دراسات اقتصاديةدراسات سياسية

التراجع الامريكي من منظور العلماء الامريكيين

وليد عبد الحي

يدل ارشيف الوثائق في الكونجرس الامريكي ان الولايات المتحدة تدخلت عسكريا في اراضي الدول الاخرى 133 مرة خلال الفترة من 1890 الى 2001، ولو قسمنا هذه التدخلات الى فترتين الاولى قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها يتبين ان معدل التدخل في مرحلة ما قبل الحرب الثانية كانت 1.15 تدخلا سنويا مقابل 1.29 في فترة ما بعد الحرب الثانية، أي ان الاتجاه العام لها نحو مزيد من التدخل العسكري، وتتأكد هذه النتيجة بقياس جديد يشير الى انه منذ نهاية الحرب الباردة ارتفع معدل التدخل العسكري السنوي للولايات المتحدة الى 2 تدخل في السنة. فإذا اضفنا عمليات القصف الصاروخي او الجوي أو البحري دون تدخل بري يرتفع العدد ب 25 حالة، فإذا اضفنا لذلك التدخل الناعم وشبه الخشن ( مثل التدخل في الانتخابات لدول اخرى او العمل على عرقلة الانتخابات او ممارسة عمليات تعذيب خارج الولايات المتحدة او القيام باغتيالات …الخ) يزداد المجموع 161 حالة، وهو ما يطرح التساؤل التالي: هل الطاقة الامريكية قادرة على الاستمرار في هذا النهج ام هي على عتبة التراجع شأن ما جرى مع غيرها من الامبراطوريات؟
استنادا لأهم النظريات التي تناولت تراجع او انهيار القوى الكبرى نتوقف عند النظريات الامريكية ” المعاصرة ” التالية( ولن اتوقف عند نظريات الدورة كما عرضها ابن خلدون او توينبي او نظريات الانهيار عند شبنجلر او كوندراتيف …الخ) :
1- نظرية بول كينيدي: ( Paul Kennedy ) الذي نشر دراسته في عام 1987 ، وهي صعود وهبوط القوى العظمى والتي تقوم على فكرة ان الدولة العظمى( الامبراطوريات) تتوسع تدريجيا ، وكلما توسعت زادت نفقاتها العسكرية ثم تصل لنقطة يصبح عبء التوسع أكثر من مكاسبه (مرحلة التمدد الزائد- Overstretch) ، مما يدفعها للانحسار من ناحية ويفتح المجال للقوى الدولية الصاعدة لتأخذ مكانها وهكذا دواليك..وبناء عليه رأى كينيدي ان الولايات المتحدة ستبدأ بالانحسار مع بداية القرن الحالي نظرا لبلوغها مرحلة التمدد الزائد..
2- نظرية جوهان غالتنج(Johan Galtung) وهو احد ابرز اساتذة الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية،وهو الذي تنبأ عام 1980 بانهيار الاتحاد السوفييتي خلال عشر سنوات استنادا لمتابعة وتحليل خمسة متغيرات رئيسية. وهو يتنبأ في دراسته التي وضعها عام 2004 بتراجع الامبراطورية الامريكية استنادا ل 14 تناقضا في بنيتها، وقدر ان التراجع سيكون واضحا مع عام 2025( وعاد وعدل الموعد بعد ترامب الى عام 2020)، ويعتقد غالتنج ان بوش وترامب ساهما في تسريع مفعول هذه التناقضات، وعدد غالتنج هذه التناقضات على النحو التالي:
أ‌- التناقضات الاقتصادية( وقسمها الى ثلاثة : التناقض بين النمو والتوزيع-بين الانتاج السلعي والاقتصاد المالي- وبين الانتاج وتداعياته على الطبيعة( المناخ والتلوث ..الخ)
ب‌- التناقض العسكري: بين ارهاب الدولة الامريكي وارهاب الجماعات المسلحة – بين الولايات المتحدة وحلفاؤها- بين الهيمنة الامريكية في اوراسيا والمثلث الهندي الصيني الروسي- بين القيادة الامريكية للناتو وبين الجيش الاوروبي المقترح-
ت‌- التناقضات السياسية: بين الامم المتحدة والولايات المتحدة- بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي-
ث‌- التناقضات الثقافية: بين الثقافة المسيحية اليهودية والاسلام- بين الولايات المتحدة والحضارات القديمة( الكونفوشية والبوذية..الخ)- بين النخب الامريكية والنخب الاوروبية
ج‌- التناقضات الاجتماعية: بين العمال وأصحاب رؤوس المال- بين الاجيال الجديدة والقديمة- بين الحقيقة الاجتماعية والخيال.
ويقوم غالتنج بدراسة التأثير المتبادل (سلبا وايجابا) بين هذه المؤشرات ال14 عبر فترة زمنية هي 20 سنة،، ويصل الى نتيجة ان معالجة أي من التناقضات ال14 سيقود الى قدر من التراجع، كما أن تضافر هذه التناقضات سيقود الى تنامي التناقضات الرئيسية بفعل تنامي التناقضات الفرعية وهو ما يمهد للانهيار الامبراطوري الامريكي(وليس للدولة الامريكية).
3- نظرية ريتشارد لاكمان(Richard Lachmann) عام 2014، وتقوم فكرته على أن تراجع مكانة الدولار وتنامي الدور الصيني وتزايد الانفاق العسكري الامريكي، والتحولات غير المواتية في الصناعة الامريكية خلال الفترة من 1960 الى 2007 والناتج عن تنامي التوجه في الاقتصاد الامريكي نحو تفتيت المنشآت الصناعية الكبرى ..كلها مقدمات لتراجع أمريكي على المسرح الدولي.
4- نظرية جوليا شوبيرت(JULIA SCHUBERT) عام 2012، وهي القائمة على الاستدلال على فشل نظرية الهيمنة في النظام الدولي التي وضع اسسها كينديلبيرغر(Charles P. Kindleberger) ثم تولى لفيف من العلماء الامريكيين الترويج لها (Stephen Krasner, Robert Gilpin and Robert Keohane)، وتقوم نظرية الهيمنة على افتراض وجود ” ضابط او مهيمن ” في النظام الدولي لمنع الآخرين من الخروج على قواعد النظام، واعتبار الولايات المتحدة بأنها ذلك الضابط بحكم امكانياتها ومرونة ليبراليتها وقدراتها العسكرية ، وتدلل شوبيرت على ان ” الضابط او المهيمن” لتفاعلات النظام الدولي بدا يفقد قدراته في انجاز مهمته، وتعدد شوبيرت مؤشرات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل بينة النظام مما يدلل على الفقدان التدريجي للولايات المتحدة ” هيمنتها” المفترضة.
بالقطع هناك من برفض هذه النظريات مثل هنتينغتون الذي يرى ان الامر لا يعدو ” تكيفا أمريكيا ” مع التغيرات الجارية في النظام الدولي وليس تراجعا…لكن الاتجاه الأقوى في ادبيات العلاقات الدولية هو تأييد نظرية التراجع الامريكي وهو ما بدأ المفكرون الاسرائيليون يتعاملون معه بجدية أكبر ويبحثون سبل مواجهة ذلك ..وهو موضوع سنعود له لاحقا…

 

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى