دراسات أسيويةدراسات سياسية

التحول الهندي

وليد عبد الحي
قبل أكثر من 24 قرنا قال الفيلسوف الهندي كوتيليا ( او ميكافيللي الشرق) ” لا تكن مستقيما أكثر من اللازم ، فالحطابون لا يقطعون إلا الاشجار المستقيمة”، ويبدو ان قيادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي (Bharatiya Janata Party) بزعامة رئيس الوزراء الحالي “ناريندرا مودي” ( Narendra Modi ) تتبنى رؤية كوتيليا منذ الفوز بالانتخابات الهندية في مايو2014.
فالهند التي حكمها حزب المؤتمر الهندي لم تقم علاقة دبلوماسية مع اسرائيل إلا عام 1992 رغم أن الهند اعترفت بإسرائيل منذ عام 1950.وحزب جاناتا، معروف بدعواته للتخلي عن سياسة عدم الانحياز وزيادة التعاون مع الولايات المتحدة،، ناهيك عن دوره في مذابح المسلمين في المقاطعات الهندية كما جرى في عام 2002 في المقاطعة التي كان يترأسها مودي تحديدا ، وهو ما جعل المسلمين الهنود لا يصوتون له بأكثر من 8%.
وتتضح معالم التغير في السياسة الهندية منذ تولي بهاراتيا جاناتا السلطة عام 2014 وحتى الزيارة الحالية لمودي لاسرائيل وتجنب اللقاء بأي طرف فلسطيني، ويمكن تحديد ابرز التحولات في المظاهر التالية:
1- عقد أول لقاء بين قادة الهند واسرائيل في أكتوبر 2014 للمرة الأولى منذ عقد كامل، ويفسر الباحثون التحول الهندي عن سياسات حزب المؤتمر نحو سياسات “جاناتا” بداوفع آيديولوجية دينية والعداء لما يسمى ” الارهاب الإسلامي” من ناحية، كما أنه يعد مكافأة لإسرائيل على موقفها الداعم للهند عام 1999 ضد باكستان من ناحية ثانية.
2-عقد اتفاق لشراء الهند اسلحة اسرائيلية بقيمة 662 مليون دولار في نصف العام الاول لحكم”جاناتا”، وهو ما يفوق قيمة المشتريات خلال السنوات الثلاث السابقة.
3- رفض الحكومة الهندية تمرير قرار بادانة العدوان الاسرائيلي على غزة في يوليو 2014، وبرر وزير الخارجية الهندي “سوشما سوارجا” Sushma Swaraj ذلك قائلا ” نحن نحافظ على علاقتنا الجيدة مع اسرائيل ، وهو ما أدى لاشتعال مظاهرات في الهند(27 يوليو 2014) ضده
4- امتنعت الهند عن التصويت في يوليو 2015 على قرار لجنة حقوق الانسان الدولية الخاص بتشكيل لجنة تحقيق في الجرائم الاسرائيلية في عدوان غزة 2014 ، وعللت ذلك بان ” التقرير يتضمن مثول اسرائيل امام المحكمة الجنائية الدولية ،وهو ما تعتبره الهند عملا تدخليا (“intrusive”). ، لكن ألباحثين الهنود في الشان الشرق أوسطي عبروا قبل ذلك بفترة طويلة عن اعتقادهم بأن الهند ستمتنع عن التصويت غالبا في الامم المتحدة في الصراع العربي الصهيوني. نظرا للكراهية الشديدة لمودي لكل ما هو عربي واسلامي( رغم وجود حوالي 7,5 مليون هندي يعملون في دول الخليج العربية ويحولون ما قيمته حوالي 37 مليار دولار سنويا).
5- بالمقابل فإن العلاقات الفلسطينية الهندية عرفت تلكؤا واضحا بعد فوز حزب جاناتا، فإذا استثنينا زيارة نبيل شعث كممثل للرئيس الفلسطيني للهند في نوفمبر 2014، فإن النشاط الدبلوماسي الهندي الرسمي تجاه فلسطين تمثل في آخر زيارة لوزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية “شري أحمد” في عام 2013، كما تعهدت الهند في مؤتمر القاهرة الخاص بالدول المانحة بتقديم 4 ملايين دولار ، وانشاء مركز تدريب مهني للفلسطينيين.
وتواجه سياسة “جاناتا” تجاه فلسطين معارضة من بعض الهيئات الهندية والمثقفين مثل جماعة ” من الهند لفلسطين”From India to Palestine، وهي تضم مثقفين هنود ينشرون المقالات، ويقيمون الندوات المساندة لفلسطين، ويقومون بشرح ما يتعرض له الفلسطينيون، وكانوا قد بدأوا عملهم منذ 2010 ، ويعملون خلال عام 2015 باتجاه تشجيع “المقاطعة الهندية لاسرائيل”
لكن التحول في الموقف الهندي يعود في جوهره لتغير الموقف الفلسطيني والعربي من اسرائيل ، لقد فتحت اوسلو وأخواتها الباب للدول الأخرى ، والتقط شايلوك اللحظة واستثمرها بشكل كامل..

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى