التحديات الجديدة للنظام الدولي: الأمن الإنساني والصناعي في مواجهة فيروس كورونا

بقلم : د. منصور أبو كريم – باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

  • المركز الديمقراطي العربي

وضع الانتشار السريع لفيروس كورونا (COVID-19) الأمن الإنسان والصناعي والاقتصاد العالمي والنظام الدولي بكل مكوناته أمام اختبار وتحدي جديد في ظل الارتفاع المتزايد في أعداد الإصابات في الكبيرة في العالم أجمع وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة، بعد أن تجاوزت أعداد القتلى في ايطاليا خلال 24 ساعة الماضية 450 حالة وفاة بسبب الفيروس.

الفيروس الذي بدأ انتشاره من الصين في بداية العام 2020 لم يكن أحد يتوقع سرعة انتشاره بهذه الطريقة المخيفة التي أجبرت العالم على العزلة لأول مرة في تاريخ البشرية، فرغم بشاعة الحرب العالمية الثانية إلا أنها لم تجبر العالم والإنسانية على فرض قيود على حركة السفر والتنقل في داخل الدول وبين الدول وبعضها، وهذا ما يؤكد صعوبة التحدي الجديد الذي يمثله الفيروس بالنسبة للأمن الإنساني والنظام الدولي ككل في العقد الثالث من الألفية الثالثة.

زيادة أعداد الإصابات بالمرض التي وصلت إلى أكثر من 250 الف حالة في العالم خلال الشهور الماضية، وعدد والوفيات التي تجاوزت حتى كتابة هذه السطور إلى أكثر من 9 ألاف حالة وفاة في العالم كلة، والتداعيات الاقتصادية الهائلة لتعطل الحركة الاقتصادية والتجارية وتوقف الإنتاج في العديد من الدول، والخسائر الهائلة للشركات والبنوك والأفراد نتيجة انتشار الفيروس تؤكد أن النظام الدولي يعيش لحظة تاريخية لم يكن أحد يحسب لها حساب، كون أن العالم والقوى الكبرى انشغلت في تحصين نفسها لمواجهة تحديات أخرى، سواء المتعلقة بالردع النووي مع انتشار الأسلحة النووية، أو الجريمة المنظمة، أو الإرهاب والمنظمات العابرة للحدود التي شكلت المصدر الأول للتهديد خلال العقد الأول من الألفية الثالثة،  فلم يتوقع أحد هذا السيناريو المخيف الذي يمر به العالم بما يمثله الخطر الداهم من سرعة انتشار الفيروس.

لكن على الرغم أن القوى الكبرى والمنظمات الدولية وخاصة الأمم المتحدة لم تتوقع يومًا ما هذا الوضع المأساوي إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كانت أول من تحدث عن التحديات القادمة من الطبيعة باعتبارها تحديات تمثل تهديدًا للأمن والاستقرار الدوليين، بما يتطلب تعاون دولي لمواجهتها.

فقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2010 نوعين من التحديات الدولية التي يجب العمل بشكل جماعي على مواجهتها وأكدت إدارة الرئيس باراك أوباما متغيرين في إطارهما العام يمثل تهديد للأمن والاستقرار الدوليين، الأول التحدي الإنساني الصادر عن البشر، ويشمل كل ما يتعلق بالإرهاب والأمن العالمي، وانتشار الجريمة المنظمة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والفقر والجوع، وانتهاك حقوق الإنسان، والحريات العامة، إضافة للمتغيرات التي تتعلق بمنافسة الفواعل الدولية الأخرى لواشنطن على الساحة الدولية. أما التحدي الثاني يتمثل في الكوارث الطبيعية، الكوارث الطبيعية والزلازل، والبراكين، والأعاصير، والفيضانات والاحتباس الحراري، وعلى الرغم أنها تمثل تحديًا اقتصاديًا وبيئيًا للدولة، إلا انها تعد أقل تهديدًا من التحدي الأول، كون ن التحدي الإنساني له أهداف مضرة مختلفة عن التحديات الطبيعية([1]).

من الصعوبة بمكان حصر الأضرار الإنسانية والسياسية والاقتصادية العالمية جرّاء انتشار فيروس كورونا، ولكن يمكن التأكيد على أنها ربما تكون خسائر غير مسبوقة، ونطاقها يشمل بقاع المعمورة كافة. فمع بروز أزمة انتشار فيروس كورونا أصبحت التحديات القادمة من الطبيعية لا تقل خطورة من التحديات القادمة من البشر، خاصة في ظل ارتفاع تكلفة مواجهة الفيروس، بعد أن ضرب الوباء قطاع الصحة والتجارة والنقل الجوي، والتعليم والرياضة، والسياحة والنقل والموصلات، حتى بات العالم أشبه بجزر معزولة، فالخسائر الأولية لتقدر حسب البنك الدولي بملايين من المليارات من الدولارات. في الوقت يشهد العالم أكبر تحدي، وهو انتشار وباء “فيروس كورونا”، الذي لم يعد مجرد فيروس، بل أصبح قضية صحية واقتصادية، من المرجح أنه تؤثر على النواحي الإنسانية والسياسية والاقتصادية بصورة تجعل تداعياتها تستمر طويلاً.

التداعيات الإنسانية

حتى الحين، أصاب فيروس كورونا أزيد من 214 ألفا وأودى بحياة نحو 9000 شخص، وفق أرقام نقلتها وكالات الأنباء عن الجهات المعنية حول العالم. وتحتل أوروبا الصدارة من حيث عدد الوفيات بالفيروس، ويقع معظم هذه الوفيات في إيطاليا (2941) تليها فرنسا وإسبانيا. أما في آسيا فقد بلغ عدد الوفيات في الصين وحدها 3200، تليها إيران بواقع 1135 حالة وفاة، في حين أبدت منظمة الصحة العالمية قلقها من عدم إفصاح دول الشرق الأوسط عن الأرقام الحقيقية.

أبرز تطورات الفيروس على مستوى العالم خلال يوم 18 مارس 2020، تؤكد الارتفاع الجنوني في أعداد الإصابات والوفيات، ففي إسبانيا ارتفع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى 13,716 حالة اليوم الأربعاء 18 مارس، وزاد عدد الوفيات إلى 558 حالة. في إيطاليا وحدها سجلت السلطات 475 وفاة بالفيروس في يوم واحد، ووصل إجمالي عدد الوفيات إلى 2941، كما بلغ إجمالي عدد المصابين أزيد من 31 ألفا. في إيران أفاد مسؤول في وزارة الصحة الإيرانية بأن عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا في البلاد قفز إلى 1135 بعد رصد 147 وفاة جديدة في الساعات الـ 24 الأخيرة، مضيفا أن عدد حالات الإصابة في البلاد بلغ 17,361. في بريطانيا: وزارة الصحة أعلنت وفاة 32 مصابا بفيروس كورونا خلال يوم واحد مما يرفع إجمالي الوفيات إلى 104([2]). كما تفيد الأخبار الواردة من الولايات المتحدة أن الإصابات المسجلة بالفيروس يوم 19 مارس 2020 وصلت إلى 9 ألاف حالة جديدة وأكثر من 150 حالة وفاة، كما كشفت وزارة الصحة الإيرانية، أن 50 شخصاً في إيران يصابون بفيروس (كورونا) كل ساعة، ويتوفى شخص واحد كل 10 دقائق. ودعا المتحدث باسم وزارة الصحة، الإيرانيين إلى أخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار، وحثهم على “اتخاذ القرار بوعي بشأن السفر والتنقل والزيارات في عيد النيروز”([3]).

الحصيلة اليومية للوفيات من وباء كورونا يقدر بحوالي 1000 حالة وفاة يوميا على المستوى العالم، ما يجعل العالم يحبس أنفاسه، حيث ارتفعت حصيلة وأعداد الوفيات حول العالم بسبب فيروس كورونا الـ 8000 شخص، يوم الأربعاء 18 مارس 2020، بحسب ما ذكرته شبكة “سكاي نيوز” الإخبارية.

وتشير الدراسات التي أُجريت حتى يومنا هذا إلى أن الفيروس الذي يسبب مرض كوفيد-19 ينتقل في المقام الأول عن طريق ملامسة القُطيرات التنفسية لا عن طريق الهواء. وكان الدكتور أحمد المنظرى، مدير منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، قد أكد أن دول الإقليم أبلغت عن 18 ألف و19 حالة مصابة بفيروس كورونا في 18 دولة، منها 1010 حالة وفاة حتى الآن في 7 دول، مضيفا: “نشهد الآن تزايد حالات الانتقال المحلى للمرض، وهذا أمر يدعونا للقلق ويتطلب منا التعجيل أكثر ببذل وتوحيد الجهود”.([4])

كل المؤشرات والتقديرات تؤكد أن العالم أصبح أمام كارثة إنسانية حقيقية تفرض على المجتمع الدولي تحديات كبيرة في كيفية مواجهة التداعيات الخطيرة للفيروس، فهذا الارتفاع الجنوني في أعداد الإصابات والوفيات يفرض على العالم تحديات كبيرة، فسرعة انتشار المرض وحجم الخسائر البشرية، تشكل تحدي وجودي ليس للنظام الدولي فحسب بل للبشرية أجمع. كيف سوف يتعامل العالم مع هذا التحدي الوجودي الجديد؟

التداعيات الجيوسياسية:

لقد فرض الوباء وسرعة انتشاره على العالم عزلة داخلية وخارجية، حتى أن مهمة الجيوش الوطنية الأولى أصبحت محصورة في فرض الإقامة الجبرية على السكان داخل البيوت منعا للاحتكاك بهدف تقليل الإصابات بعد أن عجزت الطاقة الاستيعابية لقطاع الصحي عن استيعاب المصابين.

أدى انتشار فيروس (كوفيد 19)، إلى توقف العالم تقريبا. سيدخل عام 2020 كتب التاريخ كسنة لم تكشف فقط عن فشل في الصحة العامة. ولكنها تشير أيضًا إلى حقبة من الركود الجيوسياسي ولحظة سقوط النعمة للنظام النيوليبرالي في القرن الجديد. يمكن الآن تقليل مخاطر الصحة العامة غير المتوقعة، وتضع الأزمة عيوب أوقاتنا القصيرة النظر والاستغلالية والفردية في بؤرة التركيز نحن في عصر من التمييز الفيروسي المفروض ذاتيًا بين الذات والآخر في البيئات الاجتماعية المريحة وأماكن العمل والتجمعات العامة وحتى في الكنائس والمساجد والمعابد([5]).

التحديات الصحية والعواقب الاقتصادية لفيروس كورونا قد تكون مدمرة بجانب انه من الصعب التنبؤ بالعواقب الجيوسياسية الناتجة عن الفيروس والتي ستكون ذات إثر طويل الأمد. ففي اليابان، أدت طريقة التعامل الخاطئة مع انتشار فيروس كورونا على متن سفينة سياحية إلى انتقال الفيروس إلى السكان اليابانيين ومن المحتمل انه سيؤدى إلى إلغاء أولمبياد طوكيو السابعة. وفي بلدان أخرى مثل إيران، أدت الاستجابات الضعيفة والغير فعالة إلى فيروس كورونا إلى عدم القدرة على السيطرة على الفيروس وانتشاره في بقية أنحاء الشرق الأوسط. وفي أفريقيا، ساعدت منظمة الصحة العالمية في إنشاء 40 مختبرًا في 35 بلدًا لإجراء الاختبارات الوقائية للمساعدة في الاكتشاف المبكر للفيروس والتحكم به([6])

في ظل حجم التداعيات السياسية والإنسانية التي يشكلها الوباء صدر عن صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي رسالة تضامن مشتركة فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا، معلنين عن استعدادهما “لمساعدة دولنا الأعضاء في مواجهة المأساة الإنسانية والتحدي الاقتصادي” للفيروس، وقال البيان المشترك “إننا نشارك بنشاط مع المؤسسات الدولية والسلطات الوطنية، مع إيلاء اهتمام خاص بالبلدان الفقيرة حيث تكون النظم الصحية هي الأضعف والناس أكثر عرضة ” للخطر. ويشرح البيان أن التدابير المتاحة تشمل “تمويل حالات الطوارئ، وتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة التقنية” مؤكدا على الحاجة إلى مساعدة البلدان على الاستثمار في حماية نفسها. وقال البيان إن تعزيز نظم المراقبة والاستجابة الصحية وتقويتها في بلدان العالم “أمر بالغ الأهمية لاحتواء انتشار هذا المرض، أو أي أمراض تتفشى في المستقبل”([7]).

التداعيات الاقتصادية والمالية:

التداعيات الاقتصادية لانتشار الفيروس لا يمكن حصرها بسهولة، فمن المتوقع أن يدخل الاقتصاد العالمي أزمة جديدة مع استمرار تصاعد الأزمة، فقد توقع خبراء أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تفوق 160 مليار دولار بسبب فيروس كورونا، لتصبح بذلك أكبر خسارة يسببها وباء في العصر الحديث، وهي تتجاوز بواقع أربعة أضعاف ما سببه فيروس “سارس” الذي اجتاح الصين سنة 2003، ووفق “بلومبرج” قدرت خسائر الفيروس، وقتئذ، بنحو 40 مليار دولار وأدى المرض إلى خفض مساهمة الصين في إجمالي الناتج المحلي العالمي بقرابة 170 %([8]).

وذكر تقرير بمجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية إن الولايات المتحدة قد تواجه عاصفة اقتصادية محتملة، يمكن أن تدفع البلاد إلى حالة من الركود، كلما ظهرت انعكاسات تفشي فيروس كورونا. ورجح كاتب التقرير دانييل ديفيس أن يكون فيروس كورونا والاضطراب الاجتماعي الذي يمكن أن يسببه على المدى القريب لملايين الأميركيين؛ خطيرا وشديدًا. وأضاف التقرير أنه في حين أن الأمور قد تزداد على المدى القريب، فإن المخاطر التي قد تتعرض لها البلاد على المدى البعيد من المحتمل أن تكون أسوأ بكثير([9]).

وبعيداً عن الأضرار التي تكبدتها كل دولة على حدة، نجد أن المؤسسات والوكالات الاقتصادية الدولية قد اتفقت على خسائر مبدئية سيسببها تراجع معدّلات النمو والطلب العالمي الناجم في الأساس عن تراجع متوقع ومنطقي لمعدل النمو الصيني، بؤرة الانتشار الرئيسة للمرض، لا سيما أن العملاق الصيني يستحوذ بمفرده على 20% من التجارة العالمية في المنتجات الوسيطة. وقد صرّحت وكالة أونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) بأن صادرات الصين انكمشت بنسبة 2% على أساس سنوي في فبراير/شباط الماضي فقط، وهو ما يكلّف دولاً أخرى وصناعاتها حوالي 50 مليار دولار، بل إن رقم 50 مليار، وطبقاً لمديرة قسم التجارة الدولية في “أونكتاد” باميلا كوك هاميلتون، هو رقم أوليّ وقد يكون “تقديراً متحفظا”([10]).

كما أعلن خبراء اقتصاد تابعون للأمم المتحدة أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي الناجم عن فيروس كورونا الجديد قد تصل إلى “انخفاض قدره 50 مليار دولار” في صادرات الصناعات التحويلية في جميع أنحاء العالم، خلال شهر فبراير/شباط وحده.

وقالت رئيسة قسم التجارة الدولية والسلع التابعة للأونكتاد، باميلا كوك-هاميلتون، إن من بين الاقتصادات الأكثر تضررا مناطق مثل الاتحاد الأوروبي (15.5 مليار دولار) والولايات المتحدة (5.8 مليار دولار) واليابان (5.2 مليار دولار.) وأضافت المسؤولة الاقتصادية الأممية أنه بالنسبة لاقتصادات “الدول النامية التي تعتمد على بيع المواد الخام” فإن الشعور بهذه الأضرار “مكثف جدا”. وقد ظل فيروس كورونا حتى الآن محصورا، في أغلبه، داخل جمهورية الصين. لكنَّ “الدور المهم الذي يلعبه الموردون الصينيون” في إنتاج الشركات في جميع أنحاء العالم يعني أن “أي خلل في الصين سيُشعر به أيضا خارج حدود البلاد.”  ويوضح التقرير تبعا لذلك أن التأثير يطال سلاسل القيمة الإقليمية لأوروبا وأمريكا وشرق آسيا([11]).

