...
دراسات سياسية

الانظمة السياسية في الديمقراطية الحديثة

التعريف الأكثر واقعية والأكثر بساطة للديمقراطية هو: النظام الذي يختار فيه المحكومون حكّامهم عن طريق انتخابات نزيهة وحرّة. يكون هؤلاء الحكّام النخبة المنبثقة عن الشعب. والمجلس النيابي المنتخب والمنتدب من قبل الشعب يصبح الممثل الشرعي الذي يعبر عن السيادة الوطنية.

التعريف التقليدي للديمقراطية بأنها حكم الشعب بالشعب وللشعب، يحتاج إلى توضيح. لا يمكن للشعب أن يحكم نفسه مباشرة. كما أن الاغلبية لا يمكن أن تحكم مكان الأقلية. لا يوجد شعب يجبر نفسه تلقائيا على الانضباط والنظام والديمقراطية بشكل طبيعي. كل هذه “الفضائل” السياسية تنمّى عند المواطن عن طرق التربية الوطنية والوعي الذاتي. وعن طريق دستور ديمقراطي يحدد مجال الحريات الخاصة والعامة لإمكان التعايش السلمي. ويحدد مجال التشريع لوضع قوانين ملزمة للجميع.

بنية الاحزاب، أهدافها وأعمالها

الحزب في بدايته هو اتحاد جماعات صغيرة منتشرة في البلد الواحد تتقارب في وجهات نظرها لتأليف تجمع سياسي مشروع. وتضع برنامجا سياسيا لتسيير شؤون الدولة في حال وصولهم إلى الحكم عن طريق انتخابات عامّة.

الاجتماعات الحزبية لا تهدف فقط لدراسة خطط الطرق الانتخابية. بل تهدف أيضا الى التوعية والتربية السياسية.وتفسح المجال لنقاشات عقائدية ومفهوم المصلحة العامة للحزب وللبلد.

أكثر الاحزاب تعمل تبعا للمركزية الحزبية، أي أن سياسات الحزب تناقش في القاعدة وترفع الى القمة لوضعها موقع التنفيذ.

هناك أيضا المركزية الديمقراطية التي هي أكثر مرونة من الاولى لأنها تهدف أولا الى نقل وجهة نظر القاعدة بأمانة الى مركز الحزب. وثانيا تتأكد من تطبيق القرارات الصادرة من المركز على كافة الاطراف.

أما الاحزاب ذات الاتجاه السلطوي فتأخذ بمركزية الحزب ولكن بشكل عكسي. تنزل القرارات من القمة الى القاعدة، ويقوم مندوبون عن القمة بتوجيه المناقشات في اللجان المختصة لتطبيقها بأقل ما يمكن من التعديلات.

عضوية الحزب

هناك عدة مستويات للانتماء الحزبي حسب أهميتها :

العضو المناضل، والعضو المنتسب، والفرد المتعاطف والفرد المنتَخِب.

احدى مؤشرات ارتباط الفرد بالحزب يعود الى دفع القسط السنوي للانتساب الذي يعتبر على المدى الطويل نوع من الالتزام المعنوي وشيء من التضحية .

السلطة الحزبية

الاعضاء المنتخبون من قبل قاعدة الحزب لهم اعتبار أقل من المعيّنين من قبل قيادة الحزب. للأولين سلطة قد تصبح شكلية ونظرية لبعدهم عن القمّة. أما الآخرين فلهم السلطة الفعلية لأنهم أقرب من مركز اتخاذ القرارات.

كثرة المستويات في المسؤولية الحزبية، تبعد وتضعف العلاقة بين إرادة الاعضاء وبين قرارات القمّة، لآن كل حلقة من المسؤولية قد لا تعكس بالضرورة وبدقة الحلقة السابقة.

الاحزاب التقليدية اليمينية القريبة من مصالح الراسماليين، تملك سلطة سياسية ضعيفة، مجال تأثيرها الواقعي محدود لأن الجزء الهام من السلطة يعود إلى رأس المال، الى البنوك، الى الصناعات الكبرى… هذه القوى تحرك الخيوط السياسية لمصلحتها الخاصة بالدرجة الاولى.

كأي تجمع بشري، تصبح الاحزاب مع الوقت أكثر محافظة، لا تغير بنيانها وأسلوب عملها إلا بصعوبة وتحت ضغوط كبيرة من قبل تيار أكثر اندفاعا فيها. أو بسبب تطورات على الساحة تجبرها على التأقلم.

حكم الأقلية في الحزب

تنحى إدارة الاحزاب بشكل طبيعي الى حكم الأقلية فيها. هذه الظاهرة تتواجد بنسب مختلفة في القيادات الحزبية الشكلية والقيادات الفعلية المستبدة منها والديمقراطية.

من الناحية النظرية، الانتخابات العامّة يمكن أن تمنع حكم الاقلية. لكن الواقع يبين عكس ذلك لأن الجماهير محافظة بطبعها ترتبط بالقادة الموجودين على الساحة ولا تحب التجديد إلا في حالات تشعر بأن حقوقها وأوضاعها في تدهور غير مقبول.

الحلقة الضيقة لقيادة الحزب، هي التي تعيّن لائحة المرشحين لخوض الانتخابات النيابية. القادة الحزبيون يتحولون مع ممارسة المهنة الى “طبقة من القادة” يبتعدون مع الوقت عن قاعدة الحزب والجماهير ويرسخون بذالك حكم الأقلية (oligarchie)

الانظمة السياسية في الديمقراطية الحديثة تستند على ثلاث أقطاب

1- الحكومة الممثلة من الشعب

2- نظام الاحزاب

3- البيروقراطيات الكبيرة

هذه الاقطاب الثلاث تبين منطق الحكم الاوليغارشي أي حكم الأقلية.

في بداية الديمقراطية الغربية، وصلت السلطة السياسية الى حفنة من الاعيان عن طريق انتخابات ترجح كفة هذه الفئة. التي تقرر مصير البلاد حسب رؤيتها للمنفعة العامّة. هذا التمثيل الديمقراطي يعكس عمليا تهميش الأغلبية الساحقة من المواطنين في المجال السياسي.

حكم الأقلية الفعلي في السياسة، ضيّق على الديمقراطية وأبعد الناس على المشاركة الفعّالة في الحراك السياسي. مما أضعف من حماس الحزبيين الذين لا مكان لهم ضمن الدائرة الفعّالة.

مع توسع سلطات الدولة، نشأ ت بيروقراطية، تملك المعرفة اللازمة في مجال الحقوق والاقتصاد والإدارة…

وأخذت تزداد توسعا مع تعقد الأمور السياسية وتوابعها. مما جعل منها السلطة الفعلية في الدولة ولكن من وراء الكواليس، دون ان يكون لها أي شرعية سياسية.

غير ان وعي أكبر للمواطنين بشرعيتهم ، أجبر الحكام اليوم، على اشراكهم بالعملية السياسية.

تلعب الاحزاب دورا اساسيا في توجيه الرأي العام لصالحها. وتحاول تخفيف النقد بين أعضائها لصالح التبعية لقادة الحزب وأفكارهم السياسية وقبول الدعايات الحزبية دون نقاش علني. حتى النواب، فهم يتحولون إلى أداة للتصويت تبعا لتعليمات قادة الحزب. محصلة هذه الانحرافات التي تناقض الروح الديمقراطية، تجعل من الحزب منظمة مغلقة كمنظمة الجيش. رغم هذه المطبّات، هل يمكن المراهنة على أنظمة سياسية دون الاحزاب. هذا هو السؤال الاساسي الذي يجب طرحه على نقاد الديمقراطية.

أظهرت دراسات متعمقة عن الاحزاب الاشتراكية الاوروبية، أنه من الصعب على تيّار الشباب أن يُقبل بسهولة من قبل المناضلين القدامى في الحزب، لأن هؤلاء يحذرون من الصعود السريع للشباب في المراتب الحزبية ويتخوفون من المعارضة الصادرة عن القاعدة عن طريقهم.

الاحزاب الاشتراكية يشكل عام تحارب نزعة تشخيص السلطة من قبل الافراد أو الفئات. عكس الاحزاب الفاشية.

الاحزاب وتمثيل الرأي العام

العلاقة بين الناخب والمنتخب ليست مباشرة في العصر الحديث. فلقد دخل بينهم وسيط هو الحزب، غيّر العلاقة بين الطرفين. قيادة الحزب هي التي تختار المرشحين باسم الحزب حسب مؤهلاتهم لخوض المعركة الانتخابية.

التمثيل النسبي يقوي تأثير الحزب على المرشحين. لأن الحزب يجمع الاصوات المشتتة في الوحدات الانتخابية في كل البلد ويحدد من سيكون نائب هؤلاء الناخبين.

المشكلة الاساسية في التمثيل النيابي يكمن في مقياس دقة تمثيل النائب لرأي الناخبين في مجلس النواب. واقع الديمقراطية المطبقة في أكثر الدول تظهر تأثير الحزب على النواب. وتأثيره الكبير أيضا على الرأي العام وتوجيهه.

لكن في المجتمعات اليوم وعن طريق وسائل الاتصالات الحديثة المتوفرة يمكن للمواطنين ذوي الوعي السياسي، التأثير بدورهم على الاحزاب وممثليه في الحكومة وفي المجلس النيابي وغيره من الهيئات الحكومية. لم يعد التأثير من جهة واحدة، لكن أصبح تأثيرا متبادلا يدلّ على حيوية الديمقراطية.

تكمن أهمية الاحزاب في أنها تبلور الآراء الخاصة وتغنيها وتضعها في برنامج عمل. هذا البرنامج يعطي الثقة لأعضائه في عملهم السياسي الموحّد. أما الآراء الفرديّة المنعزلة عن بعضها البعض فيبقى تأثيرها محدود من الناحية السياسية الفعلية.

القادة والنواب

في الديمقراطية، يتقدم النواب على قادة الحزب، والمنتخَبون في الحزب على المنتسبين إليه، لأن النواب بشكل عام أكثر عددا من قادة الحزب. لكن في أغلب الاحيان، يعتبر قادة الحزب أنفسهم أكثر نضالا من الآخرين. يحاولون توجيه النواب ويجعلون منهم منفذين للسياسات التي يرونها أصلح لمواقف الحزب.

الاحزاب الاشتراكية تفضل فصل السلطات بين الجناح الحزبي، أي قادة الحزب، وبين الجناح النيابي. هذا الوضع يوجٍد تنافسا وديناميكية بين الاطراف يؤدي الى توازن في القوى السياسية الحزبية وينمي الروح الديمقراطية.

هناك ثلاثة أنواع أساسية في الانتخابات:

1- الاقتراع بالتمثيل النسبي. هو نظام متعدد الاحزاب. يتميز بتضامنه واستقلاله واستقراره. عدا بعض الاحزاب التي تبقى غالبا لمدّة قصيرة، تتواجد في حالات استثنائية كرد فعل احتجاجي أو انفعالي ضد السياسات المتبعة من قبل بقية الاحزاب الكبيرة. من ميزات الانتخابات النسبية هو في دورها النفسي عند الناخب. لأن وصول المرشح الى المركز الثاني أو الثالث مثلا يُبقي شيئا من الامل للناخب بأن مرشحه قد يفوز في الدورة الثانية. التمثيل النسبي يلغي نهائيا إمكانية التحول إلى ثنائية الاحزاب.

2- الاقتراع بتمثيل الأغلبية بدورة واحدة (انتخاب مرّة واحدة). هو نظام يتألف تاريخيا من حزبين. هذا النوع أصبح نادرا في الديمقراطيات الحديثة. تعدد الاحزاب أصبح أكثر انسجاما مع تنوع الاتجاهات السياسية للمواطنين. رغم أن نظام الحزبين يبدو كأنه خيار طبيعي. لأن الانسان يميل بشكل عام وشبه غريزي لطرف أو لآخر.

3- الاقتراع بتمثيل الأغلبية بدورتين. هو نظام متعدد الاحزاب يتميز بالمرونة والاستقرار النسبي.

التمييز بين ثنائية الاحزاب أو تعددها، ليس سهلا. بسبب وجود أحزاب صغيرة وقليلة الفعالية بجانب الكبيرة المسيطرة. كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية. من الواضح أن مفهوم ثنائية الاحزاب يصبح باطلا في حال الوصول إلى الحكم حزب شمولي مستبد.

أما “الوسطية”. التي تدّعيها أحزاب الوسط والتي تحاول أن يكون لها وجود ما بين الاطراف، يحوي المعتدلين من اليمين واليسار. هذا الموقف لا يمكن أن يدوم طويلا فهو سيتأرجح وغالبا سينقسم على نفسه بين اليمين الوسط واليسار الوسط. عمليا عندما يتواجد الرأي العام أمام مواضيع هامة وأساسية، تتبلور الاتجاهات حول قطبين متناقضين لا يفسح المجال لاتجاه وسطي.

تعدد الاحزاب

هناك خلط كبير بين تعدد الاحزاب والاتجاهات السياسية. انقسام الرأي العام في تجمعات وباتجاهات سياسية متعددة هي عوامل غير ثابتة في الزمان، مائعة وسريعة التغير وزوالها سريع. لأن هذا النوع من التجمع “التحزبي” هو بدائي في طبيعته لا يدلّ على نضوج سياسي. التشتت الكبير في مثل هذه التجمعات السياسية لا تؤثر ايجابيا على الحياة الديمقراطية الوليدة. أكثر الديمقراطيات الجديدة في عالمنا العربي وغيره ستمر في بدايتها في هذه المراحل غير المجدية سياسيا والمخيبة لآمال الناس في الديمقراطية. هناك عشرات وعشرات “الاحزاب” الآخذة في التكُون في الساحة السياسية وفي البلد الواحد. سوف تستغل الاحزاب الاكثر تجانسا هذا الوضع لصالحها. المثل الساطع في هذا الربيع العربي السيطرة الكبيرة للأحزاب الاسلامية وخاصة الاخوان المسلمين، المنظمة منذ أجيال والتي ستفرض عقيدتها السياسية- الدينية لأنها تعتبر “أن الإسلام هو الحل”.

لمجابهة الاحزاب العقائدية الدينية على الديمقراطيين العلمانيين التجمع في أحزاب قليلة العدد لتكون أكثر فاعلية من التشتت غير المجدي سياسيا.

تعدد الاحزاب ينتج كذلك عن انقسام في الاحزاب الثنائية باتجاهات يمينية ويسارية، محافظة وثورية مرتبطة عادة بنفسية الاجيال المتواجدة في الاحزاب. كل هذا يؤدي إلى انقسامات داخلية في الحزب الواحد واحتمال ولادة أحزاب جديدة منها أحزاب وسطية لن تعيش طويلا كما رأينا.

عندما تطبِق الأحزاب سياساتها الاساسية، تتحول مع الوقت الى احزاب أكثر محافظة. مما يتطلب همما جديدة لإحياء الحزب وإعادة النشاط اليه.

التعددية الحزبية في الانظمة الديمقراطية تعطي الحق للشعب بمساءلة حكامه ونقدهم وبعزلهم تبعا للدستور. أهم أدوار الحزب الحاكم في النظام الديمقراطي هو في نقل صريح وصحيح للرأي العام للحكومة ونقل قرارات الحكومة للشعب.

في البلاد التي تأخذ بنظام الحزبين، نرى تناوبا في الحكم بين الاثنين. كل حزب يتحول من المعارضة الى الحكم وبالعكس. من الظاهر أن الاحزاب الموجودة في المعارضة تكون أكثر تضامنا وانضباطا من الحزب الحاكم. يعود ذلك الى أن هدف المعارضة هو اسقاط الحكومة وأخذ محلها.أما الحزب الحاكم فهو أمام مسؤوليات الحكم ومشاكله الدائمة. النقاشات والمشادّات تكون حادّة في الحزب لتباين وجهات النظر والسياسات التي يجب تنفيذها.

الحزب الحاكم عندما يدوم حكمه فترات متواصلة، يتآكل من الداخل ويفقد عنفوانه ويتصلب في سياساته ويتحرك بشكل روتيني وتضعف نظرته المستقبلية.

تعدد الاحزاب لا يهدد الديمقراطية. ما يهددها طبيعة الميول العسكرية أو الدينية أو الشمولية للقادة السياسيين.

الحزب الواحد وتعدد الاحزاب والديمقراطية

المشكلة الاساسية في الانظمة ذات الحزب الواحد هو عدم شرعية القيادة الحزبية والحكومية وانفصالها عن الشعب صاحب السيادة وفقدان العلاقة الحيوية والإنسانية معه.

الاتحاد السوفيتي برهن بعد عشرات السنوات من الحكم أن الحزب الواحد سيبقى بشكل دائم، وتحت شعارات ثورية ليقضى بشكل كامل على أي تحول ديمقراطي. نهاية هذا النظام المأسوي كانت واضحة لأغلب المواطنين وحتى لقياداته السياسية الواعية في حقبته الاخيرة.

كذالك تهدف الاحزاب الفاشية والدينيّة الى السيطرة الكاملة على السلطة، وممارستها بشكل شمولي وإبعاد بقية الاحزاب عن العمل السياسي الديمقراطي. هدفها اسقاط النظام الديمقراطي وليس الى اعادة تنظيمه. استعمال الانتخابات هو وسيلة للوصول الى السلطة والقضاء النهائي على الديمقراطية.

هذه الاحزاب تنمّي في أعضائها رابطة غير عقلانية أسطورية وتدعوا الى عقيدة من طبيعة دينية وتنظيم شبه عسكري. وتستند الى ما يشبه الوحدات الخاصة (ماليشيا) وتؤمن بالنخبة.

يتحول القادة في هذه الانظمة الى ناد مغلق. لترسيخ أركانه، يقوم النظام الاستبدادي، باختيار طبقة من الموالين له، يمنحهم امتيازات كبيرة، مادية ومالية ومناصب إدارية في الدولة ويعطيهم حيز من الحريات الخاصة بهم وسلطات تتجاوز بكثير وضع المواطنين العاديين. هذه الامتيازات لا علاقة لها بقيم الفرد أو إمكانياته الإدارية وغيرها. بالمقابل على هؤلاء الموالين الانصياع الكامل لسياسة الدولة المشخّصة بالرئيس أو الملك أو الأمير حسب المصطلحات في أغلب ديكتاتورياتنا العربية. حتى الاحزاب وقياداته تصبح وسيلة بيد الحاكم للسيطرة على الشعب وخيرات البلد.الرضوخ الاعمى للقائد “الملهم”، يلغي نهائيا دورهم كوسيط بين الشعب وبين الحاكم ويحولهم الى عملاء ومخبرين ضد هذا الشعب. فيصبح الحزب أداة بوليسية إرهابية.

هذا الارهاب يعمل على صعيدين: الصعيد الداخلي، لمراقبة أفراد الحزب والقيادات السياسية لبعضهم البعض لضمان الانضباط المطلق والطاعة العمياء والابتعاد شبه المرضي عن أي نقد معقول. والصعيد الخارجي الذي يتجلى في مراقبة كافة المواطنين في حياتهم العامة وحتى الخاصة. بهذا يتزايد البعد بين الجماهير وبين القيادات السياسية. وتحجب الرؤية الموضوعية عن أوضاع البلد المنهارة.

بهذا تصبح العلاقة بين القائد المستبد والجماهير علاقة شاقولية، من فوق الى تحت مع “غربلة” متواصلة للحقائق من كل الاطراف. الدور المتبقي للحزب هو نشر تعليمات وإرادة القائد على الجماهير “المتعطشة” لإلهاماته الخرقاء. والدعاية لحكومته بكافة وسائل غسل الدماغ المتوفرة بسهولة في التكنولوجيا اليوم.

الحزب الواحد الثوري والمرحلي

يجب التمييز بين الحزب الواحد الذي يقضي، كما رأينا سابقا، على تعدد الاحزاب الديمقراطية ويبغي البقاء بشكل دائم في الحكم ويؤسس حكما ديكتاتوريا. وبين الحزب الواحد الثوري الذي يعلن بقاءه لفترة محددة. فهو يقوم بثورة حقيقية وتقدمية للقضاء على الحكم المستبد أو الفاسد أو عميل لدول أخرى. ويعطي البلد نظاما سياسيا يجمع به الجماهير المنسيّة ويضع أسس العدالة الاجتماعية ويخفف من عدم المساواة السابقة بين المواطنين. ويخلق الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لنمو الحريات السياسية المستقبلية، ويحدد الطريق لتأسيس حكم تعددي ديمقراطي ويتحرك لهذه الغاية، هذا المسلك الثوري وبقيادة مصممة يمهد لولادة صعبة وشاقة لديمقراطية تعددية. هذا النظام الثوري للحزب الواحد هو أكثر ديمقراطية من الحكم الديكتاتوري أو الفاسد أو العميل.

عوامل التحالفات الحزبية

التحالفات الحزبية نادرة جدا في أنظمة الحزبين. قد يحدث تحالف لكل الاحزاب في أوقات مصيرية للأمة. أثناء الحرب العالمية الاولى والثانية مثلا قامت في انجلترا وحدة وطنية سنة 1914 و 1939.

أما في الأنظمة متعددة الاحزاب، التحالفات لا غنى عنها للوصول الى الحكم في حال عدم حصول حزب ما على الاغلبية. بعض هذه التحالفات يمكن أن تكون طويلة الامد، لفترة انتخابية أو أكثر. التحالفات في الحكومة بين أحزاب مختلفة يوازيها تحالفات نيابية ضرورية لتمرير القوانين الذي تريدها الاطراف.

الاحزاب وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية

يعود فصل سلطات الدولة في الاحزاب الى النظام الداخلي فيها وليس الى النصوص الدستورية. في نظام الحزب الواحد تتمركز كل السلطات في حلقة سياسية واحدة، رغم تحديد فصل السلطات “الشكلي” في النصوص الدستورية. لأن الحزب الواحد والسلطة السياسية وجهان لعملة واحدة.

هناك تقارب ملحوظ في موضوع فصل السلطات في الدولة بين نظام متعدد الاحزاب والحزب الواحد. الحزب الحاكم في النظام الديمقراطي يبغي بشكل طبيعي التأثير على كل سلطات الدولة لتنفيذ برنامجه السياسي بأقل ما يمكن من الاعتراضات عليه. لكن في الواقع، رغبة السيطرة هذه تجابهها كل تيارات المعارضة في الاحزاب الأخرى وتحد من جموحها. أما نظام الحزبين فيميل غالبا لتمركز السلطات في يد الحزب الحاكم.

رغم أن الحزب الحاصل على الاغلبية النيابية له كل السلطات لوضع القوانين التي يريدها تبعا لبرنامجه السياسي كما أعلنها في الحملة الانتخابية. فهو لا يستطيع أن يستبد بالحكم دون حساب لتبعاتها السلبية. مثلا مشروع القوانين المعروضة على اللجان البرلمانية للنقاش، ستنتقدها الاحزاب الاخرى وتظهر خفاياها وقربها وبعدها عن المصلحة العامة. وتطالب بتعديلات هامة فيها. كل هذا يقدم للناس امكانية الحكم على النظام ونقده عن معرفة وإحراجه سياسيا.

يلعب المجلس النيابي دورا موازيا للسلطة التنفيذية. تقوم لجانه المختصّة المكونة من عدّة أحزاب بفحص مشاريع القوانين المقدّمة من الحكومة. وتنظر بمقترحات جهّات مختلفة مهتمّة بالمواضيع المطروحة، مثل الجمعيات المدنية، وأهل الاختصاص… هذه اللجان تدرس كل مواد القوانين لتنقيحها، لصالح المنفعة العامة. كل هذه الدراسات تقدّم كل وجهات النظر الممكنة. ويصبح التصويت على هذه القوانين صادر عن معرفة تامّة بها من قبل الجميع.

النظام النيابي والرئاسي

هناك فرق أساسي في موضوع تمركز السلطات بين النظامين.

النظام النيابي يقرب بين السلطات التشريعية والتنفيذية.

أما النظام الرئاسي فهو يفصل بشكل كامل سلطات الحكومة عن المجلس النيابي. كل منهما له صلاحيات محددة. لا يستطيع أي طرف أن يؤثر بشكل كبير على الآخر.

تظهر مشاكل وعقبات النظام الرئاسي بشكل جليّ عندما يكون الرئيس من حزب والحكومة من حزب آخر. كما حدث مع حكومة ميتيران في فرنسا.

في نظام تعدد الاحزاب، حجب الثقة عن الحكومة في حال حصول المعارضة على أغلبية الاصوات في مجلس النواب، يرفع عنها شرعية الحكم ويؤدي الى سقوطها وفتح باب الانتخابات.

ملاحظات عامة

في غياب الاغلبية الحزبية، يتشكل مجلس الوزراء من أحزاب متعددة.

الديمقراطية الغربية تتميز بوجود معارضة منظمة.

المعارضة في نظام الحزب الواحد يمكن أن تأتي من داخل النظام ومن الشارع.

عندما تبقى المعارضة فترة طويلة خارج الحكم، تأخذ مواقف أكثر عنفا وديماغوجية.

في التحالفات النيابية القوية في نظام تعدد الاحزاب، تؤدي غالبا الى تشابه هذه الاحزاب.

خاتمة

الديمقراطية الواقعية أقل تواضعا من تعريفها التقليدي. تعرّف أولا بالحرية، حرية الشعب بكل فئاته. ليس فقط حرية الاغنياء وأصحاب الامتيازات ولكن حرية كل مكونات الشعب. هذه الحرية تفترض مستوى معين من العيش الكريم والدخل المعقول ومستوى من التربية والتعليم ومساواة اجتماعية وتوازن يسمح للجميع بدخول الحلبة السياسية. تلبية الحاجات المادية للمواطن ضرورة حيوية حتى يشارك في السياسة بشكل فعّال. الحرية السياسية تتبلور في أحزاب تنقل تصور وبرنامج عمل الجماعة الحزبية الى الحقل السياسي

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى