التطرف العنيف: مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد

 

محمد السباعي، التطرف العنيف: مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد، ط 1 (فاس، المغرب: مقاربات للنشر، 2018)

صدر في عدد مجلة قضايا التطرف والجماعات المسلحة : العدد الأول أيار – مايو 2019

صدر مؤخرا عن منشورات مقاربات للدراسات النقدية٬ كتاب “التطرف العنيف: مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد” للدكتور محمد السباعي.

هذا الكتاب سيمكن بما يقدمه من معلومات بحثية من وضع استراتيجيات مضادة لمكافحة ظاهرة الاستقطاب والتجنيد، كما أنه يحتمل أن يفتح جسر التواصل بين كل المهتمين بالظاهرة الجهادية، مادامت المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، لأن الأمر يتعلق بمنظومة ثقافية جد معقدة ومتغلغلة في التراث والثقافة الإسلاميتين، ولا أدل على ذلك شهادات المتخصصين في مكافحة ظاهرة الإرهاب مند أحداث 11 شتنبر 2001، منها شهادة الجنرال ديفد بيترايوس المدير السابق لمنظمة الاستخبارات الأمريكية، وكذلك شهادة الليونتان جنيرال مايكل فلينت المسؤول السابق في الأمن القومي بإدارة دونالد ترامب في كتابه المعنون: كيف ننتصر في الحرب الشمولية على الإسلام الراديكالي وحلفائه، ساحة الحرب، هذه الشهادات وغيرها خلصت إلى أن المقاربة الأمنية تؤدي إلى تقوية ظاهرة التطرف العنيف وانتشارها.

بقلم د. محمد السباعي (المغرب)

أعذ توظيف اللص الديني لغاية استقطاب عناصر جديدة إلى خلية، أو تنظيم متطرف عنيف عملية أساسية في نشر أفكاره وثقافته. وهي تقوم في صلبها على ترسيخ مغالطة مفادها أن لا اجتهاد فيما ورد فيه نص”؛ أي أن حياة المسلم في مجملها معطاة سلفا وما عليه سوى إدراك وفهم ذلك فهما صحيحا بحسب ثقافة التطرف العنيف.

يمارس المتطرفون العنيفون عمليات الاستقطاب، فهم لا يكتفون بتثبيت اللص (القرآن والسنة) ولا نص اللص (تاویلات وتفسيرات بعض الفقه)، وسلبهما سياقات ورودهما التاريخية الصحيحة، بل يقومون بالخلط بينهما ليكزسوا المفهوم الحديث والمعنى القديم لكلمة الص”، ساعين من وراء ذلك إلى الحفاظ على استمرارية التقليد، ونفي الاجتهاد وتعليقه لنفي الحق في الاختلاف، وتجاوز الواقع لصالح منظومنهم (ثقافة التطرف العنيف). ولذلك فانهم في إطار مغالطات خطيرة، يمزرونها للمستهدفين بالاستقطاب، قد رصد مؤلف كتاب “التطرف العنيف مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد” سعيهم إلى ترسيخ الفهم بما يلي:

1، محاولتهم إفهام المستهدفين بالاستقطاب أن السياسة ونظام الحكم وردا بنص (قرآن او سنة) بمعنیأنهما من أصول الدين؛ أي أنهما دين حتم ووحي لا دخل لإرادة الإنسان فيه. أو بمعنى آخر أن صناعة القرار السياسي ليست من اختصاص البشر وإنما ذلك يدخل في باب تطبيق شرع الله في الأرض.

2. حثهم على التمسك – بشكل دوغماطيقي- بقائمة من الآراء المكرسة لثقافة التطرف العنيف مع تسفيه المعارضين، وعدهم من أهل العروق والبدع، ولما لا استحلالهم بعد إصدار حكم تكفيرهم.

  1. إفهامهم أن الجهاد فرض عين، وإسقاطه يحتمل شرطين لا ثالث لهما: حكم بما أنزل الله وإقامة الشرعه في الأرض، وما دونهما شهادة تنال بالجهاد في سبيل الله وباي كيفية. |

ولأجل كل ذلك يغيرون من تكتيكاتهم الميدانية لغاية التوسع والانتشار باسم اجهاد الدعوة” فيما يتعلق بطرق وأماكن ممارسة الاستقطاب والتجنيد، لتجاوز رصد ومراقبة تحركاتهم.

ومن خلال أسئلة محورية ملت مضمون إشكاليته، حاول المؤلف الإجابة عنها من عدة زوايا استفهامية: ما المقصود بالاستقطاب والتجنيد المغلف بدعوى تصحيح العقيدة؟ وما هي الخطط المعتمدة في ذلك؟ كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟ وما هي سمات وعلامات ممارسة الاستقطاب؟ وكيف نعرف أن شخصا ما قد تعرض للاستقطاب؟ كيف يتم استغلال مختلف العوامل الموظفة لما يسمى في عرفهم بجهاد الدعوة”؟ ما هي فصول التجنيد بعد الاستقطاب؟ وكيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟

إذن، فقد تولد من المجال الثابت النظري إلى التحليل الإجرائي مؤلف التطرف العنيف مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد”، حيث عمل على رصد السلوك والبات الإقناع والأشكال الخطابية المتنوعة والمتعددة التي يعتمدها خطاب التطرف العنيف في تصريف ثقافته التي تلبس الذين من أجل السيطرة على العقول وغسل الأدمغة، وكيف تتحول هذه العقول في فترة زمنية قصيرة إلى عقول متطرفة ومتشددة، ويشرع للعديد من الأفعال العنيفة خذ الإرهاب داخل الأحياء، وفي البيوت وأمام شاشات حواسيبها دون عناء؟

وعليه، فقد لجا المتطرفون العنيفون إلى خلق قواعد خطابية وخطط لاستقطاب وتجنيد نسبة كبيرة من الشباب، مستعينين بتوظيف خطاب ديني في صيغته البسيطة والمسؤغة والمبنية على توظيف ثقافة المظلومية، وفكر المؤامرة، وعلى فتاوى مهمتها التشريع للعنف والقتل، واستعمال كل أنواع الانتقام الأش كراهية.

فمن خلال هذا الوضع، ولتنوير المجتمع الإنساني جاء كتاب التطرف العنيف مراحل غسل الأدمغة من الاستقطاب إلى التجنيد” كمساهمة متواضعة في شرح وتحليل ظاهرة الاستقطاب التي أعذها مؤلفه من أخطر الظواهر الممكن ضبطها، أو محاصرتها، أو التعامل معها من جهة. أما من جهة ثانية، فقد حاول تقديم تفسير مبسط لها، افترض فيه عرض بعض السيناريوهات تقريبا، لقهم تكتيكات الاستقطاب المباشرة وغير المباشرة (عن بعد)، والتي تختلف من القرد (الذئب المنفرد) إلى الجماعة أو التنظيم أو الخلية التي غالبا ما تنتهي بتجنيد العناصر المناسبة لخدمة ثقافة التطرف العنيف، ولغاية القيام بعمليات إرهابية قتالية أو انتحارية محليا أو عابرة للحدود.

إن معالجة معطى ظاهرة الاستقطاب يتوظيف آليات البحث العلمي كالملاحظة والرصد والتتبع والوصف والتحليل مثلا، لم يكن بالمهمة السهلة في حضرة الثقافة اللاهوناسونية التي تحيط نفسها بغابة من المحاذير والموائع والطابوهات المتراكمة عبر توالي الحقب، واكتست تجربة في ممارسة سلوك التقنية. وقد اعترى تأليف الكتاب عوائق عنها:

– رصد سلوك الاستقطاب يعني ضبط (الخطط والإستراتيجيات)، أي من، متى، وكيف؟ – رصد النصوص الدينية الموظفة لغاية الاستقطاب، وأخرى من أجل التجنيد. فحال الباحث كمن يقفز من السباحة في الواد إلى السباحة في المحيط : وأما العائق الثالث فقد تجد في رصد علاقة فكر المستقطب المتحصن وراء المصنفات الفقهية ونصوص الوحي على مذهب أهل السنة والجماعة بحسب اعتقاده، والمستقطب المحاكي التابع والمسلم الثقافة التطرف العنيف بكونها تمثل الفهم الصحيح للدين؟

وكمحاولة منه لتجاوز هذه العوائق مجتمعة، تم وضع هذا العمل أمام مستويين:

– المستوى الأول : يتناول بالتعريف معنى الاستقطاب والتجنيد وبيان مختلف الأنساق والأشكال التنظيمية المجتمعات التطرف العنيف من مبدأ الفرقة الناجية إلى الولاء والبراء والانتقاء والتكفير والهجرة والجهاد… إلى تحديد من هم المهاجرون والأنصار والمتعاطفون من عناصر التطرف العنيف، وما المقصود بالقرامطة (الذئاب المنفردة وكيف يمكن توصيفهم وتصنيفهم).

 المستوى الثاني: يرصد بعض المعطيات النفسية والسلوكية لعناصر التطرف العنيف ويفصل في تكتيكات وخطط ومحفزات الاستقطاب، وأماكن ممارسته وفي معنى شبكة إرهابية).

وفرضا القول أن هذا العمل قد لامس أو قارب الكشف عن إستراتيجية الاستقطاب والتجنيد التي يمارسها المتطرفون العنيفون لتوسيع قواعدهم، فهل هذا وحده يكفي لتجفيف منابع ثقافة التطرف العنيف ومحاربة انتشار أيديولوجيته؟ ولو تم فرض فتاء الأشكال التنظيمية (جماعة، تنظيم، خلية …) فهل يصح الحديث عن نهاية إيديولوجية التطرف العنيف على نمط نهاية التاريخ لفوكوياما؟

لا تعتقد ذلك، مادامت هناك خطابات متعددة تناهض فكر التطرف العنيف وتقف على أرضه، خطابات – ربما- كل ما تحمله لغوا وهدرا وتحصيل حاصل، متوهمة عقلانية ابن رشد ونقدانية كانط وفي أضعف الأحوال تعتقد هذه الخطابات أنها تؤسس لثقافة الاعتدال بعقلية الماضي العالم والفقيه المجتهد المقدس في الحاضر، والمفكر، والعالم المقليد الذي مازال يتعامل مع النص الذيني وفق مقولة سلفه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الستيب”.

 

 

SAKHRI Mohamed

I hold a bachelor's degree in political science and international relations as well as a Master's degree in international security studies, alongside a passion for web development. During my studies, I gained a strong understanding of key political concepts, theories in international relations, security and strategic studies, as well as the tools and research methods used in these fields.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button