دراسات مغاربيةقضايا بيئية

التغير المناخي بين الواقع والمبالغة – ليبيا دراسة حالة

للدكتور: امحمد سليمان صميده

فالدراسات والشواهد تدل بأن انتشار التصحر والجفاف هما الظاهرتين الرئيسيتين المهددتين لمناطق شمال افريقيا . كذلك تتضمن الدراسة طرح مسألة تخوف البعض من ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة ذوبان جليد القطبين وحدوث فياضانات هائلة تعم أجزاء واسعة من المعمورة وتتدفق المياه لتغرق سواحل شمال افريقيا وتطال جزءا شاسعا من الصحراء الكبرى داخل الأراضى الليبية وما تحدثه من تغيرات بيئية وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية. كذلك سوف نتعرض الى أهمية هذه الصحراء الحارقة القاحلة وسوف نرى كيف أنها الدخر الوحيد المتبقى لدينا بعد انتهاء مرحلة النفط .

. مقدمة:

استجابة الى طلب هذه الصحيفة ، يسرنى أن أضع هذه الدراسة الأولية المتواضعة فى متناول القراء الكرام لالقاء الضوء على مخاطر وأهمية بعض المشاريع التى سبق وأن اقترحت أو أن تطرح مستقبلا سواء كانت تلك مشاريع تنموية كاحياء جزء من الصحراء الكبرى كجلب مياه البحرفى بحيرة أو بحيرات داخل الأراضى الصحراوية أو فى مواجهة التغيّرات المناخية المتوقعة حيث أن أحدها قد نشر بهذه الصحيفة فى فترة سابقة.

لقد تطرق المقال بأن أجزاء من الصحراء الكبرى الواقعة ضمن الأراضى الليبية قد تستخدم أو أن تكون عرضة لمخاطر الفيضان الكبير المنتظر بسبب ذوبان جليد القطبين الجنوبى والشمالي نتيجة التغيرات المناخية التى يمكن أن تطرأ على مستوى شاسع من الكرة الأرضية . هنا، أود أن أضع بعض الحقائق العلمية المتعلقة بهذا الموضوع للتمعن والتبصر من قبل القراء.

المصادر الرئيسية للامطار:
ينحصر سقوط الأمطار على الشريط الساحلى خلال فترة الشتاء وتدل تسجيلات الأمطار بأنها تتناقص عما كانت عليه خلال الحقب الزمنية السابقة فعند مقارنة موسم أمطار سنة (2009-2010) بأمطار الثلاثين سنة الماضية لا نجدها تتجاوز 40% فى مجملها عدا فى بعض من المناطق تصل فى أقصاها الى 66%. يرجى الاطلاع على نشرة الأمطار الشهرية الصادرة عن ادارة المناخ والآرصاد الزراعبة بالمركز الوطنى للأرصاد الجوية. كذلك اذا ما تفحصنا مجموع كميات الأمطارالمسجلة خلال فترة ثلاثين سنة (1931-1960) نجد أنها لا تتجاوز 400 مم سنويا تصل فى أقصاها الى 600 مم وفى عمق لا يتجاوز مئتي كيلومتر من ساحل البحر.
تصنف مناطق أمطار ما فوق 2500 مم بأنها مناطق شبه جافة والتى تقع هذه ضمن الشريط الضيق للسواحل الليبية وتقل الأمطارفيها تدريجيا كلما اتجهنا جنوبا لتقع بقية المناطق ضمن الصحراء الكبرى حيث لا أمطار تذكر هناك أو لا أمطار اطلاقا للعديد من السنوات .

الجفاف وارتفاع مستوى البحر:

ظاهرة الجفاف مستمرة والصحراء تزحف نحو الشمال ويؤكد على هذا ما نشر بمجلة العلم (Science) الأمريكية فى عددها رقم 26 الصادر فى مايو 2006 ، فقد قام فريق من الباحثين فى جامعة واشنجتون بدراسة التغيّرات التى تعرّض لها حزام الضغط المرتقع فوق المدارى (Sub-Tropical High) واتضح بأن حزام الضغط قد اتسع تأثيره وتحرك درجتين عرضيتين (~222 كم) نحو الشمال فى الفترة (1979- 2005). هذا الزحف الصحراوى يجبر الحزام المطرى للتحرك نحو الشمال أيضا وبذلك تقل أمطار جنوب البحر المتوسط وشمال افريقيا ومن ضمنها السواحل الليبية.

كذلك قام برنامج الأمم المتحدة الانما ئى (UNDP) بعدة دراسات بيئية تتعلق بالتصحّر والجفاف وتتبع التغيّرات الواقعة فى عدة مواقع كان من ضمنها التغيّر المائى فى بحيرة تشاد حيث أنها الآن بصدد الجفاف الكامل . هذا ويصنف البرنامج بأن معظم سواحل شمال افريقيا تقع ضمن المناطق الجافة.

الدراسة المشار اليها بجامعة واشنجتون تشير الى أن المرتفع الفوق مدارى يتحرك شمالا بسرعة خطين عرضيين لكل ربع قرن واذا كان المرتفع الآن فوق خط عرض 30 درجة شمالا فنتوقع بأن يعبر ،أي المرتفع، السواحل الليبية بأكملها فى فترة الأربعين سنة القادمة على افتراض أنه يتحرك بنفس النمط والسرعة. غير أنه لا يمكن الجزم بهذه النتيجة وعادة ما توضع عدة سينايوهات (Scenarios) فى مثل هذه الدراسات للحصول على دلالات ومؤشرات يجب أن تؤخذ فى الحسبان ولا يجب تجاهلها فمثلا نستطيع وضع ثلاث سينايوهات عل النحو التالى:

· يتحرك المرتفع بنفس السرعة : فى هذه الحالة يصبح الطقس والمناخ فى المناطق الساحلية شبيها بطقس ومناخ المناطق الواقعة جنوبا فى عمق 300 كم. أى مزيدامن التصحّر والجفاف وتناقص الأمطار وتحوّل المناطق الشبه جافة الى مناطق جافة.

· يتحرك المرتفع بسرعة أقل : نحصل على نفس النتيجة مع تأخر التوقعات السابقة.

· لا يتحرك : يبقى الوضع كما هو عليه.

الدراسة تقول بأن سبب تحرك المرتفع نحو الشمال يرجع الى ظاهرة الاحتباس الحرارى بالغلاف الجوى نتيجة تزايد غازات البيوت الخضراء أو اضمحلال طبقة الأوزون فى أعالى الغلاف الجوى أو الاثنين معا والسؤال المفاجئ هنا : هل اذا برد الغلاف الجوى سيتحرك هذا المرتفع الى الجنوب، وهذا سيناريو رابع، مبعدا معه الجفاف والتصحّرعن المناطق الساحلية ويسمح فى نفس الوقت بسهولة مرور المنخفضات القادمة من الأطلسى. ليس من السهل اعطاء اجابة مباشرة وقاطعة حيث أن التبريد واستمراره يجعل الهطول يأخد الصورة الصلبة (ثلوج) بدل الماء السائل. استمرار حالة التبريد يقود الى حدوث عصر جليدي جديد وتزداد التعقيدات أمام الحصول على اجابة واضحة ونصبح نواجه وضعا جديدا بعيدا عن ذوبان الجليد والفيضانات ونحتاج الى دراسة الوضع الجديد ولهذا تم استبعاد هذا السيناريو الرابع.

بالأمس القريب وقع الانفجار البركانى الشديد بجزيرة أيسلندا حيث أن هذه الجزيرة تقع فوق بركان نارى فى وسط الماء ولهذا عرفت هذه الجزيرة الصغيرة باسم الباب الخلفي لجهنم. هذا البركان أطلق آلاف الاطنان من الغباروالغاز الى أعالى الغلاف الجوى. يترسب الغبار فى غضون أيام أوأسابيع على الأكثر أما الغازات فستبقى لفترات أطول وهي التى سيكون لها تأثيرعلى الطقس والمناخ . يعمل هذا الوضع الجديد على انقاص شدة الاشعاع الشمسى الواصل الى سطح الأرض الأمر الذى يقلل أو يبطئ من زيادة ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوى ومن يدرى قد يحدث انفجار بركاني آخر فى موقع آخر ولا نملك أن نعرف ما سوف يحدث من تغيّرات طبيعية أخرى مستقبلا وأغلب التقارير لا تشير الى حدوث تغيّرات جوهرية بسبب بركان أيسلاندا. حتى الآن وقبل حدوث أية تغيّرات جوهرية أخرى فانى أرجح السيناريو الثانى فى هذا الحوار:
أى انتشار التصحّر وشحّة الأمطار.
يتزامن هذا مع قرب انتهاء مرحلة النفط الزاهرة حيث أن العديد من مجتمعات العالم حققت ازدهارا كبيرا فى هذه المرحلة بدا واضحا فى مدى التقدم العلمى والتقنى والصناعى واطلاق مشاريع تنموية عملاقة متعددة ويعزى هذا التقدم السريع الى توفر النفط ورخص ثمنه من ناحية والى جدية ومقدرة هذه المجتمعات فى تحقيق خياراتهم خلال حقبة الستين سنة الماضية.
تشير الدراسات بأن الانتاج النفطى يبلغ أعلى ذروته فى الوقت الحاضر (2010) حيث اعتمدت مثل هذه الدراسات عل نظرية القمة (Peak theory) فكل من المعهد الدولى للمراقبة (World Watch Institute) ومجموعة أسبو(ASPO) للدراسات النفطية وغيرها تؤكد هذا الحدث وأن العالم سيواجه أزمة حادة فى امدادات النفط ولن تكون هذه الامدادات بالسهولة كما هو الحال الآن خلال الأربعين أو الخمسين سنة القادمة. يرجى الاطلاع على قمة انتاجية النفط فى الشكل رقم (4).
اضافة الى هذا المنحى الهام أود الاشارة أنه بالامكان حساب فترة عمر النفط المتبقية من خلال البيانات المتوفرة فاحصائيات النفط تقول بأن الاستهلاك العالمى اليومى هو 85 مليون برميل وأن الاحتياط العالمى هو 1300 بليون برميل وبذلك نجد أن فترة عمر النفط المتبقية لن تتجاوز42 سنة. هذا على افتراض أن الاستهلاك يستمر بمعدل هذه الأيام . اذن لا شك فى أن النفط آيل الى الزوال ولابد من البحث عن مصادر بديلة كي تستمر عجلة الحياة. يعمل الاتحاد الاوربى جاهدا وبشكل محموم للوصول الى تقنيات ذات كفاءة عالية لتسخير طاقات جديدة تحل محل الطاقات التقليدية المتناقصة ويضع سنة 2050 سقفا زمنيا يعمل خلاله فى الوصول الى تحقيق اعتماده الكامل على الطاقات البديلة خال من استخدامات النفط كطاقة الشمس والرياح والموج وفعاليات غاز الهيدروجين وغيرها من طاقات أخرى متعددة كامنة بهذا الكوكب. الحقيقة هو أن الدول الصناعية الكبرى بدأت فى اطلاق مثل هذه المشاريع عقب الأزمة النفطية سنة 1973 وأخذت بعض الدول، كألمانيا واليابان، عل عاتقها استكشاف وتطوير مصادر بديلة للطاقة استمرت، ولا زالت، طوال عهود حكوماتها المتعاقبة .
لاشك بأن مجتمعات الدول المصدرة للنفط ستكون أكثر تضررا حيث أن اقتصاد هذه الدول اعتمد وبشكل رئيسي على العائدات المالية للنفط خلال العقود السابقة ولا زال كذلك حتى اليوم والسؤال الكبير والهام الذى يتبادر الى دهن كل منا هو :
ماذا أعددنا لأنفسنا لمواجهة مرحلة ما بعد النفط وماذا أعددنا لمواجة انتشار التصحّر وتزايد شحّة المياه وكيف يمكن لنا مواجهة التحديات القادمة ؟. يقول القائل أنظر حولك تجد الحل وهذا ما سنحاول التطرق اليه فى البند التالى.

5. هذه الصحراء
الشمسهي أم الطاقات كلها على سطح هذا الكوكب والمجموعة الشمسية كلها ، وتختلف شدة اشعاعها من كوكب الى آخر ومن مكان الى آخر على نفس الكوكب. تسطع الشمس فوق الأرض الليبية فى المعدل العام بطاقة 5 كيلووات ساعة لكل متر مربع واحد فى اليوم الواحد وكلما اتجهنا جنوبا ازدادت هذه الطاقة لتصل الى 8 كيلووات ساعة أو أكثر.(يرجى الاطلاع على موضوع الطاقات المتجددة فى العدد 28 من مجلة البيئة). معنى هذا أن الكيلومتر المربع الواحد يستلم كمية من الطاقة مساوية الى 5 مليون كيلووات ساعة تجود بها الشمس علينا كل يوم.
هذه الطاقة الدائمة المستدامة النظيفة تكافئ طاقة 3000 برميل من النفط.بالطبع ليس فى الامكانتسخير كل الطاقة الشمسيةالساقطة على مساحة ما كطاقةاستهلاكية بالكاملوبالطبع فان المردود يعتمد على كفاءة التقنية المستخدمة فى التحويل : أي تحويل طاقة أشعة الشمس الضوئية الى طاقة كهربية مثلا . تدل آخر التقارير بأنه أمكن الوصول الى كفاءة تزيد عن 40% فى التقنيات الفوتوفلتية (Photovoltaic technology) وأن هذه الكفاءة فى ازدياد مضطرد لتصل الى ما فوق 80% بمرور الوقت وازدهار صناعة الطاقات البديلة. كلنا يعلم بأن انجاز أي مشروع يعتمد بشكل رئيسي على تدفق طاقة كافية وهذه الصحراء كفيلة بتوفير طاقة كافية وكافية جدا تكفى الاستهلاك المحلى بل أنها قادرة على امداد العالم أجمع بطاقة تكافئ جميع امدادات النفط العالمية وأكثر من ذلك بالعديد من المرات. كل هذا بفضل الشمس والصحراءالقاحلة الحارقة.

اعتمادا على الاحصائيات الدولية المتوفرة باستهلاك النفط وكفاءة التحويل فى تقنيات الفوتوفلتية فان الجدول التالى يحدد المساحات المتطلية لتوليد طاقة مكافئة للاستهلاك النفطى المناظر:

تقديرالمساحة المكافئة لطاقة النفط من الطاقة الشمسية المستلمة بالصحراء الليبية
بكفاءة تحويل = 30%

 

النفط
عدد براميل النفط
المساحة المكافئة ( كم2)
الاستهلاك المحلى
300,000 برميل فى اليوم
333
تصدير ليبيا اليومى
1.8 مليون برميل فى اليوم
2000
الاستهلاك العالمى
85 مليون برميل فى اليوم
94463

لقد أسيئ استخدام النفط طوال العهود السابقة من قبل المصدرين والمستوردين على السواء . المصدرون لم يضعوا فى اعتبارهم بأن النفط مادة استراتيجية يجب أن يوظف جزء من دخوله فى اطلاق مشاريع استراتيجية هامة طويلة المدى تحقق تنمية فعلية تضمن مستقبل حياة كريمة. ليس هذا فقط فقد دهبت بعض الدول العربية النفطية فى تزويد الجيش الأمريكى بما كان يحتاجه من نفط خلال حروبها كحرب عاصفة الصحراء مجانا طوال فترة الحرب حسب ما ورد بتقرير مؤسسة راند الأمريكية (Rand Corporation Report) فبلغت هذه الصدقة 44 مليون برميل . أما المستوردون فاساءتهم كانت أعظم ، فكانت منهجيتهم مبنية على الاستغلال والتهديد وفرض العقوبات واثارة الفتن ونشر الحروب كان آخرها حرب العراق التى بنيت على كذبة ولازالت الكذبة مستمرة. تقدر تكاليف حرب العراق حسب تقارير الأمريكين أنفسهم بمقدار 2.5مليار دولار فى الأسبوع الواحد وثلث هذا المبلع أى 833 مليون دولار أسبوعيا تخصص للنفط ومشتقاته فى ادارة هذه الحرب أوادارة هذه الكذبة. أليس هذا هدرا للنفط المتناقص ؟ يرجى الاطلاع على الملحق (2) للا حساس بقيمة برميل النفط الذى يهدر بدون حساب وفى كل مكان ونكتفى بهذا القدر فى مسألة سوء استخدام النفط كي لا تفقد الدراسة طابعها العلمى.

يجب ملاحظة أنه اعتمدنا فى الجدول السابق أقل كفاءة تحويل عما تم تجربته وكذلك طاقة شمسية مساوية الى 5 كيلووات ساعة فى اليوم الواحد لكل متر مربع فى جميع المناطق حيث أن معلومات الطاقة الشمسية المقاسة المتوفرة محليا محدودية المكان والزمان ونأمل مستقبلا فى الحصول على شبكة قياس متطورة تقيس جميع عناصر مكونات الطاقة الشمسية والمناخ والتلوث وعناصر بيئية أخرى من أجل الحصول على حسابا ت أكثر دقة وشمولية وتوفرها ضرورى لاجراء التقديرات والحسابات اللازمة. أما ادا اعتمدنا مثلا أن كمية الطاقة الشمسية لكل متر وبع واحد فى اليوم مساويا ال 8 كيلووات ساعة ففى هذه الحالة نجد أن المساحات المكافئة فى الجدول السابق تقل بمعدل 62% .

لا حظ أن مجموع مساحات الطاقة المكافئة فى الجدول السابق لا تتجاوز 5.5 % من مساحة الأراضى الليبية ولننظر الآن سويا فى كيفية وضع هذه الأفكار موضع التطبيق والتنفيذ : اذا ما أردنا الحصول على طاقة عالية لتوظيفها على مستوى شاسع (Large scale deployment) كاستثمار مساحة 2000 كم2 فانه يفضل فى هذه الحالة تقسيم المساحة الى مساحات صغيرة بالقدر الذى يلائم المنطقة ويلائم امكانيات التركيب والصيانة الى غير ذلك من الأمور التقنية المتعددة الأخرى ، فاذا ما قسمنا مساحة الألفي كم22 الى خمسين موقعا مثلا تكون مساحة كل موقع أو كل محطة كهروشمسية مساوية الى 40 كم2 أى مساحة مربع لا يتعدى طول ضلعه 6.4 كم . هذه المحطة قادرة على انتاج طاقة كهربية مساوية الى 60 مليون كيلووات ساعة فى اليوم الواحد (كفاءة التحويل = 30% وطاقة الشمس = 5 مليون كيلووات ساعة لكل كيلومتر مربع فى اليوم) أو ما يكافئ طاقة 36 ألف برميل (36000) من النفط. اذا اعتمدنا سعر برميل النفط السائد هذه الأيام ، 80 دولارا للبرميل الواحد فهذه المساحة القاحلة الصغيرة والشمس الحارقة وعقل الانسان، كلها مجتمعة ، تكسبنا مبلغ 2880000 دولار(حوالي 3 مليون) كل يوم وهي أموال نظيفة مستديمة خالية من التلوث وبالأخص ثانى أكسيد الكربون العنصر الأكثر فعالية فى احداث تغيّرات مناخية . أما فيما يتعلق بالتوظيف الكهروشمسى المحدود كما فى حالة المنازل والمحلات التجارية وبعض المرافق العامة الأخرى فالمسألة أكثر سهولة فاذا فرضنا أن الاستهلاك اليومى لمنزل ما 100 كيلووات ساعة فتوليد هذه الطاقة لا يتطلب مساحة أكبر من ثمانية أمتار مربعة وغالبا ما تكون متوفرة على أسقف المنازل أو المحلات التجارية وغيرها ذات الاستهلاك المحدود. ان العديد من دول العالم تشجع القطاع الخاص وقطاعات الدولة فى توظيف الطاقة الشمسية وخصوصا ذات الطابع المحدود وأصبحت بعض هذه الدول لا تصدر تراخيص البناء الا بعد أن يستوفى مخطط المبنى لمواصفات استيعابه لمعدات الطاقات المتجددة.

بعد عرض هذه الصورة المضيئة للصحراء يسأل السائل الآن : ماذا يحدث عندما تغيب الشمس ويحل الظلام؟ والاجابة هنا ذات شقين :
· فيما يتعلق بالامدادات المحدودة كما هو فى حالة المنازل والمحلات التجارية يتم تخزين الطاقة بالنهار فى بطاريات ذات سعة كافية تستعمل ليلا أو الحصول على الامداد من الشبكة العامة للكهرباء .
· أما فى حالة المتطلبات الكهربية الكبرى يتم أيضا تخزين الطاقة بالنهار ولكن فى صورة حرارية داخل مادة ما مثل الماء أو الزيت أو الملح حيث أن هذا الأخير لا يفقد حرارته بسهولة وانصهاره يتطلب الوصول الى حرارة ما فوق 800 درجة مئوية. تستخدم هذه الحرارة المخزّنة عند غياب الشمس لتوليد كهرباء كما هو فى حالة التوليد بالطرق التقليدية. هناك أفكار أخرى متقدمة كأن تركب مرايا صخمة على قمر صناعى تعكس أشعة الشمس فى اتجاه الموقع المراد اضاءته عند غياب الشمس عليها كما توجد أفكار أخرى وتقنيات أخرى يضيق المقام لاستعراضها فى هذه الدراسة والبحث والتطوير والتصنيع مستمر بأعلى درجات التسارع ونحن لا نقوم الا بالقليل القليل اليسير أو لا نقوم بأي شيئ يذكر فلماذا ولماذا ؟؟؟.
اذا ما أمّنا تدفق الطاقة فانه بالامكان تعويض شحة الآمطار واقامة مراكز متعددة للتحلية وقد تقام بجوار محطات الكهروشمسية وأن كثيرا من محطات التحلية هي فى الخدمة الآن والمستقبل ينتظر تقدما وتطورا زاهرا فى رفع كفاءة الانتاج فى كل من مجالي الطاقة والمياه. أما مكافحة التصّحر فيتم التغلب عليها بالتوقف على ازالة الغابات بالمطلق والتشجيرالمستمرالذى لا سقف لنهايته بالمطلق أيضا فى المدن والقرى وخارجها. يبدو الآن بأن الصورة أصبحت أكثر اشراقا بفضل الشمس والصحراء ولم تعد قاتمة كما كانت فى أول المقال .

أتمنى بأن يتفهم القراء الكرام حيوية وأهمية التحوّل الذى تتجه نحوه المجتمعات الدولية وأن يقوم مجتمعنا
أو مجتمع المنطقة ككل للتحضير فى مواجهة التحديات القادمة والمساهمة الحقيقية فى برامج التنمية المختلفة لعهد مرحلة ما بعد النفط ولا يجب علينا انتظار ما يجود به علينا العالم الآخر كما عودنا أنفسنا طوال العهود السابقة. لقد مرت علينا عدة عهود شهدت تحوّلات طاقوية وعلمية وتقنية هامة مرور الكرام كان دور المنطقة فيها هامشيا بداية بعهد الفحم الحجرى مرورا بعهود البخار والطاقة النووية لم يكن لنا خلالها مساهمات تذكر، ثم أخيرا مرحلة النفط واقتصر دور المنطقة الأساسى فيها على التصدير لا غير، ورغم مرور ما يزيد على الخمسين سنة على صناعة النفط فلا زلنا نعتمد اعتمادا كاملا على الخارج فى استيراد كل ما يتعلق بهذه الصناعة وكأننا اقتنعنا أو أقنعنا بأن دورنا فى هذه الصناعة لا يتجاوز التصدير وقبض الأموال وصرفها على مواد استهلاكية تصدّر الينا أغلبها من الدول المستوردة . انى أخشى ما أخشاه أن تستمر حلقة الدوران هذه ونبرم عقود طاقة الشمس ونصدّرها كما هوالحال الآن مع طاقة النفط ونبقى مبعدين أو مبتعدين طوعا عن الانضمام الى دائرة العلم والمعرفة الحقيقيتين.

اذا ما أردنا تحقيق تنمية فعلية حقيقية يجب علينا أولا أن نشخص الأخطاء ونحددها ونبحث عن مسالك أخرى تقودنا الى الأفضل وثانيا لن تتحقق أية تنمية ذاتية الا بعد أن يتعرّفكل فرد فى المجتمع عن حجمه الحقيقى ويقوم بتقييم ذاته من تلقاء نفسه دون دفع الآخرين بوضعه فى موقع لا يتلاءم وحجم المعرفة التى يتطلبها الموقع وبالتلى لن نصل الى التنمية الحقيقية المرجوة وفى الأخير خسارة جماعية ويصبح الكل يلوم الكل ولا أحد يلوم نفسه وهنا أود بأن أذكر القارئ الكريم بأن المجد (التنمية الفعلية) الذى نبحث عنه دائما ولا نجده لا يصنع الا بالعلم والمعرفة والعزيمة والتنمية البشريةوعندها الكل يتعاون مع الكل لتحقيق التنمية الذاتية.
د/ امحمد سليمان صميده

البيانات المناخية : المركز الوطني للأرصاد الجوية

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى