التدخل الإنساني في ضوء الاتفاقيات الدولية

تعتبر المعاهدات الشارعة [1] من أهم الممارسات الدولية التي يمكن الاستدلال بها لإثبات وجود قاعدة عرفية دولية خاصة بمسألة معينة، لأنها غالبا ما يتم إعدادها بواسطة لجنة القانون الدولي [2] وتعتمد في مؤتمرات دولية تدعو إليها الأمم المتحدة.
والمعاهدات الشارعة هي اتفاقات متعددة الأطراف يشترك في إبرامها عدد غير محدود من الدول في أمور تهم الدول جميعا؛ وتتميز بأنها تساهم في تدوين قواعد العرف الدولي لتسبغ عليها صفة التحديد والوضوح وتحسم كل نزاع بشأنها، أو أن تتعجل العرف في أمر من الأمور فتقرر قاعدة اعتادت بعض الدول على السير على مقتضاها ولكن تباطأ العرف في إثباتها لعدم تواتر اتباعها بشكل عام ثابت، بالإضافة إلى إنشاء قواعد جديدة تواكب تطور المجتمع الدولي [3].

والمعاهدات العقدية التي تعقد بين عدد محدود من الدول في أمر خاص بها، والتي لا تلزم غير المتعاقدين، قد تساهم أيضا في تكوين عرف دولي عن طريق تكرار إبرام معاهدات من هذا النوع تتضمن أحكاما متشابهة في أمور متماثلة، فتكرار النص على ذات الحكم في هذه المعاهدات المختلفة دليل على تعارف الدول على وجوب اتباعه فيثبت بذلك كقاعدة قانونية عرفية. [4]
وقد شهد التنظيم الدولي خلال القرن العشرين، بروز منظمتين كبيرتين، ضمتا العديد من الأطراف الدولية، هما عصبة الأمم، وهيئة الأمم المتحدة، وجاء تشكيل هاتين المنظمتين في أعقاب حربين عالميتين، دمرتا الكثير من قدرات العالم، وأودت بحياة مئات الآلاف وشردت الملايين من المواطنين، فكان لجوء دول العالم إلي إنشاء تنظيم من شأنه حفظ السلم والأمن الدوليين والحيلولة دون نشوب أخري.

وقد ارتبطت نشأة كل تنظيم من هذين التنظيمين وما حكمهما من قواعد ومواثيق بطبيعة الظروف الدولية التي نشأتا فيهما، ومن هنا كان الاختلاف بينهما كبيراً سواء في المبادئ الحاكمة أو الأسس التي قامت عليها، ومن بين هذه المبادئ، مبدأ التدخل الدولي، الذي اختلفت طبيعته والقواعد الحاكمة له في إطار عصبة الأمم عنه في إطار الأمم المتحدة.
حيث يعد إنشاء عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى تطوراً محورياً في التنظيم الدولي وفي اتجاه عدم التدخل أيضاً، ودعماً وتأكيداً لمبدأ السيادة، ففي المادة العاشرة من عهد العصبة تم استبعاد التدخل كأداة من أدوات السياسة الخارجية، وقد كان لهذه المادة أهمية مركزية خاصة للدول الكبرى، فلقد كانت أحد أسباب رفض مجلس الشيوخ الأمريكي التصديق على اتفاقية فرساي 1919م، وعهد العصبة لتحريم العهد للتدخل، والذي كان في ذلك الوقت يعد حقاً قانونياً ضرورياً للدول الكبرى.
إلا أن أول صياغة كاملة وصريحة لمبدأ عدم التدخل كانت في منظمة الدول الأمريكية، ثم جاءت المادة الثانية الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة لتؤكد على تصفية التدخل من الممارسات اليومية والقانونية للدول، وجاء مؤيداً لها مبدأ “نكسون”، والذي استبعد التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
وهذا الاتجاه في التنظيم الدولي يؤكد استمرارية تفوق مبدأ سيادة الدولة، خاصة مع ميلاد دول جديدة تسعى وتناضل للحصول على سيادتها، وحتى المنظمات الدولية والتي ـ نظرياً هي ضد فكرة السيادة فإنها ـ أي هذه المنظمات ـ تعمل لحماية هذه السيادة بشكل أو أخر.

ويلاحظ على فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية أن التدخل لاعتبارات إنسانية كان قائماً، بل إن “طوسون” يرى أنه كان قاعدة معترفاً بها في القانون العرفي، ولكن بعد ميلاد الأمم المتحدة وإنشاء المادة الثانية الفقرة الرابعة من الميثاق ـ الخاصة بتحريم استخدام القوة ـ أصبح التدخل محرماً. وأنه لم يكن هناك معنى قانوني “لحقوق الإنسان” قبل توقيع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أي لم تكن هناك اتفاقية دولية أو إعلان دولي ينص على حماية حقوق الإنسان.
ومن ثم يعد إنشاء الأمم المتحدة نقلة قانونية هامة في تطوير مفهوم التدخل عموماً والتدخل لاعتبارات إنسانية خصوصاً. ومنذ إنشاء الأمم المتحدة ثارت قضايا تدخل كثيرة، استخدم فيها التبرير الإنساني وذلك بغض النظر عن مدى مصداقيته ـ فنجد من أمثلة هذه التدخلات: الكونغو 1960 (شاركت فيها الأمم المتحدة بعملية Onun)، وقبرص عام 1964 (شاركت فيها الأمم المتحدة)، روديسيا عام 1966، حرب فيتنام ، والتدخل الهندى في شرق باكستان في 1971، والذي أدى لتكوين بنجلاديش، والتدخل الفرنسي في وسط أفريقيا 1979، والتدخل التنزاني في أوغندا للقضاء على “عايدي أمين” في 1979، التدخل الأمريكي في نيكارجوا 1979، وفي جرينادا في 1983، وفي بنما عام 1989، والتدخل الدولي في العراق 1991، وفي الصومال عام 1992. وفي كمبوديا عام 1992، وفي هايتي 1993، وفي يوغسلافيا السابقة وعملية الأمم المتحدة 1994. ومن هذه الحالات ما استخدم فيها التبرير الإنساني وتم التراجع عنه ـ مثل التدخل الهندى في شرق باكستان ـ وشاركت قوات الأمم المتحدة في بعضها [5].
وللوقوف على طبيعة التدخل الدولي والقواعد الحاكمة له في إطار الاتفاقيات العالمية (وتحديداً عصية الأمم وميثاق الأمم المتحدة) فقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين وذلك على النحو التالي: المبحث الأول: التدخل الإنساني في ظل عصبة الأمم.

المبحث الثاني: التدخل الإنساني في ظل ميثاق الأمم المتحدة
المبحث الأول: التدخل الإنساني في ظل عصبة الأمم

رغم أن المادة الخامسة عشر من عهد عصبة الأمم قد أشارت في فقرتها الثانية ـ بشكل غير مباشر ـ إلى التدخل الدولي، وذلك حينما نصت على إنه “إذا ادعى أحد الأطراف وإذا اعرف المجلس بأن الخلاف يتعلق بمسألة يتركها القانون الدولي للاختصاص الكامل لهذا الطرف، يثبت المجلس ذلك في تقرير دون أن يوصي بحل”. إلا أن الجمعية العامة لعصبة الأمم قد أصدرت بتاريخ 2/10/1937 قرارها الذي جاء فيه: “يجب على كل دولة الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
ولكن الحرب العالمية الأولى لم تشكل فقط إهداراً لما بذل من جهود نحو بلورة مبدأ عدم التدخل في العلاقات الدولية، بل هدماً وانتهاكاً لمبادئ وأهداف تلك المنظمة الدولية، ورغم ذلك فقد شهد الواقع الدولي نوعا من انعكاس مدلول ذلك المبدأ في إطار العلاقات الدولية، وذلك على النحو الآتي:

ـ حرص مؤتمر “ريو” المنعقد فيما بين الجمهوريات الأمريكية عام 1927 على النص في مادته الثالثة على أنه “ليس من حق أية دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى”.
ـ وافقت اللجنة الفرعية، التي أعدت مشروع اتفاقية “حقوق وواجبات دول أمريكا اللاتينية” ـ بالإجماع ـ على إدانة التدخل، ثم ضمنت أحكام ذلك المشروع تعريفاً للتدخل بأنه: “كل عمل يمارس بواسطة دولة سواء بالطرق الدبلوماسية أو بالقوة العسكرية، أو بواسطة أية وسيلة قهرية أخرى، لفرض إرادتها على دولة أخرى، وبصفة عامة هو كل تدخل يمارس مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة في شؤون دولة أخرى، أياً كان السبب الذي يمارس من أجله”.

ـ أقر مؤتمر الدول الأمريكية المنعقد في “بيونس ايرس”، في الأرجنتين، بتاريخ 21/12/1936، مبدأ عدم التدخل في نص بيانه الذي جاء فيه: “عدم قبول التدخل، من جانب دولة في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، وحل جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وعدم السماح باستخدام القوة كأداة للسياسة الوطنية أو الدولية.
وفي إطار هذه القرارات وتلك النصوص، نجد أن التدخل الدولي في ظل عصبة الأمم قد اختلفت صوره، وأسبابه باختلاف الظروف السياسية والقوى الرئيسية التي تحكم العلاقات الدولية من مرحلة لأخرى، فالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، كان يأتي في الغالب من جانب الدول فرادى أو جماعات [6]. خاصة في حالات ضعف وتدهور الأوضاع الداخلية للدولة المتدخل في شأنها. كما حدث عندما تدخلت الدول الأوروبية، في أوائل القرن التاسع عشر، في الشؤون الداخلية للإمبراطورية العثمانية، خاصة بعد انتشار القلاقل في أرجائها والصراعات المسلحة بين الولايات المختلفة، والسلطة المركزية للدولة العثمانية [7].

ويمكن تناول التدخل الدولي في ظل عصبة الأمم، من خلال المطالب التالية: المطلب الأول: طبيعة التدخل الدولي والإشكاليات التي يثيرها. المطلب الثاني: موقف الفقه الدولي من التدخل في عهد العصبة، المطلب الثالث: حالات التدخل في ظل عصبة الأمم.

المطلب الأول: طبيعة التدخل الدولي والإشكاليات التي يثيرها
كان التدخل الدولي قبل قيام الأمم المتحدة، مرفوضاً دولياً حتى قبل النص على عدم مشروعيته في م. 2/7 من ميثاقها. ولذا كانت الدول المتدخلة، تعمل على تبرير عمليات التدخل، بأنها تقوم على أسباب إنسانية أو لحماية رعاياها أو لدفع اعتداء وقع على مصالحها، إلا أن الحقيقة تقول بأن هذه الأسباب لم تكن فقط في معظمها غير حقيقية، وإنما كانت تخفي ورائها أهدافاً سياسية وتوسعية للدولة المتدخلة [8].

وخلال هذه الفترة أثيرت إشكالية العلاقة بين الداخلي والخارجي، حيث أدي التقارب بين الدول ودعم الإحساس بفكرة المصلحة الدولية المشتركة، إلي تغيرات جذرية في بنية القانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بفكرة السيادة، فقد قبلت الدول بموجب المواثيق الدولية تغيرات جوهرية في فكرة السيادة، وأعلت المصلحة الدولية على المصالح الوطنية الفردية، الأمر الذي اقتضى وضع قيود على مبدأ السيادة الوطنية سواء في تحريم اللجوء إلى الحرب أو الاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد أو بدور المنظمات الدولية ف العلاقات الدولية وغيرها.
وأصبحت فكرة التنظيم الدولي شاهداً حقيقياً على محور السيادة المطلقة وغير المسؤولة، فتاريخ تطور التنظيم الدولي يرتبط بتاريخ تطور القيود الموضوعية على السيادة، ولذلك عند تعارض السلطان الدولي مع السلطان الداخلي يستبعد الأخير، لأن المصلحة الدولية المتمثلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين وبتطور التعاون الدولي يتحقق من خلالها المصالح الوطنية للدول، ولذلك كرس حق الرقابة من جانب التنظيم الدولي مبدأ السيادة المقيدة أو السيادة بمفهومها الجديد باعتبارها نشاطاً وظيفياً يعمل لخير البشرية، كما دعم هذا المفهوم الجديد للسيادة تحول طبيعة وظيفة الدولة من دولة البوليس إلى دولة الرفاهية[9].

وأصبحت التضحية بجزء من حقوق السيادة الوطنية شرطاً ضرورياً من أجل استمرار الدولة نفسها واستمرار الجماعة الدولية، وإذا كان حسن سير العلاقات الدولية يتطلب وضع حد فاصل بين الحقوق الوطنية والحقوق الدولية منعاً للتناقض، فإن الاعتراف بمنطقة الحقوق الوطنية أخذت تنحسر لصالح منطقة الحقوق الدولية، التي أخذت تتسع تدريجياً بسبب الاعتبارات التي أخذت تضغط على الجماعة الدولية للتدخل في منطقة الصلاحية الوطنية حفاظاً على مصلحة السلام الدولي، وقد ظهرت نتيجة هذا التدخل باتجاهين: الأول اتساع نطاق الحقوق الدولية الذي يعني النمو التدريجي للسيادة الدولية، والثاني التضييق المطرد لنطاق الحقوق الداخلية، بما يعني الاختفاء التدريجي للسيادة الوطنية[10].

وقد أدى تقارب النطاقين الدولي والوطني عند حدود الدولة المستقلة إلى تقليص دائرة اختصاصها وتوسيع دائرة صلاحية الجماعة الدولية، التي أخذت تتحول إلى وحدة كيانية لها مصالحها الخاصة التي تختلف عن مصالح الدول فرادى، وبالفعل بدأت السيادة تضيق إلى الحد الأدنى في ظل المنظمات الدولية المعاصرة لتلبية الاحتياجات الدولية في ظل نظام الاعتماد المتبادل الذي افقد السيادة مبرر وجودها إذا لم تتم ممارستها في سبيل تحقيق الخير العام للمواطنين داخل الدولة، وعلى الصعيد الدولي تفقد الدولة شرعيتها إذا كان مبعث ممارستها المصالح الوطنية الضيقة، التي تضحي بمصالح الدول الأخرى أن تصبح عبئاً على حريات أعضاء الجماعة الدولية [11].

لقد كان النظر للعلاقات الدولية باعتبارها علاقات قوة بين الدول ذات سيادة، واعتبار الأخيرة الفاعل الوحيد في هذه العلاقات، دور في إيجاد حاجز مانع يفصل المسائل الداخلية عن الخارجية. لكن هذا الفصل لم يعد له ما يبرره في ظل التطورات الهائلة في وسائل الاتصال التي مزجت بين الناس والمصالح والأفكار، كما لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد الأساسي، ولذلك اعتبر “ميرل” أنه كلما توغلنا في القرن العشرين، وجدنا أن الأحداث الخارجية تمارس نفوذاً على الدول من خلال العقليات الجمعية، حيث لم يكن في بداية القرن للاضطرابات في الهند أو شيلي أية أهمية، ولم يلتفت إليها أحد باعتبارها أحداثاً عابرة، أما اليوم فنجد أعدادا كبيرة من البشر تنحاز وتتحمس من أجل قضايا تقع في هذه الدول [12].

ومع ظهور عصبة الأمم برزت مشكلة تحديد الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي، فاختصاصات المنظمة الدولية تمس سيادة الدول الأعضاء، لذلك حاول صانعوا عهد العصبة تهدئة مخاوف مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي خشي من تدخل العصبة في الشؤون الأمريكية الخاصة كالهجرة والتعريفة الجمركية، من خلال نص المادة (8/15) على أنه “إذا دعي أحد طرفي النزاع وثبت لمجلس العصبة أن النزاع يتدخل بمسألة تدخل طبقاً للقانون الدولي في الاختصاص الداخلي البحت لأحد طرفي النزاع، فليس للمجلس أن يقدم أية توصيات بشأن تسويته”.
وبذلك تعامل المجلس مع النزاعات التي تعتبر مسألة داخلية باعتبارها مسألة قانونية أوكل أمر البت فيها إلى القانونيين الدوليين، مما أدى إلى إيجاد مبدأ قانونى تمثل في رأى المحكمة الدائمة للعدل الدولي بخصوص مراسم الجنسية في تونس ومراكش عام 1923، والقاضي بأن قبول دولة ما لالتزامات تعاهدية فيما يتعلق بمسألة معينة يترتب عليه استبعاد هذه المسألة من النطاق الداخلي البحت [13].

ومن هنا يمكن القول إن العلاقة بين الاختصاص الداخلي والاختصاص الدولي مسألة ذات أهمية كبيرة لاتصالها الوثيق بالسيادة الوطنية، ومع التداخل المستمر بين الاختصاص الداخلي والدولي بفعل تشابك وتداخل المصالح، لم يعد هناك فاصل محدد بين حدود المصلحة الداخلية وحدود المصلحة الدولية، الأمر الذي انعكس على تطور القانون الدولي، وأصبحت الكثير من المسائل التي اعتبرها القانون من أمهات الحقوق الداخلية مسائل دولية صرفة بتطور العلاقات الدولية، وبلور عهد العصبة دور الجماعة الدولية في تحديد نطاق المجالين الداخلي والدولي وفقاً للظروف الاجتماعية الدولية المتطورة والمتغيرة مع اعترافه بوجود منطقة محرمة من الحقوق، تتمتع بها الدولة بالسيادة وتحدد في ضوء القانون الدولي.
وقد أخرج التعامل الدولي جملة من الموضوعات من المجال الداخلي إلى المجال الدولي كلما أثر ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السلم الدولي، وبذلك تكون عملية تحديد الاختصاص قد انتقلت من الطابع القانوني إلى الطابع السياسي، وعليه يكون معيار التفرقة للبت في مسألة ما، معياراً فنياً مرناً تمتد جذوره في المعطيات السياسية التي يمر بها العالم، وتؤثر في موازين القوي بين الدول الفاعلة في النظام الدولي [14].

المطلب الثاني: موقف الفقه الدولي من التدخل في عهد العصبة
ذهب اتجاه من الفقه إلى القول: “إن التدخل الدولي يقصد به تعرض دولة لشؤون دولة أخرى وإملاؤها إرادتها عليها بقصد تغيير الحالة الراهنة فيها، وذلك بإلزامها بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو إتباع خطة معينة ترسمها لها، دون أن يكون لهذا التعرض أساس صحيح قانوناً [15].
وذهب اتجاه آخر إلى أن التدخل بصفة عامة غير مشروع إلا في حالات استثنائية، وعددها على النحو الآتي: “حالة اعتداء دولة على الدولة المتدخلة ـ دفع اعتداء يقع على الحقوق الأساسية لهذه الدولة المتدخلة ـ حالة التدخل لاعتبارات إنسانية”[16].

وقريب من هذا الرأي، التمييز بين التدخل المشروع، والتدخل غير المشروع. والقول بأن التدخل غير مبرر إلا إذا كان ضد أعمال من شأنها المساس بمصالح دولة ما أو مصالح العائلة الدولية.
ولكن ما قال به الفقه الغربي عن التدخل الدولي كان محل انتقاد جانب من الفقه العربي خلال هذه المرحلة. حيث قال اتجاه إن الحالات التي عددها الفقه الغربي تحت ما يسمى بالتدخل المشروع هي حالات لا أساس لها من القانون وتمثل اعتداءً على سيادة الدولة.
ويؤيد البعض هذا الاتجاه فيما انتهى إليه، استناداً إلى أن الفقه الغربي عندما تعرض لما يسمى بالتدخل المشروع، أوقع نفسه في تناقض وخلط بين أمر غير مشروع، ومبادئ قانونية لها استقلالها ومجالات مختلفة لتطبيقها مثل الدفاع الشرعي، وغيرها من التصرفات الدولية التي تدخل في إطار علاقات التعاون الدولي [17].

المطلب الثالث: حالات التدخل في ظل عصبة الأمم
إن الأمثلة الواقعية لحالات التدخل قبل الحرب العالمية الأولي، وفي ظل عصبة الأمم تربط موضوع التدخل بمشكلة استخدام القوة بين الدول. ويقول “دراجو” ـ وزير خارجية الأرجنتين الأسبق ـ في مذكرة وجهها للولايات المتحدة الأمريكية في 29 ديسمبر 1902: “إن أي تدخل مسلح أو احتلال لإقليم أمريكي للضغط بقصد اقتضاء دين عام ممنوع وغير جائز”. ولكن هذه النظرة الجامدة تستحق التساؤل. فالواقع أننا لا نستطيع أن نحكم على كل تدخل بالقوة بأنه غير مشروع، لمجرد استخدام القوة بغض النظر عن الظروف التي أحاطت به، والتي كانت سبباً في حصوله.
وبالتالي لا يمكن القول إن الدولة يجب عليها أن تقف موقف المتفرج من قتل رعاياها في دولة مجاورة، إذا فشل النظام العالمي في أن يتحرك بالسرعة المناسبة. فهذا التدخل الإنساني [18]، لا يمكن أن ينظر إليه على أنه مخالف للمبادئ العامة في القانون، بل أن العكس هو الصحيح، فقد قوبل ـ في أكثر من مناسبة ـ بموافقة عالمية، سواء مارسته مجموعة من الدول أم دولة منفردة، إن القانون الدولي الذي يمنع مثل هذا التصرف يتهدد نفسه بالتفسخ الأخلاقي.
وينطبق المنطق ذاته، على الحالة التي تفشل فيها الجماعة الدولية، في أن تتخذ التصرف المناسب لإعادة المخطئ إلى جادة الصواب، ففي هذه المناسبات يمكن أن نتصور دفاعاً مشروعاً عن الذات، وتبعاً تدخلاً مشروعاً [19].

وقد فتحت معاهدات الأقليات الباب على مصراعيه لهذا التدخل، ذلك أن “المادة 11” تسمح لأي عضو في مجلس عصبة الأمم أن يلفت نظر المجلس إلى أية مخالفة للالتزامات الواردة في المعاهدات، كذلك اعتبرت “المادة 11” أن أي خلاف يثور في هذا الخصوص بين الحكومة المعنية والدول الأخرى يعتبر نزاعاً دولياً، يمكن إحالته إلى محكمة العدل الدولية، وهذا معناه أن للدول أن تتدخل في الشئون الداخلية للدول التي بها أقليات. فقد بدأت ألمانيا ـ إثر قبولها عضواً في عصبة الأمم عام 1926 ـ حملة لصالح الألمان الذين يعيشون في بلاد أخرى اكتسبوا جنسيتها. وقد واكبت الحملة دعاية واسعة النطاق لألمانيا كرائدة لحماية الأقليات.

المبحث الثاني: التدخل الإنساني في ظل ميثاق الأمم المتحدة
إذا كانت الحرب العالمية الثانية قد شكلت مرحلة حاسمة في إعادة صياغة الأوضاع الدولية عبر بناء نظام يسمح بالمحافظة على مصالح الدول المنتصرة في هذه الحرب؛ فإن نهاية الحرب الباردة، أفرزت متغيرات دولية متعددة، أسهمت بشكل كبير في بروز مفاهيم وقضايا وأولويات دولية، وسوابق مختلفة، ساهمت في بلورة مفاهيم ومبادئ جديدة تشكل في مجملها ثورة على العديد من المفاهيم والضوابط التقليدية.

وإذا كان مسار الممارسة في حقل العلاقات الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة، قد اعتراه مد وجزر تراوح ما بين الانضباط لمبدأ السيادة من جهة أو اختراقه من جهة ثانية، فإن هذا الخرق قد انتقل من استثناءات كانت تقابل خلال فترة الحرب الباردة برفض وتنديد شديدين من قبل معظم دول العالم[20]، إلى ما يشبه القاعدة العامة بعد الانتقال لإعمال هذه التدخلات دون إعطاء الفرص الكافية لخيارات وبدائل ودية ودبلوماسية أخرى، أمام الصمت الدولي الذي يرافق مختلف أشكال هذه التدخلات المتزايدة في الساحة الدولية، بالشكل الذي يوحي بتراجع وزوال المبدأ التقليدي وبلورة مبدأ جديد للتدخل مع انتهاء الحرب الباردة.
ومن هنا تأتي أهمية تناول طبيعة التدخل الدولي في مرحلة ما عبد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي عرفت بمرحلة التنظيم الدولي، التي يقف على قمتها منظمة “الأمم المتحدة”، التي تم تشكيلها عام 1945. من خلال المطالب التالية: المطلب الأول: طبيعة التدخل في ميثاق الأمم المتحدة. المطلب الثاني: انعكاسات المتغيرات الدولية على مبدأ التدخل. المطلب الثالث: حالات التدخل في ظل الأمم المتحدة. المطلب الرابع: مسؤولية الأمم المتحدة عن ضبط التدخل.

المطلب الأول: طبيعة التدخل في ميثاق الأمم المتحدة
كشف العديد من الفقهاء والباحثين عن الغموض الذي يعتور العديد من مبادئ القانون الدولي التي أكد عليها ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي جعل الممارسة الدولية تحفل منذ نهاية الحرب الباردة بخروقات واسعة للعديد من هذه المبادئ من خلال إقدام بعض الدول على إجراء تفسيرات مخالفة لهذا الميثاق، خاصة وأن ظروف الحرب الباردة، أسهمت إلى حد كبير في تعطيل إعمال مقتضيات القانون الدولي تجاه العديد من المنازعات، بالشكل الذي ظلت معه الأمم المتحدة عاجزة عن التعامل مع مختلف المشاكل الخطيرة التي كان من المفروض أن تعالجها بناء على مقتضيات ميثاقها.

لقد نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية (الفقرة السابعة) صراحة على عدم جواز التدخل في الشؤون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول، ونظرا لأهمية هذا المبدأ فقد تم تضمينه في مختلف مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، وهو يتمحور حول حظر كل الأعمال والممارسات والتصريحات التي تصدرها أو تقوم بها جهات أجنبية (دول، منظمات دولية…) بشأن قضايا ومشاكل تندرج ضمن الاختصاص الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة، وتتزايد خطورة ذلك عندما يتعلق الأمر بتدخل عسكري، ولا يستبعد مبدأ عدم التدخل فقط استعمال القوة وإنما يمتد إلى كل شكل من أشكال الضغط والتدخل أو التوجه الذي يمس بشخصية الدولة أو بأحد عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية.
وقد ورد النص على هذا المبدأ في المادة (2/7)، حيث تقرر: “ليس في الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما ليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل بأن تحل بحكم هذا الميثاق ـ على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”.

وأول ما يثير التساؤل بخصوص هذا النص هو، ما هي السلطة المختصة بتقدير ما إذا كانت المسألة تعتبر من صميم السلطان الداخلي للدولة أو لا؟، في الإجابة على هذا السؤال تبرز ثلاث مدارس فكرية [21]:
الأولى: ترى أن تفسير المادة حسب صياغتها ينتهي إلى أن الدولة هي التي تقدر ذلك [22]، لأن المتفق عليه أن تفسير المسائل التي تحدد السيادة تفسيراً ضيقاً، ولا جدال في أن اختصاص المنتظم بمسألة يحكمها الاستثناء الوارد في المادة (2/7) يعتبر بالنسبة للدولة قيداً على سيادتها، ومن ثم فيجب أن نأخذ بوجه نظر تلك الدولة التي تحمي سيادتها.
الثانية: ترى أن المنتظم هو الذي له أن يحدد نطاق اختصاصه، فإذا نشأ خلاف تطلب ذلك فتوى محكمة العدل الدولية، ولذا اقترح فريق أن توضع قائمة بالأمور التي تعتبر من صميم السلطان الداخلي للدول.
الثالثة: تركز على لفظة تتدخل وتحدد على أساس معناها رؤيته، ويذهب هذا القول إلى أن المادة (2/7) لم تقصد أن يتدخل المنتظم بطريقة دكتاتورية في شؤون دولة عضو، فالمادة قصدت إلى التدخل السلمي للمنتظم في الشؤون الداخلية لدولة ضد رغبتها أو دون موافقتها، لأن عجز المادة استثنى من المنع حق المنتظم في التدخل القسري.
إن تحديد ما يدخل في نطاق الاختصاص المطلق للدول، يجب أن تشترك الدول في تحديده، وإن يتم ذلك بطريقة جماعية، من خلال المنظمة وليس بطريقة فردية، فيجب أن يكون المعيار موحداً للدول كلها، أما وضع قائمة لما يعتبر داخلاً في الاختصاص الداخلي للدول فهو لا يستقيم، لأن الأمر يعتمد على ظروف وملابسات كل حالة، ولا يمنع ذلك أن هناك بعض المسائل التي تعد للوهلة الأولى من الاختصاص الداخلي للدول أو لا تعد كذلك. ويجرى العمل على ترك الفصل فيما إذا كانت مسألة تتعلق بصميم الاختصاص الداخلي للدولة العضو في الأمم المتحدة، أو لا تتعلق به لفروع الأمم المتحدة نفسها [23].
وكما هو الشأن بالنسبة للعديد من المفاهيم الواردة في الميثاق (كالسلم والأمن الدوليين، والعدوان، وتهديد السلم…)، ورد اصطلاح الاختصاص الداخلي مبهما وغامضا، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز خلافات حادة داخل الأمم المتحدة حول الجهة التي من حقها تحديد مجال هذا الاختصاص، وحدود بدايته ونهايته.
ففي الوقت الذي أكدت فيه العديد من الدول أحقية محكمة العدل الدولية في هذا المجال باعتبارها هيئة قضائية دولية، فضلت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الرجوع إلى مجلس الأمن في هذا الخصوص، وقد دفع تخوف الدول الضعيفة من إمكانية استثمار الدول الكبرى لإمكانياتها داخل المجلس والإقدام على التوسع في تكييف استثناءات التدخل [24]، نحو تكثيف جهودها لإصدار العديد من القرارات التي تعزز سيادتها. ومن أهم هذه القرارات:

ـ قرار الجمعية العامة الصادر بتاريخ 14-12-1960 المرتبط بحق تقرير المصير.
ـ قرار الجمعية العامة الصادر بتاريخ 14-12-1962 المرتبط بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية.
ـ قرار الجمعية العامة رقم (2131) لسنة 1965، الخاص برفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها
ـ قرار الجمعية العامة رقم (2625) لسنة 1970، الخاص بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول.
كما أن محكمة العدل الدولية بدورها أثرت القانون الدولي بالعديد من الاجتهادات التي تعزز وتؤمن سيادة الدول وتحرص على منع التدخل بكل أشكاله، ونذكر في هذا الخصوص قضية كورفو (1949). فقد جاء الحكم فيها حاسماً ومؤكداً على مبدأ عدم التدخل، حيث جاء ضمن حيثيات ذلك الحكم: “لا ترى المحكمة في حق التدخل المزعوم إلا عرضاً لسياسة القوة التي لا محل لها في القانون الدولي، أما فكرة ـ مساعدة الذات ـ فهي أيضاً لا تستطيع المحكمة قبولها، فاحترام السيادة الإقليمية هو، بين الدول، أساس ضروري من أسس العلاقات الدولية”.
ثم أكدت المحكمة على: “إن الادعاء بوجود الحق في التدخل يعد في نظر المحكمة تعبيراً عن سياسة القوة، وهي السياسة التي أدت في الماضي إلى إساءة استعماله بصورة جسيمة، وأنه لا يمكن تبريره أياً كانت عيوب المنظمة الدولية ـ المقصود الأمم المتحدة ـ ويرفضه القانون الدولي، ولا يجد مكاناً فيه… لأنه بطبيعة الأشياء لن تقوم به إلا الدول الكبرى، وبالتالي يقود بسهولة إلى تعطيل إدارة العدالة الدولية ذاتها…”[25].

كما حرص مشروع إعلان حقوق وواجبات الدول الذي أعدته لجنة القانون الدولي في مادته الثالثة على تأكيد أهمية وإلزامية هذا المبدأ، وذلك عندما قضت بأنه: “يجب على كل دولة أن تمتنع عن كل تدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى”.
كما تضمن الإعلان الصادر عن مؤتمر القاهرة لرؤساء الدول غير المنحازة عام 1964، النص على: “أنه يجب على كل دولة أن تمتنع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء عن طريق الأعمال الهدامة أو باللجوء إلى الضغط السياسي أو الاقتصادي أو العسكري”.
ثم جاء أشمل القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية عامة والأمم المتحدة خاصة، وهو القرار رقم 6/103، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 9/12/1981، والذي جاء فيه: “لا يجوز لدولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بأي طريق أو تحت أي سبب في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى…”.
ويتفق معظم فقهاء القانون الدولي على أن الأصل في التدخل أنه عمل غير مشروع باعتباره تعرض دوله للشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، ويجسد بذلك اعتداء على ما للدولة المتدخل في شؤونها من سيادة واستقلال، ولقد كان دليل هؤلاء الفقهاء ما ذهب إليه أحد أشهر آباء فقه القانون الدولي “جروسيوس” عندما قرر أن الدولة عبارة عن وحدة اجتماعية إنسانية تشارك غيرها في العالم، وإن القانون الطبيعي يطبق على الأمم كما يطبق على الأفراد، وإن المجتمع الدولي يتكون من دول ذات سيادة، وعليه فهي ـ أي الدولة ـ لا تخضع في تصرفاتها لأى رقابة قانونية من جانب دولة أخرى.

وقد أكد البعض على أن حق الدول في الاستقلال منشأه اعتراف بعضها البعض بشخصية هذه الدول المعنوية والحرة، وحق كلاً منها في المساواة باعتبارها عضواً في المجتمع الدولي، ويترتب على ذلك حريتها في اختيار دستورها وحكومتها، دون تدخل من أي دولة أجنبية، وحقها في البقاء والسيادة [26].
ويعتبر مبدأ عدم التدخل ـ عند غالبية الفقهاء ـ مبدأً مطلقاً، فلا يجيزون بأي حال تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، اللهم إلا إذا كانت الدولة الأولى ـ المتدخلة ـ في حالة دفاع شرعي [27].
كما يتفق الفقه الدولي، على أن التدخل ليس إلا واقعة مادية، تبغي من ورائها الدولة المتدخلة تحقيق غرض معين وتنكشف نيتها في ذلك من ظروف وملابسات الواقعة، وذلك بإخضاع أو محاولة إخضاع الدولة أو الدول محل تدخل لتأثيرها والمساس بسيادتها، وذلك على اعتبار أن تدخل استخدام دولة ما أي وسيلة يكون من شأنها حرمان الدول محل التدخل من ممارسة مظاهر سيادتها واستقلالها، وإن التدخل لا يكون تدخلاً إذا كان محله فرد أو هيئة أو تنظيم لا يتمتع بوصف الدولة، أي يجب أن يكون طرفي عملية التدخل في نفس المركز القانوني من الاستقلال والسيادة [28].

إلا أن انتهاء الحرب الباردة قد أسهم بشكل كبير في دفع أطراف المجتمع الدولي إلى إثارة قضايا ومشاكل دولية جديدة، تتسم بالأهمية والخطورة، كالمشاكل الناجمة عن التحولات الديموقراطية أو خرق حقوق الإنسان أو الصراعات العرقية والإثنية والمشاكل البيئية والإرهاب والهجرة وتهريب الأسلحة والمخدرات والجريمة المنظمة والأمراض الفتاكة، التي تجاوزت مخاطرها وتداعياتها حدود الدول، مما أدى إلى بروز مدلول جديد وواسع للسلم والأمن الدوليين الذي لم يعد يعني بكل تأكيد الأمن العسكري فقط.
وأمام هذا الزخم الكبير من المتغيرات ساد شعور قوي في الأوساط الدولية بعدم قدرة الدول بمفردها على التغلب هذه المشاكل والتحديات، وبالتالي الإقرار بضرورة بلورة أشكال تنسيقية جماعية لمواجهة هذه الأمور التي تجاوزت بعض تداعياتها مخاطر الحرب الباردة ذاتها، وهكذا برزت المؤتمرات الدولية كآلية لاحتواء هذه المخاطر من خلال سبل التنسيق والتعاون.
ومن خلال تنامي مفاهيم العولمة، وسيطرة مؤسساتها على مهام ووظائف عديدة كانت تعد من ضمن الوظائف الأساسية للدولة، كثفت الدول تفاعلاتها في مختلف المجالات، وهو ما كلفها التنازل عن قسط مهم من سيادتها في سبيل مواجهة التحديات الراهنة [29]. ومن بين هذه التحديات:

1ـ تنامي دور المنظمات الدولية غير الحكومية على اختلاف أنواعها، حيث أصبحت في معظمها تجسد موقف الرأي العام الدولي تجاه قضايا دولية معينة أفرزتها العولمة، رغم الضغوط التي تمارسها العديد من الدول الكبرى في علاقاتها مع مختلف الأنظمة في دول الجنوب.
فهذه الهيئات الدولية تهدف إلى الضغط على الدول باتجاه تعديل أو تبني أو التخلي عن سياسات معينة، وبالنظر للإمكانيات الضاغطة التي تمتلكها من قبيل إصدار التقارير كآلية للتشهير عبر وسائط الاتصال التقليدية والمتطورة، وممارسة مختلف أشكال الضغط عل الدول للانضمام لاتفاقيات معينة، ومتابعة ومراقبة مدى انضباط الدول واحترامها لالتزاماتها الدولية، فقد بالعديد من الدول للتعايش معها وفتح المجال أمامها للقيام بمهامها، بعد أن كانت تعتبرها حتى وقت قريب خطراً يتهدد سيادتها [30].
2ـ تطور وسائل الاتصال الدولية وما خلفه ذلك من تقصير للمسافات بين الشعوب، حيث أضحى للإعلام دور بارز في بلورة رأي عام دولي كقوة ضغط موحدة تجاه قضايا إنسانية مشتركة، قد لا تعكس في مجملها المواقف الرسمية.
3ـ تغير صورة الشركات العالمية الكبرى والتي كانت حتى وقت قريب محلاً للنقد من قبل الدول النامية، باعتبارها آلية للهيمنة والاستغلال، أضحت في زمن العولمة تشكل مراكز جذب، حيث أصبحت العديد من الدول النامية تتنافس في منحها تسهيلات مغرية للاستثمار فوق أراضيها، وأصبح ينظر إليها باعتبارها تحمل حلولاً لأزماتها ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أحيانا. وهو الأمر الذي عزز الانتشار العالمي للنمط الرأسمالي الغربي، وكذلك انتشار الأنماط الفكرية والقيم الغربية عالميا والتي تجاوزت الاقتصاد والسياسة إلى الثقافة والقانون [31].
وقد أفرزت هذه المتغيرات العديد من التحولات الدولية والإقليمية، تقنيناً وممارسة، من أهمها:

(أ) قيام الأمم المتحدة التي تمثل مرجعا لتنسيق أعمال الأمم[32]، بمحاولات لتكييف سلطاتها وممارساتها مع هذه المتغيرات الدولية، حيث عملت على تفعيل آليات اشتغالها ووسعت من مجالات تدخلها، وفي هذا السياق قام مجلس الأمن خلال اجتماع القمة للدول الأعضاء بتاريخ 31 يناير من سنة 1992 بتحديد مجموعة من الأولويات الجديدة للهيئة تركزت حول: رفض الإيديولوجيات المتباينة ووضع أساس إيديولوجي قوامه الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بكافة مظاهره وتقوية دور المجلس والأمين العام للأمم المتحدة، وتبني استراتيجية الدبلوماسية الوقائية، التي ترمي إلى منع نشوب منازعات بين الأطراف ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها[33].
وقد سمحت الظروف الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بتوسيع مجالات تدخل مجلس الأمن وتفعيل وتطوير آلياته، حيث تمكن من التعامل مع قضايا دولية جديدة، وتعززت آلية العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية في إطار إعادة الاعتبار لنظام الأمن الجماعي، كما تم تفعيل وتوسيع عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
(ب) بروز الولايات المتحدة كقطب مهيمن بعد أن استثمرت الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفييتي إضافة إلى إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية لصالحها، وتم تدشين هذه الزعامة مع اندلاع أزمة الخليج الثانية، قبل أن تتأكد في منازعات وقضايا دولية أخرى، وهو الأمر الذي أتاح لها التدخل في المناطق النائية وضبط بؤر التوتر واحتواء الأنظمة والجماعات المعادية لمصالحها، وهو ما تبين خلال مناسبات دولية متعددة. سواء من خلال وسائل الترهيب أو الترغيب، الفردية أو الجماعية عبر استثمار إمكانياتها داخل المؤسسات الدولية السياسية كمجلس الأمن والاقتصادية كصندوق النقد والبنك الدوليين [34].
(ج) تفعيل دور حلف شمال الأطلسي رغم انقضاء الحرب الباردة ليتلاءم مع المعطيات الدولية الجديدة، حيث انتقل من الدفاع ضد تهديدات معروفة تركزت أساسا في مواجهة “الخطر الشيوعي” إلى تهديدات مرتقبة وواسعة، تجاوزت الفضاء الأوربي وشمال الأطلنطي إلى كل المناطق التي قد تهدد فيها سلامة أعضائه، وخاصة بعد أن حاولت الولايات المتحدة إضفاء طابع من الخلط بين أمنها القومي والدولي [35].

المطلب الثاني: انعكاسات المتغيرات الدولية على مبدأ التدخل
يمكن التمييز في إطار مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بين مرحلتين فرعيتين، هما مرحلة الحرب الباردة (1950 ـ 1990) ومرحلة ما بعد الحرب الباردة (1990 ـ حتي الآن) وخلال هاتين المرحلتين اختلفت مرتكزات التدخل ومبرراته وطبيعته، فخلال مرحلة الحرب الباردة، وبالنظر للتعامل الحذر مع سيادة الدول، استمد التدخل شرعيته في معظم الأحوال من تبريرات وتفسيرات الدول التي أقدمت عليه، أي أن التبرير يأتي بعد التدخل، أما في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، فإن مصدر شرعية معظم التدخلات كانت تأتي من الأمم المتحدة (حرب الخليج الثانية، الأزمة الصومالية، هاييتي، رواندا، تيمور الشرقية، سيراليون…) أو بناء على تحالفات جماعية (كوسوفو، ليبريا…) أي قبل ممارسة التدخل.
كما تنامت أشكال التدخل وتباينت مجالاته ودوافعه والجهات التي تقدم عليه، ورغم الصمت الدولي أمام هذه التدخلات التي غالبا ما أصبح ينظر إليها كإفراز طبيعي للتطورات الدولية الجارية، أو تتحكم فيها اعتبارات مصلحية أو بفعل ضغوطات تمارسها بعض القوى، فإنها غالبا ما تخلف جدالات واسعة بصدد شرعيتها أو ضرورتها، خاصة بعد أن أصبحت معظم التدخلات، تتم من خلال الأمم المتحدة، أكثر من تلك التي تتم بشكل منفرد.

وقد جرى الخلاف حول تحديد الأفعال التي تعد تدخلاً وتلك التي لا تعد كذلك، وهناك اتجاهان رئيسيان حول تعريف التدخل، الأول: يقرر أن تعبير التدخل لا يجب أن يعطى مدلولاً ضيقاً، الأمر الذي مفاده الأخذ بالمعنى العادي للتعبير، وهذا التدخل في أي شكل من الأشكال، وإن كان لا يشمل إجراء المناقشة، وقد ادعت بعض الوفود لدى الأمم المتحدة ذلك، فقد أعلنت جنوب أفريقيا مراراً أن المناقشة في ذاتها تعتبر تدخلاً، واتخذت فرنسا نفس الموقف بالنسبة للجزائر.
وطبقاً لهذا الرأي، فإن إنشاء لجنة للتحقيق أو اتخاذ قرارات ذات طابع إجرائي موضوعي أو إصدار قرار ملزم، يعد من قبيل التدخل بالمعنى الوارد بالمادة 2/7 من الميثاق.
أما الاتجاه الآخر، فيرى أن التدخل يجب أن يؤخذ بالمعنى الضيق، وهو التدخل بالقوة، أي الفعل الذي ينطوي على إنكار لسيادة الدولة واستقلالها وبعبارة أخرى، أنه الطلب النهائي المصحوب بالقوة أو التهديد بها في حالة عدم الاستجابة إليه. وبالتالي فإن كافة الأعمال التي لا تصل إلى هذه المرتبة يجوز للأمم المتحدة اتخاذها بغير مخالفة لحكم المادة 2/7.
فتدخل المنظمة الدولية يكون مطلوباً في مواجهة تصرف مخالف تأتيه الدولة أو انتهاك جسيم، قد لا تكون الدولة قادرة على إزالته أو لا تكون لديها الرغبة في إنهائه، ولا يكفي في هذا الشأن صور التدخل بالمعنى الواسع.

ويلاحظ أن نص المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة لم يشر إلى القانون الدولي. كما كان الشأن في المادة 15/8 من عهد عصبة الأمم، بل أشار إلى الأمور التي تعد أساساً من صميم الاختصاص المطبق للدول، وكان القصد أن تكون نصوص الميثاق مرنة، تستجيب للتطور والظروف كل حالة.
ويلاحظ “براونلى”، إن هذا النص يهتم بالاختصاص الدستوري لأجهزة الأمم المتحدة، وقد لا يكون محتواه متطابقاً مع القواعد العامة في القانون الدولي، ولكن لسيطرة مبادئ الميثاق على ممارسة الدول، فإن قواعد القانون سوف تتأثر بلا شك بتفسير أجهزة الأمم المتحدة لهذا النص.
ويقرر براونلى، إن القيد المتعلق بالاختصاص الداخلي، لا ينطبق إذا كانت وكالة الأمم المتحدة المعنية على يقين بأن هناك إنهاكاً لالتزام قانونى معين، يتعلق بحقوق الإنسان في الميثاق نفسه، وإن ممارسة أجهزة الأمم المتحدة قد قللت من تأثير التحفظ، بإعطاء نصوص حقوق الإنسان الالتزام القانوني، وإن التطور يتعلق أولاً بمسائل حقوق الإنسان وتقرير المصير [36]، في الفصل الرابع والسادس من الميثاق.

فالمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، قد أصبحت ضمن قواعد القانون الدولي، والتي يعد انتهاكاً مؤثراً على السلم والأمن الدوليين، كما سارت الأمم المتحدة في ممارستها خلال فترة الستينات على رفض اعتبار المسائل المتعلقة بالمستعمرات من صميم الاختصاص الداخلي للدول الاستعمارية، وقررت أن مناقشة تلك المسائل لا يعد تدخلاً تمنعه المادة 2/7 من الميثاق، وقد قررت محكمة العدل الدولية في معرض معالجتها لموضوع الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

إن نصوص الميثاق تتضمن نصوصاً ملزمة للدول الأعضاء في شأن حماية حقوق الإنسان وعدم التمييز، وإن السلطة في جنوب أفريقيا بانتهاكها هذه الالتزامات نفذت سياسة الفصل العنصري وطبقتها بما يؤدى إلى إهدار حقوق الإنسان الأساسية ويشكل عدواناً صارخاً على أغراض ومبادئ الميثاق [37].
وطبقاً لهذا المفهوم فإن للأمم المتحدة فرض عقوبات قد تصل إلى مستوى التدخل العسكري لضمان حقوق الإنسان في إقليم الدولة ويكون تدخلها في هذه الحالة قانونياً في إطار نصوص الميثاق، وقواعد القانون الدولي، “وهو ما يعرف بالتدخل الدولي”.

وتقرير التدخل الإنساني ليس شيئاً جديداً طارئاً على القانون الدولي، ففي ظل القانون الدولي التقليدي والذي اهتم لسيادة الدولة وتقرير مبدأ عدم التدخل، كان ثمة إجماع على شرعية التدخل في الحالات الآتية: الدفاع عن كيان الدولة إزاء خطر جسيم يهددها. وتدخل الدولة في الدفاع عن أرواح وحقوق رعاياها في الخارج على خلاف كبير في الرأي حول حقوقهم السياسية. وحماية ما أسماه حقوق الجنس البشرى والقواعد الإنسانية أو ما يعبر عنه بلغة العصر، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية [38].
ونظراً لأن التطورات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أثبتت عدم ملاءمة مبدأ عدم التدخل بصيغته التقليدية المطلقة للمتغيرات الدولية الجارية، فقد جاءت الممارسة الدولية حافلة بالعديد من الممارسات التي تعكس في مجملها تراجعا لهذا المبدأ، وأصبح تكييف هذا المبدأ مع الواقع الدولي المتغير، مرتبطاً بمصالح وأولويات عالمية من جهة، ومصالح انفرادية ضيقة من جهة أخرى.

أولاً: علي صعيد الأمم المتحدة:
بالنظر إلى السلطات المهمة المخولة لمجلس الأمن في تكييف الحالات الموجبة للتدخل، بناء على مقتضيات المادة 39 من الميثاق والتي تسمح له بالتدخل بناء على سلطات تقديرية واسعة تخضع في أغلب الأحيان لمصالح الدول الكبرى [39]، فإن المجلس تمكن من إصدار مجموعة من القرارات التي تشكل تغيراً نوعياً في التكييف القانوني لمبدأ عدم التدخل، ومن ذلك:
ـ في الخامس من أبريل 1991 أصدر المجلس قراره رقم (688) ضد العراق جاء فيه: “إن المجلس منزعج مما يتعرض له المدنيون العراقيون من قمع في أماكن متعددة في العراق وفي المنطقة التي يسكنها الأكراد أيضا مما أدى إلى نزوح مكثف للاجئين نحو الحدود أو حتى عبورهم الحدود وأدى ذلك إلى حدوث بعض الصدامات الحدودية مما يهدد السلم والأمن الدوليين”، كما طالب القرار من العراق وقف هذا القمع فورا وإقامة حوار مفتوح لكفالة احترام حقوق الإنسان والحقوق السياسية للجميع مع السماح بوصول المنظمات الإنسانية الدولية، وقد شكل هذا القرار نقطة تحول ثورية جديدة في مسار المجلس.

ـ في الحادي والثلاثين من مارس 1992 أصدر المجلس قراره رقم 748 بخصوص ليبيا جاء فيه: “إيمانا من المجلس بأن قمع أي عمل إرهابي دولي… يعد أمرا ضروريا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين”. وهذا بدوره قرار من نوع جديد أضاف من خلاله المجلس عاملا جديدا لتهديد السلم والأمن الدوليين.
ـ أصدر المجلس قراره رقم 794 بتاريخ 03/02/1993 بشأن الأزمة الصومالية، معتبرا فيه: “أن حجم المأساة الإنسانية الناتجة عن النزاع في الصومال… مما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين”. وفي هذا القرار كذلك يلاحظ أن المجلس ولأول مرة منذ إنشاء الأمم المتحدة سنة 1945، يعطي تفويضا رسميا لقوات من دول أعضاء في المنظمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل عسكريا في دولة أخرى لم تطلب هذا التدخل، وذلك لإنقاذ مواطنيها من الموت جوعا. ودعا إلى استخدام كل الوسائل لإيجاد بيئة آمنة لعمليات الإغاثة الإنسانية ومنع الصومال من “الانتحار الجماعي”[40].

ـ أصدر المجلس قراره رقم 940 والذي يجيز فيه التدخل العسكري في هاييتي، فاستنادا إلى الفقرة الرابعة من هذا القرار: “فإن مجلس الأمن يجيز للدول الأعضاء إنشاء قوات متعددة الجنسيات تكون تحت قيادة ومراقبة موحدة، لإعطاء الوسائل الممكنة لتسهيل رحيل النظام العسكري وعودة الحكومة الشرعية”[41].
كما أصدر المجلس قرارا آخر بخصوص الأزمة السياسية في هاييتي، ويحمل هذا القرار رقم 841 بتاريخ 17 يونيو 1993 جاء فيه: “… لقد لاحظ المجلس بقلق تدهور الأزمة الإنسانية مما أدى إلى النزوح الجماعي للسكان مما يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين”.
ـ أصدر المجلس قراره رقم 745 في 28 فبراير 1992[42] الذي طلب فيه تشكيل هيئة مؤقتة للأمم المتحدة في كمبوديا وحدد مهمتها في 18 شهرا وخصص لها مليارين من الدولارات للقيام بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في إطار احترام السيادة الكمبودية إلى جانب الإشراف على عملية الانتخابات باتجاه “دمقرطة” البلاد [43].
وأمام هذا التوسع المطرد في مجالات تدخل المجلس أبدت الكثير من الدول الضعيفة تخوفها وقلقها من أن يتحول الجهاز من آلية مسئولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين إلى جهاز للاعتداء على الشعوب والدول بناء على خلفيات ضيقة.

وكرد فعل على هذه التخوفات واستجابة للتحديات التي واجهها المجتمع الدولي في العديد من حالات التدخل، طلب الأمين العام للأمم المتحدة “كوفي أنان” من أعضاء المنظمة بلورة تصور مشترك بين كافة الدول حول التدخل الإنساني، وذلك في سياق التوفيق بين سيادة الدولة وسيادة الشعب، واستجابة لذلك، قام وزير خارجية كندا بتشكيل “لجنة دولية للتدخل وسيادة الدول” تضم عدة شخصيات (رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقين وممثلين عن الأمم المتحدة…) وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها بتاريخ 18 ديسمبر 2001 أكدت فيه على ثلاثة مبادئ أساسية[44]:

الأول: استخدام مفهوم “المسؤولية الدولية للحماية” بدل “التدخل الإنساني” لتجنب ما قد يثيره التعبير الأخير من مخاوف السيطرة والهيمنة.
الثاني: وضع مسؤولية الحماية على المستوى الوطني في يد الدولة الوطنية، وعلى المستوى الدولي تحت سلطة مجلس الأمن.
الثالث: أن عملية التدخل لأغراض “الحماية الإنسانية” يجب أن تتم بجدية وكفاءة وفاعلية وبناء على سلطة مباشرة مسؤولة.
كما أكد التقرير على أن مسؤولية حماية أرواح ورفاهية المواطنين تقع أولا وأخيرا على عاتق الدولة ذات السيادة، وإذا اتضح برغم ذلك أن الدولة المعنية غير قادرة أو غير راغبة في حماية مواطنيها، أو أنها هي نفسها الجاني والمتسبب فيما يتعرض له المواطنون من عنف وأضرار، ففي هذه الحالة يجب أن تنتقل المسؤولية إلى الأسرة الدولية ممثلة في مجلس الأمن.
وانتهى التقرير إلى أن التدخل العسكري لأغراض “الحماية الإنسانية” يجب أن ينظر إليه على أنه حالة خاصة واستثنائية لمواجهة ضرر إنساني لا يمكن إصلاحه أصبح وشيك الحدوث، أي أن التدخل العسكري ينبغي ألا يحدث إلا كخيار اضطراري أخير.
وإذا كان التدخل باسم حماية الإنسانية ليس بجديد في الممارسة الدولية المعاصرة، فإن الجديد في هذا الشأن هو كثافة هذه التدخلات بشكل غير مسبوق وانتقاله من مجرد تقديم المساعدات بناء على اتفاقات مسبقة إلى التدخل بصفة مباشرة بناء على قرارات أممية أو خارجها، مما خلف العديد من الانحرافات.

ثانياً: على مستوي الدول:
إن الدول التي تقدم على التدخل إلى حد استعمال القوة في سبيل ذلك، تبرر مواقفها بالاستناد إلى القانون الدولي انطلاقا من تكييف بنوده، كالتوسع في تفسير مبدأي عدم التدخل أو منع استخدام القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية والاستثناءات الواردة عليهما. وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى القول: “أن القانون الدولي غدا منظما مخلصا للاعدالة الدولية، بل للفوضى الدولية التي ترتدي قناع النظام” [45].

إن خرق حقوق الإنسان والتعسف في مواجهته كانت تندرج في السابق ضمن الاختصاص الداخلي للدول، غير أنه مع مرور الوقت وتنامي الاهتمامات الدولية بحقوق الإنسان، أصبح للفرد أهمية كبرى ضمن اهتمامات القانون الدولي، وهكذا برزت مفاهيم واصطلاحات تتعلق بـ “واجب التدخل” و”ضرورة التدخل” بل و”حق التدخل” لمساعدة شعب على نيل استقلاله أو بطلب من حكومة شرعية أو التدخل لحماية شعب من الإبادة أثناء الصراعات العرقية الدامية كتلك التي عرفتها أوربا الشرقية.
لقد اعتبر التدخل الإنساني المعروف بعملية “إعادة الأمل” في الصومال، بمثابة حالة فريدة في الممارسة الدولية، حيث تم توظيف قوات عسكرية من أجل تأمين عمليات تقديم المساعدات الإنسانية، ولعل أهم الأسباب التي تم بها تبرير هذه السابقة هو غياب حكومة مركزية قادرة على عقد اتفاق يتم بموجبه هذا التدخل في ظل الصراعات العرقية، ولقد أشار القرار 794 إلى الطابع الاستثنائي لهذه الحالة [46].

وبالإضافة إلى ما يثيره التدخل من إشكالات قانونية، فإن هناك مشاكل أخرى يطرحها هذا الإجراء من قبيل التدخل في الدولة باسم الإنسانية ثم التورط في الصراع القائم، وهو ما يفرغ هذا السلوك من محتواه الأخلاقي ليكتسب أبعادا وخلفيات سياسية، أو منح مساعدات إنسانية مشروطة بتنازلات معينة تمس في مجملها سيادة الدول.
فالدفاع عن حقوق الإنسان في سياق بلورة مفاهيم غربية دوليا يصطدم أحيانا بالخصوصيات المحلية، ونفس الشيء يمكن أي يقال بصدد التدخلات باسم الديموقراطية التي غالبا ما تكتسب بدورها خلفيات سياسية، بحيث يتم التركيز على المؤسسات الرأسمالية لا الفاعلية المحلية.

ومن جهة أخرى أضحت الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن آلية لتبرير تدخلات العديد من القوى الدولية الكبرى وبسط هيمنتها وتكريس سياساتها دوليا، فبصدد أزمة “لوكربي” تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية تمكنت من التحكم في مجريات القضية وذلك بعد تحويلها من طابعها القانوني الصرف إلى طابع سياسي، تطلب تدخل المجلس الذي فرض عقوبات زجرية على ليبيا لسنوات عدة، كما أن التدخل العسكري الأمريكي الأخير في أفغانستان تم بموجب قرار صدر عن المجلس تحت رقم 1368 بتاريخ 12 سبتمبر 2001، حيث اعتبر فيه أن: “العمليات الإرهابية التي تمت بتاريخ 11 سبتمبر, مثل أية عملية للإرهاب الدولي تعد تهديدا للسلم والأمن الدوليين”، وبالتالي منح لها الحق في الدفاع الشرعي والجماعي بناء على الفصل 51 من الميثاق.
وإذا كانت مخاطر الإرهاب قد تطورت وأصبحت تتسم بخطورة كبرى، بالنظر إلى شدة الدمار الذي يحثه، والذي أضحت تداعياته تعادل مخاطر العدوان، فإن الإشكالية التي تطرح عند تكييف بنود الميثاق المرتبطة بحق الدفاع الشرعي، تصطدم بطبيعة الطرف الذي ارتكب هذه العمليات، والوسائل والآليات الجديدة غير العسكرية وغير المعهودة التي تم توظيفها في ذلك، والتي تتجاوز منطوق المادة السابقة. كما أن المجلس لم يكلف نفسه عناء متابعة العمليات العسكرية، وهو ما جعل الرد يتحول إلى عمل انتقامي وتجاوز في خطورته الدفاع عن النفس بناء على قاعدة التناسب [47].

المطلب الثالث: حالات التدخل في ظل الأمم المتحدة
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الأمم المتحدة، ونصت في ميثاقها على عدم جواز التدخل، سواء من قبل المنظمة نفسها أو الدول الأعضاء في شؤون الدول الأخرى، كما ورد في نص المادة 2/7. ومن هنا تحول مبدأ عدم التدخل من مبدأ عرفي إلى مبدأ ذي طبيعة وضعية [48].
غير أنه وعلى الرغم من النص الصريح والواضح للمادة 2/7 بعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، إلا أن ذلك لم يمنع عمليات التدخل، خاصة بعد نشوب الحرب الباردة بين كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمدت كل منهما إلى التدخل في شؤون الدول الأخرى، فتدخلت الولايات المتحدة في كوريا عام 1950، وفي فيتنام عام 1964[49]، وفي نيكاراجوا عام 1986، وفي بنما عام 1990. وتدخل الاتحاد السوفيتي في المجر وتشيكوسلوفاكيا عام 1956، وفي أفغانستان عام 1979[50].
وكان للدولتين مبرراتهما الواهية لعمليات التدخل، والتي لا يمكن القول بأنها صمدت أمام القواعد القانونية العرفية والوضعية، التي تجرم عمليات التدخل الدولي في شؤون الدول الأخرى، فكانت روسيا تبرر عملياتها بأنها تعمل ذلك لمناصرة القوى التقدمية في هذه الدول المتدخل في شأنها. أما الولايات المتحدة فكانت تتدخل لمواجهة الاتجاهات الشمولية في الدول المتدخل في شأنها، وقد كانت هذه الادعاءات محل نقد كبير من الفقه الدولي [51].

ولم يكن التدخل الأمريكي يتم من خلال العمليات العسكرية فقط، بل تعددت صورة وأساليبه، حيث عملت على التغلغل في العديد من الدول الأخرى، من خلال الأنشطة الاقتصادية تحت ما أطلق عليه “بدبلوماسية الدولار”، خاصة في دول أمريكا اللاتينية، وأيضاً من خلال السيطرة السياسية على بعض جزر المحيط الهادي تحت ما يسمى بالسياسة العريضة [52].
كما أنها مازالت متمسكة، بذات الفلسفة في عمليات التدخل، حتى اليوم، وإن كانت أدخلت بعض التعديلات في سياستها، من خلال توريط الأمم المتحدة معها، في هذه العمليات لمحاولة إضفاء نوع من الشرعية عليها، خاصة في ظروف النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي [53].

ومن أهم نماذج حالات التدخل في ظل الأمم المتحدة، خلال مرحلة التسعينيات:
1ـ التدخل في هايتي [54]:
كان سبب هذا التدخل هو أن انقلاباً عسكرياً حدث في هايتي أطاح بالحكومة والرئيس المنتخب “جون برتراند أرستيد” فأصدرت الجمعية العامة القرار 46/7 لعام 1991 أدانت فيه الانقلاب، وفي قراره رقم 841 لعام 1993 قرر مجلس الأمن: أن استمرار الوضع في هايتي يهدد السلم والأمن الدوليين ولذلك ـ استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق فرض المجلس حصاراً حول توريد الأسلحة والبترول إلى هذه الدولة، وقرر تجميد أرصدتها، كما شدد هذه الجزاءات في القرارين 873 ـ 874.
ونظراً لأن هذه الإجراءات لم تأت بنتيجة، فقد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 940 وافق فيه على قيام قوات من 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة بالانتشار في هايتي لإقصاء العسكريين عن الحكم وإعادة الرئيس المنتخب، وهي أول عملية تمنحها الأمم المتحدة تفويضاً دولياً في إطار الدفاع عن الديمقراطية داخل دولة بكل الوسائل الضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية، ورغم عدم ارتباط هذا النزاع بصراع إقليمي أو دولي، وفي مرحلة لاحقه حلت بعثة الأمم المتحدة في هايتي محل القوات متعددة الجنسيات، وتركزت ولايتها الأصلية في إيجاد بيئة مستقرة وتحويل القوات المسلحة في هايتي إلى قوات نظامية محترفة، وإقامة ظروف مواتية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة واقر مجلس الأمن في اجتماعه يوم 31 يوليو 1995 إبقاء قوات حفظ السلام حتى فبراير 1996.
وقد قيل تعليقاً على تدخل الأمم المتحدة هنا دفاعاً عن الديمقراطية، إن هذا المبرر لو كان كافياً، فإنه يجب على الأمم المتحدة أن تتدخل في غالبية دول العالم التي تعاني من أنظمة حكم غير ديمقراطية، كما أن السؤال هو ماذا ستفعل الأمم المتحدة لو تبين أن الحكومة الجديدة غير ديمقراطية؟، وهل يجب عليها أن تتدخل مرة أخرى؟
لقد جاء التحدي بالفعل بعد أن أقرت بعثة الأمم المتحدة في هايتي على لسان رئيسها المدني “كولين جراندرسون”[55]، بحدوث انتهاكات متكررة لحقوق الإنسان في النظام القضائي الهايتي رغم عودة الحكم الديمقراطي.
2ـ التدخل في الصومال [56]:
أدى الصراع القبلي الذي نشأ في الصومال إلى مجاعة قضت على حوالى 350 ألفاً خلال عامي 1991، 1992 وكان تدخل الأمم المتحدة في البداية مرتكزاً على اعتبارات إنسانية، فقد أعلنه الرئيس الأمريكي “جورج بوش” قبل شهور من تركه منصبه، سعياً وراء نصر عسكري سريع لإثبات تفرد الولايات المتحدة كقوة وحيدة مهيمنة على المسرح الدولي، وتحت مظلة الأمم المتحدة، وتحت اسم “استعادة الأمل في الصومال”، وقد أدى تعذر وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة بسبب اشتداد القتال، إلى تدخل مجلس الأمن بإصدار ـ القرار 733 الذي قضى بتكليف قوات الأمم المتحدة بمراقبة اتفاقات وقف إطلاق النار بين الفصائل الصومالية.
ولم يكن حجم القوة كافياً، حيث كان عدد أفرادها 50 فرداً، فأصدر مجلس الأمن قراره 794، بتفويض الأمم المتحدة سلطة توفير القوات اللازمة لتوفير بنية آمنة، لعملية الإغاثة الإنسانية في الصومال، ولم ينفذ هذا القرار، سوى مع مبادرة الولايات المتحدة في 9 ديسمبر 1992 إلى إرسال حوالى 5 آلاف جندي، لحماية عملية وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، ثم بادرت باقي الدول إلى المساعدة في عملية التدخل، ثم جرى توسعة هذه العملية بالقرار رقم 814 الذي صدر في مارس 1993، حيث بدء أعمال نزع أسلحة الفصائل الصومالية، وأدت هذه التطورات إلى إدخال المنظمة طرفاً مباشراً في الصراع الداخلي في الصومال.
ونظراً لاشتداد القتال، ومقتل العديد من أفراد القوات الدولية، فقد بدأت الدول في تخفيض قواتها بصورة جذرية فعادت الفوضى مرة أخرى إلى الصومال، وانسحبت قوات الأمم المتحدة تماماً في الثالث من مارس 1995، وانتهت العملية بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها، وأبرزت عديداً من الأخطاء والعراقيل في عملية القيادة، وافتقاد السيطرة والتنسيق بين المشاركين فيها.
3ـ التدخل في العراق 1991:
قامت في منطقة الخليج حربان، الأولى بين العراق وإيران ولم يتدخل فيها مجلس الأمن إلا بإصدار القرارات رغم استمرارها ثماني سنوات، أما الحرب الثانية بين العراق والكويت، نتيجة غزو العراق لدولة الكويت واحتلالها وإعلانها المحافظة التاسعة عشر للعراق، في أغسطس 1990، فقد تدخل فيها مجلس الأمن بأعمال القمع، كان التدخل بقوات التحالف الدولية نيابة عن مجلس الأمن وبتفويض منه، وكانت قيادة قوات التحالف للولايات المتحدة الأمريكية، واشتركت فيها قوات 38 دولة، وقد تميز تدخل الأمم المتحدة في هذه الحرب بما يلي:
ـ تفويض مجلس الأمن سلطاته لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يحدد مجلس الأمن الصلاحيات المفوضة، بل حدد هدف التفويض فقط.
ـ كان التدخل سريعاً بطريقة لم يسبق لها مثيل. واتخذ مجلس الأمن اثني عشر قراراً متعلقاً بالأزمة.
ـ إن القوات الدولية لم تلتزم بهدف التفويض، ولم يحاسبها مجلس الأمن على ذلك. واستمرت القوات الدولية تعمل بعد تحرير الكويت وبررت عملها في شمال وجنوب العراق بحماية حقوق الإنسان وإيجاد أجواء آمنة [57]، كما أصدر مجلس الأمن مجموعة كبيرة من القرارات لم يسبق أن أصدر مثلها في أي نزاع.
وفرض على العراق حصاراً، ومارس عليه كل صور العقوبات، باسم الشرعية الدولية، مما جسد ازدواجية المعايير التي يقيس بها مجلس الأمن الأوضاع، التي تستدعي التدخل وإجراءات التدخل ذاتها، بالمقارنة بما تمارسه إسرائيل مثلاً تجاه الشعب الفلسطيني.
4ـ تدخل الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات في الجزائر 1995:
كانت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان والمعنية بحماية الأقليات ومكافحة التمييز، قد طالبت الجزائر بتقديم تقرير عاجل، بشأن أوضاع حقوق الإنسان بها، واستعاضت اللجنة عن ذلك بعرض شفهي من الممثل الدائم للجزائر في الأمم المتحدة في جنيف، الذي أكد التزام بلاده بالنضال ضد الإرهاب والتطرف والعنف بكل الوسائل القانونية، ثم طالب الرئيس الجزائري “الأمين زروال”، رسمياً، بإشراف مراقبين تابعين للأمم المتحدة على الانتخابات الرئاسية، التي تمت في 16 نوفمبر 1995، وشهدت لجان المراقبة بحيدة ونزاهة هذه العملية، التي شهدها أيضاً مراقبون من جامعة الدول العربية.
ويأتي تدخل الولايات المتحدة، لمراقبة الانتخابات الجزائرية ضمن نشاط الأمم المتحدة في هذا المجال، حيث قامت خلال السنوات الأخيرة بالإشراف على الانتخابات في عشرات الدول، سواء في إطار عمليات خاصة بحفظ السلم وكجزء من تسويات سياسية سابقة للازمات أو بناءً على طلب من الحكومات في هذه الدول [58].
وبينما يعتبر البعض هذا التدخل تجاوزاً لمهام الأمم المتحدة، وتوسعاً في الصلاحيات التي تمارسها، فإن البعض الآخر [59] يعيب على الأمم المتحدة، أنها لم تنشئ آلية لضمان نزاهة الانتخابات والالتزام بنتائجها، وإن التحرك الدولي بشأن الانتخابات في بعض دول جنوب العالم، أصبح خاضعاً لمصالح الدول الغربية الكبرى، بما يترتب عليه من شيوع الانتقائية والتحيز.
يظهر من هذا العرض لبعض أمثلة التدخل الإنساني، الذي قامت به الأمم المتحدة، مدى تنوع المجالات التي يتم فيها التدخل، ولعل في ذلك ما يفيد أن الأمم المتحدة قررت التخلي عن الحياد في مسائل الشرعية والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان، وقررت أن تتولى المبادرة بالتدخل الإنساني.
وقد كانت عمليات التدخل الإنساني والدفاع عن الشرعية الدولية، فرصه نادرة للأمم المتحدة، لترسيخ النظام الدولي الجديد، ولتأكيد قدرتها على حماية حقوق الشعوب، في تقرير مصيرها وحقوق الإنسان بصفة عامة [60].
المطلب الرابع: مسؤولية الأمم المتحدة عن ضبط التدخل
إذا كان من المفروض أن يتكيف القانون الدولي مع المتغيرات والمستجدات التي يفرزها التطور، فإن ترجمة هذه المتغيرات إلى ضوابط غالبا ما تتحكم فيها اعتبارات وخلفيات مصلحية، على اعتبار أن القانون الدولي يشكل في شموليته آلية لخدمة مصالح القوى الدولية الكبرى المسيطرة والمتحكمة في العلاقات الدولية.
ولعل غياب ضوابط دولية تحمل قدرا من التوافق بين جميع دول العالم، تقنن هذه المتغيرات التي أصبحت ضرورية في بعض المجالات الجديدة، من شأنه أن يراكم سوابق قد تهدد وجود القانون الدولي برمته.
وهنا قد يبدو للبعض أن القانون الدولي قد شهد في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وتحدياً منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، نوعا من التفعيل، من خلال تحريك العقوبات الجماعية التي قادتها الأمم المتحدة بشكل مكثف في مواجهة بعض الدول، وأن القانون الدولي قد بات لا يقتصر على مجرد النص على قواعد تعد مخالفتها أمرا غير مشروع، بل أصبح مزودا بوسائل يتم إعمالها لإسباغ الفاعلية على هذه القواعد”[61].
فإن هذا التفعيل من وجهة نظر البعض الآخر والذي لحق بالأمم المتحدة على مستوى التحرك وتنفيذ القرارات من خلال نهج سياسة العقوبات أو متابعة بعض القضايا من خلال سياسة التفتيش، لم يوازيه تطور على مستوى إشراك العديد من الدول التي ظلت على الهامش في بلورة القرارات الدولية في هذا الخصوص، مما جعل هذه الأخيرة، تصب في خدمة مصالح صانعيها أكثر من خدمة السلم والأمن الدوليين، وبالتالي فرض احترام القانون في مواجهة الدول الضعيفة وحدها [62].
أي أنه بعد نهاية الحرب الباردة لم تتحقق “عالمية قواعد القانون الدولي”، ولكن “عولمة قواعد القانون الدولي”[63]. وبناء على ذلك وبالنظر إلى التطورات التي لحقت بالعلاقات الدولية، يلاحظ أن وظيفة القانون الدولي لم تعد تقتصر على التنسيق بل صارت له نزعة تدخلية كما أرادتها له القوى الكبرى، بذريعة تكريس الأمن والتضامن الدوليين.
فالتدخل باسم حقوق الإنسان أو الديموقراطية أصبح يثير مخاطر وإشكاليات عديدة، فعلى الرغم من إقرار الفقه بشرعية التدخلات التي تتم بناء على اتفاقات مسبقة بين الدولة أو الدول المتدخلة والدولة التي سيتم التدخل في ترابها أو شؤونها، فإن هناك العديد من الإشكاليات التي يمكن طرحها في هذا الشأن، أبرزها شرعية التدخل لأغراض إنسانية بوسائل عسكرية وبخاصة إذا كان من شأن ذلك إحداث كوارث إنسانية أخرى لا تقل خطورة عن تلك القائمة[64]، وكذلك شرعية التدخل لأغراض ديموقراطية أو إنسانية خاصة إذا كانت تستهدف بالأساس تعميم قيم معينة ونشرها دوليا دون الأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية للمجتمعات المستهدفة، فحقوق الإنسان ينبغي مقاربتها بشكل يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وثقافة كل مجتمع، فيما يلزم التعامل مع الديموقراطية بناء على الفعالية لا المؤسسات الشكلية.
والمحصلة أن تطوير القانون الدولي والنهوض بمستواه في ارتباطه بالمتغيرات الدولية القائمة في علاقتها بالسيادة أصبح أمراً ضرورياً، ليعكس التطورات الراهنة في العلاقات الدولية، وذلك من خلال الموازنة بين حقوق الفرد من جهة وحقوق الدولة من جهة أخرى، وخلق انسجام بين مختلف الوثائق الدولية، فميثاق الأمم المتحدة يحرم صراحة اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية أو التهديد باستخدامها فيما نجد أن الإعلان لعالمي لحقوق الإنسان في المقابل، يؤكد على ضرورة ضمان حماية حقوق الأفراد من الدول المستبدة [65].
وبين مبدأ السيادة من جهة ومبدأ حماية السلم والأمن الدوليين من جهة ثانية، فإن الأمر يتطلب وضع الحد لهذه التضاربات والممارسات الناتجة عن غموض وقصور الضوابط التقليدية في ارتباطها بمسألة التدخل، وبخاصة وأن عدم احتواء هذه الممارسات من شأنه خدمة الأطراف الدولية الكبرى المتحكمة في مسار العلاقات الدولية التي ستعزز من استغلالها لهذا الفراغ القانوني لتكييف الحالات مع القواعد التقليدية القائمة بشكل تعسفي مع سعيها إلى عرقلة بلورة ضوابط في هذا الصدد تخدم البشرية جمعاء.
إن التفعيل الذي شهده القانون الدولي من وجهة نظر البعض في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، قد أسهم في مسخ العديد من المبادئ القانونية وأفرغها من محتواها وأسهم بشكل كبير في تراجع العديد من الضوابط الدولية، فمكافحة الإرهاب [66] أضحت ذريعة للإجهاز على حقوق الإنسان وممارسة الشعوب لحقها في مقاومة المحتل، فيما أدى تنامي حماية حقوق الإنسان قبل ذلك إلى تراجع مبدأ عدم التدخل.
ومن هنا يمكن القول إن واقع العلاقات الدولية لا يسمح لمختلف المؤسسات الدولية بتنفيذ قرار من القرارات أو إيجاد حل من الحلول خارج الموافقة الأمريكية، أو على الأقل خارج عدم معارضتها [67]، وهو ما يوحي بأن واقع الممارسة الدولية في ارتباطها بمبدأ عدم التدخل، يتجه نحو قلب المعادلة التقليدية أي تحويل الاستثناءات الواردة على المبدأ الأصلي إلى قاعدة عامة.
والسبيل الأساسي لمواجهة هذه السلبيات، في اتجاه تطوير وتفعيل القانون الدولي بشكل يأخذ مصالح المجتمع الدولي برمته، ينبغي أن ينطلق من إصلاح الأمم المتحدة باعتبارها الهيئة العالمية الكفيلة والمؤهلة قانونيا بإدارة الصراعات الدولية الموجبة لأشكال محددة من التدخل.
إن التطور الذي لحق بالقانون الدولي العام، اقتصر على مجرد النص على المبادئ العامة، دون أن يقترن في حالات كثيرة بتحديد السلوك الواجب الاتباع بشكل محدد، مما يجعل التطور يفقد هدفه، ويعرضه لأن يكون خاضعا لإرادة الدول في هذا الشأن، وهذا الأمر كفيل بإلحاق وصف المحدودية بهذا التطور [68].
كما يتطلب الأمر تدقيق المفاهيم الغامضة التي يحتوي عليها ميثاق الأمم المتحدة، كالسلم والأمن الدوليين والعدوان والاختصاص الداخلي..، ونزع الغموض عنها، ثم الحد من إقدام القوى لدولية الكبرى على تجاوز المنظمة وحسم خلافاتها بنفسها ضدا على المنظمة والقانون الدوليين، مع ضرورة منح محكمة العدل الدولية السلطة الكاملة لتأويل وتفسير إمكانية الإقدام على هذه التدخلات من عدمها، وإعمال رقابة ذاتية في مواجهة ممارسات المنظمة الدولية نفسها وبخاصة مجلس الأمن وفي مواجهة ممارسات كافة الدول في هذا الشأن، مع ضرورة إقرار كافة الدول بالولاية الجبرية لهذه المحكمة، والعمل أيضا على ترشيد وعقلنة إعمال مقتضيات الفصل السابع من الميثاق، وتبني تفسير ضيق ومحدد للمادة 51 من الميثاق المرتبطة بممارسة حق الدفاع الشرعي[69].
كذلك فإن فرض احترام القانون الدولي بكل مبادئه يتطلب تفعيل هيئة الأمم المتحدة من خلال منحها سلطة في مواجهة كل أطراف المجتمع الدولي بدون تمييز، ومنحها الإمكانيات المادية والقانونية التي تمكنها من بلورة قراراتها على أرض الواقع، وبالتالي تعزيز قدراتها في مجال الحرص على فرض احترام القانون الدولي، ومن خلال خلق تمثيل متوازن داخل مجلس الأمن، بما يتواءم وطبيعة الأقطاب الدولية الفاعلة، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الجنوب، وبلورة فصل صارم للسلطات داخل الهيئة بالشكل الذي يحد من هيمنة المجلس على باقي الأجهزة وتهميشه لها[70].
الهامش
[1] يطلق عليها اسم، المعاهدات الشارعة أو العامة، لأنها قريبة الشبه بالتشريعات، ولكنه تختلف عن التشريع في أن الأخير يصدر عن سلطة عليا فيلزم جميع رعايا الدولة التي أصدرته، والمعاهدات الشارعة أي العامة، لا تلزم غير الدول التي أبرمتها، ومع ذلك فالمعاهدات الشارعة لها نصيب كبير في ثبوت قواعد القانون الدولي العام، لأنها بحكم معالجتها لأمور تهم الدول جميعا تجذب إليها عددا كبيرا من الدول التي لم تشترك في أبرمها، إما عن طريق الانضمام إليها انضماما لاحقا بناء على نص خاص بها يبيح ذلك، وإما السير فعلا على مقتضى القواعد التي وضعتها. (راجع: د. مصطفى سيد عبد الرحمن، القانون الدولي العام – المصادر، مرجع سابق، ص 58).
[2] بموجب المادة (13/أ) من ميثاق الأمم المتحدة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نوفمبر عام 1947 لجنة متخصصة تعمل تحت إشرافها تسمى، لجنة القانون الدولي، تتولى مهمة القيام ببحوث ودراسات في القانون الدولي بقصد تجميع وتدوين العرف الدولي وتطوير قواعد القانون الدولي بصفة عامة. وتتكون هذه اللجنة في الوقت الحاضر من أربعة وثلاثين عضوا يختارون بصفاتهم الشخصية بمعرفة الجمعية العامة، بما يحقق تمثيلا مناسبا لمختلف النظم الرئيسية في العالم. ويعمل هؤلاء بصفة مستقلة عن دولهم. وقد أسهمت هذه اللجنة بجهد كبير في إجراء الدراسات والبحوث التي تكفل تجميع القواعد العرفية وتطويرها وتمكنت من إعداد العديد من مشروعات الاتفاقات الدولية الشارعة. (وراجع: د. سمير محمد فاضل، المسئولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن استخدام الطاقة النووية وقت السلم، القاهرة: عالم الكتب، 1976، ص80).
[3] يذهب البعض إلى أنه من النادر أن تكون المعاهدات العامة، أي الشارعة، مصدرا لقواعد دولية جديدة، حيث أن تقرير قاعدة جديدة لم تتهيأ لها الأفكار بعد ولم يكن لوجودها ضرورة ملحة قد يؤدى إلى اصطدامها عند التطبيق بصعوبات منشؤها عدم اعتياد الدول عليها وعدم التمهيد لها لدى الرأي العام. راجع د. على صادق أبو هيف، مرجع سابق، ص 25.
[4] د. مصطفى سيد عبد الرحمن، القانون الدولي العام – المصادر، مرجع سابق، ص 59.
[5] عبير بسيوني، مصدر سابق، ص 30 ـ 34.
[6] د. على صادق أبو هيف، مرجع سابق، ص 210، ص 226.
[7] د. محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم، مرجع سابق، ص 331.
[8] هناك أمثلة خطيرة لهذه العمليات، يؤكد إحداها ما جاء على لسان “أوكوما”، أحد الساسة اليابانيين عام 1917 عندما قال: “إن الصين في حاجة إلى وصاية عليها، وحيث أن القاعدة العامة تقتضي باختيار أقرب الأقارب للقيام بالوصاية، فإنه يكون من الطبيعي أن تضطلع اليابان بهذه المسئولية تجاه الصين”. (راجع: د. سمعان بطرس فرج الله، مرجع سابق، ص 208.
[9] عدنان نعمة، السيادة في ضوء التنظيم الدولي المعاصر، بيروت، د.ن، 1978، ص 174.
[10] عدنان نعمة، مرجع سابق، ص 19.
[11] عدنان نعمة، مرجع سابق، ص 177 ـ 180.
[12] مارسيل ميرل، سوسيولوجيا العلاقات الدولية، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1986، ص 63 ـ 64.
[13] اينيس ل.كلود، النظام الدولي والسلام العالمي، ترجمة عبد الله العريان، القاهرة، دار النهضة العربية، 1964، ص 253.
[14] د. سعدى كريم سليمان، د. حسن الجديد، التدخل الإنساني وإشكالية السيادة، مجلة دراسات، طرابلس، العدد الثالث والعشرون، 2005، ص 54 ـ 61.
[15] د. محمد سامي جنينه، القانون الدولي العام، 1933، ص 205.
[16] د. منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي العام بين الخطر والإباحة، دار النهضة العربية، 1989، ص 35.
[17] مسعد عبد الرحمن، تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 2001، ص 91.
[18] شجب مذهب القرن التاسع عشر التدخل الإنساني، كما شجب غيرة من صور التدخل، وكان رد فعل طبيعي لسياسة الحلف المقدس، وأخذ بمبدأ عدم التدخل كمبدأ من المبادئ في القانون الدولي. وقد عارض هذا كذلك فريق من الفقه، على أساس أن ما يرتكب داخل إقليم الدولة من تصرفات أو جرائم لا ينتهك حقوق الآخرين، وتبعاً فلا يبرر التدخل. إن أي تصرف ـ مهما بلغت صفته الإجرامية ـ لا يبرر تدخل دولة أجنبية، لأنه لا يجوز لأحد أن يجعل من نفسه قاضياً في تصرفات الغير. والكلام عن التدخل الإنساني يقود إلى الكلام عن التدخل حماية للأقليات، لقد كانت الفكرة من حماية الأقليات هو تجنب تدخل الدولة في شؤون دولة أخرى لصالح الأقلية.
[19] د. محمد طلعت الغنيمي، الوجيز في قانون السلام، القاهرة، ط2، مشاة المعارف بالإسكندرية، 1977، ص 187 ـ 192.
[20] عندما كان هذا التدخل يعتمد على الميثاق ذاته من خلال تأويلات منحرفة أو إقدام بعض الدول على إنصاف نفسها بنفسها خارج إطار المنظمة الدولية إثر شلل مجلس الأمن جراء الإقدام على استخدام حق الفيتو بشكل مكثف
[21] د. محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم، التنظيم الدولي، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1971، ص 122 ـ 123.
[22] د. ويصا صالح، مفهوم السلطان الداخلي، المجلة المصرية للقانون الدولي، القاهرة عدد 33، 1977، ص 177.
[23] د. حامد سلطان، د. عائشة راتب، د. صلاح الدين عامر، القانون الدولي العام، القاهرة، دار النهضة العربية، ط1، 1978، ص 700.
[24] ترتبط هذه الاستثناءات بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي عن النفس بموجب المادة 51 من الميثاق من ناحية، وتحريك آليات نظام الأمن الجماعي بموجب المادتين 41 و42 من ناحية أخري. وبالإضافة إلى هذين الاستثناءين أكد الفقه على جواز وشرعية التدخل المبرر بحماية حقوق الإنسان، وكذلك بناء على اتفاق صريح أو ضمني بين الدولة أو الدول المتدخلة والدولة التي سيتم التدخل فوق إقليمها أو في شؤونها.
[25] د. عبد العزيز سرحان، الغزو العراقي للكويت ـ دراسة قانونية على ضوء نظرية الدولة في القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والمبادئ الأساسية للقانون الدولي العام، دار النهضة العربية، 1991، ص 15.
[26] د. محمد مصطفى يونس، من رسالته، النظرية العامة لعدم التدخل في شؤون الدول، جامعة القاهرة، 1985، ص 22.
[27] د. على صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، منشأة المعارف بالإسكندرية، ط9، 1971، ص 230.
[28] عمرو رضا بيومي، نزاع أسلحة الدمار الشامل للعراق ـ دراسة للآثار القانونية والسياسية والاستراتيجية لحرب الخليج الثانية، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس كلية الحقوق، 2000، ص 33 ـ 37.
[29] ذكر الأمين العام السابق للأمم المتحدة، د. بطرس غالي أنه، “من المقتضيات الفكرية الرئيسية لزماننا أن نعيد التفكير في مسألة السيادة, لا من أجل إضعاف جوهرها الذي لم تعد له أهمية حاسمة في الأمن والتعاون الدولي, وإنما بقصد الإقرار بأنها يمكن أن تتخذ أكثر من شكل وأن تؤدي أكثر من وظيفة, وهذه الرؤية يمكن أن تساعد على حل المشاكل سواء داخل الدول أو فيما بينها”, (راجع، بطرس بطرس غالي، نحو دور أقوى للأمم المتحدة, السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 111، يناير 1993 ص 11).
[30] من أهم المجالات التي برز فيها دور هذه المنظمات، التجارب النووية، تلوث البيئة، الآثار الإنسانية السيئة على حقوق الإنسان في ظل ما يعرف بحملة “مكافحة الإرهاب” والتي أطلقتها الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
[31] دافيد روشكوبف، في مديح الإمبريالية الثقافية، ترجمة أحمد خضر، مجلة الثقافة العالمية، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عدد 85 نوفمبر 1997، ص 32.
[32] الفقرة الرابعة من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.
[33] بطرس بطرس غالي، الدور الجديد للأمين العام للأمم المتحدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، السياسة الدولية عدد 124 أبريل 1996 ص ص 14 -15.
[34] كمشكلة الشرق الأوسط وأزمة البوسنة والهرسك والمشكلة الصومالية وقضية “لوكربي” وأزمة هاييتي والتدخل العسكري في أفغانستان والعدوان الأخير على العراق. (راجع، إدريس لكريني، الزعامة الأمريكية في عالم مرتبك، مقومات الريادة وإكراهات التراجع، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، عدد 291 مايو 2003 ص 17.
[35] عماد جاد، أثر النظام الدولي على حلف شمال الأطلنطي، السياسة الدولية، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 134، أكتوبر 1998.
[36] د. ويصا صالح، مفهوم السلطان الداخلي، المجلة المصرية للقانون الدولي، القاهرة، عدد 33، 1977، ص 173.
[37] د. أحمد حسن الرشيدي، الوظيفة الافتائية لمحكمة العدل الدولية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993، ص 535.
[38] د. وحيد رأفت، القانون الدولي وحقوق الإنسان، المجلة المصرية للقانون، القاهرة، عدد 33، 1977، ص13.
[39] يشير البعض إلى أن، “السلطات والصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن الدولي بموجب الميثاق الحالي تجعله قادرا على التصرف كجهاز أو كسلطة بوليس دولي من الناحية الفعلية في حالة توافر شرط واحد هو حدوث توافق بين الدول الكبرى الأعضاء الدائمين فيه”، حسن نافعة، دور الأمم لمتحدة في تحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، ضمن، الأمم المتحدة، ضرورات الإصلاح بعد نصف قرن، وجهة نظر عربية (مؤلف جماعي) – مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت)-الطبعة الأولى، 1996 ص 108.
[40] أمام الاستياء والتحفظ اللذين أبدتهما بعض الدول وخصوصا النامية منها بعد قيام تحرك دولي بهذا الخصوص تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، صرح بطرس غالي، ” إننا في مواجهة وضعية جديدة غير منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.” وقد كانت مبررات المجلس في هذه الحالة هي غياب حكومة شرعية في الصومال التي انهارت فيها الدولة بسبب تفاقم الصراعات والنزاعات الداخلية الدامية.
[41] هذه هي المرة الأولى التي يقضي فيها المجلس باستعمال القوة من أجل إعادة نظام منتخب ديموقراطيا، وهي بدورها من المهمات الجديدة التي أصبح يباشرها المجلس بعد اعتباره للوضعية في هاييتي شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين.
[42] بناء على تقرير مقدم للمجلس من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 19 فبراير 1992.
[43] أصبحت معظم هذه الدول هي التي تطلب المساعدة الانتخابية من الأمم المتحدة، خصوصا بعد إقدام هذه الأخيرة على إنشاء شعبة المساعدة الانتخابية سنة 1992، فما بين يوليوز 1994 وغشت 1995 تلقت الأمم المتحدة 19 طلبا لتقديم هذه المساعدة الانتخابية عبر مبعوثيها للإشراف على سير هذه الانتخابات. أنظر، بطرس بطرس غالي – في مواجهة التحديات الجديدة – التقرير السنوي عن أعمال المنظمة 1995 – إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة – نيويورك 1995، ص، 353.
[44] التقرير الاستراتيجي العربي 2002-2003 مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة 2003, ص 57.
[45] جورج سعد، حين تغدو العدالة الدولية محرضا للفوضى، مجلة الوفاق العربي، السنة الثالثة، عدد 35 مايو 2002 ص 46.
[46] بغض النظر عن فشل أو نجاح هذه العملية ميدانيا, فإن الملاحظ هو اختلاط الدور الأممي بالأمريكي فيها من خلال هيمنة الثاني على الأول، بعدما تدخلت القوات الأمريكية في مسار الصراع السياسي وتجاوزت بذلك مهامها الإنسانية، أما في العراق فقد أدت “الممرات الإنسانية” التي تم خلقها “لصالح” أكراد العراق إلى استثنائهم من السيادة العراقية، لحمايتهم من النظام العراقي باسم الإنسانية, غير أن نفس الشعب الكردي في فصيلته التركية، يقتل رسميا داخل تلك المنطقة المحمية بالذات من طرف الغرب دون أن يرى تجار الإنسانية في ذلك مساسا بالإنسانية”. راجع، سعد الركراكي، حق التدخل تسييس للإنساني، ضمن الإنساني، القانون والممارسة، سلسلة الندوات والأيام الدراسية، العدد 21، جامعة القاضي عياض، منشورات كلية الحقوق، مراكش، الطبعة الأولى, 2003. ص 99.
[47] إدريس لكريني، التدخل العسكري في أفغانستان، بين الشرعية الدولية والتعسف الأمريكي، القدس العربي، لندن، عد 3931, بتاريخ 5 يناير 2002, ص 18.
[48] مع الوضع في الاعتبار، إن مبدأ عدم التدخل قد نص عليه عهد عصبة الأمم، وإن كانت لم تعمر طويلاً بسبب قيام الحرب العالمية الثانية.
[49] تدخلت الولايات المتحدة بقواتها العسكرية لمناصرة الشطر الجنوبي لفيتنام عام 1964، وظلت هذه القوات تحارب الشعب الفيتنامي حتى عام 1973 بعد إجبارها على الانسحاب، وقد كبدت هذه القوات الغازية آلاف من القتلى. (أنظر السفير/ أحمد طه محمد، العلاقات الأمريكية الجديدة مع فيتنام، السياسة الدولية، القاهرة، أكتوبر 1995، ص 196 ـ 198.
50][ د. على صادق أبو هيف، مرجع سابق، ص 189، ص 236.
وأنظر أيضاً، د. محمد طلعت الغنيمي، الأحكام العامة في قانون الأمم، مرجع سابق، ص 329، ص 343.
[51] قال “جوزيف ناي” معلقاً على تدخل الولايات المتحدة في فيتنام: “إنه لا يكفي حسن النوايا لتبرير التدخل. كما قالت الولايات المتحدة بشأن تدخلها في فيتنام عندما قالت بأنها تدخلت لإنقاذ فيتنام الجنوبية من الحكم الشمولي”، وتساءل قائلاً: “هل كان هناك بدائل للتدخل؟، وهل كان التدخل هو الحل الأخير؟، ألم يكن هناك مزيد من الجهود لحماية الأبرياء؟ وهل كان عقاب أمريكا لفيتنام يتناسب مع الحرية التي كانت تبتغيها أم كان مبالغاً فيه؟”، وأكد على أنه يجب الأخذ في الاعتبار قبل التدخل في أي صراع مسلح داخلي التأكيد على الاعتبارات الآتية: “التوقع ـ الوسائل ـ العواقب” (راجع: جوزيف س. ناي، الابن، مرجع سابق، ص 202 ـ 203).
[52] د. سمعان بطرس فرج الله، مرجع سابق، ص 72، ص 93.
[53] مسعد عبد الرحمن، تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، رسالة دكتوراه في القانون الدولي العام، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 2001، ص 119 ـ 120.
[54] د. وليد محمود عبد الناصر، أدوار جديدة للأمم المتحدة داخل بلدان العالم الثالث، السياسة الدولية، عدد 122، أكتوبر 1995، ص 99 ـ 108. وأنظر وأيضا: أحمد أبو الوفا، الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد، مجلة الساسة الدولية، عدد 122، أكتوبر 1995، ص 81.
[55] د. وليد محمود عبد الناصر، مرجع سابق’ ص 105.
[56] د. نجوى الفوال، الصومال ما بعد التدخل الدولي، مجلة السياسة الدولية، عدد 121، يوليو 1995، ص 143. وأنظر وأيضا: أحمد إبراهيم محمود، تجربة التدخل الدولي في الصومال ورواندا، الأمم المتحدة وحفظ السلام في أفريقيا، السياسة الدولية، عدد 122، أكتوبر 1995، ص 120 ـ 131.
[57] حيث أقام مجلس الأمن بقراره 974 مناطق آمنة في شمال العراق وجنوبه يحظر فيها الطيران العسكري أو المدني العراقي.
[58] د. حسن نافعه، الأمم المتحدة في نصف قرن، مرجع سابق، ص 381.
[59] د. وحيد عبد المجيد، أزمة الديمقراطية في أفريقيا، قضية التدخل، جريدة الأهرام، القاهرة، 7 يناير 1994.
[60] د. صلاح عبد البديع شلبي، التدخل الدولي ومأساة البوسنة والهرسك، كلية الحقوق جامعة القاهرة، ط1، 1996، ص 27 ـ 32.
[61] د. مصطفى سلامة حسين، تطور القانون الدولي، القاهرة، دار النهضة العربية, 1992، ص 293.
[62] استطاعت الأمم المتحدة تحريك آليات نظام الأمن الجماعي بشكل غير مسبوق في مواجهة العراق عقب احتلال الكويت، لكن احتلال الولايات المتحدة للعراق لم يقابل بنفس الحماس.
[63] د. عبد الله الأشعل، قواعد القانون الدولي، من حلم العالمية. إلى واقع العولمة، مجلة الوفاق العربي، ع 56 فبراير 2004 ص 38.
[64] بيير هاسنر، من الحرب والسلام إلى العنف والتدخل، ترجمة محمد سيف، مجلة الثقافة العالمية ع 98 يناير فبراير 2000، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، ص 23.
[65] التقرير الاستراتيجي العربي، مرجع سابق، ص 57.
[66] أضفى مجلس الأمن الدولي بعدا دوليا على هذه الحملة الأمريكية بعد إصداره لقراره 1373 بتاريخ 28 سبتمبر 2001 القاضي بضرورة مواجهة مخاطر الإرهاب الدولي بكل الوسائل السياسية والعقابية بما فيها تجميد أموال المشتبه في علاقتهم بالإرهاب، ودون التمييز بين هذا الأخير المحظور، وحق النضال والكفاح المشروعين ضد الاحتلال، (راجع، إدريس لكريني، مكافحة “الإرهاب الدولي” بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع المقاربات الانفرادية. مجلة المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ع 281، يونيو 2002).
[67] سامي جوان، العدالة الأمريكية. تصحيحا للتسمية؟ الوفاق العربي، السنة الخامسة ع 56 فبراير 2004 ص 37.
[68] مصطفى سلامة حسين، تطور القانون الدولي مرجع سابق، ص 312.
[69] إدريس لكريني، التدخل في الممارسات الدولية ـ بين الحظر القانوني والواقع الدولي المتغير، مداخلة ضمن فعاليات الندوة الدولية التي نظمها مركز الأبحاث حول التعاون الدولي في التنمية بكلية الحقوق بمراكش و”مؤسسة والتر شوكينغ الألمانية، مراكش، 11 ـ 13 مارس 2004، ونشرت ضمن كتاب، العولمة والنظام الدولي الجديد، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي، ديسمبر 2004.
[70] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

المصدر: https://eipss-eg.org/

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button