الابعاد السيكولوجية في النزاعات العربية

الدكتور وليد عبد الحي

أقر وأعترف تماما بان العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودور المخزون التاريخي والظروف الاقليمية والدولية تعلب دورا في خلق وتأجيج بل والتلاعب في النزاعات العربية، لكني اريد التوقف عند البعد النفسي لا سيما على مستوى القيادات العربية لأني اراه بعدا مهملا في اغلب التحليلات السياسية.
إن غياب المؤسسات في عملية صنع القرار السياسي مضافا لها تقاليد ” دور البطل” في صناعة التاريخ في منطقتنا العربية ، وسيطرة الامية السياسية وتجسدها في التعصب القطري والقبلي والحزبي تشكل كلها البيئة الموضوعية لفهم ملابسات السياسات العربية من زاويتها السيكولوجية.
ومن مظاهر الخلل السيكولوجي والذي يساهم في تأجيج النزاعات العربية ما اسميه ثقافة ” المكايدة” وتورم الأنا لدى القيادات العربية، ويتوارى هذا البعد عن التحليل السياسي نتيجة الصورة الذهنية للزعماء في العقل الجمعي العربي، فالمهابة والحرس والسجاد الأحمر والاغاني والاناشيد والعسس والصور والتكريس الاعلامي لشخصية ” الكبير او رئيس العائلة بتعبيرات السادات” كلها عوامل تعزز الوهم “بعقلانية الزعيم وحكمته” ، وتتغذى هذه الصورة على مخزون تاريخي لدور البطل في الثقافة السياسية العربية، كما تتعزز ببعض الكاريزما التي تهبها الطبيعة لبعضهم.
لكن ” سياسة المكايدة” تعبير عن نوع من ” ذكورية معتلة ومفرطة” تأبى الاعتراف بالخطأ نظرا لان صاحبها “هش” من داخله ويواري هذه الهشاشة بقدر من العناد لتبقى الصورة المهيبة المرسومة في العقل الجمعي لمجتمع الزعيم قائمة، فإذا تعززت هذه السيكولوجية بالثراء المادي من ناحية وبأوهام ” الدم الازرق” من ناحية اخرى استعصى الأمر وازدادت المكايدة.
إن الزعماء العرب في تقديري يستثمرون الصورة المهيبة من ناحية ويتشبثون بها من ناحية ثانية خوفا من اهتزازها من خلال التراجع عن موقف خطأ او القبول باقتراحات من غيرهم او حتى الاعتذار عن الخطأ ، ولعل ذلك يتضح في ان الخلاف بين دولتين عربيتين تتبعه القطيعة بين الزعيمين ، بينما نرى الخلافات الامريكية الحادة مع الاوروبيين او الروس او الصينيين لا يتعبها قطيعة ” شخصية”، لان العامل المؤسسي من ناحية والبنية السيكولوجية من ناحية اخرى لهؤلاء الزعماء غير متورمة بغض النظر عن المضمون الاخلاقي لسياساتهم(فهذا شأن آخر).
لماذا وصف ابن خلدون طريقة الحل للنزاعات بين العرب بأنها مقتصرة على “الغلبة والدهاء”؟ اعتقد ان الامر مرتبط في “احد” ابعاده بسيكولوجية غرائزية مشبعة لكنها تحايلية للتغطية على هشاشة قابعة في اللاوعي يطمسها التصفيق والحس الثأري والذكورية المعتلة تماما.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button