الاهتمام والتنافس الدولي على منطقة الساحل الإفريقي

اعداد : سـي طــاهر قـــاضـي – باحث دكتوراه علوم سياسية – جامعة تونس المنـار

  • المصدر : مجلة الدراسات الأفريقية وحوض النيل : العدد الخامس  آذار – مارس “2019” دورية علمية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي “ألمانيا –برلين”

تندرج الاهتمامات الدولية بمنطقة الساحل الإفریقي ضمن جوهر السیاسة الشاملة للدول الكبرى في القارة الإفريقية، خاصة وأن هذا الفضاء الجغرافي یحتوي على كل العناصر التي أصبحت تحرك السياسات الخارجية للدول الكبرى بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 تجاه مختلف المناطق الإستراتيجية في العالم.

برز الساحل الإفریقي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بوصفه منطقة إستراتيجية في ظل الحملة العالمیة للحرب على الإرهاب، بسبب انتشار مجموعة من التهدیدات الأمنیة العابرة للحدود، لكن لا یمكن حصر اهتمام الولایات المتحدة بتأزم الوضع الأمني في المنطقة فحسب، بل إن الأمر یتعدى ذلك إلى دواع جیو-اقتصادیة لها صلة مباشرة بالتنافس فیما بین القوى الكبرى من أجل الظفر بعدد من الاحتیاطات النفطیة والمعدنیة في منطقة الساحل والمناطق المتاخمة لها خاصة خلیج غینیا، وجعلتها تخصص برامج وآلیات متنوعة لتحقیق أهدافها فیها.

تمثلت بداية المراجعات للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا خاصة بعد زيارة ويليام مايكل دالي وزير التجارة الأمريكي لبعض دول القارة الإفريقية عام 1998 عندما قال: «.. إن إفريقيا تمثل الحدود الأخيرة للمصدرين والمستثمرين الأمريكيين، وفيها إمكانيات كبيرة وواعدة ولقد سبق أن ترك رجال الأعمال والمال الأمريكيون الأسواق الإفريقية لزمن طويل لتكون منطقة نفوذ لمنافسينا الأوروبيين» . هو ما أدركته وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت حيث قررت في إحدى زياراتها أن التحالفات الاقتصادية الجديدة ستكون هي التحالفات العسكرية بالنسبة للقرن القادم.

إن تزايد الإهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية عموما ومنطقتي الساحل والصحراء خصوصا مرده إلى كونها مصدرا رئيسا للموارد الطبيعية باعتبار الموقع الحاسم الذي تحتله على خريطة إنتاج النفط العالمي، حيث بلغ إنتاجها بحسب اللجنة الإفريقية للطاقة 11% من الإنتاج العالمي سنة 2005، في حين أن احتياطي القارة من النفط الخام تبعا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية يبلغ 8%0 من الاحتياطي العالمي الخام، ويتمركز احتياطي النفط في إفريقيا بشكل خاص في غرب إفريقيا ومنطقتي البحيرات العظمى وشمـال إفريقيا، حيث يمتاز النفط الإفريقي بقربه من الأسواق الأوروبية والأمريكية على السواء مقارنة بالنفط الخليجي، كما أن أغلب الدول المنتجة له تعاني أزمات مردها إلى التنافس والصراع على السلطة مما يسهل اختراقها.
تتنافس على القارة مجموعة من القوى منها القوى ذات النفوذ التاريخي التقليدي كفرنسا التي تعتبر إفريقيا منطقة نفوذ طبيعية وحديقة خلفية بحكم تاريخها الاستعماري، وارتباط دولها بفرنسا ثقافيا من خلال رابطة الدول الفرانكفونية، ومن جهة آخر دخلت الصين إلى الخط بفضل الاستثمارات الضخمة خاصة الشركات المختصة في الإنشاءات والبنى التحتية، إضافة إلى اكتساحها سوق التنقيب حيث كسرت الاحتكار الفرنسي للتنقيب عن اليورانيوم بحصولها على عقود في المغرب وعقود أخرى للتنقيب عن النفط في تشاد والسودان وموريتانيا، ويمتاز المد الصيني في المنطقة بكونه امتداد براغماتي اقتصادي بحت يخلوا في الغالب من أي تبعات سياسية وهو ما يفضله حكـام القارة.