تفشي فيروس كورونا كبد شركات الطيران في الصين وبقية آسيا مليارات الدولارات حتى أواخر فبراير/شباط، قبل أن تتوسع الخسائر لتشمل عددا من أكبر شركات الطيران الأميركية والأوروبية.

جميع شركات الطيران العالمية أصبحت تعاني من معضلة إلغاء الحجوزات بسبب الفيروس، بدءًا من شركة “كانتاس” و”كاثي باسيفيك” في آسيا، وصولا إلى “لوفتهانزا” الألمانية والخطوط الجوية الفرنسية “كي أل أم”، وحتى الخطوط الجوية المتحدة والخطوط الجوية الأميركية في الولايات المتحدة. شركة جيفريز فايننشال غروب المحدودة أعلنت إنه في ظل التراجع المفاجئ في الطلب العالمي، من المتوقع أن تنخفض حركة النقل الجوية التجارية بنسبة 8.9% هذا العام، وأضافت أن هذا الانخفاض سيكون الأكبر وفق البيانات المتاحة على مدى 42 عاما. ونقل تقرير بلومبيرغ أيضا عن يو تشانفو، الشريك في شركة رولاند بيرغر الاستشارية في بكين، قوله “يواجه هذا القطاع أكبر تحد لها في تاريخ الطيران الحديث”([12]).

رئيسة المجلس العالمي للسفر والسياحة غلوريا غيفارا، قالت في مقابلة، يوم 14 مارس 202، إن وباء كوفيد-19 سيؤدي إلى خسائر، بقيمة 22 مليار دولار، لقطاع السياحة العالمي، مع تراجع نفقات السياح الصينيين. وأوضحت، في مقابلة مع صحيفة ألموندو الإسبانية: “أجرينا حسبة أولية قدرت أن هذه الأزمة ستكلف القطاع على الأقل 22 مليار” دولار. وتابعت أن “الحسبة بنيت على خبرة أزمات سابقة، مثل سارس أو إنفلونزا الخنازير، ومرجعها الخسائر الناجمة عن إلغاء الصينيين سفرهم في هذه الآونة”([13]).

الفيروس نجح بالفعل في تسجيل أول ضرباته في صناعة الطيران، حيث تعرضت فلاي بي، أكبر شركة طيران محلية في بريطانيا، لضغوط مالية قبل بدء انتشار العدوى، وانهارت في نهاية المطاف في الخامس من مارس/آذار 2020، في ظل تراجع الطلب، كما تولى المسؤولون الحكوميون في الصين مسؤولية قيادة شركة هاينان للطيران هذا الشهر بعد أن وقعت ضحية حظر السفر الجماعي. لذلك فإن خسارة 113 مليار دولار من العائدات العالمية في العام 2020 تمثل انخفاضا بنسبة 19% مقارنة بالعام 2019. وتتجلى أبرز التحديات التي تواجهها هذه الصناعة في الصين، التي سوف تتحمل خطوطها الجوية أكثر من ثلث الضربة التي من المتوقع أن يتعرض لها الاتحاد الدولي للنقل الجوي على صعيد عائدات الصناعة([14]).

في ظل استمرار الأزمة رجّحت العديد من الوكالات الاقتصادية ومراكز الأبحاث التابعة للأمم المتحدة أن يتجمد النمو الاقتصادي العالمي بنهاية العام الحالي إذا استمر انتقال فيروس كورونا بنفس السرعة إلى معظم دول العالم. حيث توقّع خبراء وكالة بلومبرج أن يكون العام الحالي الأسوأ منذ الركود العالمي الذي بلغ ذروته في عام 2009، وأن يفقد الناتج العالمي حوالي 2.7 تريليون دولار بنهاية 2020، وذلك على فرض استعادة الاقتصاد العالمي عافيته بحلول الربع الأخير من نفس العام، وسيكون الوضع أكثر سوءاً في حال عدم تحقق تلك الفرضية([15]).

أما في المنطقة العربية التي تعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة قبل انتشار المرض، إلى جانب العدد المتزايد من الضحايا والإصابات، والعبء الهائل على القطاع الصحي، ستعاني المنطقة العربية من خسائر فادحة في الوظائف نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد، وذلك بحسب موجز صدر عن الإسكوا مقدّمًا التقييم الاقتصادي الأول لكلفة هذا الوباء العالمي على المنطقة.

فمن المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقلّ عن 42 مليار دولار. وهذا الرقم مرشح للارتفاع نتيجةً للآثار المضاعفة لانخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الكبير الناجم من إغلاق مؤسسات القطاع العام والخاص منذ منتصف الشهر الجاري. وكلّما طالت فترة الإغلاق التام، ازدادت الكلفة المترتبة على اقتصادات المنطقة. ومن المرجّح أن تخسر المنطقة أكثر من 1.7 مليون وظيفة في عام 2020، مع ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1.2 نقطة مئوية. وخلافًا لآثار الأزمة المالية العالمية في عام 2008، من المتوقع أن تتأثر فرص العمل في جميع القطاعات([16]).

كما خفضت كابيتال إيكونوميكس البحثية توقعاتها للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ 0.5% ليصبح 2% فقط نتيجة للأزمة. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن الاقتصادات الأقوى في المنطقة قد تمتص الصدمات المؤقتة لأسعار النفط، فإن اضطراب حركة التجارة وسلاسل التوريد قد تثبط النمو الاقتصادي، مع توقعات بأن يكون الاقتصاد الإماراتي الأكثر عرضة للتضرر من أزمة الفيروس في المنطقة، وألا يتجاوز أداؤه الركود هذا العام. كما قدرت الهيئة الدولية للنقل الجوي (إياتا) الخسارة في عائدات قطاع الطيران المدني، بين 63 و113 مليار دولار، في حال انتشر الفيروس بشكل أوسع. وقالت إياتا إن أسوأ السيناريوهات هو خسارة 19% من العائدات العالمية في القطاع([17]).

ويظهر تقييم الإسكوا أيضًا أن فيروس كورونا قد أدّى إلى انخفاض في أسعار النفط، ازداد حدّةً نتيجة هبوط الأسعار، ما كلّف المنطقة حوالي 11 مليار دولار من إيرادات نفطية صافية في الفترة الممتدة من كانون الثاني الماضي إلى منتصف الشهر الجاري. ويتوقع أن تزداد هذه الخسائر في الأسابيع المقبلة مع توقف التجارة والنقل من حول العالم. وتكبّدت الشركات في المنطقة في الفترة نفسها خسائر فادحة في رأس المال السوقي، بلغت قيمتها 420 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 8 في المئة من إجمالي رأسمالها السوقي([18]).

خاتمة:

فرض فيروس كورونا(COVID-19) بعد أن تحول إلى وباء عالمي على البشرية والنظام الدولي تحديات وجودية، خاصة في ظل الزيادة المضطربة في أعداد الاصابات والوفيات، التي تؤكد أن العالم أصبح أمام حرب عالمية جديدة تشنها الطبيعة على الإنسان. فالعدد الإجمالي للإصابات تجاوز 250 ألف اصابة و9 ألاف وفاة، والخسائر المادية والاقتصادية لا أحد يستطيع حصرها، ما يجعل الوضع أشبه بحرب عالمية جديدة من حيث حجم الخسائر البشرية والمادية.

في ظل هذا الحجم الكبير للتداعيات الإنسانية والسياسية والاقتصادية التي تسبب فيها الفيروس خلال وقت قصير، بات عالم أمام تحدي وجودي ما تصاعد حدة الأزمة الإنسانية والاقتصادية الحادة التي يوجهها العالم، مع بروز المؤشرات التي تتحدث عن عجز القطاع الصحي في دول كثيرة عن مواجهة الأعداد الكبيرة من الإصابات من جانب، دخول الاقتصاد العالمي في أزمة حادة من جانب آخر، فكل المؤشرات والدراسات تؤكد حدوث انكماش حاد الاقتصاد العالمي خلال السنوات القادمة، فمن المرجع أن ينكمش النمو الاقتصادي العالمي بنهاية العام الحالي إذا استمرت زيادة الكبيرة في الإصابة بالفيروس في معظم دول العالم، الأمر الذي يتطلب تعاونًا دوليًا على خلال السنوات القادمة من أجل مواجهة التحديات القادمة من الطبيعة التي أصبحت تشكل خطرًا وجوديًا على الأمن الإنساني والصناعي في عالم مضطرب.

([1]) العمار، منعم، صاحي، والرفيعي، على، محمد: المتغيرات المؤثرة في استخدام الولايات المتحدة القوة الناعمة بعد أحداث 11 أيلول 2001، (مجلة قضايا سياسية، العدد (42)، جامعة النهرين، العراق 2015)، ص 38-39.

([2]) أوروبا منكوبة ودول الشرق الأوسط “تتكتم”. كورونا يقتل 3 إيرانيين كل ساعة وأرقام عالمية جديدة، (الجزيرة نت، 19 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2wlE7W1

([3]) إحصائية إيرانية صادمة: شخص واحد يتوفى بفيروس (كورونا) كل 10 دقائق، (موقع دنيا الوطن، 19 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2TZFJOq

([4]) عدد الوفيات في العالم بسبب فيروس كورونا يتخطى الـ 8000 حالة، (جريدة اليوم السابع المصرية، 18 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2w9Ujd9

([5])  Mohammed Cherkaoui: The Shifting Geopolitics of Coronavirus and the Demise of Neoliberalism – (Part 1), Al-Jazeera Center for Studies, 03/19/2020 : http://bit.ly/3a6sRvi

([6]) سليمان، نرمين: 50 مليار دولار خسائر فيروس كورونا، (جريدة أخبار اليوم المصرية، 13 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/3daWkq2

([7]) “50 مليار دولار خسائر تأثيرات كورونا” على قطاع التصدير عالميا – تقرير أممي، (موقع الأمم المتحدة، 4 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/3d4qYBg

([8]) خبراء: 160 مليار دولار خسائر تكبدها الاقتصاد العالمي نتيجة فيروس كورونا، (جريدة اليوم السابع المصرية، 3 فبراير 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2UmjfWV

([9]) تقرير: هذه الخسائر المتوقعة للاقتصاد الأميركي بسبب كورونا، (الجزيرة نت، 13 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2w9KaNC

([10]) ذكر الله، أحمد: فيروس كورونا والاقتصاد الدولي: هل نحن مقبلون على كساد عالمي؟، (موقع TRT عربي، 11 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2UfZ0Kg

([11]) “50 مليار دولار خسائر تأثيرات كورونا” على قطاع التصدير عالميا – تقرير أممي، (موقع الأمم المتحدة، 4 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/3d4qYBg

([12]) كورونا. بلومبيرغ ترصد خسائر قطاع الطيران بالعالم، (الجزيرة نت، 14 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/390JEyA

([13]) فيروس كورونا يكبد السياحة العالمية خسائر بالمليارات، (موقع قناة سكاي نيوز عربية، 27 فبراير 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2xNHNjL

([14]) كورونا. بلومبيرغ ترصد خسائر قطاع الطيران بالعالم، (الجزيرة نت، 14 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/390JEyA

([15]) ذكر الله، أحمد: فيروس كورونا والاقتصاد الدولي: هل نحن مقبلون على كساد عالمي؟، موقع TRT عربي، 11 مارس 2020، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2UfZ0Kg

([16]) 1.7 مليون وظيفة على الأقل: حجم خسائر المنطقة العربية بسبب فيروس الكورونا، (موقع قناة L BC، 18 أذار/ مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/3d4pAi2

([17]) ذكرالله، أحمد: فيروس كورونا والاقتصاد الدولي: هل نحن مقبلون على كساد عالمي؟، (موقع TRT عربي، 11 مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/2UfZ0Kg

([18]) 1.7 مليون وظيفة على الأقل: حجم خسائر المنطقة العربية بسبب فيروس الكورونا، (موقع قناة L BC، 18 أذار/ مارس 2020)، متاح على الرابط التالي: http://bit.ly/3d4pAi2

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button