دراسات سياسية

الإمارات من وزارة للسعادة إلى وزارة اللامستحيل

   كيف تقدمت هذه الدولة العربية؟ لماذا بدأ اسمها يعلو في الأفاق؟ لماذا وزارة للسعادة داخل أروقة دولة زايد المتقدمة؟ هل اخترعت أبو ظبي نظاماً جديداً للنهضة؟ هل تغير الفكر وتحول من مرحلة السكون إلى الإبداع والإنطلاق؟ ماذا أضافت دبي لخرائط المدن العالمية؟ إلى أي مدى استطاعت أبو ظبي أن تقفز وتلحق بركب التقدم والتنمية؟ ما الأسباب الدافعة لنهضة هذه الإمارات العربية في وقت قياسي؟ نحتاج لأن نقف طويلاً بالدراسة والبحث والتقصي كيف اخترقت هذه الدولة مجال التنمية بخطوات سريعة، وما النظام الإداري الذي تبنته لكي تضع اسمها بين مصاف الدول المتقدمة؟ ما الداعي وما الرغبة الحقيقية الدافعة لأن تضع دبي نفسها بين لندن ونيويورك؟ لماذا أصبحنا نقارن دبي بمدينة بكين ولندن وواشنطون؟

    إنها التنمية يا سادة، إنها الرغبة ثم الإدارة الفعالة، إنها الإرادة صانعة المعجزات، إنها الأفكار الخلاقة التي حولت الدولة بكاملها من طور السكون والهدوء في جميع المجالات إلى طور تحقيق الذات اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً ، ومن ثم وضعت نفسها على الخريطة العالمية المتقدمة، وبشهادة الدول المتقدمة نفسها حيث فاز مطار دبي العالمي بجائزة ( مطار العام) كأكبر مطار في العالم بأعداد المسافرين الدوليين، التي تمنحها مجلة ( اير ترانسبورت نيوز) وفاز أيضاً بجائزة افضل مطار في الشرق الأوسط للعام 2015 ضمن استفتاء أجرته مجلة  “بزنس ترافلر”.

    ليست سابقة فريدة من نوعها كي تحقق إمارة دبي هذه التقدم ، أو تحقق الدولة نفسها كل هذا النجاح، وإنما جاء ذلك نتيجة التقدم الفكري الذي حظيه الشيخ زايد أل نهيان ، فلقد ولد عام 1918 في مدينة أبوظبي ، وقد سمي على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان (زايد الأول) والذي حكم إمارة أبوظبي منذ 1855 إلى 1909. ويعتبر الشيخ زايد أصغر أبناء الشيخ سلطان بن زايد بن خليفة الأربعة وحينما بلغ الرابعة من عمره ، تولّى والده الشيخ سلطان بن زايد مقاليد الأمور، واستطاع وقتها تحسين علاقاته بالجوار وتعزيز مكانته بين أبناء وطنه. كما كان مواظبًا على حضور مجلس والده الذي كان يستقبل كافة المواطنين، ويشاركهم معاناتهم في وقت كانت فيه تجارة اللؤلؤ ورحلات الصيد المصدر الأساسي للدخل في مثل هذه المنطقة.

   وقاد الشيخ زايد إمارة العين عام 1946 ولم تكن قلة الإمكانيات حجر العثرة أمام تنمية ونهضة مدينة العين، لكن جاءت التنمية بسرعة فائقة عن طريق توجيهاته الحكيمة، فلقد تم افتتاح أول مدرسة بالعين في عام 1959 ، كما تم إنشاء أول سوق وشبكة طرق ومستشفى، ولعل أبرز ما تحقق في تلك الفترة الصعبة من تاريخ مدينة العين القرار الاستراتيجي الذي أتخذه الشيخ زايد بن سلطان بإعادة التفكير في ملكية المياه وجعلها متوفرة لجميع طوائف المدينة وتسخيرها لزيادة المساحات الزراعية.أصبحت أبو ظبي في عام 2018 من أهمّ دول المنطقة على الإطلاق؛ وهذا بسبب ما حقّقته من نهضة عاليه خلال السنوات القليلة الماضية في شتى المجالات، وتعتبر دبي واحدةً من أرقى الإمارات داخل دولة الإمارات التي كان لها نصيب الأسد من الشهرة والتنمية.

   فلقد كانت الدولة في السابق تعاني صحراء قاحلة، وتحديداً في ثلاثينيات القرن التاسع عشر،  ولا يوجد بها سوى ميناء مدينة دبي قبل اتّحاد الإمارات ؛ كما استحوذت فقط على عددٍ محدودٍ من المدارس والمراكز الصحية، وكان السكان يعملون في مهنة الصيد، ثم بدأت هذه الدولة تتحسن لتضمّ عدداً من الإمارات الأخرى المجاورة، ومن ثم تبدأ مرحلةً متقدمة من التغيير؛ فبدلاً من اعتماد الدولة على الصيد وبيع البترول، قامت أبوظبي مؤخّراً بإنشاء أربع محطات للطاقة النوويّة بالتعاون مع دول أجنبية أسيوية، كما قامت بإنشاء محطّة للطاقة النظيفة؛ وهي سابقة فريدة من نوعها على مستوى العالم العربي. كما يكمُن تطوّر التعليم فيها في افتتاح فروعٍ لكبرى الجامعات في العالم؛ لتُصبح أبوظبي صرحاً عملاقاً يتطور بأسلوب التعليم المختلف، كما يقوم بتُوفيّر مراكز تعليمية لأكبر عددٍ من الطلاب.

    ومن الأسباب التي ساعدت الإمارات للوصول إلى هذه المرحلة الفريدة هو عملية تمكين المرأة في شتى المجالات وخاصّةً في المؤسسة النيابية؛ حيث قامت أبوظبي بحصد أعلى نسبة للمشاركة للنساء في البرلمان على مستوى العالم العربي، فضلاً على أنّ المرأة باتت تخوض العديد من مجالات العمل والوظائف المختلفة؛ فهناك وظائف قادتها النساء والتي منها قيادة الطائرات، وهندسة الطيران، بخلاف العديد من المجالات الأخرى، ممّا جعل الدولة في مرحلة متقدمة من الذهاب للمستقبل بقوة، واذا نظرنا لقطاع السياحة فنحن لا نستطيع حصر الأسباب التي جعلت أبوظبي من أشهر الوجهات السياحية على مستوى دول العالم؛ فيمكن الاستمتاع بالعديد من الأماكن الترفيهيّة والتسوق، والأبراج والفنادق؛ ومراكز التجارة، فالسياحة من أهم الموارد الإقتصادية لدولة الإمارات بالإضافة إلى توافّر أماكن تُناسب جميع أنواع الرّحلات: مثل رحلات المغامرة، والرّحلات العائلية، بخلاف الاستمتاع بالتزلّج على الجليد.

    واذا نظرنا لعملية تحويل إمارة دبي إلى مدينة ذكيّة، فهذا تحول كبير في دنيا التكنولوجيا لدى أبوظبي، كما يعني هذا أنّه سيتمّ عرض العديد من الخدمات الحكومية للمواطنين عبر الشبكة العنكبوتية باستخدام الأجهزة الذكية المختلفة والمتقدمة، ومن أهم الأماكن التي ستقوم بتطبيق هذه العملية هي المحاكم القضائية المختلفة باختلاف أشكالها، كما سيتم استنساخ هذه التجربة لتنتقل من المحاكم لتشمل جميع مدن الإمارات العربية المتحدة. ويمكننا القول أنّ المال لا يستطيع تحقيق الأهداف دون فكر يقوده لتحقيق الأهداف بكفاءة وفعالية حتى يتحقق التقدم والتطور المنشود الذي تريدة  كل دولة؛ فلولا التفكير والعقل لما وصلت الإمارات إلى ما هي عليه الآن؛ فالعقول والعلم هما من أوجدا هذه التنمية الهائلة في دولة التقدم.

 فوفقاً للمؤشرات الدولية تقدمت دولة أبو ظبي بنحو أربعة مراكز متقدمة من خلال حصولها على أعلى قيمة للمؤشر الخاص بالخدمات الإلكترونية الذكية ضمن فعاليات استبيان أقامتة لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية حيث فاقت ما صنعته الإمارات العربية المتحدة كافة التوقعات حيث حققت في هذا المؤشر (0.8913)، ما جعلها في المركز الثامن عالمياً من حيث قيمة ذلك المؤشر الذي يعد مكوناً رئيسياً من مكونات المؤشر الكلي لتنمية الحكومة الإلكترونية.

    وبقراءة المؤشر فقد تقدمت أبو ظبي على كلاً من دولة السويد وإيطاليا واليابان في الخدمات الذكية و الإلكترونية، وبهذا النجاح الباهر تربعت دولة الإمارات  وحافظت على ريادتها الإقليمية والدولية  في مؤشر الخدمات الإلكترونية، فهي الأولى عربياً وخليجياً ، فيما حققت المركز الثالث آسيوياً، والثامن عالمياً. أما بالنسبة لمؤشر المشاركة الإلكترونية، فقد حققت كلاً من  أبو ظبي والدوحة المركز الأول بين الدول العربية، وحققا معاً المركز 32 عالمياً.  ومن الملاحظ أنه وضع دولة الإمارات في قائمة الدول المتميزة على مستوى دول العالم من حيث مستوى النهضة على مسار تنمية الحكومة الإلكترونية. وبهذا كيف نستفيد من التقدم الذي حققته الإمارات؟ وكيف يمكن استنساخه مع مراعاة الظروف المختلفة؟ كيف نتطور ونتقدم ونتحرك تجاه المستقبل بقوة دون أن نقف عند نقطة معينه، فعالم اليوم لا يدعو للوقوف دون التحرك، وإنما يدعو لمزيد من الحركة والتعلم والإكتشاف والعمل والإنتاج، فليس هناك مكان لمن لا يستطيع أن يخلق فكرة جديدة ويصنع مستقبله بنفسه.

 

كتب/ محمد بغدادي

   باحث دكتوراة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

Mh_boghdady@yahoo.com

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى