنهم يفتقدون كل من الخبرات الحكومية والاتصالات مع التقاليد المحلية والوسطاء. لهذا فإن تحديهم للنظام السياسى القائم أدى إلى عدد من المصادمات العنيفة والثورات وفى بعض الأحيان الحرب الأهلية والتى شملت القوقاز عبر العقد الماضى. أما العوامل التى يمكن أن تبرز فى المنطقة فيتم تناولها فيما يلى:-
التنوع الإثنى والهوية:
بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والتحولات السياسية التى تواجه الدول المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتى السابق فإن دول آسيا الوسطى والقوقاز كان عليها أن تتعامل مع بحث المواطنين عن وتطوير إحساس الهوية القومية. لهذا فمنذ اليوم الأول للاستقلال واجهت هذه الدول الضغوط الضرورية لاستبدال الايديولوجية الاشتراكية ونموذجها الاجتماعى والاقتصادى بتفكير جديد يمكن أن يساعدهم فى التعرف على هوياتهم المستقلة.
رغم أن آسيا الوسطى بشكل عام والقوقاز بشكل خاص لديهم تاريخ طويل وغنى ومستويات متعددة للهويات يمكن إدراكها بين الأفراد، إلا أن الدول الفردية كما برزت من السيطرة الشيوعية خاصة فى آسيا الوسطى لم يكن لها إحساس بهوية منفصلة بالشكل الحديث. وقبل الغزو الروسى كان الأفراد عادة ما يعرفوا أنفسهم بعائلتهم أو عشيرتهم وقبيلتهم وبشكل محلى وأحياناً إقليمى. وقد أدى إنشاء خمس جمهوريات اتحادية فى آسيا الوسطى وثلاث فى القوقاز بواسطة الحكم السوفيتى إلى تعقيد المسألة بشكل أكبر. حيث أن حدود الدول الاتحادية خاصة فى آسيا الوسطى لم تسع إلى إنشاء جمهوريات متجانسة، لكنها أدت إلى تقسيم الناس، وجزأت أى هوية أو إحساس بالانتماء كان موجوداً لدى الأفراد، وحاولت أن تستبدلهم بهويات مشتقة من الحدود الرسمية التى حددت الجمهوريات.
وعندما رسمت السلطات المركزية فى موسكو الحدود السياسية لجمهوريات الاتحاد السوفيتى فى بدايات العشرينيات فإنها لم تعط أى أهمية للهويات الإثنية المحلية. وهكذا تم تقسيم عدد من الأقاليم التى وجدت كوحدات اجتماعية وسياسية واقتصادية متفردة لقرون بين جمهوريات متعددة. وبالتناقض مع هذا، فإن العديد من المناطق التى لم تشهد أى توحد فيما سبق تم تخصيصها لجمهورية واحدة بما سبب مشاكل الهوية والتكامل.
وكنتاج لهندسة القوميات وجد خليط مسمم من الجماعات المحلية والقبلية والإثنية التى تشهد اليوم بوضوح أزمات محتملة تقوم على مسألة القوميات فى كل دول آسيا الوسطى والقوقاز تقريباً. وخلال الحقبة السوفيتية فإن السيطرة السلطوية الصارمة، والقمع أديا إلى السيطرة على السمة غير المستقرة للتنوع الإثنى والدينى. إلا أنه مع هذا لم يتم التعامل مع جذور عدم الاستقرار أبداً بما أسهم بالتأكيد فى اضطراب المنطقة حيث أن قوى التدمير تحررت من القيد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى.
صعود الإسلام السياسى:
فشلت كل من الفترة الطويلة للحكم الروسى الإمبريالى والقيادة السوفيتية الصعبة والملحدة فى تقليل تأثير الإسلام فى المناطق التى يقطنها المسلمون فى الاتحاد السوفيتى السابق. حيث حافظ الإسلام على وضعه كعنصر هام للهوية الفردية والجماعية وقدم قوة أصبحت منذ أواخر الثمانينيات وبشكل متزايد قاطرة مسيسة.
وعموماً، فإن برنامج بناء الأمة فى المنطقة خلال الفترة منذ الاستقلال كان يتم تقديمه من قبل النخب العلمانية والذين واجهوا منذ البداية معضلة، خاصة فى آسيا الوسطى. وسريعاً ما أدركوا أن الإسلام ظل جزءاً أساسيا من الحياة الاجتماعية والثقافية، وأنه سيقدم لهم العديد من المميزات إذا ما تم استقلاله كأداة سياسية. وتلا ذلك، تفكير معظم القادة الإقليميين فى تقديم بعد إسلامى مضافاً إلى سياساتهم.
إلا أنهم فى نفس الوقت خشوا من الميل نحو الإسلام إلى درجة كبيرة والذى يمكن أن يذيحهم فى أى وقت، ولأنهم لم يكن لديهم النية فى أن يمكنوا الناشطين الإسلاميين من تحدى مناصبهم، فإن كل قادة فترة ما بعد الاستقلال فى الدول الإسلامية أكدوا على الطبيعة العلمانية مبادئ الفصل بين الدين والدولة. وفى محاولة للجمع بين هذه المواقف المتناقضة فإن قيادات آسيا الوسطى دخلوا منذ الحصول على الاستقلال فى سياسة مساكنة مع النموذج المعتدل للإسلام فى حين منعوا كل السياسات الحماسية للإسلام السياسى. وتعد الرشادة القائمة خلف هذه المساكنة هى انه مادام يوجد طلب فمن الأفضل أن يتم مقابلة هذا الطلب بواسطة الدولة لمنع المتشددين من تنفيذ هذا الطلب. ومع هذا فإن استراتيجية الكبت والمساكنة فى وقت واحد عزلت النظم الحاكمة عن تحديات الإسلام، خاصة إذا كانت المؤسسات السياسية العلمانية غير مسموح لها بالتطور.
وتوجد إمكانية فى أن يستمر نمو الإسلام السياسى بسبب التغيرات غير المتوقعة وزوال الأوهام عن الآمال، والحرمان الاقتصادى ونقص فرص العمل. هذه الاحتمالات لها أهمية خاصة للفاعلين الإقليميين والدوليين، بالإضافة إلى النخب السياسية المحلية. وفى بعض الأوقات فإن منع إعطاء دفعة للمليشيا الإسلامية ولبروز حكومات ذات توجه إسلامى فى آسيا الوسطى والقوقاز شكل الهدف أساسى لكل من روسيا والغرب.
كذلك فإن فكرة إنشاء دولة إسلامية فردية فى آسيا الوسطى أو القوقاز على الجانب الآخر تعد فكرة غير مقبولة للقيادات الموجودة فى هذه الدول. كما تأتى المعارضة للفكرة أيضاً من روسيا وتركيا حيث أن نفوذهما أمر واضح فى الإقليمين. والأكثر من هذا أن وجود مجموعات روسية كبيرة فى المنطقة يجعل أى محاولة لإنشاء دولة إسلامية أمرا أكثر صعوبة ولهذا فإن التعصب الدينى يمكن ان يتحول ليكون عامل خطر فى المستقبل خاصة وأن الآلة الأيديولوجية للنخب المعارضة تسعى إلى تعبئة الجماهير. ورغم أنها لم تعد بعد مصدراً بارزاً للصراع فى آسيا الوسطى والقوقاز، إلا أن الإسلام كظاهرة ثقافية يظل قوة قادرة وكامنة. ولهذا فإنه من المنطقى القول أنه يمكن أن يلعب دوراً اجتماعيا وسياسياً هاما فى المستقبل.
عدم المساواة الاقتصادية والفقر والفساد:
قدمت دول آسيا الوسطى والقوقاز فرصا اقتصادية هائلة فى عالم ما بعد الاتحاد السوفيتى فصناعة النفط والغاز الطبيعى والذهب هى أكثر المجالات جذباً للاستثمارات الأجنبية. ومع هذا فإن الأنماط غير العادلة للتنمية هى مصادر ممكنة لعدم الاستقرار فى آسيا الوسطى والقوقاز. والاختلافات فى أسس المصادر الطبيعية يمكن ان تثير هجرة موجهة اقتصادياً وتستقطب المجموعات الإثنية وتسبب اضطرابات متزايدة، وبإضافة البطالة المتزايدة والمتسعة فإن هذا يخلق فرصاً للصراع.
كذلك فإنه أمر جدير بالاعتبار النظر لتأثير الثروة المتوقعة من هذه الموارد الطبيعية والتى يمكن ان تنتج مشاكل إقليمية وفرصا للمواجهة. فهناك عدة اعتبارات، على سبيل المثال، فإن الدول التى تحصل على معظم الناتج من استغلال الموارد الطبيعية يمكن أن تستخدم هذه الثروة لزيادة إنفاقها العسكرى وبهذا تخلق تغير فى التوازنات فى ميزان القوة الإقليمى. كذلك فإن إعادة توزيع الثروة ضمن المجتمعات هى مصدر آخر محتمل للصراع حيث لا يوجد شك فى أن الثروة الناتجة من الموارد الطبيعية يمكن أن تقدم وسائل للتنمية الإقليمية المستقبلية، كما إنها إذا أسئ إدارتها يمكن أن تكون عاملا خطيراً لعدم الاستقرار. فعلى سبيل المثال هناك فرصة حقيقية لظهور نخب اجتماعية على نفس نمط هؤلاء الموجودين بشكل شائع فى الجزيرة العربية.
على الجانب الآخر فإن الفقر الشديد فى أجزاء من آسيا الوسطى كان وسيظل عاملاً لعدم الاستقرار الإقليمى. فالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة منذ انهيار الاتحاد السوفيتى تركت العديد من الأفراد بمستويات معيشة منخفضة للغاية عما كان فى السابق وبدون شبكة الأمن الاجتماعى التى كان يقدمها النظام السوفيتى. وهذه التغيرات السريعة والضغوط الاقتصادية أدت بالفعل إلى زيادة ملحوظة فى الفساد الشخصى وبالتالى إلى تأثير سلبى على الاستقرار الإقليمى.
كذلك توجد مشكلة أخرى ترتبط بالهبوط الاقتصادى الإقليمى وهى تجارة المخدرات والأنشطة الإجرامية المرتبطة بها. فعلى الرغم من أنها لم تلعب بعد دوراً جوهريا للغاية فى السياسات الإقليمية إلا أن المعدل الذى يتم به انتشار تجارة المخدرات خاصة فى آسيا الوسطى يعد أمراً مقلقاً. وهذا يستدعى معه الفساد والسلاح واحتمالات الصراع وبالتالى يهدد بانهيار عام للنظام الاجتماعى، وإيجاد نظم سياسية غير مستقرة.
