دراسات شرق أوسطية

التغيرات الإقليمية واثرها على القضية الفلسطينية


مقدمة:

تمر القضية الفلسطينية بكل تشعباتها وتعقيداتها بظروف قهرية أفقدها حضورها اقليمياً ودولياَ فرضتها محددات داخليه وخارجيه- كالانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس والصراع على الشرعيات الرئاسية والتشريعية والحكومة والمنظمة- بالإضافة للدور الإسرائيلي في صناعة تلك الاحداث وتأجيجها، وهناك عوامل خارجيه اقليميه تمثلت في ارتدادات “الثورات العربية” الداخلية واثر التدخلات الإقليمية والدولية في تلك الاحداث…فكان التركيز الإقليمي الدولي على الموضوع السوري وكأنه القضية المركزية في الشرق الاوسط بدلا من القضية الفلسطينية. مما وضع المشروع الوطني الفلسطيني في مأزق.

سنركز في هذه الدراسة على المحددات الداخلية والخارجية المؤثرة في القضية الفلسطينية :

اولا: المحددات الداخلية:

1- احداث حزيران 2007م( الانقسام الفلسطيني)

2- تعثر المصالحة الفلسطينية.

3- معضلة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية

ثانيا: المحددات الخارجية: التحولات الجذرية في الاقليم

1- التغيير السياسي في الاقليم .

2- تعاظم دور السعودية وحلفائها

3- غياب دور جامعة الدول العربية

4- تصاعد القتال والعنف المذهبي .

5- الدور الإقليمي الإيراني.

اولا: المحددات الداخلية

أ‌. احداث حزيران 2007م( الانقسام الفلسطيني)

لا شك ان احداث حزيران 2007 والتي تمثلت بسيطرة حركة حماس على السلطة في قطاع غزة بقوة السلاح قد أوجد المشهد السياسي الفلسطيني بـ سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين، احدهما في الضفة الغربية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، والاخر في قطاع غزة بقيادة حركة حماس وبعض الفصائل المنضوية تحت رايتها، كلاهما يمتلكان القوة الأمنية والعسكرية للسيطرة على المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي للحفاظ على سلطتهما، وكانت نتائج ذلك انتهاك حريات التعبير عن الرأي وتسارع وتيرة الاعتقال السياسي وذلك وفق مراكز حقوق الانسان.

ب‌. تعثر المصالحة الفلسطينية

اثر الانقسام الفلسطيني على مناحي حياة المواطن الفلسطيني في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مما أوجد شرخا اجتماعيا وتفاقما للبطالة وركود للحالة الاقتصادية نتيجة التحكم الإسرائيلي في المعابر واغلاق معبر رفح. بالإضافة الى الحروب الإسرائيلية الثلاثة على قطاع غزة في سنوات 2008-2012-2014م ، ونتيجة انقسام المشهد الفلسطيني- الفلسطيني كانت هناك دعوات اقليميه ودوليه الى ضرورة توحيد الخطاب السياسي الفلسطيني ليظهر امام العالم موحداً، الا ان تلك الجهود قد فشلت الى الان كما في السابق(اتفاق مكة في 2007م ، اتفاق القاهرة 2011، اتفاق الدوحة 2014م… اتفاق الشاطئ..، لقاءات الدوحة 2016م..) ، تلك الاتفاقات ارتكزت على وثيقة الوفاق الوطني والورقة المصرية)، حيث مازالت تتمحور ابرز الخلافات بين الطرفين على :

1- موضوع تثبيت الموظفين في قطاع غزة الذين عينوا من قبل حماس بعد عام 2007م وعددهم يقارب من 30000 موظف مدنى و20000 موظف شرطي وعسكري.

2- الخلاف على برنامج الحكومة السياسي.

3- الدعوة الى انعقاد الاطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية بالإضافة الى الامناء العامون للفصائل بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

4- سيطرة حكومة التوافق الوطني على المعابر الحدودية خاصة معبر رفح ونشر الحرس الرئاسي بناء على رغبة مصر من اجل فتح معبر رفح البرى باستمرار.

5- تحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية و المجلس الوطني الفلسطيني.

ت‌. معضلة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية

مازالت اسرائيل تتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية ويصر رئيس وزرائها على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة كشرط لمواصلة المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية في عام 2013م، مما حدا بالسلطة الوطنية ومنظمة التحرير الى رفض ذلك قطعيا لأنه سيؤسس لمنع حق العودة للاجئين وسابقه خطيرة في العلاقات الدولية بالاعتراف بدول على أساس ديني. وكان هناك قضايا محل رفض للمفاوضات حولها من قبل اسرائيل، بالمقابل كان هناك شروط فلسطينية للبدء بالمفاوضات أبرزها اطلاق سراح 1200 اسير وانسحاب إسرائيلي لمواقع عام 2000م من أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية.

1- القدس واللاجئين: ترفض إسرائيل الانسحاب من القدس الشرقية ولكنها تطرح بعض الأحياء السكنية ومحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الاقصى، كما ترفض عودة أي فلسطيني إلى أراضي 1948م ، وتوافق على عودة عدد محدود لأراضي السلطة يتفق عليه من خلال المفاوضات.

2- الاغوار والمعابر : تتمسك إسرائيل بوجودها على المعابر والحدود مع الأردن والدولة الفلسطينية، وتصر على الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في منطقة الأغوار, كما تصر على إقامة محطات إنذار مبكر على قمم الجبال في الضفة الغربية،. كما ترفض إسرائيل سيطرة الدولة الفلسطينية على أجوائها بما في ذلك حركة الطيران.

3- الكتل الاستيطانية: ترفض إسرائيل الاعتراف بحدود الرابع من حزيران لعام1967م، وتطالب بمبادلة ما نسبته 9.6% من أراضي الضفة الغربية ، وإبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت سيطرتها. بالإضافة الى القضايا الخلافية في موضوع المياه .

ثانيا: المحددات الخارجية ( التغيرات في الاقليم)

أ‌. التغير السياسي والعسكري في الاقليم:

مازالت سمة اللااستقرار حال بعض الدول العربية نتيجة لما اصطلح على تسميته (الربيع العربي) باستثناء تونس التي مثلت حالة فريدة في الانتقال الديمقراطي ، اما مصر ما زالت تعانى من موجات ارتدادية تتمثل بالعمليات الارهابية من قبل التنظيمات الارهابية خاصة في شبه جزيرة سيناء، وهناك في ليبيا ما زالت في صراعات قبلية ودينيه لم تنتج ثورتها بعد قتل العقيد القذافي أي نظام سياسي سوى المزيد من الانشقاقات والقتل ، في حين تعيش اليمن بعد ازاحة الرئيس السابق على صالح صراعات وتحالفات جديدة تمثلت بسيطرة جماعة أنصار الله الحوثية على المشهد السياسي والعسكري في اليمن مما دعي السعودية للتدخل عسكرياً للوقوف بوجه التمدد الحوثي، من جهة النظر السعودية فالحوثيين احد مخالب ايران في شبه الجزيرة العربية ، لقد اصبح تحقيق الامن الداخلي هو الهدف الأسمى لتلك الدول.

ب‌. تعاظم دور السعودية الإقليمي.

السعودية وحلفائها بدول الخليج قوة فاعله عسكريا وسياسيا على المستوى الإقليمي فهناك التدخل العسكري الجاري في اليمن من خلال عمليتي عاصفة الحزم وعاصفة الامل، وايضا التدخل سياسيا وعسكريا بالتعاون مع تركيا في سوريا عبر دعم مكونات الجيش السوري الحر ، بالإضافة الى تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للحكم في مصر .

السعودية تسعى لدور إقليمي فاعل: من اجل المحافظة على مصالحها السياسية والاقتصادية لذلك سعت الى اقامة حلف إسلامي لمحاربة الارهاب، وتنفيذ مناورة – رعد الشمال – بمشاركة 55 دولة عربية واسلامية استخدمت فيها مختلف التشكيلات والمعدات العسكرية. لتأكيد نفسها مجدداً بوصفها قوة مُقررة للأمن والسلطة في الشرق الأوسط.[1]

ت‌. غياب دور جامعة الدول العربية

الملاحظ في ظل هذه التغيرات المتسارعة في الاقليم هو غياب دور جامعة الدول العربية وعدم قدرتها على وضع حل سياسي للازمة السورية او الازمه اليمينة وقبلا الانقسام الفلسطيني، وهذا ينبئ بشيء هام بأن ارادة ادارة الجامعة العربية مسلوبة امام الدول العربية القوية فترضخ لرغباتها ومشروعاتها.

ث‌. تصاعد القتال والعنف المذهبي: القى الصراع المذهبي في العراق وسوريا بظلاله على الساحة الدولية الناتج من وجود كتائب مسلحة شيعية المذهب في مقابل كتائب وفرق سنية مسلحة والقتل على الهوية. فالأحداث التي تشهدها اليمن وسوريا والعراق اوجدت كتائب مسلحه لحماية كل مذهب عبر تدخل مباشر من ايران وحلفائها من عرب وعجم( الى هنا حتى لا نخرج عن سياق الموضوع).

ج‌. الدور الإقليمي الإيراني:

بعد انتهاء المفاوضات الأمريكية الأوربية مع ايران وتوقيع اتفاق البرنامج النووي والذى نتج عنه رفع العقوبات الاقتصادية عن ايران، كل ذلك زاد من قوة ايران الاقتصادية والسياسية مما سيترك اثره بقوة على العلاقة بحلفائه في العراق وسوريا واليمن.

إيران تسعى لاستخدام الملف السوري في إطار تصورها لنفسها قطبا إقليميا قادرا على فرض إرادته على دول الإقليم بما يحقق مصالحه. ففي حين تشكل سوريا حجر الأساس في هذا المشروع، فإن خسارتها لنفوذها في سوريا سيعني عمليا انكفاءها إقليميا وتحولها إلى دولة قوية داخل حدودها[2]

خاتمه:-

ان الحالة الفلسطينية تعيش في مازق سياسي خطير نتيجة لانسداد افق الحل السياسي وتعثر المفاوضات التي لم تحقق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة كاملة السيادة على أراضي حدود الرابع من حزيران عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، إن الأهم من ذلك هو تعثر المصالحات الفلسطينية بسبب الانقسام والاختلاف في البرامج السياسية وما نتج عنه من غياب المرجعيات وتعدد الشرعيات كل ذلك زاد من تعقيدات المشهد الفلسطيني ووضع المشروع الوطني في ازمة، ذلك المشروع الذى سقط في سبيله الاف الشهداء وجيش جرار من الاسرى ومقاومة باسلة .

ان اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية يتطلب من الكل الفلسطيني ان يقف عند مسؤولياته، فجوهر التحرر الوطني الفلسطيني هو جعل مشروع الاحتلال الإسرائيلي مكلفاً لهم على كامل التراب الوطني الفلسطيني ، فتحقيق الانتصار يتم بتراكم الثورات والانتفاضات الشعبية وتفعيل المقاومة بكافة اشكالها ضد المشروع الاستيطاني ، ومن جهة اخرى تعزيز الديبلوماسية الفلسطينية عبر النضال على الساحة الدولية لتثبيت الحقوق الفلسطينية من اجل اقامه الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

ان الحكم على محورية القضية الفلسطينية من عدمه يتوقف على ما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا، فمركزية الصراع في الشرق الاوسط انتقلت مؤقتا من القضية الفلسطينية الى سوريا وذلك للتدخلات الدولية الفاعلة والمنظمات المسلحة العابرة للحدود، لم يعد هناك قوى ممانعة تتغنى بشعار تحرير فلسطين مؤدى ذلك انه في الاطار الإقليمي العام لن تعود القضية الفلسطينية كمركز تفاعلات في النظام العربي الإقليمي. وذلك لانشغال الدول الإقليمية العربية مصر والسعودية بأمنهم القومي في اليمن وسوريا بالإضافة الى مجابهة ايران والحد من نفوذها. هنا ما يمكن وصفه بالتنافس السعودي – الإيراني .

إن اعادة الاهتمام اقليميا ودوليا بالقضية الفلسطينية هو بيد الفلسطينيين انفسهم وذلك بإتمام المصالحة بين حركتي فتح وحماس اولا، ثانيا الحفاظ على انتفاضة القدس وكيفية تطويرها ، ثالثا تطوير واصلاح منظمة التحرير الفلسطينية واجراء الانتخابات الفلسطينية لتجديد الشرعيات الفلسطينية، رابعا توحيد الخطاب الإعلامي والسياسي الفلسطيني نحو العالم ومنظماته الدولية.

من حقنا المشروع ان نتساءل هل لدينا استراتيجية فلسطينية لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية وهل استطعنا ان ننأى بأنفسنا (سياسة المحاور والاستقطاب) عن التدخل بالشؤون الداخلية للدول او رهن القرار لتلك الدول بعيداً عن الوطنية الفلسطينية ؟

أ. خالـد جميــل القطراوي

باحث في العلوم السياسية

Khaldon1971@hotmail.com

[1]لينا الخطيب، موقع صحيفة الحياة http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/8339076

[2]غياث بلال ، موقع الجزيرة للدراساتhttp://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2015/3/10

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى