دراسات سياسية

الاخوان المسلمون وملابسات الميدان

وليد عبد الحي

تشير المواقف السياسية لحركة الاخوان المسلمين منذ نشوئها في عشرينات القرن الماضي ألى ارباك للباحث في تحديد الخيارات الاستراتيجية السياسية لهذه الحركة، فمنذ نشوء هذه الحركة وقفت ضد التيارات الشيوعية والقومية والليبرالية ، لكن درجة عدائها للتيارين الشيوعي والقومي كان أكثر وضوحا وشراسة، ولعل تناغمها مع سياسات دول عربية مرتبطة بالغرب لجم نزعتها السلبية تجاه الليبراليين وحصرها في انتقادات اخلاقية فردية لكنه دفعها للتكيف مع سياسات هذه الانظمة، وهو ما كان واضحا في موقف الحركة في الاردن ودول الخليج والمغرب بل والسودان في فترة معينة.
ومع ان موقف الاخوان من الموضوغ الفلسطيني أخذ اتجاها واضحا برفض الوجود الصهيوني رفضا تاما، لكن هذا التوجه السياسي لم يتبلور حركيا وبشكل واضح الا بعد ظهور حركة حماس وبعدها الجهاد الاسلامي ، غير ان موقف التنظيم العالمي من هاتين الحركتين بقي خجولا واقتصر على المساعدات الانسانية والاعلامية، بل ان الاخوان المسلمين في كل العالم العربي والاسلامي تلكأوا تماما في الوقوف الى جانب المقاومة الفلسطينية في الفترة 1967 الى 1987 بل ومالوا نحو التشكيك فيها، فلو قارنا سرعتهم في الوقوف الى جانب ” الجهاد في افغانستان” او الى جانب الحركات المعارضة في الدول “الجمهورية” العربية خلال الربيع العربي، لوجدنا فارقا واضحا في السرعة بل والتسارع، بل ان المجاهدين جاءوا من كل الدول العربية وتناغموا مع الموقف الامريكي بشكل لا يستطيع انكاره أي منصف تاريخي.
وبعد الربيع العربي ، اصبحت بعض أجنحة الاخوان طرفا في الحكم في المغرب وتونس ولها وزنها في مرحلة معينة في السودان ، لكن سياساتها بدءا من رسالة محمد مرسي لشيمون بيريز(رغم الملابسات التي شابت هذه القضية والتي تتبعت مناقشاتها وتوصلت الى ترجيح ارسالها)، مرورا بالوفود الاسرائيلية الى المغرب ،وصمت الاخوان فيها عن ذلك/ ثم العمل على ترويض المجتمع التونسي تدريجيا للتطبيع وصمت حركة النهضة عليه ، ثم التواري عن أي موقف واضح من ارسال جرحى المعارضة السورية الى مستشفيات اسرائيل بل وزيارة نيتنياهو لبعضهم يزيد الرواية الاخوانية للواقع السياسي العربي اربكا على ارباك.
والان يعلن حلفاء الاخوان سابقا (بعض دول الخليج الأكثر اهمية) عن اعتبار الاخوان المسلمين حركة ” ارهابية”، وهناك احتمالات لتعليق المشانق لبعض قياداتهم في هذه الدول، لكن ردة فعلهم تجاه ذلك أقرب ” للعتب ” خلافا” لموقفهم من عبد الناصر والذي كان عدائيا وحادا ، واذا كان موقفهم من عبد الناصر مبررا، فالوضع الذي يواجهونه حاليا لا يختلف كثيرا عن مواجهتهم مع عبد الناصر لكن ردة فعلهم مختلفة تماما.
واذا كان الاخوان المسلمون ” العرب” عاجزين عن الوصول الى السلطة بعد انشاء حركتهم بحوالي 91 عاما، فمتى سيصلوا للسلطة، وهل هناك حزب في التاريخ عاش تسعة عقود ولم ينجح الا في احتلال مقاعد برلمانية لا وزن لها في القرارات الاستراتيجية للدولة التي يتواجد هذا المقعد فيها، بل انها تخدم النظم السياسية اكثر مما تخدم الاخوان؟
لا جدال في أن الاستبداد العربي حال دون تطورهم الطبيعي، لكن ذلك ينطبق ايضا على الحركات القومية واليسارية، فقد وصل اليساريون للسلطة( عبدالكريم قاسم في العراق، والاشتراكيون اليمنيون الجنوبيون، واحمد بن بله في الجزائر) ووصل القوميون للسلطة ( عبدالناصر وبعث العراق وسوريا والقذافي )، ومع ان الجميع سجل رتبة متقدمة في الفشل ، الا ان الاخوان استثمروا عدم وصولهم للسلطة لنقد الأخرين من باب ” كرسي المعارضة سهل” لانهم لم يجلسوا على كرسي السلطة اصلا.
ارى ان الاخوان المسلمين والحركات الاسلامية كافة هي تعبير طبيعي وغير مصنوع عن تراث تاريخي شانهم في ذلك شأن الاحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب وحزب جاناتا الهندوسي في الهند والمفدال وشاس في اليهودية …الخ، لذا فإن الخلط بين تحالفاتهم ( الخاطئة) وتسلل النظم الاسخباراتية في داخلهم وبين حقهم في الوجود السياسي والتعبير عن تراث تاريخي امر غير مقبول، وان اعتبارهم حركة ارهابية هو ” الارهاب بحد ذاته”، فكيف يكونون ارهابيين لدى أنظمة الخليج وهي التي فتحت لهم الدور والصدور ..؟وهي التي استثمرتهم في الشحن المذهبي (سنة وشيعة) ثم لفظتهم بعد ان اصبح العداء بين أجنحة السنة( الوهابيون في قطر والسعودية، والوهابيون والاخوان، والاخوان وحزب التحرير، وتركيا السنية ضد السعودية ومصر السنيتان) هو المشهد السائد ؟..
نعم وقع ظلم على الاخوان والحركات الاسلامية، لكن هذا الظلم وقع على غيرهم ايضا، وإاذا كان الظلم جاءهم في البداية من خصومهم ،فإنه الآن من حلفائهم ، وظلم ذوي القربى اشد مضاضة…
ان مواقف النهضة في تونس ومواقف العدالة والتنمية في المغرب ومواقف الاصلاح في اليمن وتشظي الاخوان في الاردن والسودان والجزائر …الخ يشير الى ان امراضهم لا تختلف عن امراض الاحزاب والقوى السياسية الاخرى، ولعل صمتهم تجاه الوفود الاسرائيلية لقطر ولضيوف الجزيرة من الاعلاميين الاسرائيليين يشير الى انهم والقوميون واليساريون في “الهَمِ شرقُ” ، فالجميع ينتمي لبنية اجتماعية وسياسية مريضة بل ومعدية….ربما.

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى