التصدع الخليجي وتأثيره على الأزمات الاقليمية

بسم الله الرحمن الرحيم

التصدع الخليجي وتأثيره على الأزمات الاقليمية

الدكتور العربي بجيجة
باحث في العلوم السياسية
 

تقديم

إن الصراع السياسي والايديولوجي بين الدول المشكلة لمجلس التعاون الخليجي، ليس وليد اللحظة ولا هو مرد لأزمة سياسية أو إعلامية خلال نهاية شهر ماي الماضي، وإنما هو امتداد لتراكم سنوات من الصراع الخفي بين الملوك والأمراء الذين تعاقبوا على تدبير أنظمة الحكم في تلك المنطقة، وما أفرزه ذلك من اختلاف على مستوى التصورات والمقاربات السياسية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، في تعاطيها مع القضايا التي تدخل ضمن الاهتمام المشترك لأعضائه، وارتباط ذلك بمجمل الشؤون الاقليمية أو الجهوية أو الدولية، انعكس بشكل أو بآخر على مستوى المعتقد الديني الذي يدعمه كل قطب من أقطاب هذا التكتل الاقليمي (الإخوان المسلمين/ السلفيين…).

لقد أثار هذا التصدع ضمن المكونات الخليجية قبل أن تنحاز وتصطف دول عربية وإسلامية إلى التكتل السعودي الإمارتي البحريني المصري في مواجهة قطر، الكثير من الجدل في شأن الأسباب الدافعة إلى هذا المستوى من التصعيد غير المسبوق بين كيانات ارتبطت منذ نشأتها بروابط حسن الجوار، اتخذ في بدايته مواجهة إعلامية قبل أن يتطور إلى مواجهة سياسية واقتصادية مفتوحة، وإن تكشفت العديد من الأسباب التي عمقت الفجوة بين الأشقاء التي تجمعهم روابط اجتماعية وثقافية وعقائدية وسياسية أكثر من تلك التي تفرقهم، فإن العديد من العوامل لم يرفع عنها اللبس بعد.

لقد تأثر الاقتصاد القطري (انحدار قيم البورصة، تراجع قيمة العملة، قلة المواد الغذائية، توقف الصادرات والواردات من وإلى الدول المجاورة محل الأزمة… ) بفعل الإجراءات والتدابير المتخذة ضده من قبل التكتل المقابل له، الذي تأثر بالمقابل من التوجهات التي اتبعتها قطر لمواجهة الحصار الخانق برا وبحرا وجوا المفروض عليها جغرافيا وسياسيا، كما تأثرت المنطقة العربية والإسلامية من هذا التصدع المفاجئ لغير المتتبع لمختلف التطورات المفرزة لواقع ما بعد حراك الشعوب العربية سنة 2010، من خلال تأثيره البنيوي في بعض الأزمات الاقليمية كحالة اليمن وتأثيره العميق في كل من سوريا وليبيا.

 

أولا: التصدع الخليجي نتيجة حتمية لجولة ترامب الشرق أوسطية

إن الصراع بين الدول الخليجية الذي قادته كل من المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ضد دولة قطر، على خلفية تصريحات منسوبة لأميرها “تميم بن حمد”، نفتها بعد ذلك بيانات صادرة عن مؤسسات الإمارة القطرية،[1] عازية ذلك لاختراق طال وكالة أنبائها الرسمية، فتحت في حينه تحقيقا يشارك فيه خبراء من وكالة التحقيقات الفدرالية الأمريكية (F.B.I) إلى جانب خبراء من الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة البريطانية (N.C.I) وكذا مسؤولين وخبراء قطريين.[2] إنما يشكل ذلك نتيجة مباشرة لإفرازات الجولة الترامبية إلى منطقة الشرق الأوسط، وأحد الأهداف التي سطرها فريق العمل الجديد في البيت الأبيض، بعد أن عملوا على تجفيف منابع الأرصدة والحسابات البنكية السعودية، ورهنها لعقود من الزمن لصالح المصالح الأمريكية/الاسرائيلية في المنطقة، حيث أوقدت شرارة هذا الصراع بيومين فقط من مغادرة ترامب للمنطقة.

فبعد أن اتخذ هذا الصراع في بدايته طابع إعلامي، سرعان ما تحول إلى صراع سياسي مفتوح قد تطاله إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية تطورات وقف التعاون الاقتصادي وغلق الحدود البرية والجوية للحد من المبادلات التجارية، دون أن يفرض ذلك طرح خيار المواجهة العسكرية بين هذه الدول، وهو صراع عمودي/أفقي لا يخدم أعضاء التكتل الاقليمي لمجلس التعاون الخليجي استراتيجيا، كما لا يخدم حاضر الأمة العربية والإسلامية ولا مستقبلها.

لقد أظهرت القمة العربية الإسلامية الأمريكية بما لا يدع أي مجال للشك، من أن المستفيد الأول والأخير من مخرجاتها ومن الصفقات الاقتصادية والعسكرية المبرمة هي المملكة السعودية، بالإضافة إلى استفادتها من دور قيادة الحلف العربي الإسلامي المشكل في قمة الخمسين بالرياض، يؤسس وحدته وتكتله لمحاربة “الارهاب والتطرف” وفق المفهوم الأمريكي/ الصهيوني، يوازي بذلك تدخلاته وتحركاته في اليمن السعيد. وهو ما يشكل تحدي كبير على قدرات هذه الدول السياسية والعسكرية والاقتصادية، تغيب معها نتائج ملموسة لعمل التحالف العسكري في اليمن بعد سنتين من تشكيله وبدء عملياته العسكرية، ارتكب فيها هذا الأخير جرائم ضد المدنيين كما أكدت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة خلال السنة الماضية، نتيجة القصف والغارات الجوية الموجهة من قبل مقاتلات التحالف.

وبعد أن أظهرت فشلها في كسب ود الادارة الأمريكية الحالية، بما كان يعتقد صناع القرار في المملكة السعودية، يخوضون اليوم هذا الصراع لتغطية فشلهم السياسي ضد إدارة الرئيس الامريكي “دولاند ترامب”، وذلك لتحويل الاهتمام عن موضوع صفقة كلفت المملكة السعودية 500 مليار دولار لكسب رهان سياسي انتظرت التعبير عنه في كلمة ترامب أمام قادة الخمسين دولة، ولكنه عبر عن نقيض ذلك حينما قال كلمته الشهير “يا دول الشرق الأوسط لا تنتظروا من الولايات المتحدة الأمريكية محاربة الإرهاب نيابة عنكم”، والمقصود بهذا التعبير بالدرجة الأولى المملكة السعودية، التي عمل مسؤوليها ودبلوماسييها ورجال أعمالها دورا كبيرا بمجرد نجاح” دولاند ترامب” في الانتخابات الرئاسية الامريكية، للتكفير عن سوء تقديرهم السياسي من الاصطفاف لجانب المرشحة عن الحزب الديمقراطي “هيلاري كلنتون”، كان من نتيجته الجولات المكوكية لواشنطن منذ شهر دجنبر من السنة الماضية، توجت بإبرام صفقة التاريخ الموقعة في الرياض شهد عليها 55 من القادة العرب والمسلمين.

إن الاختلاف السياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين/ قطر) في تعاطيها مع القضايا الإقليمية وفي مقدمتها مستوى تعاونها الاقتصادي والسياسي مع إيران، وكذا مواقفها من حزب الله وحركة حماس وانعكاس ذلك على ميزان القوة في المنطقة، بعد دخول اللاعب الروسي وتقهقر الدور التركي في حضوره العسكري والسياسي في الصراع السوري، يشكل بمستوى أو بآخر أحد المحددات التي سرعت من الهجوم على قطر قصد الضغط عليها لطرد قادة حماس المقيمين فيها، بعد أن ضمنت لهم الاستقرار السياسي والأمني على ترابها بما يخدم مصالح وأهداف الإمارة القطرية، وهو ما يشكل خنقا لدى بعض مسؤولي دول داخل مجلس التعاون الخليجية، جعلوا من تصنيف ونعت “دولاند ترامب” لحركة حماس وحزب الله بالجماعات الارهابية إشارة للهجوم على إمارة شكلت إلى الأمس عمقا لهذا التكتل الاقليمي، كما ستشكل في الغد أحد المحددات المستقبلية لهذا التكتل وللأنظمة السياسية التي تحكمه.

لقد اتسعت هوة الصراع في مواجهة إمارة قطر من قبل حلف دولي أصبح قيد التشكل، يشمل إلى جانب المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر، كل من اليمن وحكومة شرق ليبيا والمالديف وموريتانيا والأردن وجيبوتي، وهو ما يفتح المجال أمام تطورات غير مسبوقة في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية بصفة عامة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة، على اعتبار أن الأزمة القطرية السعودية الاماراتية لسنة 2014 لم تدم سوى أشهر قليلة اقتصرت حينها على الجانب الدبلوماسي (سحب السفراء) دون أن تطال المستويات الاقتصادية والتجارية أو أن تنفتح الأزمة إلى الأبعاد الخارجة عن المحيط الاقليمي المشمول بمجلس التعاون الخليجي (السعودية والامارات وقطر)، ينذر ببداية تفكك وانهيار هذا التكتل الاقليمي بعد تصدع مكوناته واختلاف مصالحها السياسية والأمنية والعقائدية.

إن من شأن المساعي الكويتية أن تسهم في تذويب الخلافات وحلحلتها ولو مرحليا، باقتصارها على جوانب الالتقاء بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي وأهدافه المشتركة، دون أن تطال جوهر المشكل الذي لم يرفع عنه اللبس بعد بشكل كامل، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقود هي الأخرى مبادرة تساير هذا الجانب من خلال دعوتها لعقد قمة في واشنطن، غير أن قطر رفضت الدعوة الأمريكية بالنظر للدور السلبي الذي لعبته اتجاه هاته الأخيرة بانحيازها إلى جانب الحلف الأخر بشكل مباشر. وإن كان الدور الأمريكي لحل التصدع الخليجي/الخليجي لا يخدم بأي شكل من الأشكال أعضاء هذا التكتل الإقليمي حاضرا ولا مستقبلا، لأن مجلس التعاون الخليجي يبقى هو الوعاء التجميعي للخلافات كما هو أيضا وعاء للتوافق والانسجام في التغلب عليها، لكونها (الولايات المتحدة الأمريكية) لا تتقاطع مع مصلحة الأمة العربية والاسلامية، ولا مع أهداف الشعوب الخليجية في هذه المرحلة العصيبة من التاريخ العربي والإسلامي، الذي أصبح يكتب بالحروب والدماء بدل أن يصان بالسلم والأمان.

ثانيا: انعكاس التصدع الخليجي على القضايا الاقليمية

يمكن الوقوف على التأثيرات البنيوية للتصدع الخليجي، التي طالت القضايا الاقليمية من خلال ثلاثة مؤشرات نراها كافية لملامسة هذا التأثير:

أ: على المستوى الميداني

إذا كانت الموجهات العسكرية في اليمن تعرف حالة مد وجزر، بالموازاة مع تعطل العملية السياسية منذ انتهاء مفاوضات الكويت السنة الماضية، فقد خفت حدتها منذ نشوب أزمة الدول الخليجية لما كانت تلعبه هذه الأخيرة من أدوار طلائعية في دعم “عبد ربه منصور هادي” بكونه يعتبر رئيسا دستوريا لليمن حسب الاعتقاد السائد لدى حلف دعم الشرعية التي ترعاه دول الخليج العربي. حيث شكل دعم التحالف المشكل من دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية واسلامية وأخرى غربية، أحد المحددات التي ساهمت بشكل أو بآخر في المحافظة على توازن ميزان القوة العسكرية والسياسية، بعد أن مال لصالح الحوثيين والرئيس الأسبق لليمن علي عبد الله صالح خلال السنوات الأخيرة.

لقد شكلت اليمن كحالة معزولة عن القضايا الاقليمية الأخرى، أحد القضايا التي حظيت بإجماع تكتل مجلس التعاون الخليجي وتقاطعت فيها حسابات مكوناته، فوحدت الجهود ووفرت الدعم المادي والعسكري والمساندة السياسية والمواكبة الإعلامية، لأجل دعم حلف عبد ربه منصور هادي مقابل تكتل علي عبد الله صالح والحوثيين، وهو ما لا نجده في بقية القضايا الأخرى محل صراع كسوريا وليبيا…، إذ تتباين الحسابات والمقاربات في دعم بعض أطياف المعارضة المختلفة إيديولوجيا وسياسيا، في مواجهة النظام خلال مرحلة معينة قبل أن تتصارع فيما بينها في مرحلة لاحقة بعد ذلك.

أما في سوريا فقد سيطر الجيش العربي السوري على معظم المراكز التي كانت موطن للمعارضة المسلحة، ويتجه حاليا للتحكم في الحدود وإدارتها، خاصة منها الحدود الجنوبية مع الأردن والحدود الشرقية مع العراق، باعتبار أن الصراع الحالي هو صراع تحكم وسيطرة على الحدود الجغرافية والسياسية للدول وليس صراع تغيير أنظمة سياسية، وإن كان المس بالحدود يشكل عامل تغيير بنيوي قد يمس من النظام السياسي القائم أو قد يقويه إن هو أحكم سيطرته عليها.

وإن كانت العملية العسكرية محتدمة على مستوى الحدود الجنوبية والشرقية لسوريا، فإنها شبه مستقرة في الدخل السوري كما يؤكد ذلك البيان الصادر يوم الجمعة الماضية عن وزارة الدفاع الروسية مفاده “من أن الحرب في سوريا قد انتهت”، ومرد هذا البيان إلى أن الأطراف الداعمة للمعارضة المسلحة ماديا وعسكريا وسياسيا أصبحت تعرف حالة صراع داخلي، كما يجد أساسه في اختلاف الحسابات والتوجهات الخاصة بكل طرف، وكأن موازين القوى خارج الحدود أصبحت معيار لقياس حجمها وقوتها في موازين صناعة القرار الدولي، غير ان أول اختبار لهذا المعتقد أثبت أن الخاسر الأول هم الشعوب العربية قبل أنظمتها.

في نفس المنوال تزداد المواجهات العسكرية حدة في ليبيا بين الفصائل العسكرية بالموازاة مع التصدع الخليجي، لاعتبار أساسي أن أطراف الصراع في ليبيا تستمد دعمها العسكري والمادي وغطائها السياسي من أطراف مختلفة من داخل مجلس التعاون الخليجي. فبعد أن دخلت هاته الأخيرة في دوامة من الخلافات أثرت بشكل مباشر على اتباعها في ليبيا، انتقلت ساحة الصراع إلى هاته الرقعة الجغرافية لتصريف ما يكمن تصريفه من حسابات، لن تأثر في لملمة الجهود السلمية لحلحة الأزمة الخليجية، بقدر ما هي تعمل على تعميقها وتصفية حساباتها خارج القطر الخليجي.

ومن شأن عملية إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، التي تمت يوم السبت 10 يونيو 2017 بفعل عفو عام وشامل عن مختلف المعتقلين السياسيين، صادر عن مجلس النواب الليبي من جراء الأحداث التي طالت البلاد بعد إسقاط نظام معمر القذافي (رحمه الله)، أشرف على إطلاق سراحه كتيبة أبو بكر الصديق التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي في غرب ليبيا، أن يساهم في إحداث رجة في المشهد السياسي بما كان يمتاز به من قبول لدى مختلف فئات الشعب الليبي قبل إسقاط نظام والده، أما خلال الوضع الراهن وما تعرفه ليبيا من صراع محتدم، يستمد مصادر قوته من خارج الحدود خصوصا داخل مجلس التعاون الخليجي ومصر، فإن الوضع قد يكون مختلف خصوصا في البحث حاليا عن قبول لأحد الشخصيات الوطنية الليبية لقيادة المرحلة الانتقالية، بالرغم من كل المبادرات التي تقوم لها الدول المشتركة الحدود مع ليبيا منذ أشهر، والتي تؤسس لمرحلة انتقالية تختلف فيها التقييمات السياسية والأمنية لحساب ما يخدم كل طرف من داخل وخارج المنطقة، قد يؤجل النظر فيها مرحليا حتى تتضح مآلات الأزمة الخليجية ومخرجاتها، لكونها انزلت ثقل صراعها في الساحة الميدانية الليبية نظرا لهشاشته أمنيا وسياسيا مقارنة بالوضع في كل من اليمن وسوريا.

ب: على المستوى الاعلامي

شكلت وسائل الإعلام أحد الدعامات الأساسية في توجيه الرأي العام، لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي تشغل العالم خلال العصر الحديث، غير أنها افتقدت للعديد من المبادئ المؤطرة لها كميثاق أخلاق مهنية ينظم هذا المجال، من قبيل الاستقلالية والمهنية والموضوعية والحياد في تغطية الأحداث أو خلال عملية نقلها والتعليق عليها وتحليلها، ومرد ذلك بالأساس إلى جعل وسائل الإعلام أداة في خدمة السياسة، ما جعل العديد من الدول والمؤسسات والأشخاص يستثمرون في وسائل الإعلام لخدمة الأجندات الخاصة أو خدمة مشروع الدولة العقائدي أو السياسي، عبر الترويج له ودعمه إعلاميا وسياسيا.

لقد تابع الإعلام العربي كما الغربي المراحل الأولى للحراك الشعبي العربي لما بعد سنة 2010، وما تلاه من إرهاصات وتعثرات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، تضررت منها إلى جانب الشعوب العربية دولها وأمنها الإقليمي، كما تأثر بها الاقتصاد الدولي المترابط بنيويا. لعبت خلاله وسائل الإعلام دورا كبيرا في توجه الرأي العام العربي كما الدولي في ما يخدم أهدافها، مستغلة في ذلك وسائل الإعلام التقليدية والحديثة بالإضافة إلى وسائل الإعلام البديلة والموازية.

نتيجة لذلك شكلت الأزمات التي تعرفها المنطقة العربية (ليبيا، سوريا، اليمن) أحد أوجه هذه السياسات، كان من نتائج فضحها المواجهات الإعلامية بين القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية ومراكز الدراسات التي استخدمت بشكل غير مهني في خدمة أجندة هذا الصراع الخليجي/الخليجي، تبادلت فيما بينها تهم دعم “الارهاب” إلى درجة أصبحوا جميعا خلال الأسابيع الماضية داعمين وموجهين له إعلاميا وماديا وسياسيا، وهو ما يدخلهم في خانة التصادم والاختلاف في دعم الحركات المتطرفة بمرجعياتها المختلفة في العديد من المناطق الساخنة عبر العالم، لا تخرجهم من بأي حال من هاته الخانة.

لم تعد القضايا الإقليمية مستحضرة كسابق عهدها ضمن نشرات وبرامج هذه القنوات، ولا هي أصبحت تحظى بالتغطية المباشرة والدائمة لمختلف تجلياتها الميدانية والسياسية كعادتها، نتيجة توجيهها نحو الأزمة الداخلية للأنظمة السياسية والإعلامية الخليجية فيما بينها، وإن كانت العديد من وسائل الإعلام المستقلة حافظت على مهنيتها بعيدا من التجاذبات السياسية أو العقائدية التي سيطرت على معظمها خلال العقود الأخيرة.

ج: على المستوى السياسي

تتقدم القضية السورية نحو الحل السياسي بعد تلاشي مظاهر الموجهات العسكرية منذ الجولة الأولى من محادثات أستانة، كرستها مخرجات الجولة السادسة من مفاوضات جنيف بين وفد النظام ومعارضيه، مقابل تعطلها بين أطراف الأزمة اليمنية منذ محادثات الكويت السنة الماضية، بينما تعرف الحالة الليبية نقيض ذلك موجة من التذبذب بين أطراف الصراع العسكري والسياسي، التي تعمل على رفع سقف الموجهات الميدانية لأجل استغلالها في أي مفاوضات سياسية مقبلة، قد تشهدها الأشهر القادمة بين الأطياف السياسية/ العسكرية للتأسيس لمرحلة انتقالية تشكل إجماع لمختلف القوى المتصارعة بأجندات وطنية داخلية وإقليمية خارجية.

يؤثر الوضع الداخلي للبلدان العربية المتأزمة أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ويتأثر بمواقف القوى الدولية الكبرى، التي وجهت حاليا بوصلتها السياسية والدبلوماسية في اتجاه الأزمة الخليجية، التي عصفت بالتكتل الخليجي وبين أبرز أقطابه الاقتصادية والسياسية، وذلك بغية تهدأت الأوضاع وفتح المجال للحوار قصد استيعاب ما يمكن استيعابه من حد للتأثيرات السلبية المتمخضة عن هذا التصدع الحاصل، فيما بقيت الساحة السياسية فارغة إلى حد ما أمام الأطراف في ليبيا وسورية واليمن والمبعوثين الأمميين، للبحث عن صيغ وسبل لإخراج الأزمة من عنق الزجاجة التي وجدت فيها نفسها في خضم هذا التصدع، بعدما خلفته سبعة سنوات من المواجهات العسكرية الدامية من قتل لمئات الالاف من الأبرياء وتهجير وتشريد لملايين المواطنين خارج بلدانهم الأصلية.

خاتمة

إن الصراع الحالي بين الدول الخليجية له من الانعكاسات الأمنية والسياسية ما يفوق كل التقدير، ويتجاوز كل الحسابات والتصورات المطروحة بين يدي صناع الأزمة الخليجية، لما لكل طرف من ارتباطات على مستوى الداخل والخارج، من شأن توظيف أوراقها أن ينتج لنا وضعا يؤزم المنطقة أكثر من أي ووقت مضى وفق معادلة خاسر/خاسر، خصوصا أن إدارة الصراع بين مكونات مجلس التعاون الخليجي قد خرجت من تحت أيدهم، واتخذت طابعا دوليا يوم أخرج الصراع إلى العلن بين هذه التكتلات.

إن أي قراءة موضوعية للواقع العربي لمرحلة ما قبل وما بعد حراك الشعوب العربية، يثبت معه الوضع القائم بأن معظم الدول الخليجية متورطة بكيفية أو بأخري في دعم العديد من الفصائل العقائدية ماديا وعسكريا وسياسيا، وتسخيرها لقيادة حروب داخل أقطار عربية ترتبط معها في نفس العقيدة ونفس القيم الدينية والمثل الاجتماعية والهوياتية، وكل ذلك لم يكن ليتم دون توفير الغطاء السياسي الغربي لكونه هو المستفيد الأول من هذا الواقع، بينما المتضرر منه ليس هو من يقود الصراع ميدانيا داخل هذه الدولة أو تلك وإنما من وجه إليه الصراع (الشعوب).

[1] – قطر تنفي تصريحات “مفبركة” للأمير تميم نشرت عقب اختراق وكالة أنبائها (قنا)، أطلع عليه بتاريخ 15 يونيو 2017

https://www.dailysabah.com/arabic/arab-world/2017/05/24/qatar-denies-fabricated-remarks-to-prince-tamim

[2] – الداخلية القطرية: حددنا مصادر جريمة قرصنة “قنا”، موقع الجزيرة نت، أطلع عليه بتاريخ 15 يونيو 2017:

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2017/6/7/

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button