دراسات سياسية

التقدير الاستراتيجي (101): مستقبل العلاقة بين حماس ومصر في ضوء تفاهمات القاهرة الأخيرة

تقدير استراتيجي (101) – آب/ أغسطس 2017.

ملخص:

شكلت التفاهمات الأخيرة بين مصر وحركة حماس التي أعقبت زيارة وفد قيادي من قطاع غزة للقاهرة، تطوراً نوعياً مهماً في سياق العلاقة المتأزمة بين الطرفين.

وفيما لعبت الأزمة المتفاقمة بين قطر وعدد من الدول العربية دافعاً لمصر لإحداث انعطافة مهمة في علاقتها مع حماس، كان لإجراءات عباس التصعيدية الأخيرة بحق قطاع غزة تأثيراً واضحاً في توجه الحركة نحو مزيد من الانفتاح على مصر وإجراء حوارات مع القيادي السابق في فتح محمد دحلان.

وترجّح جملة من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية تواصل الانفتاح بين مصر وحماس في المرحلة الراهنة. وأن تمضيا قدماً في تطبيق تفاهماتهما الأخيرة، ما يوفّر فرصة لتخفيف الحصار على قطاع غزة بدرجات متفاوتة، ويؤهل القاهرة لتعزيز حضورها في الملف الفلسطيني ولرعاية صفقة تبادل أسرى بين حماس والجانب الإسرائيلي. كما تفتح التطورات الأخيرة المجال أمام الضغط على محمود عباس وقيادة فتح باتجاه حصول تغييرات في إدارة مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني خلال الفترة المقبلة.

أولاً: المقدمة:

فاجأت التفاهمات الأخيرة بين مسؤولين مصريين ووفد حركة حماس من قطاع غزة منتصف حزيران/ يونيو 2017، الأوساط السياسية من حيث توقيتها ومضمونها، وشكّلت تطوراً مهماً في سياق العلاقة بين الطرفين.

فالأسابيع التي سبقت تلك التفاهمات شهدت تصعيداً كبيراً في موقف حكومات مصر والإمارات والسعودية والبحرين تجاه قطر وجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وصلت حدّ اتهامها بممارسة الإرهاب وتقديم الدعم له، الأمر الذي فجّر أزمة خطيرة داخل البيت الخليجي انعكست بصورة سلبية على العلاقات العربية العربية وعلى المشهد الإقليمي المضطرب.

ويطرح هذا التطور المفاجئ في علاقة مصر بحماس العديد من التساؤلات حول دوافع الانفتاح الأخير على الحركة، وانعكاسات ذلك على المشهد الفلسطيني المنقسم والمأزوم، وعلى مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية، وعلاقات حماس مع العديد من الأطراف الإقليمية.

ثانياً: خلفيات الأزمة وانعكاساتها:

شهدت سنة 2007 بداية أزمة العلاقات بين مصر وحماس، عقب توتر الأوضاع في قطاع غزة ووقوع مواجهات مسلحة بين حركتي فتح وحماس، أفضت إلى سيطرة الأخيرة على غزة وخروج أجهزة السلطة منها، لتبدأ حالة انقسام فلسطيني فشلت كل المحاولات في وضع حدّ لها حتى اللحظة.
وجاءت تلك المواجهات بعد أشهر من فوز كبير حققته حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006، وما تلا ذلك من تشكيل حكومة فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، لم تتمتع بعلاقات دافئة مع القيادة المصرية في عهد الرئيس المصري حسني مبارك.

ومنذ سيطرة حماس على القطاع أغلقت القيادة المصرية معبر رفح معظم الفترات الزمنية باستثناء التعامل مع بعض الحالات الإنسانية ولفترات محدودة جداً. تزامن ذلك مع إغلاق إسرائيلي لبقية المعابر مع غزة، ما فرض حصاراً محكماً على القطاع استمر طيلة السنوات اللاحقة.

وتصاعد التوتر في العلاقات بين القيادة المصرية وحماس بصورة كبيرة عقب إعلان رئيسة الوزراء الإسرائيلية تسيبي ليفني من القاهرة قرار شنّ الحرب على حماس وقطاع غزة أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر 2008، لتستمر العلاقة بين مدّ وجزر في الفترة المتبقية من حكم مبارك.

وبعد تحسن ملحوظ في العلاقة بين حماس والقاهرة في عهد الرئيس محمد مرسي خلال الفترة ما بين منتصف سنة 2012 ومنتصف سنة 2013، عادت العلاقات لتتدهور بصورة خطيرة غير مسبوقة، إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي، حيث اتهمت القيادة المصرية الجديدة حركة حماس بالتدخل في شؤون مصر الداخلية، وبدعم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعم جماعات إرهابية متشددة في سيناء تستهدف القوات المصرية، وتمت محاكمة مرسي بتهمة التخابر مع حماس، وصدرت بعض الأحكام القضائية التي تصنف الجناح العسكري لحماس كمجموعة إرهابية، وإن كانت هذه الأحكام قد فشلت في أخذ شكل نهائي.

وأعقب ذلك إجراءات تصعيدية خطيرة مثّلت ذروة التوتر في العلاقة بين الطرفين، حيث شنّت السلطات المصرية حملة واسعة لهدم الأنفاق، وحُشدت القوات المصرية على الحدود مع القطاع بصورة أثارت المخاوف من احتمالات انزلاق الأمور نحو مواجهة عسكرية مع غزة، قبل أن تتراجع تلك المخاوف في وقت لاحق وتهدأ حالة التصعيد تدريجياً.

وترتّب على تفاقم أزمة العلاقات بين القيادة المصرية وحركة حماس خلال سنوات حكم عبد الفتاح السيسي جملة تداعيات:

1. فقد تسبب الحصار المحكم وتدمير الأنفاق التي شكّلت شريان حياة مهم للقطاع، بكارثة إنسانية خطيرة لقطاع غزة في مختلف مجالات الحياة، وألحق ضرراً بالغاً بالأوضاع الاقتصادية في القطاع، وكذلك بأوضاع المصريين القاطنين على الحدود مع غزة، والذين اعتمدوا على التجارة مع القطاع كمصدر رزق رئيسي.

2. وتأثر الوضع الأمني في سيناء سلباً بتوتر العلاقات بين الطرفين، فمن زاوية قلّص غياب التنسيق والتعاون بين حركة حماس وأجهزة الأمن المصرية قدرة تلك الأجهزة على ضبط الأوضاع الأمنية في سيناء، ومن زاوية أخرى تسببت أعمال التجريف وهدم البيوت في مناطق واسعة محاذية للقطاع بإثارة مشاعر الغضب لدى سكان تلك المناطق الذين يعيشون حالة فقر شديد، ما انعكس سلباً على الحالة الأمنية ووفّر مبرراً لانخراط بعض المتضررين من تلك الإجراءات في أنشطة مناوئة للسلطات المصرية.

3. ونتيجة لتوتر علاقاتها مع حماس، فقدت القيادة المصرية القدرة على مواصلة دور فاعل في الملف الفلسطيني الذي انفردت بإدارته لسنوات بتفويض رسمي عربي، وتراجع دورها بشكل واضح في القضية الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص في رعاية ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس، ما انعكس سلباً على طبيعة العلاقات الفلسطينية الداخلية، التي شهدت مزيداً من التراجع وتعميقاً لحالة الانقسام.

ثالثاً: مغزى التوقيت ودوافع الانفتاح الأخير:

تزامن الانفتاح النسبي في العلاقة بين حماس ومصر، مع تطورين مهمين قد يفسران بعض دوافع التغيّر الأخير في العلاقة:

التطور الأول: تفاقم التوتر في العلاقة بين قطر وكل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ودخول الأزمة حالة استقطاب شديد. وبعد أن أقحمت حماس من قبل الدول الأربع في سياق عملية التصعيد مع قطر، حصلت الانعطافة المهمة والنوعية في الانفتاح النسبي على الحركة.

ويرجّح أن يكون الدافع الرئيسي وراء تلك الانعطافة المهمة والاستدارة المفاجئة في مواقف تلك الدول، ردود الفعل السلبية الواسعة عربياً وإسلامياً على اتهام حركة حماس التي تقاوم الاحتلال بممارسة الإرهاب، حيث تسبّب ذلك بحرج شديد لتلك الدول وألحق الضرر بإدارة الأزمة مع قطر. وقد لوحظ استثناء حماس من قائمة الإرهاب التي أصدرتها الدول الأربع في وقت لاحق وتضمنت أسماء كيانات سياسية وشخصيات عامة.

وعوضاً عن مواصلة التصعيد مع حماس، برزت مؤشرات مهمة إلى رغبة مصرية إماراتية باستثمار الانفتاح على حماس في قطاع غزة لتحقيق عدة أهداف دفعة واحدة، في مقدمتها الدفع باتجاه إقصاء الحركة عن قطر بهدف حرمانها من ورقة سياسية مهمة، وكذلك استثمار العلاقة مع حماس لاستعادة حضور مصر في المشهد الفلسطيني، وتحقيق حضور مؤثر لدحلان في الساحة الفلسطينية.

التطور المهم الثاني من حيث التوقيت يتعلّق بإجراءات عباس التصعيدية بحق حماس وقطاع غزة، وممارسته ضغوطاً شديدة في الآونة الأخيرة، لمحاصرة الحركة وإخضاعها لشروطه، ودفعها للتخلي عن إدارة الأوضاع في غزة، في سياق مخطط متدرج للتعامل مع القطاع ككيان متمرد، الأمر الذي يفسر ردة فعل عباس الغاضبة إزاء تفاهمات حماس الأخيرة مع مصر، والتي رأت فيها حركة فتح على لسان عضو لجنتها المركزية محمد اشتية “تنفيساً” عن حماس، وإفشالاً لمخطط محاصرتها وزيادة الضغوط عليها.

وكانت إجراءات عباس بحق القطاع مسَّت رواتب الموظفين ومخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، ووصلت حدّ مطالبة سلطات الاحتلال بخفض كمية تزويد القطاع بالكهرباء. ويرجّح أن تكون إجراءات عباس القاسية بحق قطاع غزة وتضييق الخناق عليه، قد شكلت دافعاً مهماً لقيادة حماس في غزة للتوجه نحو مزيد من الانفتاح على مصر، وكذلك للانفتاح على دحلان الذي تشهد علاقته بعباس مرحلة كسر عظم، في سياق التنافس على زعامة فتح.

وإلى جانب هذا الدافع المهم بالنسبة لحركة حماس ثمة دوافع إضافية تتعلق بالبيئة السياسية الضاغطة إقليمياً ودولياً على الحركة، في مقدمتها تداعيات أزمة العلاقات الخليجية، وحالة الاضطراب التي تعيشها المنطقة، والمواقف السلبية المعلنة لإدارة ترامب تجاه حماس والتي عبّر عنها صراحة في خطابه أمام الزعماء العرب في قمة الرياض.

ولا شكّ أن مواجهة الضغوط المتصاعدة إقليمياً ودولياً، ومحاولة تلافي احتمالات التعرّض لمزيد من الحصار والاستهداف، يشكّل هدفاً مهماً وأولوية لدى حماس في ظلّ المعطيات الصعبة الراهنة.

رابعاً: مستقبل العلاقة:

من غير الواضح حتى اللحظة فيما إذا كان الانفتاح المصري الأخير على حركة حماس يمثّل توجهاً استراتيجياً يستمر لأمد طويل نسبياً، وما إذا كان يعبّر عن قناعة جديدة بضرورة اعتماد مقاربة سياسية مختلفة في العلاقة مع الحركة، التي تعدّ مكوناً رئيسياً في المعادلة الفلسطينية يصعب تجاوزه وتقتضي المصلحة نسج علاقة راسخة معه؛ أم أنه موقف عابر مؤقت تفرضه تكتيكات إدارة الأزمة مع قطر، والرغبة بتسويق دحلان وتعزيز دوره في المشهد الفلسطيني.

ويرجّح أن يتأثر مستقبل علاقة مصر بحركة حماس بعدد من المحددات، من أهمها:

1. المحدد السياسي المتعلق بدور مصر في القضية الفلسطينية، حيث تأثر حضورها سلباً بفعل توتر علاقاتها بحركة حماس التي تسيطر فعلياً على قطاع غزة، وتتمتع بتأييد شعبي واسع في الضفة الغربية.

ويرجّح أن تتزايد أهمية هذا العامل في حسابات القيادة المصرية في الفترة المقبلة، بما يحقق المصالح المصرية، ويقطع الطريق على احتمالات دخول أطراف أخرى على خطّ منافسة مصر في إدارة الملف الفلسطيني.

2. هناك محدد سياسي ثانٍ يتعلق بمنظومة علاقات مصر الإقليمية والدولية، وعلى وجه الخصوص مع “إسرائيل” والإمارات والولايات المتحدة، ومدى تأثير موقفها من حماس، سلباً وإيجاباً، على علاقتها مع تلك الأطراف.

وترجّح المؤشرات أن تكون التفاهمات المصرية الأخيرة مع حماس قد تمت بتنسيق مسبق مع الإمارات التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع دحلان. وعلى صعيد الموقف الإسرائيلي والأمريكي لم تصدر مواقف رسمية صريحة إزاء تفاهمات حماس الأخيرة مع مصر ودحلان، غير أن المرجح أن تكون مصر والإمارات قادرتين، بحكم علاقاتهما القوية مع “إسرائيل” وإدارة ترامب، على إقناع الطرفين بالنتائج الإيجابية المتوقعة لاعتماد خيار احتواء حماس إقليمياً، وإضعاف علاقتها بقطر وإيران.

3. المحدد السياسي الثالث يتعلق بفرص ترتيب المشهد القيادي في حركة فتح والساحة الفلسطينية، في ظلّ حالة فتور واضح في علاقة القاهرة بعباس، وحالة القطيعة السياسية بينه وبين الإمارات. فمن شأن تعزيز العلاقة مع حماس وإشراف دحلان على تنفيذ خطة الإنعاش الاقتصادي للقطاع، أن يعزز حضوره السياسي وشعبيته في الساحة الفلسطينية.

4. المحدد الأمني المتعلق بضبط الأوضاع في سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزة. ويدفع هذا العامل بوضوح صوب اعتماد القيادة المصرية سيناريو الانفتاح على حماس في غزة، واستثمار العلاقة معها في تحسين الواقع الأمني المضطرب في سيناء، والذي تحوّل إلى عامل ضاغط بقوة على السلطات المصرية في ظلّ تصاعد العمليات التي تستهدف الجنود المصريين.

5. المحدد الأيديولوجي المتعلق بالموقف من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تلتقي في المرجعية الفكرية مع حركة حماس. وقد أثّرت هذه العلاقة بشكل سلبي ملحوظ على علاقات القيادتين المصرية والإماراتية بحماس خلال الفترة الماضية.

ويبدو أن وزن هذا العامل يخضع لبعض التغيير في حسابات مصر والإمارات في الآونة الأخيرة بفعل المستجدات والمتغيرات السياسية. وربما تكون وثيقة حماس السياسية الأخيرة مطلع أيار/ مايو 2017 ساعدت في رسم الصورة التي حرصت الحركة على تقديم نفسها بها كحركة وطنية فلسطينية تنطلق أجندتها وأولوياتها من معطيات القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني، دون تعارض مع مرجعيتها الإسلامية العامة.

6. المحدد الاقتصادي المتعلق بالتبادل التجاري مع القطاع، حيث يُعدّ معبر رفح النافذة البرية الوحيدة للقطاع على العالم إذا ما استثنيت المعابر الإسرائيلية. ومن شأن تدفق المنتجات المصرية من معبر رفح إلى قطاع غزة أن يعود بالنفع الاقتصادي على الجانب المصري، وأن يسهم في تحسين أوضاع سكان المناطق المصرية المحاذية للقطاع (فضلاً عن فائدته لأهل القطاع). ما يجعل من المحدد الاقتصادي عاملاً إيجابياً يدفع باتجاه تخفيف حدّة الحصار، ومواصلة مسار تحسين العلاقة مع حماس وقطاع غزة.

وباستعراض مجمل المحددات السابقة التي تؤثر في موقف القيادة المصرية تجاه حركة حماس خلال الفترة القادمة، يتضح أنها تعزّز فرص الاستمرار في حالة الانفتاح وتطبيق التفاهمات الأخيرة. وعلى الصعيد الميداني جرى تنفيذ بعض الإجراءات الفورية فيما يتعلق بإدخال الوقود المصري إلى غزة، وأعلنت وزارة الداخلية في القطاع إقامة منطقة أمنية عازلة بعمق مئة متر على الحدود مع مصر. كما أعلنت حماس عن توجه فريق فني بقيادة عضو مكتبها السياسي روحي مشتهى لاستكمال ومتابعة تنفيذ التفاهمات مع مصر، في مؤشر مهم إلى رغبة متبادلة في تنفيذ التفاهمات المبرمة بين الجانبين.

خامساً: السيناريوهات المحتملة:

1. الانفراج التكتيكي المشروط: وينبني على أساس التقاء مصالح الأطراف (مصر – حماس – دحلان) بشكل مؤقت لتحقيق أهداف مرحلية؛ تنتهي بزوال مبرراتها، مثل تحقيق الأمن في سيناء، ومحاولة جرّ حماس باتجاه دول الحصار بعيداً عن قطر، وإيجاد موطئ قدم لدحلان للدخول من جديد في المعادلة الفلسطينية، وفكّ الحصار تدريجياً من جهة مصر عن غزة، وبالتالي إطالة أمد سيطرة حماس على القطاع، وإفشال مخطط عباس لإخضاعها. وينبني السيناريو على أن هذه الأطراف ذات أجندات وخلفيات مختلفة، وقواعد الخصومة والاختلاف فيما بينها أوسع بكثير من قواعد الشراكة، وهي أقرب ما تكون إلى شراكة اضطرار منها إلى شراكة اختيار. فانتفاء الحاجة المصرية لحماس في أمن سيناء، وتثبيت دحلان لنفوذه في القطاع، ووجود بدائل أفضل لحماس… قد يؤدي أيٌّ منها لانفراط هذا الانفراج أو تقزيمه. وهذا السيناريو يبدو مرجحاً.

2. الانفراج الاستراتيجي المستمر: وينبني على حرص الأطراف المعنية على إنجاح الشراكة، وإلحاقها بخطوات عملية تُرسِّخ التعاون فيما بينها بعد أن تجد ما لهذه الشراكة من فوائد ومصداقية تنعكس إيجاباً عليها كلّها، ليصبح ذلك مساراً مستمراً، يأخذ أمداً طويلاً، لعدم وجود بدائل أفضل لهذه الأطراف. غير أن الخلافات الجذرية بين هذه الأطراف المتعلقة بـ”الإسلام السياسي”، والموقف من المقاومة المسلحة، والموقف من إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، ومن مسار التسوية السلمية، ومن الثورات والتغيرات في العالم العربي، كلها عناصر تفجير يصعب تفاديها على المدى الطويل. مما يجعل تحقيق هذا السيناريو أمراً أكثر صعوبة أو مستبعداً.

سادساً: الانعكاسات المتوقعة لانفراج العلاقة بين الطرفين:

من شأن نجاح سيناريو انفراج العلاقة بين القيادة المصرية وحركة حماس أن يسفر عن عدد من الانعكاسات المهمة، من أبرزها:

1. تخفيف الحصار تدريجياً عن قطاع غزة وصولاً إلى رفعه بصورة كبيرة (من الجهة المصرية) وفق أفضل الاحتمالات، مع ما يترتب على ذلك من نتائج إيجابية على مستوى الوضع الإنساني والاقتصادي.

2. تعزيز العلاقات بين القاهرة وحماس وتجاوز حالة التوتر وأزمة العلاقة، لصالح تعزيز الحضور المصري في القضية الفلسطينية. وهو ما يوفّر فرصة قوية لدخول القاهرة على خطّ إنجاز صفقة تبادل أسرى بين حماس والجانب الإسرائيلي.

3. إضعاف عباس وتراجع قوته وتأثيره في المشهد الفلسطيني، ما يفتح المجال لخصومه ومستعجلي وراثته (ومنهم دحلان) للتقدم باتجاه محاولة قيادة فتح وإدارة مؤسسات العمل الوطني خلال الفترة المقبلة.

4. تعزيز قدرة أجهزة الأمن المصرية على ضبط الأوضاع في سيناء، مع الإشارة إلى أن العلاقة مع حماس وقطاع غزة تشكّل عاملاً واحداً، من بين جملة عوامل مهمة تؤثر في الوضع الأمني بسيناء، فثمة عوامل مصرية داخلية عديدة تؤثر بصورة جوهرية في تحديد طبيعة الوضع الأمني.

5. لا يبدو أن تعزيز العلاقات بين حماس في قطاع غزة وبين مصر والإمارات، بالشكل الذي تم حتى الآن، سيؤثر سلباً على علاقات الحركة الوثيقة مع قطر، التي تدرك حجم الضغوط التي تعرّض لها قطاع غزة والتأثيرات السلبية لإجراءات محمود عباس بحق القطاع، كما تدرك أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع حركة حماس التي عبرت عن موقف إيجابي نحو قطر في أزمتها الأخيرة مع بعض الدول العربية. كما أكدت حماس حرصها على تجنّب الإضرار بعلاقتها مع الدوحة التي تعترف حماس بفضلها في الوقوف إلى جانبها سياسياً وإنسانياً طيلة السنوات الماضية.

ويُتوقّع أن تسعى الحركة خلال الفترة المقبلة لنسج علاقات متوازنة مع الأطراف العربية، بمعزل عن تناقضات تلك الأطراف في مواقفها وتوجهاتها ومصالحها المتضاربة.

6. من المحتمل أن تتراجع الضغوط الإقليمية والدولية على حركة حماس على المدى القصير، لصالح إعطاء فرصة لمصر والإمارات للتأثير بالاتجاه المرغوب إقليمياً ودولياً في توجهات حركة حماس السياسية.

7. من المحتمل أن تسعى بعض الأطراف لإحداث شقٍّ أو صدعٍ في حركة حماس، من خلال اللعب على اختلاف مصالح وأولويات العمل في الداخل عنه في الخارج، وكذلك في قطاع غزة عنه في باقي المناطق؛ مع الإشارة إلى أن محاولات عديدة سابقة كان مصيرها الفشل.

سابعاً: توصيات:

1. ضرورة إنهاء الحصار الجائر غير الإنساني وغير المبرر، الذي فرض على قطاع غزة لنحو 11 عاماً لاعتبارات سياسية، وأهمية توقّف جميع الأطراف عن توظيف العامل الإنساني بصورة غير أخلاقية، في ممارسة الضغوط وفرض الإملاءات التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني.

2. التأكيد على أهمية تجاوز أزمة العلاقة بين مصر وبين حماس ومختلف القوى الفلسطينية، والمضي في مسار الانفتاح وترسيم العلاقات المصرية الفلسطينية، بما ينسجم مع العلاقات الأخوية بين الشعبين المصري والفلسطيني، وبما يخدم المصالح المشتركة. والتأكيد على أهمية دور مصر المركزي في دعم القضية الفلسطينية وإسناد نضال الشعب الفلسطيني.

3. ضرورة حلّ الخلافات العربية بالحوار، والنأي بالقضية الفلسطينية عن أن تقحم في التجاذبات والاستقطابات وصراعات المحاور العربية. وفي الوقت ذاته أن تحرص كل الأطراف الفلسطينية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأن تلتزم سياسة الحياد الإيجابي إزاء مختلف الخلافات والصراعات العربية، كي تبقى خارج دائرة الخلافات والتجاذبات وبما يحافظ على حدّ أدنى من الدعم العربي.

4. بذل الجهود لتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية وتجاوز كل أسباب الانقسام، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على قاعدة الشراكة الوطنية وتحقيق العدالة وتكريس الديموقراطية، بعيداً عن سياسات الهيمنة والإقصاء.

5. تعزيز تماسك قوى المقاومة، وخصوصاً حماس، وبناها الداخلية وآليات صناعة القرار فيها، في مواجهة المحاولات المستمرة لشقِّها وإضعافها.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ عاطف الجولاني بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

لتحميل التقدير، اضغط على الرابط التالي:

>> التقدير الاستراتيجي (101): مستقبل العلاقة بين حماس ومصر في ضوء تفاهمات القاهرة الأخيرة Word (8 صفحات، 85 KB)

>> التقدير الاستراتيجي (101): مستقبل العلاقة بين حماس ومصر في ضوء تفاهمات القاهرة الأخيرة (8 صفحات، 559 KB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/8/2017

TwitterLinkedinRedditTumblrGoogle+PinterestVkEma

 

vote/تقييم

SAKHRI Mohamed

أنا حاصل على شاهدة الليسانس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالإضافة إلى شاهدة الماستر في دراسات الأمنية الدولية، إلى جانب شغفي بتطوير الويب. اكتسبت خلال دراستي فهمًا قويًا للمفاهيم السياسية الأساسية والنظريات في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن الأدوات وطرق البحث المستخدمة في هذه المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى