الاعلام وإشكالية الأمن بالعالم العربي بين أطروحات الولاء وأجندات الصراع الخارجي (دول الربيع العربي نموذجا)

لم يعد هناك شك في القول أن عصرنا الحاضر هو عصر الإعلام و الفضائيات ،ليس لأن الإعلام ظاهرة جديدة في تاريخ البشرية بل لأن وسائله الحديثة قد بلغت غايات بعيدة في عمق الأثر و قوة التوجيه و شدة الخطورة ، فقد تعددت وسائل الإعلام في عصرنا الحاضر و تنوعت طرق تبليغها للناس ، و تطورت أساليب استخدامها لدرجة مذهلة ألغت حاجز الزمان و المكان ، و ما من شك في أن وسائل الإعلام تؤثر تأثيرا خطيرا في الناس و أعمالهم ، ولا جدال أن هذه الوسائل لها خطرها الكبير في تكوين الاتجاهات و المعتقدات.

و نستطيع أن نقرر منذ البداية أن المجتمع الانساني لا يستطيع  الحياة دون اتصال ،كما أن الاتصال لا يمكن أن يحدث الا من خلال نظام اجتماعي ، و في ضوء تعاظم دور وسائل الاعلام يذهب البعض الى أن التغير الثقافي ما هو إلا ثمرة من ثمرات وسائل الاعلام ،ولا نريد التحدث هنا عن كيفية تأثير وسائل الاعلام و لا عن أساليب  التأثير و أنواعه و نظرياته ، لأن هذه القضايا هي أكثر المسائل التي شغلت علماء الاتصال و الباحثين في حقل الاتصال الجماهيري ، خصوصا مسألة العلاقة بين وسائل الإعلام و جمهورها.

ومع الاختلافات الكثيرة بين الباحثين في هذا المجال إلا أن هناك إجماعا على أن وسائل الإعلام تؤثر و لكن إلى أي حد ؟ و متى ؟ و في أي الظروف ؟ و بأية كيفية ؟ فهذا الذي لم يجتمع عليه الباحثون.

لقد اختلفت و تباينت الاجابات حولها فالواقع أن تحديد التغير الثقافي أو ما نسميه بالتأثير الثقافي و الحضاري لدى مواطني العالم العربي من قبل وسائل الاعلام الجديدة لا سيما الأجنبية منها .[1]

 إن ما تعيشه مجتمعات اليوم من تطورات متسارعة جسدت في أسمى معانيها مفهوم العولمة و تأثيراتها لا سيما مع التقارب بين الدول في ظل انتشار التكنولوجيا و وسائل الاعلام الحديثة التي أضحت جزءا من منظومة الدولة ،اكتست في عقدها الأخير طابع العالمية و أصبح لهذا الأخير الدور البارز و الهام في حياة الشعوب و الأفراد على حد سواء لدرجة اعتبرت فيه السلطة الرابعة،  مما جعل ذلك ذا أهمية بالنسبة للأنظمة السياسية خاصة منها الدول العربية في محاولة منها لجعله أداة يتم توجيه الرأي العام من خلالها لما يخدم أجندة هذه الأنظمة السياسية و إن بدت المسألة معقدة نوعا ما لا سيما مع وسائط الاعلام الجديد.

و في هذا الإطار تبرز إشكالية مستويات الولاء و الانتماء لوسائل الإعلام في خدمة أجندة الدولة و النظام السياسي في ظل صراع للمصالح الداخلية و الخارجية منها و هنا تبرز عديد التساؤلات لعل أهمها:

ما تأثيرات الاعلام في الحفاظ على الأمن القومي في ظل الصراعات الداخلية و الخارجية ؟ و هل لمستويات الولاء بمؤسسات الاعلام الدور في توجيه الرأي العام لما يخدم الأجندة السياسية و الأمنية للدول ؟

و قصد الإجابة عن الإشكاليات المطروحة السابقة سنحاول التطرق للمحاور التالية:

  • أولا : التطور التكنولوجي و أثره في الإعلام و وسائله
  • ثانيا : إشكالية الولاء و صراع المصالح في الإعلام العربي
  • ثالثا: أثر الاعلام في زعزعة الأمن القومي العربي و انعكاساته
  • رابعا: نحو استراتيجية مستقبلية لإدارة الصراع الاعلامي

أولا : التطور التكنولوجي و أثره في الإعلام و وسائله

إن التكنولوجيا و المعلومات هي الركيزة الأساسية لدعم صانعي و متخذي القرار ، سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى قطاع الأعمال و المجتمع المدني كشركاء في التنمية ، لتحقيق التطور المنشود لكافة الأنشطة و القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ، و في هذا العصر الرقمي و مع انتشار العولمة و شدة الترابط بين المجتمعات و تحول العالم الى قرية صغيرة ، أصبحت المعرفة و التاريخ إرثا مشتركا للجميع ، و في عالم اليوم المرتبط بالعديد من الشبكات ، يمكن أن تكون التقنيات الجديدة أداة فعالة في توثيق تراث الأمم و حضاراتها للحفاظ على هويتها في عصر العولمة ، و في هذا السياق يمكننا القول أن المحتوى المعلوماتي الذي تستخدمه تكنولوجيا المعلومات داخل إطار  وسائل الإعلام المعاصرة في مجال الإعلام السياسي ” يعد أكثر جذبا للقارئ عن محتوى الإقناع المباشر حيث يصبح البرنامج الإخباري أكثر تأثيرا في تشكيل اتجاهات القراء أكثر من المقالات السياسية و ذلك باعتبار أن الحدث هو الذي يؤدي إلى التغييرات في الرأي العام الناتج عن الكلمات من خلال متابعة المعلقين أمام شاشات التليفزيون و كتابات المحررين السياسيين بالصحف المختلفة سواء كانت مرتبطة بقضايا سياسية أو اتخاذ قرارات أو أخبار حروب “[2].

إن أهم مجالي اهتمام الباحثين الذين يحللون الاتصال المعلوماتي هما :

انتشار التكنولوجيات الجديدة و عملية تبنيها و آثارهما الاجتماعية ، إن دراسة انتشار الابتكارات هي العملية التي بواسطتها يتعرف أفراد المجتمع على الابتكارات و يقيمونها ، ثم مع مرور الزمن يتبنونها أو يرفضونها، أما دراسة الأثر الاجتماعي للتكنولوجيات الجديدة فتشمل من بين ما تشمل تنقلات و تحولات اليد العاملة ، ارتفاع المستوى المعرفي لمجتمع ما و مركزية أو لامركزية السلطة في التنظيمات و المؤسسات.

و نتيجة الطبيعة الجديدة لمثل هذه المواضيع الدراسية الاتصالية ، اضطر الباحثون إلى تعديل منظورهم أو مقاربتهم التحليلية بتبنيهم معالجة العملية الاتصالية ككل ، أي في مجموعها و ليس فقط من وجهة نظر استقبال الرسائل ، و بالرغم من تبني الكثير من الباحثين كون التكنولوجيات الاتصالية تحدد طبيعة البنية الاجتماعية ، فإن هذا الموقف الحتمي تعرض لانتقادات عدة تدافع من جهتها عن فكرة استقلالية التكنولوجيات الجديدة و تندرج هذه الأخيرة ضمن المنظور التاريخي الذي يعتبر بأن التكنولوجيات كمنتوج إجتماعي مرتبط بأغراض و مشاريع مجتمع ما في وقت ما و في ظروف خاصة [3].

إن تطور وسائل الاتصال و الاعلام و كل التكنولوجيات المرتبطة بهذه المنظومة ، و منها تكنولوجيات الأقمار الصناعية ، كان لها الأثر الحاسم في بلورة ملامح العولمة ، مع أنه يمكن المجادلة بأن تطور وسائل الاتصال و الاعلام لم يكن إلا نسقا تابعا للنسق الاقتصادي الأساسي الذي يحرك آليات العولمة المحورية ، أما إتساع وسائل الاتصال المتطورة أو حضارة التكنولوجيات.

و هكذا فإن وسائل الاتصال ، و الانترنيت خصوصا ، قدمت بديلا حقيقيا بهذه الدرجة أو تلك للجغرافيا الطبيعية ، من إختزال للمكان و الزمان و في تحقيق عمليات التثاقف [4].

إن العالم اليوم يعيش مرحلة مرحلة جديدة من مراحل تطوره الاتصالي  و هذه المرحلة بدأت في منتصف الثمانينات و مازالت مستمرة حتى الأن و تتميز بسمة أساسية و هي المزج بين أكثر من تكنولوجيا إتصالية تمثلها أكثر وسيلة لتحقيق الهدف النهائي و هي توصيل الرسالة الاتصالية و يطلق على التكنولوجيا السائدة أو المميزة لهذه المرحلة التي نعيشها من تكنولوجيا تفاعلية أو تكنولوجيا متعددة الوسائط ، و أحدثت الثورة المعاصرة في تكنولوجيا الاتصال طفرة هائلة في ظاهرة الاعلام الدولي بحيث أصبح التعرض لوسائل الاتصال الدولية أو عبر الوطنية جزء من نسيج الحياة اليومية للمواطن ، و من ناحية أخرى أضفت الثورة المعاصرة في تكنولوجيا الاتصال طابعا دوليا على كافة وسائل الاعلام الجماهيرية.

كما أحدثت الثورة المعاصرة في تكنولوجيا الاتصال طفرة هائلة في ظاهرة الاعلام الدولي بحيث أصبح التعرض لوسائل الاتصال الدولية أو عبر الوطنية جزءا من نسيج الحياة اليومية للمواطن ، و أضفت هذه الثورة طابعا دوليا على كافة وسائل الاعلام الجماهيرية ، و شهد القرن العشرين ظهور وسائل الاعلام و تطورها بسرعة فائقة نتيجة للتكنولوجيا المتقدمة حتى أنها أصبحت من خصائص العصر الذي نعيش فيه و انعكس ذلك على حياتنا الفكرية و الثقافية و تأثر به أسلوبنا في الحياة[5].

ثانيا : إشكالية الولاء و صراع المصالح في الإعلام العربي

إن للصراع و الولاء بناه المفاهيمية التي تؤثر في تركيبة الإعلام و أطروحاته و لعل لمعنى الصراع أثره ، حيث جاء في معجم المعاني الجامع صراع : (اسم )، الجمع : صراعات ، مصدر صارع ، و هو خصومة و منافسة ، نزاع ، مشادة ، و في علم الاجتماع هو تضارب الأهداف مما يؤدي إلى الخلاف أو التصارع بين قوتين أو جماعتين و الصراع – في أشهر تعريفاته النظرية – هو موقف ينشأ من التناقض في المصالح أو القيم بين أطراف تكون على وعي بهذا التناقض ، مع توافر الرغبة لدى كل منها للاستحواذ على موضع يتصادم مع الآخرين ، و الصراع –نظرا لطبيعته المعقدة – يمكن النظر إليه من جوانب متعددة ، لا سيما الأبعاد شديدة الالتصاق بمجال بحثنا و هما:

  • البعد الاجتماعي المرتبط بالإعلام و هنا نراه يمثل نضالا حول قيم أو مطالب أو أوضاع معينة ، قوة أو حول موارد و إثبات ايديولوجيات معينة
  • البعد السياسي ، و يشير الى موقف تنافسي خاص يكون طرفاه أو أطرافه ، على دراية بعدم التوافق في المواقف المستقبلية المحتملة ، و التي يكون كل منهما أو منهم ، مضطرا فيها إلى تبني أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى [6]

من المعروف أن الماركسية هي أول من قدم إطارا نظريا متكاملا لنظرية الصراع جاعلة من نمط الإنتاج نقطة الانطلاق في تحليل بنية المجتمع و تحديد العلاقات فيه و التي هي عبارة عن علاقات صراع مستمر بين طبقات اجتماعية واسعة حول ملكية الإنتاج ، و لأجل الفوز بنتيجة الصراع فإن أطراف هذه العلاقة يحاولون السيطرة على أدوات القوة و التحكم التي عادة ما تكون فيها الطبقات المالكة هي الأكثر حظا في الاستحواذ عليها و منها الوسائل و الأدوات و المواد المناسبة لفرض سيطرتها الثقافية و الايديولوجية على الطبقات المحكومة.

 كما أن ثمة منظور جديد يندرج في نطاق مدرسة الصراع و هو ما يعرف بمنظور ” اللاتكامل “حيث يجري تفسير التغير الاجتماعي في ضوء ” المتغايرات و المتنافرات ” بين الأجزاء المختلفة للأنساق الاجتماعية ، و المتغير الأساسي لمنظور اللاتكامل يفسر التغير في ضوء الضغوط المتصارعة أو متطلبات القطاعات المختلفة أو الثقافة و بناء على هذا الفرض ، فإنه إذا حدثت أفعال في واحدة من هذه القطاعات ، فإن واحدة أو أخرى يجب أن تتغير[7].

            إن مفاهيم و مناظير مدرسة الصراع تقدم لنا أيضا الكثير من المفاهيم و الأدوات الناجعة لفهم العمليات الاجتماعية في المجتمع ، و من ضمن ذلك بالطبع العمليات الاعلامية ، فهي –أي العمليات الإعلامية –أضحت جزء عضوي من أجزاء البناء الاجتماعي و من الموارد التي يدور الصراع حولها للاستحواذ عليها ، و هي من جانب أخر ، تشكل أداة مهمة في عمليات الصراع و إذ شئت التنافس ، و كل ذلك الصراع و التنافس بهدف الوصول الى تموضع أفضل في البناء الاجتماعي أو في البناء السياسي و الاقتصادي بالنسبة للفئات التي تعتبر نفسها مظلومة أو مستحقة لأن تكون في وضع أفضل ، مما يعني أيضا محاولة الفئات الأخرى المواجهة ، الحرص على أن تحافظ على تراتبية تموضعها المسيطر ، أي أن تحافظ على مكانتها الأفضل مستخدمة أيضا كل الوسائل الممكنة لأجل هذا الهدف ، و قد أصبح الاعلام أحد أهم تلك الوسائل الممكنة [8].

            إن فهم دور وسائل الإعلام في إدارة الصراع أصبح يشكل ضرورة علمية و سياسية و ثقافية، ذلك أن الفهم يمكن أن يساهم في زيادة القدرة على إدارة الصراع ، و تسوية المنازعات ، و التوصل إلى حلول للمشاكل العالمية ، فضلا عن التمكن من الإعلام ، و التعرف على معايير الانتصار على الخصم ، و التأثير في الرأي العام بما يخدم قضية من يديرون ذلك الصراع

لقد حاول علماء الإعلام بناء نظرية لاستخدام وسائل الإعلام في إدارة الصراعات ، و كيفية تحليل الدور و الوظائف الذي تقوم به هذه الوسائل خلال تلك الصراعات ، و قد تجلت ملامح التضليل الإعلامي بشكل غالب على محاولاتهم التي كان من نتائجها تحديد بعض المنطلقات الأساسية المرتكزة عليها تلك النظرية من حيث السمات و الأدوات و التي تتلخص في التي :

  • صناعة الأزمات وسائل الاعلام تصنع الأزمات
  • التركيز على الصراعات الداخلية الزائفة
  • ضرورة وجود عدو خارجي
  • ضرورة وجود عدو داخلي
  • تغيير مسمى العدو و إدخاله في دلالة فضفاضة
  • بناء صورة سلبية للعدو
  • تحويل قائد العدو إلى شيطان
  • إثارة المشاعر المعادية للعدو
  • تبرير الحرب
  • التضليل الاعلامي و تقييد حق الجماهير في المعرفة
  • إقصاء الأخر و نفيه
  • تحكم السلطة غير المباشر في وسائل الإعلام[9]

إن من أساليب الصراع القائم في الاعلام العربي ما نراه اليوم جليا من مواقف و أجندات تسير من طرف وسائل الإعلام لا سيما التلفزيونية منها في طرح جملة من الأجندات و التبريرات التي تخدم أطروحات معينة في سياقات و أطر بعينها حيث من الصعب أن نجد وسائل إعلام تتحلى بالموضوعية في تحليل القضايا و تناولها بل تعمل بدعم من الحكومات أو من طرف جماعات ضاغطة  و أنظمة غربية و هذا ما استعانت به الكثير من الحكومات الغربية في فرض توجهات معينة و هذا بتركيزها على الرأي العام للشعوب العربية التي ما تنساق في الكثير من الاحيان وراء الشائعات و الصناعة الاعلامية الغربية في ظل تضارب المصالح و النفوذ و لعل ما حدث في دول الربيع العربي لخير دليل على ذلك و هذا ما سنعمد على تفصيله لاحقا و لعل ما يستوقفنا قليلا هو ألية التعامل و التغطية للأحداث من استعمال و استغلال للمصطلحات والمعلومات و لعل ما استوقفنا  تعامل قناة العربية على سبيل المثال مع قضايا و أحداث مصر و اليمن مما حدث من انقلاب على الحكم في كلتا الدولتين فأعتبر في الأولى بأنه تصحيح للوضع و استعادة للثورة و استرجاع لسيادة الشعب بينما في الثانية اعتبر على أنه انقلاب على الشرعية و هذا على الرغم من أن الأليات كانت على قدر من التساو بين الحالتين و هنا تظهر جليا ألية التعامل مع الأحداث و إخراجها للمجتمع خدمة لمصالح وطنية و إقليمية و دولية

ثالثا:  أثر الاعلام في زعزعة الأمن القومي العربي  و انعكاساته

            يقدم عالم الاتصالات الأمريكي الكبير روبرت شيلر وصفا دقيقا للدور الذي تقوم به النخبة الاعلامية في الواقع السياسي و الاجتماعي ، و ذلك في كتابه ( المتلاعبون بالعقول )، فيقول : ” يقوم مديروا أجهزة الاعلام في أمريكا بوضع أسس عملية تداول الصور و المعلومات ، و يشرفون على معالجتها و تنقيحها ، و إحكام السيطرة عليها ، تلك الصور و المعلومات التي تحدد معتقداتنا و مواقفنا ، بل و سلوكنا في النهاية .

            و عندما يعمد مديروا أجهزة الإعلام إلى طرح أفكار و توجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي ، فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول ، ذلك أن الأفكار تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف ، و إلى إنتاج وعي لا يستطيع أن يستوعب بإرادته الشروط الفعلية للحياة القائمة ، أو أن يرفضها ، سواء على المستوى الشخصي.

أو الاجتماعي، لأنها ليست في الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة [10].

و في مقال بمجلة صندوق النقد الدولي قدم الباحث مقالا  تحت الجانب المظلم للتكنولوجيا حيث رأى أن لتكنولوجيات الإعلام تأثيرا ايجابيا كما أن لها جانبا مظلما ، حيث لا يخلو هذا التقدم من أوجه قصور ، فبعض نقاد العصر الرقمي يحزنهم سيطرة عدد قليل من وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة على الرأي العام ، و يثير البعض مخاوف مهمة إزاء الأمراض المقترنة بالعالم الرقمي ، مثل رسائل التهديد الالكترونية أو نشر المواد الاباحية عبر شبكة الانترنيت ، و هناك البعض ممن يشعرون بالقلق حيال إمكانية اختراق خصوصيتهم و المخاطر التي تهدد الحريات المدنية في وقت تترك فيه كل حركة و مكالمة هاتفية و رسالة إلكترونية بصمة رقمية يمكن أن يستغلها جار فضولي أو حكومة قمعية

و في حين أن جميع هذه المخاوف مشروعة فمن المستحيل تحديد تكلفتها ، و لكن توجد بعض جوانب التكنولوجيا الرقمية التي تفرض تكلفة ضخمة على الشركات و الاقتصادات توازن جزءا على الأقل من الكفاءة التي يتيحها العصر الآلي الثاني

فيمكن لقراصنة الانترنت السيطرة على السيارات أو إغلاق شبكة الكهرباء ، بالإضافة الى سرقة المعلومات الشخصية و يستخدمونها في الاستحواذ على الأموال المودعة في الحسابات المصرفية أو إجراء مشتريات احتيالية عبر الانترنيت و مواقع التواصل الاجتماعي [11]التي أصبحت تشكل تهديدا للأوطان و تماسك الأفراد

إن الغرب بشكل عام و الولايات المتحدة خاصة –بات يبحث بعد الحرب الباردة و زوال الخطر الشيوعي عن عدو جديد له ، و كما يقول عالم الاجتماع الايطالي في ميلانو ، استفانو أليفي :إن الاسلام في نظر الغرب هو العدو الجديد كما كان شبح الماركسية يخيم على الغرب في الحرب الباردة ، و في هذا الإطار تعددت الأساليب لإثارة و زعزعة الأمن القومي العربي باستعمال أساليب و وسائل للتدخل لا سيما في دول الربيع العربي والتي من بينها :

  • المؤسسة العسكرية
  • الورقة الطائفية و إثارة الخلافات بين التيارات السياسية
  • اختراق منظمات المجتمع المدني
  • المؤسسات الإعلامية حيث لعب الإعلام دورا مهما في إذكاء الفتنة و إثارة القلاقل و زرع الخلافات بين أركان المجتمعات العربية لا سيما دول الربيع العربي و من ثمة إشعال فتيل الربيع العربي و تظافرت في هذا وسائل الإعلام ومن ثمة تشويه الانتفاضات العربية ، و التركيز على سلبياتها ، و هدم كل الانجازات ، و تبين ذلك من خلال إغلاق القنوات الفضائية المعارضة في مصر و خاصة ذات التوجه الإعلامي ، و ركز الإعلام الغربي خلال عقدين من الزمن و حتى قبل الانتفاضات الشعبية على إعتبار أن المجتمعات الاسلامية بمختلف توجهاتها هي منظمات ارهابية، فعمل على تجييش الرأي العام الغربي و العربي ضدها ، حتى إن دينيس روس مبعوث الرئيس الأمريكي السابق في الشرق الأوسط وكان قد عمل في عدة مؤسسات رسمية أمريكية –يقول : الإسلاميون ليسوا أصدقاءنا ” فإذا كانوا ليسوا أصدقاء فهم أعداء إذا ، ففي تونس مثلا أخذ الإعلام بعد الثورة أبعاد أخرى ، و ذلك تحت قيادة موحدة و تعليمات فوقية لبث الفوضى و الانفلات الأمني بتعمده بث و نشر الأكاذيب و الإشاعات و تزوير الحقائق و اللعب على الفزاعات الوهمية و من وحي الخيال بل أخذت وسائل الإعلام تتباكى في كل من مصر و تونس على الأنظمة التي انهارت

بالإضافة الى تحكم السلطة غير المباشر في وسائل الإعلام

            وذلك عن طريق التحالف مع الشركات الإعلامية عابرة القارات، و الشركات الخاصة المملوكة لرجال أعمال، و ليس عن طريق الوسائل المملوكة للنظام و السلطة، مما يحقق صدق المعلومات أمام الجماهير

  • استراتيجية التخويف :

            حيث تميل الجماهير بشكل عام إلى طلب الأمان ، لذلك فإن الأنظمة الحاكمة تلجأ إلى استخدام استراتيجية التخويف من العدو بهدف دفع الجمهور العربي إلى تأييد مواجهة العدو الذي يهدد الدولة ، و الحرب تتم بمواجهة التهديد و الخطر الذي يشكله العدو ، و لقد استخدمت الادارة الأمريكية هذه الاستراتيجية خلال حربي أفغانستان و العراق بشكل مكثف

  • التحيز
  • استخدام مصطلحات خاصة تعكس رؤية النظام الحاكم

لقد أوضحت اللغة المستخدمة في وسائل الاعلام كم كانت وسائل الإعلام متحيزة للخطاب الرسمي الأمريكي في حرب الخليج –و هو ما أدى إلى أن يشير بعض الباحثين الى خطورة التحيز اللغوي ، و أن وسائل الإعلام قد جعلت العالم يعيش في حالة ضباب المصطلحات ، حيث أن المصطلحات المستخدمة تعبر عن رؤية جانب واحد ، و يحتكر تفسيرها جانب واحد

و هذا معناه أن وسائل الاعلام لا تقوم ببناء الواقع طبقا لما تتوصل إليه من معلومات ، ولكنها تقوم بجمع المعلومات لبناء واقع تريده ( الولايات المتحدة ) ، و باستخدام المصطلحات الأمريكية تقوم وسائل الاعلام ببناء إطار لفهم سابق التجهيز

      و لقد تبنت وسائل الاعلام في العالم كله المصطلحات الأمريكية ، وهذا يعني أن أمريكا قد نجحت خلال حرب الخليج في تحويل وسائل الإعلام في العالم كله إلى وسائل أمريكية [12]

لقد نجحت الفضائيات المعادية في إدارة الصراع الاعلامي ضد العرب و المسلمين من خلال استراتيجية واضحة و موحدة ،وتخوض الحرب بثقة و حرفية في التضليل الاعلامي و تزييف الحقائق و استخدام كل الأساليب الأخلاقية و غير الأخلاقية و توظيف الدين لخدمة توجهاتها و تم لها ذلك عبر عدة محاور من أهمها :

  • إعادة تصنيع العدو
  • تحويل الحالة المجتمعية الى كارثة و أزمة
  • تحويل الصراع الى حرب
  • تقسيم المجتمع و نفي الآخر و إقصاؤه
  • التزييف الإعلامي

كما أن للإعلام أساليب عديدة في زعزعة الاستقرار و الأمن في العالم العربي لا سيما ما شهدته دول الربيع العربي و ذلك من استخدام لجملة من الأساليب و الوسائل لعل أهمها :

  • بث الرعب
  • التشويه
  • الخلط
  • التجهيل
  • التعتيم
  • التهويل
  • التهوين

لقد أصبح العالم من حولنا خريطة إعلامية أكثر من كونها خريطة جغرافية أو تاريخية ، و أصبح الإعلام اللاعب الأساس في صياغة الترتيبات العالمية و المتغيرات السياسية ،و للإعلام دوره في تشكيل العقل و السلوك البشري ، و بحسب عالم الاجتماع الأمريكي (س.رايت ميلز) فإن معظم التصورات و الأخيلة المكتنزة في عقولنا عن العالم بوجه عام تصل إلينا عن طريق وسائل الإعلام بأنواعها ، و بالتالي فإن المتحكمين في الإعلام ،هندسة و تمويلا و صياغة ،هم الأكثر قدرة على تشكيل خريطة العالم وفقا لمصالحهم الخاصة

وهو ما يتفق مع واقع الإنتاج التكنولوجي ،وقد برز الإعلام الفضائي في العقدين الآخرين كوسيلة ناجعة بالتأثير في الجماهير و عموما هناك سلبيات و إشكالات تشوب تعامل الأمة الإسلامية و العربية لعل أهمها :

الإقتصار على الدفاع و سياسة رد الفعل

غياب الاستراتيجية الاعلامية المتكاملة

عدم وضوح العدو و الصديق

اختلاط الرسالة الاعلامية

القصور في استخدام الوسائل الممكنة في الاعلام الفضائي

التعتثر في ترتيب الأولويات

الفشل في توظيف الفتاوى الشرعية

عدم التوازن بين الخطاب السياسي و الخطاب الدعوي

العجز عن إدارة الحوار مع المؤسسات غير الرسمية

الإخفاق في اتخاذ موقف إعلامي موحد بين الدول العربية يقوم على الثوابت الاسلامية و الايمانية

عدم الاستعانة بخبراء الاعلام و المحترفين في الممارسة الاعلامية و الاستعانة بأهل الثقة [13]

رابعا: نحو استراتيجية مستقبلية لإدارة الصراع الاعلامي في العالم العربي

لا شك أن المستقبل يحمل معه مجموعة من التحولات و المتغيرات و ظهور تيارات و جماعات و ايديولوجيات جديدة ، و أن الصراع سيكون أكثر حدة و تنوعا ، مما يستلزم أن تضع الأمة الاسلامية و العربية استراتيجية للعقد القادم تأخذ بمفاهيم المرحلة ، و تعبر المعوقات و تسير المرحلة بالحكمة و المنهج العلمي و الحرفية ، و التوفيق بين المتغيرات و البدائل و الفرص المتاحة باسترشادهم بالمعايير الرئيسية في وضع الاستراتيجيات الاعلامية و الاستفادة من الخبرات و التجارب السابقة في ضوء الملامح التالية:

  • الانطلاق من المتغيرات الواقعية على الأرض
  • إعادة ترتيب الأولويات وفقا لتغير مراكز القوى
  • انتهاج موقف اسلامي و عربي موحد
  • تأجيل الدخول في بعض الصراعات الخارجية مع القوى المعادية
  • التركيز على تربية النشأ و الوصول الى القاعدة العريضة من الجماهير البسيطة
  • الاستفادة من التكنولوجيات و وسائل الاعلام و الاتصال المتاحة
  • التركيز على خطاب الوسطية في الطرح
  • عدم الانجرار الى معارك اعلامية جانبية لا طائل منها و التويش على فئات المجتمع
  • الاستفادة من التجارب العالمية في الاعلام و ادارة الصراع[14]
  • استخدام كافة الوسائل الاعلامية و الفضائية للتوعية و الارشاد و نقل المعلومة الصحيحة في وقتها تفاديا لكل الاشاعات و الترويج الاعلامي الخاطئ
  • الاستفادة من الاخطاء السابقة في إدارة الوسائل الاعلامية و إعطاء الفرصة للقيادات الكفأة في إدارة المؤسسات الاعلامية على إختلاف أشكالها
  • إنشاء مراكز و مخابر متخصصة لمجابهة الدعاية و توجيه الرأي العام ضد افتنة و غرس قيم المواطنة
  • الرجوع الى مرجعيات الاسلام الوسطية الحنيفة بتوحيد المرجعيات و نبذ الخلاف و الطائفية

قائمة المراجع :

– أحمد محمود السيد ، الإسلاميون و إدارة الصراع الإعلامي –دراسة تطبيقية على مرحلة الربيع العربي في مصر         ( الفضائيات أنموذجا ) ، مجلة البيان –الربيع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015

– أحمد فؤاد رسلان ، نظرية الصراع الدولي –دراسة في تطور الأسرة الدولية المعاصرة .القاهرة : الهيئة العامة للكتاب ، 1986

– أ.لارامي ، ب.فالي ،البحث في الاتصال عناصر منهجية.( ترجمة : ميلود سفاري و آخرون ).قسنطينة : مخبر علم إجتماع الاتصال ، 2004

– بيرسي كوهين ، النظرية الاجتماعية الحديثة ،( ترجمة : عادل مختار الهواري ).الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1985

– جمال محمد أبو شنب ، الاعلام الدولي و العولمة .القاهرة : دار المعرفة الجامعية ، 2014

– منذر صالح جاسم الزبيدي ، دور وسائل الإعلام في صنع القرار السياسي .عمان : دار الحامد للنشر و التوزيع ، 2013

– محمد مبروك، نظرية النخبة السياسية ، مجلة البيان –      الربيــــــــــــــــع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015

– عصام زيدان ، أثر الانقسامات المجتمعية على نجاح عملية التحول السياسي مجلة البيان –الربيع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015

– عزام أبو الحمام ، الإعلام الثقافي (جدليات و تحديات ) .عمان : دار أسامة للنشر و التوزيع ، 2010

– عبد الملك ردمان الدناني ، الإعلام العربي و تحديات العولمة الإعلامية –دراسة في أنموذج البث الفضائي -.عمان : دار مجدلاوي للنشر، 2008

– كريس ويليش ، الجانب المظلم للتكنولوجيا ،مجلة التمويل و التنمية –التكنولوجيا الذكية تطلق لجناحيها العنان- العدد 53 ،الرقم 3 . واشنطن : صندوق النقد الدولي ،سبتمبر 2016

[1] – جمال محمد أبو شنب ، الاعلام الدولي و العولمة .القاهرة : دار المعرفة الجامعية ، 2014 ،ص  ص ( 139-140)

[2] – وليام ريفرز ، تيودور باترسون و آخرون ، الاتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر .( ترجمة أحمد البشيبشي) .الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية ،2005 ، ص 20 نقلا عن جمال محمد أبو شنب ، مرجع سابق ، ص  ص ( 72-73)

[3] – أ.لارامي ، ب.فالي ،البحث في الاتصال عناصر منهجية.( ترجمة : ميلود سفاري و آخرون ).قسنطينة : مخبر علم إجتماع الاتصال ، 2004 ،ص 91

[4] – عزام أبو الحمام ، الإعلام الثقافي (جدليات و تحديات ) .عمان : دار أسامة للنشر و التوزيع ، 2010، ص ص ( 56-162)

[5] -منذر صالح جاسم الزبيدي ، دور وسائل الإعلام في صنع القرار السياسي .عمان : دار الحامد للنشر و التوزيع ، 2013 ، ص ص ( 52-54)

[6] – أحمد فؤاد رسلان ، نظرية الصراع الدولي –دراسة في تطور الأسرة الدولية المعاصرة .القاهرة : الهيئة العامة للكتاب ، 1986 ، ص 7 نقلا عصام زيدان ، أثر الانقسامات المجتمعية على نجاح عملية التحول السياسي مجلة البيان –الربيع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015 ، ص ص ( 169- 170 )

[7] – بيرسي كوهين ، النظرية الاجتماعية الحديثة ،( ترجمة : عادل مختار الهواري ).الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1985  نقلا عن عزام أبو الحمام ، مرجع سابق، ص ص ( 225، 226)

[8] – عزام أبو الحمام ، مرجع سابق ، ص 226

[9] – أحمد محمود السيد ، الإسلاميون و إدارة الصراع الإعلامي –دراسة تطبيقية على مرحلة الربيع العربي في مصر ( الفضائيات أنموذجا ) ، مجلة البيان –الربيع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015 ، ص ص ( 370،372)

[10]  – محمد مبروك، نظرية النخبة السياسية ، مجلة البيان –      الربيــــــــــــــــع العربي المسار و المصير، التقرير الثاني عشر . الرياض : مطبعة مجلة البيان ، 2015 ، ص 18

[11] – كريس ويليش ، الجانب المظلم للتكنولوجيا ،مجلة التمويل و التنمية –التكنولوجيا الذكية تطلق لجناحيها العنان- العدد 53 ،الرقم 3 . واشنطن : صندوق النقد الدولي ،سبتمبر 2016 ، ص 14

-عبد الملك ردمان الدناني ، الإعلام العربي و تحديات العولمة الإعلامية –دراسة في أنموذج البث الفضائي -.عمان : دار مجدلاوي للنشر، 2008 ، ص 45  [12]

[13] – أحمد محمود السيد، مرجع سابق ، ص ص ( 376،379)

[14]نفس المرجع الأنف الذكر ، ص ص (379-381)

من اعداد

           الدكتور: الكر محمد  – أستاذ محاضر  أ  بقسم العلوم السايسية – جامعة الجلفة

الدكتور: بن مرزوق عنترة – أستاذ محاضر  أ بقسم العلوم السياسية – جامعة المسيلة

                                                                                                                                                                                                 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button