السلطوية:
الأيديولوجية السياسية التى حلت محل الشيوعية فى آسيا الوسطى والقوقاز يمكن وصفها بأفضل معنى بأنها سلطوية علمانية مع الأخذ بفلسفة السوق الحر. فالقادة الإقليميون وصلوا جميعهم إلى خلاصة بأن إعطاء أوضاع دولهم الحالية فترة من الحكم السلطوى أمر يمثل مرحلة ضرورية فى التحول من الشيوعية الشمولية إلى الديمقراطية الحرة. وفى حين أن الصراع من أجل الهوية القومية مستمر داخل كل دولة، فإن السلطوية تقدم الحل باعتبارها الطريق الوحيد للحفاظ على الدولة موحدة. وبالطبع فإنه أمر محبط أن نرى الاقتراب السلطوى لمعظم القادة الإقليميين يتم تقديمه باعتباره الاستجابة الرشيدة الوحيدة للانقسامات الإثنية المحتملة داخل دولهم وكترشيد لسيطرتهم على السلطة. كما أن هذا الأمر يمكن أن يكون مصدراً لمشكلة طويلة الأجل حيث أنها تضع غطاء على المشاكل وتمنع مواجهتها مما يسبب ثورات عنيفة فى الأجل الطويل.
البعد الدولى لعدم الاستقرار:
عندما تفكك الاتحاد السوفيتى تم وضع نموذج بسيط لفهم الجغرافيا السياسية الأوروآسية البارزة. وبالطبع فقد كان ذلك بمثابة مظهر جديد للعبة الكبرى للقرن التاسع عشر حيث حلت تركيا وإيران محل روسيا وبريطانيا العظمى فى سعيهما للسيطرة على النفوذ فى المنطقة. مع هذا فإن هذا النموذج شديد البساطة. وعلى غير النموذج الأصلى فإن اللعبة الكبرى الجديدة تميزت بوجود عدد كبير من اللاعبين متضمنة روسيا وتركيا وإيران والصين والغرب. كذلك فإن هذه اللعبة لم تشهد فقط تدخل الحكومات فيها ولكن تدخل الشركات الأجنبية ومتعددة القوميات أيضا. واليوم، وفى معظم الأجزاء فإن اللعبة الكبرى تتضمن المنافسة الاقتصادية على الأعمال وخطوط الأنابيب والأسواق الجديدة، كما تتضمن النفوذ السياسى والميزات الاستراتيجية. وبالنسبة لوضع آسيا الوسطى والقوقاز، وعلى عكس الموقف فى القرن التاسع عشر، فإنهم يسعون الآن بشكل فعال للحصول على الاستثمارات الأجنبية وكذلك على نماذج ومرشدين كأسس لتنميتهم.
وفى هذا السياق فإن التدخل الخارجى يمكن أن يكون له تأثير إيجابى فى تسوية الصراع الإقليمى من خلال الإمداد بالاستثمارات وخلق فرص العمل وتمويل المساعدات الأجنبية الضرورية للأسواق الإقليمية. مع هذا فإن هامش الربح الذى يؤمن الكثيرون أنه سيتحقق من الموارد الطبيعية الإقليمية مصحوباً مع العوامل الجغرافيا السياسية والاستراتيجية أمر يغوى اللاعبين الخارجيين بالدخول فى لعبة خطيرة يتم لعبها فى داخل وعبر المنطقة.
إضعاف قوة وتأثير روسيا:
تأمل روسيا فى الحفاظ على وجودها وتأثيرها فى المنطقة ولكن جهودها لاستعادة هيمنتها الشاملة فى المنطقة قد تم إعاقتها من خلال مشاكلها الاقتصادية الحادة وضعفها السياسى. ولهذا ففى حين أن روسيا حساسة بالنسبة للوجود والتأثير الأجنبى المتزايد فى المنطقة وتحاول أن تكبح كلا منها فإن تأثيرها أخذ فى التراجع ويعد مقوضا.
أما النشاط الروسى الأغلب فى آسيا الوسطى وما بعد الاتحاد السوفيتى فيوجد فى طاجيكستان. فالتدخل العسكرى الروسى فى جانب من الحكومة الطاجيكية والذى دعمتها فيه أوزبكستان ساهم فى الاستقرار الإقليمى من خلال المساعدة فى احتواء الصراع بغض النظر عن التبريرات الرسمية لإحباط انتشار المتطرفين الإسلاميين والتى كانت مبررة. كذلك فإن الضغوط الروسية هى التى أجبرت الحكومة الطاجيكية على التفاوض مع الجماعات المعارضة وبالتالى أسهمت فى اتفاق السلام الذى تم توقيعه فى يونيو 1997. ومع هذا فإن التدخل خلق اضطرابات بين الطاجيك والأوزبك الذين يعيشون فى طاجيكستان كما أن حقيقة أن النجاح المستمر لعملية السلام اعتمد بشكل كبير على التعاون والدور الروسى يحمل فى داخله بذور عدم الاستقرار. وبنفس الشكل، المناورة الروسية فى القوقاز مثلت العامل الأكثر أهمية لعدم الاستقرار فى المنطقة.
مع ذلك فإن الانسحاب الروسى الواسع من المنطقة يمكن ان يؤدى أيضا إلى تأثير سيئ بإنشاء فراغ قوة يمكن أن يؤدى بالتالى إلى تشوش وعدم استقرار. وبعد كل هذا فإن فى إطار الفراغ الذى نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ظهرت الاختلالات فى الدول المستقلة حديثاً. وبالحكم من خلال الأمثلة الإيجابية فى جورجيا وطاجيكستان حيث استطاعت روسيا أن تقدم أمنا إيجابيا وثابتا من خلال القوات العسكرية التى تحتفظ بها فى المنطقة وبالتالى يمكن القول أن درجة صحية من الاتصال بروسيا سوف تساعد فى حل المشاكل التى ترتبط بصراعات فعالة. وفى نفس الوقت مع هذا فإن الموقف الروسى ضد نفوذ القوى الإقليمية والقومية الإسمية والتدخل الاقتصادى الغربى يعبر بشكل متزايد ويعطى أحياناً الانطباع بأنها تتجاوز ردود الفعل على التهديدات المحتملة أو افتقادها لمجالها التقليدى للتأثير المحتمل بما فى ذلك احتمال اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة.
النفوذ والسياسة الخارجية التركية:
سريعاً وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وعندما كانت مسألة الهوية يتم مناقشتها بجدية ضمن المهتمين المحليين والخارجيين بالنتائج، تم اعتبار تركيا فاعلا مهما بسبب روابطها التاريخية والثقافية والإثنية واللغوية القوية مع الدول المستقلة حديثاً فى آسيا الوسطى (بالإضافة إلى اذربيجان). ولهذا فإن الدور الإيجابى الذى يمكن أن تلعبه تركيا فى المنطقة كان يناقش بتوسع ليس فقط ضمن تركيا ولكن أيضا لدى الغرب الذين شعروا بالخوف من احتمال أن يملأ الإسلام الراديكالى فراغ القوة الذى ظهر فى المنطقة وهو ما أدى إلى تشجيع هذه الدول الكبير لاتباع النموذج التركى للعلمانية الديمقراطية والاقتصاد الحر.
ومن جانبها فإن تركيا أرادت أن تتصرف باعتبارها النافذة أو الرابط بالمجتمع الدولى. والأكثر من هذا أن بروز هذه الدول المستقلة جاء فى وقت كانت تركيا تواجه فيه التأثيرات السلبية لنهاية الحرب الباردة فى ما يخص أمنها وسياستها الخارجية وهو ما كان يتم النظر إليه باعتباره ثغرة مرحباً بها وفرصة تاريخية غير مسبوقة يجب استغلالها لتحقيق منافع سياسية واقتصادية ونفسية. ومع هذا فإن التوقعات المزدهرة تم سريعاً تعديلها من خلال الواقع وكان على تركيا أن تعيد المسار فى وعودها المبكرة فيما يخص المساعدات الاقتصادية الواسعة. وتلا ذلك إحباط فى الجانبين.
الأكثر من هذا أن التحركات التركية فى المنطقة لإيجاد علاقات أقوى دعا منافسيها إلى التساؤل إذا ما كانت تركيا تسعى إلى الهيمنة الإقليمية. أيضا فإن القادة الأتراك عبروا مراراً عن أن المخاوف من إحياء الدعوة للوحدة التركية كامتداد للجهود التركية فى آسيا الوسطى والقوقاز مسألة ليس لها أساس، إلا أن شكوك دول الجوار ظلت تطارد تركيا. كما أدى تأكيد تركيا على الروابط بين الأتراك والمتحدثين بالتركية فى آسيا الوسطى والقوقاز إلى إيجاد الحنق بينهم حيث أنها مثلت طرفاً فى الصراع المباشر لما يتعلق بتفضيلاتهم الخاصة بالهوية القومية الفردية.
وربما كنتيجة لهذا الفشل أن تركيا منذ هذا الوقت عدلت اقترابها بدرجة من الواقعية وركزت بشكل متزايد اهتمامها على القوقاز كمنطقة يمكن أن تكون واعدة للشراكة أكثر من آسيا الوسطى. وبالإضافة إلى القرب الجغرافى الذى يمكن أن تستغله تركيا بنجاح لمصلحتها فإن هناك حوافز أخرى للدور التركى فى إغراء نفط بحر قزوين، والحاجة لنقله إلى الأسواق الخارجية.
تأثير وسياسة إيران:
مثلت إيران لفترة فى المنطقة دوراً أقل من لاعب فى المباراة الكبرى الجديدة ولكن وجودها فى المنطقة تغير فى اتجاه متصاعد خلال السنوات القريبة الماضية. وقد كان هناك العديد من الأسباب للبداية الإيرانية السيئة ممثلة فى الأغلبية الشيعية للسكان – فى حين أن أغلبية المسلمين فى آسيا الوسطى والقوقاز من السنة – وطبيعتها النظرية المنفتحة غير المقبولة للقادة العلمانيين فى المنطقة، وسياستها فى المواجهة مع الغرب الذين كانت دول آسيا الوسطى والقوقاز تدعوهم باستمرار للمساعدة والمعونة.
وبالتالى فإن النفوذ الإيرانى فى آسيا الوسطى امتد إلى طاجيكستان فقط بسبب التفاعل الإسلامى القوى بينهما، وبسبب القرب الإثنى والثقافى واللغوى للبلدين. أما العلاقة القوية لإيران فكانت مع تركمنستان باستغلال الحدود المشتركة الطويلة بينهما. ومن هذا الوضع فإن إيران كان لديها بعض النجاح فى تقديم صورة أكثر إيجابية فى المنطقة. أما الأمر الأكثر أهمية فهو أن السياسة الإيرانية فى المنطقة قد أصبحت أكثر اعتدالاً عما كان متوقعاً. حيث أنها كانت حريصة بشدة على عدم إعطاء انطباع بأنها تسعى إلى عدم الاستقرار فى المنطقة من خلال اعتقادها الثورى. وفى هذا فإن العلاقات الإيرانية القوية مع روسيا وإدراك التحفظات الخاصة بالاستقرار فى حدودها الجنوبية لعبت جزءاً هاماً.
أما الارتباط الإيرانى فى القوقاز كان أقل إنجازاً واقتصر على ارمينيا الطرف الوحيد فى المنطقة الذى لإيران بعض التأثير فيما يتعلق به. ورغم انه ظهر فى البداية أنه أمر شاذ أن يكون لدولة إيران الإسلامية علاقات ناجحة فى أرمينيا المسيحية فى حين أن علاقتها مع اذربيجان الشيعية تظل على أفضل تقدير متوترة فإن المصالح الاقتصادية والحسابات المتعلقة بالجغرافيا السياسية وليس الدين يسيطر على هذا المثلث المعقد. وبشكل عام مع هذا فإن المشاكل الإيرانية الاقتصادية الداخلية تعطيها القليل لتقدمه لكل من آسيا الوسطى والقوقاز بمفاهيم المال والتكنولوجيا وعزلتها الدولية التى تعيق من قدراتها.
الصين وآسيا الوسطى:
بدأت الصين مدفوعة بمطالبها المتزايدة للطاقة والاستثمار بقوة فى الدول الغنية بالبترول فى آسيا الوسطى والقوقاز خاصة فى كازاخستان. والتجارة بين الصين وآسيا الوسطى هى أيضا أمر ناجح. الأكثر من هذا، فإنه بالنسبة للنظم السلطوية فإن استراتيجية التنمية الصينية والأيديولوجية الشيوعية المختلطة مع التغير التدريجى لاقتصاد السوق فى أجزاء من الدولة هو نموذج جذاب. كما أن العلاقات القوية مع الصين يمكن أيضاً أن تساعد آسيا الوسطى فى مواجهة الهيمنة الروسية فى المنطقة. وفى نفس الوقت، وعلى العكس فإن دول آسيا الوسطى تسعى للحفاظ على بعض الوجود الروسى فى المنطقة كحماية استراتيجية ضد المطالب والضغوط الصينية المحتملة مستقبلياً.
ومن جانبها فإن الصين خشيت من أن تلجأ أقلية Uighurr متأثرة بتحرر إخوانهم الأتراك عبر الحدود، إلى اللجوء لوسائل أكثر عنفاً للحصول على استقلالهم وربما تنظيم انتفاضة من قواعد فى آسيا الوسطى حيث يعيش الكثير منهم. وبالمفهوم الأوسع للجغرافيا السياسية فإن الصين ربما تصبح تهديد طويل الأجل لآسيا الوسطى بسبب إمكانات القوة الضخمة وتصميمها على استمرار برنامج الاختبار النووى فى مناطق تجاور آسيا الوسطى. والأكثر من ذلك فإن كازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان بشكل خاص تتشكك فى أهداف الصين حيث أن بكين لديها ادعاءات تتعلق بأراض واسعة من بلادهم خلال السبعينيات والثمانينيات فى حين كانت هذه المناطق لا تزال أجزاء من الاتحاد السوفيتى.
امتداد النفوذ الغربى:
توجد فرص متعددة للاستثمارات والخبرات الغربية فى المنطقة. كما يوجد احتمال حقيقى أن تؤدى الفوائد الاقتصادية الناتجة فى وقت ما يمكن أن تغير أو تعكس التوجهات التقليدية للدول الإقليمية تجاه روسيا. ومع هذا فإنه ليس من المتوقع أن ترحب روسيا بالوجود الاقتصادى الغربى وبالمساعدات واستغلال الموارد فى المنطقة. فأى من هذا يمكن أن يؤثر بشكل عكسى على مصالحها المتوقعة فى المنطقة.
ويأتى اهتمام الروس بالفعل بسبب أنهم يدركون أن النفوذ الأمريكى فى المنطقة يتسع بالتناسب مع تناقص الوزن والنفوذ الروسى. وعلى الجانب الآخر من العملة فإن الولايات المتحدة أصبحت هى أيضاً أكثر فاعلية فى آسيا الوسطى والقوقاز فى السنوات الماضية. وتشمل المصالح الأمريكية المحددة فى المنطقة تقوية الآليات الاقتصادية (والسياسية) والإقليمية، وتنمية الطاقة وعملية نقلها ما بين الشرق والغرب، وتقديم الدعم لجهود حل النزاعات. ومع هذا فإن هناك بعض الأولويات فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية بخصوص التدخل الأمريكى الأوسع فى المنطقة مثل احتواء النفوذ الإيرانى وتقوية المصالح والخطط الاستراتيجية الأمريكية. والأكثر من هذا أن صانعى القرار الأمريكى مهتمون أيضاً بإمكانية انتشار أسلحة الدمار الشمال ونمو تجارة المخدرات فى آسيا الوسطى.
إدارة موارد بحر قزوين:
جاء تحول اهتمام المجتمع الدولى الواسع نحو آسيا الوسطى والقوقاز فى جزء منه بسبب مواردها الطبيعية الغنية. فالتنافس الدولى للوصول إلى احتياطات النفط والغاز وإحضارهم للأسواق العالمية كان له تأثيراته الإيجابية والسلبية على الصراعات الإقليمية. فإدراك أن الفرصة الكاملة للثروة الإقليمية يمكن فقط التمتع بها بشكل واسع إذا كان لمواردها الطاقة وصول مستقر للأسواق العالمية أمراً يدفع التعاون الإقليمى ويقدم حافزاً للجهود الدولية من أجل حل الصراعات الإقليمية. وفى نفس الوقت فإن التنافس بين هذه الدول، التى تأمل فى استضافة خطوط الأنابيب عبر الإقليم يخلق فرصاً واسعة للصراع.
أهمية موارد الطاقة فى منطقة قزوين:
تعد التنمية الكاملة لاحتياطات بحر قزوين فى مرحلتها الابتدائية فقط، وأغلبية احتياطات النفط والغاز فى المنطقة لم يتم تنميتها بعد. ومع ذلك، فإنه فى ظل الاحتياطات الثابتة والمتوقعة فإن المنطقة ليست شرق أوسط جديداً كما تمنى البعض ولكنها يمكن أن تكون بحر شمال جديداً.
وضمن سواحل بحر قزوين فإن إيران أقل الدول اهتماماً بسرعة تنمية المعروض النفطى من قزوين بسبب احتياطاتها النفطية فى الأماكن الأخرى وعدم قدرتها على استغلال الممكن من هذه الاحتياطات بسبب الحظر الأمريكى. اتجاه روسيا مشابه لإيران حيث أنها لا تشعر بالرغبة فى تنمية احتياطات بحر قزوين لأن لديها بالفعل احتياطات ضخمة ثابتة من النفط والغاز والقدرات الإنتاجية فى أماكن أخرى من البلد. الأكثر من هذا، أن الجزء الروسى من قزوين وبالنظر إلى أنه مقسم بالفعل إلى أقسام قومية لا يعتبر واعداً باحتياطات نفطية، ورغم أن هذه المناطق لم يتم تنميتها بشكل كامل بعد فإن المزيد من الاستغلال قد يظل لا يعطى رواسب غنية. الأكثر من هذا، أن روسيا مثل إيران تعد واحدة من أكثر الدول الهامة المصدرة للنفط وبالتالى لن تكون سعيدة أن ترى منافسين جدداً فى التصدير خاصة بما يتجاوز سيطرتها.
تركمنستان مثل روسيا ليست مهتمة برؤية تنمية شديدة لاحتياطات نفط قزوين. فشاطئها على قزوين هو الأقل اكتشافا فى جميع الشواطئ وبه قدر ضخم من احتياطات الغاز الطبيعى أكثر من أى مكان آخر فى البلد. وبالتالى فإن تركمنستان وبالنظر إلى هدفها متوسط الأمد والمتمثل فى تنمية بنية أساسية مستقلة لتصدير الغاز لا تحتاج لأن تمر عبر روسيا. أذربيجان وكازاخستان على الجانب الآخر أكثر اهتماماً من الآخرين بسرعة التنمية والتصدير من نفط قزوين. ويرجع هذا الجانب إلى أن معظم موارد النفط المؤكدة فى المنطقة تتركز بالقرب من سواحلهم، كما أنهم فى حاجة شديدة إلى التمويل بالعملات الصعبة التى ستأتى من تصدير النفط الذى يمكن أن يوسع استقلالهم الاقتصادى والسياسى عن روسيا.
مع هذا فإن أيا من دول بحر قزوين ليس لديها رأس المال الضرورى لاستغلال واكتشاف موارد الهيدروكربون الإقليمية وستحتاج إلى استثمارات أجنبية للمستقبل المنظور. الأكثر من هذا فإن التعقيدات التكنولوجية لاستخراج الرواسب النفطية من تحت البحر تعقد من استغلال بحر قزوين بشكل أوسع. كذلك فإن تنمية أسواق النفط العالمية يمكن أن يؤثر بشكل ليس فى صالح برامج تنمية نفط وغاز قزوين خاصة إذا انخفضت أسعار النفط العالمية أو زاد العرض من النفط العالمى بزيادة استخراج النفط من الحقول التى تم تطويرها حديثاً أو من الموردين التقليديين.
الوضع القانونى لبحر قزوين:
خلال الحقبة السوفيتية كان معظم خط الساحل لبحر قزوين وجزء من النصيب الإيرانى فى الجنوب كان ينتمى إلى الاتحاد السوفيتى. وقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتى إلى وجود خمس دول تتشارك فى سواحل بحر قزوين وتدعى اختصاصها بأجزاء منه. ورغم انه ليس من الصعب أن نرى الحجة المطلوبة لتعريف واضح للوضع القانونى لقزوين فإن النقاش بين الدول المحيطة يدور حول تعريف قزوين هل هو بحر أم بحيرة، فى حين أن المشكلة الحقيقية كما تظهر هى مشكلة توزيع المنافع.
وبشكل عام، فإن الاختيار الخاص بوضع قزوين فى القانون الدولى هو بين ملاك مشتركين فى بحر قزوين وبهذا فإنه مجال للسيادة المشتركة لكافة الدول المطلة عليه، ويخضع تحديد التخوم لشكل ما من القواعد يتم الاتفاق عليها وقد رأت روسيا منذ وقت مبكر أن قزوين مجال للاستخدام المشترك للدول المطلة على أساس المساواة. وطبقاً للموقف الروسى الأصلى الذى تدعمه إيران وتركمنستان فإن قانون البحار لا ينطبق على قزوين لأنه ليس له ارتباط طبيعى بالبحار الأخرى وترى روسيا أنه بحيرة يجب أن تحكم كذلك وعبر الاستغلال المشترك.
مع هذا ففى نوفمبر 19966 قامت روسيا بإعلان تسوية بأنها مستعدة للاعتراف بمنطقة اقتصادية لكل دولة تمتد إلى 45 ميلاً من شاطئها وباختصاص الدول المطلة على قزوين فى حقول النفط التى بدأ تنميتها بالفعل أو فى سبيلها لذلك. الموقف الروسى تردد أكثر مع مرور الوقت ووجد إشارات متعارضة من هيئات حكومية مختلفة وبالأخص فإن موقف وزارة الخارجية الروسية تعارض مع موقف وزارة الوقود والطاقة.
وبالتناقض مع هذا الموقف الروسى فإن الموقف الإدارى تم وصفه بأنه مفهوم حدود البحيرة مع قطاعات قومية تتشكل من خط مركزى متوسط وامتداد للحدود الدولية إلى قزوين. ووفقاً لهذا فإن كل دولة مطلة يمكنها فى جزئها أن تتمتع بالسيادة المطلقة على الموارد البيولوجية وسطح الماء والملاحة واستغلال قاع الماء. وفى أوقات فإن باكو تستخدم مفهوم البحر المفتوح مع مياه إقليمية ممتدة لمسافة 12 ميلاً ومنطقة اقتصادية مطلقة لا تزيد عن 200 ميل مع اتفاقية بالمبادئ الأساسية.
كازاخستان بشكل عام تؤيد الموقف الأذربيجانى. وبالتالى فإن إذربيجان وكازاخستان بشكل فردى قاموا بتقسيم قزوين بما يلائم تصورهم فى حين عارضت كل من روسيا وإيران وتركمنستان هذه التحركات.
ومع هذا وعلى الرغم من أن تركمنستان قد دعمت الموقف الروسى مبكراً فإن موقفها ظل غامضاً منذ فبراير 1997 عندما أعلن نيازوف أن حقول نفط آذارى وشيراج التى استغلتها اذربيجان فردياً هى ضمن الأراضى التركمانية. وقد نشأ عدم الاتفاق بين البلدين منذ هذا الوقت. إيران استمرت فى التصميم على مبدئها وتعارض إنشاء خطوط أنابيب تحت مياه قزوين وتفضل نقل النفط من خلال الخطوط الموجودة عبر الأراضى الإيرانية والروسية. ومع هذا فإن إيران يمكن أن تقبل بمبدأ التقسيم القطاعى لبحر قزوين إذا تم أخذ مصالحها فى الاعتبار.
وخلف كل هذه الاختلافات تبقى الحقيقة أن الفوائد من حقوق الاستغلال للدول سوف تختلف بشكل كبير اعتماداً على وضع قزوين. فحينما يكون قزوين مقسماً بين الدول الساحلية فإن إذربيجان وكازاخستان سوف تحصل على الجزء الآخر من النفط وخاصة فى ظل مفهوم حدود البحيرة سوف يحصلون على كمية أكبر مرتين من تلك التى ستحصل عليها روسيا تحت نفس المفهوم للتقسيم. وفى ظل العرض الروسى الخاص بـ 45 ميل فإن أغلب النفط الآذرى سوف ينتقل إلى الملكية الجماعية.
الأكثر من هذا، إنه خلف الموقف الروسى القائل بأن روسيا لها حقوق معينة فى الدول المستقلة حديثاً لأن اقتصاديات هذه الدول تم تنميتها من خلال الدعم المالى والخبرات الروسية. وإذا نجحت روسيا فى رأيها فإنها سوف تؤثر سلبا على الاستقلال السياسى لدول الاتحاد السوفيتى السابق لأن هذا الاقتراب سوف يقوى بالتأكيد الفاعلين الإقليميين المسيطرين ويعطيهم قوة الفيتو لوقف كل الاستثمارات الدولية المستقلة التى يمكن أن تمكن هذه الدول من الشعور بالحرية من الضغوط السياسية والاقتصادية الروسية. ودول ساحلية أخرى مع هذا قادرة على إدراك فرص الثروة الممكنة من قزوين فى سبيل استقرار سياستهم الاقتصادية والداخلية بنفس القدر الذى يمكنهم به أن يبعدوا بأنفسهم من مجال النفوذ الروسى.
طرق خطوط الأنابيب والمنافسون الدوليون:
تعد إحدى السمات الأساسية لقزوين هى أن معظم الدول الإقليمية الأكثر اهتماماً باستغلال مبكر ونقل النفط والغاز الطبيعى دول حبيسة وعليها أن تعتمد على التعاون مع جيرانها. ولأن كل دولة لديها تفضيل خاص بها لكيفية نقل النفط والغاز الطبيعى إلى الأسواق، وكذلك سعى القوى الخارجية إلى ممارسة تأثيرها للتأكد من اختيار الطريق الأفضل الذى يتلاءم مع احتياجاتهم فإن هذه المسألة تبدو هامة بشكل منفصل عن مسالة الإنتاج.
وفى ظل الحسابات الجيوبوليتيكية الحالية فإن روسيا كانت شديدة الاهتمام بإبقاء أو إحياء نفوذها السياسى فى بحر قزوين. وفى سبيل تحقيق هذه الميزة أصرت روسيا على ان يكون طريق المرور الأساسى للنفط القادم من قزوين هو الطريق الشمالى لخطوط الأنابيب المارة من باكو باذربيجان إلى ميناء نوفورسيلك الروسى على البحر الأسود. وهذا من شأنه أن يدعم سيطرة روسيا الشاملة والاستراتيجية على موارد المنطقة. وبمعارضة الإصرار الروسى على الطريق الشمالى فإن الولايات المتحدة وتركيا وكذلك أذربيجان يفضلون الطريق الغربى عبر جورجيا إلى ميناء سيحان التركى على البحر المتوسط. والمثير للاهتمام ليس فقط عوائد نقل النفط والغاز التى ستحصل عليها الدول من مرور خطوط الأنابيب عبر أراضيها، ولكن الأكثر أهمية أن شبكة خطوط الأنابيب هى أحد العوامل الرئيسية لضمان والحفاظ على النفوذ فى المنطقة. فالأمر الواضح أن استخدام الطريق الغربى سوف يعطى تركيا تأثيراً أكبر عن روسيا التى سوف تستفيد من جانب آخر بقدر أكبر من الطريق الشمالى.
ويقوم التأييد الأمريكى للطريق الغربى على أساس أولوياتها الاستراتيجية فى أوروآسيا والشرق الأوسط. وإحدى هذه الأولويات هى دعم استقلال الدول المستقلة حديثاً فى آسيا الوسطى والقوقاز ضد النفوذ الروسى. وعامل آخر هو استبعاد إيران من المشاركة فى إنتاج نفط وغاز قزوين ومنع تطوير طرق انتقال خطوط الأنابيب يمكن أن تمر من منطقة قزوين إلى الخليج أو المحيط الهندى عبر إيران.
الأكثر من هذا ان الولايات المتحدة تفضل طريق باكور سيحان لأنه يمر عبر دول مؤيدة للولايات المتحدة وسوف يجعلهم ذلك أكثر اقتراباً لبعضهم البعض وللمصالح الغربية. كذلك فإنه يؤمن الدور التركى باعتباره لاعبا أساسيا فى الإقليم الذى يقوى بدوره من مكانه حليفا للناتو له حكومة علمانية ومعتدلة يمكن أن تخدم كنموذج لدول ما بعد الاتحاد السوفيتى ويمكن ان توازن النفوذ الإيرانى والروسى فى المنطقة. إذا تم بناء خط أنابيب باكوبيجان ززضع محل العمل، فإن تأثيره الأساسى سوف يكون إضعاف أو قطع اعتماد دول آسيا الوسطى والقوقاز على روسيا اقتصاديا. كما ستظهر أذربيجان وكازاخستان وتركمنستان باعتبارهم منافسين جدداً لروسيا فى تصدير النفط والغاز للأسواق العالمية وسوف يتم استخدام المال الذى سيتم الحصول عليه لزيادة استقلالهم السياسى عن روسيا. كذلك فإن دور الدول الغربية التى تقدم شركاتها العاملة فى مجال النفط والغاز الاستثمارات الضرورية سوف يتزايد دورها كلما تزايد الدور التركى. وعلى الجانب الآخر، فإن الانخفاض المتوقع فى النفوذ الروسى أو المساعى الخارجية لعزل وتفويض الدور الروسى فى منطقة قزوين يمكن أن يصبح بشكل أكثر سهولة غير منتج، ويمكن أن تواجه بشكل سريع برد يحتمل أن يكون تدميريا لاستقرار وأمن المنطقة.
الاعتبارات البيئية والأيكولوجية:
تم اجتذاب الاهتمام الدولى بالمنطقة من خلال التنافس الإقليمى على القضايا شديدة التفجر الخاصة باستخراج النفط ونقله واقتسام المكاسب وأحياناً بسبب الاضطرابات الإثنية. مع هذا فإن هناك خطراً هاما لازال الساسة والمهتمون بالنفط بشكل عام صامتين بصدده وهو ما يتعلق بتدمير النظام الأيكولوجى لقزوين وما يصحبه من تدمير بيئى. بالإضافة إلى زيادة مستوى البحر وغرق المناطق الساحلية فإن مشكلة زيادة التشبع والدهنية فى التربة أمر يزيد سوء الأوضاع. وبسبب زيادة السكان والاضطراب الناتج عن الكشف السريع على الجرف الساحلى وتطوير الحقول النفطية البعيدة عن الشاطئ فإن الأشكال المختلفة من الحياة البحرية فى قزوين تواجه بتهديد الانقراض. والأكثر من هذا فإنه بسبب تركيز النفايات الهيدروكربونية فإن الشاطئ الآذرى تم إعلانه الآن باعتباره غير آمن للبشر.
هذه الدرجة العالية من الدمار البيئى تؤكد على الحاجة لسلطة دولية تلزم بالتوافق مع قواعد بيئية ملائمة فى المنطقة. مع هذا ولأن المفاوضات على القضايا القانونية التى تحيط بقزوين اختلطت بالاعتبارات البيئية فإن الصراع الدائر على الوصول للموارد قدم عائقا أساسياً لإدارة فعالة لمثل هذه المشاكل خاصة على المستوى ما فوق القومى.
فالمسائل البيئية التى تحيط بالبسفور على وجه الخصوص وبالبحر الأسود بشكل عام بدأ يكون لها وزن ثقيل فى اختيار طريق تصدير نفط قزوين. فالتصدير عبر البسفور قديما منذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى 1991 وهناك اهتمام متزايد بأن المستويات المخططة للتصدير من بحر قزوين سوف تتجاوز قدرة البسفور على التكيف مع مرور الحاويات المطلوبة.
الصراع و/ أو التعاون؟
عادة ما يتم القول أن الاستقرار النسبى لآسيا الوسطى خلال سنوات التحول منذ الاستقلال يرجع إلى الهياكل الاجتماعية الاشتراكية المؤسسة وتقاليد التسامح بالإضافة إلى استمرار القيادات منذ الفترة السوفيتية. مع هذا وبغض النظر عن سواء أكان هذا التقييم صحيحا فإن الجهود الخاصة بتحديد هويات قومية فى حين يتم الصراع مع التحولات الاقتصادية والسياسية لمرحلة ما بعد السوفيتية توضح أن تقاليد التسامح بالدرجة التى توجد بها تواجه ضغوطا شديدة. إحدى الطرق لتقوية ثقافة التسامح والمساعدة فى بذر الاستقرار هى تشجيع التفاعل والتعاون الإقليمى. وأحد الطرق شديد الفاعلية للتعامل مع مشاكل الأمن الإقليمى.
الموضوع: Security and Geopolitics in Post – Soviet Eurasia
المؤلف: Mustafa Aydin
المصدر : Insight Turkey, Vol. 3, No. 4,

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button