لاطالما كانت الأهداف الاقتصادية في طليعة الاستراتيجية الأمريكية في القارة الإفريقية، خصوصا بعد تزايد الإكتشافات النفطية فيها، حيث هدفت إلى فتح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها الصناعية في القارة السمراء بالإضافة إلى وجود فرص هائلة للاستثمار في مجال البنية التحتية. فالولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر السيطرة على النفط الإفريقي إلى إحكام سيطرتها على مخزونات النفط العالمية، مما يسهل عليها التحكم في اقتصاديات الدول الكبرى المنافسة خصوصا الصين والإتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق يقول وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون: «يرتبط أمن بلدنا وازدهاره الاقتصادي بإفريقيا على نحو لم يسبق له مثيل، وسيتفاقم ذلك أكثر في العقود القادمة للأسباب التالية:

  • التحول الديمغرافي الرئيسي: بحلول العام 2030 ستمثل إفريقيا حوالي ربع القوى العاملة في العالم، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة إلى أكثر من 2.5 مليار شخص، منهم 70% دون الثلاثين من عمرهم.
  • تشهد إفريقيا نمواً اقتصاديا كبيرا، ويقدر البنك الدولي أن ستة من أسرع عشر اقتصاديات نمواً في العالم ستكون إفريقية» .

ولتأمين مصادر الطاقة من القارة الإفريقية؛ تحركت الولايات المتحدة الأمريكية تجاه النفط الإفريقي عبر أربعة محاور:

1 – سياسي: يتمثل في رفع شعار نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الليبرالية خاصة منذ عهد كلينتون حيث قام في عهدته الأولى بزيارة مطولة إلى القارة الإفريقية استمرت أكثر من عشرة أيام، وألقى في غانا وفي غيرها من الدول التي شملتها الزيارة خطابات عكست خلفية الرجل الديمقراطية وما تمثله من قيم ليبرالية تبشر بمبادئ الاعتماد المتبادل وسيادة القانون والاحتكام إلى المؤسسات وغيرها. حيث ارتكزت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية على السعي إلى تشكيل نخب حاكمة متشبعة بالقيم الأمريكية حفاظا على مصالحها في إفريقيا ودعما للأمن والسلم الدوليين وفق المنظور الأمريكي.

2 – اقتصادي تجاري: وذلك من خلال دعم التبادل التجاري بين الطرفين، حيث ارتفع إجمالي التبادل التجاري الكلي بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإفريقية حسب تقرير أصدره مكتب التحليل الاقتصادي التابع لدائرة التجارة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية حول التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإفريقية حيث انخفضت صادرات الولايات المتحدة على إفريقيا سنة 2017 إلى حوالي 35 مليار دولار أي بما نسبته 1.7% مقارنة بسنة 2016، في حين في حين ارتفعت وارداتها من القارة إلى حوالي 43 مليار دولار أي ما يعادل نسبة 21% مقارنة بسنة 2016، مسجلة عجزا تجاريا يقدر بحولي 7.8 مليار دولار مقارنة بفائض قدر بــ 519 مليون دولار سنة 2016 .

3 – يتمثل في تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في إفريقيا، حيث عقدت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات ثنائية مع كل من إثيوبيا، جيبوتي وإيريتيريا في ديسمبر 2002 تسمح للجيش الأمريكي بحرية الحركة في منطقة القرن الإفريقي لمواجهة القرصنة التي ما فتئت تقوم بها التنظيمات الإرهابية لضمان أمن البحر الأحمر وحماية مضيق باب المندب والتجارة الدولية. في حين تحتضن جيبوتي القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة والرئيسية في القرن الإفريقي، كما تتوفر القوات الأمريكية على موقع في أوغندا يتيح فرصة مراقبة جنوب السودان حيث توجد آبار النفط، بالإضافة على حصولها على تسهيلات في مناطق مختلفة من القارة مثل كينيا، إيريتيريا وغيرهما، كما تتواجد في الساحل والصحراء في صورة تعاون عسكري بمختلف الأشكال والصيغ مع كل من موريتانيا، التشاد، مالي والنيجر تحت حجة مكافحة الإرهاب.

4 – إنساني: رصدت الولايات المتحدة الأمريكية 533 مليون دولار كمساعدات إنسانية لمكافحة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الأخرى الناجمة عن الصراع في الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا وحوض بحيرة التشاد. وإن مستويات الجوع المقلقة في هذه المناطق من صنع الإنسان إلى حد كبير إذ تندلع الصراعات ويَفرُ السكـان من مساكنهم، وفي ظل هذه الظروف لا يستطيع الناس إنتاج المحاصيل وكثيرا ما يفقدون إمكانية الحصول على الغذاء والتعليم والرعاية الصحية إضافة إلى الجفاف المطَول.

وفي وسط القلق المتنامي حول نفوذ الصين عالميا، تتجه أنظار بيكين إلى القارة الإفريقية حيث تطورت الاهتمامات الصينية إلى مسـاعٍ تجـارية خاصة في ميدان الاستثمار والطاقة وهي التي كان لها وجود تاريخي في ستينات وسبعينات القرن الماضي من خلال التضامن العقائدي لدعم الوجود الشيوعي في القارة.

وأدى توسع الاقتصاد الصيني بمعدلات نمو متسارعة إلى ازدياد الطلب على الطاقة والحاجة المتنامية إلى الموارد في ظل عجز الإنتاج المحلي على الوفاء بالتزامات الاقتصاد الوطني، فكان لزاما توجيه الأنظار إلى الخارج للبحث عن مصادر بديلة، حيث باتت الصين أكبر مستهلك للطاقة بداية من سنة 2004 بعد الولايات المتحدة الأمريكية، كما من المتوقع أن يرتفع استهلاكها من الطاقة من 33% إلى 60% بحلول 2020، حيث تمثل الطاقة المتأتية من إفريقيا حولي ربع الواردات الصينية من الطاقة، كما أصبحت الشريك التجاري الأول للعديد من دولها فيما سجل التبادل التجاري قفزة وصلت إلى 107 مليار دولار سنة 2009بما يمثل 10 أضعاف ما كان عليه الوضع في بداية الألفية واحتلت بذلك المرتبة الثالثة كشريك تجاري بعد الولايات المتحدة وفرنسا.

شكل تحجيم دور الصين المتنامي في القارة إحدى زوايا الإستراتيجية الأمريكية بخصوص إفريقيا، حيث أصدر مجلس العلاقات الخارجية في ديسمبر 2005 تقريرا حذّر فيه الولايات المتحدة من مواجهة ضاربة من الجانب الصيني تتعلق بإمدادات النفط من إفريقيا داعيا واشنطن إلى نتهاج أسلوب استراتيجي تجاه القارة باستثمار المزيد من الموارد، وقال المجلس إن أهمية إفريقيا الإستراتيجية تتزايد خاصة بسبب الطاقة، وأنه يتعين على الولايات المتحدة تجاوز أسلوب التعاون من منظور إنساني واعتبرها شريكا.

تعود العلاقات الأوروبية الإفريقية إلى عهد طويل، فقد تمكنت القوى الأوروبية من الاستيلاء على القارة وتقسيمها بعد مؤتمر برلين 1885، ولاستمرار التواجد الأوروبي في إفريقيا وغيرهم من الفاعلين كدول المغرب العربي لضمان أمنهم الطاقوي، وفي حين تمكنت هذه القوى الأوروبية من الحفاظ على مصالحها في القارة حتى في ظل الثنائية القطبية التي تراجعت فيها مكانة أوروبا التقليدية، فقد راعت الولايات المتحدة الأمريكية مصالح حلفائها في مناطق نفوذهم التاريخية في المنطقة مراعاة للتوافق في العلاقات الأمريكية الأوروبية.

وفي ظل النظام العالمي الجديد، تشكلت بيئة جديدة أثرت في طبيعة العلاقة بين الطرفين في صورة تحديات ومخاطر أهمها الهيمنة الأمريكية والمنافسة الشديدة من جانب القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الصين واليابان، ما ألجأ الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها مع دول القارة على عدة مستويات مستفيدة من الإرث التاريخي والثقافي الطويل.

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button