الازمة الخليجية و تداعيات الانسدَاد

ارتكزت السياسة القطرية على مبدإ حسن الجوار وتنوع التحالفات الإقليمية والدولية، وكان ذلك في سبيل بناء مكانة فريدة ميزتها عن جيرانها، حيث عملت على تدعيم مركزها العالمي بمعزل عن إرادة القوى المتقدمة كالولايات المتحدة,والتقليدية في منطقة الخليج العربي وأهمها السعودية. ويعود ذلك التمشي الحداثي لهذه الدولة الصغيرة إلى ادراكها العميق بالتموقع الاستراتيجي لموازين القوى في النظام العالمي ، حيث عملت على حسن استغلال المساحات المتاحة لها لبلوغ مكانة مرموقة. ولقد تواصل النجاح الخارجي للسياسة القطرية طيلة عقدين عبر تدعيم الربيع العربي في المنطقة، مستثمرة غياب الدول الكبرى التي خيرت الانسحاب من مواجهة غضب الشعوب الرافضة للوضع المتردي في أوطانها ، ولقد ساهم الحضور القطري في تلك المرحلة الى تعزيز مكانتها وتعاظم دورها السياسي والاقتصادي في مناطق الثورة والمقاومة ، كما زادها دعم القضية الفلسطينية رفعة.

الحصار و ضريبة دعم الربيع العربي

لا يمكن فهم ما يجري دون قراءة لتداعي محور عربي لمحاصرة الربيع العربي لم تكن قطر عنصرا فيه، بل على النقيض منه، كانت في الضفة الاخرى المقابلة داعمة للديمقراطية والتجربة الوليدة في المنطقة. لم تقرا الثورات ضمن مشروع ” الفوضى الخلاقة” في المنطقة، بل رات في ما وقع من زلزلال سنة 2011 تدفقا طبيعيا لمجرى التاريخ، له اسبابه الموضوعية . فالواقع العربي تراكمت فيه أخطاء الحكم والسياسة انتهى برجة عربية هادرة. دعمت قطر ربيع الثائرين والانتقال الديمقراطي مهما أفرز من الوان سياسية. فشجعت التجربة في تونس عبر الاسناد المالي والاستعداد للاستثمار ، وفي ليبيا، عبر وساطة بين الفرقاء كان اهمها اصلاح ذات البين بين قبيلتيْ “التبو” و”الطّوارق” واحتضانها لمؤتمرات تجمع بين الاخوة المختلفين،وفي سوريا بتقوية الجيش الحر المعبّر عن روح الثورة السورية. الا أن فترة التألق لم تتواصل طويلا على المستوى الاقليمي ، إذ هبت عاصفة التهم من بعض جيرانها ، يؤكدون ضلوعها في دعم الارهاب والتآمر على أمن دولهم. وتحول الاشقاء الى أعداء انتهى بهم التشاحن الى إعلان ما يسمى برباعي الحصار إلى إعلان قطر دولة معزولة، تم فيها قطع كل العلاقات الديبلوماسية معها بقرار تم اتخاذه بالاجماع من قبل كل من السعودية ، الامارات ، البحرين ومصر. ولقد سبق قرار الحصار جملة الوساطات انتهت بالفشل بعد رفض الجانب القطري الاذعان لمطالع رباعي المقاطعة التي رفضت التنازل عن شروط اعتبرتها مساسا بالسيادة ، وفي مقابل تعنت الاطراف تم تسليط جملة من العقوبات على الدوحة ، عمد فيها المقاطعون الى اغلاق المعابر البرية والجوية والبحرية بوجهها ، ضاربين عرض الحائط متطلباتها الغذائية والتزاماتها التجارية، وهو جزء من ورقة ضغط تم تدعيمها بضربة موجعة وجهت الى المؤسسات البنكية القطرية لتركيعها ، وصولا الى طرد المواطنين القطريين.

أ‌- الاجراءات الوقائية والحلول لمواجهة الازمة

اتخذت الحكومة جملة من الاجراءات الوقائية في محاولة استباقية لمنع أي ضرر قد يطال المؤسسات المصرفية والقطاع المالي ، المستهدف من طرف الحكومات المقاطعة.

1- الاحاطة بالقطاع المصرفي

تدعيم البنوك بالعملات المحلية والاجنبية

تعمل قطر كغيرها من دول الخليج المصدر للطاقة على استغلال عائدات النفط والطاقة على توظيف أموالها في مشاريع كبرى واستراتيجية في الداخل والخارج، حيث تعمل على دفع عجلة التنمية للدولة في نسق مواز لمشاريعها الاستثمارية في أنحاء العالم حسب اختيارات واولويات النظام السياسي المسيّر لكل تلك البرامج التنموية. وتعتبر البنوك القطرية مؤسسات حيوية تعمل على ضخ الاموال الضرورية لتسريع نسق الاستثمارات والمعاملات التجارية، بل تعرف بأنها المضخات الهوائية لقطر، وهو ما يبرر قيام رباعي الحصار باستهدافها نحو الانهيار المالي الذي سينهي لعبة الشطرنج القائمة بين معسكر ودولة وحيدة. لمنع التدهور، عملت الحكومة على دعم المؤسسات المصرفية. و أعلن وزير المالية في تصريح رسمي لجريدة “فايننشل تايمز” البريطانية، قيام صندوق الثورة السيادي القطري بضخ مبلغ بـ4 مليار دولار في البنوك القطرية في خطوة استباقية لتجنب انهيار المؤسسات البنكية نتيجة الحصار المالي ،كما عمدت ، حسب تقرير وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني ، إلى التخفيض من استثماراتها المالية في العالم لتجميع مبلغ 20 مليار تم ضخه لتدعيم البنوك بالعملة الصعبة و تعويض قيمة الودائع المسحوبة من قبل المستثمرين السعوديين والاماراتيين . ولقد توقع بنك “أوف أمريكا” مزيد اجراءات سحب الودائع والقروض من دول عربية خليجية مع تواصل الازمة ، فقد أكدت احدى مقالات جريدة “كابيتال إيكونوميكش” شكوك الوكالة بل توقعت عدم تحمل الاحتياطي المالي للتحديات المستقبلية التي ستكبّد الريال القطري أضرارا جسيمة اذا ما تواصلت الازمة المالية لفترة طويلة.

وضع برامج انقاذ البنوك تجنبا للافلاس

ورغم تحقيقها لبعض النجاحات في تجنب انهيار البنوك الكبرى، عجز البعض الآخر عن تحقيق الاستقرار المطلوب للخروج من الأزمة العميقة ، إستنادا إلى تصريحات أهل الاختصاص من اقتصادي المنطقة، اعتزام الحكومة الاشراف على عملية دمج 3 بنوك ، قطر الدولي ، الريّان، ،بروة، بعد فشل محاولات إنعاشها ، على ان يتخذ القرار بعد دراسة لذلك الاجراء وبيان جدوى هذه الخطوة. وفي سبيل تدعيم سياسة الحد من خسائر القطاع البنكي ، تم اتخاذ بعض التدابير العاجلة في إعادة هيكلة بعض النفقات الداخلية لبعض البنوك منها بنك الدوحة ، الذي يعد حسب وكالة “رويترز” ، من اهم البنوك القطرية. وشهدت عمليات سحب رؤوس الاموال القطرية من بعض البنوك الكبرى، ومنها بنك الدوحة تدهورا في تعاملاته المالية وصل حسب بعض التصريحات الاعلامية الى حافة الافلاس، وهو ما دفع مسيريه إلى اتخاذ بعض الاجراءات الخاصة باعادة هيكلة الموارد البشرية عبر التخفيض من عدد العاملين فيه، إما بتسريح البعض او بمنح اجازات غير مدفوعة الأجر حتى يتم تقييم الوضع المالي الحقيقي للبنك ودراسة برنامج متكامل لتجنب الكارثة سيتم الاعلان عنه في نهاية السنة الحالية. وفي ظل الحرب الاعلامية المتبادلة بين الطرفين ، عملت الدول المقاطعة على ابراز الوضع المالي والاقتصادي لقطر في مظهر ضعيف، وهو عكس ما يتم التصريح به في وسائل الاعلام القطرية التي تدعي الاستقرار في البنوك وعدم التأثر بالعقوبات بفضل حسن ادارة الحكومة.

2- قدرة السياسة الاقتصادية على فك العزلة

البحث عن معابر بديلة

– أفضت العقوبات الى غلق المعابر البرية وتعطيل الملاحة الجوية والبحرية أمام البضائع القطرية ، مما أضر بالمواطن القطري الذي عجزت حكومته على توفير الامدادات الغذائية الضرورية ، ولم تحرك تلك الدوافع الانسانية في قلوب حكام الرباعي المقاطع ذرة من التعاطف تجاه قطر التي لم تجد سوى الارض الايرانية ملاذا لها ، حيث استبدلت كل المعابر المغلقة في وجهها والتي دأبت على استعمالها طيلة عقود ، بمعابر برية ومرافئ ومجال جوي إيراني رحب بالتواجد القطري على أراضيها. وردا على اتهامات الاعلام الخليجي المتهم قطر بالتنكر لجيرانها من أجل إيران ، أكد أحد المسؤولين القطريين أنها قبلت بالمساعدة الإيرانية لأنها تمثل الحل السريع والامثل لتخطي الازمة التي فرضها جيرانها. فكانت معابر الجارة الايرانية من أفضل الحلول التي أخرجتها من أزمتها. وفي تاريخ سابق، تصدرت قضية فتح ممرات نقل برّية بين تركيا وقطر عبر إيران، جدول أعمال “ملتقى رجال الأعمال التركي القطري”، الذي استضافته مدينة “إزمير” ، حيث أكد وزير الاقتصاد التركي “نِهاد ريبكجي” أن الدول المشاركة تعمل على تقييم بدائل لممرات النقل البري التقليدي الذي كانت قطر تعتمده في نقل بضائعها ومنتوجاتها ، ليتسنى الاشراف على عمليات التبادل التجاري بين تركيا وقطر في أفضل الظروف، وذلك بدراسة مشروع طريق بري سريع يربط تركيا وقطر عبر إيران. ولم تقف الحكومة القطرية عند البوابة الايرانية والتركية فقط، بل عملت على طلب الاستعانة بالمجالات الجوية والممرات البحرية لبعض الدول ذات التموقع الاستراتيجي والتي عبرت عن ترحيبها لتعاون تجاري مع قطر ومنها سلطنة عمان، الكويت ،باكستان ، الهند ، ماليزيا.

الانفتاح على أسواق جديدة

استطاع الدب الروسي استشعار قدرته على استقطاب الاستثمار القطري وبحث اتفاقيات تعاون شاملة قد تدر له النفع الكبير ، ويصب ذلك في استراتيجية التنوع الاقتصادي التي تنتهجها قطر عبر بحثها عن سبل اكتساح أسواق جديدة . تلك هي مميزات سياستها الاقتصادية في مواجهة مطامع الدول الكبرى ، فهي تعمل على استقطاب الاستثمارات بسلاسة دون أن تطرح كل أوراقها على طاولة واحدة. فقد كان الحصار مبررا كافيا لكسب تعاطف بعض الدول خارج المنطقة الخليجية المضيقة. وهو ماحصل فعلا ، ولم تكن روسيا الدولة الوحيدة التي رحبت بالتعاون مع قطر وتبادل الاستثمار فيما بينها. إذ اعتبر وزير الاقتصاد التركي، أن قطر تعمل على توسيع استثماراتها في مجال الأغذية. حيث قررت شركة حصاد الغذائية الرائدة في قطر، الاستثمار في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في تركيا بمقدار 650 مليون دولار ، كما أكد على وجود 121 شركة تركية بالاراضي القطرية .

ولقد أثار قطاع الخدمات السياحية اهتمام الحكومة القطرية ،التي ترى ضرورة تحويل الامارة في المستقبل القريب إلى وجهة سياحية عالمية ، حيث اكدت الحكومة القطرية بمناسبة احتضانها للاحتفال باليوم العالمي للسياحة اهتمام قطر بهذا القطاع كهدف أساسي في برنامج التنمية المستدامة لسنة 2030 ، بفعل الحصار الذي غير من أولويات البرامج الاقتصادية القطرية وتحول قطاع السياحة من مجرد اختيار ورفاهية الى عنصر هام في مشروع التنمية الوطني وهي تسعى لتطوير مشاريعها السياحية الى مستوى المنافسة العالمية مع دول كبرى عبر استقطاب أكبر عدد من السياح حول العالم بالانفتاح على اسواق كبرى كالهند والصين ودول آسيوية.

ب : تداعيات الازمة

1.تأثير الأزمة الحالية على اقتصاديات دول مجلس التعاون

العزوف عن الاستثمار

ينتظر الخليج في شهر ديسمبر المقبل انعقاد الدورة ال38 لمؤتمر مجلس التعاون الخليجي بالكويت ، وفي ظل ضبابية الوضع و عدم استقرار العلاقات بين دوله ، لم يتم الشروع في أي عمل تحضيري للمؤتمر.وأمام صعوبة إيجاد حل يلائم متطلبات الفترة الحالية ، يبقى مستقبل المجلس رهين أزمة بعد أن كان مشروعا لاتحاد فيدرالي على شاكلة الاتحاد الاوروبي اقتداءا بأهداف مؤسسيه منذ انشائه يوم 25 ماي 1981. ورغم مساعي الراعي الحالي للمؤتمر ال38 للمجلس، الذي حاول اخماد شرارات الخلافات بين الدول الاعضاء ، كان الفشل مخيما على كل مجهوداته ولقد انعكس ذلك جليا في عدم اعلانه عقد المؤتمر. وتعد هذه السابقة مؤشرا سلبيا على امتداد الازمة الى أبعد مدى ، بل ترى بعض القراءات السياسية لمناخ متأزم بلغ حد الحصار الى امتداد الخسائر المالية الى كل الاطراف المتنازعة ، ويتراءى ذلك حالة التصدع التي يعيشها المجلس بعد عقود من الاستقرار والتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري. حيث مثل حصنا منيعا ضد المحاولات الايرانية زعزعة استقلال هذه الدول ولعل الازمة البحرينية في فترة اندلاع الثورات العربية كانت ابرز دليل على ذلك ، حيث استعان الملك بقوات الدرع الخليجية لقمع موجة التمرد التي اطلقتها الطائفة الشيعية بدعم من إيران لتغيير النظام الحاكم في السعودية . ولقد ساهم التدخل العسكري للدرع الذي يتكون من جملة الامدادات العسكرية للدول الاعضاء في اخماد التمرد وانقاذ الملك. ولقد ألقت بعض المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل “بلومبرج بيزنس” الضوء على المناخ الاقتصادي المتشنج وغير المألوف حيث اعتبرت “أن الحصار الرباعي على قطر جعل مجتمع الاعمال في العالم حذرا في التوجه نحو منطقة الخليج قصد الاستثمار” ،وأوضحت ان الحصار أضعف القرار الاقتصادي والتجاري لدول المنطقة التي كانت اكثر المناطق استقرارا ، حيث باتت دول الخليج تعمل على التنافس في شراء الدعم السياسي من الدول والشركات العالمية الكبرى عبر ابرام الصفقات والاتفاقيات بمعزل عن دراسة عقلانية لمدى ملائمة هذا الالتزام لمصالحها ، و تحول الاستثمار والتجارة في المنطقة أمرا يشوبه بعض الخطورة لغياب الوضوح والثقة مقارنة بحقبة ما قبل الحصار.

تداعيات الازمة على المصالح الاقتصادية

وفي المقابل ، اعتبرت بعض التحاليل الصادرة في شهر أكتوبر 2017 ، أن الازمة تخطت قطر لتصل الى الدول المتسببة في الحصار ، فقد عمدت بعض البنوك الاماراتية منذ بدء الازمة الى سحب استثماراتها المالية في بعض الصفقات القطرية الجديدة دون استكمال عملية سحب القروض التي قدمتها لقطر ، وذلك في انتظار حل الازمة ، ومع فرضية ابقاء الحال المتأزم ستضطر المؤسسات البنكية الاماراتية الى البحث في عملية التفويت، ولن يكون ذلك الاجراء بدون خسائر مالية هامة .

ولن تقف هذه الخسائر عند المجال المالي فقط، بل يجدر التذكير بأن قطر رصدت مبالغ ضخمة لاستكمال مشاريع البنية التحتية المتزامنة مع تحضير حدث المونديال 2022 الذي ستحتضنه، ولقد كانت مرافئ دبي التي تعد ممرا رئيسيا للنفط و الغاز القطري المصدر الى دول العالم ، منتفعة أيضا من متطلبات المشاريع القطرية التي أقفلت أمامها كل السبل بفعل الحصار ، و بذلك ستكون الامارات قد خسرت احدى اهم حلفائها الاستراتيجيين على أصعدة مختلفة. في ظل السيناريوهات المقترحة، يطرح السؤال عن مصير مشروع السوق الخليجية المشتركة اذا ما تم سحب عضوية قطر من مجلس التعاون،و مشروع العملة الخليجية الموحدة ؟ ولقد اعتبر محافظ مصرف البحرين المركزي مؤخرا أن تعطيل مشروع العملة الموحدة لدول مجلس التعاون، بعد عرقلته في فترة سابقة من طرف دولة الامارات العربية المتحدة، يمثل خيبة كبرى لدول المجلس، آملا في استئناف الحلم الذي تتطلع مملكة البحرين الى بلوغه وفي انتظار ذلك يتوجب على دولته الالتزام بربط الدينار البحريني بالدولار الامريكي لأنه الضمانة الوحيدة لاستقرار عملة بلاده في ظل الازمة الراهنة.

3 المخاوف الغربية من تعاطي الحكومة القطرية مع ملف الارهاب

الموقف الامريكي حول خطورة التّقارب الايراني- القَطري

عبّر الرئيس “دونالد ترامب” إلى وجود مخاوف حقيقية من بناء تحالف جديد في المنطقة يتخذ شكل المحور الثلاثي ويضم الدول التي تحاول اختراق منطقة الشرق الاوسط منذ مدة. ولقد كانت التحالفات التقليدية المتواجدة صرحا امامها. ورغم اختلاف أهداف الدول الثلاث، فإن إيران أشد الاخطار فتكا بالمنطقة اذا استطاعت الوصول إلى هدفها اذا ما تم استحضار تاريخ الصدامات التي عرفتها العلاقة السعودية الايرانية، واستماتة المملكة في غلق كل السبل لبلوغ إيران موطئ قدم في الجزيرة العربية متهمة إياها بدعم الارهاب. وفي محاولات حثيثة لبناء علاقات ديبلوماسية رسمية بين الدولتين ، كان الرد السعودي، مدعوما بحلفائه، ثابتا تجاه التواجد الايراني . وأما إذا تواصل العزل الخليجي لقطر ، فلن تكون قطر سوى جولة صغيرة لإيران تستطيع من خلالها الاقتراب أكثر من الحدود السعودية عبر بناء استراتيجية تعاون مع قطر باعتبارها نقطة ضعف ستقوم على حسن استغلالها لربح النقاط ضد الغريم السعودي وحلفائه، رغم عدم وجاهة المقارنة بين مصالح تركيا وإيران في المنطقة. علما وأن البرنامج التركي يقف في نفس المسافة مع كل الدول المجاورة ، ولن يكون له دور في تحجيم مآرب ايران في تدمير الدول المنافسة لها في منطقة الخليج واهمها دول مجلس التعاون . وفي ظل كل التغيرات التي قد تمس المنطقة، سيكون “العم سام” اكبر الخاسرين اذا فقدت السعودية وحلفاؤها السيطرة على منطقة استراتيجية تمثل اكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم. ولقد اكد الاميرال البحري السابق “جيمس ليونز” على ضرورة تحرك الرئيس الامريكي لمنع ولادة ما سماه بمحور التطرف الايراني القطري التركي. واوصى من خلال تصريحاته لصحيفة “واشنطن تايمز” أنه يتوجب وقف صفق بيع طائرات حربية للدولة حتى يتبين الخيط الابيض من الأسود في هذا المشهد المتشعب في منطقة الخليج التي تشهد اعادة تقسيم لتحالفات قد تقوّض الاستقرار الذي دأبت امريكا على حسن استغلاله، مؤكدا على ضرورة نقل القاعدة العسكرية من قطر لاجبارها على الابتعاد عن ايران .

الموقف الاوربي بين المواقف والمصالح

سجل الرأي العام العالمي تضاربا في المواقف رغم الدعم الكبير لموقف رباعي المقاطعة في ضرورة القضاء على الارهاب في العالم ، ولقد أبدت بعض المواقف الاوروبية دعما كبيرا لضرورة التصدي للسياسية القطرية، باعتبارها حسب الرأي السائد في الراي العام الاوروبي ،الدولة الاكثر دعما للاخوان المسلمين عبر العالم متجاهلين دور تركيا الاكثر أهمية في احتضانها للمقر الاصلي لهذه الجماعات. حيث عبر اغلب المشاركين في أعمال الندوة الاوربية المنعقدة ببرشلونة يوم 25 أكتوبر 2017 بعنوان تمويل الجماعات الاسلامية في أوروبا: أسبابه ونتائجه ومستقبله، عن دور الحكومة القطرية في تمويل جماعات الاخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات باعتباره تدعيما للارهاب في المنطقة ، ولقد بلغ سقف الاتهامات إلى ما جاء في تصريح رئيس لجنة مكافحة الارهاب في البرلمان إذ أكد على أهمية الضغط على حكومة الدوحة لتغيير موقفها الداعم للاخوان كشرط أساسي لانجاح البرنامج الاوروبي لمكافحة الارهاب .ورغم الموقف المتصلب للحكومة البلجيكية عبر مؤسساته الدستورية ،في دعم مطالب دول المقاطعة ، لم يكن الموقف الرسمي للحكومة الفرنسية منسجما مع ملامح الحصار الاعلامي والسياسي في المجال الاوروبي المتأثر بتوصيات الرياض وأبو ظبي ، وهو ما كشف عنه مدير مكتب قناة الشرق الاوسط بباريس ، بأن الحكومة الفرنسية تجد نفسها في وضع حرج ، لأن لديها مصالح مع السعودية والامارات وقطر وبينهم اتفاقيات سياسية واقتصادية ، وهو ما يفسر عدم انحياز باريس لأي طرف من اطرف النزاع لعدم ملائمة مصالحها مع موقف كهذا في منطقة الخليج .

خاتمة

استنفذت الازمة الخليجية بين الدول الخمس كل الحلول التي قدمتها الوساطات العربية والاقليمية والدولية دون ان تجد لسفينة الازمة مرفأ، لتصير محطا لانظار الطّامعين ، ولعل المتسائل عن حيثياتها لا يرى فيها ابعادا اكثر خطورة من تلك الادعاءات التي توجه ضد قطر في دعمها الارهاب ومحاولتها زعزعة أمن جيرانها ، حيث تبين للعالم مدى هشاشة دول خليجية تزيّف قوتها بعظمة انجازاتها البنيوية وضخامة الثروات مدعية الادوار النافذة والمركز المرموق في التأثير على الرأي العام العالمي ، وفي ذلك انتقاص للذكاء الانساني الذي يكتشف بدون عناء غياب برامج سياسية ترقى لأن تكون نتاج حكومات بتلك الثروات المالية و الموارد الطبيعية.

ليلى الهيشري عن مركز الدراسات الاستراتيجية والديبلوماسية.

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button