الانسحاب الأمريكي من سوريا : اتجاه ام حدث؟

وليد عبد الحي

غالبا ما تُعنى الكتابة الصحفية – بحكم طبيعة وظيفتها- بتفسير الأحداث معزولة عن الاتجاه( ( Trend التاريخي للظواهر، ويمكن ملاحظة ذلك في اغلب الكتابات الصحفية التي سعت لتفسير القرار الامريكي بالانسحاب من سوريا والذي عزته الادارة الامريكية بأنه نتيجة لانجاز المهمة الموكلة لهذه القوات وهي مهمة ” هزيمة داعش”.
وفي تقديري أن الانسحاب الامريكي من سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام هو تعبير عن حالة تراجع المكانة الأمريكية في تشكيل بنية النظام الدولي، وهو تراجع كنت قد توقعته في دراسة نشرتها مجلة السياسة الدولية الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في عام 1996 تحت عنوان ” المكانة المستقبلية للولايات المتحدة على سلم القوى الدولي”، وتم فيها قياس 63 مؤشرا فرعيا ومركزيا منها 13 مؤشرا اقتصاديا، و 13 مؤشرا في التعليم والبحث العلمي، و16 مؤشرا اجتماعيا، 18 مؤشرا عسكريا، و 3 مؤشرات في النظام السياسي الأمريكي، وتم قياس أغلب المؤشرات بدءا من 1980 الى 1995.
وعند العودة لهذه المؤشرات يتبين ما يلي:
أولا: ان اتجاه التراجع لم يتغير من 1995- الآن(2018)، ورغم التباين في مستويات التغير في المؤشرات فإن الاتجاه بقي على حاله، فبعضها كان التغير بطيئا وبعضها الآخر كان متسارعا.
ثانيا: تشير اطروحة دكتوراة في جامعة (IOWA STATE ) في عام 2017 الى ما يلي:
أ‌- بقياس 14 مؤشرا مركزيا من عام 2005 الى 2016 يتبين ان القدرة الامريكية على تشكيل بنية وتفاعلات النظام الدولي تراجعت نسبيا وبتباين بين مؤشر وآخر، ولكنها تتراجع في أغلب هذه المؤشرات.
ب‌- تشكل الصين المنافس الاكثر قوة والاسرع لحاقا بالولايات المتحدة، فهي في ايقاع تطورها تتفوق على الولايات المتحدة في اجمالي معدلات النمو، في استهلاك الطاقة، في انتاج الحديد والصلب،في ان حجم الذين يدخلون الطبقة الوسطى(باروميتر الاستقرار) في الصين يتزايد بينما حجم الذين يهبطون من الطبقة الوسطى الامريكية نحو الطبقة الفقيرة يتزايد ويتزايد معه الفارق بين اعلى 20% وأدنى 20% طبقا لمقياس (GINI)
ت‌- ان تسارع امتداد مقومات القوة الناعمة تتزايد لصالح المقومات الصينية على حساب المقومات الأمريكية( ومثالها مبادرة الحزام والطريق)
ث‌- حجم المساعدات الامريكية للخارج لعام 2007 كانت حوالي 24 مليار تراجعت الى أقل من 19 مليار العام لماضي.
ج‌- يصل حجم الدين الامريكي الى ما يفوق اجمالي الناتج المحلي، فهو يساوي حوالي 112% من اجمالي الناتج المحلي.
رابعا: أصبحت قوى العولمة أقل تشبثا (نسبيا) بالمفهوم الرأسمالي التقليدي، وهو ما يعزز آليات الرأسمالية على حساب الدولة القومية، وهو ما يربك التخطيط الاستراتيجي التقليدي الأمريكي.
إن نظرية بول كينيدي حول ظاهرة التمدد الزائد (overstretch) تجد صدى لها في أوساط النخبة الامريكية الحاكمة، ومن الضروري التنبه الى أن نزعة تخفيف الاعباء الخارجية بدأت مع أوباما وليس مع ترامب،فالاتفاق النووي مع ايران والاعلان عن الانسحاب من المنطقة بدأ مع أوباما .
خامسا: لم تعد الولايات المتحدة بحاجة ماسة للنفط العربي، ويبدو ان الشركات النفطية تمارس بعض الضغوط لبعض البقاء هي وشركات انتاج الاسلحة، لكن التغلغل الصيني في المنطقة العربية في حجم التجارة تفوق على التجارة الأمريكية بحوالي مائة مليار دولار، كما ان صورة الولايات المتحدة أكثر تشوها وبقدر كبير من صورة الصين في أذهان الشباب العربي الذي سيمثل النخب الحاكمة مستقبلا.
سادسا: اضحت منطقة الباسيفيكي أكثر جذبا للولايات المتحدة لاسباب لا يتسع المقام لشرحها.
ذلك يعني ان الانسحاب الامريكي من سوريا هو تعبير عن ” دولة مرهقة” ، وما دعوات ترامب للآخرين لتحمل المزيد من الاعباء في نفقات الناتو ونفقات الوجود العسكري في الخليج والحرب التجارية مع الصين وبعض دول الاتحاد الاوروبي لدليل على عمق الارهاق…انه تعبير عن اتجاه ولا يجوز النظر له كحادث تفسره وقائع تزامنه لحظيا، مع ضرورة التنبه الى ان حركة الاتجاه لا تسير بشكل خطي بل بشكل غير خطي لكنه في محصلته يسير في اتجاه محدد أيا كانت التواءاته وتعرجاته.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button