دراسات سياسية

الأنظمة السياسية

كل الانظمة السياسية تتأسس فى العادة لتحقيق وظائف (أوأهداف) معينه. والحقيقة ان هذه الوظائف قد يكون لها تسميات عديدة قد تختلف من نظام حكم الى اّخرالا ان التصنيف الاكثر شيوعا هو الذى يحصرها فى الثلات وظائف الاتية: التشريعية, والتنفيدية, والقضائية. وعليه فالذى أعنيه بالتوزيع الوظيفى للسلطات هوالعلاقة بين هذه السلطات الثلات فى الحكومة الواحدة. بمعنى هل هى علاقة فصل شبه كامل كما هو الحال فى الولايات المتحدة. أم هى علاقة أنصهار وأندماج كما هو الحال فى بريطانيا. أم هى علاقة ما بين الاثنين كما هو الحال فى فرنسا وروسيا. ولتوضيح هذه العلاقة الوظيفية لتوزيع السلطات دعونا ننظرالى ثلات أنواع من أنظمة الحكم السياسية السائدة والاكثر شيوعا اليوم.

1. النظام البرلمانى.
2. النظام شبة الرئاسى.
3. النظام الرئاسى.

أولا : النظام البرلماني
الغرض الاساسى من النظام البرلمانى هو امكانية عزل رئيس السلطة التنفيدية بواسطة البرلمان من منصبة اذا لم يستطيع القيام بواجبة المكلف به دستوريا. ولهذا قام النظام البرلمانى على مبدئين أساسيين: (1) مبدا أنصهار أوأندماج السلطات وليس الفصل بينها. و(2) مبدأ صنع القرارات وتنفيدها هو من واجب البرلمان فقط . وعليه ففى هذا النظام يعتبر البرلمان هو أعلى سلطة فى الدولة. فللبرلمان حق اقتراح مشاريع القوانين أورفضها وله حق تعديل أوالغاء القوانين الموجودة فى البلاد. بمعنى ان اى قانون يصدر من البرلمان لا تستطيع أى سلطة فى الدولة ايقاف أوالغاء ذلك القرار. وأغليبة البرلمانات فى العادى تتكون من مجلسين يسميها البعض: مجلس أعلى ومجلس أسفل, ويسميه فريق ثانى مجلس الشعب ومجلس الولايا ت, ويسميه فريق ثالتا بمجلس النواب ومجلس الشيوخ … وغيرها من الاسماء. وفى العادة يكون أحدهم مجلس منتخب والآخر مجلس معين. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين السلطات الثلات (التشريعية والتنفيدية والقضائية) فى هذا النظام :

فى هذا النظام يقوم الشعب يختار أعضاء البرلمان فقط . وأعضاء البرلمان يقوموا بأختيار الخكومة ورئيس الوزراء من بين اعضاء البرلمان. بمعنى يجب أن يتم اختيار الوزراء من البرلمان نفسه وليس من خارجه. وفى حالة عدم حصول أى حزب (أوكتلة سياسية) فى البرلمان على الاغلبية تتكون الحكومة من ائتلاف مجموعة من الاحزاب فى البرلمان. وفى هذا النظام يحق لحزب (أوأحزاب) المعارضة أن تطلب سحب الثقة من الحكومة متى أعتقدت ان أغلبية أعضاء البرلمان لا يتفقون مع سياساتها.

مزايا النظام البرلماني
لعل من أهم مزايا هذا النظام الاتى: (1) بالرغم من ان رئيس الوزراء هو الذى يختار مجلس الوزراء والا أنه فى الحقيقة متساوى مع كل وزير. ولهذا نجد أن رئيس الوزراء فى بعض الدول يطلق عليه أسم: الوزير الاول. بمعنى ان رئيس الوزراء هو مجرد الناطق الرسمى ولا يمكن املاء وفرض سياساته على الوزراء. (2) أن رئيس الوزراء والوزراء يمارسون مبدأ “المسؤولية الجماعية.” بمعنى ان اى مشروع يتم اقتراحه من رئيس الوزراء لابد ان يوافق عليه مجلس الوزراء أولا قبل ان يتم اعتمادة وعندما يتم الاتفاق عليه لايحق لاى وزير الاعتراض عليه. وعلى كل وزير يختلف مع هذا المشروع ان يقدم أستقالته من الحكومة أذا أراد ان يعارضه علنا. (3) رئيس الوزراء والوزراء مسؤلين امام البرلمان ويكون للبرلمان وقت مخصص أسبوعى لمناقشة رئيس الوزراء أو أى وزير أخر وتوجية الاسئلة له. (4) الملك أوالرئيس فى النظام البرلمانى يقوم بوظيفة رياسة الدولة فقط بمعنى أنه يملك ولا يحكم كما هو الحال فى بريطانيا وأسبانيا أورئيس يراس ولا يحكم كما هو الحال فى الهند وألمانيا. وعليه فالرئيس أوالملك يجب أن يكون محايدا. (5) مجلس الشعب يستطيع عزل رئيس الوزراء عن طريق سحب الثقة منه وتشكيل حكومة جديدة. وفى بعض الدول كما هو الحال فى ألمانيا يشترط قبل القيام بسحب الثقة أن يكون المجلس قد اختار البديل له. (6) المحكمه العليا فى هذا النظام هى عبارة عن اللجنة القضائية فى مجلس الشيوخ. بمعنى لاتوجد مرجعية قضائية فى هذا النظام وانما توجد مرجعية تنفيدية. وبمعنى أخر البرلمان فى هذا النظام هو أعلى سلطة فى البلد. (7) النظام البرلمانى يمكن أعتباره أكثر استجابة ومرونة فى أتخاد القرارات من النظام الرئاسى. (8) النظام البرلمانى يشجع على وجود حوار ونقاش جاد بين كل القوى السياسية حول القضايا الرئيسية التى تواجه البلاد.

عيوب النظام البرلماني(1) لعل من أهم العيوب هو غياب الفصل بين السلطات الثلات فى هذا النظام. هذا الانصهار بين السلطات الثلات فى هذا النظام قد يقود الى أستغلال السلطة والاستبداد بها خصوصا فى الدول النامة والتى تفتقد لمؤسسات معاصرة وقوية. (2) موعد الانتخابات غير ثابت فى هذا النظام ومن حق رئيس الوزراء البقاء فى منصبه طالما يملك تقة الاغلبية فى البرلمان. فعلى سبيل المثال ينص القانون الانجليزى على أن تعقد الانتخابات البرلمانية خلال خمس سنوات. هذا يعنى ان من حق رئيس الوزراء أن يدعو الى أنتخابات جديدة متى رغب ذلك خصوصا عندما يشعر بأن الشعب يؤيد سياساته. وبالفعل فقد قامت رئيسة الوزراء البريطانية ماقرت تاتشرعام 1983 باستغلال هذا التفسير للقانون عندما أنتصرت فى الحرب التى قادتها ضد الارجنتين فيما عرف بحرب “جزر الفالكونز.” وكانت نتيجة تلك الانتخابات أن زادت نسبة مقاعد حزب المحافظين فى البرلمان من 53% الى 61%. و(3) ولعل من عيوب هذا النظام هو ان لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء يتم أختيارهما من قبل الشعب وبهذا فسوف يكون من الصعب على الشعب محاسبة هؤلاء الا من خلال ممثليه.

ثانيا: النظام شبه الرئاسي
يعرف هذا النظام بالنظام الرئاسى-البرلمانى. بمعنى هو نظام خليط بين النظام الرئاسى والبرلمانى. ففى هذا النظام رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان فى تسيير شئون الدولة. وتوزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يختلف من بلد الى اّخر. وهذا النظام يختلف عن النظام البرلمانى فى أن رئيس الجمهورية يتم أختياره من قبل الشعب. ويختلف عن النظام الرئاسى فى أن رئيس الوزراء مسئول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله اذا أراد.
ولعل أحسن مثال على ذلك هو نظام الحكم الفرنسى مند 1958 عندما قام الرئيس الفرنسى ديغول بتأسيس ما عرف فى التاريخ السياسى الفرنسى بالجمهورية الخامسة. فى هذا النظام أسس ديغول نظام برلمانى على أن يقوم فيه الرئيس بمشاركة البرلمان فى الحكم. وبمعنى اّخرالحكم فى هذا النظام هو مشاركة السلطة التنفيدية بين البرلمان ورئيس الجمهورية. وتوزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تقوم على أساس الموافقة بين السلطتين. ففى فرنسا على سبيل المثال لقد أصبح من المتعارف عليه ان يقوم رئيس الجمهورية بأدارة الشئون الخارجية للبلاد بينما يتولى رئيس الوزراء أدارة الشئون الداخلية. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين السلطات الثلات (التشريعية والتنفيدية والقضائية) فى هذا النظام :

فى هذا النظام يحق لرئيس الجمهورية ان يعين رئيس الوزراء بعد موافقة البرلمان (مجلس النوب) على ذلك. وبعد اختيار رئيس الوزراء يطلب منه اختيار الوزراء بالاستشارة مع رئيس الجمهورية. وفى هذا النظام لا يشترط ان يكون الوزير عضوا فى البرلمان كما هو الحال فى النظام لبرلمانى.

مزايا النظام شبه الرئاسي :
لعل من أهم مزايا هذا النظام الاتى: (1) من حق الحكومة اصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك. (2) للحكومة الحق فى اقتراح القضايا التى يجب مناقشتها فى مجلس الشعب ويمكن ان تشترط على مجلس الشعب الكيفية التى يجب ان يتم بها مناقشة هذه القضايا كأن تشترط ان يتم مناقشتها بدون تعديل ولا اضافة أوان يتم التصويت عليها بنعم أو لا. (3) هذا النظام يعطى لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس بشرط الا يسىء أستخدام هذا الحق. بمعنى لا يجب على رئيس الجمهورية المطالبة بانتخابات جديدة للمجلس أكثر من مرة واحدة فى كل سنة. (4) ومن جهة أخرى يمكن للجمعية الوطنية فصل رئيس الوزراء أو أى وزير اّخر عن طريق سحب الثقة منهم. (5) لرئيس الجمهورية الحق فى فرض قانون الطوارى. (6) لرئيس الجمهورية الحق فى أستفتاء الشعب فى قضايا يراها هامة ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون فى الدولة. (7) المرجعية الدستورية فى هذا النظام فى يد مجلس دستورى. وكيفية أختيار هذا المجلس يختلف من دولة الى أخرى. فعلى سبيل المثال يتكون المجلس الدستورى فى فرنسا من تسعة (9 ) قضاة يتم أختيارهم لمدة تسعة (9 ) سنوات كالاتى: يختار رئيس الجمهورية ثلات (3) قضاة, ويختار رئيس مجلس الشعب ثلات (3) قضاة, ويختار رئيس مجلس الشيوخ ثلات (3) قضاة. أما فى ايران فيتم أختيار أعضاء المجلس الدستورى عن طريق الانتخابات العامة من مجموعة من الفقهاء والخبراء الدستوريين..

عيوب النظام شبه الرئاسي :
(1) المشكلة الاساسية التى تواجه هذا النظام هى عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذى يمثل مصالح البرلمان. وهذه المشكلة عرفت فى السياسة الفرنسية “بمشكلة التعايش المزدوج.” وهى الحالة التى يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من أتجاة فكرى مناقض للاتجاة الذى يمثله رئيس الوزراء. كما حدت للرئيس الفرنسى ميثران “الاشتراكى” عندما فرضت عليه الجمعية العمومية ان يختارالسيد شيراك “اليمينى الراسمالى” ليكون رئيسا للوزراء عام 1986. وعليه فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ان يتعاونا وأن يتحدى لكى تنجح الحكومة وتحقق أهدافها. (2) اساءة استخدام قانون الطوارى من قبل رئيس الجمهورية. ولعل خير مثال على ذلك هو استخدام الرئيس المصرى حسنى مبارك لهذا القانون مند ان تولى السلطة عام 1981 الى الان. و(3) امكانية قيام رئيس الجمهورية باساءة استخدام حقه فى استفتاء الشعب كما هو سائد اليوم فى كثير من الدول ذات النظام شبه الرئاسى.

ثالثا : النظام الرئاسي
فى النظام الرئاسى الشعب يختار رئيس الجمهورية وايضا المجلس التشريعى (الكونقرس) ويتوقعهما ان يراقبا بعضهم البعض. ففى هذا النظام رئيس الجمهورية هوالمسؤول الاول فى السلطة التنفيدية وهو بالتالى مسؤول مسؤلية كامله على ما يدور فى ادارتة. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين السلطات الثلات (التشريعية والتنفيدية والقضائية) فى هذا النظام:

ولعل من أهم ما يميز النظام الرئاسى هو مبدا “الفصل بين السلطات.” أى ان هذا النظام يقوم على فكرة الفصل شبة الكامل بين السلطات الثلات (التشريعية والتنفيدية والقضائية). وفقا للدستور الامريكى على سبيل المثال ان مهمة صنع (أتخاد) القوانين هى من أختصاص البرلمان (الكونقرس) فقط, ومهمة تنفيد هذه القوانين هى من أختصاص السلطة التنفيدية (الرئيس) فقط, ومهمة تفسير وتأويل هذه القوانين هى من أختصاص السلطة القضائية وخصوصا المحكمة العليا فقط. والى جانب مبدا الفصل بين السلطات يوفر الدستورالامريكى مبدا ثانى — يكمل المبدأ الاول — هو مبدا “المراقبة والتوازن بين هذه السلطات.” بمعنى اعطاء حق المراقبة لكل سلطة على السلطات الاخرى من اجل تحقيق التوازن بينهم. فعلى سبيل المثال كل قرار يعتمده البرلمان يشترط مصادقة الرئيس عليه لكى يصبح قانونا. وللرئيس حق رفض (أونقد) اى قرار لا يتفق مع سياساتة. وفى حالة رفض الرئيس اى قرار أصدره البرلمان يحق للبرلمان الغاء اعتراض (أو نقد) الرئيس بموافقة ثلثى أعضاء كل مجلس فى البرلمان (الكونقرس). وفى حالة نجاح البرلمان فى ألغاء أعتراض الرئيس وجعل هذا القرار قانونا يحق للرئيس (أوأى مواطن اّخر) الرجوع الى المؤسسات القضائية لتحدى دستورية هذا القانون.

مزايا النظام الرئاسي :
(1) رئيس الجمهورية هو رئيسا للدوله وللحكومة فى نفس الوقت ويتم أنتخابة من قبل الشعب مباشرة. وبالتالى فلا توجد علاقة مباشرة (رسمية) بينه وبين البرلمان وبالتالى لا يعتمد على ارضاء البرلمان فى أتخاد قراراته. (2) يمكن القول بأن النظام الرئاسى هو أكثر الانظمة أستقرارا لأسباب عديدة لعلى من أهمها ان موعد الانتخابات ثابت ويحدده القانون. فرئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان يتم أنتخابهم لفترات زمنية تابتة. وفى بعض المناصب قد يحدد القانون مدة محددة للبقاء فى المنصب. فعلى سبيل المثال لقد ثم تعديل الدستور الامريكى عام 1951 (فيما عرف بالتعديل الثانى والعشرون للدستور) وثم بموجب ذلك تحديد فترة الرئاسة الى فترتين (كل فترة أربع سنوات) فقط. (3) لايوجد رئيس للوزراء فى هذا النظام ومجلس الوزراء (أو الامناء كما يطلق عليهم فى النظام الامريكى) يختاره رئيس الجمهورية لمساعدته فى تنفيد سياساته. ولايجوز الجمع بين عضوية البرلمان والمنصب الوزارى أو اى منصب وظيفى اّخر فى الحكومة أو خارجها. (4) فى هذا النظام يمكن تحقييق التوازن والمراقبة بين السلطات الثلات بسهولة.

عيوب النظام الرئاسي :
(1) لعل من أهم عيوب هذا النظام هو انه قد يقود الى تصادم السلطة التنفيدية مع السلطة التشريعية خصوصا اذا تعارضا برامجهما السياسية. ففى أمريكا على سبيل المثال قد حدت هذا عام 1995 عندما تعارضت سياسات الرئيس وليم كلنتون (من الحزب اليمقراطى) مع سياسات الجمهوريين الذين سيطروا على الكونقرس عام 1994. وكانت نتيجة هذا التصادم تعطيل العمل فى المؤسسات الفدرالية لعدة أيام وكلفة الدولة مئات المليارات (ريمر 1997, ص262). (2) ونتيجة لوجود مبدا الفصل بين السلطات فأنه فى حالة حدوت تصادم بين السلطة التنفيدية والسلطة الشريعية يكون من الصعب الوصول الى حل (أو حل وسط) وذلك لغياب الاليات الدستورية التى يمكن الرجوع اليها (ما عدا الانتخابات التى يحددها القانون) لحل هذا الاشكال. ولا يمكن الرجوع الى الشعب الا فى الانتخابات القادمة. و(3) ونتيجة لوجود مبدا الفصل بين السلطات فأنه من الصعب تحميل المسئولية الى أى طرف ويصبح من السهل التهرب من تحمل هذه المسئولية وتصبح السياسة السائدة هى: “سياسة الاتهام (أوأللوم)” لبعضهم البعض.

رابعا : الخاتمة : أي هذه الانظمة أحسن؟
فى الحقيقة لا يوجد نظام سياسى أحسن من كل الانظمة الاخرى. فلكل نظام مزايا وعيوب. والذى يجب البحت عليه هو: ما هو النظام السياسى الأنسب لبلادنا ولشعبنا ولظروفنا ولاتحديات التى تواجهنا اليوم؟ وفى أعتقادى ان الذى يناسبنا اليوم ومن الممكن أن يحقق لنا الاستقرار والسلام والحرية والعدل هوالنظام الرئاسى مع أضافة بعض الضوابط عليه. وذلك لأسباب عديدة لعل من أهمها: (1) أننا نعيش اليوم ثقافه سياسيه أستبدادية لا يمكن — فى تصورى — التخلص منها الا بالفصل شبه الكامل بين السلطات مع توفير مبدا “المراقبة والتوازن” أيضا. (2) غياب مبدأ احترام قواعد اللعبة لذا الاغلبية العظمى من سياسيونا. فكل الحكام العرب بل وقد أقول كل الذين يمارسون السياسة فى الوطن العربى (ألا من رحم ربى) لا يؤمنون بقانون “الجادبية السياسية.” بمعنى كلما يصعد السياسى العربى الى أعلى كلما رفض النزول الى أسفل ولن ينزل الا بالموت الطبيعى كما حدت للملك فهد والملك حسين والملك الحسن, أوبالاغتيال كما حدت للرئيس السادات والملك فيصل, أوبالجنون كما حدت للرئيس بورقيبة, أو بالشنق كما حدت لصدام حسين, أو بالانقللاب كما حدت لأغلب الحكام العرب. و(3) غياب الثقة بين الحكام والمحكومين فى منطقتنا. فمن الصعب اعطاء أى حاكم عربى هذه الايام ما أعطى الدستور الفرنسى لرئيس الجمهورية ويتوقع منه أن يحترمه. وعليه فى تصورى المتواضع لابديل لنا من تبنى النظام الرئاسى على الاقل فى المدى القريب برغم من كل عيوبه أذا أردنا بناء دولة متطورة وعصرية …

د. محمد بالروين

________________________
المراجع :
1. Daziger, James (198) “Unerandi the Politicl World: A Comparative Inrouton to Politicl Science.” .New York: Longman. 4/e
2. Jacobsohn, John A. (1998) “An Introduction to Political Science.” New York: West/Wadsworth
3. McCormick, John (2004) “Comparative Politics in Transition.” 4/e. United States: Thomson Wadsworth
4. Rasmussen, Jorgen and Joel C. Moses (1995) “Major European Governments.” 9/e. Belmont, California: Wadsworth Publishing Company.
5. Riemer, Neal and Douglas W. Simon (1997) “The New World Politics: An Introduction to Political Science.” New York: Collegiate Press.
6. Roskin, Michael G. (2004) « Countries and Concepts : Politics, Geography, Culture.” New Jersey: Pearson: Prentice-Hall: Upper Saddle River

الجزء الثاني:
فى المقال الاول حاولت تركيز حديتى على البعد الاول من توزيع السلطة والذى أطلقت عليه “التوزيع الوظيفى للسلطة” بمعنى كيف يجب أن تكون العلاقة بين السلطات الثلات: التشريعية، والتنفيدية، والقضائية فى الحكومة الواحدة.” وفى هذا المقال سوف أناقش بأذن الله البعد الثانى والذى سأطلق عليه “التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات.” والذى أعنى به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. بمعنى لابد على كل دولة عصرية الاهتمام بالبعد الاقليمى (أوالجغرافى) والعمل على اثقان ادارتة وحسن التعامل معه. والحقيقة التى لا جدال فيها ان نجاح هذة الادارة يتوقف على الهيكلية التى ستختارها الدوله.

ومن الاشياء المتعارف عليها ان الدستور يحدد الوظائف التى يجب على الحكومة القيام بها وأيضا يحدد المؤسسات الاساسية التى يجب ان تقوم بهذة الوظائف وكيف يتم توزيعها بين هذة المؤسسات. بمعنى هل يمكن تركيز هذة المؤسسات فى مكان واحد أم لابد من استخدام الاسلوب اللامركزى فى ادارتها؟ وفى الاجابة على هذا السؤال أختلفت اّراء المفكرين وعلماء السياسة. وهذا المقال هوعرض مختصر جدا لأهم ثلات أنظمة سياسية مقترحة فى هذا الخصوص:

1. النظام الاتحادى
2. النظام الكونفدرالى
3. النظام الفدرالى

أولا: النظام الاتحادى

الانظمة الاتحادية هى التى تجمع فيها كل السلطات فى يد الحكومة المركزية وان كل من حكومات الاقاليم والحكومات المحليه تستمد سلطاتها من الحكومة المركزية. بمعنى فى النظام الاتحادي كل القوانين تصدر من الحكومة المركزية ويترك أمر تنفيد هذة القوانين لحكام الاقاليم وتقوم الحكومة المركزية بتعيين هؤلاء الحكام. وقد تسمح للاقاليم بتشكيل مجالس تشريعية منتخبة (أومعينة) تساعد الحكام فى تسيير شئون الاقاليم. وسلطات الحكومة المركزية لا تقتصر على القضايا الرئيسية مثل أعلان الحرب والتجارة الخارجية والعلاقات الدولية بل تشمل تقريبا كل القضايا المحلية والاقليميه كالتعليم والصحه والاسكان والمواصلات … الخ. والامثلة على هذا النظام كثيرة لعل من أهمها الصين، وبريطانيا، واليابان، وفرنسا. فعلى سبيل المثال فى فرنسا يمكنك ان تجد فى أى يوم من أيام العام الدراسى كل الاطفال فى كل أنحاء فرنسا يتعلمون نفس المناهج ويقومون بنفس النشاطات الداراسية. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب فى هذا النظام..

مزايا النظام الاتحادى

لعل من أهم مزايا هذا النظام (1) تركيز السلطات فى مكان واحد يسهل عمليه أدارة الدولة ويقود الى سرعة اتخاد القرارات. (2) فى هذا النظام كل الاقاليم والادارات المحلية فى الدولة هى من صنع الحكومة المركزية ولها حق ايعادة تنظيم شكل نظام الحكم فى البلاد. (3) هذا النظام قد يكون الانسب للدول الصغيرة فى الحجم. و(4) هذا النظام هو أكثر الانظمة أنتشارا اذ نجد ان أكثر من 90% من دول العالم تتبنى هذا النظام.

عيوب النظام الاتحادى

لعل من أهم عيوب هذا النظام هو ان تركيز السلطة فى مكان واحد قد يسهل عملية السيطرة على مؤسسات الدولة وقد يقود الى الاستبداد. فكل الانظمة الدكتاتورية هى فى الاصل أنظمة مركزية.

ثانيا: النظام الكونفدرالى

الكونفدرالية هى المؤسسة التى تقوم فيها مجموعة من الاقاليم (أوالولايات) بتفويض الحكومة المركزية بالقيام بمجموعة من الوظائف دون ان تخسر هذة الاقاليم أستقلالها. بمعنى ان كل اقليم يبقى مستقلا داتيا وما دور الحكومة المركزية الا دور تنسيقى وتعاونى لخدمة مصلحة كل الاقاليم. وبمعنى اّخر فالكونفدرالية هى عبارة عن تجمع ضعيف ومحدود ما بين مجموعة من الدول المستقلة. يقوم كل عضو فى هذا التحالف بالمشاركة فى نشاطات الحكومة المركزية والالتزام بما يتم الاتفاق عليه. ولهذا فانه فى أغلب ألاحيان يشترط فى الانظمة الكونفدرالية لكى تنجح أن تتخد قراراتها بأسلوب الاجماع. ولعل خير مثال على هذا النظام هو الامارات العربية المتحدة والاتحاد الاوروبى ومنظمة الامم المتحدة والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية. والرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب.

مزايا النظام الكونفدرالى

لعل من أهم المزايا للكونفدرالية هى كيف يمكن لمجموعة من الاقاليم المستقلةعن بعضها البعض أن تبدا الحركة الجادة نحو توحيد هذة الاقاليم وهى بمعنى أخر اللقاء على سياسة الحدّ الادنى. أما الميزة الثانية لهذا النظام فهى تمكين الاقاليم من تحقيق أهدافها التى لا تستطيع القيام بها منفردة كما هو الحال فى الاتحاد الاوروبى من أجل تحقيق أهذاف أقتصادية، أوكما هوالحال فى منظمة أتفاقية الشمال الاطلسى المعروفة “بالنيتو.” من أجل تحقيق أهذاف عسكرية.

عيوب النظام الكونفدرالى

أما عن عيوب هذا النظام فعديدة لعل من أهمها: (1) غياب الاّليات لتحقيق الالتزام بالواجبات ما بين الاعضاء فى هذا النظام. بمعنى فى حالة رفض بعض الاقاليم الالتزام بواجباتها فلا توجد اى اّليات لدى الحكومة المركزية لأجبارها على ذلك. وهذا بالفعل ما حدت فى تجارب عديدة لعل من أشهرها عجز الحكومة الكونفدرالية الامريكية (1776 – 1787) عن القيام بأعمالها عندما رفضت الولايات دفع الضرائب التى كان من الواجب دفعها للحكومة الاتحادية مما قاد ذلك الى فشل الكونفدرالية. (2) فى حالة عجز الحكومة المركزية فى النظام الكونفدرالى قد تتحول هذة الحكومة الى عائق من أجل تحقيق الوحدة والاندماج بين الاقاليم. ولعل خير مثال على ذلك ما اّلت اليه مصير الجامعة العربية اليوم؟ (3) فى النظام الكونفدرالى لاتستطيع الحكومة المركزية القيام بأى شىء الا بموافقة حكومات الاقاليم علية. و(4) فى النظام الكونفدرالى تستطيع أى ولاية (أوأقليم) ألانسحاب من هذا الاتحاد متى أرادة على العكس من النظام الفدرالى الذى لا تستطيع فيه أى ولاية الخروج من الاتحاد بعد دخولها فيه.

ثالثا: النظام الفدرالى

النظام الفدرالى هو الذى توزع فيه السلطات على أساس مبدا المشاركة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم (أوالولايات). وهذة الفكرة الفدرالية هى محاولة للجمع ما بين اعطاء المواطنين فى أقاليمهم الحرية الكافية لأدارة شئونهم المحلية من جهة وتمكين الحكومة المركزية من أدارة الشؤون العامة للدولة من جهة أخرى. بأختصارالنظام الفدرالى هو الحل الوسط ما بين المركزية الكلية (الملك المطلق) من جهة واللامركزية الكاملة (أستقلالية الاقاليم). والحقيقة اننى عندما أتحدت على نظام الحكم الفدرالى فاننى لا أتحدت على نمودج واحدا أوهيكلية واحدة وذلك لان هناك أشكالا مختلفة للانظمة الفدرالية تختلف فى الكيفية التى يتم بها توزيع السلطات بين الحكومات المختلفة فى الدولة. فعلى سبيل المثال هناك نمادج فدرالية يتم فيها تحديد وتفصيل سلطات الحكومة المركزية فقط وتترك بقية السلطات لحكومات الاقاليم وهذا النوع يتم تطبقه اليوم فى كل من السويد وألمانيا ووماليزيا والولايات المتحدة. وعلى النقيض من هذا النمودج من الانظمة الفدرالية هناك نمودج أخر يقوم على أساس تحديد وتفصيل سلطات حكومات الاقاليم مع ترك ما تبقى من سلطات للحكومة المركزية ولعل خير مثال على هذا النمودج الفدرالى هو ما يطبق اليوم فى كل من الهند وكندا. ولعل الرسم التوضيحى التالى يشرح كيفية العلاقة بين الحكومة المركزية والمقاطعات والشعب فى هذا النظام.

مزايا النظام الفدرالى

الحقيقة ان هناك العديد من المزايا للنظام الفدرالى لعل من أهمها: (1) أن النظام الفدرالى كفكرة يمكن أعتباره من أعظم عمليات الهندسة السياسية. وذلك لانه حاول أن يوفق بين هدفين سياسيين يبدو متناقضين: الهدف الاول هو تكوين حكومة مركزية قويه وفاعلة، والهذف الثانى هو المحافظة على أستقلالية (أو شبه أستقلالية) حكومة الولايات. بمعنى أخر يمكن القول بأن النظام الفدرالى يقوم على أساس فكرة توزيع السلطات بين الحكومة المركزيه والحكومات الأخرى فى الدولة. (2) يتميز هذا النظام بأعطاء الحق لكل اقليم (أوولاية) بأن تكون لها سياساتها الخاصة بها بما لا يتعارض مع الدستور الفدرالى ولا يتعارض مع سياسات أو أثفاقيات الدولة الاتحادية. بمعنى يمكن أن يكون للولايات سياسات تعليمة أواسكانية أوصحية أوثقافية مختلفة عن بعضها البعض بما لايتعارض مع الدستور الفدرالى وسياسات الحكومة الفدرالية. (3) هذا النظام يمكن أعتبارة من أحسن الاجابات لحل مشكلة الحكم فى الدول كبيرة الحجم جغرافيا. والحقيقة أن كل الدول كبيرة الحجم جغرافيا والناجحة سياسيا قد تبنت هذا النظام مثل الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا و كندا والبرازيل ونيجيريا وجنوب أفريقيا وكندا. (4) هذا النظام هو الانسب للدول صغيرة الحجم جغرافيا وبها العديد من الاختلافات العرقية أواللغوية أوالدينية أوالجهوية ….الخ. ولعل أحسن مثال على هذا هو دولة سويسراالتى يقطنها حوالى 7,523,934 مواطن حسب احصائيات 2006 والتى لا تزيد مساحتها عن 41,290 كيلومتر مربع. وفى هذة المساحة الصغيرة يسكن ثلات شعوب: ايطالليون والمان وفرنسيون. وببساطه فان سر نجاحهم وتعايشهم مع بعض البعض هو نظامهم السياسى الفدرالى. (5) النظام الفدرالى يسمح لكل النشظاء السياسيون على المستوى المحلى والاقليمى من تحقيق مصالحهم وحاجاتهم المختلفة من خلال الدستور. (6) هذا النظام يحقق المبدا السياسى القائل: “التنوع من خلال الوحدة.” بمعنى السعى من أجل ايجاد حكومة مركزة قوة ومتماسكة مع السماح بالتنوع وشى من اللامركزية فى الدولة. وبمعنى اخر هذا النظام يساعد على تحقيق الوحدة بين أبناء الدولة دون التشاكل (أوالثماثل). (7) هذا النظام يشجع على تجربب المشاريع على مستويات صغيرة قبل تبنيها كسياسات شاملة ومكلفة. (8) هذا النظام يجعل السلطات قريبة من المواطنين. (9) وأخيرا هذا النظام سيحد من أمكانية أنتشار الاستبداد والطغيان ومنع أمكانية سيطرة مجموعة صغيرة على شؤون الحكم ببساطة.

عيوب النظام الفدرالى

لعل من أهم عيوب هذا النظام الاتى: (1) بطء العملية السياسية فى هذا النظام وفى بعض الاحيان أستحالة تحقيق الاهداف الكبيرة. فعلى سبيل المثال لايزال السياسيون فى الولايات المتحدة يناقشون قضية التأمين الصحى ومن المسئول عليه. بمعنى هل يجب على الدول الفدرالية توفير التأمين الصحى لكل المواطنين أم لا؟ ومن العجيب ان هذا النقاش قد بداء بصورة جدّية عام 1944 عندما أللقاه الرئيس الامريكى روزفلت خطابة المشهور والذى عرف بخطاب: “الحريات الاقتصادية فى أمريكا.” مند ذلك الحين والسياسيون فى نقاش حاذ حول هذا السؤال وحتى الان لم يتفقوا على حل ولا أعتقد أنهم سيصلوا الى اى حل فى القريب العاجل. (2) النظام الفدرالى قد يشجع الجماعات الجهوية والعنصرية أن تنموا وتقوى أذا لم يوضع لها ضوابط. وهذة الحرية فى النظام الفدرالى قد تقود أيضا الى اضعاف النظام وزعزعة أسسه والامثلة على ذلك كثيرة لعل أشهرها اليوم هو مثال كندا. ففى كندا يحاول مواطنوا أقليم “كوبك” المتحدتون بالفرنسية الخروج من الاتحاد باستخدام الاساليب القانونية لتحقيق أهدافهم وتأسيس دولتهم المستقبلية. والمثال الثانى هو ما تقوم به بعض الجماعات فى الهند من محاولة الخروج من السيطرة الهندية. ولعل من أشهر هذة الجماعات: “التامل نادو” و”البنجاب” و”الجامو” و”كشمير.” (3) خروج بعض القيادات العنصرية أو الجهوية التى قد تسبب الكثير من الازعاج للحكومة المركزية ويصعب عليها التعامل معها. (4) النظام الفدرالى قد يشجع على ثكاثر المؤسسات الحكومة وأزدواجية الاّليات الحكومية مما قد ينتج عنه الكثير من الاسراف والتبدير. (4) والنظام الفدرالى نظام معقد سياسيا بطبعه ونتيجة لهذا التعقيد قد يكون من الصعب فى أغلب الاحيان محاسبة ومراقبة السياسين المحاسبة الدقيقة.

رابعا : ليبيا الى أين؟

ان أول قرار سياسى أتخدته الجمعية الوطنية التى أعدت دستور 1951 هو ألاعلان بالاجماع يوم 2 ديسمبر 1950 على أن تكون: “ليبيا دولة ديموقراطية، فدرالية، ذات سيادة ….” وما ان ثم الاتفاق على هذه الاهداف حتى بداء النقاش بين أعضاء الجمعية فى معانيها. ولعل من أهم الافكار التى أثارت الكثير من النقاش والجدل هى فكرة الفدرالية. وحول الفكرة الفدرالية انقسم المؤسيسين فى هذا الشأن الى قسمين: قسم كان ينادى بنظام أتحادى قوى يقوم على أساس حكومة مركزية قوية. وتزعم هذا الجناح كل من المؤثمر الوطنى بزعامة الشيخ بشير السعداوى وجمعية عمر المختار بزعامة عبدالعزيز الساقزلى وكان تخوف هذا الفريق هو ان النظام الفدرالى ربما يعيق اتحاد ليبيا فى المستقبل وأنه يرسخ الجهوية (للمزيد أنظر بلت 1970 أو الخدورى 1963). أما الفريق الثانى بزعامة السيد ادريس السنوسى فكان لا يختلف مع الفريق الاول من حيت الهدف وأنما كان يؤمن بسياسة التدرج من أجل الوصول الى الوحدة الكاملة. والذى حل الاشكال هو الرسالة التى وجهها السيد أدريس السنوسى والتى بعتها للجمعية الوطنية يتعهد ويؤكد فيها بضرورة تكوين نظام فدرالى قوى تكون فيه للولايات الثلاث دور ادارى لا أستقلال ذاتى. وكنتجة لهذا الالتزام الادبى الذى تعهد به أدريس السنوسى ثم الاتفاق على تكوين نظام فدرالى يقوم على أساس الولايات الثلات: برقة وطرابلس وفزان كما هو موضحا فى الخريطة رقم (1)

الخريطة (1) : الولايات الثلات حتى عام 1963
وبناءا على هذا الاتفاق ثم تكوين نظام فدرالى برلمانى ثمتل فيه كل ولاية من الولايات بثمانية (8) أعضاء فى مجلس الشيوخ الذى كان يتكون من أربع وعشرين عضوا يعينهم الملك كما نصت المادة (94) من دستور 1951 التى تنص على أن:”يؤلف مجلس الشيوخ من أربعة وعشرين عضوا يعينهم الملك.” وبعد حوالى أثنى عشر (12) عام من هذا الحكم ثم تعديل الدستور وفقا للقانون رقم 1 لسنة 1963 ونتج عن هذا التعديل اعادة صياغة المادة (176) من الفصـل العاشـر المعنون “بالإدارة المحلية” من الدستور لتقرأ كالاتى: “تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن ، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية ومجالس بلدية ، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات كما ينظم هذه المجالس.” وكنتيجة لهذا التعديل ثم اعادة تقسيم ليبيا الى عشر (10) محافظات كما هو موضحا فى الخريطة رقم (2).

الخريطة (2): المحافظات العشر ما بين 1963 الى 1993
وأستمر هذا التقسيم الادارى لليبيا الى عام 1993 عندما قام حكم القدافى بأعادة تقسيم ليبيا الى خمس وعشرون (25) منطقة ادارية (أطلق عليها أسم الشعبية) كما هو موضحا فى الخريطة رقم (3).

الخريطة (3): التقسيم الادارى مند عام 1993 الى الان
خامسا : ليبيا ومبدأ الفدرالية

والسؤال الان هو: ما هو نظام الحكم الذى يناسب ليبيا ويلبى رغبات شعبها؟ بمعنىأى نوع من التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات الذى دكرته أعلاه يتناسب مع ظروف ليبيا والتحديات المستقبلية التى تواجهها؟ فى تصورى المتواضع ان كل من ينظر فى الخيارات التى ذكرت أعلاه يمكن أن يستخلص الاتى: (1) ان ما قام به حكم القدافى بأعادة تقسيم ليبيا الى خمس وعشرون (25) منطقة ادارية (شعبية) مند عام 1993 الى الان لايمكن الاعتماد عليه لتاسيس دولة ليبيا الحديته والعصرية وذلك لانه تقسيم أدارى يهدف فى الاساس الى ترسيخ شىء واحد فقط هو قيام نظام حكم مركزى تسلطى ودون أعتبار الى أى مكونات علمية وموضوعية أخرى. بمعنى هذا التقسيم ثم القيام به لسبب واحد فقط هو أن تكون الاداة التى يمكن ان يتم بها تمكين وترسيخ حكم القدافى وأستمراره فقط . (2) من جهة أخرى فى تصورى ان أى محاولة للرجوع بليبيا الى مرحلة الولايات الثلات هى محاولة غيرعملية ولا توافق وتتماشى مع تحديات هذا العصر. بمعنى اخر ان تلك الفترة من تاريخنا هى فترة قد تجاوزها شعبنا ولايمكن أن تكون الحل الجاد للتحديات التى تواجهنا اليوم. فاذا كانت أوروبا على سبيل المثال والتى بها عشرات اللغات وعشرات الاقوام وشنت الحروب ضذ بعضها البعض لمئات السنيين هاهى اليوم تسعى الى تشكيل دولة واحدة يحلموا أن يكون أسمها: “الولايات المتحدة الاوروبية.”
وأذا كان هذا هو الواقع اليوم فى كل بقاع الارض وفى ثقافة كل الشعوب المتحضرة فما هو الداعى بالرجوع الى الخلف والاصرار على الجهوية بدل من الوطنية. وعليه فالرجوع والاعتماد على الولايات الثلات كأساس لنظام الحكم فى ليبيا المستقبل هو رجوع الى الخلف ولا يمكن أن يكون حلا للاشكال السياسى فى ليبيا ولن يكون خطوة نحو توحيد وترابط وتألف الشعب الليبى وسوف تكون محصلته خسارة الجميع. (3) فاذا سلمنا بهذا فان الخيار الاحسن والامثل فى أعتقادى لحكم ليبيا على الاقل فى المدى القريب هو تبنى ما سأطلق عليه النظام الفدرالى – الاتحادى الادارى كما نصت عليه المادة رقم (176) من الفصـل العاشـر المعنون “بالإدارة المحلية” من دستور دولتنا الدستورية الاولى (1951 – 1969) والتى تنص على الاتى: “تقسم المملكة الليبية إلى وحدات إدارية وفقا للقانون الذي يصدر في هذا الشأن ، ويجوز أن تشكل فيها مجالس محلية ومجالس بلدية، ويحدد القانون نطاق هذه الوحدات كما ينظم هذه المجالس.”

ولعله من الاشياء المهمة والرائعة فى هذة المادة أنها تنص على ان تقسيم ليبيا الى وحدات أدارية وفقا للقانون. بمعنى ان هذا المادة لم تنص على شكل معين ولاعدد للوحدات الادارية وأنما تركتها متغيرة وفقا لما ينص عليه القانون. الذى تقره الحكومة المركزية.

وأنطلاقا من هذا الفهم وتأكيدا على هذه المادة، وايمانا بمبذا الفدرالية – الاتحادية الادارية التى نادى بها دستور دولتنا الدستورية الاولى (1951 – 1969) أدعو الى تبنى هذة الفكرة مع محاولة تطبيقها بما يتمشى والتحديات التى تواجه بلادنا اليوم. ولعل من أهم ما يمكن التركيز عليه هو الاتى: أولا: أذا كان القانون الذى أصدرته الحكومة المركزية عام 1963 قد نص بأن تقسم ليبيا الى عشر أقاليم (محافظات) بذلا من ثلات ولايات كما توضحه الخريطة رقم (2) أعلاه، فاننى أقترح تبنى هذة الفكره مع أقتراح زيادة عدد الاقاليم (المحافظات) الى خمسة عشر (15) أقليم (أومحافظة) أو أكثر كما هو واضح فى الخريطة رقم (4)

أننى أقترح ضرورة زيادة عدد الاقاليم (أو المحافظات) الى – على الاقل خمس عشر (15) – كما هو واضحا أعلاه وذلك حتى نتمكن من تحقيق التوازن الادارى الامثل والفعال فى كل أنحاء الوطن وخصوصا زيادة ثمتيل المناطق الجنوبية والوسطى فى مجلس الشيوخ.

ثانيا: لكى يمكن تطبيق مبدأ الفدرالية الادارية التى نادى بها مؤسيسو دولتنا الدستورية الاولى لابد من تبنى فكرة مجلس الامة المؤسس من مجلسين: مجلس شيوخ ومجلس نواب كما نصت على ذلك المادة(93) من الفصل السابع التى تقول: “مجلس الامة يتكون من مجلسين: مجلس شيوخ ومجلس النواب.”
ثالتا: واذا ثم قبول مبدا الثمتيل الجغرافى والادارى المتجسد فى مجلس الشيوخ فلابد اذا من اعادة صياغة المادة (94) من دستور 1951 والتى تنص على ان: “يؤلف مجلس الشيوخ من أربعة وعشرين عضوا يعينهم الملك.” وذلك بأن يمثل كل محافظه (أوأقليم) بثلات (3) أعضاء فى مجلس الشيوخ على أن يتم أنتخاب كل عضو فى المجلس لمدة ست (6) سنوات، ويجدد اختيار ثلث (3/1) أعضاء مجلس الشيوخ كل سنتين، ومن أنتهت مدته من الآعضاء يجوز أعادة ترشييحه.
رابعا: لمجلس الشيوخ حق نقد كل السياسات والقوانين التى تتطلب (أو تشترط) على الاقاليم تنفيدها كالتعليم والصحة والضرائب وغيرها. وفى حالة اعتراض مجلس الشيوخ على اى مشروع لايصبح هذا المشروع قانونا الا اذا وافق عليه مجلس النواب بأغلبية الثلتين وأعتمده الرئيس. أما فيما يتعلق بالقضايا الاخرى فلمجلس الشيوخ الحق فى الاعتراض على اى قرار اّخر ولكن لمجلس النوب الحق فى الغاء هذا الاعتراض (أو النقد) بالاغلبية البسيطة.

خامسا: فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والسياسات المالية وسياسات الدفاع والمحافظة على الوطن فهى من مهام الحكومة الفدرالية فقط. بمعنى هذة السياسات ليست من مهام الحكومات الاقاليم الا اذا قررت الحكومة الفدرالية عكس ذلك.

سادسا: يتم أقتراح مشروعات القوانين من قبل أى عضو فى البرلمان أو الحكومة أو رئيس الجمهورية. ومن حق مقدم الاقتراح أن يقترح الكيفية التى بها يجب على البرلمان أتخاد القرار، كأن تشترط ان يتم التصويت على المشروع بأسلوب “نعم” أو “لا” فقط.

سابعا: لابد من التأكيد على ان السيادة فى هذا النظام الفدرالى – الاتحادى هى فى النهاية هى للدستور ولقوانين الحكومة الفدرالية ولآثفاقياتها ومعاهداتها الدولية. بمعنى أى قرار أو أجراء يقوم به أى أقليم أو مواطن يتعارض مع الدستور وقوانين الحكومة الفدرالية ومعاهداتها الدولية يعتبر ملغى ولا يجب العمل به.

ثامنا: يحق لكل ولاية (أو أقليم) الحق فى ان يكون لها مجلسها التشريعى (يمكن ان يسمى مجلس الاقليم) وقد يتم انتخاب هذة المجالس لفترة معينة ولتكن مثلا أربع (4) سنوات. ولعل أهم دور لهذة المجالس هو ادارة ومراقبة القوانين الفدرالية بالدرجة الاولى.

تاسعا: يثم تعيين حكام (أومحافضى) الاقاليم (أوالمحافظات) من قبل رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس التشريعى المنتخب عليه.

عاشرا: يجب أن يسعى هذا النظام لتحقيق المبدا السياسى القائل: “التنوع من خلال الوحدة.” بمعنى السعى من أجل ايجاد حكومة مركزة قوية ومتماسكة مع السماح بالتنوع وشى من اللامركزية فى الدولة. بمعنى اّخر السعى من أجل تحقيق الوحدة بين أبناء الدولة دون التشاكل (أوالثماثل).

سادسا : الخاتمة

فى الختام هذة بعض الافكار حول مفهوم التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات والذى أعنى به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. أدعو الله عز وجل أن أكون قد وفقت. والحقيقة أننى لا أملك الا أن نؤكدهنا بان هذا مجرد راى أعتقد انه الصواب فمن أتى برأى أحسن منه قبلناة … فدعونا نبدء الحوار الجاد والبناء من أجل بناء ليبيا الغد.

________________________
المراجع :
1. Adrian Pelt, Libyan Independence and the United Nations: A Case of Planned Colonization, New Haven: Yale University Press for the Carnegie Endowment for International Peace, 1970, p. 61
2. Majid Khadduri, Modern Libya: A Study in Political Development, Baltimore: The Johns Hopkins Press, 1963, p. 114

الجزء الثالث:
” لو دامت لغـيرك … ما وصلت إليك ”
فى المقال الاول حاولت تركيز حديتى على البعد الاول من توزيع السلطات والذى أطلقت عليه “التوزيع الوظيفى للسلطات” بمعنى كيف يجب أن تكون العلاقة بين السلطات الثلات: التشريعية, والتنفيدية, والقضائية فى الحكومة الواحدة.” وفى المقال الثانى قد تناولت البعد الثانى من توزيع السلطات والذى أطلقت عليه “التوزيع الهيكلى (أوالادارى) للسلطات.” والذى عنت به الكيفية التى يتم بها الفصل بين الحكومات وتوزيع السلطات بينها. بمعنى لابد على كل دولة عصرية الاهتمام بالبعد الاقليمى (أوالجغرافى) والعمل على اثقان ادارته وحسن التعامل معه. أما فى هذا المقال فسوف يرتكز حديتى على البعد الثالت — والاّخيرفى هذة السلسله — من توزيع السلطات والذى سأطلق عليه أسم: “التوزيع الزمنى للسلطات.” بمعنى هل يجب أختيار كل المسؤولين السياسيين فى وقت واحد أم يجب أنتخابهم فى أوقات مختلفة؟ فى نظرى ليس كفاية ان يكون هناك فصل وظيفى ما بين السلطات ولاحتى فصل وظيفى وجغرافى لهذة السلطات اذا لم يكن هناك فصل زمنى فى الكيفية التى يتم بها أختيار المسؤولين فى هذة السلطات. بمعنى اذا اردنا ان نحقق العدل والحرية فلابد من أعطاء فترات زمنية مختلفة للمسؤولين فى هذه السلطات حتى تعطى فرص أكثر للشعب لتأكد من عدم محاولة سيطرة مجموعة معينة على أمور الدوله دون رضاه. ولعله من المناسب هنا أن نسترشد بمجموعة من تجارب الاخرين الذين نجحوا فى هذا الشان وحققوا بذلك الاستقرار. ولعل التجارب الاربعة الاتية قد تودى هذا الغرض:

أولا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الامريكى
الرسم البيانى التالى رقم (1) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى أمريكا..

هذا الرسم البيانى يوضح ان هناك أربع دوائر زمنية للسلطات الاربعة الرئيسية فى النظام الامريكى. هذة الدوائر الزمنية هى دوائر تابتة مع أختلاف مدتها الزمنية. فقد حدد الدستور الامريكى مدة أعضاء مجلس النواب بسنتين يحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته, ومدة رئيس الجمهورية بأربع سنوات (يحق للرئيس اعادة ترشيح نفسه مرة وأحدة فقط وقد ثم هذا نتجة لتعديل الدستور عام 1951). أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فان المدة الزمنية هى ست (6) سنوات ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته. ويشترط الدستور أن يتم أنتخاب أعضاء المجلس فى ثلات مجموعات مثتالية. بمعنى يتم انتخاب ثلت اعضاء مجلس الشيوخ فى نفس الوقت فقط. أما بالنسبة للقضاة فانه يتم تعينهم لمدى الحياة. وطريقة تعيين القضاة هى عملية مشتركة بين رئيس الجمهورية الذى له حق ترشيح القضاة من جهة ومجلس الشيوخ الذى يجب ان يوافق على هؤلاء المرشحين لكى يصبحوا قضاة.

ثانيا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الفرنسى
الرسم البيانى التالى رقم (2) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى فرنسى.

فى فرنسا هناك دائرتان زمنيتان لتوزيع السلطات المختلفة كما هو موضح فى الرسم البيانى رقم (2). فى الدائرة الاولى والتى مدتها خمس (5) سنوات يشترك فيها كل من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس النواب (أو الجمعية الوطنية). فأعضاء الجمعية الوطنية يتم أنتخابهم من قبل الشعب على أساس الدوائر الانتخابية. ويتم أنتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب ويمكن أعادة أنتخابه لمرة وأحدة فقط.
و فى الدائرة الثانيةوالتى مدتها تسع (9) سنوات يشترك كل من القضاة وأعضاء مجلس الشيوخ. ويتم أنتخاب مجلس الشيوخ عن طريق ممثلين عن الولايات وأعضاء الجمعية الوطنية. أما أعضاء المجلس الدستورى التسع فيتم تعيينهم عن طريق رئيس الجمهورية الذى يعين ثلت (3), ورئيس الجمعية الوطنية الذى يعين ثلت (3), ورئيس مجلس الشيوخ الذى يعين ثلت (3) أيضا.

ثالثا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام البريطانى
فى النظام البرلمانى عموما يتم انتخاب مجلس النواب فقط. بعنى ان المؤسسة الوحيدة التى يختارها الشعب أختيار مباشر مجلس النواب. وعليه فمجلس النواب هو الذى له حق تشكيل (أو اعادة تشكيل) الحكومة. والرسم التوضيحى التالى يشرح المدة الزمنية لكل سلطة فى النظام البريطانى. والرسم البيانى التالى رقم (3) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى بريطانيا.

فى هذا النظام (وفى النظام البرلمانى عموما) لاتوجد مدة ثابتة لدورة الانتخابات. وكل ما يشترطه قانون الانتخابات البريطانى هو ان يتم أجراء الانتخابات خلال خمس سنوات. وقد أجاز هذا القانون لرئيس الوزراء الى اجراء انتخابات جديدة متى أعتقد انه مناسب لذلك. ليس هذا فقط بل لايوجد حدّ أدنى الى عدد الانتخابات التى يمكن أن يدعو لها رئيس الوزراء. فعلى سبيل المثال فقد قام رئيس الوزراء البريطانى بالدعوة الى اجراء أنتخابات عامة مرتين عام 1974 (كيزلمن, 1996, ص75).

والحقيقة ان بريطانيا لا توجد بها ما يعرف بالمحكمة العليا كما هو الحال فى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية. ولا يوجد بها مجلس دستورى كما هو الحال فى فرنسا. والذى يوجد هو نظام قضائى معقد من المحاكم التى تترأسها محكمة أستئناف وهى عبارة عن لجنة من لجان مجلس الشيوخ. تتكون هذة المحكمة من خمس (5) قضاة يعينهم رئيس الوزراء ويستمروا فى مناصبهم حتى سن السبعين عام من العمر (وهى سن التقاعد), (ماكورمك, 2005, ص103). والذى يقوم بتعيين هؤلاء القضاة هو المستشار القانونى (الذى هو عضو من أعضاء مجلس الوزراء) أوعن طريق رئيس الوزراء بعد أستشارة المستشار القانونى. بمعنى هذة اللجنة هى فى الحقيقة لجنة سياسية أكثر منها قضائية.

رابعا: التوزيع الزمنى للسلطات فى النظام الالمانى
الرسم البيانى التالى رقم (4) يوضح هذة الدوائر الزمنية للسلطات المختلفة فى ألمانيا..

أن الانتخابات فى ألمانيا هى أنتحابات برلمانية بالدرجة الاولى. بمعنى أنه يتم أنتخاب مجلس النواب عن طريق الشعب فقط. ومجلس النواب يقوم باختيار الحكومة ويحاسبها ويستطيع عزلها متى شاء. ومجلس النواب فى ألمانيا يتم أنتخابة مرة كل أربع (4) سنوات. بمعنى يحق لرئيس الوزراء (المستشار) للدعوة لانتخابات جديدة قبل نهاية الاربع سنوات اذا أراد.

أما السلطة القضائية فى ألمانيا فهى تتجسد فى المحكمة العليا التى تتكون من ست عشر (16) قاضيا أغلبهم من المتخصصين فى القانون وفى العادة أغلبهم من أساتدة القانون أو من الرجال الذين مارسوا القضاء لسنوات عديدة. يعين نصف هؤلاء القضاة (8 قضاة) مجلس النواب, ويعين النصف الاّخر المجلس الفدرالى (مجلس الشيوخ) ويتطلب الموافقة على هؤلاء القضاة بأغلبية الثلتين (3/2) من أعضاء كل مجلس. وعندما يتم أختيارهم يتوقع من هؤلاء القضاة ان يكونوا محايدين وعادين. وكل القضاة يستمروا فى أعمالهم لمدة أثنى عشر (12) سنه غير قابلة للتجديد.

وهذة المحكمة هى أعلى سلطة فى البلد ولها حق مراجعة الدستور. بمعنى ان تفسيرها للدستور هو التفسير النهائى والذى يجب أعتماده فى كل أنحاء البلد وقد أطلق عليها الكثير من الباحتين فى هذا الشأن “أقوى مؤسسة قضائية فى أوروبا” (سودارو, 2001, ص518).

أما رئيس الجمهورية فى ألمانيا فهو غير منتخب من قبل الشعب ولكن يتم أنتخابة لمدة خمس سنوات من المؤتمر الفدرالى الذى يتكون من مجموع أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشيوخ وعدد مساوى لهم يمثلون الولايات. والرئيس “يرأس ولا يحكم.” بمعنى هو مجرد رمز لرئاسة الدوله ويقوم بأعمال رمزية وتنسيقية بين المؤسسات الاخرى فى البلاد. ولعل أهم عمل يقوم به هو تعيين زعيم الكتلة (أو الحزب) الذى يتحصل على الاغلبية فى مجلس النواب على ان يشكل الحكومة الجديدة

أما فيما يتعلق بالمجلس الفدرالى (أو مجلس الشيوخ) فهو يتميز بمشاركة كل الولايات فيه. بمعنى ان هذا المجلس يمثل فى الحقيقة الولايات مباشرة. وبالتالى فان أعضاء هذا المجلس يتم أختيارهم من حكومات الولايات وأيضا بقاءهم يتوقف على رضى الموالين فى هذة الحكومات.

خامسا: الخاتمة
من المناسب هنا أن أختتم هذا المقال بالسؤال الذى أبتديت به: هل يجب أختيار كل المسؤولين السياسيين فى وقت واحد أم يجب أنتخابهم فى أوقات مختلفة؟ ولعل من أهم الاشياء التى يجب أستخلاصها من هذا العرض هو ان عملية الفصل بين السلطات فى الفترات الانتخابية هو الامر السائد فى كل الانظمة الديمقراطية المعاصرة. وان التأكيد على محاولة الفصل ما بين السلطات فى الفترات الزمنية هو امر ضرورى لاسباب عديدة لعل من أهمها عدم السماح الى أى قوى سياسية من السيطرة على كل مؤسسات الدولة فى فترة زمنية ( فترة أنتخابية) واحدة. أن تعدد الدوائر الزمنية للسلطات سوف يمكن الشعب من أن يتخد قراراته بأكثر عقلانية ومن ثم التأكد من ان أختيارات الشعب كانت على أقتناع وليس نتيجة لاى أسباب أخرى.

وأذا سلمنا بضرورة الفصل بين هذة السلطات, يبقى السؤال الذى يجب الاجابة عليه هو: ما هو النمودج الامثل (من النمادج الاربعة التى دكرتها أعلاه) الذى يمكن أعتمادة لحكم ليبيا المستقبل؟ وفى تصورى ان النمودج الالمانى (مع اذخال بعض التعديلات عليه) هو الانسب لنا اليوم. ولعل الرسم البيانى التالى رقم (5) يوضح الدوائر الزمنية المقترحة للسلطات المختلفة فى ليبيا.

هذا الرسم البيانى يوضح الاتى: (أ) يتم أنتخاب كل أعضاء مجلس النواب كل أربع سنوات على ان يمثل كل عضو دائرة أنتخابية واحدة ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند انتهاء مدتة. (ب) يتم أنتخابة رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات ويحق للرئيس اعادة ترشيح نفسه مرة وأحدة فقط . (ج) أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فان المدة الزمنية هى ست (6) سنوات ويحق للعضو اعادة ترشيح نفسه عند أنتهاء مدته. ويشترط أن يتم أنتخاب أعضاء المجلس فى ثلات مجموعات مثتالية. بمعنى يتم انتخاب ثلت اعضاء مجلس الشيوخ فى نفس الوقت فقط. (د) أما بالنسبة للقضاة فانه يتم تعينهم لمدمة عشر (10) سنوات غير قابلة للتجديد. وطريقة تعيين القضاة هى عملة مشتركة بين رئيس الجمهورية الذى له حق ترشيح القضاة من جهة ومجلس الشيوخ الذى يجب أن يوافق على هؤلاء المرشحين (بأغلبية الثلثين) لكى يصبحوا قضاة. أنا أعتقد ان هذا الفصل الزمنى للسلطات فى ليبيا المستقبل سوف يقود الى الاستقرار ويقضى على الاستبداد وسوف يقود بأذن الله على بناء ليبيا الخير والامن والامان. وفى الختام هذا مجرد راى أعتقد أنه الصواب فمن أتى براى أحسن منه قبلناه.

فالى الامام … و … الله المستعان.

المراجع :
1. Kesselman, Mark, el at (1996), “Comparative Politics at the Crossroads.” Toronto: D.C. Heath and Company.
2. McCormick, John (2004) “Comparative Politics. U.S.: Thomson: Wadsworth. 4/e
3. Sodaro, J. Michael (2001) “Comparative Politics: A Global Introduction>” Boston: McGraw- Hill

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى